اذهبي الى المحتوى
ميرفت ابو القاسم

دروس للشيخ عبد الرحمن المحمود *** أهمية العقيدة ومصدر تلقيهاعند السلف

المشاركات التي تم ترشيحها

أهمية العقيدة ومصدر تلقيها عند السلف

من المعلوم أن العقيدة هي المحرك الأول للصراع بين الأمم والحضارات، وبها تحافظ المجتمعات على هويتها وثقافتها واستقلالها، وتتميز عقيدة الإسلام عن تلك العقائد بكونها هي الحق الذي يتواءم مع الفطر السليمة، والعقول المستقيمة؛ لأنها ربانية المصدر، سهلة المأخذ، لا يشوبها غلو ولا جفاء، لذلك لا جرم إن كانت منجية في الدنيا من الاضطراب، وفي الآخرة من العذاب.

وهذه العقيدة الصافية الصحيحة هي ما كان عليه الصحابة الأخيار، وسلف الأمة الأبرار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الأسس التي تميز العقيدة الصحيحة عن غيرها

بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71].

أما بعد: أيها الإخوة في الله! حديثنا في هذه الليلة عن أهمية العقيدة، وعن مصدر تلقيها عند السلف الصالح رحمهم الله تعالى، وأنتم تعلمون جميعاً أن العقيدة لها أثرها الكبير في حياة الإنسان وفي حياة الأمم، ولكن ما هي هذه العقيدة التي نتحدث عنها وعن أثرها، ونتحدث عن مصادر تلقيها وعن أهميتها؟ لقد التبست الأمور في هذه العصور المتأخرة، حتى صار كلٌ يدعي أنه على عقيدة صحيحة، وصار الناس كما قال الشاعر: وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك كل يدعي أنه على عقيدة، وأن عقيدته سليمة، وأن مصادرها صحيحة، ومن هنا -أيها الأخوة- فلا بد أن نبين بادئ ذي بدء ما هي العقيدة التي نتحدث عنها وعن أثرها، إنها عقيدة تتميز وتقوم على عدد من الأسس لابد من فهمها أولاً.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أنها عقيدة السلف الصالح

أولها: أنها عقيدة السلف الصالح رحمهم الله تعالى، وليست عقيدة من خالفهم من أهل البدع من بين مشرق ومغرب، فهي عقيدة تمتد جذورها مع تاريخ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وينتهي تاريخ الأنبياء بمبعث الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم

الذي أتى بالعقيدة والشريعة كاملة، وليبقى أتباعه إلى يوم القيامة على ذلك المنهاج القويم.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أنها عقيدة قائمة على إخلاص العبادة لله وحده

ثانياً: أنها عقيدة قائمة على إخلاص العبادة لله الواحد القهار، تقوم على أساس توحيد العبادة، فأساسها: هو لا إله إلا الله، ولا إله إلا الله ليست كلمة يقولها الإنسان بلسانه وفقط، وإنما هي كلمة لما وزنت بالسماوات والأرض ثقلت عليها كما ورد في الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي عقيدة تمحض العبادة لله الواحد القهار، وهي عقيدة ترفض العبودية لغير الله سبحانه وتعالى، وترفض أن يُصرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله تعالى، ومن هنا قامت هذه العقيدة على أسس ثلاثة: على الخوف من الله، والرجاء في الله، والحب في الله، وإذا اجتمعت هذه الأمور في قلب العبد المؤمن صار لربه عابداً مخلصاً، أما إذا صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله سبحانه وتعالى اضطربت أحواله وانتكس، وهذه حقيقة لا شك فيها أيها الإخوة المؤمنون!

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

@@القانته باذن الله

 

جزانا الله وإياك

 

تسعدنا متابعتك يا حبيبة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أنها عقيدة تقوم على توحيد العبادة وتوحيد المتابعة

ثالثاً: أنها عقيدة تقوم على توحيد العبادة، وهي قائمة على توحيد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بشهادة أن محمداً رسول الله، ومقتضاها أن هذا النبي الكريم هو رسول الله حقاً، ومن ثم فإن ما جاء به من القرآن أو من الحديث، أو من سنته العملية أو من سيرته الصحيحة: فهو شرع يجب أن يقتدي به المسلمون، ومن ثم كانت شهادة أن محمداً رسول الله تقتضي أموراً كثيرة عظيمة لو تحققت في حياتنا -نحن المسلمين- لغرست في نفوسنا العقيدة السلمية؛ ولتحولت حياتنا إلى حياة أخرى غير ما نشاهده الآن، حيث نشاهد -نحن المسلمين- الأحداث من حولنا فيها الذل والتبعية، نعيش حياة الخوف من غير الله، والتوكل على غير الله، حتى أصبحنا كما أخبر عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولكنكم غثاء كغثاء السيل)، وفعلاً عددهم أكثر من ألف مليون مسلم، ولكنهم أمام أعدائهم غثاء كغثاء السيل!

 

يتبع ~

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أنها عقيدة مرتبطة بالعمل

 

رابعاً: أنها عقيدة لا يقولها الإنسان بلسانه فقط، وإنما هي عقيدة تنتقل إلى واقع عملي في حياته، ومن ثم فهي عقيدة تنبثق منها، شريعة شاملة ونظام حياة.

ومن هنا كان هذا الانبثاق من هذه العقيدة عقيدة، لا كما يقول البعض: إن الشريعة تنقسم إلى عقيدة وإلى أحكام وفروع، بل نقول: إن كل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم عقيدة تنبثق منها شريعة كاملة تنظم شئون الحياة من أولها إلى آخرها، فهي ليست عقيدة مختصة بالقلوب فقط، وليست عقيدة مستقرة بين الصدور فقط، وإنما هي عقيدة تتحول وتنطلق إلى عمل وإلى خلق وإلى عبادة وإلى ولاء وبراء وإلى جهاد في سبيل الله وإلى أعمال يسير فيها السائر والمهاجر إلى ربه سبحانه وتعالى، يسير فيها حياته كلها {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} [الأنعام:162 - 163]، إي والله! فهي حياة تتحول عند المسلم إلى حياة طاعة وعبادة لله الواحد القهار.

هذه العقيدة ليست كلاماً يقال ويدندن به فقط، وإنما هي أعمال تتحدث عن نفسها لتدل في النهاية على أن هذا الرجل صاحب عقيدة، وعلى أن هذا المجتمع مؤسس على عقيدة، وعلى أن هذه الأمة ربيت على عقيدة، لكن حينما تختلط الأوراق، ويشرئب النفاق، يجلجل البعض بصوته مدعياً، ولكن دعواه -حينما ينظر فيها من خلال الأعمال- يتبين أنها عكس ما يقول.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أثر العقيدة الصحيحة على حياة الفرد

 

 

تغرس في النفس التوكل على الله عز وجل

 

الأمر الثالث: أن هذه العقيدة تغرس في النفس التوكل على الله والاعتصام به، وهذا يريح الإنسان كثيراً في حياته، فكم من إنسان خاف من غير الله فأصبح شريداً طريداً، خاف من غير الله فتحولت حياته إلى جحيم، يخاف مرة من الجن، يخاف مرة من العين، يخاف مرة من قطع الأرزاق، يخاف مرة مما لا يملك العباد منه شيئاً!! أما إذا توكل على الله واعتصم بالله سبحانه وتعالى فإنه يعيش سعيداً؛ لأنه يوقن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وعليك أن توقن أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك لم ينفعوك، كما أنهم لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يضروك أبداً، تلك والله عقيدة إذا غرست في النفوس تحول العبد إلى عبد لله حقاً.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

تورث الشجاعة في الحق والثبات عليه

 

الأمر الرابع: أن هذه العقيدة تورث الشجاعة في الحق والثبات عليه، وإن ضعف مواقفنا وضعف إيماننا وكثيراً من هزائمنا -النفسية وغير النفسية- إنما سببه أننا لم نؤمن بالله حق الإيمان، ولم تغرس في نفوسنا هذه العقيدة ذلك الغرس الصحيح، فلما أصبحت حياتنا على هذه الحال تحولنا إلى ضعفاء، تحولنا إلى جبناء حتى أمام أخس أعدائنا! وسنة الله سبحانه وتعالى أنه إذا اعتصم الإنسان بالله سبحانه وتعالى قواه الله سبحانه وتعالى، أما إذا اعتصم بغيره وكله الله سبحانه وتعالى إلى ذلك الغير؛ فتحول إلى عبد ذليل لذلك الغير، وهذا أمر مشاهد.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

تجلب للنفس الطمأنينة والانشراح

هذه العقيدة ترجع أهميتها إلى عدة أمور: فهي عقيدة لها أثر عظيم جداً على حياة الفرد، وأعظم آثارها على حياة الفرد عدة أمور: أحدها: أنها تجعل النفس والقلب في طمأنينة وانشراح، فهي عقيدة إذا تحولت إلى عمل وتحولت إلى أعمال قلوب: انشرح الصدر واطمأن؛ ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه مسلم: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً)، وطعم الإيمان طعم خاص يحس به أولئك العابدون لله سبحانه وتعالى حتى قال قائلهم وهو يعيش في الدنيا عابداً لله: والله إن كان أهل الجنة يعيشون كما نعيش الآن في راحة نفس وطعم إيمان إنهم لفي عيش طيب.

إن في الآخرة جنة لا يدخلها إلا من دخل جنة الدنيا، وجنة الدنيا إنما تكون بالعبودية لله وحده لا شريك له، عندما تقوم أيها العبد تصلي ركعتين لله الواحد القهار، تصوم يوماً لله الواحد القهار، تنفق نفقة لله الواحد القهار، تؤدي حجك، تؤدي فرضك، تقوم بواجباتك كلها وأنت تحقق العبودية لله الواحد القهار؛ ولهذا قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه -في كلمة له يجب أن نفهمها وأن نفقهها-: والله إني لا أحب الدنيا -أي: إنني لا أحب البقاء في الدنيا- لولا ثلاثة أمور ما هي هذه الثلاثة التي من أجلها أحب عمر بن الخطاب الحياة؟ وكلمته رضي الله عنه تكتب بماء الذهب، قال: لولا ثلاث: إحداها: أن أسجد لله رب العالمين، وأؤدي الصلاة، فهو يفرح بالحياة؛ لأنه يصلي لله رب العالمين في كل يوم خمس مرات ما عدا النوافل.

والثانية قال: ولولا أني أحمل في سبيل الله، أي: الجهاد في سبيل الله، فهو يحب الحياة؛ لأنه ينتقل من جهاد إلى جهاد.

والثالثة: مجالسة الصالحين، يقول: وأني أجالس أقواماً يلتقطون أطايب الكلام كما يلتقط أطايب التمر.

رحمك الله يا أمير المؤمنين! يا عمر بن الخطاب! رحمك الله فلقد أحسست بقيمة العبودية لله الواحد القهار، وقد أصبحت موازيننا وقيمنا مختلفة تماماً عن تلك القيم التي كان عليها أولئك الصحب الكرام.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

تخلص العبد من العبودية لغير الله

الأمر الثاني من أثر العقيدة على الفرد: أنها تخلص العبد من العبودية لغير الله إلى العبودية لله سبحانه وتعالى، ووالله لو لم يكن في هذه العقيدة إلا أنها تجعل الإنسان عبداً لله ليس عبداً للمادة، ولا عبداً لملك من الملوك، ولا عبداً للشرف والشهرة، وإنما هو عبد لله الواحد القهار، والله لو لم يكن في هذه العقيدة إلا أنها تحرر الإنسان التحرير الحقيقي؛ لكفى بها أهمية، ولكفى بذلك أن يعتصم الإنسان بها، وأن يحافظ عليها، من تعلق بغير الله تبارك وتعالى ذل لذلك الغير، لكن من تعلق بالله صار عزيزاً.

 

 

يتبع بإذن الله ~

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أثر

العقيدة الصحيحة على حياة الأمة والمجتمع

 

 

تربي المجتمع على الأخلاق الكريمة

 

 

الأمر الثالث من آثارها على المجتمع: تربية المجتمع على الأخلاق الكريمة، نعم والله! إن العقيدة تربي الإنسان الصالح ليكون صالحاً في كل مكان.

إن التربية الغربية -الإنجليزية أو الأمريكية أو الفرنسية- تربي المواطن حينما يكون في بلده، على أن يحافظ على القوانين والنظم، لكن حينما يخرج يتحول إلى ذئب مفترس يهين الناس ويقتلهم كما هو مشاهد، لكن العقيدة تبني الإنسان الصالح إن كان بين أقاربه أو غيرهم، إن كان في بلده فهو إنسان صالح؛ لأنه يحمل عقيدة، وإن كان مع أعدائه أو في غير بلده فهو صالح؛ لأنه يحمل عقيدة، وشتان شتان بين هذا وذاك.

 

 

 

 

يتبع بإذن الله ~

تم تعديل بواسطة ميرفت ابو القاسم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

تجمع كلمة الأمة

الأمر الرابع: جمع كلمة الأمة، إن بعض الناس يقول: لا تركز على العقيدة؛ فإنها تفرق الأمة! ونحن نقول: والله إن العقيدة هي التي تجمع الأمة، تعالوا إلى واقع الأمة الإسلامية، ما هي أسباب تفرقها؟ إن لها أسباباً كثيرة جداً، وأعظم الأسباب رايات القومية، المصالح المشتركة، العداء الأطماع إلى آخره، لكن العقيدة إذا وجدت تجمع الأمة {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال:63]، العقيدة تجمع لكن الاختلاف والتفرق له أسباب أخرى، ولا يجوز لقائل أن يقول: إن العقيدة تفرق، نقول: إن الذي يجمع الأمة وقد اختلفت بلدانها واختلفت لهجاتها وتعددت أعراقها وقبائلها؛ هي العقيدة الصحيحة التي جمعت بين صهيب وسلمان، والتي جمعت بينهم وبين أبي بكر وعمر بن الخطاب، العقيدة هي التي جمعت الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها فصارت أمة واحدة، وهي التي تجمع الناس في كل زمان.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

ظهور بركات السماء والأرض

 

الأمر الخامس: من آثار هذه العقيدة أيضاً -وهو أثر عظيم جداً- ظهور بركات السماء والأرض، إن البركات تنزل حينما نعتصم بالله، ونكون على هذه العقيدة الصحيحة.

تنجي صاحبها يوم القيامة

الأمر السادس: هناك أثر مهم جداً لهذه العقيدة، وهذا الأثر أخرته لأهميته ألا وهو: أنه ينجي الإنسان يوم القيامة من عذاب الله، ويجعله من أهل الجنة، والله لو لم يكن للعقيدة إلا هذا الأثر لكفى به أن يلتزم الإنسان بهذه العقيدة ويعتصم بها ولو ناله ما ناله، إن الدنيا قصيرة، والرحلة قريبة، والموت لا يفرق بين صغير أو كبير ولكن الشأن ما بعد الموت.

أيها الإخوة في الله! إن هذه العقيدة حينما تكون عقيدة سليمة تنجي صاحبها يوم القيامة، {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]، ما هو القلب السليم؟ إنه القلب المخلص لله، إنه القلب السليم من آثار الشبهات والشهوات، إنه القلب السليم الذي جاء ربه به أبونا إبراهيم أبو الحنيفية عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم، {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصافات:84]، ما هو القلب السليم؟ إنه قلب المؤمن، إنه قلب صاحب العقيدة الحنيفية الخالصة القائمة على عقيدة التوحيد والكفر بالطاغوت، القائمة على عقيدة الولاء والبراء، القائمة على عقيدة امتثال أمر الله وتطبيق شرعه والإيمان بأن ذلك عقيدة، إنها عقيدة متكاملة، فإذا أخلص العبد فيها لله رب العالمين جاء يوم القيامة آمناً ليشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم شربة لا يظمأ بعدها أبداً، أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلني وإياكم من هؤلاء.

أثر هذه العقيدة يدل على أهميتها العظيمة، ويدل على أنه يجب أن ندعو إليها، ويجب أن نركز على هذه العقيدة، ويجب أن نربي النفوس وأن نغرس في القلوب هذه العقيدة، نربي فيها الأسرة، نربي فيها الأمة، نربي فيها المجتمع، ندعو إليها في كل مكان.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

تؤدي إلى استقلال الأمة

ترجع أهمية هذه العقيدة إلى أن لها أثراً عظيماً في حياة الأمة وحياة المجتمع، ومن تلك الآثار: أولها: استقلال الأمة، فإنه لا يتم ذلك إلا باستقلالها في توحيدها وعقيدتها واعتزازها بدينها، وانظروا كيف كان حال العرب في الجاهلية قبل مبعث محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، كانوا متفرقين، كانوا يدينون بالولاء مرة للروم ومرة للفرس، فكيف استطاع العرب أن يستقلوا؟ وكيف استطاع العرب أن يقودوا العالم؟ إن ذلك لم يتم إلا حين استجابوا للمبعوث محمد صلى الله عليه وسلم، فآمنوا به وصدقوه وناصروه، وآمنوا بالله الواحد القهار رباً، ومن ثم تحولت حياتهم إلى حياة أخرى، ولم يمض عليهم وقت قصير إلا وقد أصبحوا قادة الأمم وسادتها، وهذه تجربة تاريخية مشاهدة أمام أعيننا.

إن استقلال الأمم في جميع أمورها -الفكري، والسياسي والاقتصادي والاجتماعي وغيره- لا يكون إلا حينما تغرس العقيدة في هذه الأمة، فإذا غرست هذه العقيدة السليمة الصحيحة في هذه الأمة فلا بد أن يظهر فيها الاستقلال، ولا تكتفي بذلك، بل تعود قائدة رائدة للأمم جميعاً.

 

تحقق الأمن والأمان

الأمر الثاني: وهو الأثر الكبير في حياة الأمة حينما تعتصم بعقيدتها، إنه الأمن، وما أدراكم ما الأمن؟ قال الله تبارك وتعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82]، لم يلبسوا إيمانهم بظلم أي: بشرك، هكذا فسره الرسول صلى الله عليه وسلم، يتحقق الأمن حينما تخلص الأمة عبوديتها لله وحده لا شريك له، وحين تتخلص من عبودية الشرق أو الغرب، وحين تتخلص من عبودية الكرة والتمثيلية، وحين تتخلص من عبودية المادة، وحين تتخلص من عبودية الجن والسحرة والصوفية والقبورية، وحين تتخلص من عبودية العلمنة التي أصبحت تعيش بيننا ليلاً ونهاراً، إذا تخلصت من العبودية لتلك الآراء والأفكار، أتاها الأمن بإذن الواحد القهار، ونقف عند تجربة تتعلق بالأمن.

أيها الإخوة المؤمنون! كانت قريش في الجاهلية قبيلة من القبائل تعيش مثل غيرها، ولكن جرى لها قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين عاماً قضية وقصة مشهورة، ألا وهي أن أحد الكفار أراد أن يهدم الكعبة التي بناها إبراهيم، وكان يدين بدين النصرانية، وهو أبرهة، فجاء إلى مكة ليهدم الكعبة، وكانت قريش تعبد الأصنام، ولما جاء أبرهة بفيلته لم تستطع قريش مقاومته؛ لأنها لم تكن صاحبة عقيدة، بل فروا إلى الجبال وهم العرب الشجعان، انهزامية كما ينهزم العرب اليوم أمام أحفاد القردة والخنازير؛ لأنهم يرفعون راية العروبة ولا يرفعون راية العقيدة، وفرت قريش إلى الجبال، ولكن الله سبحانه وتعالى كان يريد لهذه الجزيرة أمراً آخر، فجاء أبرهة، وقبيل دخوله بجيشه مكة أرسل الله عليه طيراً أبابيل من السماء تحمل حجارة من سجيل فقضت عليه، فكيف انتهت النتيجة أيها الإخوة الأحباب؟! انتهت النتيجة بأن أبرهة هزم شر هزيمة، هزيمة نكراء، هزيمة تحدثت عنها الأمم في مشارق الأرض ومغاربها في ذلك الوقت، لكن على يد من؟ ليست هزيمته على يد قريش، وإنما جاء النصر من الله سبحانه وتعالى، ووقع أن قريشاً كسبت القضية لأمر أراده الله سبحانه وتعالى، فتحولت مكة وما حولها إلى أمن، حتى أصبح الإنسان في أي مكان سواء كان لصاً أو رئيس قبيلة تريد أن تغير على غيرها، سواء كان ذا قوة أو ليس ذا قوة؛ لا يفكر أبداً بأن يغزو قريشاً ولا أن يتعرض لها.

أيها الإخوة في الله! قفوا عند هذه القضية فإنها مهمة، أمن الله قريشاً، بل أمن قوافلهم التي تذهب إلى الشمال وإلى الجنوب في رحلة الشتاء والصيف، ولا يفكر أحد أن يعتدي عليها، لماذا؟ لأن قريشاً نصرت ذلك النصر العجيب، حين أرسل الله على أعدائها طيراً أبابيل، ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم، وأراد أن يجهر بالدعوة؛ قال كلمته المشهورة وقد صعد على الصفا: (يا معشر قريش! لو أخبرتكم أن خيلاً خلف هذا الوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟! قالوا: نعم ما جربنا عليك كذباً، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد).

قد يسأل سائل ويقول: إن هذا قياس مع الفارق، الرسول يقول: لو أخبرتكم أن جيشاً خلف هذا الوادي يريد أن يغير عليكم هل تصدقوني؟ قالوا: نعم؛ فاحتج عليهم بهذا أنه رسول من عند الله، إذاً: هو قياس مع الفارق، فمن الصعب أن يقول قائل: يا محمد! لو أخبرتنا أن هناك جيشاً لصدقناك، لكن أن تكون رسول الله فلا! لكن القضية هي متعلقة بقريش، فالأمن تحول عند قريش إلى أمن شامل حتى أصبح من المستحيلات، بل من عاشر عاشر المستحيلات أن يفكر في غزو مكة، فكأن الرسول يقول لهم: يا قريش! أنتم تعلمون أن هذا من المستحيل أن يأتي أحد ليغير عليكم، لكن ناشدتكم الله لو قلت: إن هناك جيشاً -مع أنه مستحيل- أتصدقوني؟ قالوا: لو أخبرنا واحد غيرك لكذبناه، لكن لأنك محمدٌ الأمين فلا نكذبك، فقال لهم: إذا صدقتموني في هذا الأمر البعيد المستحيل لو أخبرتكم به؛ فصدقوني في أمر آخر وهو أني رسول رب العالمين، جئتكم بين يدي عذاب شديد، وكانت الحجة قاطعة، ولكن هل استجابت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أنعم الله عليها بالأمن؟ لا والله.

إن من المؤسف حقاً أن قريشاً لم تستجب، ولكنها احتجت بحجة غريبة جداً فقالوا للرسول صلى الله عليه وسلم ما حكاه الله عنهم: {َقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} [القصص:57]، قالوا: يا محمد! إن نؤمن بك تهجم علينا القبائل وتقاتلنا، انتبهوا إلى الحجة! إن نتبعك يا محمد تهجم علينا القبائل عن يميننا وعن شمائلنا ومن أمامنا ومن خلفنا، وتقتلنا وتزيل هذا الأمن! فقال الله تعالى مجيباً لهم: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا} [القصص:57]، كيف تحتجون بهذه الحجة؟ من الذي مكنكم حتى أصبحتم آمنين؟ إنه الله الذي أنزل على قلب محمد هذا القرآن، فلماذا تعكسون القضية؟ تعالوا -أيها الإخوة- إلى واقعنا اليوم، واقعنا اليوم هو نفس واقع قريش، إذا دعا الداعية وقال: أيها الناس! التزموا العقيدة، طبقوا الشريعة، قالوا: الغرب يأبى علينا، ولا يريدوننا أن نطبق العقيدة، إنهم سيهجمون علينا وسيقاتلوننا وسيزيلون ملكنا وسيصنعون وسيصنعون، سبحان الله هذه هي حجة قريش: (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا)، وهؤلاء يقولون: إن نطبق الشريعة يغضب علينا الغرب، ويهجم علينا، ويقطع عنا المصالح! قال الله تعالى: (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا)، ونحن نقول: أولم ينعم الله عليكم بالأمن؟ إن الحفاظ على الأمن لا يكون ولن يكون إلا بالحفاظ على هذه العقيدة، وعلى ما انبثق منها من شريعة، وهذه حقيقة لا شك فيها.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×