اذهبي الى المحتوى
عروس القرءان

الفــرق بيــن .. ~ النفس و الروح ~ .. مــن القــرآن

المشاركات التي تم ترشيحها

121229163640srI5.gif

 

الفــرق بيــن .. ~ النفس و الروح ~ .. مــن القــرآن

*** *** *** *** *** *** *** *** ***

في اللغة الدارجة نخلط دائماً بين النفس والروح , فنقول إن فلاناً طلعت روحه.. ونقول إن فلاناً تشتهي روحه كذا, أو أن روحه تتعذب , أو أن روحه توسوس له , أو أن روحه زهقت , أو أن روحه اطمأنت , أو أن روحه تاقت أو اشتاقت أو ضجرت وملت ...

وكلها تعابير خاطئة , وكلها أحوال تخص النفس وليس الروح.

 

 

فالتي تخرج من نفس الإنسان عند الحشرجة والموت هي نفسه وليس روحه.

 

يقول الملائكة في القرآن للمجرمين ساعة الموت:{ أخرِجوا أنفُسَكُم اليومَ تُجزَونَ عَذابَ الهُون } (93- الأنعام)

والتي تذوق الموت هي النفس وليس الروح { كُلُ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوت} . (185- آل عمران)

 

والنفس التي تذوق الموت ولكن لا تموت.. فتذوقها الموت هو رحلة خروجها من البدن , والنفس موجودة قبل الميلاد , وهي موجودة بطول الحياة , وهي باقية بعد الموت

 

وعن وجود الأنفس قبل ميلاد أصحابها يقول الله: إنه أخذ الذرية من ظهور الآباء قبل أن تولد وأشهدها على ربوبيته حتى لا يتعلل أحد بأنه كفر لأنه وجد أباه على الكفر. {وإذ أخَذَ رَبُكَ مِن بَني آدَمَ مِن ظُهورِهِم ذُريَتَهُم وأشهَدَهُم على أنفُسِهِم ألستُ بِرَبِكُم قالوا بلى شَهِدنا} (172- الأعراف)

فذلك مشهد أحضرت فيه الأنفس قبل أن تلابس أجسادها بالميلاد , وليس لأحد عذر بأن يكفر بعلة كفر أبيه, فقد كان لكل نفس مشهد مستقل طالعت فيه الربوبية... وبهذا استقرت حقيقة الربوبية في فطرتنا جميعاً

ثم إن الروح لا توسوس , ولا تشتهي ولا تهوى ولا تضجر ولا تمل ولا تتعذب ولا تعاني هبوطاً ولا انتكاساً. انما تلك كلها من أحوال النفس وليس الروح.

 

يقول القرآن :

{ فَطوَعَت لَهُ نَفسُه قَتلَ أخيهِ فَقتَله}. (30- المائدة)

{ وَلقَد خَلقنا الإنسانَ ونَعلَمُ ما تُوسوِسُ بِهِ نَفسُه } . (16- ق)

{ ونَفسٍ وما سَواها, فألهَمَها فجورَها وتَقواها} . (7,8- الشمس)

{ بَل سَولَت لَكُم أنفُسُكُم أمرًا فَصبرٌ جَميل}. (18- يوسف)

{ وَضاقَت عليهِم أنفُسُهُم وظنوّا ألا مَلجَأ مِنَ اللهِ إلا إليه} . (118- التوبة)

{إنّما يُريدُ اللهُ لِيُعذِبَهُم بِها في الحياةِ الدُنيا وتَزهَقَ أنفُسُهم }. (55- التوبة)

{ ومَن يَرغَب عَن مِّلةِ ابراهيمَ إلا مَن سَفِهَ نَفسه} . (130- البقرة)

{ ومَن يوقَ شُحَ نَفسِهِ فأولئِكَ هُم المُفلِحون } .(9 – الحشر)

{ وأحضِرَتِ الأنفُس الشُح} . (128- النساء)

 

فالنفس هي المتهمة في القرآن بالشح والوسواس والفجور والطبيعة الأمارة , وللنفس في القرآن ترق وعروج , فهي يمكن أن تتزكى , وتتطهر, فتوصف بأنها لوامة وملهمة ومطمئنة وراضية ومرضية.

{ يا أيَتُها النفسُ المُطمَئِنَة ارجِعي إلى رَبِكِ راضِيَةً مَّرضِية فادخُلي في عِبادي َوادخُلي جَنتي} (27- 30 الفجر) .

 

أما الروح في القرآن فتذكر دائما بدرجة عالية من التقديس والتنزيه والتشريف , ولا يذكر لها أحوال من عذاب أو هوى أو شهوة , أو شوق , أو تطهر أو تدنس أو رفعة أو هبوط , أو ضجر أو ملل , لا يذكر أنها تخرج من الجسد أو أنها تذوق الموت.. ولا تنسب الى الإنسان وإنما تأتي دائما منسوبة الى الله .

يقول الله عن مريم :

{ فأرسَلنا إليها رُوحَنا فتَمَثَل لَها بَشرًا سَويا } . (17- مريم )

ويقول عن آدم :

{ فإذا سَويتُهُ ونفَختُ فيهِ مِن رُّوحي فَقَعوا لَهُ ساجِدين } (29- الحجر)

يقول { روحي } ولا يقول روح آدم . فينسب ربنا الروح لنفسه دائماً.

{ وأيدَهُم بِروحٍ مِّنه } أي من الله .(22- المجادلة)

 

ويقول عن القرآن ونزوله على النبي عليه الصلاة والسلام:

{وكذلِكَ أوحَينا إليكَ رُوحاً مِن أمرِنا }. (52- الشورى )

ويقصد بالروح هنا " الكلم الإلهي القرآني" .

 

{ يُلقى الروحُ مِن أمرِهِ على مَن يَشاءُ مِن عِبادِه لِيُنذِرَ يَومَ التَّلاق } (15- غافر)

{يُنزِلُ المَلائِكَةَ بالروحِ مِن أمرِهِ على مَن يَشاءُ مِن عِبادِه } (2- النحل )

والروح هنا هي الكلمة الإلهية والأمر الإلهي .

 

والروح دائماً تنسب الى الله , وهي دائماً في حركة من الله والى الله ولا تجري عليها الأحوال الإنسانية ولا الصفات البشرية.. ولا يمكن أن تكون محلاً لشهوة , أو هوى, أو شوق أو عذاب ولهذا توصف الروح بأوصاف عالية .

 

فيقول القرآن عن جبريل : إنه روح القدس .. والروح الأمين .

ويقول عن عيسى إنه { رَسولُ اللهِ وكَلِمَتُهُ ألقاها إلى مَريَمَ وروحٌ مِّنه }

أي روح من الله(171 – النساء )

 

أما النفس فهي دائماً تنسب الى صاحبها .

 

{ وما أصابَكَ مِن سَيئَةٍ فَمِن نَفسِك } (79 – النساء)

{ ومَن اهتدَى فإنّما يَهتَدي لِنفسِه } (15 – الإسراء)

{ وَضاقَت عَليهِم أنفُسُهُم } (118 –التوبة )

{وما أبرِئُ نَفسي } (53- يوسف )

{ وكذلِكَ سَولَت لي نَفسي } (96-طه)

{ ومَن يوقَ شُحَ نَفسِه فأولئِكَ هُم المُفلِحون } (9- الحشر)

 

وحينما تنسب النفس إلى الله فتلك هي الذات الإلهية .

 

{ ويُحَذِرُكُم اللهُ نَفسه }(28- آل عمران)

ذلك هو الله الذي ليس كمثله شيء مما لا يستطيع الإنسان أن يتخيل له شبيهاً ولا يصح أن نقيس النفس الإلهية على نفوسنا ... فالنفس الإلهية هي غيب الغيب.

 

يقول عيسى لربه يوم القيامة.{ تَعلَمُ ما في نَفسي ولا أعلَمُ ما في نَفسِك } (116-المائدة )

فالنفس الإلهية لا تتشابه مع النفس الإنسانية إلا في اللفظ ولكنها شيء آخر البتة ..

{ليسَ كَمثلِهِ شَيء }. (11- الشورى)

{لم يَكُن لَهُ كُفواً أحَد } (4- الإخلاص)

 

والسؤال إذن:

ما نصيب كل منا من الروح؟ وماذا نعني حينما نقول إن لنا روحاً وجسداً ؟ ثم ما علاقة نفس كل منا بروحه وجسده؟

 

أما نصيبنا من الروح فهو النفخة التي ذكرها القرآن في قصة خلق آدم. {إني خالِقٌ بَشَرًا مِن طِين َ فإذا سَويتُهُ ونَفخَتُ فيهِ مِن روحي فَقعوا لَهُ ساجِدين } (71-72- ص )

 

وما حدث من أمر التسوية والتصوير والنفخ في صورة آدم يعود ليتكرر في داخل الرحم في الحياة الجنينية لكل منا: فيكون لكل منا تسوية وتصوير, ثم نفخة ربانية حينما تتهيأ الأنسجة ويستعد المحل لتلقي هذه النفس , وذلك يكون في الشهر الثالث_ من الحياة الجينية_ وينتقل الخلق بهذه النفخة من حال الى حال .. يقول ربنا عن هذه المراحل :{ ثُم خَلقنا النُّطفَةَ عَلقَة فَخلقَنا العَلقَةَ مُضغَة فَخلقنا المُضغَةَ عِظاماً فَكسَونا العِظامَ لحَما ثُم أنشأناهُ خَلقاً آخَر فتبارَكَ اللهُ أحسَنُ الخالِقين }. (14- المؤمنون )

فيقول عند النفخة : { ثُم أنشأناهُ خَلقاً آخَر فتبارَكَ اللهُ أحسَنُ الخالِقين } .. إشارة الى نقلة هائلة نقل بها المضغة المكسوة بالعظام الى مستوى لا يبلغه ولا يقدر عليه الا أحسن الخالقين وذلك بالنفخة الربانية.

ويتكلم عن هذا النفخ في الجنين بعد تسويته في آية أخرى عن نسل آدم . { ثُمَ جَعلَ نَسلَهُ مِن سُلالَةٍ مِن ماءٍ مَهين ثُم سَواهُ ونَفَخَ فيهِ مِن روحِه وَجعَلَ لَكُم السَّمع والأبصارَ والأفئِدَة } (8-9- السجدة)

ونفهم من هذا أن السمع والبصر والفؤاد هي من ثمار هذه النفخة الروحية .. وإنه بهذه المواهب ينقل الإنسان من نشأة ومن مستوى الى مستوى , وهذا هو معنى : {ثُم أنشأناهُ خَلقاً آخَر فتبارَكَ اللهُ أحسَنُ الخالِقين} .

 

إن نصيبنا من الروح إذن هو نصيبنا من هذه النفخة وكل منا يأخذ من هذه النفخة على قدر استعداده. وبفضل هذه النفخة يصبح للواحد منا خيال وضمير وقيم وعالم من المثلى.. والجسد والروح فينا أشبه بأرض الواقع وسماء المثال .

 

وعلاقة نفس كل منا بروحه وجسده هي أشبه بعلاقة ذرة الحديد بالمجال المغناطيسي ذي القطبين .

 

والنفس طوال الحياة في حركة وتذبذب واستقطاب بين القطب الروحي وبين القطب الجسدي .. مرة تطغى عليها نائرتها وطينتها , مرة تغلبها شفافيتها وطهارتها .

 

والجسد والروح هما مجال الامتحان والابتلاء , فتبتلى النفس وتمتحن بهاتين القوتين الجاذبيتين الى أسفل والى أعلى لتخرج سرها , وتفصح عن حقيقتها ورتبتها وليظهر خيرها وشرها.

 

 

ومن هنا نفهم أن حقيقة الإنسان هي " نفسه " , والذي يولد ويبعث ويحاسب هو نفسه , والذي يمتحن ويبتلى هو نفسه , وما يجري عليه من الأحوال والاحزان والأشواق هي نفسه..

 

أما جسده وروحه فهما مجرد مجال تماما مثل الأرض والسماوات في كونهما مجال حركة بالنسبة للإنسان لإظهار مواهبه وملكاته .. فكما أعطى الله لهذه النفس عضلات (جسدا ) كذلك أعطاها روحا لتحيا , وتعمل وتكشف عن سرها ومكنونها وتباشر خيرها وشرها

 

وبهذا المعنى تكون كلمة "تحضير الأرواح " كلمة خاطئة فالأرواح لا تستحضر , ولا يمكن لأي روح أن تستحضر لأن الروح نور منسوب الى الله وحده وهو ينفخ فينا هذا النور لنستنير به .. وهذا النور من الله وإلى الله يعود ولا يمكن حشره أو استحضاره ..

 

أما ما يحشر و يستحضر فهي الأنفس وليس الأرواح .. هذا اذا صح أن هؤلاء الناس يستضرون أنفساً في جلساتهم .. وأغلب الظن أن ما يحضر يكون من الجن المصاحب لهذه الأنفس في حياتها ( القرناء ) , وكل منا له في حياته قرين من الجن يصاحبه وهو بحكم هذه الصحبة الطويلة يعرف أسراره ويستطيع ان يقلد صوته وإمضاءه وهذا الجن هو الذي يلابس الوسيط في غرفة التحضير المظلمة , ويدهش الموجودين بما يحسبونه خوارق.

 

أما الأرواح فلا يمكن استحضارها. أما النفس فلا يحشرها ولا يحضرها إلا ربها.

 

والنفس لا يمكن أن تتحول الى روح , وإنما هي في أحسن أحوالها ترتقي حتى تشاكل الروح وتجانسها بقدر ما تتخلق بأخلاق الربانية , وبقدر ما تقترب من المثال النوراني (الروح التي نفخها الله في الإنسان ) .

كذلك يمكن لهذه النفس أن تتدنى وتهبط حتى تشاكل الشياطين , وتجانس إبليس في ناريته .

والنفس التي تتطهر وتتزكى حتى تشاكل وتجانس الروح في لطفها هي التي يقربها الله من عرشه يوم القيامة , وهي التي يقول عنها أنها ستكون { في مَقعَدِ صِدقٍ عِندَ مَليكٍ مُّقتَدِر } (55- القمر)

لأنها بهذا التطهر والترقي تصبح نفساً ربانية مكانها الى جوار الله .

 

أما النفوس المظلمة التي تهبط بفجورها وغلظتها إلى الدرك الشيطاني فهم الذين يقول عنهم ربهم يوم القيامة { إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون }

( 15- المطففين )

وهؤلاء سيكون مكانهم مع النفوس النارية السفلية في قاع الظلمة والجحيم .

 

أما الروح فلا مكان لها في جنة أو جحيم , وإنما هي نور من الله تنسب اليه , وهي منه ولا يجري عليها ابتلاء ولا محاسبو ولا معاقبة ولا مكافأة .. وإنما هي المثل الأعلى في الآية .

{ وللهِ المَثلًُ الأعلى في السَّماواتِ والأرض وَهُوَ العَزيزُ الحَكيم }

وذلك عالم المثال النوراني الذي يستمد قدسيته ونورانيته من كونه من الله ومن أمر الله .

{ ويَسألونَكَ عَنِ الروح قُل الروحُ مِن أمرِ رَبي وما أوتيتُم مِنَ العِلمِ إلا قَليلاً } (85- الإسراء)

 

 

منقول

تم تعديل بواسطة ام جومانا وجنى
موضوع متميز جزاك الله خيرا
  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

بوركتِ يا حبيبة

نقل قيم ورائع أستفدت منه كثيراً

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،،

جزاكِ الله خيراً أختى الحبيبة على النقل الطيب،

جعله الله فى ميزان حسناتك إن شاء الله.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

بوركتِ يا حبيبة

نقل قيم ورائع أستفدت منه كثيراً

 

وبارك فيكِ الرحمن أختي الحبيبة

الحمد لله رب العالمين

سعدت بمروركِ الكريم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،،

جزاكِ الله خيراً أختى الحبيبة على النقل الطيب،

جعله الله فى ميزان حسناتك إن شاء الله.

 

وجزاكِ الله خيرًا مثلُه أختي الحبيبة

اللهـــــــــــم آميــــــــــــن

سعدت بمروركِ الكريم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

جزاك الله خيرا ونفع بك

موضوع متميز

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

موضوع قيّم جدا اللهم بارك

جزاكِ الله خيرا يا غالية وجعله في ميزان حسناتك

 

وجزاكِ الله خيرًا مثلُه إشراقة الحبيبة

اللهم آمين

بورك مروركِ الكريم

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

بارك الله فيكِ ياغالية

ونفع بكِ

 

وبارك فيكِ الرحمن أختي الحببيبة

سعدت بمروركِ الكريم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

طرح قيم ومتميز ومفيد

استفدت منه كثيرا

جزاك الله خيرا @

ولا حرمك الأجر والثواب

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكِ

جزاكِ الله خيرًا يا حبيبة ونفع الله بكِ

()

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

  • محتوي مشابه

    • بواسطة *ميمونة*
      هذا الآية المباركة من سورة يوسف -عليه السلام- {قَالَ رَبِ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْه} [يوسف:33] كثر إيرادها ضمن فهم غير صحيح في الآونة الأخيرة، حيث يستشهد بها بعض الناس على أن يوسف â€"عليه السلام- لما ذكر أن السجن أحب إليه أعطاه الله السجن مع أنه لو سأل الله العافية لعافاه، ويقدمون لذلك بالحديث الذي رواه مسلم عن أَنَسِ بن مالك رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عاد رجلا منَ المسلمين قَد خفت فصار مثل الفرخ ، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ((هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه؟)) قَال: نعم، كنت أَقول اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ((سبحان اللَّه لا تطيقه أو لا تستطيعه، أفَلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرَة حسنة، وقنا عذاب النار)) قَال: فدعا اللَّه له فشفاه.
       
      ثم يقولون: البلاء موكَّل بالمنطق ويوردون أثراً عن يوسف -عليه السلام- لما طال عليه الوقت في السجن قال: يارب جعلتني في السجن طويلاً!
      فقال الله: أنت سألت السجن فأعطيناك، ولو سألت العافية لعافيناك، ويعنون أنه قد ورد في القرآن على لسان يوسف عليه السلام: {قال ربّ السجن أحبُّ إليّ مما يدعونني إليه}!
       
      تقويم المسألة:
       
      أولاً: لا تصل الجرأة إلى أن يجعل من يُعَلِّم الخلق التوحيدَ هو من تستدرك عليه حقائق التوحيد، ومثل ذلك ما ذكره بعضهم -كما في تفسير الرازي- في قوله تعالى: {فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} حيث ذكر أن من الأقوال الواردة فيه: أن الضمير راجِع إلَى يوسف، والمعنى أن الشيطان أنسى يوسف أن يذكر ربه، وأن تمسكه بغير اللَّه كان مستدركا عليه، لأن مصلحته كانت في أن لا يرجع في تلك الواقعَة إلَى أحد من المخلوقين وأن لا يعرض حاجته على أحد سوى اللَّه، وأن يقتدي بجده إبراهيم عليه السلام، فَإنه حِين وضع في المنجنيق ليرمى إلَى النار جاءه جبريل عليه السلام وقال: هل من حاجة، فَقَال أما إليك فلا، فلما رجع يوسف إلَى المخلوق لا جرم وصف اللَّه ذلك بأن الشيطان أنساه ذلك التفويض، وذلك التوحيد، ودعاه إلَى عرض الحاجة إلى المخلوقين....
       
      ولا شك أن هذا فهم لا يليق ووضع للأشياء في غير موضعها، وتخيل هذا الاستدراك والفهم مع ما ورد من قول يوسف -عليه الصلاة والسلام- مبيناً للناس التوحيد، والتوكل على رب العبيد: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف:38، 39].
       
      مع أن الكريم بن الأكارم -عليهم وعلى نبينا وأنبياء الله أجمعين الصلاة والسلام- لما قال: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف:42] لم يزد على أن يتبع ما أمره الله به من اتخاذ الأسباب مع التوكل والاعتماد على مسببها، وبذا أقيم الكون وقامت نواميس السموات والأرض، ولذا روى الترمذي الحديث الصحيح عن أسامة بن شريك قال : قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى ؟ قال: ((نعم يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو قال دواء إلا داء واحد)). قالوا يا رسول الله وما هو ؟ قال ((الهرم))،



      وفي مسلم عن جابِرٍ عن رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- أنه قَال ((لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن اللَّه عز وجل))، ولذا ندب الشفاعة الحسنة، وقال: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا}[النساء:85]، وأمر بالسير في الأرض ابتغاء فضل الله لا الجلوس في البيوت والمحاريب، وجعل هذا السير معادلاً للجهاد في سبيل الله فقال سبحانه: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [المزمل:20]، ونبه إلى أهمية العمل والكسب وعدم الاتكال عليه فقال: {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} [يونس:52]، وروى الترمذي عن أنس بن مالك يقول : قال رجل: يا رسول الله أعقلها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل؟ قال: ((اعقلها وتوكل)).
       
      والمقصود أن يوسف -عليه الصلاة والسلام- لم يزد على أن اتخذ السبب الذي شرع الله تعالى اتخاذه، ولم يعتمد عليه بل فوض أمره إلى ربه، واتكل عليه فيما يستقبل من نتائج، ولذا لم يستعجل الخروج لما جاءه رسول الملك في موقف من أعجب مواقف البشرية نبلاً وحلماً وثقة بالله واعتصاماً به، وعليه قول القائل:



      أختاه يفقد هذا الكون معناهُ لولا رضانا بما يقضي به الله
      إذا وصلنا بربِّ الكون أنفسَنا فما الذي في حياة الناسِ نخشاهُ



      ثانياً: أصل الفكرة المذكورة في أن الإنسان محاسب على ما يلفظ به صحيحٌ فإن اللسان محل المحاسبة خيراً أو شراً كما قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]، وفي مسلم عن أبى هريرةَ أن رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- قَال ((إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يببين ما فيها يهوى بها فى النار أبعد ما بين المشرق والمغرب))،


       

      وعند أحمد â€"بسند صحيح- عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يرى ان تبلغ حيث بلغت يهوى بها في النار سبعين خريفا))، وفي البخاري عَنْ أبي هريرةَ عن النبِي صلى الله عليه وسلم قَال: ((إن العبد ليتكلم بالكلِمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفع اللَّه بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلِمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم)).


       
       

      ثالثاً: هذه القضية في جهة، وما قاله الصديق يوسف -عليه السلام- في جهة أخرى، فإن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم â€"عليهم السلام- قد قال أجمل عبارة تنسج على منوالها الأمثال، ولجأ إلى الله تعالى بأفضل ابتهال، وردد أعذب دعاء يصعد إلى الكبير المتعال، وجاءت حروفه لتزين كلمات السادة النبلاء الأطهار في اللجوء إلى العظيم القهار، فجمع بين عظمة العبارة، وجمال الإشارة، وجلال المعنى، وحلاوة المبنى .. فكيف يأتي قومٌ لم يفقهوا جمال المعاني، وأَلَق المباني ليظنوا بسيدٍ من سادات المعتصمين بالله من الفتن أنه زل أو شَطَنَ؟ حاشاه â€"عليه وعلى نبينا وعلى أنبياء أفضل الصلاة والسلام-.



      رابعاً: اعتمد â€"هؤلاء- في استدراكهم على يوسف عليه السلام â€"وهم لا يشعرون أنهم لا يستدركون- على أثرٍ لا يعرفه أحدٌ إلا ما كوَّنته الخيالات، ولم توجد له إشارة في كتب الفحول الأثبات من المحدثين والمفسرين والعلماء الثقات، وهو قولهم (البلاء موكلٌ بالمنطق)؟.
       
      خامساً: إيرادهم لحديث الإمام مسلمٍ مناقضٌ تماماً لحال يوسف â€"عليه وعلى نبينا وعلى أنبياء أفضل الصلاة والسلام- فإن ذلك الحديث يبين أن الرجل سأل الله العقوبة، والكريم بن الكرماء -عليهم الصلاة والسلام- سأل الله العصمة من إثمٍ يستوجب العقوبة فكيف يستويان؟.


       
       

      طريق الإسلام


منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×