اذهبي الى المحتوى
عروس القرءان

|*|الترهيب من الجحود و عدم الشكر، ثمرات الشكر|*|

المشاركات التي تم ترشيحها

1446895895541.png

 

(.. الترهيب من الجحود و عدم الشكر، ثمرات الشكر ..)

 

 

 

1446895895734.png

 

 

 

(..الترهيب من الجحود و عدم الشكر ..)

 

** المثال الأول ما حصل لقوم سبأ:

· نقف عند هذه القصة قليلا ونرى ماذا حدث لقبيلة سبأ الذين باسمهم سمُيت سورة.

وهذه السورة جمعت قصتين: قصة سليمان عليه السلام، وهو نموذج الشكر، عنده نِعَم عظيمة لكنها ما غَرَّته، إنما بقي ناسباً النعمة لله، شاكرا لله -عز وجل- على أنعمه، ومثله داود عليه السلام، وكيف كان من أعظم النعم أنه يسبح

فتُأوب الجبال معه،أي ترد عليه تسبيحا.

 

· ننتقل لقصة القوم الذين كفروا وهم قوم سبأ، السورة أتى فيها قصة داود وسليمان الشاكرين، وقصة سبأ الكافرين، ماذاكفروا؟ كفروا أنعم الله.

 

 

قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ}

[سبأ: 16-17].

العرم: الماء الغزير، وهذا من باب إضافة الاسم إلى صفته.

وخمط: مر.

وأثل: لا ثمر فيه.

 

* تفسير السعدي رحمه الله:

سبأ قبيلة معروفة في أداني اليمن, ومسكنهم بلدة يقال لها "مأرب" ومن نعم اللّه ولطفه بالناس عموما, وبالعرب خصوصا, أنه قص في القرآن أخبار المهلكين والمعاقبين, ممن كان يجاور العرب, ويشاهد آثاره, ويتناقل الناس أخباره, ليكون ذلك أدعى إلى التصديق, وأقرب للموعظة فقال:

{ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ } أي: محلهم الذي يسكنون فيه { آيَةٌ } والآية هنا: ما أدرَّ اللّه عليهم من النعم, وصرف عنهم من النقم, الذي يقتضي ذلك منهم, أن يعبدوا اللّه ويشكروه.

 

ثم فسر الآية بقوله { جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ } وكان لهم واد عظيم, تأتيه سيول كثيرة, وكانوا بنوا سدا محكما, يكون مجمعا للماء، فكانت السيول تأتيه, فيجتمع هناك ماء عظيم, فيفرقونه على بساتينهم, التي عن يمين ذلك الوادي وشماله. وتُغِلُّ لهم تلك الجنتان العظيمتان, من الثمار ما يكفيهم, ويحصل لهم به الغبطة والسرور، فأمرهم اللّه بشكر نعمه التي أدرَّها عليهم من وجوه كثيرة،

منها: هاتان الجنتان اللتان غالب أقواتهم منهما.

ومنها: أن اللّه جعل بلدهم, بلدة طيبة, لحسن هوائها, وقلة وخمها, وحصول الرزق الرغد فيها.

ومنها: أن اللّه تعالى وعدهم - إن شكروه - أن يغفر لهم وَيرحمهم, ولهذا قال:

{ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ }

ومنها: أن اللّه لما علم احتياجهم في تجارتهم ومكاسبهم إلى الأرض المباركة, هيأ لهم من الأسباب ما به يتيسر وصولهم إليها, بغاية السهولة, من الأمن, وعدم الخوف, وتواصل القرى بينهم وبينها, بحيث لا يكون عليهم مشقة, بحمل الزاد والمزاد.

ولهذا قال: { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ } أي: [سيرا] مقدرا يعرفونه, ويحكمون عليه, بحيث لا يتيهون عنه { لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ } أي: مطمئنين في السير, في تلك الليالي والأيام, غير خائفين. وهذا من تمام نعمة اللّه عليهم, أن أمنهم من الخوف.

 

فأعرضوا عن المنعم, وعن عبادته, وبطروا النعمة, وملوها، حتى إنهم طلبوا وتمنوا, أن تتباعد أسفارهم بين تلك القرى, التي كان السير فيها متيسرا.

{ وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ } بكفرهم باللّه وبنعمته, فعاقبهم اللّه تعالى بهذه النعمة, التي أطغتهم, فأبادها عليهم, فأرسل عليها سيل العرم.

أي: السيل المتوعر, الذي خرب سدهم, وأتلف جناتهم, وخرب بساتينهم، فتبدلت تلك الجنات ذات الحدائق المعجبة, والأشجار المثمرة, وصار بدلها أشجار لا نفع فيها, ولهذا قال:

{ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ } أي: شيء قليل من الأكل الذي لا يقع منهم موقعا

{ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ } وهذا كله شجر معروف, وهذا من جنس عملهم.

 

فكما بدلوا الشكر الحسن, بالكفر القبيح, بدلوا تلك النعمة بما ذكر, ولهذا قال:

{ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ } أي: وهل نجازي جزاء العقوبة - بدليل السياق - إلا من كفر باللّه وبطر النعمة؟

 

 

1447002521061.png

 

 

 

** المثال الثاني:

قال تعالى: {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون}

[النحل: 112].

وعبر باللباس لملازمته صاحبه، فالجوع والخوف لا يبرحان ساحتهم، وهما لهم كاللباس الذي يباشر صاحبه ولا فكاك عنه.

* تفسير ابن كثير:

هذا مثل أريد به أهل مكة فإنها كانت أمنة مطمئنة مستقره يتخطف الناس من حولها ومن دخلها كان آمنا لا يخاف كما قال تعالى "وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا"

 

وهكذا قال ههنا "يأتيها رزقها رغدا"أي هنيئا سهلا "من كل مكان فكفرت بأنعم الله" أي جحدت آلاء الله عليها وأعظمها بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إليهم

 

كما قال تعالى"ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار"

 

ولهذا بدلهم الله بحاليهم الأولين خلافهما فقال"فأذاقها الله لباس الجوع والخوف" أي ألبسها وأذاقها الجوع بعد أن كان يجبى إليهم ثمرات كل شيء ويأتيها رزقها رغدا من كل مكان وذلك أنهم استعصوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوا إلا خلافه فدعا عليهم بسبع كسبع يوسف فأصابتهم سنة أذهبت كل شيء لهم فأكلوا العلهز وهو وبر البعير يخلط بدمه إذا نحروه

 

وقوله "والخوف" وذلك أنهم بدلوا بأمنهم خوفا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين هاجروا إلى المدينة من سطوته وسراياه وجيوشه.

 

 

 

1447002521061.png

 

 

(..ثمرات الشكر..)

من صفات المؤمنين:

ففي صحيح مسلم عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :

«عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ».

* سبب لرضى الله عن عبده:

قال تعالى: {وإن تشكروا يرضه لكم}

[الزمر: 7].

* أمان من العذاب:

قال تعالى: {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم}

[النساء: 147].

قال قتادة رحمه الله: "إن الله جل ثناؤه لا يعذِّب شاكرًا ولا مؤمنًا"

[تفسير الطبري: 9/342].

* سبب للزيادة:

قال تعالى: {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم}

[إبراهيم: 7].

قال بعض السلف رحمهم الله تعالى: "النعم وحشية فقيدوها بالشكر".

وقال الحسن البصري: "إن الله ليمتع بالنعمة ما شاء، فإذا لم يشكر عليها قلبها عذابا، ولهذا كانوا يسمون الشكر: الحافظ، لأنه يحفظ النعم الموجودة، والجالب، لأنه يجلب النعم المفقودة"

 

* الأجر الجزيل في الآخرة:

قال تعالى: {وسنجزي الشاكرين}

[آل عمران: 145].

وقال سبحانه: {وسيجزي الله الشاكرين}

[آل عمران: 144].

 

كذلك من ثمار الشكر الدافعة له على العمل وشكر نعمة الله تعالى عليه؛ رفع العذاب في الآخرة، ألا ترى قول الله تعالى

{وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم:34]

، ففيه إشارة إلى أن الخروج من ظلم الإنسان وكفرانه بنعم الله تعالى أن يضعها نصب عينيه، فيكون هذا سبب إن شاء الله تعالى في أن يُرفع عنه هذا الظلم للنفس الذي يقع الإنسان به.

 

منها كذلك أن ينجو من عذاب الدنيا، يقول الله تعالى:

{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112]،

والسياق مؤداه أن العكس صحيح أنها إذا شكرت أنعم الله أمنت من عذاب الله تعالى العاجل في الدنيا.

وقد بين القرآن أن الشاكرين ينجون من عذاب الله تعالى كما حصل هذا لنبي الله تعالى لوط {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بالنّذر . إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ . نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ} [القمر:33-35]

 

إذًا الشكر هو عنوان النجاة من العذاب إلى غير هذا من الآيات التي تشير إلى هذا المعنى.

أيضاً أن يعلم العبد أن من أعظم ثمرات الشكر حب الله تعالى له كما ورد في الحديث

«أحِبوا اللهَ لما يغْذوكم من نعَمِه، وأحِبُّوني بحُبِّ اللهِ، وأَحِبُّوا أهلَ بيتي بحُبِّي»

(غريب حسن، الترمذي [3789]).

 

إن محبة الله تعالى أثر فطري عن الشعور بنعمة الله فإذا علم العبد أنه لو شكر سيحبه الله وأن الله لو أحبه نجا فهذا باعث له على الشكر، وكذا يتنزل عليك برضوانه، قال عزوجل

{وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}

[الزمر من الآية:7].

 

 

 

1446895895622.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

نسأل الله أن يجعلنا من الشاكرات لأنعمه

بارك الله فيك ونفع بك يا غالية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكِ

جزاكِ الله خيرًا يا حبيبة ونفع الله بكِ

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

بورك مروركنّ الكريم حبيباتي

جعلني الله تعالى وإياكنّ من الشاكرات لنعم الله تعالى على الدوام

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

  • محتوي مشابه

    • بواسطة شامخة بإيماني
      بسم الله الرحمن الرحيم



       
       
       




      كتدفق النور بامتداد الأفق .. تنهمر البهجة في الوجدان
      فلا ترى إلا نفوسًا تترقب وأرواحًا تتأهب ..وركنا يتوهج بانتظار ..
       
      مسابقة خفيفة لطيفة ... مفعمة بالتحدي والإثارة

      فتحيةً كبسمة الصباحْ .. كالزهر في انشراحْ ..نبثها لمن أتى مشاركاً
      لنفتح اليوم بابا من التميز والإبداع ، عبر مسابقتنا الجميلة


       

      والتي تتحدث عن [ الشكر ]
       
       
      ألا أيها الشاكر، اعلم أن شكر الله طريق إلى الأجر الكبير، فماذا أنت خاسر؟!
       
      قال الشاعر:
      ومن يسدِ معروفاً إليك فكن له ** شكوراً يكن معروفه غير ضائع
      ولا تبخلنْ بالشكر والقرضَ فاجزه ** تكن خيرَ مصنوعٍ إليه وصانع
       

      المطلوب : أفضل [ تصميم - لقطة كاميرا ] عن الشكر


       

      فهيا أقبلن فكلنا شوق لإبداع أناملكن


       

      أخواتكن في فريق ~رياض الجنة ~


       

      دمتن بود : )





    • بواسطة عروس القرءان
      (..كيف نشكر الله عز و جل ونحافظ على النعم؟ ..)


       
       
       




       
       
       

      (..الشكر جزء من العبادة ..)



      إن الإسلام جعل من الشكر عبادة لله تعالى، يقول عز وجل:


       

      (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)



      [النحل: 114].


       

      إنها آيات عظيمة سوف تكون سبباً في سعادتك ونجاحك، لأن الله هو الذي يرسم لك طريق الخير، ويهيء لك أسباب النجاح ولكن ينبغي أن تتذكره في كل لحظة وتحمده على نعمه حتى يعطيك ما تريد.
      لنتأمل هذه الآية التي تصور لنا حال المؤمن يوم القيامة:



      (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ)



      [الأعراف: 43]



      وآخر دعوة للمؤمن يوم القيامة هي الحمد والشكر لله تعالى:



      (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)



      [يونس: 10].


       



       
       
       

      (.. كيف نشكر الله؟ ..)



      أما شكر الله فيكون بالقول والعمل معاً، فالشكر يكون بذكرك لله تعالى في كل حال وكل لحظة، تحمده وتسبحه وتكبره



      فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمد الله ثلاثاً وثلاثين مرة عقب كل صلاة.



      وكان يحمد الله على كل حال، وكان يحمد الله بالفعل أيضاً ولكن كيف؟
       
      إن الله وهبك نعمة البصر فكيف تشكره عليها؟



      لا تستعملها في غضب الله فلا تنظر إلى ما حرم الله، كذلك وهبك الله نعمة العقل فلا تفكر في معصية أو إثم أو أذىً، بل اجعل تفكيرك كله في مساعدة الآخرين وتقديم الخير لهم ولك.
       
      وهكذا كل النعم التي أنعم الله عليك ينبغي أن تؤدي شكرها لله تعالى، وبخاصة نعمة المال التي فقد الكثيرون الشكر عليها، فهذا المال ليس لك إنما هو لله تعالى وضعه أمانة بين يديك، فلا يكفي قولك: الحمد لله، لابد أن تتبع هذا القول بالتصدق على من يحتاج هذا المال، وللصدقة مفعول كبير أيضاً في الإبداع والنجاح كما يؤكد كثير من المختصين...


       



       
       

      (.. الأنبياء مارسوا عبادة الشكر ..)



      هذا هو سيدنا سليمان عليه السلام يشكر الله ويقدر نعمه... يقول تعالى على لسان سليمان:



      (قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)



      [النمل: 40].
       
      وكذلك سيدنا لقمان شكر الله تعالى، فقد علمه الله الحكمة وأول قواعد الحكمة الشكر لله، يقول تعالى: (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)



      [لقمان: 12].


       

      وكأن الله يريد أن يعطينا إشارة قوية لأهمية الشكر وأنه جزء من الحكمة بل هو الحكمة:



      (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ...)
       
      وقال الله في حق سيدنا نوح عليه السلام:



      (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا)



      [الإسراء: 3]



      ... انظروا كيف يركز القرآن على الشكر ويجعله صفة لأنبياء الله سبحانه وتعالى لنقتدي بهم وهذا هو النجاح الحقيقي وليس نجاح الثروة والمال!


       



       
       
       

      (.. الشكر للوالدين ..)



      شكر الله أولاً ثم الوالدين، يقول تعالى:



      (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)



      [لقمان: 14].



      وتأملوا معي هذا الأمر الإلهي: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ)، لأن الإنسان عندما لا يقدر قيمة الأبوين ولا يشعر بحنانهما وما بذلاه في تربيته، فلا يمكن أن يشكر الناس ولا يشكر الله تعالى.


       



       
       

      (.. شكر الزوجة لزوجها فريضة عليها ..)



      إن معظم المشاكل الزوجية التي تنتهي بالطلاق تكون ذات أسباب تافهة جداً، ويقول الباحثون إن حياتك الزوجية تكون سعيدة وهانئة بمجرد أن تمارس الشكر لزوجتك وتشعرها بامتنانك له... وتؤكد دراسة جديدة أن النساء اللواتي يشكرن أزواجهن يكنّ أكثر سعادة ويعشن عمراً أطول!



      وتؤكد الدراسة أن النساء أكثر قدرة على التعبير من الرجال، وأكثر قدرة على منح مشاعر الامتنان.



      سبحان الله، رسولنا الكريم لم يترك هذا الأمر جانباً بل نبَّه عليه قبل 1400 سنة، فقد اعتبر النبي الكريم أن شكر المرأة لزوجها عبادة لله تعالى، وأن الله لا ينظر للمرأة التي تنكر الجميل، قال صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه)



      [السلسلة الصحيحة للألباني].
      تصوروا أن كلمات بسيطة تقولها لزوجتك كل يوم تشكرها وتشعرها بقيمة عملها وتقدر لها مجهودها في البيت وفي تربية الأولاد، هذه الكلمات قد تكون سبباً في درء الكثير من المشاكل وجلب الكثير من السعادة... إنها قوة الشكر!


       
       



       
       

      (.. الشكر يقابل الكفر ..)


       

      هل تتصورون أن عدم الشكر يؤدي إلى الكفر!



      بل إن الله تعالى جعل للإنسان طريقين: الشكر والكفر، يقول تعالى:



      (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)



      [الإنسان: 3].



      وهكذا ندرك أن الشكر فريضة على المسلم، وليس مجرد عادة تهدف لجلب الثرة أو النجاح أو الشهرة!


       
       

      ولذلك قال تعالى:



      (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)



      [إبراهيم: 7].



      تأملوا معي المنزلة التي يحتلها الشكر في الإسلام، إذا لم تشكر الله فإن عذاب الله شديد! ولكن عندما تشكر الله تعالى فإن الله سيرزقك ويزيدك مالاً ونجاحاً وقوة: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)، أليس هذا ما يؤكده الخبراء من غير المسلمين؟


       
       
       

      حتى إننا نجد الدراسات العلمية الجديدة تؤكد على فوائد الامتنان والشكر ولكن ما علاقة الإيمان بذلك؟ يقول العلماء: إن الإيمان بالله والصلاة تساعد كثيراً على الشكر للناس وبالتالي كسب فوائده، ولذلك ينصحون بمزيد من الإيمان بالله!



      حتى البهائم تشكر الله تعالى!


       

      ربما نتذكر قصة ذلك الرجل الذي وجد في الصحراء كلباً يلهث يأكل الثرى من العطش فذهب إلى البئر ونزع خفّه فملأها ماءً حتى روي الكلب، قال النبي صلى الله عليه وسلم:



      (فشكر الله له فغفر له)



      [البخاري ومسلم].


       

      فالحيوانات والنباتات تشكر الله وتسبحه حمداً له على أن أوجدها وسخر لها أسباب الرزق.



      فعندما تحسن إلى حيوان تجده يتقرب منك ويشمك ويحني رأسه أمام تعبيراً منه عن امتنانه لك!



      ففي رواية البخاري ومسلم أن رجلاً وجد "غصن شوك" يؤذي النبات فنزعه فشكر الله له، فغفر له!



      هذه الطيور تشكر الله تعالى باستمرار وتسبحه على نعمه عز وجل، فقد خلقها ورزقها وسخر لها أسباب المعيشة، ولذلك نجدها تتعاون وتضحي من أجل الآخرين كما أثبت العلماء مؤخراً


       
       



    • بواسطة شامخة بإيماني
      اسم الله تعالى الشكور والشاكر


       
       



       
      يقول ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: "الفرق بين الشكر والحمد أن الشكر أعم من جهة أنواعه وأسبابه وأخص من جهة متعلقاته. فالشكر يكون بالقلب خضوعاً وإستكانة، وباللسان ثناءً وإعترافاً، وبالجوارح طاعة وإنقيادًا". قلبك ينكسر بشهود النعمة، فشهود النعم أحد مرققات القلوب ومن أعظم أسباب علاج قسوة القلب، تقول: قلبي قاسي جداً لا يشعر بشيء؟ اجلس اذًا وعدد النعم.
       
       
       




      ورد اسم الله تعالى الشكور في أربع مواضع:



      1. قوله تعالى: {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:30].
      2. وقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطرمن الآية:34].
      3. وقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} [الشورى من الآية:23]، ولاحظ اقتران اسم الله تعالى الشكور باسمه الغفور في هذه المواضع ، فلهذا أسراره لا شك.
      4. ورد اسمه تعالى الشكور مقترناً باسمه الحليم في قوله تعالى: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} [التغابن:17].



       
       
       

      وقفة مع الآيات


       

      قبل الشروع في مدارسة اسم الله الشكور، نتوقف مع هذه الآيات وقفة تدبر. فورود التزييل بهذه الأسماء لابد أن يكون موظفاً في خدمة الهدف الذي أتت السورة لإيضاحه، وهذا ما سنقف عنده. فكل سورة في القرآن لها مقصد عام تتوافق آياتها معه؛ ودائما خواتيم الآيات تخدم هذا المقصد وتغذيه.


       

      فمثلاً إذا توقفنا مع الآية الأولى: {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:30]، نجد تناسب اسم الله تعالى الشكور مع الآية. فالله سبحانه وتعالى من نعمة على عباده أنهم إذا أحسنوا بحسنة وفّاهم أجرهم وأعطاهم ثوابهم بل زادهم من فضله.


       

      ولكن السؤال هنا.. لم قرن اسم الله الشكور باسمه الغفور؟!
      لم لم يقل إنه شكور حميد مثلاً؟!


       

      فإذا تدبرت ستجد أنه ما من عمل إلا وفيه وجه نقصان فيجبر ذلك مغفرة الله للعبد وتجاوزه عن هذا النقص وشكره للقليل. فكأن الآية تلفت النظر إلى نقصان العمل مهما تم وكمل في ظاهره ونعمة الله بالمغفرة ومقابلة الإحسان على نقصانه بالشكر!
       
      الآية الثانية: {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} [الشورى من الآية:23]، وهنا نتوقف مع لفظ (يقترف).. فلمَ لمْ يقل (ومن يأت بحسنة)؟ لأن لفظ يقترف على وزن يفتعل.. فتشعرك بالكلفة والمعاناة في إتيان الفعل.. دلالة على المجاهدة في فعل الحسنة، لذا قال {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}، يغفر للعبد تقصيره الذي صعب عليه دفع نفسه للطاعة، ويشكر له مجاهدته تلك النفس في فعل الطاعة.
       
      الآية الثالثة: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} [التغابن:17]،
      {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ}، هذا الرجل سيتصدق بصدقة عن طيب نفس، فيجزيه الله أن يضاعف له الأجرويجعل صدقته كفارة لذنبه فيغفر له ذنوبه القديمة.


       

      يقول: {وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ}، ما الذي جاء بحليم هنا؟ لأنه مهما أتى العبد من عمل يجب أن يستحقره في جنب عظمة الله.


       

      «لو إن رجلاً يخر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرماً فى مرضاه الله عز وجل لحقره يوم
      القيامة» (صحيح لغيره، الألباني، صحيح الترغيب [3596])، فالأصل أن العبد بتقصيره مستحق للعقوبة لأنه أسر نفسه في أسر الشهوات والملذات والمخالفات والمنكرات. فيستحق وهو يقوم بهذه الأمور أن يُعجل له العقاب، لكن الله يحلم عليه ولا يعاجله بالعقوبة، ثم هو بعد ذلك يأتي بصدقة ربما تكون لا تتوازى أبداً مع جرمه فيحلم عليه ويتقبلها على ما فيه من عيب ونقصان بل ويشكرها له، فهو سبحانه تعالى يحلم ويغفر ويشكر.

       
       




       

      معنى الشكر


       

      يقول ابن القيم رحمه الله في المدارج: "الشكر أصله في وضع اللسان ظهور أثر الغذاء في أبدان الحيوان ظهوراً بيناً"، فالعرب كانت تقول: شكرت الدابة؛ إذا ظهر عليها أثر العلف، فهذا هو أصل الكلمة؛ أن يظهر أثر الغذاء في أبدان الحيوانات ظهوراً بيناً، فإذا ظهر عليها أثر العلف سُميت دابة شكور.


       

      وقالوا الشكر في الإصطلاح: هو ظهور أثر نعمة الله على لسان العبد ثناءً واعترافاً، وعلى قلبه شهوداً ومحبة، وعلى جوارحه انقياداً وطاعة.


       

      1. أولاً: على لسانه اعترافاً وثناءً، أنه يعترف بها ويثني على الله تعالى، ويتحدث بها في خاصة أمره بينه وبين نفسه وبينه وبين الناس {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11].


       

      2. ثانياً: وعلى قلبه شهوداً، عندما تستشعر أن هذه العطايا من ربك هي منن تنزل عليك {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَة} [لقمان من الآية:20]، يبعثك هذا إلى أن تحبه لأنه يسدي إليك هذا المعروف. فيشهد
      القلب النعمة ويقر بها ويراها ويلاحظها طوال الوقت.

       

      3. ثالثاً: وعلى جوارحه انقيادًا وطاعة، فلو أن القلب أقر وشهد وأحب ومال، مالت الجوارح وتنقاد. فتجد الإنسان الشكور دومًا مخبت منكسر عليه معاني الذل والافتقار، ودوماً قلبه منشرح لإحساسه بفضل ربه عليه.

      الشكر علم وحال وعمل


       

      وقال الغزالي رحمه الله في الإحياء: "واعلم أن الشكر من جملة مقامات السالكين وهو ينظم من علم وحال وعمل".
       
      قال: فالعلم هو الأصل، وهو يُورث الحال، والحال يُورث العمل، أما العلم فمعرفة النعمة من المنعم وأما الحال فهو الفرح الحاصل بإنعامه وأما العمل فالقيام بما هو مقصود المنعم ومحبوبه.


       

      ودعونا نفصل هذا الكلام الماتع:


       

      1. العلم: "معرفة النعمة من المنعم"، معرفة أن هذه النعمة ليست من أحد سوى الله، ولا تلتفت للأسباب مطلقاً بل ترى نجاحك وتوفيقك في شتى أمورك محض فضل من ربك.


       

      والحقيقة أننا ننسب الحسنة لأنفسنا وننسب السيئة إلى الله عياذاً بالله، إذا وفقت في شيء تجد نفسك تقول: لولا أني فعلت كذا ما فلحت، ولأني قمت بكذا نجحت، أما لو لمناك على شر وقلنا لك: لمَ فعلت ذلك؟ تقول والله لم أكن أريد لكن
      الشيطان شاطر، لكن قدر الله، لكن.. لكن، فانتبه لهذا وانسب النعمة لصاحبها.

       

      2. الحال: "هو الفرح الحاصل بإنعامه" وإن لم تجد هذا الفرح فاعلم أنك لم تعرف نعمة الله من الأساس. لذا دائماً أقول اكتبوا نعم الله ، تفكروا فيها، وانظروا لمن حرمها.


       

      انظر لمن فقد بصره حتى تفرح ببصرك، وانظر لمن حرم الأولاد وينفق الآلاف لكي يرزق بطفل واحد وأنت عندك ثلاثة وأربعة، انظر له لتفرح بنعمة ربك. إذا فقدت إحساسك بالنعمة فابحث عن من فقدها، فإذا استشعرتها وشعر قلبك بالفضل والفرح والانشراح بها فهنا يتولد عن هذا الحال العمل.


       

      تجدك تريد أن تبذل لله.. تصلي أو تتصدق أو تكشف كربة أو تعين أحداً.. تفعل أي شيء يرضي الله فتفعل "ما هو مقصود المنعم ومحبوبه"، لذلك الشكر بالقلب والجوارح واللسان، فلا يكون شاكر إلا إذا كان قلبه مخبت، ولسانه ذاكر، وكذلك جوارحه منقاده بالطاعة لله سبحانه وتعالى.


       

      يقول الأصفهاني في المفردات: "الشكر تصور النعمة وإظهارها وهو ثلاثة أدرب:


       

      - شكر القلب: وهذا بتصور النعمة ودوام رؤيتها.
      -وشكر اللسان: بالثناء على المنعم.
      - وشكر سائر الجوارح: وهو مكافأة النعمة بقدر إستحقاقها، وهو أن كل شيء بك يذعن لله سبحانه وتعالى".


       




       

      الفرق بين الشكر والحمد


       

      قالوا الشكر مثل الحمد إلا أن الشكر أخص، فإنك تحمد الإنسان على صفاته الجميلة وعلى معروفه ولا تشكره إلا على معروفه دون صفاته. فمثلاَ الرجل الخلوق المهذب، أنت تحمد له أدبه بالثناء عليه وإنما تشكر له فعل الأدب نفسه إن وقع.


       

      فالحمد يكون على الصفات وعلى المعروف، أما الشكر فيكون على المعروف دون الصفات، قال ثعلب وهو أحد أئمة اللغة: "الشكر لا يكون إلا عن يد، أما الحمد فيكون عن يد أو عن غير يد"، سواء أعطاك أو لم يعطك.


       

      قال القرطبي: "وتكلم الناس في الحمد والشكر هل هو بمعنى واحد أم بمعنيين فذهب الطبري والمبرد إلى أنهما في معنى واحد وهذا غير مرضي! والصحيح أن الحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سابق إحسان، والشكر ثناء على المشكور بما أولى من الإحسان".


       

      لذا قال الله تعالى: " الحمد لله " [
      الفاتحة من الآية:2] ابتداءً سواء أسدى إليك أم لم يسد فهو محمود سبحانه وتعالى لذاته بجميل صفاته بجميل أفعاله.

       

      يقول ابن القيم رحمه الله في
      مدارج السالكين: "الفرق بين الشكر والحمد أن الشكر أعم من جهة أنواعه وأسبابه وأخص من جهة متعلقاته. فالشكر يكون بالقلب خضوعاً وإستكانة، وباللسان ثناءً واعترافاً، وبالجوارح طاعة وانقيادا". قلبك ينكسر بشهود النعمة، فشهود النعم أحد مرققات القلوب ومن أعظم أسباب علاج قسوة القلب، تقول: قلبي قاسي جداً لا يشعر بشيء؟ اجلس اذا وعدد النعم.

       

      اذكر كيف منّ الله عليك بالتوبة، حلم عليك وأعطاك ما لم تكن تعلم وما لم تكن تأمل و أصبغ عليك نعمه الظاهرة والباطنة. منّ عليك بالإسلام إبتداءً وبالالتزام بعد ذلك وأذن لك بذكره وأذن لك بمعرفته. فكل نعمة منها تكسر القلب، هذا غير النعم الخاصة لكل شخص، كمحنة نجاه الله منها أو كرب كشفه عنه أو ستر اسدله عليه، عدد النعم ينكسر قلبك.


       

      من حيث المتعلقات: أي أن الشكرمتعلق بالنعم دون الأوصاف. فأنت تشكر على النعم ولا تشكر على الصفة، يعني لا تشكر الله أنه تواب وإنما تحمده أنه تواب وتشكره أنه تاب عليك. لذلك لا يُقال شكرنا الله على حياته وسمعه وبصره وعلمه إنما يقال حمدنا الله فهو المحمود عليها كما هو محمود على إحسانه وعدله.



       

      معنى اسمه تعالى الشكور في حقه سبحانه وتعالى


       

      ماذا يعني أن ربنا شكور؟ قالوا: شكور للحسنات يضاعفها، شكور على يسير الطاعات فيثيب عليها جزيل الحسنات، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم «ما تصدَّقَ أحدٌ بصدَقَةٍ منْ طيِّبٍ، ولا يقبَلُ اللهُ إلَّا الطيبَ، إلَّا أخذَها الرحمنُ بيمينِهِ، وإِنْ كانتْ تَمْرَةً، فتربُو في كفِّ الرَّحمنِ حتى تَكونَ أعظمَ مِنَ الجبلِ، كما يُرَبِّي أحدُكم فَلُوَّهُ أوْ فَصيلَهُ» (صحيح، الألباني، صحيح الجامع [5600]).


       

      قالوا ومن معنى الشكور أنه سبحانه يرغب الخلق في الطاعة قلّت أو كثرت لئلا يستقلوا القليل من العمل، لذا كانت
      عائشة رضي الله عنها عندما تقرأ {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ . وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7-8]، تأتي بشطر تمرة وتتصدق به وتتأول الآية وتقول مثقال ذرة إذا تمرة خيراً يره.

       

      قالوا وإذا أثنى الرب على عبده فقد شكره، والثناء يكون في الملأ الأعلى كما ورد في حديث ثناء الله على عبده وهو يقرأ الفاتحة.


       

      فإذا قالَ العبدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]، قالَ اللهُ تعالى: حمدني عبدي، وإذا قالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3]، قالَ اللهُ تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قالَ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:3]، قالَ: مجَّدني عبدي. (رواه مسلم).


       

      فيثني عليه في الملأ الأعلى ربنا سبحانه وتعالى بذلك، وحين تصلي على النبي صل الله عليه وسلم يثني عليك في الملأ الأعلى، «من صلَّى عليَّ واحدةً، صلَّى اللهُ عليه عشرَ صلواتٍ، و حطَّ عنه عشرَ خطيئاتٍ، و رفعَ له عشرَ درجاتٍ» (صحيح، الألباني، صحيح الجامع [6359]).


       

      وثناء الله غير ذكره لعبده {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُم} [البقرة من الآية:152]، جميل أن يذكرك، لكن هذه يثني عليك
      قال الغزالي في المقصد: "الرب تعالى إذا أثنى على أعمال عباده فقد أثنى على فعل نفسه لأن أعمالهم من خلقه فإن كان الذي أعطى فأثنى شكور، فالذي أعطى وأثنى على المعطي هو أحق بأن يكون الشكور. مر أحد الصالحين على قارىء يقرأ قول الله تعالى {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:30]، قال: "سبحان الله يعطي ويثني!!""، فالغزالي رحمه الله يشير إلى هذا المعنى أن الأعمال أصلاً منه.


       

      قال موسى عليه السلام: "يا رب إن أنا بلغت رسالاتك فمن عندك وإن أنا صليت فمن عندك وإن أنا فعلت كذا وكذا من أفعال الطاعات فمن عندك ومن قبلك فكيف أشكرك؟، قال: "الآن شكرتني"، فالعجز عن الشكر تمام الشكر.



       

      أثر الإيمان بهذا الاسم الشريف


       

      أولاً: إذا كان الله سبحانه وتعالى الشكور الشاكر على الإطلاق يقبل القليل من العمل ويعطي الكثير من الثواب مقابل هذا العمل القليل، فإن حظ المؤمن من هذا ألا يستصغر شيء من أعمال البر ولا يحقر من المعروف شيئاً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «لا تحْقِرَنَّ من المعرُوفِ شيْئًا، ولوْ أنْ تلْقَى أخاكَ بوجْهٍ طلْقٍ» (صحيح، الألباني، صحيح الجامع[7245]).


       

      حتى تبسمك في وجه أخيك قربى، وصدقتك ولو بشق تمرة قربى، والكلمة الطيبة منك قربى، «اتّقُوا النّارَ ولَو بشِقّ تَمرَة فمَن لم يجِدْ شِقّ تَمرَة فبكَلِمةٍ طيّبَة» (صحيح
      البخاري [3595])، فلا تحتقر من العمل شيئًا مهما صغر.

       

      ثانياً: مما يجب معرفته أن ما يقدمه المسلم في تقربه إلى الله تعالى من صلاة أو صيام أو حج لا يخلو من التقصير والسهو و النسيان، فلا يظن أنها الثمن المطلوب للجنة، ولا ينظر لها من الأساس بل ينظر ويتعلق برحمة الله وفقط.


       

      لأن هذه الأعمال في الأساس لن تدخلك
      الجنة، فالجنة هي سلعة الله الغالية، ولكن لأن الله شكور عظم من شأنها وأعطاك بها على صغرها وعيبها هذه المنة العظيمة.. سلعة الله الغالية. 
      ثالثاً: وهو الأهم: هو تحقيق الشكر، وهو واجب على كل مكلف. فكيف نشكر الله تعالى، يقول ابن القيم رحمه الله: "الشكر مبني على خمس قواعد، سأذكرها لك وأذكر حظك منها فانتبه:
      1. خضوع الشاكر للمشكور، وحظها منك الذل والانكسار لله تعالى.
      2. حبه له، أن يزداد المؤمن في حبه لله تعالى.
      3. اعترافه بنعمته، فيكثر من قوله: أبوء لك بنعمتك علي، ويكثر من التحدث بنعم الله تعالى. يتحدث بالنعمة لذكر المنعم وبيان فضله لا لبيان النعمة والزهو بها.
      4. ثنائه عليه بها.
      5. وألا يستعملها فيما يكره، لا يعصي الله ويبارزه بها.


       
       




       
       

      كيف يتحقق الشكر؟
      أولاً: يتحقق الشكر بمراعاة آثاره. بأن تحرص على حفظ النعمة وزيادتها، ربنا قال: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7]، فإذا عرفت ثمرة الشكر، الزيادة، جاهدت على تحقيقه. فمثلاً حينما يمن الله عليك بمال وتعلم أن أعظم وسيلة لتنميته واستثماره أن تنفق منه لا أن تدخره،حينها ستفعل. فأول وسيلة لتحقيق الشكر أن تعرف الثمرة لتكون باعث لك عليه.


       

      المعنى الثاني: أن يضع العبد نصب عينيه الجزاء العظيم الأخروي الذي سوف يمن الله عليه به إذا شكر النعمة، قال الله عز وجل: {سَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران من الآية:144]، وقال: {وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} [آل عمران من الآية:145]، ومنه:
      ما جاء في بعض الآثار أن من ابتلى فصبر وأعطي فشكر، وظُلم فغفر، أن أولائك الذين لهم الأمن وهو مهتدون، فالشاكرون يأمنون من فزع يوم القيامة ويكونون من المهتدين في الدنيا والأخرة.
       
      ذكر الخرائطي صاحب كتاب فضيلة الشكر: عن ابن عباس أنه قال: "أول من يدخل الجنة يوم القيامة الذين يحمدون الله في السراء والضراء"، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري تعليقاً، قال: «الطَّاعِمُ الشَّاكرُ لَهُ مثلُ أجرِ الصَّائمِ الصَّابرِ» (صحيح، الألباني، صحيح بن ماجة [1440])، إذاً معرفة الأجر الذي سوف يمن الله عليه به باعث للشكر.
       
      كذلك من ثمار الشكر الدافعة له على العمل وشكر نعمة الله تعالى عليه؛ رفع العذاب في الآخرة، ألا ترى قول الله تعالى {وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم:34]، ففيه إشارة إلى أن الخروج من ظلم الإنسان وكفرانه بنعم الله تعالى أن يضعها نصب عينيه، فيكون هذا سبب إن شاء الله تعالى في أن يُرفع عنه هذا الظلم للنفس الذي يقع الإنسان به.
       
      منها كذلك أن ينجو من عذاب الدنيا، يقول الله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112]، والسياق مؤداه أن العكس صحيح أنها إذا شكرت أنعم الله أمنت من عذاب الله تعالى العاجل في الدنيا.


       

      وقد بين القرآن أن الشاكرين ينجون من عذاب الله تعالى كما حصل هذا لنبي الله تعالى لوط {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بالنّذر . إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ . نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ} [القمر:33-35]، إذًا الشكر هو عنوان النجاة من العذاب إلى غير هذا من الآيات التي تشير إلى هذا المعنى. أيضاً أن يعلم العبد أن من أعظم ثمرات الشكر حب الله تعالى له كما ورد في الحديث «أحِبوا اللهَ لما يغْذوكم من نعَمِه، وأحِبُّوني بحُبِّ اللهِ، وأَحِبُّوا أهلَ بيتي بحُبِّي» (غريب حسن، الترمذي [3789]).



       

      إن محبة الله تعالى أثر فطري عن الشعور بنعمة الله فإذا علم العبد أنه لو شكر سيحبه الله وأن الله لو أحبه نجا فهذا باعث له على الشكر، وكذا يتنزل عليك برضوانه، قال عزوجل {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر من الآية:7].
       
      ولكي أزيدك في تحقيق الشكر من الناحية العملية، فأنصحك بالآتي:
      أول شيء وكواجب تطبيقي لهذا الاسم الشريف العظيم أن تكتب نعم الله عليك التي جائتك بفرحة وسعادة، بعدها تذهب في زيارة لمريض وتتخيل نفسك مكانه، لو أن الله كان قدر عليك تتألم بهذا الألم وكيف أن الله عافاك.


       

      الأمر الثاني كثرة ذكر المحمود باللسان، فتكثر من الحمد لله، وستجد لها طعم وأثر على القلب جميل.


       

      الأمر الثالث التحدث بالنعم أو بجميل منن الله على عباده، كما كان يقول سيدنا عبد الرحمن بن عوف عندما قالت له السيدة عائشة: "أنت آخر من يدخل الجنة من العشرة تدخلها زحفاً" قال: "ولمَ يا أم؟" قالت: "أما ترى هذه الأموال كلها أين ستذهب بها"، قال: "وما أصنع إن كنت أنفقه في الليل فيأتيني في النهار فأنفقه في النهار فيأتيني بالليل؟".


       

      ألا تعلمون أثر سيدنا داود أن الله قال له: "يا داود وأحب أحبائي وحببني إلى خلقي" قال: "يارب أحبك وأحب أوليائك ولكن كيف أحببك إلى خلقك؟" قال: "تذكرني ولا تذكر مني إلا حسناً".
       
      ربنا أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا وعلى والدينا واجعلنا من عبادك الشاكرين


       
       
       
       




       
       
       

      هاني حلمي


    • بواسطة عروس القرءان
      ••• شُكرِ النَّاس •••


       

      عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال - صلى الله عليه وسلم -:



      ((مَن لا يَشكُر الناس، لا يَشكُر الله))
      [1].

       

      كم فرَّقتنا النَّعرات المُنتِنة، وجمَّعنا الإسلام، وكم وعَدُونا في ظلِّ الليبرالية والقوميَّة والبعثيَّة والعَلمانية، بالرخاء والوَحدة، والأمن والاستقرار والرِّفعة، فإذا الأمر سَرابٌ، وإذا التجربة المريرة تُثبِت أنَّهم شتَّتونا أكثرَ ممَّا جمَّعونا، وأخَافونا أكثرَ ممَّا أمَّنونا، وأذلُّونا أكثرَ ممَّا أعزُّونا،



      وإذا قول الله الحق يَعلُو على كلِّ هذا الرُّكام، وإذا خير الهَدي هَدي خير الأنام، وأَعطر التاريخ تاريخ السلف الكرام






       
       

      ((مَن لا يَشكُر الناس، لا يَشكُر الله))



      قال القاضي:



      "وهذا إمَّا لأنَّ شكْره تعالى، إنَّما يَتمُّ بمطاوعته وامتثال أمره وأنَّ ممَّا أمَر به شُكْر الناس الذين هم وسائط في إيصال نِعَم الله إليه، فمن لم يُطاوعه فيه، لم يكن مُؤدِّيًا شكْر نِعَمه، أو لأنَّ مَن أخَلَّ بشكْر من أَسدى نِعمة من الناس، مع ما يرى من حرْصه على حبِّ الثناء والشكر على النَّعماء، وتأذِّيه بالإعراض والكُفران - كان أوْلَى بأنْ يَتهاون في شكْر من يَستوي عنده الشكْر والكفران"
      [2].

       

      وفي رواية لهذا الحديث: ((أَشْكرُ الناس لله، أَشكرُهم للناس))
      [3].


      قال المناوي: "أشكرُ الناس لله تعالى؛ أي: مِن أكثرهم شكرًا له، (أشكرهم للناس)؛ لأنَّه - سبحانه - جعَل للنِّعم وسائطَ منهم، وأوجَب شكْرَ من جعَله سببًا لإفاضتها كالأنبياء والصحابة والعلماء، فزيادة العبد في شكرهم، زيادة في شكْر ربِّه؛ إذ هو المُنعِم بالحقيقة، فشكْرهم شكْره، ونِعَم الله منها بغير واسِطة كأصلِ خِلقته، ومنها بواسطة، وهي ما على أيدي الناس، فتَتقيَّد بشكْرِهم ومكافأتِهم؛ ففي الحقيقة قد شَكَر المُنعِم بإيجاد أصل النعمة، ثم بتسخير الوسائط.


       

      قال بعض العارفين: "لو علِم الشيطان أن طريقًا تُوصِّل إلى الله أفضلُ من الشكر، لوقَف فيها، ألا تراه قال: ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف: 17]، ولم يَقل: لا تَجدُ أكثرهم صابرين، أو نحوه
      [4].

       
       



       
       

      وقال ذو النون المصري - أبو الفيض -:



      "الشكر لِمن فَوقكَ بالطاعة، ولِنظيرك بالمُكافأة، ولمن دونَك بالإحسان والإفضال"
      [5].

       

      وقال أبو حاتم:



      " الواجب على من أُسدِي إليه معروف، أنْ يَشكُره بأفضلَ منه أو مِثله؛ لأنَّ الإفضال على المعروف في الشكر، لا يقوم مقام ابتدائه وإنْ قَلَّ، فمَن لم يَجِد، فليُثنِ عليه؛ فإنَّ الثَّناء عند العدم، يقوم مقامَ الشكر للمعروف، وما استغنى أحدٌ عن شكْر الناس"،



      وقال أيضًا: "الحرُّ لا يَكفُر النعمة، ولا يَتسخَّط المصيبة، بل عند النِّعم يَشكُر، وعند المصائب يَصبِر، ومن لَم يكن لقليل المعروف عنده وقْعٌ، أَوشكَ ألا يَشكُر الكثير منه، والنِّعم لا تُستجَلب زيادتُها، ولا تُدفَع الآفات عنها، إلا بالشكر لله - جل وعلا - ولمن أَسْداها إليه"
      [6].

       
       




       
       

      وفي الحديث قال - صلى الله عليه وسلم -:



      • ((مَن أتى إليكم معروفًا، فَكافئوه، فإنْ لم تَجدوا، فادْعوا له))
      [7].

       

      • ((مَن أعطى شيئًا فوجَد، فليَجزِ به، ومَن لم يجد، فليُثنِ به، فإنَّ أَثنى به، فقد شكَره، وإنْ كتَمه، فقد كفَره، ومن تَحلَّى بما لَم يُعطِ، فإنَّه كلابس ثَوبَي زُورٍ))
      [8].

       

      • ((مَن أُولِي مَعروفًا، فليَذكُره، فمَن ذكَره، فقد شكَره، ومَن كتَمه، فقد كفَره))
      [9].

       

      • ((مَن صُنِع إليه معروفٌ، فقال لفاعله: جَزاكَ الله خيرًا، فقد أبلَغ في الثناء))
      [10].

       

      • وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال المهاجرون: يا رسولَ الله، ذهَب الأنصار بالأجر كلِّه، ما رأينا قومًا أحسن بذلاً لكثيرٍ ولا أحسن مُواساة في قليلٍ منهم، ولقد كَفَونا المُؤْنة، قال- صلى الله عليه وسلم-: ((أليس تُثنُون عليهم به، وتَدعون لهم))، قالوا: بلى، قال: ((فذاك بذاك))
      [11]؛ أي: ما دمتُم تَدعون لهم بخير، فإنَّ دعاءَكم يقوم بحسناتِهم إليكم، وثواب حسناتكم راجِع عليكم؛

       

      قال الطيبي - رحمه الله -: "يعني إذ حمَلوا المشقَّة والتعب على أنفسهم، وأشرَكونا في الراحة، والمَهْنأ، فقد أَحرزوا المثوبات، فكيف نُجازيهم؟ فأجاب: لا؛ أي: ليس الأمر كما زعمتُم، إذا أَثنيتُم عليهم شكرًا لصنيعهم، ودمتُم عليه، فقد جازيتُموه
      [12].

       
       
       



       
       

      مرَّ سعيد بن العاص بدار رجل بالمدينة، فاسْتسقى، فسَقَوْه، ثم مرَّ بعد ذلك بالدار ومُنادٍ يُنادي عليها فيمَن يَزيد، قال لمولاه: سلْ لَم تُباع هذه؟ فرجَع إليه، فقال: على صاحبها دَينٌ، قال: ارجع إلى الدار، فرجع فوجَد صاحبها جالسًا وغريمه معه، فقال: "لِمَ تبيع دارك؟ قال: لهذا عليّ أربعة آلاف دينار، فنزل وتَحدَّث معهما، وبعَث غلامه، فأتاه ببَدرة، فدَفَع إلى الغريم أربعةَ آلاف، ودفَع الباقي إلى صاحب الدار، ورَكِب ومضى.


       

      وأَقبَل سعيد بن العاص يَومًا يَمشي وحدَه من المسجد، فقام إليه رجلٌ من قريش، فمشى عن يَمينه، فلمَّا بلَغَا دار سعيد، التفتَ إليه سعيد فقال:ما حاجتُكَ؟ قال: لا حاجةَ لي، رأيتُكَ تَمشي وحدَكَ فوصَّلتُك، فقال سعيد: لقَهْرَمانه ماذا لنا عندك؟ قال: ثلاثون ألفًا، قال: ادْفعها إليه.


       
       



       
       

      وعن أبي عيسى قال: "كان إبراهيم بن أدهم إذا صَنع إليه أحد معروفًا، حرَص على أنْ يُكافئه، أو يتفضَّل عليه، قال أبو عيسى: فلَقِيَني وأنا على حمار، وأنا أُريد بيتَ المقدس، وقد اشترى بأربعة دوانيق تُفاحًا وسفرجلاً وخوخًا وفاكهة، فقال: يا أبا عيسى، أُحِبُّ أنْ تَحمِل هذا، قال وإذا عجوز يَهوديَّة في كوخ لها، فقال: أُحِبُّ أنْ تُوصِّل هذا إليها، فإنني مرَرتُ وأنا مُمسٍ فبيَّتَتني عندها، فأُحِبُّ أن أُكافئها على ذلك.


       

      ومرَّ عمر بن هبيرة لَمَّا انْصرَف في طريقه، فسَمِع امرأةً من قيس تقول: لا والذي يُنجِّي عمر بن هبيرة، فقال: يا غلام أَعْطها ما معك، وأعْلمها أنَّي قد نَجوتُ.


       

      وعن إبراهيم بن محمد قال: خرَجتْ لأبي جائزته، فأمَرني أنْ أَكتب خاصَّتَه وأهل بيته، ففعلتُ، فقال لي: تَذكَّر هل بَقِي أحد أَغفَلناه ؟ قلتُ: لا، قال: بلى، رجل لَقِيني، فسلَّم عليَّ سلامًا جميلاً، صِفته كذا وكذا، اكتُب له عشرة دنانير
      [13].

       

      وعن الربيع بن سليمان قال: أخَذ رجلٌ برِكَاب الشافعيِّ، فقال: "يا ربيع، أَعطِه دينارًا".


       
       



       
       

      ••• لا ترجُ من الناس شكرًا •••


       

      •• كثيرٌ من الناسِ يُحبَط إذا لم يَلْقَ التقديرَ المُتوقَّع مِن الناسِ لعمَلِه، وكأنَّ الهدفَ مِن العمَل الوصولُ إلى رِضا الناسِ الذي لن يُدرَك، ومَن تتبَّع مَواطِنَ الرِّضا لدى الآخَرين، وجَدها أقلَّ مِن أنْ تُعدَّ، فما يرُضي الناسَ اليومَ يُغضِبهم غدًا، وما يُفرحِهم الآن يُحزنهم لاحِقًا؛ ذلك لأنَّ أغلبَ الناس ليس لدَيهِم معاييرُ ثابتةٌ للحُكمِ على الأمور، فأحكامُهم صادِرةٌ عن الحالةِ التي يمرُّون بها؛



      مثال ذلك: الوالِدةُ الراضِيَة قد تَسمحُ لابنها باللعبِ بألعابه لفترةٍ أطول مِن المُعتاد، تاركًا واجباتِه، بينما يتحولُ الأمرُ إلى كارثةٍ عِندما تكونُ تلك الوالدةُ غاضِبةً!


       

      •• كذلك المديرُ الغاضبُ لا يسمحُ بأيِّ خللٍ في العمَل، بينما يَتجاوزُ في حالِ رِضاه عن كثيرٍ مِن العُيوب.


       

      •• رِضا الناس أو عَدمُه يجب ألا يكونَ هو المقياسَ الذي نَحسبُ به مدى صِحَّة ونجاح أعمالنا؛ فالاحتِكامُ إلى المقاييسِ الثابتةِ والمتَّزنةِ كفيلٌ بمنْحِنا الثِّقةَ بما قُمنا به، كمُوافقةِ العملِ للشُّروطِ المطلوبة، أو تماشِيه مع الخُططِ الموضوعة، فهذا أفضلُ مِن آراءِ الناسِ المتقلِّبة.


       
       



       
       

      •• ولكنَّ المشكلةَ هي أنَّ تلكَ الخُطط أو الشروط ليستْ ناطِقةً بالثناءِ أو المديحِ لمُوافَقةِ الصَّنيعِ لها، وقد جُبِل الإنسان على حُبِّ الثَّناء؛ لذا فإنه يلجأُ - خطأً - للآخَرينَ لِتَقييمِ عمَلِه الذي يتوقَّعُ أن ينالَ استِحْسانهم.



      فإنْ كانَ مَن لجأ إليهِ في حالةٍ مزاجيَّةٍ جيِّدةٍ، نالَ ما تمنَّاهُ مِن ثنَاء، وإن كانَ غير ذلك، فإنه لا يَنالُ إلا الإحْباط وخَيبة الأمَل.


       

      •• لذا مِن الأفضلِ أنْ لا يُعرِّض المرءُ نفسَه للوقوعِ في مثلِ هذه الحالاتِ، بالاستغناءِ عن التعلُّقِ بالشُّكر أو الثَّناء مِن الناس.


       
       




       
       

      •• ومِن جانِب آخَر، فإنَّ كثيرًا مِن الناسِ لا يُجيد تقديمَ الشُّكرِ لمَن عَمِلَ عَمَلاً جيِّدًا، وهذا ملحوظٌ لدى كثيرٍ مِن الرؤساءِ والمديرين أو المُعلِّمين، أو حتَّى الآباء أو الأزْواج، فهم فقطْ يُجيدون النَّقدَ للتَّقصير، ولا يُقدِّمونَ الشُّكرَ للمُجِيدِ مع أنه حقٌّ له.


       

      •• بعض الآباءِ يُعاقِب المُسيء مِن أبنائه ولا يُكافئُ المُحسِن!


       

      •• بعض المديرين أو الرُّؤساء يُكافئُ المُحسنَ بعملٍ أكثرَ وجهدٍ أكبر، بينما يَترُك المُسيء؛ بحجَّةِ أنَّ عمَلهُ رَديء!


       
       



       
       

      •• بعض المُعلِّمين يَملأ دفاتر المُلاحَظات بالملاحظات السلبيَّة على الطالب، ولا يَكتُب كلمةَ شُكرٍ واحِدة.


       

      •• بعض الأزواج يَنتقِدُ الملحَ الزائدَ في الطعامِ، ولا يَشكرُ في الأيامِ التي كان فيها الطعامُ جيِّدًا.


       

      •• وكذلك بعض الزَّوجات تتضجَّر لنِسْيانِ زوجِها أمرًا طلبتْه منه، ولا تَشكُر أوقاتًا كانَ لا يَتوانى في إحضارِ ما تتمنَّاه.


       

      •• هذا كله موجودٌ وملحوظٌ ومُنتشِرٌ جدًّا، فالواجبُ ألا تتعلَّقَ الأنْفُسُ كثيرًا بالحصولِ على الشُّكرِ مِن الناسِ، ولا تَجعله هدفَها الأكبر.


       

      •• مَنْ قالَ بأن "رِضا الناس غايةٌ لا تُدرك" صدَق؛ فهو أمرٌ لنْ يُدرَك، ولكنَّه أخطأَ عِندما جعلهُ غاية، فالغاياتُ يجبُ أن تكونَ أسمى وأكبرَ وأهمَّ مِن مجرَّدِ إرضاءِ الناسِ.


       

      سلامٌ على القمم ، سلامٌ على خير الأمم


       
       
       
       



       
       


      [1] رواه الترمذي، باب ما جاء في الشكْر لمن أَحسنَ إليكَ، (صحيح)، انظر: حديث رقْم (6601) في صحيح الجامع.‌

       


      [2] تحفة الأحوذي؛ المباكفوري، ج (6)، ص (61)، ط دار الفكر.

       


      [3] رواه أحمد والطبراني عن الأشعث بن قيس؛ (صحيح)، انظر: حديث رقْم (1008) في صحيح الجامع.

       


      [4] فيض القدير؛ للمناوي، ج (1)، ص (341).

       


      [5] تفسير القرطبي، ج (1)، ص (398).

       


      [6] روضة العقلاء ونزهة الفضلاء؛ لأبي حاتم محمد بن حِبَّان، ص (263).

       


      [7] رواه الطبراني عن الحكم بن عُمير؛ (صحيح)، انظر: حديث رقْم (5937) في صحيح الجامع.

       


      [8] رواه أبو داود والترمذي عن جابر؛ (حسن)، انظر: حديث رقْم (6056) في صحيح الجامع.

       


      [9] رواه الطبراني عن طلحة بن عبيدالله، ورواه ابن أبي الدنيا من حديث عائشة - رضي الله عنها - والحديث حسَّنه الألباني في صحيح الترغيب، رقْم (964).

       


      [10] رواه الترمذي والنسائي عن أسامة بن زيد؛ (صحيح)، انظر: حديث رقْم (6368) في صحيح الجامع.

       


      [11] رواه أبو داود والنسائي واللفظ له، وصحَّحه الألباني في صحيح الترغيب، رقْم (967).

       


      [12] تحفة الأحوذي؛ المباركفوري، ج (7)، ص (203)، ط دار الفكر (13).

       


      [13] مكارم الأخلاق؛ لابن أبي الدنيا، ص (90 - 91).

       
       






    • بواسطة شامخة بإيماني
      (..أهمية الشكر.. أنواع الشكر .. درجات الشكر .. ثمار الشكر ..)


       



       
       

      (.. أهمية الشكر ..)


       

      أحد أسس الدين:
      مما يدل على أهمية الشكر أنه أحد الأسس التي بني عليها الدين



      يقول ابن القيم -رحمه الله-: مبنى الدين على قاعدتين الذكر والشكر ثم يدلل -رحمه الله- على ذلك بقوله تعالى:



      {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ}



      [البقرة: 152]


       

      وبقوله-صلى الله عليه وسلم- لمعاذ- رضي الله عنه-



      «والله إني لأحبك فلا تنسى أن تقول دبر كل صلاة اللهم أعني علي ذكرك وشكرك وحسن عبادتك»


       

      ويقول: وليس المراد بالذكر مجرد الذكر اللسان بل الذكر القلبي واللساني وذكره يتضمن ذكر أسمائه وصفاته، وذكر أمره ونهيه وذكره بكلامه، وذلك يستلزم معرفته والإيمان به وبصفات كماله ونعوت جلاله والثناء عليه بأنواع المدح وذلك لا يتم إلا بتوحيده فذكره الحقيقي يستلزم ذلك كله ويستلزم ذكر نعمه وآلائه وإحسانه إلي خلقه.



      ويقول -رحمه الله-: وأما الشكر فهو القيام بطاعته والتقرب إليه بأنواع محابه ظاهرا وباطنا وهذان الأمران هما جماع الدين فذكره مستلزم لمعرفته وشكره متضمن لطاعته وهذان هما الغاية التي خلق لأجلها الجن والإنس والسموات والأرض ووضع لأجلها الثواب والعقاب وأنزل الكتب وأرسل الرسل....


       

      * يرضاه الله تعالى:
      ومما يدل على أهمية الشكر أن الشكر من أهم الأسباب لحصول رضا الرب تبارك وتعالى



      فالشكر يرضاه الله سبحانه وتعالى:



      {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}



      [الزمر: 7].



      فالشكر يرضاه الله- عز وجل- لعباده لأن النفع حاصل لهم بالشكر، فقوله تعالى: {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} أي يرض الشكر لآجلكم ومنفعتكم لأنه سبب لفوزكم بسعادة الدارين لا لانتفاعه تعالى به، وإنما قيل لعباده لا لكم لتعميم الحكم.



      * الأمن من عذاب:
      قال تعالى:



      {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً}



      [النساء: 147].



      فالشكر آمان من عذاب الله، فالشاكر يحصل له الآمان من عذاب الله تعالى بخلاف المنافق المعرض لعذاب الله-عز وجل-


       

      يقول بن جرير-رحمه الله- في معنى الآية: ما يصنع الله أيها المنافقون بعذابكم إن أنتم تبتم إلى الله ورجعتم إلى الحق الواجب لله عليكم فشكرتموه على ما أنعم عليكم من نعمه في أنفسكم وأهاليكم وأولادكم بالإنابة إلى توحيده والاعتصام به وإخلاصكم أعمالكم لوجهه، والإيمان برسوله-صلى الله عليه وسلم- فإن أنتم شكرتم له على نعمه وأطعتموه في أمره ونهيه فلا حاجة به إلى تعذيبكم بل يشكر لكم ما يكون منكم من طاعة له، وشكر بمجازاتكم على ذلك بما تقصر عنه أمانيكم ولم تبلغه آمالكم


       



       

      (.. أنواع الشكر ..)



      والشكر على ثلاثة أنواع هي:
      - شكر القلب: وهو تصور النعمة.
      - وشكر اللسان: وهو الثناء على المنعم، ومنه قوله -صلى الله عليه وسلم-:



      «أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمُد لله»



      ومن الشكر باللسان التحدث بنعمة الله تعالى عليك فعن النعمان بن بشير-رضي الله عنه- قال قال النبي -صلى الله عليه وسلم- على المنبر:



      «من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله -عز وجل- والتحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر والجماعة رحمة والفرقة عذاب»
      - وشكر الجوارح: وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقه بمعنى استعمالها فيما خلقت له.



      ومنه قوله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً}



      [سبأ: 13]



      يقول القرطبي -رحمه الله - قال الزهري: اعملوا آل داود شكرا أي قولوا الحمد لله



      وشكرا نصب على جهة المفعول أي اعملوا عملاً هو الشكر، وكأن الصلاة والصيام والعبادات كلها هي في نفسها الشكر إذا سدت مسده



      فحقيقة الشكر الاعتراف بالنعمة للمنعم، واستعمالها في طاعته، والكفران استعمالها في المعصية، بمعنى أن العبادات وخاصة البدنية هي شكر الجوارح



      ويقول ابن القيم-رحمه الله-: وحقيقة الشكر في العبودية هي ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده: ثناء واعترافا، وعلى قلبه: شهودا ومحبة، وعلى جوارحه: انقيادا وطاعة


       

      * مبنى الشكر:
      يبنى الشكر على خمسة قواعد يدور عليها الكلام في الشكر:
      وأول هذه القواعد هي خضوع الشاكر للمشكور.
      والثانية: الحب للمشكور.
      والثالثة: اعتراف الشاكر بنعمة المشكور.
      الرابعة: ثناء الشاكر عليه.
      والخامسة: استعمال هذه النعم فيما يرضيه، وعدم استعمالها فيما يكره



      جاء في تاج العروس: الشكر مبني على خمس قواعد:



      خُضُوع الشاكرِ للمَشْكُورِ وحُبه له واعترافه بنعمتهِ والثناء عليه بها وأن لا يَسْتَعْمِلها فيما يكره هذه الخمسة هي أساسُ الشُّكْرِ وبناؤه عليها فإن عَدمَ منها واحدة اختلت قاعدةٌ من قواعد الشُّكرِ


       
       



       

      (.. درجات الشكر ..)



      والشكر على ثلاث درجات ذكرها العلامة ابن القيم -رحمه الله- نوجزها بما يلي:
      * الدرجة الأولى: الشكر على المحاب



      وهذا شكر تشاركت فيه المسلمون واليهود والنصارى والمجوس ومن سعة رحمة -الباري سبحانه-: أن عده شكرا ووعد عليه الزيادة وأوجب فيهالمثوبة



      وحقيقة هذا الشكر: الاستعانة بنعم المنعم على طاعته ومرضاته: ومن خلال هذا تعلم أن هذه الدرجة من درجات الشكر أختص بها أهل الإسلام، وأن حقيقة الشكر على المحاب ليست لغيرهم.
      نعم لغيرهم منها بعض أركانها وأجزائها كالاعتراف بالنعمة والثناء على المنعم بها فإن جميع الخلق في نعم الله، ولا شك أن كل من أقر بالله ربا، وتفرده بالخلق، والإحسان فإنه يضيف نعمته إليه، لكن الشأن في تمام حقيقة الشكر وهو الاستعانة بها على مرضاته، وهذا مما أختص به أهل الإسلام



      * الدرجة الثانية: الشكر في المكاره:
      وهذا الشكر أشد وأصعب من الشكر على المحاب، وهذا الشاكر أول من يدعى إلى الجنة، ولهذا كان فوقه في الدرجة



      وهذا الشكر لا يكون إلا من أحد رجلين: إما رجل لا يميز بين الحالات بل يستوي عنده المكروه والمحبوب فشكر هذا: إظهار منه للرضى بما نزل به وهذا مقام الرضى.
      الرجل الثاني: من يميز بين الأحوال فهو لا يحب المكروه ولا يرضى بنزوله به، فإذا نزل به مكروه شكر الله تعالى عليه فكان شكره كظما للغيظ الذي أصابه، وسترا للشكوى، ورعاية منه للأدب وسلوكا لمسلك العلم فإن العلم والأدب يأمران بشكر الله على السراء والضراء فهو يسلك بهذا الشكر مسلك العلم، فشكره لله شكر من رضي بقضائه كحال الذي قبله فالذي قبله أرفع منه.
      وإنما كان هذا الشاكر أول من يدعى إلى الجنة: لأنه قابل المكاره التي يقابلها أكثر الناس بالجزع والسخط وأوساطهم بالصبر وخاصتهم بالرضى فقابلها هو بأعلى من ذلك كله وهو الشكر فكان أسبقهم دخولا إلى الجنة وأول من يدعى منهم إليها



      * الدرجة الثالثة: أن لا يشهد العبد إلا المنعم.
      فإذا شهد المنعم عبودية: استعظم منه النعمة، وإذا شهده حبا: استحلى منه الشدة، وإذا شهده تفريدا: لم يشهد منه نعمة ولا شدة، يستغرق صاحبها بشهود المنعم عن النعمة فلا يتسع شهوده للمنعم ولغيره



      وهم على ثلاثة أقسام: أصحاب شهود العبودية: وهي مشاهدة العبد للسيد بحقيقة العبودية والملك له، وأصحاب شهود الحب، وأصحاب شهود التفريد، ولكل قسم من هذه الأقسام حكم وتفاصيل، تنظر في موطنها حتى لا يطول بنا المقام.


       



       

      (.. ثمار الشكر ..)


       

      وثمار الشكر التي يجنيها الشاكر في الدنيا والآخرة كثيرة، ولعل من أهمها:
      - الشكر من كمال الإيمان وحسن الإسلام فهو نصف الإيمان.
      - الشكر اعتراف بالمنعم والنعمة.
      - سبب من أسباب حفظ النعمة بل من الزيادة فيها.
      - لا يكون الشكر باللسان فقط بل يكون بالجوارح والأركان.
      - من أسباب كسب المؤمن رضا الرب تبارك وتعالى.
      - فيه دليل على سمو النفس وعلوها.
      - الشكور قرير العين، يحب الخير للآخرين، ولا يحسد من كان في نعمة



      * ومن فوائد وثماره أيضاً:
      - أن الشكر يجعل صاحبه من أهل خواص عباد الله وقليل ما هم.
      - الجزاء الحسن على الشكر.
      - الاعتبار بآيات الله، والانتفاع بها.
      - حصول الآمان من عذاب الله-عز وجل-.
      - الاقتداء بالأنبياء الكرام فهم أهل الشكر، وغير ذلك من الفوائد والثمار.



      ومن خلال ما سبق بيانه نعلم أن الشكر من أهم أعمال القلوب، التي هي محل نظر الله تعالى، فالشكر عندما يملأ القلب، يجعل هذا القلب عامراً بالإيمان وعمل الصالحات


       

      والله نسأل أن يجعلنا من الشاكرين الذاكرين الحامدين له سبحانه وتعالى، الفائزين في الدنيا والآخرة


       




منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×