اذهبي الى المحتوى
ميرفت ابو القاسم

التطبيق العملي للعقيدة *** دروس للشيخ عبد الرحمن المحمود

المشاركات التي تم ترشيحها

التطبيق العملي للعقيدة

 

 

 

 

 

الإسلام دين عقيدة وعمل، ولا ينفك أحدهما عن الآخر، وحين ترك كثير من المسلمين تطبيق العقيدة عملياً، واكتفوا بالجانب النظري حصل الانفصام والخلل، وحصلت الفرقة، وحلت المصائب، ونزلت البلايا والرزايا، ولهذا كان لزاماً على كل مسلم أن يجمع بين التطبيق النظري والتطبيق العملي، فإن هذا هو منهج الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.

تم تعديل بواسطة ميرفت ابو القاسم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

معنى التطبيق العملي للعقيدة

 

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي َتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71].

أما بعد: أيها الإخوة! أشكر للإخوة المشرفين على هذا المركز أولاً الدعوة للقاء معكم في هذه الليلة.

وثانياً: للاختيار الجيد الذي اختاروه ليكون عنواناً لهذا الدرس أو هذه المحاضرة، والذي هو: (التطبيق العملي للعقيدة).

أيها الإخوة! التطبيق العملي للعقيدة هو الثمرة الحقيقية لتلك الأمور التي يؤمن بها الإنسان بدأً بالإيمان بالله تبارك وتعالى وانتهاءً بالتصديق بكل ما أخبرنا به ربنا وأخبرنا به رسولنا صلى الله عليه وسلم، ومن ثمَّ فلو سأل سائل قائلاً: ما هو الهدف من هذه العقيدة؛ والتي تشمل كل ما يعتقده الإنسان، ويؤمن به مما جاءت دلائله واضحة صريحة؟ لجاء

 

الجواب

إنه التطبيق العملي.

وهذا التطبيق العملي -أيها الإخوة- يبدأ مع الإنسان في هذه الحياة الدنيا في تطبيق مقتضيات تلك العقيدة، ثم ينتهي إلى تلك النتيجة العظيمة حقاً حين يُهدى إلى طريق الجنات؛ فلأن الله هداه في الدنيا فإنه يُهدى يوم القيامة إلى طريق الجنات؛ جنات النعيم عند رب العالمين، ينعم فيها ولا يبأس أبداً، ويخلد فيها فلا يموت أبداً، ويلقى فيها من ألوان النعيم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

إذاً: هي نتيجة عملية في الدنيا ذات تطبيق عملي وذات أثر واقعي على حياة الإنسان في راحته النفسية وطمأنينته القلبية وفي معاشرته ومعاملته لجميع الناس، ثم هي أيضاً نتيجة واقعية عملية حين يلقى الإنسان ربه يوم القيامة بقلب سليم، أي: قلب مؤمن بالله سبحانه وتعالى عامل بمقتضى ذلك الإيمان.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

ظاهرة الانفصام بين النظرية والتطبيق العملي

 

 

 

 

إن من مصائبنا نحن المسلمين -وما أكثر مصائب المسلمين اليوم- هي ذلك الانفصام بين النظرية والتطبيق العملي في باب العقيدة، هذا الانفصام تجده مشاهداً على مستويات متفاوتة بين كثير من المسلمين، وهذا مما يؤُسف له؛ حيث تجد النظرية أحياناً جميلة، ممتازة، رقيقة، محبوبة إلى آخره، لكنك تلتفت إلى الواقع العملي فتجد الأمر مختلفاً.

وهذه تعتبر من المصائب الكبرى التي إذا أصيبت بها الأمم والشعوب تحولت عقيدتها وإيمانها ودينها إلى نظريات فقط، وانقلبت حياتها العملية إلى حياة أخرى بعيدة جداً عن ذلك التطبيق العملي، ولهذا فإن الله سبحانه وتعالى وهو يعلم تلك العصبة المؤمنة التي نزل عليها القرآن أول مرة، ناداها تبارك وتعالى بذلك النداء الذي يحمل معاني ومعاني، فقال الله تبارك وتعالى للمؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2 - 3].

وإذا كان هذا في باب القول فهو في باب الإيمان والاعتقاد من باب أولى، فإذا كنت تقول في نفسك: إنني أحب الله، وأخلص هذه المحبة لله، فلماذا عند التطبيق العملي تقدم محبة غير الله على محبة الله، وتقدم الهوى والنفس والشيطان والكسل، وتقدم أموراً تافهةً من أمور الدنيا فتحبها وتقدسها، وينشغل لها بالك ليل نهار، ولربما أخرت أو تركت طاعة لله سبحانه وتعالى من أجل ذلك الهوى وذاك الشيطان، وأنت تزعم وتقول: أنا عقيدتي صافية؛ وأنا أخلص المحبة لله سبحانه وتعالى؟! فلماذا اختلف الأمران؟! ولماذا اختلف اعتقادك النظري عن تطبيقك العملي؟! ولماذا تجاوزت التطبيق العملي في هذه المسألة؟! وهي مسألة واحدة من مسائل كثيرة من أمور الاعتقاد.

وهكذا يقول الإنسان: إنني أخاف الله، وأفرده بالخوف؛ لأنه وحده هو الذي بيده الأمر كله؛ بيده الحياة والموت، وبيده الرزق، وبيده سبحانه وتعالى كل شيء، فلا أخاف إلا الله؛ لأن البشر لا يملكون من الأمر شيئاً، ثم تأتي إلى هذا الإنسان في واقعه العملي فتجده يخاف من غير الله، فيخاف من سلطان، أو يخاف من جن، أو يخاف من ساحر، أو يخاف من عدو في أمر لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى، فنأتي ونقول له: لماذا انفصل الأمران عندك؟ فإذا كنت معتقداً تلك العقيدة على وجه صافٍ صحيح مؤصل، فلماذا تخاف من غير الله تبارك وتعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله تبارك وتعالى؟! وهكذا أيها الإخوة! إذا جئت إلى أي جانب من جوانب العقيدة فستجد أن مصيبة الأمة الإسلامية هي: أنها انفصلت عندها النظريات عن التطبيق العملي، أو بالأصح انفصل التطبيق العملي عن تلك النظريات التي يؤمنون بها ويصدقونها.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

منهج الرسل عليهم السلام في الدعوة إلى الله عز وجل

 

 

ومن هنا أيها الإخوة في الله! فإنني سأتحدث معكم عن جوانب من هذا الموضوع، وأقول لكم: إن ما سأتحدث عنه ما هو إلا الحلقة الأولى في هذا الموضوع الكبير؛ لأنني وجدت أنني لن أستطيع أن أوفيه حقه في جلسة واحدة؛ فسأبدأ معكم في الحلقة الأولى، ولعل الله أن يهيئ مناسبة أخرى لنكمل هذا الموضوع المهم، فأقول: أولاً: ما هو منهج الرسل عليهم الصلاة والسلام في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى؟ إن الله تبارك وتعالى رحمة بالبشر أقام عليهم الحجة بإرسال الرسل وإنزال الكتب؛ حتى يكونوا على بينة من أمرهم، وهؤلاء الرسل عليهم الصلاة والسلام كانت منطلقاتهم في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وفي تربية أممهم قائمة على توازن النظرية والتطبيق، حيث يأمرونهم بالحقيقة العلمية المثبتة لوجود الله ولأحقيته بالعبادة وحده لا شريك له، ثم ينقلونهم إلى واقع عملي؛ لتخلص تلك العبادة لله سبحانه وتعالى، ولهذا قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36]، ولهذا فإن دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام تضمنت أصولاً كبرى على رأسها الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وعبادة الله وحده لا شريك له هي أمر عملي، كما سيأتينا إن شاء الله تعالى؛ لأن الإيمان بالله سبحانه وتعالى له جانبان: الجانب الأول: جانب نظري، والجانب النظري هو ما يقتضي الإيمان بالله وبوجوده وأسمائه وصفاته الذي يُسمى عند كثير من العلماء بتوحيد المعرفة والإثبات الذي هو التوحيد القولي، بمعنى: أن يؤمن الإنسان ويصدق بأن الله موجود، وأنه واحد، وأنه متصف بصفات الكمال، لكن القسم الثاني من التوحيد هو توحيد العبادة، توحيد الألوهية، وهذا الجانب الثاني، وهو التطبيق العملي للجانب الأول، ولهذا نرى أن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} [البقرة:21]، فأمرهم بالعبادة، والعبادة أمر عملي، لكن عبادة لمن؟ {رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} [البقرة:21 - 22] إلى آخر الآية.

إذاً: الرسل عليهم الصلاة والسلام دعوا أول ما دعوا إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وتلك هي القضية الكبرى التي دعا إليها جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام، وكل رسول كان يدعو قومه يقول لهم: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:59]، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا)، هذه العبادة هي التطبيق العملي الواقعي الأولي لكل إنسان ينتقل من الكفر إلى الإيمان، ولهذا صار أساساً ومنطلقاً لدعوة كل رسول من الرسل عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام.

الأساس الثاني المرتبط بالجانب العملي في منهج الرسل عليهم الصلاة والسلام هو: الامتثال لشرع الله سبحانه وتعالى، والامتثال لشرع الله تبارك وتعالى إنما هو التطبيق العملي في حياة الإنسان، وانتبهوا إلى قضية ارتباط التطبيق العملي في جانب العقيدة، فلا يأتي الإنسان ويقول: أنا أؤمن وأصدق، وفكري نظيف إلى آخره، نقول له: لا يكفي إيمانك وتصديقك القلبي وفكرك النظيف وفهمك، ما لم يتحول إلى واقع عملي، وهذه من القضايا الكبار في باب الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.

فالأمر الثاني هو الامتثال لشرع الله سبحانه وتعالى، والامتثال لشرع الله في منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بُني على أمور: الأمر الأول: طاعة كل رسول أرسل إلى قومه، ولهذا كان كل نبي يدعو قومه قائلاً لهم: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} [نوح:3]، فقوله: (اعبدوا الله واتقوه) هذه عقيدة عملية، ثم يأتي ويقول: (وأطيعون)، أي: في كل ما أمر به هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام.

ومن هنا -أيها الإخوة- كانت طاعة الرسول قرينة لطاعة الله تبارك وتعالى.

الأمر الثاني مما يأمر به الرسول مما يتعلق بالامتثال لشرعه هو: ترك المنكرات الظاهرة والتخلي عنها، فالرسول إذا أرسله الله إلى قوم يأمرهم بعبادة الله، ويأمرهم بطاعته في كل ما يأمر به وينهى عنه، ثم يركز على أمر اشتهر وانتشر عند هؤلاء القوم، فيطلب منهم التخلي عنه فوراً، كما أمر شعيب عليه الصلاة والسلام قومه بألا يبخسوا المكاييل والموازين، كما حكى الله عنه أنه قال: {وَلا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ} [هود:84]، لأن بخس المكاييل والموازين ونقصها عند قوم شعيب كان ظاهرة عامة، يمكن أن نسميه في مصطلحنا الحديث: قانوناً معترفاً به عندهم، أو قانوناً ملزماً يعمل به الجميع، ولا ينكره أحد، فالرسول شعيب عليه الصلاة والسلام دعا قومه إلى أن يتخلوا عن هذا المنكر الظاهر، وقال لهم: يجب أن يتحول هذا إلى أن يكون بالنسبة لكم معصية، ولا يقع فيه الإنسان إلا كان مرتكباً لمعصية من المعاصي.

وكذلك أيضاً لما أرسل الله تبارك وتعالى نبي الله لوطاً عليه الصلاة والسلام إلى قومه كانت تلك الفاحشة القذرة المنتنة منتشرة في أولئك القوم، فدعاهم إلى ترك هذه الفاحشة، وأمرهم بأن يعبدوا الله، وأن يطيعوه، وأمرهم بأن يتركوا هذه الفاحشة، فصارت أصلاً من أصول العقيدة؛ لأنها بالنسبة لقوم لوط تحولت إلى منهج ونظام معترف به لدى الجميع، فلوط عليه الصلاة والسلام يقول: استجيبوا واتركوها؛ بحيث تصبح بالنسبة لكم جريمة، وإذا وقعت من واحد منكم يكون مرتكباً لكبيرة من الكبائر، لكن أن تتحول عندكم إلى نظام وقانون عام فلا، فهذه الجريمة البشعة المنتشرة لا يجوز أن تبقى عندكم هكذا.

ومن هنا كان منهاج الرسل عليهم الصلاة والسلام مبنياً على هذا.

ثم -أيضاً- قام منهاج الرسل عليهم الصلاة والسلام بالدعوة إلى الكفر بالطاغوت، وكل نبي - كما في الآية السابقة- دعا قومه إلى عبادة الله تبارك وتعالى، وأن يجتنبوا الطاغوت.

وهذا الطاغوت ليس نوعاً واحداً؛ وإنما هو أنواع متعددة، ولقد أجملها بعض الأئمة رحمهم الله تعالى بأنه: كل ما عبد من دون الله من معبود أو متبوع أو مطاع.

من معبود: كالأصنام والسحرة والكهنة والجن وغيرهم، أو متبوع: أن يتبعها على غير منهج الله، أو مطاع: في معصية الله تبارك وتعالى تحليلاً وتحريماً وهم يعلمون، فكل من كان على مثل ذلك فهو طاغوت، فكان كل نبي يدعو قومه إلى الكفر بهذا الطاغوت، والكفر بالطاغوت يتحول إلى واقع عملي.

هذه إلمامة سريعة مختصرة بمنهاج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الدعوة إلى الله، ومنها يتبين أن كل نبي لما أرسله الله إلى قومه لم يدعهم إلى نظريات فقط، وإنما دعاهم إلى إيمان ومعرفة يتبعها تطبيق عملي، ونقلة عملية ينتقل بها الفرد، وتنتقل بها الأمة بكاملها من عبادة الطاغوت إلى عبادة الله وحده لا شريك له، من عبادة الهوى والنفس والشيطان إلى عبادة الله وحده لا شريك له؛ ومن طاعة الكهان وطاعة الفساق وطاعة المشرعين بغير ما أنزل الله، إلى طاعة هذا النبي الكريم الذي أرسله الله سبحانه وتعالى إلى هؤلاء القوم.

 

 

 

 

يتبع بإذن الله ~

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

 

مظاهر التطبيق العملي للعقيدة في المرحلة المكية

ثانياً: منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك.

أقول: منهج النبي صلى الله عليه وسلم هو خلاصة عملية تطبيقية عجيبة فريدة لتلك العقيدة، ولقد تمثل ذلك في عدد من القضايا، ومن ثمَّ فإنني أشير إلى بعض منها، فأقول: أولاً: فيما يتعلق بمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم: كانت دعوته عليه الصلاة والسلام امتداداً لدعوة الأنبياء من قبله عليهم جميعاً أفضل الصلاة وأتم التسليم، فمنهج الأنبياء جميعاً واحد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلف منهجه عن منهج من سبقه، ولقد كان عليه الصلاة والسلام يضرب دائماً الأمثال لأصحابه مما وقع للأنبياء من قبله؛ بل ومما وقع لأتباع الأنبياء من قبله، وكل ذلك لبيان ارتباط تلك السلسلة العظيمة بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام التي ابتدأت بآدم عليه السلام إلى محمد بن عبد الله صلى الله عليهم أجمعين، وهذه السلسلة العظيمة هي سلسلة ذات منهج واحد واضح، ورسول الله صلى الله عليه وسلم صدق هذا.

ثانياً: لدينا جوانب تفصيلية من حياة هذا النبي الكريم يمكن أن نقف عندها وقفات قد تكون أكثر تفصيلاً من وقفاتنا مع الأنبياء الآخرين الذين وردت قصصهم في كتاب الله تبارك وتعالى، أو أشارت إليها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا أقول: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عاماً في مكة في تأسيس العقيدة، ولم يكن ذلك التأسيس نظرياً، وإنما كان عملياً قام على عدد من الأسس، وانتبهوا لهذه القضية! فكثير ممن يتدارسون منهج الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى يقولون: الرسول مكث ثلاثة عشر عاماً يؤسس العقيدة، ثم انتقل إلى المدينة ليطبق الجوانب العملية والتشريعية للأمة الإسلامية، فقد يظن الظان أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان في مكة ثلاثة عشر عاماً يربي ويعلمهم نظرياً، فنقول: لا، بل تلك الفترة المكية كانت فترة تأسيس العقيدة، وكان تأسيساً نظرياً وعملياً في آنٍ واحد لتلك العصبة المؤمنة، وتعالوا نحدد بعض الملامح من منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته في مكة:

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

صراحة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى التوحيد في مكة

 

أولاً: دعوة الرسول في مكة قامت أول ما قامت ناصعة واضحة صريحة أمام الطواغيت: فكفار قريش عباد الأصنام والكهنة كانوا هم المسيطرين، ومع أن الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ دعوته عليه الصلاة والسلام لوحده إلا أنه بدأ هذه الدعوة صريحة؛ فبدأها قائلاً لهم: (قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا).

ومعنى (لا إله إلا الله): لا معبود بحق إلا الله، فهي بداية عملية للعقيدة، ولم يبدأ معهم ليقول: أيها الناس! لابد أن تعلموا أن الله هو الحي الضار النافع المحيي المميت، وإن جاءت هذه الأشياء ضمن منهج القرآن، لكن الرسول كان يصدع ويقول: أنا رسول من رب العالمين، وكان يدعو قومه أول ما يدعوهم إليه أن يقول لهم: جئتكم بأمر واحد جلل عظيم، ألا وهو أن تقولوا: لا إله إلا الله، فكان المشركون- وانتبهوا معي لهذه القضية! - يفهمون من تلك البداية وذلك المنطلق من الرسول صلى الله عليه وسلم؛ كانوا يفهمون منه الجانب العملي، ولو كانوا يفهمون الجانب النظري فقط لانتهت المشكلة بينهم في لحظة، ولقالوا جميعاً: كلنا نقول لا إله إلا الله، وكل منهم يسير على ما سار عليه سابقاً.

ولهذا لما أمن الرسول صلى الله عليه وسلم اجتمع في أحد الأيام مع قريش في مكة، وكانوا يتدارسون أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وعرضوا عليه الأمور التي تعرفونها: تريد مالاً تريد ملكاً تريد كذا تريد كذا، والقصة مشهورة، لكن الشاهد منها هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمشركين لما انتهوا من كلامهم: ما جئت أريد كذا ولا كذا ولا كذا، إنما جئتكم بكلمة واحدة، إن قلتموها دانت لكم بها العرب، وخضعت لكم بها العجم، فظن بعض المشركين أن الرسول يطلب منهم كلمة نظرية يقولونها وتنتهي المشكلة، فقال أبو جهل: يا محمد! نعطيك عشر كلمات.

فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (قولوا: لا إله إلا الله)، فهل استجابت قريش؟

 

الجواب

لا.

إذا: ً كان المشركون -وهم مشركون- فاهمين لمقتضى العقيدة، فرفضوها عن علم، بينما كثير من المسلمين اليوم ينطق هذه الكلمة (لا إله إلا الله)، ثم يأتي ويعبد الأصنام، ويستغيث بالقبور وهو يقول: (لا إله إلا الله)، لكن المشركين كان الواحد منهم يفهم أنه إذا قال (لا إله إلا الله)، فهي نقلة عملية في حياته، وأول ما يترك عبادة الأصنام، وطاعة الكهان والطواغيت، ويلتزم طاعة الله سبحانه وتعالى، لهذا لما قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم أدعوكم إلى أن تقولوا: لا إله إلا الله، قالوا جميعاً: لا.

إذاً: هو بالنسبة لهم رفض عن علم، كما أنها دعوة صريحة بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم يبين فيها أن منطلق العقيدة هو منطلق عملي في حياة الإنسان.

 

 

يتبع بإذن الله ~

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

تأسيس توحيد المتابعة

ثانياً: فيما يتعلق بالدعوة في مكة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم وجه كل من آمن به إلى توحيد المتابعة بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم: فكل من آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم واستجاب له فإنه والحالة هذه يتحول إلى عبد لله مطيع للرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يأمر به.

وهذا واقع عملي، حيث كان الواحد من هؤلاء يدخل في دين الإسلام لا يدخل فيه نظرياً، وإنما يدخل فيه نظرياً ويتبعه واقعاً عملياً؛ فيأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول: مرني ماذا أقول.

والرسول صلى الله عليه وسلم كان مستضعفاً، وكان المسلمون معه مستضعفين في مكة، فجاء واحد من أهل القبائل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وشهد أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله، ثم قال له: ماذا تأمرني؟ فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: إننا الآن مستضعفون، فاذهب إلى قومك، فإذا رأيتني قد خرجت فائتني، وفعلاً ذهب الرجل إلى قومه مطيعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة النبوية أتى إليه، فلما سلم عليه قال له: يا رسول الله! هل تعرفني؟ قال: نعم؛ أنت الذي أتيتني يوم كذا وكذا.

إذاً: هذه طاعة للرسول صلى الله عليه وسلم تمثلت في توحيد المتابعة لهذا النبي الكريم، وهذا جانب عملي، بمعنى: أن الذي آمن بالله وبرسوله صارت طاعته لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وتخلى عن طاعة غير الله.

ولكن تعالوا إلى واقع المسلمين اليوم؛ فأحدهم يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم تجده في باب الطاعة والمتابعة يتابع غير رسول الله! وهذا خلل في التطبيق العملي، فإذا كنت تشهد أن محمداً رسول الله، وتقر لهذا النبي الكريم بأنه هو المطاع، وبأن أي عمل من الأعمال لا يُقبل إلا إذا كان خالصاً لله متابعاً فيه للرسول صلى الله عليه وسلم، فلماذا تطيع غيره؟! ولماذا تتبع غيره؟! ولماذا حياة المسلمين تحولت إلى خلل في التطبيق العملي للإسلام؟! فالخلل جاء من خلال هذا الواقع المؤسف للأمة الإسلامية، فصارت عندها نظرية قولية فقط (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) فالرسول هو الذي يجب أن يطاع ويصدق، وإذا انتقلت إلى الواقع العملي تجده يقول لك: لا، بل إنك تأتي الإنسان في أمر من الأمور وتقول له: إن الرسول نهى عن ذلك، ثم تجده -ولا حول ولا قوة إلا بالله- يلوي عنقه أحياناً أو يتردد أحياناً، والمرأة المسلمة يأتيها الأمر من الله أو من الرسول بالحجاب وبالستر وبالعفاف، ثم تجد في صدرها حرجاً من أن تستجيب لله ولرسوله، فأين التطبيق العملي؟ وأين زعمي وزعمك بأننا نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فرسول الله صلى الله عليه وسلم ربى تلك العصبة المؤمنة على طاعته عليه الصلاة والسلام.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

موالاة المؤمنين

 

ثالثاً: مما يتعلق بمنهج الدعوة في مكة موالاة المؤمنين: كل من استجاب للرسول صلى الله عليه وسلم وآمن به صارت له حقوق الولاء والمحبة والنصرة العملية في حياته، ولهذا فإنني أقول: إن من أعظم جوانب التطبيق العملي في حياة الإنسان العملية في باب العقيدة هي قضية عقيدة الولاء والبراء، والرسول صلى الله عليه وسلم ربى في نفوس أصحابه أن كل من آمن فقد صار مع إخوانه لحمة واحدة، وكل من استجابوا للرسول صلى الله عليه وسلم صاروا لحمة واحدة؛ يعين بعضهم بعضاً، ويساعد بعضهم بعضاً، ويحزن بعضهم لحزن بعض، وهكذا حياة الإنسان العملية في الموالاة التي تربط المؤمن بأخيه المؤمن مهما كانت الأحوال.

وتعالوا إلى واقع الأمة الإسلامية اليوم، فستجدون الولاء أحياناً للقبيلة، وأحياناً للوطن، وأحياناً للمصالح المشتركة، وأحياناً لكذا وأحياناً لكذا، فأين الولاء والموالاة بين المؤمنين التي لا تجمعها إلا رابطة (لا إله إلا الله، محمد رسول الله)، فتحب أخاك المؤمن وتعينه، وتنصره، وتؤيده؛ أين هذا أيها الإخوة؟! لقد كان هناك بون شاسع جداً بين حالنا اليوم وبين حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حين رباهم الرسول في مكة.

وتعالوا إلى مثال عملي لا يقدر عليه إلا الرجال: فقد كان ممن آمن في مكة بعض المستضعفين، فصار المشركون يعذبونهم، كآل ياسر، وبلال بن رباح، وغيرهم وغيرهم من المستضعفين، فانهال عليهم الطواغيت تعذيباً، بل بأشد أنواع التعذيب، لكن هل سكت المؤمنون؟ وهل تركوا الموالاة بين المؤمنين؟

 

الجواب

لا؛ فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو لا يملك من الأمر شيئاً- كان يبحث عنهم في مواطن تعذيبهم، ويأتي إليهم في الطرقات، أو في الأماكن التي يعذبون فيها، ويعلن الولاء لهم، ويقول (صبراً آل ياسر! إن موعدكم الجنة).

فأخوك المؤمن الممتحن المبتلى في مشارق الأرض ومغاربها هو بحاجة إلى أن تعينه، وأن تدعو له، والله إنك إذا دعوت له وأعلنت الولاء له، يكون ذلك بلسماً شافياً على قلبه وجراحه، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يأتي إليهم ويقول: (صبراً آل ياسر!)، وأبو بكر رضي الله عنه وأرضاه استخدم ماله في سبيل الله وفي سبيل الموالاة بين المسلمين؛ فأتى إلى أولئك المستضعفين ليغري بهم أولئك المشركين مادياً، ويعطيهم أضعاف أثمانهم؛ ليشتري هؤلاء ويعتقهم في سبيل الله وينجيهم! أرأيتم كيف يكون الولاء بين المؤمنين؟ فـ أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه كان همه في مكة الدعوة إلى الله، وكان همه في مكة مراقبة المستضعفين من المؤمنين.

إذاً: تحول إلى داعية همه ليلاً ونهاراً أن يبذل وقته وماله في سبيل الله تبارك وتعالى، وهذا هو التطبيق العملي، فما قال أبو بكر لا إله إلا الله، وجلس يصلي في بيته مع أنه كان زاهداً عابداً رضي الله عنه وأرضاه، إنما تحول إلى موالاة بين المؤمنين؛ يبحث عن أي مؤمن آمن بالله وهو مستضعف، ثم يأتي إلى أولئك القوم الذين لهم سلطة عليه؛ ليشتريه بأغلى الأثمان، ويعتقه مباشرة.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

معاداة الكافرين والبراءة منهم

 

 

الجانب الرابع من منهج دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة: معاداة الكافرين والبراءة منهم ولو كانوا أقرب الناس: وهذا أيضاً منهج عملي؛ فلما آمن المسلمون واستجابوا كانوا في مكة يتعاملون مع الكفار المعاملة الضرورية، لكنهم كانوا يبغضونهم، ويعادونهم أشد العداء، ولو كانوا أقرب الناس إليهم؛ لأنهم كفار، ولهذا نجد أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم في مكة كانوا يتعاملون مع أقوامهم المشركين على مقتضى هذا المنهج العملي، فهذا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه قصته مع أمه معروفة، فهل كانت محبته لأمه وبره بها حاجزاً له عن أن يثبت على عقيدته ويستمر عليها؟

 

الجواب

لا والله! بل إنه رضي الله عنه وأرضاه صبر وصابر مع أن أمه اتخذت معه شتى الوسائل؛ فلا طاعة لمخلوق -ولو كان الوالدين- في معصية الخالق، ولهذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم في مكة يعلنون البراءة من المشركين؛ وذلك حينما كانوا يصرخون بـ (لا إله إلا الله، محمد رسول الله).

 

نقل الدعوة خارج نطاق مكة

ثم بعد ذلك من التطبيق العملي في منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة: نقل الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى خارج نطاق مكة: وهذا منهج عملي واضح جداً، فالرسول صلى الله عليه وسلم أخذ ينشر دعوته بين القبائل، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم تحرك هو نفسه عملياً لنقل الدعوة؛ فذهب إلى الطائف، وتعرفون ما جرى له عليه الصلاة والسلام في الطائف، ثم إنه أيضاً نقل الدعوة إلى المدينة النبوية؛ وذلك حينما استجاب بعض الأنصار، فكانت بيعة العقبة الأولى، وبيعة العقبة الثانية، ثم إرسال مصعب بن عمير وغيره من الصحابة للدعوة إلى الله تبارك وتعالى في المدينة النبوية؛ حتى انتشر الإسلام هناك، وصارت مقر هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

إذاً: الخلاصة أيها الإخوة! أن الرسول صلى الله عليه وسلم في تطبيقه العملي لما كان في مكة يؤسس العقيدة لم يكن يؤسسها نظرياً، إنما كان يؤسسها عملياً، فكان يقوم بتربية النفوس بالقرآن، وبالصلاة، وبالعبادة، وبالطاعة لله ولرسوله، وبالولاء بين المؤمنين، وبالبراءة والمعاداة للكافرين، وبالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى؛ بحيث تنقل هذه الدعوة إلى أي مكان وفي أية فرصة، هكذا كان واقع الدعوة العملي، حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم يؤسس هذه العقيدة.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

مظاهر التطبيق العملي للعقيدة بعد الهجرة إلى المدينة

 

مما يتعلق بمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم: الناحية العملية بعد هجرته عليه الصلاة والسلام إلى المدينة: فالرسول صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة النبوية وأمر الصحابة بالهجرة، تحولت الحياة هناك إلى تطبيق عملي واقعي للعقيدة الإسلامية.

أيها الإخوة في الله! إن من المهم جداً أن تعرفوا أن العقيدة والإيمان والتصديق القلبي بحاجة ماسة إلى أن تتمثل في حياة الإنسان العملية، وأن تعرفوا كيف أن الرسول عليه الصلاة والسلام طبق تلك العقيدة الصافية بين المؤمنين في تلك الأماكن وفي تلك البقاع حين هاجر عليه الصلاة والسلام إلى المدينة النبوية.

 

مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار

 

أولاً: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار: والمؤاخاة تطبيق عملي؛ فلا تظنوا أن المؤاخاة هي جوانب مناصرتك ومحبتك، بل هي جوانب رباط تربط بين المؤمنين؛ لأنهم تجمعهم العقيدة؛ ولهذا كانت الأخوة في الله من أهم الأمثلة العملية على صدقنا، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وهذا يأتي من خلال الإيمان، فالمؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ومن أحب لله وأبغض لله، وعادى لله، ووالى لله؛ فقد استكمل الإيمان.

وهذه المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار هي مؤاخاة إيمان، وهي تطبيق عملي لذلك الإيمان، فعليك أنت وأخوك أن تكونوا لحمة واحدة، ويداً واحدة، وعصاً واحدة على أعداء الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا لما آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار تحول المؤمنون هناك إلى كونهم يداً واحدة فيما بينهم وضد أعداءهم، وانظروا إلى الأمة الإسلامية اليوم كيف أن هذه الأخوة الإيمانية تخلخلت إلا ما عصم ربي، بل أصبح بعض المؤمنين يلاقي من الإيذاء والسخرية والعداء أحياناً من إخوانه المؤمنين أكثر مما يلاقيه من غيرهم: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند فالرسول صلى الله عليه وسلم وهو يؤاخي بين المهاجرين والأنصار كان يطبق تلك العقيدة عملياً في حياة المسلمين، ونحن اليوم وفي كل وقت بحاجة إلى مثل هذه التطبيقات العملية في حياتنا؛ حتى يكون إيماننا حقاً وصدقاً، وذلك حينما نتآخى فيما بيننا، فأخوك المؤمن في الهند، في مصر، في الجزائر، في المغرب، في أوروبا، في أفريقيا، في أي مكان من الدنيا؛ تربطك به رابطة الأخوة الإيمانية، هذه الرابطة التي تجمع المسلمين جميعاً إذا تحولت إلى رابطة إيمانية حقة صار المسلمون كلهم كالجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.

لكن -ويا للأسف- انظروا إلى أحوال المسلمين تجدوا بينهم من التباغض ومن العداء أحياناً، ومن التدابر ومن التحاسد الشيء العجيب! مع أننا تجمعنا عقيدة واحدة، فكيف يكون هذا أيها الإخوة؟! وأين الإيمان الذي يجعل الإنسان يراقب الواحد الديان في أقواله وأعماله وتصرفاته؟!

وأين الإيمان الذي يجعل الإنسان يحب أخاه ويحب له ما يحب لنفسه، ولا يرجو ثواباً من أحد، إنما يرجو وجه الله سبحانه وتعالى؟! هذا الإيمان هو الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه عملياً لما هاجر إلى المدينة؛ فكانت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×