اذهبي الى المحتوى
السلفيه الصغيره

إعجــازالتنزيل في تشبيه العنكبوت للشيعة وأمريكا وإسرائيل

المشاركات التي تم ترشيحها

إعجــازالتنزيل

في تشبيه العنكبوت

للشيعة وأمريكا وإسرائيل

 

 

بقلم

 

 

رجاء عبد العليم رزق زغلول

مدرس مساعد في البلاغة والنقد

من جامعة الأزهر

 

 

 

post-323311-0-01629700-1363713663.jpg

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إهــــــــــــداء

 

إلى الذين يعتقدون أن هناك من ينفع أو يضر غير رب العالمين قال تعالى : "ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين " (يونس106)

 

إلى الذين يستغثون بغير رب العالمين قال تعالى : " فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين " (الشعراء213)

 

إلى الذين يتولون أعداء الملة والدين وينتصرون بهم دون رب العالمين قال تعالى : " يا أيها الذين أمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين بل الله مولاكم وهو خير الناصرين " ( آل عمران150,149)

 

إلى أكثر أهل الأرض الذين هم أئمة فى الضلالة وداعية إلى الخسران باتخاذهم من دون الله أولياء هم والعدم سواء .

 

إلى أهل الذلة والصغار الذين هانوا على ربهم فكانوا أهون عليه من أدنى شيء مهان لهوان ربهم عليهم بتكذيبه وإنكار توحيده .

 

إلى عُبَاد الهوى والطاغوت ’ الصم البكم الذين لايعقلون بركونهم إلى الباطل الذى لايقوم عليه دليل ’ فمُسخت بكفرهم آدميتهم وتبددت كرامتهم ’ وتبدلت فطرتهم فكانوا حربا ودمارا على من حولهم كالعنكبوت التى هى لهم مثيل .

 

إلى المنافقين إخوان الكافرين الذين تولوا أعداء الملة والدين المحاربين للمؤمنين .

 

إلى المنافقين الذين لم تؤت الأمة إلا من قِبلهم ’ ولم ينل عدو الملة من الأمة إلا بهم ’ وعدل من الله أن يجعلهم فى الدرك الأسفل من النار تحت أقدام أوليائهم .

 

الله يستهزئ بهم مع إخوانهم حيث جعل العنكبوت مرآة لهم حتى يروا نفوسهم ومقدار هوانهم على ربهم عز وجل والخلق أجمعين .

 

إلى الظلاميين الذين طغوا وبغوا وأظهروا الفساد فيما حولهم بهوى نفوسهم وقسوة قلوبهم وذهاب نور بصيرتهم وبصرهم قال تعالى : " ( مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون " . ( العنكبوت 41 )

post-323311-0-15603600-1363714223.jpg

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

التمهيد

إن أعظم الذنب الذي يرتكبه العبد هو مولاة غير الله جل في علاه ’ وعدم توحيده سبحانه بالقدرة على كل شيء ’ لأنه سبحانه وتعالى هو الإله الحق الذى له الأمر من قبل ومن بعد ’ وإليه ترجع الأمور فى كل شئ ’ وقد قال تعالى : " أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحي الموتى وهو على كل شيء قدير " ( الشورى 9 ) ’ كما ورد في صحيح البخاري أن : رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل : أي الذنب عند الله أكبر؟ قال : أن تجعل لله ندا وهو خلقك " ’ وكذلك ورد فى صحيح البخارى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوما : " هل تدرون ماذا قال ربكم آنفا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : أصبح من عبادي مؤمن بى وكافر , فأما من قال : مُطرنا بفضل الله ورحمته (وفى رواية : وبرزق الله) , فذلك مؤمن بى كافر بالكوكب , وأما من قال : مُطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بى مؤمن بالكوكب " .

والعجب كل العجب من سوء حال الذين جعلوا الأنبياء آلهة يعبدونها من دون الله ’ ومن الذين يدعون الأموات ’ يرجون نفعهم ودفع ضرهم حيث بنوا عليهم المساجد التي يشدون إليها الرحال يستغسون بهم فى كل حال , ويطلبون منهم المدد بالليل والنهار قائلين يا حسين! يا على! يا موسى! يا عيسى! يا إبراهيم ---- إلخ ’ وقد أغراهم بذلك حلم الله الحليم عليهم ’ وأسوأ من ذلك الذين يعبدون النيران والفئران والحجر والبقر والشمس والقمر والجن والبشر--! وأعجب من العجب قبح حال المسلمين الذين يحبون الكفار ويتولونهم من دون الواحد القهار بعد أن أكمل لهم ربهم عز وجل الدين ’ وأتم عليهم نعمه على العالمين ’ وتركهم رسوله الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء ليليها كنهارها وقد أوضح لهم سبل السعادة ’ في كل أمر من أمور الدنيا والدين من بعد أن فصل لهم ربهم العظيم كل شيء تفصيلا بكل طرق وأساليب التعليم القويم في كتاب الله المحفوظ المفصل المبين ’ والذي ما فرط سبحانه وتعالى فيه من شيء ’ وبين فيه سبحانه وتعالى كل شيء ثم هم بعد كل ذلك في كل نازلة يولون وجوههم قبل الغرب ’ يستغيثون بهم كغوث الظمآن في الأرض الجرداء بماء السماء ’ وإلى مجالسهم يهرولون ومن غضبهم يحذرون ولرضاهم يطلبون ’ وإلى كلامهم يستمعون وينصتون ولمرادهم ينقادون حتى وإن كان مرادهم هو تدمير مقدرات بلادهم وإراقة دماء شعوبهم ’ ولأوامرهم ينصاعون حتى وإن انطلقت إليهم عبر الأثير ’ من مجموعة أخلاط من الشياطين الذين نَصَّبوا أنفسهم ساسة على العالم وهم شرار الخلق أجمعين بشهادة رب العالمين ’ وقدأصبح كل شيء في بلادنا رهن إشارتهم وسيطرت على كل أمورنا وأحوالنا إرادتهم ’ بل إن دماءنا قد تركت تجرى كالأنهار في كثير من الأقطار لإرضائهم ’ بل أن القرآن يؤخذ ببعضه ويلقى منه ما يغضب الكفار خلف ظهورنا ’ وقُدمت قوانينهم على شرع ربنا ’ ولم يؤخذ فى الاعتبار غضب الجبار. فإن الله وإنا إليه راجعون ’ فليس هناك كهذه مصيبة في الأولين والآخرين ’ حيث صار لسان الحال يقول نعمت الجاهلية التي بعث فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ’ حيث كان يُغاث من يستغيث ’ ويُجار من يستجير’ ويُنصر المظلوم ’ ويُطعم الجائع ويُكرم الضيف ’ ويُحفظ الجار ’ وتُحمى الحمى--- وبئست جاهلية اليوم فليس فيها مندوحة تذكر ’ وقد صدق فينا قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراع بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه . قلنا : يا رسول الله ’ اليهود والنصارى ؟ قال فمن " (صحيح البخارى)

وهذا الحديث إعلام بإتباع اليهود والنصارى في كل شيء حتى في الكفر ’ حيث كشف سواد عظيم من الناس عن سواد وجوههم الكالحة ’ يسخرون بكتاب رب العالمين ’ ويستهزئون بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين ’ ويكرهون تعاليم الدين ’ الذي أرسل به الله تعالى سائر الأنبياء والمرسلين للناس أجمعين وقال تعالى : " ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " ( آل عمران 85 ) ’ وقد جعلوه أديان مكرا في المساواة بين أهل الكفر وأهل الإيمان ’ وإطفاءً لنار العداوة في قلوب المسلمين للكفار ’ بينما نارهم قد حمى وطيسها بكل صنوفها تشتعل فينا بالليل والنهار’ بعد أن مزقوا الأمة الواحدة أقطارا والمسلمين أحزابا متشاحنة ’ وقد قال تعالى : " إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء " ( الأنعام 159 ) ’ كما جعلوا الجهاد فى دفع العدوان عن مقدسات الدين والأهل والديار والولدان إرهابا ’ وتُرك الشيوخ العجزة ’ والنساء الثكلى ’ والأطفال الرضع ’ تتلهى بأحشائهم ’ وتمزيق أبدانهم ’ وهتك أعراضهم ’ وهدم ديارهم وإبادة كل مقدراتهم ’ فأصبحوا وأمسوا يفترشون أشلائهم وجراحهم ودمائهم ’ ويلتحفون بأخاديد النار من حولهم ’ التى تصبها عليهم تلك الوحوش الضارية الخبيثة من بني الإنسان ’ حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم خذل وصار عرضه يهان ’ تلوكه أفواه هؤلاء الأشرار ’ وقد أخذ الله تعالى علينا الميثاق بالإيمان به ’ ونصرته وعدم خذلانه كما أخذه على سائر الأنبياء من قبلنا ’ فأقررنا وكان معنا سبحانه وتعالى من الشاهدين بقوله تعالى : " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون " . (آل عمران 83 :81 )

وقد صدق الشاعر الذي قال :

في كل بلوى تصيب المرء عافية

إلا البــلاء الذي يــدنى من النـار

ذاك البلاء الــذي ما فيه عافية

من العـــذاب ولا ستر مــن العار

ذلك لأن الله مولى الذين أمنوا ولا مولى للكفار’ وأنى يكون لهم أولياء من دونه تعالى ’ وهو الذى لا تطيب الحياة فى الدنيا إلا بطاعته وحبه سبحانه واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ’ ولا سعادة في عيشها إلا بتوحيده جل في علاه ’ ولا نجاة فى الآخرة إلا بعفوه ’ ولانعيم فى الجنة إلا برحمته . فاللهم أجرنا في مصيبتنا تلك في الدين واخلفنا خلافة راشدة في العالمين .

 

 

post-323311-0-76267000-1363714490.jpg

post-323311-0-94936000-1363714513.jpg

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

مقدمة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله الذي علمنا البيان ، وأخبرنا أن الناس عنده فريقان لا ثالث لهما ’ مؤمنون بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم سلكوا الصراط المستقيم دون تغيير أو تبديل ’ وهم أهل الحق . وكافرون مكذبون بما أُنزل عليه صلى الله عليه وسلم ’ وهم أهل الباطل ’ وهم صنفان منافقون وكفار صدوا عن الحق فضلوا السبيل ’ فقال تعالى : " الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم والذين أمنوا وعملوا الصالحات وأمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين أمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم " . ( محمد 3:1 )

والحمد لله الذى أخبرنا أن كل إنسان لا يأتي ربه إذا مات إلا على إحدى حالتين إما مجرما وإما مؤمنا ’ إذ ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار’ فقال تعالى : " إنه من يأت ربه مجرما فإن له نار جهنم لايموت فيها ولا يحيى ومن يأته مؤ منا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى " . (طه 75:74)

ومن عظيم نعمه سبحانه وتعالى علينا أن ضرب لنا الأمثال لندرك بها ماغاب عن أبصارنا ودق فهمه فى عقولنا ’ والتى منها هذا المثال ’ الذى أخبر به العليم الخبير عن كل شئ عن الكفار والذى استطاع به كل إنسان أن يرى بعين اليقين شُئم الكفر على الكفار’ هم ومن تولاهم من أهل الإسلام ’ وأن يعلم كل ظهر منهم وما بطن وخائنة الأعين وما تخفى الصدور ، وكيف استكبروا وطغوا وبغوا على المؤمنين فى صراعهم الطويل على الدنيا من لدن نوح عليه السلام إلى تقوم الساعة دون كلل أوملل ’ وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ’ كل هذا وغيره الكثير’ من فضائحهم فى العالمين التى ذاع بها ذلك المثل المبين في زماننا ومن قديم ’ فأصبحوا وأمسوا فى كل مكان أهون من كل شيء مهان ’ تلوكه الأقدام دون أن يكون لهم أدنى اعتبار فى كل الأفهام ’ وتاريخهم الطويل خير شاهد ’ فى ماضيهم البائد وحاضرهم المشهود ومستقبلهم الموعود تصديقا لقوله تعالى : " مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شئ وهو العزيز الحكيم وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون " . (العنكبوت44:41)

وقد وردت كلمة "الأولياء " في هذه الآية الكريمة بصيغة الجمع ومفردها : ولى ’ وكلمة الولي في لغة العرب تدل على القرب يقال: تباعد بعد ولى أي تباعد بعد قرب ، وجلس مما يليني أي يقاربني "

ولقد حرم الله جل في علاه على المؤمنين الشرك به بالتقرب إلى غيره سبحانه وتعالى بالتعظيم والسمع والطاعة والحب والموالاه من دون الله جل فى علاه ’ وتبرأ سبحانه وتعالى ممن يفعل ذلك الظلم العظيم ’ وحرمه سبحانه من رحمته فى الدنيا ويوم الدين ما لم يتب ’ ومايزال سبحانه وتعالى يحذر من ذلك الظلم تحذيرا شديدا في كل حين وفى مواضع كثيرة فى القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم :

*- منها : تحريم التقرب إلى الكفار من دون المؤمنين بقوله تعالى : " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير " . (آل عمران28)

*- ومنها : تحريم تولى اليهود والنصارى ’ وأن من يفعل ذلك فهو منهم ومثلهم أيس من رحمة الله فقال تعالى : " ياأيها الذين أمنوا لاتتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لايهدى القوم الظالمين " . (المائدة51)

*- ومنها: بيان مآل من تولى الشيطان بقوله تعالى : " فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون " . ( الأعراف 30 )

*- ومنها : إنكار الله تعالى على عباده تولى إبليس وذريته من دون الله فقال تعالى : " أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا " . (الكهف50)

*- ومنها : تحريم اتباع غير ما أنزل الله عز وجل في كتابه العزيز وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه من العادات ’والتقاليد والآباء ’ والكبراء ’ والسادات ’ والنظم ’ واللوائح ’ والقوانين والعهود والمواثيق والدساتير، الذي ما أنزل الله عز وجل بها من سلطان في كتابه العزيز ولا سنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم في إقامة عدل أو نشر فضيلة أو إحقاق حق أو إبطال باطل .

فقال تعالى : " اتبعوا ما أُنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون " . ( الأعراف 3 )

*- ومنها : بيان مقدار ضلال وخسران الذين اتخذوا عباد الله من الملائكة والنبيين والصالحين وغيرهم أولياء يتقربون إليهم بالحب والموالاة من دون الله عز وجل اعتقادا لنفعهم أو دفعاً لضرهم بقوله تعالى : " أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادى من دونى أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا " . (الكهف102)

*- ومنها : تحريم محبة الآباء والإخوان الذين استحبوا الكفر على الإيمان ’ وولايتهم من دون الله سبحانه وتعالى بقوله عز وجل : " ياأيها الذين أمنوا لاتتخذوا أباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون " . ( التوبة 23 )

والحقيقة أن ذلك المثل القرآني قد جمع بإيجازه كل أنواع الشرك في كل زمان ’ ووسع بأسلوبه كل موالاة لغير الله سبحانه وتعالى ، وصدع ببلاغته المعجزة ببطلان اتخاذ الأنداد من دون الله جل في علاه . كما وسع هذا البلاء العظيم من ظلم وطغيان بني الإنسان في هذا الزمان ’ من تعظيم الكفار والركون إليهم وولايتهم وطاعتهم من دون الله جل في علاه ’ لقوة عدتهم وكثرة عددهم وتمكنهم في المرافق العاملة في الحياة والاستقواء بهم وازدراء أهل الحق واحتقارهم ’والتكبر عليهم والنيل منهم لضعفهم. ولكن هيهات هيهات فلا مولى لهم ’ وقد رد الله عز وجل عليهم وعلى الكفار كيدهم في نحورهم ’ وجعل تدبيرهم في تدميرهم ومايمكرون إلا بنفوسهم ’ ووضح ذلك فى مثل ضربه لهم بالعنكبوت التي اتخذت بيتاً أمام عيونهم لخزيهم في الدنيا قبل الآخرة ’ ولبيان مبلغ وهنهم وهوانهم على ربهم عز وجل ’ وفضح فساد عقولهم ، وتقرير بطلان ركونهم إلى أوليائهم في عقول الناس أجمعين في كل وقت وحين ببيان معجز صدع بكل حالهم ومبلغ دناءة نفوسهم فى مثل واحد من عيون أمثال القرآن الكريم هو حجة قاطعة وبراهين ساطعة ’ ودليل قائم بين يديهم شاهد عليهم قبل أن يأخذهم الله عز وجل أخذ عزيز منتقم .

وقد تجلى ذلك البيان فى عدة نواحى منها مايلى :

الناحية الأولى : براعة المثل في كمال بيان المعنى .

الناحية الثانية : إعجاز البيان فى الكشف عن التماثل التام بين العنكبوت والكفار .

الناحية الثالثة : إعجاز البيان فىالكشف عن التماثل التام بين كل قوى الباطل وبيت أنثى العنكبوت .

الناحية الربعة : إعجاز البيان فى كثرة تعدد الغرض البلاغي .

الناحية الخامسة : إعجاز بلاغة مفردات البيان في تقرير المعانى.

الناحية السادسة : إعجاز براعة البيان فى خصائص أسلوب الكلام.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أولا : براعة المثل في بيان المعنى

يتجلى الإعجاز البياني لذلك المثل القرآني في تصوير المعنى بوضوح وجلاء تام قد بلغ درجة الكمال ’ مع الإحاطة بكل ما غاب من المعاني الخفية بين المتشابهين دون أن يُترك منها بقية في صورة بديعة بديهية ’ تدرك قبحها كافة العقول ’ ويتقرر رفضها وإنكارها في فطر ووجدان كل الناس في أي زمان ومكان على اختلاف أقدارهم في العلم وتفاوت إدراكهم في الفهم ، إذ كشف ذلك المثل عن فساد عقول الذين اتخذوا من دون الله أولياء وضلالهم بركونهم إلى غير الله سبحانه في صورة تمثيلية ’ بهرت عقول أولى النُهى ’ وأثارت أذهان بني الإنسان بالجدل والحوار فى كل زمان ’ وأنكرها الكفار’ يستهزؤن بقولهم كيف يضرب رب محمد المثل بالذباب والعنكبوت ؟ وما علموا أن (العنكبوت) التى ضربها الله مثلا لهم ’ ما تركت شيئا في سائر مناحى حياتهم إلا مثلته لهم ’ حتى كثرة أعدادهم واختلاف أجناسهم وأفرادهم ومجموعهم ! إنه إعجاز الإيجاز فى كلمة واحدة سجل تاريخي كامل حافل بالأخطار والأهوال ’ فى تصوير بشاعة كل إنسان لايؤمن بالواحد الديان بتلك الآية التي لا ينضب معينها عند الصدور والورود على بيانها حيث شبهت : سوء حال الكفار الذين يظنون أنهم يحسنون صنعا فى أعمالهم بتقربهم إلي غير الله بالحب والطاعة والموالاه وضلال سعيهم فى ذلك وخسران منقلبهم وهلاكهم الأبدى .

بالمشبه به : أنثى العنكبوت في سوء حالها بركونها إلى بيت يخلو تماما من معانى البيتية ’ ولا يغنى عنها شيئا سوى كونه سببا في هلاكها بصفة أبدية .

ووجه الشبه بين الكفار وأنثى العنكبوت فى ذلك هـو: ضلال السعي الناتج عن حسن الظن والمفضي إلى الشقاء الأبدي والهلاك الحتمي .

وما ذلك إلا لأن العنكبوت اتخذت بيتا كالسراب عرضة للدمار من أدنى شئ ’ وكلما بنته لم تجده شيئا ’ لأنه عديم من الأبعاد التي يقوم بها البناء لأي بيت في جلب نفع أو دفع ضر . وما هو إلا بيت خبيث ليس له قرار ’ قد اجُتث من فوق الأرض إذ لا سقف يظل ولا أرض تقل ’ ولا جدار تستتر به أو ركن تركن إليه ’ أو باب يغلق عليه أو حتى حائط تطمئن إليه أو عمق تحتمي به . فهي فى بيتهاعارية مكشوفة في شقاء وعناء ’ بلا أمن ولا أمان عرضة للمهالك والأخطار على كل حال .

وهكذا حال كل إنسان يضل السبيل ’ يهلك بصفة أبدية حين يتخذ له في ملك الله من دون الله ندا ووليا، يخلو من معاني الألوهية ، لأن الإله الحق الذي يملك السموات والأرض يأبى بأن يشرك به عبده تحت سمائه وفوق أرضه ’ فقال تعالى: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما " . ( النساء 48 )

حيث إن الشرك بالله هو الذنب الوحيد الذي لا يغفره الله إذا مات الإنسان عليه دون توبة ’ وبذلك المثل تقرر بطلان كل مولاة لغير الله تعالى ’ تلك الحقيقة التى تكررت فى القرآن الكريم مرار وتكرارا من ذلك قوله تعالى : " ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض وما لكم من دون الله من ولى ولا نصير " . ( البقرة : 107 )

كما تقرر بذلك المثل عجز كل المشركين مع أوليائهم ’ الذين يحبونهم ويخشونهم ويطيعونهم ’ ويدعون الناس إلى مولاتهم من دون الله تعالى ذلك العجز الذى أشهدهم عليه بقوله تعالى : " قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة فى السموات ولا فى الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير " . ( سبأ : 22 )

كما بيَّن المثل مبلغ انعدام قدرهم ’ لكره الله تعالى لهم بتصوير كل مجموعهم بأنثى العنكبوت ’ لتقرير كمال وهنهم وهوانهم على الله تعالى ’ ونكاية فى ازدراء حالهم ’ وسميت السورة التى ورد فيها ذلك المثل باسم العنكبوت إمعانا فى التشنيع بهم حتى زاعت بتلك الصورة المزرية فضيحة هؤلاء المشركين ’ وتقرر لهم بها في سائر الأذهان البغض والهوان والدونية ’ وشهد بذلك رب البرية فقال تعالى : " إن الذين كفروا من أهل الكتاب المشركين فى نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية " ( البينة : 6 ) ’ بينما تجلت الخيرية للأمة المحمدية فقال تعالى: " إن الذين أمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشى ربه " . ( البينة 8:7 )

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

ثانيا : التماثل التام بين العنكبوت والكفار

 

من العجائب والأسرار في إعجاز ذلك البيان الكشف عن التماثل التام بين الذين اتخذوا من دون الله أولياء والعنكبوت ’ إذ أن العنكبوت يحكى لنا ببيولوجية جسمه وسائر أفعاله وأجناسه كل أحوال الذين اتخذوا من دون الله أولياء ’ ويترجم لنا كل أحوالهم وعقيدتهم وفلسفتهم فى الحياة ’ ويجسم حقيقتهم في صورة حية واقعية نابضة بالحياة والحركة أمام أعيننا ببيان فساد طبيعتهم وانحراف خِلقتهم ، وسوء أخلاقهم ’ وقبح طباعهم ’ وخبث سلوكهم وقسوة قلوبهم وبشاعة غرائزهم ’ ورعب قلوبهم ’ واضطراب انفعالاتهم ’ وطبيعة أعمالهم ’ وزينة بيوتهم وخواء دورهم ’ وشدة حرصهم على الحياة ’ وغاياتهم فيها وكمال حظهم منها ’ وكيفية عيشهم ’ وطبيعة مماتهم ’ وكيدهم في استقوائهم على غيرهم مع كمال عجزهم جميعا ’ وانقلاب مكرهم على نفوسهم ’ وكره الناس لهم وتسلطهم عليهم وانعدام ودهم ’ وتبلدهم لقوامة إناثهم على ذكورهم وعريهم وسفورهم ’ وكثرة انتشارهم وعددهم ’ وظهور شرهم وفسادهم فى البر والبحر من حولهم ’ واختلا ف مذاهبهم وأنواعهم وبيان ذلك فيما يلي مما يسر الله إيراده مستنيرة بما ذكره الله تعالى من أوصاف الكفار فى ذكر التطابق التام بين العنكبوت والكفار .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الأول - التماثل التام في كثرة انتشار العنكبوت والكفار وظهور فسادهم على غيرهم

من وجوه الشبه بين العنكبوت والكفار كثرة انتشارهم معا فى كل مكان في حركة دؤوب ’ وفي سائر ضروب الحياة ونواحيها حتى فى الحياة التى يندر أو يستحيل العيش فيها ’ حيث يسبحون في جوف الماء وفى أعماق الفضاء ’ ويتسلقون أعالى قمم الجبال ويمشون على الحبال ’ ويعيشون فى كل مكان داخل وخارج البيوت والمباني ’ وفى الحقول والصحارى والغابات والكهوف وتحت الأرض والبرارى-- إلخ مما يُستغرب فيه عيشهم ’ ومع ذلك الانتشار الواسع للكفار في كل مكان ظهر فسادهم بمعصية ربهم فى البر والبحر معا ’ لأن أبصارهم قد عميت عن الإله الحق الذى لا يحب الفساد ويأمر بالقسط ’ وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى ’ وهو سبحانه على صراط مستقيم ’ كماعميت بصيرتهم عن غاية الخلق ’ وعن استخلاف الإنسان بكل أسباب الإصلاح والإحسان فى خلافة الأرض ’ ولم تتجاوز شهواتهم فى الحياة الدنيا التى يلهثون وراءها لاقتناصها ’ فلم يسلم أحد من شرهم وفسادهم وظلمهم حتى نفوسهم وأهلهم ’ وكذلك حال العنكبوت مع كل ذلك الانتشار الواسع فى العالم ’ لم تتجاوز أبصارها ما حولها من فرائسها التى تقتنصها من الحشرات والبعوض ’ لتحظى بخبيث عصارتها ’ التي هي غاياتها وقصدها من كل حياتها ’ ولذلك لم يسلم كل ما يحيط بها من شرها حتى سائر أفراد جنسها وعائلتها .

ويرجع السبب فى ذلك لديهم معا إلى عدة أمور منها :

1 - انعدام الفائدة الحاصلة بالعقل والسمع والأبصار لدى العنكبوت والكفار.

وذلك لأن الكفار قد عميت أبصارهم وكل حواسهم وعوامل إدراكهم ’ وقاموا بتعطيلها بالكلية عن حقيقتها ’ التى هى معرفة الله تعالى ’ وعن معناها فى شكر الله بطاعته وحبه ’ وعن غايتها التى هى الفوز برضاه ورؤية وجهه جل فى علاه ’ فعجزوا لذلك بكل سعيهم وعلمهم وعلومهم في السموات والأرض عن الإيمان بتوحيد الإله الحق ’ وصدق الله العظيم الذى قال : " الله ولى الذين أمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " (البقرة 257) .

وكذلك الحال فيما توصل إليه الباحثون في العنكبوت : " فإن لديه ثمانية من العيون ’ تنتظم في صفين في كل منهما أربع عيون في مقدم جسمه في الجزء العلوي من رأسه ’ والعنكبوت فى الغالب مع هذه العيون لا يبصر ما حوله لأن نظره ضعيف أو أنه أعمى لا يرى ’ وإن رأى فإن رؤيته كعدمها حيث لا تتجاوز صورة صيده ورفاقه " .

2- استحالة تجاوز العنكبوت والكفار بعوامل إدراكهم لمواضع أقدامهم لخبثهم .

إذ يستحيل أن ينتفع الكفار بأبصارهم ورؤية كل سبل الهدى فى الآيات الكونية من حولهم ’ أو أن يهتدوا بنور القرآن أو السنة أو نور العلم الذى برعوا فيه ’ أو حتى نور البصيرة الإيمانية التي فطر الله جميع الناس عليها ’ لعمى قلوبهم وموتها من الران الذى غطى عليها بشهواتهم وإعراضهم عن الحق لقوله تعالى : "ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون " . ( الأنفال: 23 ) ’ وقوله تعالى : " أفلم يسيروا فى الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو أذان يسمعون بها فإنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور " (الحج : 46) .

حيث أثبتت الآية السابقة العمى للقلوب ’ وحصرته عليها لاينفك عنها ’ ذلك الذي أودى بهم إلى فساد كل أبدانهم وسائر وسائل إدراكهم ’ وتخبطهم في ظلمات الكفر باتخاذ الأولياء من دون الله عز وجل لقوله تعالى : " أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به فى الناس كمن مثله فى الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون " ( الأنعام : 122).

أي تتقاذفه تلك الظلمات يتردى فيها وتبتلعه ’ ويغرق فيها فلا عقل يفكر في الحق ’ ولا قلب يفقه حقيقة الخلق ، ولا سمع يسمع ولا أبصار لكفرهم بربهم الظاهر الوجود بموجبات كماله وتمام نعمه على كل خلقه ’ تلك النعم التي تستوجب العبودية المطلقة له سبحانه وتعالى جل في علاه دون سواه ، ولو عقلوا أو فقهوا لخلصت قلوبهم لمحبة لربهم وآمنوا ’ واطمأنت نفوسهم لباريها وأسلموا ، ولو سمعوا للحق وأبصروا لاهتدوا إلى صراط ربهم المستقيم ، ولكنهم أعرضوا وطغوا وبغوا وكفروا بأنعم ربهم ’ فتولوا غيره عز وجل ، فكان عاقبة أمرهم من جنس عملهم بتعطيل عوامل إدراكهم لقوله تعالى : " ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لايفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم أذان لايسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون " . ( الأعراف : 179 ) ’ بل هم أضل ’ لأنهم لن يجدوا لهم أولياء يحفظونهم من أمر الله ’ حين يحشرون على وجوههم كما عاشوا في الدنيا لا يسمعون الحق ولا يبصرونه ولا يتكلمون به لقوله تعالى : " ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بأياتنا وقالوا أءذا كنا عظاما ورفاتا أءنا لمبعوثون خلقا جديدا " . ( الإسراء 97 : 98 )

وكذلك حال العنكبوت يستحيل عليها الانتفاع بأبصارها وعوامل إدراكها لتنعم بسلامها وأمنها ’ فما أعجب شأنها وأتعس حالها كأمثالها ’ ثمانية أعين قد ذهب نورها لرؤية ما حولها ! ثمانية أعين لا تتجاوز موضع أقدامها! ثمانية أعين غاياتها عصارة البعوض التي تقوم باصطيادها ! " ولذلك كان أكثر ما تشتهر به العناكب هو غزلها لخيوط شراكها لصيدها ورفاقها حيث تأكل بعضها " .

كما أن حاسة السمع عند العنكبوت غير معروفة لدى الناس ولا يُسمع لها صوتا ’ ولا تستجيب بسمعها لما حولها كأن على آذانها وقرا كأمثالها الذين قال الله فيهم : " إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون " ( الأنعام 36 ) .

فهي في الغالب لا تسمع ولا ترى إلا الدنية دون الحقيقة الأبدية لمعنى الركن الحق الذي يُركن إليه ’ وظاهر حالها أنها كالكافر فسد قلبها فتعطلت عوامل إدراكها ’ فلا تعقل ولا تميز بين ما ينفع أو يضر من البيوت ، لذا اتخذت لنفسها بيتا يخلو من معاني البيتيه ، لا خير فيه سوى كونه سببا لهلاكها وخسران سعيها بعد ضنك عيشها، وكذلك يضرب الله للناس أمثالها .

3- انعدام الخير بالكلية فى العنكبوت والكفار لدناءة قصدهم على السواء .

فالعنكبوت قد انحرف بطبيعته على سائر المخلوقات ’ حيث لاتتجاوز غايته خبيث عصارة البعوض والحشرات وهو لذلك يفترس سائر أفراد جنسه ’ فلم يأمن من غدره أقرب المقربين إليه حتى نفسه لم تأمن من مكره ’ بما يجره عليها من العذاب والهلاك ’ ولا شيء يعود عليه من وسائل إدراكه سوى الشر والخسران المبين الذي يجلبه على غيره ونفسه ’ برصد بيته للفوز بعصارة البعوض وكذلك الكفار الأشرار لاتتجاوز غايتهم الدنيا ’ وهى هدفهم وغنيمتهم من كفرهم ’ والذى كان سبيلهم للفوز بها هو افتراس جنس البشر من حولهم ’ وسلب موارد حياتههم ’ ولا شئ يعود عليهم من وسائل إدراكهم فى سبيل ذلك إلا الشر كل الشر لقوله تعالى : " فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم " ( النجم 29 : 30 ) ’ وقوله تعالى : " إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون " ( الأنفال : 22 )

حقا إن جنسا يفترس بعضه ’ ويجلب الدمار على ماحوله لشر الدواب بخلاف أهل الإيمان ’ فقد ارتقوا عند ربهم إلى أعلى درجات العلا ومقامات الخيرية على البرية ’ بقولهم لربهم سمعنا وأطعنا لأنهم أهل حكمة وصدق وطاعة إلى مولاهم الحق فشكر لهم ربهم ذلك ، وخصهم بنورين فى القرآن الكريم دون الناس أجمعين ’ وهما الفاتحة وخواتيم سورة البقرة ’ وكفاهم ربهم عز وجل بهما كل شر وجمع لهم فيهما بكل الخير ’ وبشرهم بعفوه وعافيته فى الدنيا والآخرة بأجمع الدعاء إليه ’ الذي أرشدهم بحبه لهم إليه ’ وأثنى عليهم بسمعهم لربهم فى عليائه وشكرهم لنعمائه بقوله تعالى : " أمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل أمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير " . ( البقرة :285 )

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الثاني _ قبح أخلاق وطباع العنكبوت والكفار

 

إن أبرز ما يميز الذين اتخذوا من دون الله أولياء والعنكبوت هو التماثل التام بينهم فى قبح طباعهم وسوء أخلاقهم الذي هو لسان حالهم على الدوام من ذلك :

1- الكذب الذى طُبعت عليه كل حياة العنكبوت والكفار .

هذا الكذب الجامع بين الكفار والعنكبوت قد انطبعت عليه كل أعمالهم وعوامل إدراكهم جميعا ’وهو شريعة حياتهم ومعاملتهم في سائر أحوالهم ’ لأنهم لما ركنوا إلى الباطل كذبا وبهتانا كان الكذب هو أساس حياتهم في كل أمورهم .

حيث إن الكفار لما اتخذوا الأولياء ’ التي لا تنفع ولا تضر ظلما وعدوانا وكذبا وبهتانا بتوحيد رب العالمين في تدبير كل أمور ملكه ’ والقيام بكل شأن خلقه من قبل ومن بعد ’ وتكذيبا بالقرآن الكريم وسيد المرسلين للناس أجمعين وآيات الله الكونية ’ التي يتقلبون فيها في كل حين ’ صار الكذب هو لسانهم والأساس في معاملتهم وعهودهم ومواثيقهم ’ لقوله تعالى : " قد نعلم إنه ليحزنك الذى يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم أمرنا " ( الأنعام 33 : 34 ) ’ وليس هذا فحسب بل فى الآخرة كذلك يكذبون على ربهم ’ ويحلفون على كذبهم ! بخلاف ما عليه الحال لأهل الإيمان من مدخل صدق ومخرج صدق ولسان صدق فى الدنيا ’ ويوم القيامة ينفعهم صدقهم فيجزون به ’ بقدم صدق وجنات ونهر فى مقعد صدق عند مليك مقتدر ’ إذ المؤمن لا يكذب أبدا ’ وإن كان مازحا إلا في ثلاث أحلت له ’ وسن له رسوله صلى الله عليه وسلم التورية ليبرئ ساحته من الكذب أبدا ’ في حين طغى الكافرون في الكذب والفجور على رب العالمين ’ فلم يكتفوا بأن ادعوا له سبحانه وتعالى شريكا وندا ’ يتولونه من دون الله تعالى ’ ويركنون إليه ويدعونه ويستغيثون به ’ بل شتموا الله سبحانه وتعالى وسبوه فجعلوا له زوجة وبناتا وولدا سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا فأنذرهم الله عاقبة ظلمهم بقوله تعالى : " وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا مالهم به من علم ولا لأبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا " )الكهف : 4’5 ) ’ وقوله تعالى : " فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لايفلح المجرمون " (يونس : 17) .

وكذلك لسان حال العنكبوت في كل حياتها حيث اتخذت كذبا من البيوت : " لأن بيتها ثنائي الأبعاد أو مسطح ’ والأسطح الثنائية الأبعاد عادة أجسام مصورة أو مطبوعة على ورق أو أجسام مسطحة ليس لها هيكل ملموس " .

* وبيت العنكبوت بكل هندسة نسيجه وزخرفة بريقه ما هو إلا مقبرة حقيقية لمن يركن عليه أو يأوي إليه .

* وزواجها كذب يخلوا تماما من معنى الزوجية ’ حيث لا قوامة ولا سكن ولا مودة ولا رحمة ’ بل احتيال لأقبح جريمة تاريخية في القتل : " حيث تقوم أنثى العنكبوت ببناء بيتها الذي يكون عامل جذب قوى للذكر وبعد أن يقوم الذكر بتلقيحها تنقض عليه فتأكله وتتغذى عليه طيلة فترة الحضانة للبيض " .

* والأمومة كذلك كذب لا عطف فيها ولا حنان لأن " الأم قد تأكل أبنائها " .

* والبنوة أيضا كذب لأنها غدر وافتراس وعقوق وقطيعة لا بر فيها ولا إحسان إذ " عندما يقوى ويشتد عود الأبناء تقوم بأكل أمها لضعفها أو يترك الأبناء أمهم في مرحلة مبكرة " .

* والإخوة كذلك كذب لأنها تشاحن واقتتال لا ألفة فيها ولا وصال بينهم : " منذ اللحظة الأولى في الحياة وبعد أن يفقس البيض مباشرة تبدأ اليرقات في الاقتتال ’ يأكل القوى منها الضعيف " . *ومجتمع العناكب كله افتراق وشتات ’ إذ يستحيل أن تجده فى مجتمعات كسائر الكائنات ’ بل فرادى هنا وهناك حيث أثبتت الدراسات أنه : " يستحيل أن تجتمع العناكب فى مكان واحد لأنه يفترس بعضه بعضا " .

* وكذلك زينة بيت العنكبوت تأبين ميت من تلك الخيوط اللامعة ’ التي تخدع ببريقها صيدها أو تكذب بها على زوجها ’ وذلك لأنها لما اتخذت بيتا يخلو تماما من معاني البيتية المادية خلا بالضروة من كل المعاني المعنوية جزاءًا وفاقا لضلالها.

2- العداوة والبغضاء التي تملأ قلوب سائر أجناسهم معا .

مما سبق يتضح أن العناكب لا تنعم بحب أو وئام ’ لأنه يفترس بعضه ’ ويغدر بكل أجناسه ’ وبذلك يتبين أنه يستحيل أن يوجد بينها سلام أو أمان ’ وأنها تعيش فى عداء تام بينها وبين كل ما يحيط بها فى كل مكان ’ وذلك الذى أثبتته الدرسات الحديثة من أنه : " حيوان مفترس من الحيوانات السامة التي قد يقتل سمها الإنسان ’ ويعيش على أكل الحشرات ’ ويحيا حياة فردية في الغالب إلا في حالات التزاوج وفقس البيض عن الذرية كما تتفاوت العداوة لدي أجناسه ’ فيتقدم العناكب في شدة الشراسة والعداء نوع من العناكب الأرضية الكبيرة يسمى العنكبوت الذئب شراسته شديدة في التربص بفريسته والانقضاض عليها وإهلاكها بحقنها بالسم ثم التخلص منها بعد أن يمتص سوائل جسمها " .

وعلى تلك الشاكلة وذلك الحال في العداء التام نجد الكفار فرادى وجماعات يبغض بعضهم بعضا لقوله تعالى : " بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لايعقلون " ( الحشر 14) ’ وقوله تعالى : " وقالت اليهود ليست النصارى على شئ وقالت النصارى ليست اليهود على شئ وهم يتلون الكتاب " (البقرة 113) .

وهم كذلك في عداء مطلق للأمم والأفراد والجماعات . والعلاقة بينهم وبين العالم من حولهم علاقة عداء خاصة مع المسلمين من أهل التوحيد ’ وذلك العداء لمن حولهم قد دفعهم إلى انتهاك كل الحرمات وفعل كل المنكرات ’ فكان كل تاريخهم سفكا للدماء وحرقا للحرث والنسل على السواء ’ وإظهار الفساد .

وذلك العداء هو الأساس في حياتهم الاجتماعية ’ وهو الأساس لنظمهم ومؤسساتهم الحاكمة في وضع مبادئهم وقوانينهم التي تلتزم بها في إعداد شعوبها وفى تربيتهم على ذلك ’ وهو الأساس في التعاون بينهم للدفاع عن أنفسهم ’ ومقاتلة أعدائهم وهو الأساس في عملهم للحصول على أقواتهم ’ وهو الأساس الذي تلتزم به في إعداد جيوشها بالقدرات الفائقة للطغيان على الآخرين ’ وسعيهم في الفساد والإفساد بين العباد ’ وإشعال نار الحرب في الأرض على المسلمين لقوله تعالي : " وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدو نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لايحب المفسدين " ( المائدة : 64 ) .

فالكفار لذلك ليس بينهم محبة ولا رحمة ’ وليس لهم في الحقيقة أحباب ولا أصدقاء ولا شفعاء ’ بل هم في خصام وعداء أبدا ليس في الدنيا فقط ’ بل هم على حالهم ذلك في الآخرة لأنهم كلهم عصابة من المجرمين ’ يعادى بعضهم بعضا ويضلل بعضهم بعضا ’ كما قالوا هم عن أنفسهم يوم الدين ’ وهم يعذبون في الجحيم ’ والآيات في ذلك كثير من ذلك ما ذكره رب العالمين عنهم : " قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين وما أضلنا إلا المجرمون فما لنا من شافعين ولا صديق حميم " ( الشعراء 101:96 )

وبذلك يستحيل ائتلاف الكفار مع بعضهم ’ لما طبعت عليه نفوسهم من شدة العداء المطلق وتناكرهم لبعضهم ’ ذلك العداء في قلوبهم بصورة لا ينفك عنها أبدا حتى في حال اجتماعهم على قتال عدوهم الأول من المسلمين الذى لا اجتماع لهم أبدا في حياتهم إلا علي قتالهم لقوله تعالى : " لايقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لايعقلون " . ( الحشر : 14 )

أي بأسهم شديد بينهم حتى وهم يقاتلوكم ’ يقتل بعضهم بعضا بنيران صديقة كما هو واقع الآن .

بينما المجتمعات الإيمانية من أول مؤمن إلى آخر مؤمن في آخر الزمان ’ ومن شمال الدنيا إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها تلتقي بوجدانها ’ وتتعارف دون أن ترى بعضها ’ فتذوب قلوبها مودة ورحمة وشوقا ’ وتأتلف أرواحها حتى تصير روحا واحدة ’ قد حلت في جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى ’ ولا قطيعة ولا شحناء ولا كره ولا بغضاء ’ ولا تدابر أو عداء بينهم أو لهم من المخلوقات حولهم سوى ذلك العداء بين أجناس الكفار لهم لا لشيء إلا أنهم أمنوا بالله العزيز الحميد ’ ذلك العداء الذي بلغ ذروته في نفوس اليهود لهم ’ وكما تقدم العنكبوت الذئب سائر العناكب في شدة العداء يتقدم الكفار اليهود خاصة على سائر المشركين في شدة ضراوة العداء في كل حين على المسلمين حسدا عليهم ’ لقوله تعالى : " لتجدن أشد الناس عداوة للذين أمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين أمنوا الذين قالو إنا نصارى " ( المائدة : 82 )

ولذلك فهم قد ملأوا الأرض عليهم بالفساد ’ وأشعلوا نار الحرب عليهم في كل البلاد ’ وكلما أطفأها الله جل في علاه عادوا لإشعالها ، وهكذا يتربصون دائما بالموحدين ريب المنون ’ دون أن يغمض لهم جفن أو تسكن لهم عين في الرغبة للتنكيل بهم وتدمير أوطانهم ’حتى لا تقوم لهم قائمة أبدا لقوله تعالى : " ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ماتبين لهم الحق " ( البقرة : 109 ) .

وهم على ذلك الحال الذى ذكره القرآن من بعثة رسولنا صلى الله عليه وسلم وحتى ينزل عيسى عليه السلام ’ فيقضى عليهم بالكلية ، ويستأصل شأفتهم من على وجه الأرض ، وحينئذ تنعم الأرض بالسلام ’ ويعيش الناس في وئام ، وليس هناك سلام في العالم قبل ذلك الآوان .

3- ومن قبح أخلاق العناكب والكفار المكر والخداع والخيانة .

فالعناكب حيوانات خبيثة في أخلاقها قبيحة في طباعها، كل حياتها مكر وكيد وخيانة وخداع ، ولا اجتماع بين أجناسها ولامع غيرها إلا على ذلك ، وهذه الأخلاق الذميمة هي كل حالها ’ وتلك الطباع الدنيئة هي كل معاملتها كأمثالهم الذين ضرب الله سبحان وتعالى هذا المثل لهم .

فالزواج لدى العناكب حرب ومكر وخداع ، إذ تمكر الأنثى بزوجها وتخدعه لتستجلبه إليها ، فإذا إئتمنها وأوى إليها فقضت منه نهمها ’ خانته وانقضت عليه فقتلته ’ وكذلك الحال مع الأبناء لأمهم والأخوة لإخوانهم وسائر أجناسهم خيانة ومكر وخداع حتى في بناء العنكبوت لبيتها تمكر وتخدع صيدها بصنع مصيدة وشرك لها وذلك لأنها : " لما عرفت ضعفها وأنها تعجز عن الصيد أعدت للصيد مصايدا وحبالا من الخيوط وتلقى على بعضه لعابها ليلصق به ثم تقعد في زاوية مترصدة صيدها فإذا وقع فيها وثبت إليه وأعجزته عن الإفلات وقتلته وامتصت عصارته وهو يطن من الألم حتى يموت(1) " .

وبعد كل ذلك الصراع في المكر والكيد والخداع يكون عاقبة العنكبوت أن تلقى حتفها غير مأسوف عليها وعلى سائر أجناسها .

وكذلك كل أحوال الكفار بينهم ومع غيرهم مكر وكيد وخيانة وخداع ، فليس لهم حظا من حسن الأخلاق في المعاملة مع الآخرين إلا قبح الطباع ’ بيد أنهم يُظهرون للناس بوجههم الكالح وكفرهم الظاهر غير ذلك ’ وهم متآمرون على كل المصائب التي شهدها العالم في كل مكان وزمان ’ حتى ملأوا الأرض ظلما وسلبا وقتلا وتشريدا ودمارا بعظيم مكرهم ووبال خيانتهم ’ وما زالوا يمكرون لقوله تعالى : " وإذ يمكر بك الذين كفرو ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " ( الأنفال : 30 ) .

وقوله تعالى : " وإن يريد أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين " ( الأنفال : 62 ) .

وليس هذا فحسب بل إنهم دأبوا على المكر والخيانة والخداع حتى مع الله عز وجل لقوله تعالى : " وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم " ( الأنفال : 71 ) .

ومع كل هذا الصراع الطويل والجهد والعناء في الكيد والمكر العظيم في معاداة الإسلام والرغبة في تدمير المسلمين ، فإن الله سبحانه وتعالى خير الماكرين فلم يجعل للكافرين على الموحدين سبيلا ’ بل جعل الغلبة المطلقة وحسن العاقبة للمؤمنين حتى آخر الزمان حيث يبعث الله عز وجل رجلا فيهم اسمه محمد بن عبد الله كاسم نبيهم صلى الله عليه وسلم ’ فيملأ الأرض عليهم عدلا وسلاما بعد أن ملأها هؤلاء الكفار الفجار عليهم ظلما وطغيانا وقد رد عليهم سبحانه وتعالى كيدهم في نحورهم ، وجعل تدبيرهم في تدميرهم فقال تعالى : " والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور" ( فاطر : 10) .

 

 

 

 

post-323311-0-97907600-1363715569.jpg

post-323311-0-40827800-1363715587.jpg

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الثالث : التماثل التام في سوء سلوك العناكب والكفار

أما عن سوء سلوك الكفار فقذارة في أفعالهم وأقوالهم واضحة جلية ، فلا عفة ولا عفاف ولا ستر ولا حياء ، بل إتباع للهوى والشهوات وانغماس في الرذائل والفحشاء ’ لأن الكافر يفحش ويبطش ويفعل ما يشاء دون خوف من رب يتقى غضبه أو حذر من عبد أو استحياء ، وفجوره وفضائحه وإجرامه وقبائحه على رؤوس الأشهاد ’ لأن ذلك هو النعيم الذي اطمأنت إليه نفوسهم ’ وتلك هي السعادة التى ينشدونها ’ والحرية التى يزعمونها ويصدرونها فى كل مكان ، ويجندون أذنابهم لنشرها بكل رذائلها فى بلاد الإسلام لإغراقهم بها في الظلمات ’ وقتل الفضيلة التي ينعمون بها ’ والتي جعلتهم مصابيح للهدى .

ويرجع سوء سلوك الكفار وقبح عقيدتهم إلى أمرين يشاركه فيهما العنكبوت :

*الأول : أن القوة العاملة والمسيطرة والموجهة لسائر القدرات لدى العنكبوت والكفار محصورة على حاستين فقط دون سائر الحواس هما حاسة اللمس والتذوق .

وهذان الحاستان تدفعان إلى تدارك الشهوات ’ والسعي الحثيث ورائها لتحصيل المتعة العاجلة بهما بإشباع شهوة الفرج والبطن معا ’ دون أن يكون للسمع والبصر أدنى أثر ’ أو يكون للعقل الواعى أدنى قدر من صحيح الفهم ’ أو يكون للروح أي حظ من السعادة الحقيقية في الحياة لقوله تعالى : " والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم " ( محمد:12 ) .

حيث قابل سبحانه وتعالى في الآية الكريمة بين حال عباده المؤمنين وحال عبيده الذين اشتروا الدنيا بالآخرة ’ فأظهرت تلك المقابلة حسن حال عباد الله أولى النهى أصحاب العقيدة الوضاءة الذين آمنت عقولهم الرشيدة وصدقت نفوسهم الطيبة وكل حواسهم البصيرة بأمر ربها ’ الذين يمشون على الأرض وغايتهم في السماء في الفردوس الأعلى في جوار ربهم الكريم سبحانه وتعالى ورفقة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ’ لأنهم أهل فطنة . كما أظهرت تلك المقابلة سوء حال الذين لا عقل لهم من الذين كفروا بربهم واستهزءوا برسوله لخبث نفوسهم التي اتخذت إلهها هواها ’ وبالدنيا الشيطان أغواها ’ ينغمسون في دنيئ متاعها بشهواتهم ’ ويتمتعون بحرامها ’ ويأكلون خبيث طعامها ويعرضون بالكلية عن الآخرة ’ فضرب الله تعالى لهم مثلهم بالعنكبوت للتعريض بهم ’ لأنه شابههم في أبرز سماتهم حيث يصور حالهم في كون القوة المسيطرة عليه والموجهة له ووسيلة إدراكه هي قوة الحواس ’ المتمثلة في حاسة اللمس والتذوق فقط وهى عبارة عن : " رجلين ملماسيتين في رأس صدرية للمس الأشياء والتعرف عليها ، ويحمل المفصل الأخير من الرجل الملمسية للعنكبوت الذكر عضوا تناسليا !، ويقع فمه الذي يتذوق به بين قاعدتي اللامسين ، حيث لا تمتلك العنكبوت أجزاء فم ماضغة بل تتغذى بالسوائل ’ وتشكل الزوائد المتعددة التي توجد حول فمه ماصة يستطيع العنكبوت من خلالها امتصاص سوائل جسم ضحيته ’ ولا يعوقه شيء في ذلك حيث يستطيع أن يأكل جزءاً صلبا حيث يقوم بنثر عصارة هاضمة على نسيج الفريسة فتعمل على إذابتها ’ وتتغذى في الغالب بالحشرات والذباب والبعوض الناقلين للأمراض ’ وهو حيوان مبطون ذات بطن ضخمة ’ وجهازه الهضمي تمتد القناة الهضمية به على امتداد جسمه ’ وليس للعناكب عظام وإنما جلد يقوم مقام هيكل خارجي واق ’ ولديه ثمانية أرجل متصلة أربعة منها مع الرأس الصدري تتكون كل رجل منها من ستة مفاصل " .

وبالتأمل في رأس العنكبوت نجد أن رأسه عجيبة لا مثيل لها في شكلها ’ فهي رأس صدرية ملتصقة بالبطن مباشرة ’ وهى قبيحة بشعة المنظر فيها أربعة أرجل ’ يقودها منهم رجلان ملماسيتان يتحور المفصل الأخير منها في العنكبوت الذكر عضوا تناسليا ’ وبين قاعدتهما الفم طريقته في الأكل هو المص دون المضغ وذلك لأن المص أدل على التلذذ من الأكل لأن معناه : " تذوق الشيء وأخذ خالصه " .

إنها رأس الكافر المتسخة بالدنايا والأقذار المنغمسة في الضلال التي أبت أن تسجد للواحد القهار ’ وسجدت بالكلية لشهوات النفس والهوى والشيطان دون أن يُترك فيها بقية من ضمير الإنسان ! وجهاز هضمى تمتد القناة الهضمية فيه على امتداد جسمه من مقدم رأسه إلى دبره ’ طعامه خبيث الغذاء الناقل للأمراض ! إنه غذاء الكفار المحرم الفتاك من الخمر والميتة ولحم الخنزير’ ثم بعد ذلك بطن ضخمة ! وثمانية أرجل طوال كل رجل تتكون من عدة مفاصل للدلالة على عظم السعى على الغنائم إنها بطن الكافر الذي يأكل فيها بسبعة أمعاء لعظم الشهوة .

وعضو تناسلي في مقدم رأس العنكبوت هو مقدم أمره ’ ومن أجله كان سعيه ! إنها الحرية الجنسية في المتعة لدى الكفار بخبيث النساء التي تودي بهم إلى الهلاك ’ تلك المتعة التي ينشدونها في كل حين ’ وهى شعارهم وحالهم الذي باعوا به آخرتهم ودينهم ’ وهكذا العضو التناسلي مع الفم الذى يليه لدى العنكبوت في مقدم الرأس ، هما كل شأنه ومبلغ أمره ولهما عيشه وسعيه كالكفار .!

إنها ترجمة بيولوجية عجيبة لحالهم إذ يتبين ذلك في دلالة ترتيب القرآن في قوله تعالى: " والذين كفرو يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم " ( محمد : 12 ) .

وبذلك يتبن أن الكفار صم وبكم وعمى لا يعقلون سوى أن يتمتعوا ويأكلوا الخبيث الذي تعافه الفطرة السوية ’ ويعرضون بالكلية عن الآخرة التي هي معادهم ’ وفيها يجازون على أعمالهم لأن وسيلة إدراكهم في الدنيا هي التلذذ المطلق للفرج والبطن معا بالخبيث الفتاك من المحسوس ’ لذا كان عقابهم وعذابهم فى النار من جنس أعمالهم وعلى مراكز حسهم ’ التى كانوا يتلذذون بها بجنس متعهم فى الدنيا ’ حيث تبدل في النار كلما نضجت جلودهم ’ وفى التنور للزناة عذابهم ’ ومن الزقوم طعامهم ومن الحميم شرابهم ’ يشربون منه شرب الهيم ’ لا يزدادوا فيها إلا عذابا وهم فيها خالدون ’ وبذلك كان العنكبوت سفيرا لهم يمثل كل حالهم حتى فى جلودهم التى هى مركز حسهم فى الدنيا يعذبون بها فى الآخرة لقوله تعالى : " إن الذين كفرو بأياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما " ( النساء : 56 ) .

وأغلب اليقين أن خلق العنكبوت بهذه الكيفية صفة فريدة بين الكائنات الحية ، وهى تشخيص للكافرين في صورة واضحة جلية تؤكد أن شغلهم الشاغل هو التمتع كما ذكر القرآن ’ والتهام الخبيث والطيب من الطعام ’ وهذا خير شاهد على أن القوة المسيطرة والموجهة لهم ووسيلة إدراكهم هي قوة شهواتهم ’ حيث أثبتت الدراسات أن : " العنكبوت حيوان من المفصليات ’ وليس حشرة لأنه ليس له أجنحة ’ وأن جهازه الدوري يشبه في دورته الإنسان . وكذلك جهازه العصبي يوجد بمنطقة الرأس الصدري الذي يتكون من دماغ يتصل بمجموعة مكبرة من الخلايا العصبية تسمى العقدة العصبية ’ تمتد من الدماغ وتتخلل جسم العنكبوت بالكامل حيث تحمل المعلومات إلى الدماغ من أعضاء الحس الموجودة في كل من الرأس والأرجل وسائر أجزاء الجسم الأخرى "

*والثانى: الذى شابه العنكبوت به الكفار هو الركون إلى الدار الخراب دون الدار العامرة بالحياة ’ يتضح ذلك بركون الكفار إلى الحياة الدنيا ’ والاتساخ بأقذارها الدنيئة ’ والائتناس بها ’ وحب مُتعها الخبيثة لدناءة نفوسهم ، والصراع الأبدي دون كلل أو ملل على اغتنام مُتعها ’ وهم لذلك يظلمون ويفعلون الموبقات ، فيقتلون ويسرقون كل العباد ’ حتى تكون لهم الغلبة في السيطرة على كل الدنيا ومتاعها ’ ولكن هيهات هيهات فنعيمها كدر ومنغصات وفى الآخرة ويلات وحسرات وصرخات ’ ولقد حذرهم سبحانه ذلك فقال تعالى : " وماأوتيتم من شئ فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وماعند الله خير وأبقى أفلا تعقلون أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين " ( القصص : 60 ’61 ) .

أي من المحضرين في العذاب الأليم خالدين فيه أبدا ’ لأنهم لم يعقلوا حقيقة الخلق ’ حيث أرادوا متاع الحياة الدنيا فحسب وكانت الدنيا هي غاياتهم ’ فصارت رؤوسهم لبطونهم وشهوتهم فصور العنكبوت حالتهم : " حيث لا يألف إلا الديار الخربة المهجورة الدنيئة ’ والأماكن التي لم تأخذ حظها من العناية والاهتمام ’ ولا يعيش إلا في الخرائب " ’ ولا يطمئن إلا في الأماكن الخالية من الحياة الحقيقية التي لا خير فيها لأحد .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الرابع - التماثل التام بين العنكبوت والكفار في قسوة قلوبهم وبشاعة غريزتهم في القتل التي هي أساس حياتهم

 

إن الذين أشركوا بالله هم أظلم الخلق لقوله تعالى : " فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا " ( الكهف: 15) .

ومن أعظم ظلمهم الذى جبلت عليه نفوسهم بعد شركهم بالله عز وجل شدة قسوة قلوبهم ’ فى بطشهم وعدوانهم على الآخرين وحبهم لغريزة القتل كمنهج للحياة ’ لا بديل لهم عنه ولا سبيل سواه في كل أمورهم وسائر أحوالهم ’ فهذا شأن الكفار وخاصة اليهود لشدة عدائهم وبغضهم للآخرين ’ وخاصة المسلمين لاستحلال دمائهم دون ذنب أو جريمة ’ وحرصهم الدؤوب على ردهم عن دينهم وسلبهم موارد حياتهم ’ واستئثارهم بها دونهم وقتلهم لقوله تعالى : " ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعو ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخره وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " ( البقرة: 217 ) ’ وقوله تعالى: " إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا " ( الكهف: 20 ) .

وفى قسوة قلوبهم قال تعالى : " ثم قست قولوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة " ( البقرة : 74 ) .

وليس أدل على جبروتهم فى قسوة قلوبهم من أن قصدهم من ظهورهم فى الأرض على الناس هو القتل أو الكفر فقط ’ وهما أمران لا ثالث لهما عندهم إذا ظهروا علي أهل الإسلام ’ وهذا هو سبب كثرة انتشار القتل على وجهه الأرض وفى بلاد المسلمين الآن ’ حيث لا اجتماع للكافرين بصدق وإخلاص مع بعضهم إلا على قتل أهل الإيمان وتدمير بلادهم ، لذا أوجب الله عز وجل على المؤمنين جميعا قتالهم ’ لردعهم وزجرهم ووقفهم عند حدودهم وحتى يُخلصوا الأرض من شرورهم وفسادهم ’ الذي ملأ البر والبحر بقوله تعالى: " وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين " ( التوبة : 36 ) .

ولقد شُرِّع قتالهم وبُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف من أجلهم لقسوة قلوبهم ورفع ظلمهم عن كل الخلق من حولهم ’ لأن الله تعالى رحيم على خلقه ’ حرم الظلم على نفسه وحرمه على عباده ’ ولذلك أرسل أنبيائه ورسله حيث كان صلى الله عليه وسلم يبعث قبل غزواته وفتوحاته برسله ورسائله ’ التى مفادها الإعلام بأنه لا إكراه فى الدين ’ فإن أسلمتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا ’ وإن أبيتم فأنتم فى ذمتنا للذَّود عنكم وأن أمنكم من أمْنِنا ’ كما أمَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود على العيش فى المدينة بأمن وسلام ’ ولكنهم تنكروا له بالموأمرة على قتله مرارا وتكرارا ’ فنجَّاه الله تعالى منهم إلى أن حزَّبوا الأحزاب عليه صلى الله عليه وسلم هو وصحبه الكرام ’ وأصروا على قتلهم فأخرجهم صلى الله عليه وسلم من المدينة ليأمن غدرهم لأن قسوة قلوبهم لا تنفك عنهم أبدا ’ تلك التى جعلوا بها الأرض دارا للحرب مع أهل الحق في كل تاريخهم الطويل من قديم وإلى أن يقضى عليهم بالكلية نبي الله عيسى عليه السلام بقيادة المسلمين في آخر الزمان .

ومن فضل الله تعالى علينا ’ ومكره سبحانه وهو خير الماكرين باليهود والكافرين فى صراعهم الطاغي الغشوم وقتلهم للمسلمين ’ أن يجعل سبحانه وتعالى حسن العاقبة للمؤمنين في الدنيا ويوم الدين ’ إذ يعض المشركون على أصابعهم من الغيظ حين يعلموا علم اليقين أن الله تعالى جعل قتلهم للمؤمنين أعظم منه يمنها الله تعالى على الموحدين ’ حيث اصطفاهم سبحانه وتعالى بالشهادة على الناس أجمعين ’ وأحياهم سبحانه وتعالى حياة لا موت فيها أبد الأبدين ’ فلم يذوقوا طعم الموت قط الذي ذاقه سائر الخلق ’ حين لم يرد لهم الذين أشركوا إلا الموت . وحين أرادوا أن يسلبوهم الدنيا ويدفنوهم تحت الأرض ’ منحهم الله عز وجل سياحة أبدية في جنات النعيم ’ التى عرضها كعرض السموات والأرض . وقد أعلى درجاتهم فى أعلى عليين تحت عرش الرحمن العظيم ’ بينما هم ألقى بهم فى النار على وجوههم في أسفل سافلين في سِجِّين .

وكذلك يشابه الكفار العناكب فى قسوة قلوبها وليس أدل على ذلك من الضيق الشديد لصدرها ’ وشدة شرهها فى القتل لكل ما حولها لكون القتل هو أساس حياتها ’ وكل قصدها مع غيرها وبشاعة منظرها أصدق دليل على ذلك ’ إذ يتصدر رأسه الصدرية القبيحة : " زوج من القرون الكلابية يستخدمها في الإمساك بفريسته ثم يقوم بقتلها ’ وهذه القرون في أول رأسه أعلى فتحة الفم وتحت العيون مباشرة ’ وينتهي كل قرن كلابى بمخلب حاد صلب ومدبب بمثابة الأنياب للعنكبوت ’ وقد ينتهي في كثير من العناكب بمخلبين أو ثلاثة ’ وتوجد فتحة على رأس كل ناب ترتبط بغدد من السم ’ وعندما يلدغ الحشرة بالقرون الكلابية ينساب السم من الأنياب فيشلها أو يقتلها. كما تتميز معظم أنواع العناكب بمقدرتها الفائقة على إطلاق سمها من غددها الإفرازية عند لدغها ’ وتعد في معظمها سموم قاتلة ’ ولا تسلم الحشرات من مخاطر العنكبوت حتى الأضخم والأقوى منها . كما أنها تبنى بيتها بخيوط منسوجة بتدخلات فنية وهندسية خاصة بحيث تكون شديدة الحساسية لأية اهتزازات خارجية ’ وهذه الخيوط مشبعة بمادة تفرزها لامعة لزجة صمغية ’ تلتصق بها أية حشرة بمجرد مرورها عليها أو الاقتراب منها ، وهذه الخيوط تقوم بتكبيل الحشرة ’ حيث تنقض عليها العنكبوت وتعجزها عن الإفلات " .

ووهكذا العنكبوت كالكفار إذا ظهرت ببيتها فلا شئ سوى القتل والفتك بغيرها لكون القتل أساس غذائها ’ إذ تفترس أجناس العناكب بعضها ’ فالزوجة تقتل زوجها وأبناءها ’ والأبناء تقتل أمهم ويقتل الإخوان بعضهم من أجل الاستبقاء على حياتهم .

*ومن العجيب اتفاق العناكب والكفار معا في تخطيطهم للحرب على الخداع والمكر والغدر بعنصر المفاجئة ثم القتل بالقنص دون المواجهة بواسطة أسلحة بيولوجية دقيقة جدا حيث أدهشت العلماء : " مهارات العنكبوت في قدرتها على اقتناص فريستها بواسطة نسيج شركها بخيوط دقيقة " ’ وكذلك حال الكفار قنص ودك وتدمير بالقنابل والصواريخ والبوارج والطائرات والمدافع والدبابات وسائر الرجمات .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الخامس- التماثل التام بين العناكب والكفار فى كمال ضعفهم واضطراب انفعالاتهم

 

من التماثل التام بين العنكبوت الكفار كمال ضعفهم حيث إنه ليس للعناكب عظام تكسبهم مثقال ذرة من القوة ’ إذ أثبتت الدراسات أنه : " ليس للعنكب عظام وإنما جلد يقوم مقام هيكل خارجي واق " .

وكذلك حال الكفار كالعنكبوت كلهم ضعف وخوار’ ولاقوة لهم فى عقولهم ’ ولا فى أبدانهم وكأن ليس فيهم عظام تقوم به الأقدام وذلك للخوف والرعب الذي ألقاه المنتقم الجبار في قلوبهم بكفرهم والذي يستحيل عليهم به النصر على المؤمنين .

كما تتشابه العناكب مع الكفار في اضطراب انفعالاتهم ويرجع ذلك إلى عدة أسباب :-

*- منها : ضيق الصدر لدى الكفار ودوام الاضطراب وانعدام الاستقرار لانعدام توحيد الركن الذي يُلجأ إليه ، وتعدد الإيواء الذي يكون سببا للشقاء والشتات والعذاب ، لأن الذي يتخذ من دون الله أولياء يكون صدره ضيقا حرجا وقلبه مضطربا ونفسه موزعة ، عديم الاستقرار لا يهدأ له بال ولا يصلح له حال ، لأنه هو الذي يختار بِهوى نفسه أولياءه ، فتعددت معبوداته الباطلة التي يركن إليها ، فهو يتردى بينها كلها دون أن يُسلم قياد نفسه لأحدها ، فتارة يتخذ إلهه هواه وتارة يتخذ أعداء الله ، وتارة يتخذ شياطين الجن والإنس . وهكذا حاله فشقيت بذلك نفسه ، وتعس بضنك عيشه ، لأنه تولى باطلا لا حجة له ولا برهان عليه في عقل أو وجدان في جلب أمن أو أمان لقوله تعالى: " ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى ونحشره يوم القيامة أعمى " . ( طه:124 )

وكذلك حال العنكبوت صدره ضيق للغاية ’ لأن رأسه رأس صدرى تلتصق بصدره مباشرة ’ وبديهى أن يكون عديم الاستقرار في كل حياته وكل حاله ’ لما يُداهمه من الأخطار بافتراسه من جنسه ومن حوله ’ وكلما وجد في بيته أو لاذ بركنه كان فيه شقاؤه لخلوه من معنى البيتيه المادية والمعنوية ، فلا تنعم بالقرار في بيت يدوم لها بحال كسائر الكائنات ، لأنه يزول بأدنى شيء ، وهذا شأنه أن تكون دائمة الاضطراب كذلك ، حيث لا تركن إلى بيت تسكن إليه إلا وأمرها عذاب وهلاك حتمي ’ كما يتعقبها مالك كل بيت بنت بيتها فيه أو صاحب أي ملك أوت إليه بإزالة بيتها منه والقضاء عليه ، وهذا شيء قد جُبلت الفطرة السوية عليه ’ ولا يصح في حكم العقل أن تكون العنكبوت بشأنها هذا على شيء من الاستقرار أو القرار .

*- ومنها : انعدام الحب والرحمة والمودة والوئام بين أجناس العناكب والكفار ’ وقد سبق الإشارة إلى ما أثبتته الدراسات الحديثة من أن : " ذكر العنكبوت بعد أن يقوم بتلقيح زوجه تنقض عليه بافتراسه فتأكله وتتغذى عليه ، وهذا الافتراس والأكل لا بد منهما حيث إن أنسجة الذكر مهمة في عملية إنضاج البيض ’ وقد يهرب الذكر خوفا على حياته ، وفى بعض الحالات تلتهم الأنثى "الأم" صغارها ، وبعد أن يفقس البيض يبدأ الاقتتال بين اليرقات على الغذاء فيأكل بعضها بعضا ، حيث تتغذى اليرقات القوية على أضعفها ثم بعد أن يقوى ويشتد عود ما تبقى من الأبناء تقوم بأكل أمها لأنها أصبحت أضعف الموجود ثم يلقح الذكر الأنثى ثم تقوم بأكله وهكذا دواليك " .

ومستحيل في حكم العقل والوجدان أن تنعم مثل هذه المجتمعات بمثقال ذرة أو أقل من الائتلاف والترابط والألفة أو الحب والرحمة أو المودة و الوئام ، وما أظن ذلك إلا في مجتمع العناكب والكفار، إذ لم يشاهد العنكبوت إلا منفرداً ، ولم يراه الناس أسرابا وجماعات متآلفة كسائر الكائنات ، أو أزواجا متزاوجة يسكن بعضها إلى بعض كالخلان والأصدقاء في سائر المخلوقات . وكيف يكون بينهم مودة ورحمه وحالهم على ما سبق ذكره ؟

كما هو الحال في الكفار أفرادا وجماعات ليس بينهم مودة ولا رحمة بين الآباء والأمهات ’ إذ قد يهجر الآباء والأمهات أبناءهم وتنقطع الصلة بين الأخوة وبعضهم ’ وكذلك الأبناء مع أبائهم إذا شبوا على أقدامهم ’ استقلوا بذواتهم ، وتركوهم للوحشة والمجهول والعوَز دون أن تأخذهم بهم رأفة ولا شفقة أو بر أو إحسان ، فما كان للآباء إلا أن يقتنوا القطط والكلاب ويعاملوهم معاملة الأبناء . وهذا تصديق لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصفهم بأنهم أرفق الناس بحيواناتهم . وما ذلك إلا أنهم أنزلوهم منزلة أبنائهم .

وشرح ذلك يطول في سائر أحوالهم ومناحي حياتهم ’ هذا بخلاف ما عليه الحال فى الأسرة فى الإسلام ، فهى بكل مجموعها وحدة واحدة في الائتلاف والمودة والرحمة ، يؤثر بعضهم بعضاً على نفسه ، وهى كالجسد الواحد لا انفصام بين أعضائه ، وذلك من عظيم آلاء ربهم لهم وتمام إنعامه عليهم .

*- ومنها : انعدام الأمن والأمان لدى العناكب والكفار وسيطرة الخوف والفزع والرعب على قلوب الكفار لكفرهم بالله ما لم ينزل به سلطانا فقال تعالى: " سنلقى فى قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس المصير " . (آل عمران:151)

ذلك الرعب الذي أعجز به الله جل في علاه أمم الكفر مجتمعة أن تنتصر في ساحات الوغى على أُسْدِ الثرى من أهل الحق ’ الذين يريدون أن تكون كلمة الله هى العليا ’ كما جعل الله عز وجل سلاح " الرعب " من أمة رسوله صلى الله عليه وسلم هو عدتهم فى نصرهم على الذين كفروا فى كل زمان ’ لذلك فإن الكفار يخشون من المؤمنين أشد من خشيتهم من العزيز القهار لقوله تعالى : " لأنتم أشد رهبة فى صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لايفقهون " . ( الحشر: 13 )

وتلك الرهبة أعجزتهم على مر الأزمان وحتى الآن ’ وهم مجتمعون بكل عددهم وعدتهم فى قرى محصنة ’ أو من وراء جدر يتترسون بالحصون المنيعة والدبابات والبوارج والرجمات والطائرات ويعجزون كل العجز على مواجهة ثلة قليلة تعد على الأصابع هنا وهناك محرومة من التسليح ’ وضاقت الدنيا بهم عربهم وعجمهم وتآمروا جميعا على قتلهم ’ لأنهم من أهل الإيمان ’ الذين اطمأنت قلوبهم بوعد الله فاستحبوا الموت على الحياة فى سبيل أن تكون كلمة ربهم هى العليا فى أوطانهم ’ وليست كلمة بنى اسرائيل وعباد النار ’ وحتى لا تُعبد صناديد الكفار الذين يدعون أنهم رسل سلام فى ديار الإسلام ’ وقد كلَّفوا بالجهاد نفوسهم وأعدوا له ما فى الإمكان ’ وقد علموا علم اليقين أنه ليس عليهم إلا الأخذ بأسباب التمكين وأن الذى ينصرهم ويهزم عدوهم ويخرجه من ديارهم هو الله تعالى وحده ’ ولكن بعد تحقيق عدله بتعذيب المعتدين من أعدائه جزاءً وفاقا بأيدى المجاهدين فى سبيله بكل صنوف العذاب ومن حيث لم يحتسبوا ’ ويُمدد لذلك حزبه بجند عظيم من الملائكة يجاهدون معهم كى تطمئن قلوبهم بنصر ربهم جل فى علاه لقوله تعالى : " هو الذى أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف فى قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدى المؤمنين فاعتبروا ياأُلى الأبصار " . ( الحشر: 2 )

وذلك الرعب الذي أعجزهم عن مواجهة المؤمنين وإن كانوا أقل القليل ، هو الذي دفعهم إلى صناعة الطائرات بدون طيار والغواصات ’ والصواريخ ’ والروبوتات الآلية ’ التي تتقدم بدلا من جنودهم الآن في ساحات المعارك قبلهم .

ذلك الرعب هو الذي يقتلهم قبل موتهم ’ فيقطع نياط قلوبهم ويمزق أكبادهم قبل أن تدك أعناقهم في ساحات المعارك لقوله تعالى: " إذ يوحى ربك إلى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين أمنوا سألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان " . ( الأنفال 12 )

ذلك الرعب الذى قد أنشب أظافره في نفوسهم قبل أن تُجيش جيوشهم لمواجهه المؤمنين في ساحات الوغى ، فأفقدهم السيطرة على نفوسهم فأصيبت جنودهم بالبول اللاإرادى حين هبطت طائرتهم أفغانستان لسفك دماء أهلها ظلما وعدوانا دون حجة أو برهان ، فما كان لهم إلا أنهم حفضوا جنودهم كالأطفال الصغار حين وطأت دباباتهم أرض غزة العزة ’ وقد وردت التعليمات من القادة ألا يؤسر جنديا لهم بأي حال من الأحوال ’ حتى وإن كان في ذلك هلاك البلاد وكل العباد ، كى لا تكون فضائحهم على رؤوس الأشهاد .

ذلك الرعب الذي يهجم عليهم فيفترسهم قبل حروبهم ’ فيفقدهم عقولهم حيث أصيب ثلاثون ألفا من الجنود الأمريكان في الحرب فى الخليج العربى بالأمراض النفسية ’ حتى أصبحوا عالة على جيوشهم الأمريكية ’ لمجرد وجودهم في الصحراء الشرقية فقط دون أن يدخلوا ميدان المعركة حيث زجوا لجبنهم بالجيوش العربية فى المواجهة ’على الرغم من أنهم قد استجلبوا لجنود الأمريكان كل الملذات التى يشتهونها حتى الخمر والنساء ’ وفى الحرب الثانية على العراق لتبديد كل مقدراتها لم يجدوا سبيلا للفرار من الخوف بعد دخولها إلا بقتل نفوسهم ، وحتى لا يحصى عدد جُثثهم ألقوا بها فى دجلة والفرات ’ فطفت على مياهها وجرتها الكلاب .

وهكذا دائما جنودهم سجناء للأمراض النفسية التي لا تنفك عنهم أبدا في معسكراتهم المعسكرة ، ولا حتى بعد المغادرة ’ إذ يملأ قدامى محاربيهم المصحات النفسية ’ ويمشون في الشوارع يهذون مع أنفسهم من الخوف في ذل وصغار، فإذا ضحك من يمشى بجوارهم لداع أتى إليه ’ ظنوا أنه يضحك عليهم ’ فتهجموا عليه . بينما قدامى مجاهدى الإسلام يمشون في عز فى كل مكان ويحملون شهادات فخرية لأن خوضهم غمار الأهوال مع الأعداء ومعانقة الموت حبا وشوقا أعلى أوسمة يشرف بها الإنسان .

ذلك الخوف الذي أرخى سدوله على الكافرين في كل مكان وزمان ’ فتركهم في ظلام دامس في الليل والنهار’ يتخبطون في الظلمات شمالا وجنوبا وفى كل الجهات بقلوبهم المرعوبة وخيالهم المروع المفزوع ’ الذي يصور لهم عدوا يهبط عليهم من فوقهم ’أو يداهمهم من شرقهم أوغربهم ، وذلك الخوف المروع لنفوسهم هو ثقافة أقلامهم ومسلسلاتهم وأفلامهم ’ وهواجس ضميرهم وصيحات أبواقهم التى يصرخون بها فى الليل والنهار الإرهاب الإرهاب .

ذلك الخوف هو الذي جعلهم يصطنعون عدوا لهم وهميا من البشر’ ينكلون به ظلما وعدوانا في كل زمان دون حجة أو برهان. لذلك يستحيل عليهم أن يعرفوا معنى العيش بسلام بين الناس حتى يقضوا حتفهم على يد نبى الله عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام .

ومع كل هذا حدثوني بربكم عن قوة كل دول الكفر الآن ’ تلك القوى العظمى المزعومة والتي يُخشى جانبها على الإسلام ’ وهذا الخوف في قلوبهم ينخر عظامهم حتى أوشكوا أن يقبضوا على خيالهم تحت مسمى الخوف من الإرهاب ’ وقد صدَّعونا بمهاتراتهم الهسترية في القبض على الإرهابية ’ وما مثلهم في ضرب بلاد الإسلام إلا كبلطجي خواف جبان أراد أن يفتك برجل مستضعف أعزل فصرخ بكل الناس فى العالم أن كتفوا يديه حتى أهجم عليه ثم جبن أن يقترب إليه ’ فدكه من بعيد بزر الحديد الذي بين يديه. فالذي نعرفه أن القوى ليس كالجبان ولا يهاب شيئا ’ ولا يصرخ من الخوف بالليل والنهار .

ذلك الخوف مع حسدهم للمسلمين الذى أخبر رب العالمين بقوله تعالى : " ودَّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق " . ( البقرة 109 ) ’ ذلك الذي جعلهم دائما يقتلون المسلمين فى كل مكان خوفا منهم وحسدا عليهم ’ يدميرون مقدراتهم ’ ويسلبون موارد حياتهم ’ ويسرقون أموالهم ’ ويشعلون عليهم نار الحرب فتارة يصعرونها فيشتد أورها وتحرق الحرث والنسل معا ’ وتارة يجعلونها باردة يزرعون من أجلها كل بلاد المسلمين بعملاء لهم ليقتلون الناس بسموم زمهريرها والتى لاعد ولا حصر لها .

ولا يوجد مجتمع يسيطر عليه انعدام الأمن والأمان والرعب على كل حال ’ وعلى هذا النحو الذي عليه الكفار إلا مجتمع العناكب الذي تداهمه الأهوال والأخطار باليل والنهار’ ومن كل مكان بافتراسه من جنسه أو من غيره أو أن يقضى عليه بحتفه بأي شيء كان ’ حتى وإن قام ببناء بيته ، أو تلقيح زوجه كان في ذلك موته ، وإن فقس عنه بيضه كان الاقتتال سبيله ، فيفترس بعضه ، وإن اشتد عود بعضه أكل أمه ! أي رعب هذا الذي لا أمن وأمان فيه لأي شيء كان من أي جهة أو مكان أو زوجة أو أم أو إخوان ، وكل هذا بخلاف ما جرت عليه العادة في كل بني الحيوان .

أما المجتمعات المؤمنة التي لم تلبس إيمانها بشرك بالله تعالى فهى تنعم بالعسادة والأمن والأمان والرضى والاطمئنان لقوله تعالى: "الذين أمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم المهتدون " ( الأنعام 82)

 

]post-323311-0-19457400-1363788660.jpgpost-323311-0-14129900-1363788708.jpg

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السادس- التماثل التام بين العنكبوت والكفار في كره الناس لهم ومقتهم والتسلط عليهم وقتلهم

 

قد جرت العادة أن الناس جميعا لا تحب العناكب ’ ويكرهوا وجودها في بيوتهم ، وكذلك الحال مع الكفار لا يحبهم الله جل في علاه ولا الملائكة ولا الناس أجمعين لظلمهم وعدوانهم لقوله تعالى : " وأتبعناهم فى هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين " . ( القصص : 42) ’ وقوله تعالى : "إنه لا يحب الكافرين " . ( الروم: 45 )

ويرجع السبب فى عدم حب العناكب والكفار إلى أمور منها :

*1- أن اعتداء العنكبوت على بيوت الناس بوسخ بيته لاجتلاب حشراته يغضب الناس ويوغر صدورهم ’ فينقضوا عليه لتنظيف البيت منه ’ والقضاء عليه دون أن يمهلوه ليشفوا صدورهم من قذره وكذلك حال الكفار فى اعتدائهم بوسخهم ونجسهم على أرض الله جل في علاه ’ وظلمهم الناس يغضب الله والملائكة والناس أجمعين ’ فكان من عدله تعالى جزاؤهم من جنس عملهم فى الدنيا قبل الآخرة لقوله تعالى : " إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " . ( البقرة :161) ’ وقوله تعالى : "إنما المشركون نجس " . ( التوبة : 28 ) وقوله : "ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار " . ( الأنفال : 14 )

*2- أن معاودة العنكبوت لبنائه بيته في بيوت الناس يزيد الناس مقتا له وسخطا عليه ’ كذلك الكافر الذي يعاود الكفر ’ ويتقلب فيه بالليل والنهار ويزداد فيه ’ ويقوم بتزيفه لإغراء الناس به ، يزيده ذلك عند رب العزة مقتا وسخطا عليه وخسرانا مبينا في الدنيا وعذابا أليما في الآخرة لقوله تعالى : " فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا " . ( فاطر 39 )

*3- أن الكفار بكفرهم في قهر وخزي وصغار ، قهرهم الله وأخزاهم في الأولين والآخرين ’ والقرآن يتلى في ذلك أناء الليل وأطراف النهار. كما أوجب الله قتالهم لقهرهم وخزيهم ’ لاعتدائهم على الكون كله من حولهم ’ وفسادهم الذي أغرقوا فيه البر البحر بظلمهم بقوله تعالى : " قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخذهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين " . ( التوبه : 14 ) ’ وكذلك الحال في العنكبوت فهو مقهور يُقَتَّل ببناء بيته فى ملك غيره ’ وهو في خزي وصغار لتعقبهم له على كل حال ’ لا ينفكون عن الرغبة في القضاء عليه ’ حتى يشفوا منه صدورهم ويرتاح بالهم .

*4- مداومة التسلط على كل من العنكبوت والكفار وسهولة القضاء عليهم من أي شيء كان لكمال وهنهم وهوانهم على كل شيء حولهم وانعدام بأسهم .

إذ جرت حكمة الله أن سلط الله سائر الناس على تعقب العنكبوت في بيوتهم خاصة ’ وجعل إزالته جبلة جبلت الفطر السليمة عليها ’ دون أن يكون للعناكب أدنى حول أو قوة مع استحالة ذلك منها لكمال عجزها وشدة وهنها .

كما سلط الله عز وجل سائر رسله عليهم السلام والمؤمنين فى كل زمان على المشركين للقضاء على طغيانهم وتطهير أرض الله من ظلمهم وأرجاسهم ، فقال تعالى : "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةويكون الدين كله لله " . ( الأنفال39)

كما جعل سبحانه وتعالى الغلبة المطلقة لحزبه إلى يوم الدين لقوله تعالى: " ومن يتولَّ الله ورسوله والذين أمنوا فإن حزب الله هم الغالبون " . وقوله تعالى : " كتب الله لأغلبن أنا ورسلى إن الله قوى عزيز " . ( المجادلة : 21 )

وقدًر الله عز وجل على الكافرين الهزيمة المطلقة والخسران الأبدي فى الدنيا ويوم الدين لقوله تعالى: " قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد " . ( آل عمران : 12) .

ولما علم الكفار علم اليقين أن الغلبة المطلقة للمؤمنين ’ وعجزوا عن الاستعمار لبلادهم قاموا بتمزيق جسد الأمة إلى دويلات وإمارات وأقطار، واستخلفوا عليها من بعدهم المنافقين الذين يدينون بالولاء لهم ليكونوا أمناء فى الإئتمار بأمرهم ’ بعد أن أشعلوا فى كل الأقطار نار الطائفية والقبلية والنعرات القومية والحزبية . ورسموا قنابل موقوتة بينها بوضع الحدود بين الدول والإمارات حتى إذا ما قامت لدولة قائمة فجروا تلك القنبلة ’ فيقتل بعضهم بعضا ويحل الدمار دون أن ينفقوا درهما أو دينارا سوى الربح الغزير فى بيع مخلفات أسلحتهم لهم التى ترميهم بكل أنواع الدمار، ثم هم باستمرار يستقطبون المنافقين الفجار’ المصرح بأوصافهم في السنة والقرآن ليضربوا بهم الأمة في عقر دارها ’ لأنهم علموا أنه ليس لهم سبيل على المسلمين ’ وأنفقوا على هؤلاء المنافقين من الأموال الكثير ليصدوا المؤمنين عن الصراط المستقيم ’ وذلك بعد إغراقهم في الفتن والظلمات ، وطمس هويتهم الإسلامية بإلغاء المحاكم الشرعية الذى بها يدينون ’ واستبدالها باللوائح والقوانين والدساتير التى جعلتهم يتخبطون بها في ليل سرمدى بهيم كالذي يتخبطه الشياطين من المس ’ وغير ذلك الكثير مما يندى له الجبين حيث صرنا نتحرك بإراتهم كالدمى فى كل حياتنا ’ حتى فى أعظم شعائرنا وتعاليم ديننا ’ وبكل هذا يخبر لسان الحال إذ ينادى منادى الجهاد فى أفغنستان تحمل لوائه دول راعية للإسلام تقوم له الشيوخ على المنابر ليلا ونهارا لرد عدوان الروس أعداء الإسلام ’ وسرعان ما تحول الحال فى حرب اسرائيل والأمريكان وصار الجهاد فى غزة والعراق وأفغنستان إرهابا ’ لأن هذا وذاك هو مراد الأمريكان ’ ونحو هذا مع عدوان القذافى على شعبه كان الخيار رد عدوانه بعد تدمير مقدراته من أجل الذهب الأسود والمال وسرعان ما تحول الحال مع بشار إلى سكوت تام فاق سكوت الشيطان , لأن نِعم الجند لهم الطائفة الشيعية التى هى وجه آخر لإسرائيل والأمريكان فى كره العرب والصحابة والإسلام ’ والتى فاقت فى تدميرها كل الحروب الصلبية ’ حيث كان مكر الغرب فى الروغان أشد من روغان الثعالب فى سائر الأزمان ’ لسحق أهل السنة كما تسحق الصارصير والجرزان ’ دون أن يأبه بذلك الحكام أو نسمع صراخ الشيوخ دون استحياء أو الأخذ فى الإعتبار كما كان مع صدام . ونحو ذلك لسان الحال مع سائر بلدان ثورات الربيع العربى ’ كان التآمر واضح جلى للأمريكان ’ والأمم المتحدة على العدوان ’ ومجلس الحرب على الإسلام ’وصندوق ضنكهم الدولى ’ وذلك بمساندة الطغيان ’ وإشعال نار الفتن فى تلك البلدان لتحرق الأخضر واليابس حتى لا تقوم لهم قائمة أبدا وقذفها برؤس الشياطين من المفسدين ليخرقوا لهم السفينة ’ فلا يرسوا على بر ولا ينعموا بالنجاة ’ حتى يزال صوتهم يعلوا علينا وكلمتهم هى العليا ’ ونحن أزلاء لهم ’ وهم أسيادنا نأتمر بأمرهم وكيف نَزِلُّ لأزل وأهون وأضعف دواب الأرض التى لايأبه بها أقل الخلق ’ وكيف صار بنا الوهن إلى هذا الحد ؟

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السابع -التماثل التام فى ظاهر أعمال العناكب والكفار وقدرها وقدرهم بين الخلائق

الناظر إلى ظاهر أعمال الكفار والعنكبوت يجد أن الجامع المشترك بينهم عدة أمور منها : -

(1) - أن كلا من الكفار والعنكبوت مسخرون لغيرهم دون أن يعود ذلك بمثقال ذرة من الشرف عليهم أو الفضل لهم من قريب أو بعيد .

فالكفار قد ارتقوا فى علوم الدنيا كلها بما عاد على الناس بالنفع العظيم فى سائر المجالات فى الصناعة والزراعة وعالم الاتصالات والفضاء والبحار.....إلخ ’ وكل ذلك منهم دون فقه لهم بحقائق الخلق أو حكمة فى تدبر الأمر ومعرفة الحق .

ومهما علا الكفار فى المرافق العاملة فى الحياة ’ واستعلوا بعلوم الدنيا كلها على من سواهم ’ ومهما استظهروا بعلمهم على من عداهم ’ فلا شأن ولا قيمة لهم ’ ولا يعود ذلك بمثقال ذرة من الشرف عليهم ’ أو الفضل لهم ولا يزيدهم هذا عند ربهم إلا وهنا وهوانا وعذابا ونكالا وعمى وضلالا ’ لأنهم كما قال تعالى: " يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الأخرة هم غافلون " . ( الروم : 7 )

وكذلك العنكبوت قد ظهر وبرز بأعماله كالكفار فى سائر المجلات على سائر الحيوانات .

*- فعلى سبيل المثال فى عالم الفضاء و البحار والاتصال: " قد أثبتت الدراسات الحديثة أن : " العنكبوت قد تفرد بباقة منوعة من المواهب التقنية ’ التى تأخر الإنسان فى محاكاة بعضها حتى القرون القليلة الماضية ’ فمنذ ملايين السنين غزت العناكب طبقات الجو’ وغاصت في أعماق البحار’ حيث كيفت نفسها لتستطيع العيش في الماء ’ فبنت بيتا مقنطرا بين النباتات تحت الماء ’ وطريقتها فى التنفس هى أن تحمل فقاعة من سطح الماء وتجعلها قرب معدتها بواسطة رجليها الخلفيتن بينما تنحدر بها إلى بيتها ’ وهناك تطلقها فيصعد الهواء إلى قنطرة بيتها آخذا محل بعض الماء ’ بل باستطاعة العنكبوت الصياد الذى يعيش فى أمريكا الشمالية أن يجعل فى بيته من الهواء ما يكفيه للبقاء تحت الماء لمدة 45 دقيقة .

كما أنها غزت الفضاء فى العصر الحديث ’ وكانت من أوائل الكائنات التى وضعت فى سفن الفضاء لملاحظة سلوكها ’ وهى تبنى شباكها تحت تأثير انعدام الجاذبية ’ حيث سمحت إدارة الفضاء الأمريكية (ناسا) بإرسال نوع من العناكب على متن مركبة الفضاء (سكاى لاب) " .

*- وفى عالم الاتصالات والدوران حول الأرض أثبتت الدراسات أنه : " إذا فتلنا 143خيطا من خيوط العنكبوت مع بعضها فسنحصل على خيط سمكه ميليمتر واحد ’ وإذا أخذنا منه خيطا فإنه يلتف حول الأرض مع أن وزنه كيلو جرام " .

*- وفى عالم الصناعات فإن نسيج خيوطها تعجز دونه سائر أجناس الكفار وفى ذلك تعريض بهم حيث فاقت بقدراتها مع حقارتها وهوانها قدراتهم حيث أثبتت الدراسات أن : " غزل العنكبوت مليئ بالهواء ولذلك فهو عازل حرارى ممتاز وخفيف الوزن جدا ومتنوع فى السمك ’ وهو أكثر مرونة من خيوط النايلون. وأصل مادته أقوى من الفولاذ ’ حيث لا تبلى ولا تفسد ولا تنفذ منها الأشعة أو الماء أو الغبار ’ ولا توجد مادة من صنع الإنسان بهذه المواصفات أو الاستخدامات ’ حيث تنساب مادة هذه الخيوط وتنساب من الغدد خلال فتحة ضيقة طويلة ’ فيتبدل قوامها من السيولة إلى الصلابة ’ ولا أحد يعرف كيف يتم ذلك. وتنسحب الخيوط بقوامها الصلب من المغازل الواقعة فى مؤخرة جسم العنكبوت ’ ثم تبدوا فى النهاية كأوهن البيوت ضعيفة واهية تمزقها هبة ريح " .

*- وفى صناعة النسيج والكيماويات كذلك : " يرى العديد من الباحيثن أن موهبة العناكب فى غزل الخيوط الحريرية واحدة من المعجزات الفذة ’ إذ أن خيوطها غاية فى الدقة والمتانة ’ عجزت تقنية القرن ال21 عن محكاتها وتقليديها ’ كما تحتوى مؤخرة أنثى العنكبوت على مجموعة من الغدد ’ التى تفرز سائلا خاصا وتبدأ عملية الغزل بإفراز سائل العصارات على الخروج من الفوهات الضيقة الموجودة فى المؤخرة ’ وهنا تقوم الرجلان الخلفيتان باستقبال الشعيرات الدقيقة جدا ’ وفتلها مع بعضها لتحويلها إلى خيط وحيد متين بالطريقة نفسها المستخدمة فى صنع الحبال القوية

كما كشف العلماء أن لها ثلاث مغازل ’ توجد فى مؤخرة البطن تأتيها المادة الخام عن طريق سبع غدد فى الأقل ’ وقد تصل إلى 600 وخيوطه دقيقة جدا ’ حتى إن سمك شعرة واحدة من رأس الإنسان يزيد عن سمك خيط نسيج العنكبوت بحوالى 400 مرة .

كما توجد لدى العنكبوت عدة غدد وكل غدة تفرز مادة مختلفة ويستعمل العنكبوت عدة خلطات مختلفة لتكوين نوع الخيط الذى يرغب به ( لاصق – غير لاصق – سميك – دقيق ) " .

*- وفى الهندسة المعمارية : " فقد راقب الباحثون أنواع مختلفة من العنكبوت ’ فوجدوا أن لها قدرات فائقة فى العمليات الإنشائية حين تشيد بيوتها ’ وتنسج غزلها بأشكال هندسية خاصة دقيقة الصنع " .

*- وفى الزراعة : " فقد عملت على تقدم الزراعة فيما عجز عنه تقدم البشر إلا باستخدام المبيدات المسرطنة للإنسان ’ وكلام علماء الأحياء فى ذلك أعجب من العجب ’ إذ يقول أحدهم لو لم تكن هناك عناكب لجاع البشر حتى الموت ’ لأنها تلتهم الملايين من الحشرات الضارة بالنباتات ’ وتمشط حقول القطن وفول الصويا وتنظف بساتين التفاح ’ وتحد من انتشار المن وغيره وكمية الحشرات التى تدمرها فى اليوم الواحد تفوق فى وزنها وزن سكان العالم ’ حيث يوجد 50 مليون عنكبوت فى كل هكتار فى بريطانيا و250 مليون فى الغابات المدارية ’ ووجبة العنكبوت فى اليوم ما بين 15:10 إنها تعمل كمبيدات حشرية حية ’ لدرجة أن أحد علماء الأحياء يؤكد أن نهاية الإنسان تصبح محققة على ظهر الأرض إذ ما تم القضاء على العنكبوت " .

وكذلك تصبح نهاية العالم محققة إذا ما تم القضاء على اليهود فى آخر الزمان .

*- وفى مجال الطب والصحة والبحث العلمى : " فقد أثبت العالم المصرى على رسمى أستاذ الحشرات بالمركز القومى تأسيس علم جديد ’ يتعلق باستخدام العناكب فى الطب الشرعى والكشف عن الجريمة ’ وعن أسباب الوفاة وتحديدها ’ وما إذا كانت أسبابها تعود إلى تناول السموم أو جرعات زائدة من المخدرات من خلال تحليل نوع من العناكب الغير مرئية التى تحيا على جلد الإنسان بعد وفاته مباشرة ’ فعن طريق تحليلها وتتبع دورة حياتها يمكن معرفة الوفاة ’ وتحديد نوعها ’ ومكان وقوعها ’ وأسبابها من خلال إجراء فحص ميكروسكوبى لعينة من إفراز الغدد الدهنية للمتوفى والموجودة على جانبى الأنف أو من خلال فحص شعيرات رموش العين " .

كما أثبتت أحدث التجارب العلمية أن : " سم العنكبوت علاج للأمراض الخطيرة ’ إذ أوضح الباحثون أن سم العناكب يساعد فى منع الإصابة بالنوبات القلبية ’ وأن سم العنكب الذئب يحتوى على بروتين يمكنه أن ينقذ حياة مرضى القلب ’ وأن سم العنكبوت البرازيلى علاج للضعف الجنسى ’ إذ أثبت البحث أن المادة الكيمائية الموجودة فى سم العنكبوت تعمل بطريقة ما على رفع أكسيد النتريك المنتجة ’ والتى بدورها تطلق عملية الانتصاب الأمر الذى يبشر بإحداث ثورة كبيرة فى علاج الضعف الجنسى . كما توصل باحثون ألمان إلى إنتاج أعصاب احتياطية للإنسان من نسيج العنكبوت ’ تمنع توسع الندب الناجمة عن الجروح ’ ويمنح مجالا لنسيج الجسم الطبيعى لترميم نفسه بنسيج من صلبه ! وليس من الألياف ’ كما أن نسيج نوع من العناكب الاستوائية خيوطه بالغة الدقة والقوة فى آن واحد ’ تحفز انقسام خلايا جسم الإنسان ولا يلفظها كمادة غريبة ’ ثم أنها تمتلك قدرة طبيعية على طرد البكتيريا. كما تبين أن نسيج العناكب مشحون بالمواد الحيوية والبروتينات الطبيعية التى تدعم عملية بناء الأنسجة الطبيعية فى جسم الإنسان .

ويرى البعض أن خيوط العنكبوت ستلعب دورا فى ترميم الجروح الخارجية ’ التى تصيب الإنسان فى الوجه واليدين والرجلين وسائر سطح الجسم . كما أن خيط العناكب مبلر طبيعى ’ يحتوى على الكولاجين والكراتين الموجود فى الأظافر والشعر’ ويحتوى على أهم الأحماض الأمينية ’ ومكونات أخرى كالجلوتامين والسيرين والليوسين والفالين والبرولين والتيرسين والأرجنين والسبيدردين 1والسبيدروين 2 .

كماتلتهم العنكبوت الحشرات الضارة بصحة الإنسان " .

*- وفى مجال التخطيط والحرب والدفاع دلت الدراسات المستفيضة للعنكبوت أن: " بعض العناكب له حياة ذات نظم ومبادئ وقوانين تلتزم بها فى إعداد مساكنها والحصول على أقواتها والتعاون فيما بينها للدفاع عن نفسها بصورة تدهش العقول .

كما أن بيتها دار حرب دائما فى كل أحوالها لأنه فى حقيقته مصيدة للفتك بالحشرات بواسطة حياكة نسيج شركها بخيوط دقيقة جدا " .

وكل هذا وغيره درس تأديبى لوضع أنوف الذين استعلوا فى الأرض بعلومهم فى التراب ’ إذ تفوق عليهم وأظهر عجزهم أحقر وأضعف المخلوقات - التى سخرا منها فى كلام الله - ولم يعد ذلك بشئ من الشرف عليها أو التميز لها ’ فكيف بأمثالها الذين هم دونها عند الله تعالى فى انعدام الشأن والقيمة والوزن . ويستحيل أن يعود عليهم علمهم بشئ من الخيرية لهم لأنه ليس لديهم مثقال ذرة أو أقل من فهم لأفعالهم ’ أو بصر بحقائق أمرهم أو حكمة فى تدبر الأشياء من حولهم لقوله تعالى : " أولئك الذين كفروا بأبات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا " . ( الكهف 105 )

( 2) - التماثل التام بين العنكبوت والكفار فى سوء مآل أعمالهم بضياعها واستحقاقهم العذاب عليها .

فالكفار فى أعمالهم جحدوا بنعم الله جل فى علاه عليهم واتخذوا من دونه أولياء فى ملكه ’ وكفروا به سبحانه وتعالى ونسبوا نعمه لغيره ’ وكذبوا بآيات ربهم ورسله ’ وصدَّق فيهم الشيطان وعده بقوله : " و لا تجد أكثرهم شاكرين " . ( سورة الأعراف: 17 ) ’ إذ أن أوسع أبواب الكفر ترك الشكر. وفى الآخرة تكون أعمالهم هباء منثورا لقوله تعالى : " وقدمنا إلى ما عملوا فجعلناه هباء منثورا " ( الفرقان : 23 ) ’ ثم يعذبون عليها العذاب الأليم فى الآخرة لقوله تعالى : " من ورائهم جهنم ولا يغنى عنه ما كسبوا شيئا ولا ما ااتخذوامن دون الله أولياء ولهم عذاب من رجز أليم " . ( الجاثية : 10 )

وكذلك حال سوء مآل أعمال العنكبوت حيث إنها إذا بنت بيتها فى ملك غيرها ’ قدم صاحب الملك فقضى عليها ’ وصار كل عملها فى بناء بيتها هباء منثورا ’ ووقع بعملها العذاب عليها .

(3) – خيبة الأمل لدى العنكبوت والكفار بعد حسن الظن فى العمل والجهد الحثيث الدائب .

فالكفار قوم مكدودون ’ يجهدون أنفسهم ليلا ونهارا دون كلل أو ملل ، لا يركنون إلى راحة ، ولا يضعف لهم عزم ولا يلين لهم جانب ’ لأنهم يريدون الحياة الدنيا ويعيشون من أجلها ’ ويظنون أنهم أحق بها وأهلها ’ فيسلبون المسلمين فيها حظهم لاستضعافهم وظنهم أنهم خيار الناس وأسيادهم دونهم ’ وأن أمر الدنيا كله لهم وقد ظنوا أن أعمالهم فى الدنيا تمكنهم فيها وتنفعهم ’ وأنهم يحسنون بها صنعا لأنفسهم ، ولا شىء يعود عليهم من أعمالهم وإن عظمت إلا الحسرة وخيبة الأمل ’ لأن الله تعالى يسلط عليهم بعض جنده من ريح أو إعصار أوزلزال أو بركان فيأخذهم بغتة هم وقومهم وأعمالهم كلما فرحوا بما أتوا ’ ويترك سبحانه بيوتهم خالية على عروشها ’ تلك سنة الله تعالى فيهم التى لا تبديل فيها ولا تغيير لقوله تعالى : " والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمأن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب" ( النور :39 )

كذلك حال اتخاذ كل عنكبوت لبيتها فى عمل دؤوب دون كلل أو ملل إذا زال عنها أو هدم ، وهى تبدع فى بناء بيتها بهندسة عجيبة تتفرد بها كل واحدة عن غيرها ظنا منها أنها تجر من ورائه منفعة ، وهى " تبدأ فى ذلك من اللحظة التى يشتد عُودها على الحياة " ’ ثم بعد ما تنتهي من بناء بيتها وبعد تمام فرحها سرعان ما ينتهى الأمر إلى خسرانها بهلاكها وسائر عملها .

(4)- ضعة شأن العنكبوت والكفارهم وأعمالهم وانعدام قدرها وقدرهم واستحالة الإنتفاع بها.

فالكفار قد اتخذوا أولياء لهم من دون الله عز وجل فى علاه فحبطت أعمالهم ’ لأنها لا يراد بها وجه الله تعالى ، وهم وكل سعيهم وعظيم أعمالهم من الذرة إلى المجرة ، وإن تمكنوا بها فى سائر ضروب الحياة ، وعلو بها على كل خلق الله ، فإنهم وسعيهم وأعمالهم لاقيمة ولا وزن لهم هم وأعمالهم لقوله تعالى : " أولئك الذين كفروا بأيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا " ( الكهف : 105 ) .

وذلك لحقارة شأنها وشأنهم ’ الذى يستحيل به أن يكون لها وزن أو لهم إلا بمقدار ما باعوا الأخرة به ’ وهو خبيث عصارة البعوض الذى ربحه العنكبوت باتخاذ بيته ’ ذلك الخبيث الذى تعافه النفوس وتشمئز منهم به ’ والذى يستحيل أن يكون وزن له لأنه دون جناح البعوض ’ وكذلك وزنهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤتى يوم القيامة بالرجل السمين فلا يزن عند الله جناح بعوضه " . ( صحيح مسلم ) ’ ولذلك يستحيل عليهم الإنتفاع بأعمالهم أو الإمساك بالنذر القليل منها ’ لحتمية ضياعها لحقارتها التى بلغت بها إلى انعدم تحريكها لساكن الميزان لهوان شأنها هى وأصحابها على رب العالمين لقوله تعالى : " مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح فى يوم عاصف لايقدرون مما كسبوا على شئ ذلك هو الضلال البعيد " . ( إبراهيم : 18 )

فالرماد الذي اشتدت به الريح فى يوم عاصف لا يحرك ساكن الميزان ’ ولا قيمة له لضعة شأنه وحتمية هلاكه ’ لحقارة أمره مع استحالة الإمساك بالنذر القليل منه مع هذا الإعصار، كذا حال كل أعمال الكفار .

أما أعمال أهل الإيمان فإن المؤمن يقول كلمة واحدة فقط هى ( الحمد لله ) فيملأ بها الميزان وزيادة عظيمة وعد بها الرحمن من نعيم الدنيا والجنان ’ بل كلمة واحدة يقولها المؤمن أثقل من السموات والأرض ’ هى كلمة : ( لا إله إلا الله ) يغفر له الله تعالى بها كل الذنب مهما كان ’ وإن ملأ قراب الأرض وتوجب له رضى الرب عز وجل فلا يسخط عليه أبدا ، ويُعلى الله تعالى عبده بها فى أعلى عليين ، وبشق تمرة يُجنب المؤمن النار التى وقودها الناس والحجارة ’ وبشربة ماء لظمأن يدخل العبد الجنان لذا أوصانا رسولنا الكريم صلوات ربى وسلامه عليه ألا نحقر من المعروف شيئا .

(5)- مداومة نزول المصائب عليهم جميعا بسبب أعمالهم .

فالعنكبوت بسبب بنائه بيته تحل عليه المصائب ’ إذ يتعقبه باستمرار صاحب الملك الذى بَنَت عليه بيته بإزالته حتى يقضى عليها ’ وكذلك الكفار فلا تزال تحل عليهم بأعمالهم المصائب حتى يأتيهم وعد ربهم فيقصمهم ويقطع دابرهم لقوله تعالى : "ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتى وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد " . ( الرعد : 31 )

(6) – التماثل التام فى استدراكهم بحسن ظنهم وتزيين سوء أعمالهم لهم التى تكون لخسرانهم .

فالكفار لا يؤمنون ولا يقلعون عن واتخاذهم الأولياء من دون الله سبحانه وتعالى ’ ويحسبون أنهم مهتدون لانعدام إدراكهم وإتباع أهوائهم فى ضلال سعيهم ’ ورؤيتهم لسوء أعمالهم حقا وظنهم أنهم يحسنون صنعا ’ فيمهلهم الله عز وجل على ما هم عليه استدراكا لهم ’ فيزدادوا طغيانا وظلما ثم يأخذهم بغتة بكل فجورهم وكامل إجرامهم ليذوقوا أشد العذاب ’ فخسروا أنفسهم وأهليهم ودنياهم وآخرتهم لقوله تعالى :( إن الذين لايؤمنون بالأخرة زينالهم أعمالهم فهم يعمهون أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم فى الأخرة هم الأخسرون " .(النمل 5,4)

وكذلك ظاهر الحال فى العنكبوت فى حسن ظنه لسوء عمله بهندسة بيته وزينة خيطه وشدة حرصه على معاودة بنائه إذا زال عنه أو هدم ’ وركونه إليه ولزومه فيه لقوة نهمه فى إشباع هواه وبطنه حيث لايقلع عن اتخاذ بيته ’ الذى لا يجر عليه إلا الهلاك والخسران حتى يأتيه حتفه .

(7) – أن العنكبوت والكفار بأعمالهم أئمة للضلال وداعاة للخسران .

فالكفار هم أكثر أهل الأرض ’ وغايتهم وهدفهم هو نشر الفساد وإضلال العباد في سائر البلاد ’ وإغوائهم بإغرائهم بزينة الحياة الدنيا والعيش من أجلها ’ والأخذ بكل متعها دون أدنى اعتبار بالاستعداد بالأعمال للحياة الأخرة ’ ومما زاد الطين بلة أنهم جعلوا أنفسهم دعاة للحق ’ وإقامة العدل ’ وحقوق الإنسان على وجه الأرض! وأنى لهم ذلك ؟ وقد قال تعالى : " وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون وأتبعناهم فى هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين " . ( القصص : 41 :42) ’ ومستحيل أن يدعوا الكفار إلى خير ! وألف ألف مستحيل أن يكون من ركن إليهم ولبى دعائهم على خير’ لأنهم أساتذة لإبليس الذى تعلم منهم أن يغرى الناس بطاعته بقوله لهم إنى لكم من الناصحين نحو ما يفعله صندوق النقد الدولى أو منظمة حقوق المرأة والإنسان أو قوات السلام أو أى وهم كان ’ لقوله تعالى : " وكذلك نولى بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون " . ( الأنعام : 129 )

وكيف يأتى منهم خير ؟ وهم أظلم الناس لنفوسهم وللبشرية جمعاء لأنهم جعلوا نفوسهم وقودا للنار يوم كل إنسان بعمله يُدان دون عذر أو قبول اعتذار لقوله تعالى:( يأيها الذين كفروا لاتعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون " . ( التحريم: 7 ) ’ وكيف يأتى من الكفار سلام ؟ وهم أئمة للضلال والحرب والدمار لبني الإنسان لقوله تعالى:( وإن تطع أكثر أهل الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون " . ( الأنعام : 116)

كذلك لسان الحال للعنكبوت فى عملها ببناء بيتها وتزيين بعضه داعية به العناكب والبعوض لخسرانهم وهلاكهم بعد إغرائهم بخيوطه اللامعة بالقدوم إليه والوقوع عليه .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الثامن- بين العنكبوت الكفار هو التماثل فى شدة حرصهم على حياتهم ومساواة حظهم فيها

 

ويتضح ذلك فيما يلى :

* شدة الحرص على الحياة لدى العناكب والكفار.

فالكفار يحبون الحياة الدنيا حبا جما ’ ويأكلون المال أكلا لما ويؤثرون الركون إلى الدنيا بدورها ونسائها ’ ويُروِجون لها ويفتحون كل أبواب حرامها على الناس أجمعين ’ ويؤثرون أن ينغمسوا فى متاعها الفانى المحسوس الدنييء دون الإيمان بنعيم الحياة الأخرة الباقي الذى لم ير بعد ’ فصدوا عن سبيل الله جل فى علاه وكذبوا المرسلين ’ واستهزؤا بالمؤمنين ’ واشتروا الحياة الدنيا بالآخرة ’ وانكبوا على إلتهام مُتعها دون ضابط من عقل أو وازع من دين ’ فكثر فى الأرض الفساد ’ وأشاعوا الفواحش بين العباد فقال تعالى لهم : " وويل للكافرين من عذاب شديد الذين يستحبون الحياة الدنيا على الأخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك فى ضلال بعيد " ( إبراهيم : 2 ’3 ) .

ويتقدم اليهود على سائر الكفار فى شدة حبهم للدنيا وقوة حرصهم على الحياة ’ حتى ولو كانت حقيرة دنيئة مزرية تعافها أحقر النفوس لقوله تعالى : " ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون " ( البقرة 96 ) .

وكذلك العناكب أحرص الكائنات الحية على الحياة فى بيته ورصد بيته بتزينه لغيره بعجيب هندسته ولمعان خيطه وبديع نسجه وتعدد شكله : " إذ أثبتت التجارب فى المختبرات أن الدافع الغريزى لبناء نسيج البيت عند العناكب قويا جدا ’ ذلك لأنها تحيك يوميا النسيج حتى لو اقتصر غذاؤها على بعوضة واحدة كل 24 ساعة ’ وقد أظهرت التجارب أن العناكب لا تستجيب للاهتزازات التى تحدثها الحشرات الواقعة فى حبائل شباكها إذا ما قدم لها الطعام من المقيمين عليها ’ وهذا دليل على أن النسيج ليست وظيفته إمساك الفرائس فقط كما يظن معظم الناس ’ ولكن وراءه أمور عجيبة منها التمويه والدفاع الذاتى عن نفسها ’ والتحكم فى درجات الحرارة والرطوبة ’ وبناء غرف غوص وبيوت حضانة وحجر تزاوج " .

وكذلك ليس أدل على قوة حرص العناكب على الحياة من قوة حرصها على مقوامة الجاذبية الأرضية ’ وشدة تشبسها بالحياة يتقدمها فى ذلك أحد أنواع العناكب يسمى ) العنكبوت القافز ) يعيش فى أمريكيا ’ يتبين ذلك من خلال ما ذكره فريق من الباحيثين قائلين : " يرجع قدرة العناكب على التشبس بالأسطح ضد الجاذبية الأرضية إلى قوة التجاذب بين الذرات ’ فمن خلال الصور التى حصل عليها الفريق البحثى بالمجهر الإكترونى لأقدام أحد أنواع العناكب يسمى ( العنكبوت القافز ) وجدوا أن كل شعرة على قدم العنكبوت ’ يغطيها عدد هائل من الشعيرات أو الهديبات التى تستحيل رؤيتها بالعين المجردة ’ يصل عددها إلى 624 ألف هديبة ’ تُكون مجتمعة أجمة مجهرية على كل قدم ’ وباستخدام المجاهر المتخصصة فى قياس قوى التجاذب عند مستوى الذرات وجد الباحثون أنه عندما تكون كل الهديبات فى تماس مع السطح فإن قوى الالتصاق بين قدم العنكبوت وذلك السطح تصل إلى 170 مقدار وزن ذلك العنكبوت بقوة الالتصاق ’ التى تكونها مع الأسطح التى تتشبس بها ’ وقد ذكر الباحثون أن ذلك الالتصاق ينشأ من قوة التجاذب الساكنة بين الهديبات والأسطح ’ وهى تعتمد على المسافة بينها ’ ولا تتأثر بظروف البيئة المحيطة أو بالخصائص المادية لكل منهما " .

وهكذا يترجم العنكبوت قوة التصاق الكفار بالأرض ’ ويرجع شدة حرص الكفار على الحياة لا لشئ سوى حب الشهوات تلك هى التى يحرصوا عليها كل الحرص فى حياتهم ’ وتنشرح بها نفوسهم وهم يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام لإشباع غرائزهم أما صدورهم فهى ضيقة حرجة كما وصف القرآن ’ وكذلك الحال فى العنكبوت صدره شديد الضيق والحرج حيث لا يوجد جهاز تنفس فيه بينما الذى ينشرح بالتنفس لديه بصفة عجيبة فريدة هو بطونهم حيث يوجد جهاز التنفس فى العناكب فى بطونها ’ وفتحات التنفس أمام الغازلات التى تغزل بها بيتها لهواها وشهواتها ’ وليس فى صدورها كسائر الكائنات ’ وليس لديه فى البطن قصبة هوائية واحدة ورئتين فقط بل قصبات ورئات ’ إذ أثبت الباحثون أن : " القصبات الهوائية لدى العنكبوت أنابيب صغيرة ’ تحمل الهواء مباشرة إلى أنسجة الجسم ’ ويدخل إليها الهواء من خلال ثغور التنفس ’ وهى فتحات توجد أمام الغازلات فى معظم الأنواع .

والرئات الكتابية توجد فى تجاويف البطن ’ ويدخل الهواء إلى هذه التجاويف خلال شق صغير على كل جانب بالقرب من مقدمة البطن ’ وتتكون كل رئة كتابية من 15 أو يزيد من الثنيات الرقيقة المنبسطة مرتبة كصفحات الكتاب ’ وتحتوى أنسجة الرئة الكتابية على كثير من الأوعية الدموية التى تلتقط الأكسجين الداخل إلى صفائح الرئة ! " .

*- مساواة حظ العنكبوت والكفار فى الحياة .

حيث إن صورة العنكبوت وهيئته تدل على دناءة طبيعته ، وسوء حاله فى حياته . فهو حيوان كما علمنا مبطون ’ ذات بطن ضخمة ’ وله ثمانية أرجل طوال ’ وفى الرأس الذى هو وعاء العقل العضو التناسلى ! والبطن الضخمة تدل على عظم الشهوة والأرجل الكثيرة تدل على عظم السعى على الشهوات ، وكل حظه فى كل سعيه وكل وعيه وكل حاله من اتخاذ بيته ، هو مقدم أمره من فرجه وبطنه بافتراس العناكب والبعوض والحشرات ، والتغذى بعصارتها الخبيثة التى يشفطها بمعدته الشافطة بعد قتلها بمخالبه السامة أو تخديرها .

وكذلك الكافر تبدو قوة شهوته فى أن كل سعيه وكل أمره هو الفوز بمتاع الحياة الدنيا ’ والرضا بها والاطمئنان إلى نعيمها والغفلة التامة عن الدار الآخرة والاستعداد لها ’ ولذلك يكون كل همه هو جمع الدنيا بحلها وحرامها، والانقضاض عليها وافتراسها إذا لاحت له فى شرق البلاد أو غربها ’ وهذا هو كل حظه من كفره والدنيا كلها بكل نعيمها لا تعدل عند الله جل فى علاه جناح بعوضة فكم تساوى الدنيا يا ترى ؟ وما هو الشىء الذى هو أحقر وأهون من جناح البعوضة ؟

تلك الآية المعجزة فى بيانها هى الوحيدة التى أجابت عن هذا السؤال ’ إنها تلك العصارة الخبيثة ’ التى يمتصها العنكبوت بمعدته الشافطة من البعوض والحشرات ’ وتلك العصارة الخبيثة التي يغنمها العنكبوت من بنائه لبيته ’ تساوى متاع الدنيا الخبيث الذي غنمه الكافر بكفره ! فتخيل معى حال هؤلاء الذين يركضون وراء الدنيا دون الآخرة من شروق الشمس إلى غروبها ’ وهم يظنون أنهم يحسونون صنعا ’ وماعلموا أن حالهم كحال الذى يجرى وراء البعوض ويتارده ثم ينقض عليه ’ ويمسك به ويشفط بفمه عصارته الخبيثة ! إنها حالة قبيحة مزرية لا تصدر من عاقل ’ حالة تزدريها وتبغضها وتمقتها كل النفوس العاقلة .

ذلك هو كل حظ طلاب الدنيا لذاتها من الكافرين والمنافقين ومن والاهم من المسلمين ’ أو حكاهم أو تبعهم فى ضلالهم ’ إذ أن الدنيا بمتاعها الطيب وزينتها مطية إلى الدار الآخرة ’ بيد أن الكفار اشتروا خبيث متاعها وفرحوا به ’ ولا يعدلون عن جمعه ولا ينثنون عن العودة إلى إصلاح شأنه إذا هدمت سبله أو زالت بلادهم به بالكوارث التى تحل عليهم كل حين بكفرهم ’ مسرعين فى روية وإصرار تصديقا لما أخبر به عنهم الرسول المختار صلى الله عليه وسلم من أنهم : " أحلم الناس عند مصيبة ’ وأسرعهم كرا بعد فر " صحيح البخارى

كذلك الحال فى العناكب لا تنثنى عن إصلاح شأن بيتها لصيد حشراتها ’ وإذا زال عنها أو هدم عادت لبنائه فى عجلة وإصرار .

* - ولذلك نجد العنكبوت والكفار فى حال حياتهم لا يعدلون عن ركونهم إلى الباطل الذى لا صحة فيه ’ ولا أساس له ولا معنى فيه من اسمه إلا ما يجره عليهم من حرمان وخسران وهلاك .

فالكفار لايؤمنون بالإله الحق أبدا ’ ولا يهتدون بعلومهم إلى معرفته ’ ولاينفكون عن الشرك به ’ ولاعن الباطل الذى يعتقدون مع كل ذلك التقدم والازدهار فى سائر مجالات الحياة ’ مع أنهم قد رؤوا آيات الله مبصرة ’ واستيقنتها قلوبهم ’ ونزلت الآيات القرآنية لمحاجاتهم خاصة بتلك الآيات الكونية التى تشهد لله بالوحدانية سبحانه وتعالى ’ لأنهم كما قال تعالى :( صم بكم عمى فهم لا يعقلون " (البقرة:171) .

وهم لشدة حبهم للباطل واتخاذهم إلههم هواهم ’ لا يزالون على ذلك الحال فى مجموعهم ’ وإن برعوا فى علوم الدنيا كلها ’ التى تحاجى من ينظر إليها بعظمة ربها ’ وتوحيده بالألوهية دون سواه وإن رأوا بعين اليقن جميع آلاء الله جل فى علاه ’ أو هبطوا فى كبد كل آياته عز وجل ’ فهم على الكفر فى مختلف حالهم ’ وفى أى عصر ومصر حتى يقضوا حتفهم فى آخر الزمان فعليهم تقوم الساعة وفيهم قال تعالى : " صم بكم عمى فهم لا يرجعون " ( البقرة:18) ’ وقال تعالى:( إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون " ( الأنفال:55 ) .

بينما المؤمنون الذين لم يبرعوا فى العلوم ولا يقرأون ولا يكتبون يذكرون الله على كل حال قياما وقعودا وعلى جنوبهم ’ ويتفكرون فى خلق السموات والأرض ’ ويقولون ربنا ما خلقت هذا باطلا فقنا عذاب النار لأنهم هم أولى الألباب ’ أما الكفار فما كان لهم بعد أن تمكنوا بعلومهم من الصعود إلى الفضاء والغوص فى أعماق الماء إلا أن جحدوا بالله عز وجل ’ وازدادوا كفرا على كفرهم وتكذيبا لربهم ’ حتى نصبوا نفوسهم آلهة على العالم من حولهم يأمرون وينهون والكل يسمعون ويطيعون لهم ’ حيث ظنوا أن الدنيا ملكهم ’ وهم عليها قادرون ’ وسيظلوا يمكرون حتى يأتى أمر الله على الدنيا وأهلها كأن لم تغن بالأمس. حالهم فى ذلك كالعنكبوت تظل تتخذ بيتها الذى لا صحة فيه ’ ولا أساس له إلا كونه باطلا من البيوت ’ والذى هو قصدها فى كل حياتها ’ وهى لا تنثنى عنه أبدا ’ بل تعاود بنائه فى مختلف الظروف والأحوال ’ وهى تبدو حين تصر على بناء بيتها الذى ليس فيه إلا هلاكها دون فهم أو بصر’ ومن عجيب شأنها أنها ظلت على حالها فى بناء بيتها حتى مع حالة انعدام الجاذبية فى الفضاء ’ وحتى قضت حتفها لانعدام غذائها بعد أن : " غزت الفضاء مع أمثالها ’ على متن مركبة الفضاء الأمريكية (سكاى لاب) حيث تكيفت العناكب مع حالة انعدام الجاذبية داخل المركبة فى الفضاء ’ وبنت النسيج الذى كان فيه تماثل غير واضح فى شكله ’ وكانت الخيوط أرق بنسبة مقدارها حوالى 20% ’ وبعد أسابيع من مكوثها فى الفضاء صارت العناكب تحيك نسيجا شاذا غير منتظم التركيب ’ ربما بسبب المعاناة ’ وأخيرا ماتت من الجوع والعطش ’ على الرغم من أن رواد الفضاء قد حاولوا تغذيتها بوضع فتات اللحم فى النسيج لكنها كانت ترفض التغذى بها ’ وهذه التجارب أظهرت أن باستطاعة العناكب أن تبنى نسيجها فى أى ظروف حتى فى حالة انعدام الوزن فى الفضاء " .

إنه الإصرار حتى الموت ’ والعجيب أنها أبت أن تأكل اللحم الذى قدم لها ’ كأنها أبت إلا الخبيث فى طعامها ’ كحال الكفار أبو إلا الخبيث فى الدنيا من دنيئ متاعها فماتوا من أجلها دون الآخرة بطيب نعيمها ولذة متاعها ’ وكذلك يضرب الله للناس أمثالهم .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

التاسع – التماثل التام بين العنكبوت والكفار فى طبيعة مماتهم

وذلك باستدراكهم فى الحياة باغترارهم بأعمالهم ثم مباغتة هلاكهم فجأة بعد تمام أمرهم .

فالعنكبوت تظل تبنى بيتها ’ وبعد بناء بيتها وتزينه وتمام أمره إذ بمفاجئة زواله من حيث لم تحتسب ’ أو مباغتة هلاكها هى وبيتها بالكلية ’ وكذلك حال زوجها بعد استدراكه لتلقيحها ، وفى تمام أمره تنقض عليه العنكبوت بغتة فتأكله فيكون بذلك حتفه .

وكذلك سنة الله فى الكافرين التى لا تبديل فيها ولا تغيير لما أعرضوا عن الحق ، وكذبوا المرسلين واستهزؤا بهم وبالمؤمنين فتح الله عليهم أبواب كل شىء لإثراء دنياهم بأسباب القوة والعلم والأموال وسائر الرزق ’ استدراجا منه سبحانه وتعالى - عياذا بالله من عقابه - فيفرحوا بما لديهم ويستعلوا فى الأرض ، ثم سرعان ما يأتيهم بغتة ما لا قبل لهم به من العذاب لقوله تعالى : " فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين " . ( الانعام : 44 ، 45 )

وتلك السنة العادلة إيذانا بقطع دابر الكافرين الآن ’ وزوال دولتهم وسطوتهم من على المسلمين ’حيث فتح الله تعالى عليهم أبواب كل شئ ’ وفرحوا بما لديهم من العلم كقوم عاد ’ واستكبروا به على المسلمين ورموهم بالتخلف والرجعية ’ وأنهم أهل العصور الظلامية ’ بل طغوا وبغوا فاستكبروا على ربهم ’ وظنوا أنهم بالعلم يستطيعوا أن يفعلوا كل شئ ’ وازدادوا فى كفرهم برب العالمين واستهزائهم كل حين بسيد المرسلين صلوات ربى وسلامه عليه ونهقوا فى إعلامهم بالليل والنهار فى سخريتهم بالمؤمنين ’ ولكن هيهات للذين اشتروا الكفر بالإيمان أن يدوم فرحهم ’ وبئس الورد المورود لهم لقوله تعالى : " ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خير لأنفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين " ( آل عمران 178 ) . وليس ما حدث فى اليابان ودول أوربا عنا ببعيد وقد بدأهم سبحانه وتعالى بالحرب على أموالهم ’ لتكون حسرة فى قلوبهم هم ومن تولاهم وركن إلى بنوكهم الربوية من المؤمنين لقوله تعالى : " ياأيها الذين أمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون " ( البقرة : 278 ’279 )

ثم بعد الحرب على أموالهم يأتيهم بغتة مالا قبل لهم به فى نفوسهم وقومهم وبيوتهم ’ هذه سنة الله فى الماكرين بإعراضهم عن الأخرة وفرحهم بالدنيا ذلك الفرح المذموم يكرهه الله تعالى ولايحبه ’ وهو نذير سوء لأصحابه بخسران الدنيا والأخرة .

إنما الفرح بالإيمان بالله تعالى وطاعته لقوله تعالى : " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون " ( يونس : 58 ) .

ذلك الفرح المحمود بالله تعالى هو البشير بخيرى الدنيا والأخرة ’ ولا سبيل للفوز بهما معا إلا به لقوله تعالى : " ولو أن أهل الكتاب أمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون " ( المائدة : 66 )

وقوله تعالى : " ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون " ( الأعراف : 96 ’ 97 ) .

تلك البركات العظيمة لا حد لها لعظيم خزائنه سبحانه التى لاينفذ منها شئ ’ ينعم بها الله تعالى على العبد بإيمانه وتقواه لربه وتتطلب فقط السعى فى الأرض ’ مع حسن التوكل عليه سبحانه فى طلب الرزق كالطير تغدو فارغة البطون ثم تعود وهى ممتلئة شبعانة دون أن تستجدى اللئام ’ أو تذهب إلى صندوق الضنك الدولى أو حتى أن يكون لها متجر’ أومصنع أو أى شئ كان إنها بركة السعى فى الأرض مع حسن الظن بالله ’ والتوكل عليه الذى جُعل به سيدنا عبد الرحمن بن عوف من أغنى أغنياء الصحابة الكرام حين أعرض عن حقه فى مال أخيه ’ وحفظ عليه ما آثره به على نفسه ’ واشتغل بالتجارة دون أن يملك أى شئ من حطام الدنيا ’ هذا هو الفرق بين من يمد يده إلى العبد حتى وإن كان أشرف الخلق وبين من يمد يده إلى الرب ’ فما بالنا بالذى يستجدى أعداء الله ’ دون السعى فى مناكب الأرض والحرف كثيرة لا تعد ’ وما من نبى إلا أكل من عمل يده بينما يستنكف بعض الرجال فى هذا الزمان ’ ويجلسون فى الدار عالة على النسوان كالأطفال الصغار’ أو كالمعتدة التى فقدت كل من يعولها ولا علم لأحد بها ’ وهى تنتظر من يبحث لها عن عمل والفرق واضح جلى فى سعة الرزق ’ بين من يسعى بعمله فى طلبه حتى وإن قام بأدنى الأعمال ’ وبين من يمد يديه إلى الدولة من البطالة المقنعة التى تدمر كل قدرات وكفاءات الإنسان ممن يستمرؤن أخذ الأموال دون بذل أدنى عمل تحت مسمى الوظييفة وطلب التوظيف بالجلوس على المكاتب دون عمل .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

العاشر- التماثل التام فى ضعف العنكبوت والكفار ووهن كيدهم

فالكفار مهما استجلبوا من أسباب العلم والقوة ، ومهما استجمعوا من عدتهم وعددهم لمكرهم وكيدهم بالمؤمنين وبطشهم بهم ، فلن يغنى عنهم جمعهم شيئا ، ولا شأن لقوة معداتهم ، ولا قيمة لها ولا لهم لشدة ضعفهم ووهن كيدهم ولا قوة لهم إلا توليه أدبارهم للمؤمنين عند قتالهم فى ذلة وصغار ’ لأن الله وعدنا بالنصر على الكفار لقوله تعالى : " وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لاينصرون " ( آل عمران : 111 ) ’ وقوله تعالى : " الذين أمنوا يقاتلون فى سبيل الله والذين كفروا يقاتلون فى سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا " ( النساء : 76 ) ’ وقوله تعالى : " وإن تعودوا نعد ولن تغنى عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين " ( الأنفال : 19 ) ’ وذلك لأن قوى أهل الباطل المجتمعة بكل كيدها ومختلف قدراتها ومقدراتها وطاقاتها لا جدوى من ورائها من قريب أو بعيد ، وإن خيمت على العالم بأسره ’ لأن الله تعالى قد أوهن قوتهم وكيدهم كما أوهن كيد العنكبوت ببيته الذى كان أصل مادة خيطه من " الفولاذ البيولوجى " ’ التى هى أقوى مادة بيولوجيه عرفها الإنسان حتى الآن إلا أنها صارت لا تعدوا سوى خيوطا دقيقة واهية جدا " ما أسرع ولا أسهل من زوالها والعنكبوت بها ’ ولا تزيد من بناها إلا ذلا وصغارا وسبحان الله الذى قال : " أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون " ( الطور: 42 ) .

فهل يضر كيد العنكبوت ببيته أضعف إنسان ؟ وليس على وجه الأرض شئ أسهل من أن تلوكه الأقدام دون أن تشعر به من العنكبوت ببيته كأن لم يكن ’ فما بالنا وقد سُلط عليها كأمثالها كل عوامل الدمار من زلازل وبراكين ورياح وأمطار ’ وكذلك حال سهولة زوال كل إمبراطوريات الكفار العظمى وعبدة الطاغوت بما زال به بيت العنكبوت كأن لم تغن بالأمس .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الحادى عشر- من التشابه التام بين العناكب والكفار أن الله تعالى لم يجعل لهم ودا ولم يزيدهم إلا قبحاً وطرداً

 

فالواقع يشهد أن العنكبوت ليس لها عند سائر الناس ودا . إذ يعتدى عليهم ببناء ببيته مستعليا فى بيوتهم ’ و هم لا يحبون وجوده في أملاكهم ’ لأنه يطمس بقبحه ووسخه جمال بيوتهم ونظافتها ، فيهوي به الناس من عليائه ليكون من الهالكين ويتعقبونه بإبعاده وطرده ’ وليس له كذلك مودة عند سائر المخلوقات ’ ولا بين أجناس العناكب نفسها ’ فقد أثبتت الدراسات : " أنه توجد عدة أنواع من الحيوانات تفترس العناكب من بينها أنواع من العناكب نفسها تهاجم العناكب المختبئة فى قعر بيوتها كما تسطوا على العناكب أنواع مختلفة من الزنانير تطعم بها يرقاتها بينما يقوم نوع آخر من الزنانير بوضع بيوضه على ظهر العنكبوت بعد أن يكون قد شلها بلسعة منه ’ وكذلك الثدييات آكلة الحشرات تلتهم عددا كبيرا من العناكب ’ والكثير من الطيور تطعم العناكب لفراخها " .

وكذلك الكافر يعتدى بشركه بالله على أرض الله مستعليا فيها على من سواه ’ ويغير بكفره خلق الله ’ ويلوث بوسخه ونجسه وصخبه نظافة البيئة ’ ويطمس بقبحه وفواحشه جمال الطبيعة ’ ويزرع بضلاله كل الظلم والفساد فى الأرض ’ ويقضى بشره على أمن الخلق ’ فلم يجعل الله للكافر ودا ولم يزده إلا قبحا وإبعادا وطردا عن الصراط المستقيم ، وغضبا إلى يوم الدين وشقاء في الأولين والأخرين حيث يبغضهم أهل السموات والأرض والناس أجمعين لقوله تعالى : " وأتبعناهم فى هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين " ( القصص : 42 ) ’ وقوله تعالى : " إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك فى الأذلين " (المجادلة:20) .

بخلاف ما عليه حال المؤمنين ’ الذين أحبهم الله جل في علاه وجعل لهم ودا بصلاحهم وإصلاحهم وحسن أخلاقهم فقال تعالى : " إن الذين أمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا " ( مريم:96 ) .

وليس هذا فحسب بل يتودد سبحانه وتعالى إليهم في كل وقت وحين ليغفر لهم سيئاتهم ’ ويبدلها سبحانه وتعالى حسنات لهم إذا استغفروه وتابوا إليه ’ لأنه معبودهم يتوددون إليه كل حين وهو " الودود " لهم .

بل جعل سبحانه وتعالى لعبده المؤمن ودا فى أهل السماء والأرض لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال : يا جبريل إنى أحب فلان فأحبه قال : فيحبه جبريل ، قال ثم ينادى فى أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه ، قال : فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول فى الأرض ، وإن الله إذا أبغض عبدا دعا جبريل فقال : يا جبريل ، إنى أبغض فلانا فأبغضه ، قال : فيبغضه جبريل ، ثم ينادى فى أهل السماء : إن الله يبغض فلانا فأبغضوه ، قال : فيبغضه أهل السماء ، ثم يوضع له البغضاء فى الأرض" صحيح البخارى ومسلم .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الثانى عشر - انعدام القوامة عند ذكور العنكبوت والكفار

وذلك لأن العلاقة بين الذكور والإناث فى العناكب والكفار ليست علاقة قائمة على ما خلق الله تعالى الخلق عليه من السكن والمودة الرحمة ’ بل هى علاقة مادية قائمة على الأنانية والابتذاذ والنفعية والمتعة الوقتية ’ فإذا قضى أحدهما من الآخر نهمه فلا يأبه بما يكون عليه حتفه . لذا كان من الإعجاز البيانى اتصال الفعل " اتخذت " فى ذلك المثل القرآنى بتاء التأنيث حيث ثبت علميا من خلال الدراسة المستفيضة ، أن ذكر العنكبوت لايستطيع أن يبنى بيتا، وأن التى تقوم ببناء البيت هى أنثى العنكبوت فقط ، ولا تبدأ الأنثى ببناء هذا البيت إلا حينما تصل إلى مرحلة البلوغ والاستعداد للزواج ’ ليكون هذا البيت عامل جذب قوى للذكر غير القادر بطبيعة خلقته على البناء ، ويقتصر دور الذكر على التلقيح فقط ثم تتغذى عليه بعد ذلك الأنثى " .

وكذلك حال الذكور من الكفار ليس لهم قوامة على النساء ، وليس بينهم مودة ولا رحمة ’ والمرأة عندهم فى عناء وشقاء بابتزازها فى بناء بيتها، وابتذالها وامتهانها فإذا انتهت منفعتها لا يأبه بها. بخلاف الرجل فى الإسلام فإن القوامة له بالكلية فى بناء بيت الزوجية دون أن تتكلف المرأة بنفقة دينار، وذلك بعد أن يمهرها الزوج مهرا ملكا ليمينها قد يبلغ حد القنطار، مع كمال البر إليها بالإحسان فى النفقة والمودة والرحمة والإكرام ’ ومعاونتها فى بيتها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى " . (صحيح الجامع للألبانى )

وذلك لأن تضييع الرجل لأهله ورعيته فى الإسلام يبوء العبد به بالحرمان من رائحة الجنان لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما من إمام ولا وال بات ليلة سوداء غاشا لرعيته ’ إلا حرم الله عليه الجنة " . (صحيح الترغيب )

والزوجة فى الإسلام لها مكانة عظيمة لأنها حجر الأساس فى بناء الأمة ’ أمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بحسن اختيارها على الدين ’ وفرض عليها ربها القرار فى بيتها كاللؤلوة المكنونة ما لم يوجب لخروجها ضرورة ، ووصل سبحانه من يصلها’ وجعل سبحانه وتعالى القائم على أمرها هى وعيالها بعد موت زوجها كالغازى فى سبيل الله ’ بل جُعلت الجنة تحت أقدام الأمهات . وبشر الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة بحسن تربية البنات لأن المرأة بالنسبة للأمة كالقلب داخل البدن إذا صلحت صلح سائر أعضاء البدن ’ لأنها مربية الأجيال ومصلحة شؤن الرجال وصانعة الأبطال ’ تلك المهمة العظمى فى بناء أمجاد الأمه ’ لذا كانت النساء اللاتى حبسن أنفسهن بعد موت أزواجهن على تربية أولادهن هن أول من يزاحم سيد المرسلين على أبواب الجنان من دون الرجال ’ ولذلك كانت المرأة هى هدف عدو الأمة الإسلامية الأول التى سلطت عليه كل السهام وأنفقت من أجله جل الأموال حتى ضاعت الأجيال بعد أن خرجت النساء بدون ضوابط ودون ضرورة إلى كل الأعمال التى هي منوطة بالرجال فضاعت الأجيال بعد أن جُففت أمامهم كل منابع الإسلام ’ وأغروا بكل أنواع الفتن والوبال ’ وصار الفتى لايعرف من الإسلام إلا اسمه إلا من رحم ربي .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الثالث عشر- التماثل التام فى عدم الستر والعرى والسفور

من التماثل التام بين العناكب والكفار عريهم وسفورهم . فالعنكبوت تبدو عارية مكشوفة بالكلية ’ لأنها أوت إلى بيت يخلو من معنى البيتة ’ لا يسترها فى كل أحوالها فى ليلها ونهارها . وكذلك حال الكفار لانعدام حيائهم ’ حُبب إليهم الفجور والعرى والسفور وظهور العورات على كل حال بالليل والنهار’ لكمال محبتهم للكفر والبذاء والفسوق والفحشاء ’ واتباع الهوى فى كل الأشياء ’ لذلك اتخذوا من دون الله أولياء ’ قد خلت تماما من معنى الألوهية ’ وانعدمت فيها بالكلية كل صفات وأسماء الكمال والجمال والجلال للإله الحق والتى منها الستير ’ الذى يبيت عبده يعصيه وهو سبحانه يغفر له ويستره ’ لذلك نجد : " الكافر عار عن ستر الله ’ تبدو فضائحه وقبائحه على رؤوس الأشهاد ’ لأن معبوده من دون الله لا يستر ولا ينفع ’ ولا يدفع ضرا " بينما المؤمن الحق فى ستر وعافية ما لم يجهر بالمعصية ’ وهو فى عفة وحياء مستور بزينة اللباس ’ الذى هو عقيدة من الإيمان ، قد يحرم العبد بدونه من رائحة الجنان ’ لأن العرى والسفور ليس من صفات أهل الجنة لقوله تعالى: " فقلنا يا آدم إن هذا عدولك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى " ( طه 118:117) ’ ولحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صنفان من أهل النار لم أراهما ’ قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ’ ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات ’ رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ’ لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ’ وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا كذا " (صحيح مسلم )

وذلك لأن الإيمان مقرون بالحياء ، فإذا ذهب الحياء ذهب الإيمان ، والمجتمع المسلم كله حياء وفضيلة ونماء للخير’ قد حُرِّم عليه كشف العورات أو النظر إليها ، أو الحديث عنها حتى الزوج يحرم عليه أن يُحدِّث عما يَحدث بينه وبين زوجه إذا خلا بها .

والمجتمع الإسلامى كله حياء ’ ولغته اللغة العربية كلها حياء لا تعرف البذاء ، تعدل عن التصريح فيما يخدش الحياء إلى الإشارة والكناية والإيماء .

والقرآن الكريم كله حياء ’ يكنى عن ألفاظ العورات بلطيف الكنايات .

والله جل فى علاه حيٍي ستير’ يحب الستر والحياء ’ ويعظم عليهما الأجر’ ومن أسمائه السِّتير .

وكذلك النبى محمد صلى الله عليه وسلم كان أشد حياء من العذراء فى خدرها .

والحياء هو السبيل إلى سعادة الأمة ونجاتها ’ وحرمانه هو الخسران المحقق لها ’ وما ارتفعت راية لأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مشارق الأرض ومغاربها إلا بحس الأخلاق ’ التى ذروة سنامها الحياء لأنه مقرون بالإيمان ’ وما بُعث صلى الله عليه وسلم إلا ليتمم مكارم الأخلاق .

ولما عجز الكفار عن استعمار بلادنا بالعدة والعديد من الحديد عزموا على تدميرنا بنقض الإسلام ’ فكان أول همهم كشف سوءات النساء ’ ونقض عرى الفضيلة والحياء ’ وذلك بأن يفتحوا دورا للتبرج والسفور وتعليم الجريمة والفجور، وحرصوا كل الحرص أن تنتشر تلك الدور انتشار النار فى الهشيم ’ فقد كان أول ما فعله الأمريكان عند دخولهم أفغنستان ’ أن فتحوا دارا للسينما والغناء ’ وقد استطاعت تلك الدور المنتشرة فى بلاد المسلمين أن تفعل بالأمة الإسلامية ما عجزت أن تفعله الجيوش المجيشة من عهد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا الحديث ، حيث جعلت المسلمين فى فترة وجيزة من الزمن مسخا من البشر، لا شرقيين ولا غربيين إلا من رحم ربى عز وجل ’ كما رمونا فى بيوتنا كذلك بفضاحيتهم الممتلئة بقذرهم ونجسهم وفجورهم ’ وقذفوا بها علينا طوال الليل والنهار’ بدلا من الصواريخ والدبابات ورجمونا بها بدلا من رجم البوارج والطائرات ’ فما كان لنا إلا أن وقعنا في شركهم ’ وصرنا فى خبر كان ’ بعد أن قلدنا كل حالهم وتهافتنا على وسخهم كما تتهافت الفارشات على النار– إلا من رحم ربى- وروجنا لفجورهم بالاعتكاف أمامهم ’ والإ تصال بقنواتهم بالليل والنهار ’ فأصبحت لهم تجارة رابية من كل ناحية فى تقويض صرح بناء الأمة بهدم الأخلاق التى هى الدين ’ وهدم الاقتصاد الذى هو عمودها ’ إذ أثبتت الإحصائيات فى عالم السمعيات والمرئيات أن المتصلين بتلك القنوات الماجنة ما بين الخمسين إلى السبعين مليون مسلم في اليوم الواحد ’ فبلغت إيراداتهم المليارات ’ بعد أن جعلونا نستحل تلك الحرمات التى نبدد بها كل المقدرات ’ ونستوجب بها أعظم العقوبات التى حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم ’ من مسخ كالقردة والخناير كبنى اسرائيل ’ أوخسف فى الأرض ’ أوقصف من السماء ’ إذا استحلت أمته الحرى والحرير والمعازف والقيان .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الرابع عشر- أسباب استقوائهم على الغير مع كمال ضعفهم

إن العنكبوت لم تنل من بعض الهوام والحشرات ’ وتتمكن منها إلا بخداعها بعجيب هندسة خيوط بيتها " الذى تضع على بعضها مادة صمغية لامعة لتلتصق بها فيكون بذلك حتفها أو تضع خيوطها على فوهة زهرة براقة آكله للحشرات وعادة ما تكون هذه الزهرة علي شكل الإبريق وذات فوهة واسعه، ثم يجلس العنكبوت فوق شبكته الخيطية الدقيقة منتظرا فريسته ’ التى يسوقها إلى هلاكها حيث أجلها المحتوم ’ ومكان موتها المعلوم ’ إذ تجذبها الزهرة بأريجها وجمال لونها، حتى إذا ما بلغت الشبكة العنكبوتية المنصوبة فوق الزهرة الجذابة ، يقفز سريعا ليلتقط فريسته قبل سقوطها في فوهة الزهرة " .

وكذلك حال الكفار ما استطاعوا أن يستقووا على المسلمين ، وأن ينالوا منهم ، ويتمكنوا عليهم إلا بعد إغرائهم بزهرة الحياة الدنيا، وخداعهم بمتاعها، وإغراقهم فى ترفها، والتنافس على جمعها من حلها وحرامها ’ تحت راية انعاش الاقتصاد والتقدم والازدهار بالتجارة وجمع الأموال لينتهى بالمسلمين الحال بأن يصبحوا فى خبر كان ، قد سرق منهم الكفار كل الأموال بأنظمتهم المالية وبنوكهم الربوية ’ وأصبحت كل الأموال ملكا لست أسر يهودية فى الولايات المتحدة الأمريكية ’ وعدل من الله أن يأذن الآن بالحرب على العالم كله لتلك المعاملات الربوية ’ إذ لولاها ما سرقت أموال المسلمين كلها ومنع الأغنياءُ الفقراء حقهم الذى كفله الله تعالى لهم فى زكواتهم ’ وتناثرت جثث المسلمين الذين قتلهم الجوع فى كثير من البلاد بعد أن صارت القلوب أشد قسوة من الحجارة وهم يلهون فى عالم الدمار والأوهام من حولهم .

ولا تقدم وازدهار ولا أمن وآمان إلا بالعيش فى سلام وحرية وعدالة اجتماعية فى ظل الإسلام ’ ولا سبيل إلى ذلك إلا بإلجام المارقين ومنع فسادهم عن الناس أجمعين ’ وكف ظلمهم عن المظلومين بالخيل المعقود بنواصيها الخير لقوله تعالى: " قل إن كان أ باؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين " . ( التوبة 24)

وذلك لأن الكفار لم يغمض لهم جفن ولم يهدأ لهم حال فى الاستعداد بكل أسباب القوى فى كل زمان لسحق أهل الإسلام فى كل مكان ’ وتلك الأسباب التى توصلوا إليها اليوم حرَّموا علي المسلمين التعرف عليها، وصدروا لهم فقط صناعة المأكولات والمقرمشات والمشروبات التى انتشرت بها كل الأوبئة والأمراض وسائر الآفات ’ بل حرموا عليهم الإشتغال بكثير من الصناعات وأى بلد يجترىء على أن يُقوى نفسه ببعض الصناعات ، تُدَك كل مُقَدَّراته بسائر الراجمات ’ حتى يرجع إلى الوراء مئات ومئات السنوات ، فلا ظفر المسلمين بموالتهم فى واقعهم المعاصر بانعاش الإقتصاد الذى خدعوهم به ’ ولا بحبل الله اعتصموا ’ بخلاف ما كان عليه حال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ’ حين لم تشغل الدنيا لهم بال ’ وخلت بطونهم من الطعام ، وربطوا عليها الحجارة لتخفيف الألام ’ ففتحت لهم الأرض من كل الجهات ، وتبوؤا فيها على قمم العز والسؤدد وأعلى المكرمات عندما ارتفعت بهم الهمة للفوز بأعلى الدرجات فى الجنة ، وطلَّقوا الدنيا ثلاث، واشتروا بالنفس والمال حياة الخلود ’ فى معية ربهم العزيز المجيد وصحبة رسولِهم الحبيب صلى الله عليه وسلم ، وقد أقبلت عليهم الدنيا من حيث لم يحتسبوا ’ حيث أمنوا على أنفسهم من التنافس على زهرة الحياة الدنيا ، بينما انهارت بنا أبداننا إلى فوهة الدنيا فارتشفت الدنيا دماءنا وامتصت عِظامنا، فعجزت أقدامنا أن ترفع لرؤسنا هامة أو تقيم لأبداننا قامة ، فوطأتنا أقدام أذل الخلق ، مصداق الحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " فوالله ما الفقر أخشى عليكم ’ ولكنى أخشى أن تبسط عليكم الدنيا ’ كما بسطت على من صحيح البخارى ’ وقد نسينا أن فى السماء رزقنا وسبيله تقوى ربنا .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الخامس عشر- التماثل التام بين العنكبوت والكفار فى كثرة عددهم واختلاف مذاهبهم وأنواعهم

لم يزل العنكبوت يصور كل أحوال الكفار, بهذا التماثل التام حتى صار مسخا للكفار فى كل شئ حتى فى كثرة عددهم وقدم وجودهم واختلاف مذاهبهم وأنواعهم وكذلك يضرب الله للناس أمثالهم لتمام المشابة بينهم ’ إذ يحاكى العنكبوت الكفار فى كثرة عددهم على سائر بنى الحيوان ’ إذ تزيد العناكب عن 37 ألف نوع تتباين فى أحجامها وفى أشكالها وألوانها وأشكال شباكها , وكذلك الحال فى كثرة الكفار على أهل الإيمان لقوله تعالى : " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " (يوسف 103) , والآيات فى ذلك كثيرة , كما يحاكي العنكبوت الكفار فى قدم وجودهم إذ تعد العناكب " من أقدم المخلوقات على وجه الأرض ’ حيث ظهرت لأول مرة قبل ثلاثمائة وستين مليون عام ’ وقبل ستين مليون عام على ظهور أولى الحشرات الطائرة فى كل مكان " .

ذلك القدم الذى يصور سرعة ضلال الكثير من بنى الإنسان من قديم الزمان عن فطرة الإسلام فطرة النور والجمال ’ التى فطر الله سبحانه وتعالى كل الناس عليها إلى الظلمات والضلال وسرعة انحرافهم عن صورتهم التى أحسن الله تقويمها إلى تلك الصورة البشعة التى نعافها ’ وقد قال تعالى : " لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم " ( التين 4)

وعن سرعة إعراضهم عن التكريم الذى كرمهم الله به على سائر الخلق ورفعة القدر إلى الدونية والانحطاط والهوان ’ الذى خرجوا به من والسعادة إلى الضنك والشقاء ’ ومن الرحمة التى أرسلهم الله بها للعالمين إلى القسوة ونشر الفساد فى الأرض حيث انعدم لديهم ضمير الإنسان ’ وصار الإنسان حيوانا مفترسا يقتل بعضه بعضا عذابا ودمارا لغيره ’ حربا على من حوله ’ يفترس سائر أجناسه بشعا فى غدره وقد قال تعالى : " والذين كسبوا السئيات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " (يونس 27 ) .

وكذلك حال العنكبوت الذى ضربه الله تعالى مثلا للكفار’ ويؤكد ذلك ما عثر عليه الآن من العنكبوت الذى يحمل وجهه صورة وجه إنسان ’ كما تعددت أشكال العنكبوت وأنواعه كأمثاله من الكفار فى صفاتهم من ذلك :-

(1)- العنكبوت الطاووس وهو"عنكبوت على شكل طاووس" وقد يمثل المكذبين بالحق المستكبيرين على الخلق المتعالين فى الأرض ’ الذين يفخرون بحالهم ويختالون على غيرهم ’ يقدمهم فى ذلك إبليس وجنوده من شياطين الإنس والجن أجمعين وكفار بنى إسرائيل وسائر الفراعين وكل الذين استكبروا على الله وآياته ورسوله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى : " كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون " (الصافات 35) ’ وقوله تعالى لبنى اسرائيل : " أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون " ( البقرة 87) ’ وقوله تعالى : " والذين كذبوا بآيا تنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " (الأعراف 37 ) ’ وقوله تعالى : " إن الله لا يحب كل مختال فخور " ( لقمان18) . وهؤلاء المتكبرون يبعثون كالذر يوم القيامة ويلاقون عذاب الهون لقوله تعالى : " فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون فى الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون " (الأحقاف 20) .

 

post-323311-0-44534300-1363790853.jpgpost-323311-0-61533100-1363790867.jpgpost-323311-0-83194800-1363790872.jpgpost-323311-0-58558100-1363790876.jpgpost-323311-0-24719900-1363790899.jpgpost-323311-0-09444000-1363790903.jpgpost-323311-0-85040400-1363790910.jpg

 

 

 

(2)- عنكبوت الوجه الضاحك

وهو"عنكبوت على شكل وجه ضاحك ذو أرجل مضيئة يعيش تحت أنواع نباتات معينة فى هاوى ويتميز هذا العنكبوت بالألوان الرائعة التى ترسم على بطنه وجه ضاحك . ومن الغريب أن هذا العنكبوت على عكس أغلبية العناكب يرعى صغاره كما أنه غير مضر لبنى البشر !!"

ويمثل ذلك النوع الجاحدون المستهزؤن بالله ورسوله وآيات القرآن الكريم ’ من المكذبين بالبعث والنشور الذين عاشوا فى الحياة الدنيا فرحين ’ ورضوا بها واطمئنت لها قلوبهم ’ وكانوا فيها من المترفين والذين اتخذوا دينهم هزوا ولعبا لقوله تعالى :" الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بأياتنا يجحدون " ( الأ عراف:51) ’ وقوله تعالى: " فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون " (الزخرف:47) ’ وقوله: "وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين " (الجاثية :9) ’ وقوله تعالى : " فويل يومئذ للمكذبين الذين هم فى خوض يلعبون " ( الطور: 11’ 12 ) .

(3)- العنكبوت المتنسك أو الناسك

" نوع من العناكب الأرضية الكبيرة يتقدم العناكب فى شدة الشراسة والعداء شديد السم ’ ينتشر فى أمريكا وتوجد على ظهره علامة سوداء على شكل الكمان ’ لونه أسمر ضارب للصفرة ’ وقد يكون بنيا غامقا ’ ولعضته للإنسان أعراض شديدة قد تؤدى إلى بتر العضو لشدة السم ’ الذى يسرى فى مكان الإصابة ’ وقد تنتهى العضة بالموت إن لم يتم العلاج فى الوقت المناسب " .

وقد يمثل هذا النوع بأوصافه كفار أهل الكتاب ’ من المغضوب عليهم والضالين عن الصرط المستقيم ’ ومن تولاهم أو تشبه بهم فى العالمين ممن علم الحق ولم يعمل به ’ واتبع هواه فى عبادة ربه بالإبتداع فى الدين والكذب على رب العالمين وسيد المرسلين .

(4)- "العنكبوت " النطاط "

" ويشكل 13% من عائلة العناكب حيث يوجد 5000 نوع تقريبا من هذا العنكبوت ’ ويتميز بقوة نظره التى تساعده على الصيد وعلى التنقل ’ ويستطيع العنكبوت النطاط أن يقفز لمسافة تفوق جسمه ب80 ضعف ’ والشئ الذى يساعد العنكبوت على القفز لهذه المسافات الخيالية هو التحكم بضغط السوائل الموجودة فى داخل أطرافه ’ إذ أنه يقوم برفع ضغط السوائل مما يمنحه القدرة على القفز لمسافات بعيدة دون أن يملك أطرافاً قوية ’ وعندما يقفز العنكبوت يقوم بإفراز خيط حريرى يبقى ملتصقا بالمكان الذى قفز منه حتى إذا تورطت الأمور معه ووقع ’ يمكنه أن يتسلق من جديد ويعود لمكانه مستعينا بهذا الخيط " .

وقد يمثل ذلك النوع من العناكب المنافق الذى ورد فى وصفه 13 آية فى صدر سورة البقرة ’ وهو يبصر بقوة الحق ويشهد به ويبطن الكفر لمرض قلبه ’ وهو ضعيف جبان يتخطفه الخوف فى كل مكان ’ وهو عين للكفار فى بلاد الإسلام ’ لأنه نفعى مقيت . ذلك الأمر الذى جعله يتنطط بين معسكر الكفر ومعسكر الإيمان ليغنم بعظيم حظه فى كل منهما ’ فإذا كان مع الذين آمنوا قال آمنا ’ وإذا خلا بشاطين الكفر قال إنا معكم إنما نحن مستهزئون .

(5)- عنكبوت الأرملة السوداء

وهو أحد " أنواع العنكبوت المشهورة بسمها المؤثر على الأعصاب ’ وهو نوع كبير الحجم يتواجد فى جميع أنحاء العالم شائع الإنتشار فى الولايات الأمريكية ’ ويرتبط عادة باليئات الحضرية أو المناطق الزراعية ’ وتعمر الإناث أكثر بكثير من الذكور ’ وعلى خلاف الإعتقاد السائد من النادر أن تفترس أنثى الأرملة السوداء الذكر بعد التزاوج ’ إذ السائد فى العناكب أن ذكر العنكبوت يفقد حياته بممارسة العملية الجنسية مع الأنثى ’ حيث تقوم الأنثى بالتهام رأسه فى أثناء البدء بهذه العملية ’ بينما تواصل أجزاء جسمه الأخرى اتمام الشوط الأخير من هذه العملية ’ فمن أجل هذه العملية تعطل الأنثى نشاط دماغ الذكر ’ وتحيد أعصاب رأسه لكى لا تعيق هذه الأعصاب استمرار العملية الجنسية ’ وحين يفقد الذكر رأسه فإنه يفقد كل أسلحته ’ ويستسلم حتى تنتهى الأنثى من استكمال الحالة الجنسية ’ وبعض الإناث توفر لها وجبة غذائية لاحقة من بقايا جسم الذكر المغدور به غير مأسوف عليه " .

وهذا النوع تصوير حى لبنى الإنسان من الكفار ’ يكشف عن علة كثرة الشرك وانتشاره فى كل مكان وزمان ’ وهو وإن تعددت أسبابه فإن أساسه وداهيته هى المرأة التى يفتتن بها الرجال ’ وتجر عليهم الهلاك والوبال ’ حيث تطيش من أجلها عقول أولى النهى . فيترنح الرجل من الهوى كأسفه سكران ’ عندما تُعطل الأنثى نشاط دماغه وتُحييد أعصابه فيستسلم إليها ’ وتكون كل حظه من الدنيا مع أكله وشربه ’ ودليل ذلك ما يلى :

1- أن القرآن الكريم أكد أن حظ الكفار من الدنيا التى اشتروها وباعوا الأخرة بها محصور فى المتعة والأكل لقوله تعالى : " والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم " ( محمد 12) .

2- أن المتعة بالإناث قبل كل شئ هى مبتغى الكفار من ولاية غير الله جل فى علاه ’ ومن أجلها كان الكفر بالله لقوله تعالى : " ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا " (النساء117) .

3- أن الآية السابقة حصرت العبادة لغير الله جل فى علاه على الإناث والشيطان بأسلوب القصر( النفى والإستثناء) ’ أى نفت العبادة عن كل شئ ’ وأثبتتها فقط للإناث والشيطان ’ وتقدمت الإناث على الشيطان ’ لأنها سبب الشرك وغاته ومدعاته ’ وقرن بها الشيطان لأنها إذا وجدت كان قرينها الشيطان ’ وما اجتمع رجل وامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان ’ وإذا خرجت استشرفها الشيطان لغواية بنى الإنسان . وهى سلاحه الذى ينال به من الرجال ’ حيث أُخرج بها أبينا أدم عليه السلام من الجنان ’ وأغرى بها ولده بأول كبيرة ارتكبت فى حق الله تعالى بقتل النفس التى حرمها الله تعالى إلا بالحق .

وكذلك الحال فى العنكبوت ’ حيث إننا إذا قابلنا بين أجزاء صورة المشبه : الذين اتخذوا من دون الله أولياء ’ وبين أجزاء المشبه به : العنكبوت اتخذت بيتا ’ وجدنا أن لفظ " أولياء " والذى يجمع كل أنواع الشرك يقابله لفظ " بيتا " ’ وقد ثبت علميا أن العنكبوت هى التى تبنى البيت من مغازل قرب مؤخرتها ’ وليس عند الذكر مثلها ’ فهى فقط السبب الوحيد فى وجود البيت ’ كما أنها غاية الذكر الذى يأوى من أجلها إلى البيت .

4- أن المتعة بها مشاع عام فى كل ملل ونحل الكفار’ وهى العامل المشترك بينهم فى العرب والعجم بل صرحت بعض الطوائف أنها تعبد فرج المرأة ’ والبعض الأخر يستبيح المرأة حتى فى الأرحام والرضيعات ’ وحيثما وقعت عينيه على إمرأة فأعحبته أو أُعجبت هى بالرجل فوهبت نفسها له على مايريد من الزمن ’ إذ التعبير بصيغة الجمع فى الفعل المضارع فى قوله تعالى : " إن يدعون من دونه إلا إناثا " للإعلام بتجدد واستمرار تلك الغاية لعموم الكفار فى كل زمان ومكان ’ ولذلك نجد المرأة فى المجتمعات الكافرة لا معنى لها فى كل أحوالها إلا التمتع بها بالرضا وبالإكراه وعنوة وبالصراخ والبكاء ’ ولا فرق عندهم فى ذلك بين كبيرة وصغيرة ’حيث تورك أحد كبار العمائم من الشيعة بالطفلة الرضيعة وأجاز ذلك ’ وأفتى الأخر أن يركب الرجل الرجل بشرط أن يعلو الشيعى ولا يُعلى عليه وذلك إذا لم يجد إمرأة وعندهم حملت البنات والأمهات والأخوات من أب واحد ’ وفى أمريكا تغتصب كل ثنيتين امرأة ’ وهى لذلك لديهم شقية ممتهنة معرضة فى كل وقت للأخطار’ فلما ضاق بها الحال ’ وأرادت أن تنأى بنفسها عن قهر الرجال ’ آثرت الاستغناء بالنساء فانتشر الشذوذ .

5- وليس أدل على ذلك من أن الغرب الكافر لم يجتمع على دين واحد ’ يلزموا أنفسهم به وبنشره أو إله واحد ’ وإنما اجتمعوا على تشريع واحد هو المتعة الجنسية ’ وقد قاموا بإلزام العالم كله بها بأنواعها الثلاث (الزنا والسحاق وفعل قوم لوط ) ’ وقد سموا ذلك حقوق المرأة وزواج المثلين ’ وعمدوا إلى نشره من خلال تأسيس منظمات عالمية ’ اعترفت بها الأمم المتحدة ’ وتكفلت بنشره فى العالم كله من خلال مؤتمراتها واتفاقياتها ’ وإخضاع الرافضين له فى كل العالم للمحاكم الدولية ومحاكم حقوق الإنسان ’ بل طالبت باعتبار عام 1999 السنة العالمية للشواذ ’ ونشرت ممثلين لها فى كل البلاد !

6- وأن المتعة بالمرأة هى رأس الحربة التى يدور عليها الصراع جهارا نهارا فى العداء للإسلام فى بلادنا ’ حيث انشق بها الصف بين المتفرنجين من العرب ’ الذين جندهم الغرب ونشروهم فى كل مكان وفى سائر المجالات عن طريق البعثات العلمية التى رجعت بعلمنة البلاد ليس بالتقدم العلمى واستجلاب التكنولجيا فى دقيق الصناعات وفى سائر المجالات ’ وإنما فقط لتحرير المرأة من قيد الدين والأخلاق والحجاب وسلطان الأب والزوج ’ ومنح المرأة حقوقهاعلى مفهومهم فى إباحة الإختلاط والزنا والشذوذ ’ بيد أنهم يسمون الأشياء بغير أسمائها ’ وتجلى ذلك فى وزارات الثقافة والإعلام ’ لدرجة أن وزير ثقافة إحدى البلدان سئل يوما لم لا تتزوج ؟ قال ولماذا أتزوج ؟ وأنا أقطف كل يوم زهرة ’ واشتهر أحد وزراء إعلامها بأنه قواد للنساء ’ كما يتجلى ذلك فى كل وسائل الإعلام المرئى والمسموع والمقروء ’ وهم يستهزؤن بالدين ليلا ونهارا ’ ويسبونه بالتخلف والرجعية ’ وأنه عودة إلى العصور الظلامية ’ وأنه السبب فى كل المصائب التى وقعت على البلاد العربية .

7- أن الزنا نقيض الإيمان لقوله تعالى : " اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا أتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذى أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو فى الأخرة من الخاسرين " ( المائدة :5 ) .

8- انتفاء الإيمان من قلب المؤمن حين يزنى إذ يرتفع الإيمان فوقه كالظلة لانشغال محله بالهوى ’ كما أن الله تعالى يجيب دعوة المضطر إذا دعاه حتى وإن كان كافرا لتجرد قلبه من كل شئ حتى من نفسه إلى ربه عزوجل .

9-أن تقوى الله تعالى مااقترنت بشئ اقترانها بالاستبراء فى أرحام النساء ’ الذى هو دليل صدق على صدق الإيمان بالله واليوم الأخر وتقوى الله سبحانه وتعالى .

10- أن عقوبة الزنا أشد عقوبة فى الإسلام فى الدنيا والأخرة لأنه دليل الكفر وعلامته ولازمه لقوله تعالى : " الزانى لاينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لاينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين " ( النور :3 ) ’ وأنه شرط فى الإسلام أن ينتفى الكفر مع الزنا لقوله تعالى : " والذين لايدعون مع الله إلاها أخر ولايقتلون النفس التى حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا " ( الفرقان : 68 ’ 69 ) ’ كما أراد شاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأذن له بالزنا فأبى صلى الله عليه وسلم واستطاع ببلاغته وحكمته أن يثير حميته ويصرفه عنه .

11- أن من أسباب انتشار الإسلام فى بلاد العرب دون سائر بلاد العالم أن العرب ذو مروءة وعفة وعفاف وحياء وغيرة شديدة أودت بهم إلى وأد بناتهم وهم صغار وحصرهم عن الزواج وهم كبار .

تم تعديل بواسطة السلفيه الصغيره

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

ثالثا : وجه الشبه بين الطاغوت وبيت العنكبوت

 

من الإعجاز البلاغى لهذا المثل القرآنى التماثل التام بين كل قوى الباطل التى يركن إليها الناس من دون الله عز وجل وبين بيت العنكبوت من ذلك ما يلي:

(1) - أن كل الأولياء التى يركن إليها من دون الله أمر باطل لا صحة فيه ولا حقيقة له من معناه ، ولا جدوى من الركون إليه فى دفع ضر أو جلب نفع ’ كذلك بيت العنكبوت لا صحة لها ولا حقيقة فيها من معانى البيتية ، قد انعدمت فيها كل المعانى المادية والمعنوية ، فلا ركن ولا بناء ولا أمن ولا أمان ولاحياة الإ الدنية والخسارة الأبدية ’ وذلك لأن بيوت المخلوقات ثلاثية الأبعاد أى مكونة من طول وعرض وارتفاع ’ بخلاف بيت العنكبوت فإنه : " ثنائى الأبعاد رأسى وأفقى أو أجسام مسطحة ليس لها هيكل ملموس حسيا ’ ولكن قد ترى (بالنظر) وكأن لها أبعاد ثلاثية أما الحقيقة فهى ذات بعدين فقط "

كذلك حال كل الأولياء والطواغيت التى يتخذها الناس من دون الله أمر باطل لا صحة فيه ولا حقيقة له من معانى الألوهية ، ولا جدوى من ورائها فى جلب أدنى فائدة ’ لأنها ليس لها من الأمر شىء .

(2) – أن كلا من الطاغوت وبيت العنكبوت شَرَك يُخدعُ بزيفه من لا وعى له ولا إدراك ’ وأن كل من يُخدع بالطواغيت ويلوذ بركنه يكون هلاكهه فى الدنيا بسببه كتلك الحشرات التى خُدعت ببريق زيف بيت العنكبوت وشركها لضلال وهمها ’ فكانت عاقبتها لدى العنكبوت هو التنكيل بعذابها تصديقا لقوله تعالى : " وكذلك نولى بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون " ( الأنعام : 129 ) .

وفى الآخرة يكون عقابه أشد العذاب لعظم جرمه الذى هلك به عند ربه لقوله تعالى : " بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا " ( النساء : 139’138 )

لأنهم لما هان عليهم الله جل فى علاه ’ وركنوا إلى غيره وتولوا سواه ’ هانوا على الله فكانوا عنده أهون من تلك الهوام والبعوض التى لازت بالموت فى بيت العنكبوت ’ فلا يُأبه بها من قريب أو بعيد .

(3) - أن بيت العنكبوت وإن كان " أصل مادته أقوى من الفولاذ بعشرين مرة ويبلغ قوة احتماله 3000000 رطلا للبوصة المربعة إلا أنه لا يغنى عنها شيئا إذ لا يعدو سوى خيط دقيق تقل سماكته 4000 مرة عن شعرة الإنسان " ’ كذلك كل قوى الطواغيت ودولهم التى يركن إليها من دون الله جل فى علاه وإن انتفخت أوداجها وخيمت على العالم بأسره ’ فهى لا تغنى أصحابها شيئا لقوله تعالى : " ولا يغنى عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء " (الجاثية 10) .

(4) - أثبت العلماء أن : " بيوت العنكبوت مختلفة ومتعددة فى الأنواع والأشكال والأطوال والشدة باختلاف الغدد التى أفرزتها كما أنه لا يبنى عنكبوتان نسيجين متماثلين ’ وقد كشف التحليل بالحاسوب أن لكل عنكبوت نموذجا فرديا متميزا " .

كذلك تعددت المعتقدات الشركية الباطلة واختلفت الأولياء التى تعبد من دون الله جل فى علاه ’ باختلاف أهواء أصحابها لأن كل كافر قد اتخذ إلهه هواه ’ بخلاف أهل الإيمان بالإله الحق فإن إلاههم واحد أحد صمد ليس له ولد ’ ولا شبيه له ’ وليس كمثله شئ هو أول بلا بداية وأخر بلا نهاية .

(5) - أن اتخاذ الأولياء من دون الله موروث قومى واتباع للعادات والتقاليد وسمات سلوكية مكتسبة من الأباء ’ حيث إن كل مولود يولد على الفطرة وأبواه يمجسانه أو ينصرانه أو يهوداه لقوله تعالى : " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ماألفينا عليه أباءنا أولو كان أباؤهم لايعقلون شيئا ولا يهتدون " ( البقرة : 170). وكذلك الحال فى نسيج العنكبوت لبيتها حيث أثبتت التحاليل أن : " نسيج أهل النسب والقرابة من العناكب متشابه جدا أكثر من نسيج غير الأقارب على الرغم من أن العنكبوت لم تر الواحدة منها الأخرى ’ ولا ترى عملها وتعمل كل عنكبوت بمفردها ’ فكيف يتشابه نسيج الأقارب ! يقول العلماء لعلها سمات سلوكية وراثية مكتسبة " .

(6) – أن مواد البناء لبيت العنكبوت والشرك بالله ليس لها وجود فى عالم البناء ’ وإذا كان كل موجود له مادة وُجِد بها وهى أصله فإنه يستحيل أن يكون للشرك أوبيت العنكبوت أصل له وجود فى الكون ’ لأن الشرك ماهو إلا شهوات وهوى يصدر من نفوسهم ويوردونه لكل من حولهم ولا نصيب للعقل فى ذلك الفعل ’ كذلك العنكبوت : " تبنى بيتها من مغازل فى أسفل بطنها لها ثقوب دقيقة يخرج منها سائل تصنع منه خيوط نسيج بيتها ’ وهذه المادة السائلة التى تخرج من عدد من الغدد الخاصة إلى خارج جسم العنكبوت عبر مغازل المؤخرة ! تجف بمجرد تعرضها للجو وينشأ عن جفافها خيوط بيتها " .

ذلك البيت الذى هو كذب من البيوت لأنه لا أصل له إلا خبث مصدره إذ يخرج من مغازل على مؤخرتها لشهوات فرجها وبطنها .

تماما كتلك الأبخرة النتنة لشهوات الكفار وافتراءاتها التى تكذب بها على نفوسها الخبيثة التى اتخذت إلاهها هواها، أو اتبعت من أغواها لقوله تعالى : " ما لهم به من علم ولا لأبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا " ( الكهف:5 ) .

(7) - أن بيت العنكبوت هو السبب الوحيد لهلاكها دون سائر البيوت لأصحابها ، كذلك اتخاذ الأولياء من دون الله هلاك حتمى لأصحابها ، لأن الشرك هو الذنب الوحيد الذى لا يغفره الله لعبده إذا مات عليه وقد قال تعالى : " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما " ( النساء : 48 ) .

(8) – أن كلا من بيت العنكبوت أمر مكروه مستقزر ، مرفوض مستنكر لايرضى به أحد فى بيته ، ويوغر على المالك صدره ولا يستانس به بأى حال ’ إذ يلقى بظلال الوحشة والظلام على المكان الذى يحل به ، كالشرك بالله باتخاذ الأولياء سواه لقوله تعالى : " إن تكفروا فإن الله غنى عنكم ولا يرضى لعباده الكفر " ( الزُّمَر:7 ) .

وقوله تعالى : " قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين " ( التوبة:14) .

( 9) – أن بيت العنكبوت لا قرار له لأنه لا أصل له يقوم عليه ولا أركان ’ وكذلك كل دول الكفار وكل قوى الباطل التى يُركن إليها الآن من دون الله عز وجل عديمة القرار، وكذلك كل العقائد الباطلة عديمة الثبوت والإستقرار فى قلوب أهل الضلال ، لأنه لا أصل لها بخلاف الإيمان بالإله الحق فى قلوب أهل الإيمان لقوله تعالى : " ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار " ( إبراهيم : 26 ) .

وذلك لأن كلا من بيت العنكبوت والأولياء المعبودة من دون الله أوهام متهرئة ’ تتبدد بظهورها ’ ولا تصديق فى الواقع لوجودها ولا استمرارية لها إلا باستمرار افترائها بما تلوكه أفواه أصحابها أو تنسجه العنكبوت بخبيث عددها لمداومة نصب شراكها لمن يُخدع بها حيث إن : " بيت العنكبوت يفقد مرونته بعد يوم من بنائه مما يضطر العنكبوت لأكله وصناعة خيوط جديدة ’ كما يتأثر بعوامل الحرارة والرطوبة والرياح " .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

رابعا : الإعجاز فى الغرض البلاغى للمثل

 

يتجلى كذلك الإعجاز البيانى فى ذلك المثل القرآنى فى الغرض البلاغى بما يحمل من المعانى الكثيرة التى لا ينضب مَعِينُها من ذلك ما يلى :

(1) - بيان مقدار ضعف المكذبين بتوحيد رب العالمين. ومبلغ هوانهم على ربهم هم ومن تولاهم من المسلمين الذين يعتقدون أن هناك من ينفع أويضر غير رب العالمين ’ حيث صاروا جميعا هم والعدم سواء ’ وأهون من أدنى شئ مهان ’ فلا كرامة ولاشرف ولاقيمة لفقدان الهوية الإنسانية حيث لاحكمة فى العقول ولا نظر ولا تفهم لحقيقة الأمور ولا بصيرة ولا بصر’ وقد قال تعالى : " أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون " (الأعراف :191 ’192) .

(2) - بيان عاقبة المسلمين الذين يتولون الكافرين وكيف يقضى الكفار منهم نهمهم لإشباع غرائزهم وأهوائهم غير آسفين بهلاكهم حيث هو نفسه جزاء من يأوى إلى بيت العنكبوت من الحشرات والبعوض ’ إنه الهلاك الحتمى الذى لا نجاة منه البته ’ وقد قال تعالى : " إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون " ( الممتحنة :2 ) .

(3) - تقرير سهولة زوال كل قوى الباطل العظمى فى كل مكان وقهرهم وغلبتهم وزوال دولتهم بأى شئ فى الإمكان ’ كسهولة زوال بيت العنكبوت المقطوع عن الأرض الذى يزول بأدنى شئ ’ لأن زواله أسهل شئ فى الوجود ’ وقد قال تعالى : " بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذاهو زاهق ولكم الويل ما تصفون " ( الأنبياء:18) .

(4) - بيان كيفية إمكان وهن كل قوى الباطل العالمية المجتمعة الآن فى هذا الزمان وسائر الأزمان ’ وعدم جدواها لهم بكل قدراتها ومقدراتها ’ وكمال عجزهم عن الإنتصار بها على أهل الحق مع قلة عدتهم وعددهم تماما كالعنكبوت الذى اكتشف حديثا أن : " نسيجه من أقوى مادة بيلوجية عرفها الإنسان ’ وأنه إذا قدر جدلا وجود حبل سميك بحجم إصبع الإبهام من خيوط العنكبوت ’ يمكنه حمل طائرة كبيرة بكل ركابها بسهولة ، إذ يبلغ قوة احتماله 300000 رطلا للبوصة المربعة ، وهذا الذى دعى الجنود الأمريكان أن يطلبوا مؤخرا ملابس مضادة للانفجار تصنع من مادة خيط العنكبوت " ’ وقد قال تعالى لهم : " أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم فى بروج مشيدة " ( النساء:78 ) .

إذ جعل الله جل فى علاه تلك القوة العظيمة المقَدرة لخيوط العنكبوت أوهن شىء فى الوجود ، حيث لا تعدو سوى خيوط دقيقة جدا يبلغ سمك الواحدة منها واحدا من المليون من البوصة المربعة ولا قوة لها ولا دعامة فيها، ولا جدوى منها لشدة وهنها ’ مع كمال عجزها عن زيادة سمك خيطها ليكون قوة لها تحميها أو تتقوى بها. زاده وهنا ونكالا وأكسب كل شئ قوة عداها وكذلك كل قوى الباطل تعجز أن تتقوى بكل مقدراتها ومختراعاتها أو تحمى نفسها من المسلمين لقوله تعالى: " ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين " ( الأنفال:18 ) ’ وقوله تعالى : " يوم لايغنى عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون " ( الطور:46 ) ’ وبذلك يكون الرد على من قال : كيف يجتمع فى منشأة واحدة الحد الأدنى من الوهن والهشاشة والحد الأقصى من القوة والمرونة ؟ وكيف نوفق بين وهن البيت وقوة المادة التى يبنى منها ؟

(5) – تقرير استحالة انتصار اليهود والكفار على المؤمنين كاستحالة انتصار العنكبوت لنفسه من أدنى شئ ’ وسهولة القضاء عليه من كل شئ لقوله تعالى: " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " ( النساء :141) .

(6) - تقرير سنة الله فى استدراك الكافرين والمكر بهم فى جعل تدبيرهم فى تدميرهم حيث يملى لهم الله سبحانه ’ فيظنون أنهم يحسنون صنعا بأعمالهم ثم يأخذهم بغتة بكل طغيانهم وظلمهم وتعديهم فى المكر بغيرهم ’ الذى يكون هلاكا حتميا ودمارا محققا لهم ’ وجعل كيدهم فى نحورهم بعجزهم أن يحققوا بكل تقنياتهم وحصونهم قديما وفى هذا الزمان قوة لهم ’ تمنحهم أمنا وأمانا وتزيل رعب قلوبهم ’ بل زادتهم ضعفا ووبالا ’ وزادت المسلمين قوة عداهم ولذلك حرصوا كل الحرص ألا تصل تلك التقنيات إلى أيديهم ’ وما علموا أن عدوهم هو الله المنتقم القهار ’ هو الذى يعذبهم ويرميهم ويقتلهم وينصر المؤمنين عليهم وقد قال تعالى : " والذين كذبوا بأياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملى لهم أن كيدى متين " (الأعراف :182 ’ 183) .

(7) - بيان إمكان كيفية إنعدام وزن أعمال الكفار حيث لاتقى أصحابها العذاب ولا النار التى وقودها الناس والحجارة ’ وإن كانت عظيمة قد ملأت السموات والأرض ’ فإنهم وأعمالهم لا وزن لهم عند ربهم ’ لأنه لم يطلبوا بها الأجر من ربهم وإنما أخذوا بها من الدنيا عاجل حظهم ’ وكذلك حال العنكبوت حيث تحول خيطه بفساد قصده من أقوى مادة عرفها الإنسان إلى شئ هو والعدم سواء مع بديع هندسته وعجيب زخرفته ’ بخلاف عمل المؤمن وإن كان يسيرا كشربة ماء لحيوان مهان يدخل به الجنان ’ أو حبة قمح يضاعفها الله تعالى أضعافا مضاعفة دون انقطاع بما لا يخطر على بال ’ أو شق تمرة يربيها الله تعالى حتى تصير كجبل أحد بل تصير له كأقوى جبة فلاذية واقية ’ يحصن بها المؤمن من كل شر’ ويجنب بها العذاب فى الدنيا وعند الموت وفى القبر ويوم البعث وعند الحساب ’ ويستحيل أن يخترقها أى شئ من الشرور والأخطار حتى النار التى وقودها الناس والحجارة .

(8) – بيان سوء عاقبة تعطيل السمع والأفئدة والأبصار على الذين اتخذوا من دون الله أولياء لا تغنى عنهم شيئا ’ حيث جحودا بآيات الله الكونية التى فيها يتقلبون ’ والقرآنية التى يسمعون واستهزؤا بسيد المرسلين ’ فاستحقوا بذلك الخزى والعذاب فى الدنيا بتدميرهم بعد تمكينهم فى الأرض فى كل زمان ومكان بريح فيها عذاب أليم لسمعهم وأفئدتهم وأبصارهم ’ وهى تدمر كل شئ أتت عليه بأمر ربها ’وكذلك حال العنكبوت يُدمر بيته باستمرار لبنائه على غير قرار ولم ينفعه سمع ولا أبصار .

(9)- بيان مقدار مقت وغضب وسخط الجبار على الكفار ومن تولاهم من أهل الإسلام ’ وقد قال تعالى : " ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفى العذاب هم خالدون " ( المائدة : 80 ) .

(10)– كما أن هذا المثل فيه ردع وزجر وتنفير وترهيب للمسلمين الذين يتولون المشريكين وينتصرون بهم دون رب العالمين ’ وقد قال تعالى : " فترى الذين فى قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتى بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا فى أنفسهم نادمين " ( المائدة: 52 ) ’ وقال تعالى : " من كان يريد العزة فالله العزة جميعا " ( فاطر :10 ) .

(11)- بيان مقدار خيبة أمل الكفار بضياع كل أعمالهم وحسرة قلوبهم باستحقاقهم العذاب عليها لجحودهم بتوحيد ربهم .

(12) – توجيه إلى بيان فضل كلمة التوحيد الموحدين الذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها ’ واستجابوا لربهم بالسمع والطاعة والتسليم والانقياد والولاء والبراء من الشرك وفعله وأهله على السواء ذلك النموذج الإيمانى الوضاء فى ظل العقيدة الغراء ’ الذى علا بإيمانه على الناس أجمعين لحكمة عقولهم ورشد نفوسهم فبشرهم ربهم بقوله تعالى: " والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب " ( الزمر : 17 ’ 18 ) .

(13) – وفيه تحذير من مشابهة الكافرين فى أخلاقهم وأوصافهم بتعطيل سمعهم وأبصارهم ’ لأنهم لا يسمعون ولا يبصرون وإذا سمعوا لا يعملون ، وقد قال تعالى: " ياأيها الذين أمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لايعقلون " ( الأنفال : 20 :22 )

(14) – وجوب إعلان البراءة من الشرك وولاية الكافرين وتعرية المشركين وفضحهم والتشنيع بهم ’ وعدم الإقرار بحالهم فى كفرهم بالله عز وجل ’ حتى ولو كانوا هم الأحباب والأباء والولدان لأمر رب العزة سبحانه وتعالى لنا بذلك فى كتابه ’ وجعل الله عز وجل أنبياءه صلوات ربى وسلامه عليهم أجمعين أسوة لنا فى ذلك فقال تعالى : " قد كانت لكم أسوة حسنة فى إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برأؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده " ( الممتحنة:4 ) .

(15)- أن ذلك المثل هو دعوة جادة إلى شحذ الهمم والعقول للتفكر فى قدرة الله جل فى علاه فى مخلوقاته ، والوقوف بالفكر والروية على بيانه فى تقرير حقائق المعانى ، ومقاصد حكمته فى ضرب الله سبحانه وتعالى للناس الأمثال ’ ومبلغ قدر نعمة الإيمان التى يعجز المؤمن أن يوفيها من الشكر حظها ’ ودحر كيد أعداء الملة فى نحورها ’ وقد قال تعالى : " وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون " ( الحشر:21 ) .

(16)- ذم وتقبيح وإهانة وازدراء للذين اتخذوا من دون الله أولياء لقوله تعالى : " ومن يهن الله فما له من مكرم " ( الحج : 18 ) . (17)- أن ذلك المثل توجيه إلى عظمة توحيد الإله الحق والولاية الحقة وقد قال تعالى : " ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحى الموتى وأنه على كل شئ قدير وأن الساعة أتية لاريب فيها وأن الله يبعث من فى القبور " ( الحج 6’7 ) .

(18)– أن ذلك المثل حجة فى تقرير إنتفاء الإيمان بالكامل من القلب ’ وزوال الدين بالكلية عن المؤمنين بموالاة الكافرين’ إذ جعل سبحانه وتعالى عدم مولاة الكافرين هى السبيل الوحيد للفوز برضى رب العالمين مع دوام النصر لهم والتمكين والثبات على الدين ، والحبور فى جنات النعيم لقوله تعالى : " لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الأخر يوادون من حاد الله ورسوله ولوكانوا أبائهم أوأبناءهم أوإخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب فى قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون " (المجادلة:22) .

فكشف ذلك المثل أن تولى الكفار هو سبب ما نحن فيه من فساد وإفساد وهزيمة نكراء تلتحف بها الأمة الآن .

(19)– أن ذلك المثل تجهيل لمن ضل السبيل فى الاعتقاد بأن فى موالاة الكافرين ومودتهم أمن وأمان ومنعة وحصانة للنفس والأهل والمال وقد قال تعالى : " ياأيها الذين أمنوا لاتتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق " ( الممتحنة : ا) .

(20)- وفيه تحذير من الاغترار بحسن أشكال الكفار وعظيم حظهم فى الدنيا وترفهم فى زينتها ’ وانغماسهم فى متاعها وتقلبهم فى المرافق العاملة فى الحياة ’ بعد أن شخص رب البرية صورتهم الحقيقية فى العنكبوت ’ وظهرت قيمة الدنيا الدنيئة التى تعافها النفوس الأبية ’ والتى وفَّى الله لهم أجر أعمالهم فيها وقد قال تعالى : " لايغرنك تقلب الذين كفروا فى البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد " ( آل عمران : 196 : 197 ) ’ وقال تعالى : " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم فى الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون " (هود : 16 ’15) .

وتلك الفتنة بالكافرين والاغترار بحظهم فى الدنيا منزلق خطير أودى بالأمة إلا من رحم ربى إلى أن يحذو حذوهم فى طلب الدنيا ونعيمها وحتى فى كفرهم والإقرار بعقيدتهم ’ والاستهزاء بشرائع الدين فضُربت الأمة فى مقتلها ’ وفقدت الهوية ’ وذابت المهية ولطئت بالأرض الهمم ’ فلم تدر الأمة لما خُلقت ولما خُيرت ولما أخُرت إلى آخر الزمن ’ فضاعت وضيعت سائر البشر بتضليل أعداء الملة والدين لها عن السبيل ’ وترك الدفاع عن الدين والأنفس والعرض ونشر كلمة الحق فى سائر بقاع الأرض .

(21)- تيئيس من صلاح حال الكافرين لعدم استجابتهم لداعى الحق كالعنكبوت ’ واستحالة هدايتهم لتعطيلهم وسائل إدراكهم ورؤيتهم ضلال سعيهم حقا لقوله تعالى : " إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون " ( الأنعام : 36 ) .

(22)- وفى المثل تكذيب لليهود والنصارى فى زعمهم أنهم أبناء الله وأحباؤه ’ وذلك بتحريم مودتهم وموالاتهم ’ والتشنيع بهم بالكشف عن مبلغ قبحهم وشدة وهنهم وهوانهم على ربهم ’ هم ومن تولاهم ولاذ بركنهم ممن عميت أبصارهم وضلت أوهامهم بتشبيههم بالهوام والحشرات لانتفاء الإيمان عنهم جميعا .

(23) – تحريم مودة الذين اتخذوا من دون الله أولياء ’ ووجوب بغضهم بالقلب وتعرية باطلهم باللسان لأنهم أسوء الخلق على الإطلاق ’ وهذا لا يتنافى مع حسن الأخلاق ، وقد قال تعالى: " أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" ( محمد: 23 ، 24 ) ’ وقال تعالى : " تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وماأعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل " ( التحريم : 1) .

(24) – وفى المثل بيان لأنواع المشركين وأنهم صنفان : -

الأول : مشرك مبتدع يبنى معتقداته الباطلة بالركون إلى غير الله عز وجل ، ويكون كل همة مخادعة الآخرين بتزيين زيف وفساد معتقداته ’ ليستهوى بها صغار النفوس للوقوع فى براثينه وإهلاكه ’ لشفاء صدره الضيق وإرضاء لنفسه الخبيثة لقوله تعالى : " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذى جاءك من العلم مالك من الله من ولى ولا نصير " ( البقرة : 120 ) .

 

كالعنكبوت اتخذت بيتا زائفا تركن إليه ’ وكل همها وقصدها بعد قضاء نهمها من بنائه ’ مخادعة البعوض والحشرات الطائرة بتزيين بعض خيوطه بمادة صمغية لامعة لاصقة للوقوع فى شركها بقصد اصطيادها ، حيث تظل تتربص بها ’ وهى فى الجانب الآخر من بيتها ، فإذا وقعت فى شركها إنقضت عليها لافتراسها والتمتع بهلاكها .

الثانى : صنف متبع ضل سبيله وكذب وهمه وسيعه وخُدع بالكفار’ فلاذ بهم وأنس بركنهم فكان حتفه أنكى من حتفهم’ لقوله تعالى : " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين أمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب إذ تبرأ الذين اتُبعوا من الذين اتَبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب " ( البقرة : 165 : 166 ) .

كتلك الهوام والحشرات التى انخدعت بشرك بيت العنكبوت ، فأوت إليه فكان بئس الهلاك هلاكها ’ وبهذا يكون الرد على من قال أن خيط العنكبوت فيها قوة بالنسبة لبعض الحشرات فكيف يضرب بها المثل فى الضعف الذى يساوى العدم ؟ (25)- أن المثل تقرير للعباد بأن الكفر ضلال وشقاء وخسران أبدى ’ لقوله تعالى : " يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير " ( الحج :12 ’ 13 ) .

(26)- بيان حال الكفار فى ضلالهم باتباعهم للباطل وأهله واستكبارهم عن الحق وإعراضهم عنه بغيرعلم ولا عقل ولا كتاب منير’ وخزهم فى الدنيا قبل الأخرة بذلك المثل لقوله تعالى : " ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثانى عطفه ليضل عن سبيل الله له فى الدنيا خزى ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد " ( الحج 8 : 10) .

(27)- بيان كيفية انتصار الله سبحانه وتعالى لذاته المقدسة ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بذلك المثل الذى استهزء به الكفار عند نزوله فى القرآن وكثر فيه الكلام وسطع نوره فى أخر الزمان بعد أن اكتملت كل وجوه المشابة للعنكبوت فى الكفار حتى إذا ما طار طائرهم فى السماء وارتفع إلا كما طار وقع إلى العنكبوت الذى هو مرآته ’ يرى فيه كل حاله وصدق الله تعالى : " من كان يظن أن لن ينصره الله فى الدنيا والأخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ " ( الحج : 15) (27)- تقرير عظيم أثر الانتصار للحق بكلمة الحق فى زهق الباطل ’ وعظيم فضل ذلك العمل على المؤمنين لكونه أعظم مقاصد الشريعة فى مجابهة أهل الباطل التى يفوز بها العبد بأعلى درجات الجهاد لفعله تعالى ذلك فقال تعالى : " بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق " ( الأنبياء : 18 ) ’ وقال تعالى : " قل إن ربى يقذف بالحق علام الغيوب " ( سبأ : 48 ) .

( 28)- أن ذلك المثل فصل الكلا م فى القرآن فى الفصل بين العباد فى الدنيا بتقرير الدين الحق دين الإسلام وبطلان سائر الأديان لقوله تعالى : " إن الذين أمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شئ شهيد " (الحج : 17 ) ’ وقد قال تعالى : " إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بأيات الله فإن الله سريع الحساب " ( آل عمران : 19) ’ وقال تعالى : " ومن يبتغى غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الأخرة من الخاسرين " ( آل عمران :85 ) .

حيث إن دين الإسلام هو دين سائر الأنبياء والمرسلين على السواء ولا دين غيره نزل من السماء .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

خامسا : بلاغة نظم المفردات فى ذلك المثل

من براعة التصوير البيانى لذلك المثل القرآنى ’ أن لكل مفردة فى نظمه روعة بالغة فى إبراز قوة المعنى وتأكيده والإحاطة بكل أبعاده ومقاصده ومراميه ’ التى تتعدى مكان وزمان نزوله إلى كل مكان وسائر الأزمان ’ فلم تترك من المعنى بقية تضل معها الأوهام ’ بل تركت الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها فى أمر الشرك والمشركين .

*- وردت أداة التشبيه فى المثل ثلاث مرات ’ للدلالة على تأكيد المعنى وصُدرت هيئة المشبه بأداة تشبيه بينما صُدر المشبه به بأداتين للتشبيه لتأكيد قوة المطابقة فى المشابهة بين حال الكفار وحال العنكبوت .

*- وتكررت أداة التشبيه بصيغة الاسم " مثل " للدلالة على ثبوت تلك المشابهة بين الطرفين بصفة ثابتة دائمة لا تتغير ولا تتبدل .

*- وتعريف المشبه بالاسم الموصول " الذين " دون الاسم الظاهر " الكفار " لتقرير المعنى فى الأذهان ، لما فى التعبير بالاسم الموصول من قرع للأسماع ، وإثارة للعقول وتشويق للنفوس للوقوف على البيان ، فإذا جاء بعد ذلك الكلام ’ وقع فى النفس أقوى موقع ، فتمكن منها وتقرر فيها بيانه بمبلغ شدة هوانه .

*- والتعبير بالفعل الماضى فى قوله :" اتخذوا " و " اتخذت " دون الفعل المضارع ( يتخذوا) ’ ( تتخذ ) الذى يقتضيه المقام لتكرار الفعل فى كل زمان إلى أن تقوم الساعة ’ لأن الفعل الماضى يعطى للنفس دلالة العلم بالمعنى علما يقينيا لا شك فيه فيتأكد تحقق المعنى فيها .

وكذا التعبير بالماضى فيه تعريض بخبث تلك النفوس التى اتخذت من دون الله أولياء فى كونها جُبلت منذ الأزل على الفساد والإفساد والخبث والخبائث والظلم والعدوان .

*- والنظم فى قوله تعالى : " من دون الله " يشمل كل الأشياء المُدناة إلى النفس ’ والمقربة إلى القلب من دون الله ، إذ أن مادة ( دون) فى اللغة : " تدل على المدناة والمقاربة ، يقال هذا دون ذاك أى هو أقرب منه " .

*- ومعنى : " من دون الله " أى من هو أقرب إليه من الله .

حيث إن الإنسان حين يُدني من قلبه شيئا دون الله تعالى ويُسلم قياد قلبه إلي غير ربه ’ يفسد قلبه بهواه ’ فتفسد نفسه وتجمح بين غرائزها وشهواتها ، وتُعجز صاحبها وهو يصارعها فى مهاوي الردى عن قيادها ، أو أن يأخذ بلجامها ’ وهى تتمرغ به فى وحل عصيانها ونزوعها وزلاتها ’ حتى تُفسد عليه سائر جوارحه وكل بدنه وكل حياته ’ وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى لا ينطق عن الهوى حيث قال : " ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" صحيح البخارى . لأن القلب لا يصلح قياده إلا بحب الله جل فى علاه والخوف منه ، وهذا هو السبيل الوحيد لسعادة الإنسان مع نفسه ومع أهله وجيرانه ومع مجتمعه والعالم أجمع من حوله ، إذ يجعل القلب المخلص فى حبه لله عز وجل صاحبه على صراط مستقيم ’ يتخلق بالجمال مثل ربه ويحب كل الخير ويأمر به ’ ويكره كل الشر ويأمر بتركه ’ ويصير بإيمانه بحرا عذبا ، يسع العالم كله بعذب مائه وطيب عطائه ، فلا يجف له ماء ، ولا ينقص له عطاء حتى بعد موته .

*- كما تجلت روعة الإعجاز البلاغى فى إسناد الفعل " اتخذوا " دون عبدوا فى قوله تعالى :" اتخذوا من دون الله أولياء " ’ وذلك لأن العبادة حب وعطاء وطاعة وانقياد لله تعالى رغبة ورهبة ، أما الأخذ فى اللغة فهو : " التناول وهو خلاف العطاء " ’ وذلك لأن المشرك كل قصده من شركه باتخاذه أولياء من دون الله جل فى علاه أن يأخذ كل ما يريده من شهوتة وهواه فى الدنيا فقط .

*- والتعبير بمادة الفعل " اتخذوا " بصيغة الجمع ’ ووجود التاء الزائدة على الفعل دلالة على عدة أمور :

منها : إجتماع أهل الباطل على باطلهم وتحزبهم له بقوة فى كل زمان ’ وذلك لأن الحروف الزائدة على الفعل فى اللغة العربية تعطى معنى القوة في الفعل .

ومنها : شدة حبهم للكفر والفسوق على الإيمان ’ لأن الإنسان لا يأخذ لنفسه إلا ما يحب .

ومنها : فيه دلالة على خبث نفوسهم التى لاتعرف إلا الأخذ فقط دون العطاء وإثار الغير لأنها جبلت على الأنانية وحب الذات .

*والتعبير بقوله تعالى : " أولياء " فيه دلالة على الكفر من عدة نواحى منها : انتفاء العبودية لله تعالى وصرفها لسواه بالتقرب إليه من دون الله تعالى .

ومنها : صرف قلوبهم وأعمالهم لغير الله سبحانه وتعالى لأن الإنسان حين يُدنى من قلبه حب غير الله جل فى علاه فهو يتقرب بكل حاله إلى القريب إليه .

ومنها : إنتفاء الإيمان من القلب بالكلية ’ بإنتفاء كمال محبة الله تعالى وتعظيمه وطاعته وتقواه ، ذلك الإيمان الذى يتجلى لنا كل عام فى أبينا إبراهيم عليه السلام ’ فى كمال إخلاص قلبه لمحبة ربه عز وجل دون أن يشاركه فيه سواه ’ حتى نفسه وزوجه وولده حيث أمره ربه عز وجل أن يذبح إبنه وفلذة كبده ’ الذى رُزق به عن كبر وبعد شوق إليه ، وهو أعوذ ما يكون إليه ، ومن قبل أمره ربه سبحانه أن يقصيه عنه هو وأمه ’ وهو أسعد مايكون به بعد ولادته ’ فما ونيىَ عن أمر ربه ’ وما استكان ، وصار هذا الأمر الصعب العسير سهلا يسيرا ’ على أبينا إبراهيم عليه السلام كأيسر وأسهل مطلوب إليه ، وكذلك زوجه الكريم أمنا هاجر عليها السلام فى كمال محبة قلبها لربها ’ وتسليمها وانقيادها عند قولها : لن يضيعنا الله ’ بعد أن تركها سيدنا إبراهيم عليه السلام ’ هى وولدها فى صحراء جرداء ’ لانبتة فيها ولا ماء .

* وتعريف كلمة " العنكبوت " بالألف واللام دون تنكيرها الذى يفيد تعظيم تحقيرها وهوانها ، وهو معنى مراد في البيان ، بيد أن التعريف بـ ( ال ) أبلغ ’ إذ تقرر به البيان لدى كل الناس حيث استحضر أمام العين وفى كل الأذهان ، لكونه معهودا لدى المخاطب ، لعلمه التام به فى كل زمان ومكان ، لأن البلاغة تقتضى أن تكون هيئة المشبه به معلومة لدى بنى الإنسان .

*كما أن تسمية سورة العنكبوت بهذا الاسم للتشنيع بسوء حالهم فى العالمين ، لتمتلىء الأرض عليهم ازدراء وتحقيرا وهوانا فى الأولين والآخرين .

*- ومن بلاغة التعبير بقوله تعالى : " اتخذت بيتا " دون بنت بيتا ، لأن المقصود من بناء البيت معناه الذي هو : " المأوى والمآب ومجمع الشمل حين يجتمعون فيه ، وما تقلبوا فيه من جلب المنافع ودفع المضار بالليل والنهار " . والعنكبوت لم تتخذ بيتها لشىء من هذا ، وإنما تتخذه لذاتها لهوى نفسها وإشباع غرائزها وشهواتها حيث تستهوى به زوجها لتلقيحها ، كما تتخذه شركا لها ’ تخدع به الهوام لتفترسها وتُشبع بطنها .

*- كما أن فعل البناء يكون لحائط أو حائل أو سقف ، وبيت العنكبوت ليس فيه شىء من هذا ’ ولم يقل نسجت ، لأن النسيج له حقيقة وفيه شىء من القوة والبقاء ، وذلك منافى للبيان .

*- واسناد نفس الفعل " اتخذ " لضمير الجمع العائد على الكفار والعنكبوت : فيه دلالة التأكيد على اتحاد الوسيلة والغاية لدى العنكبوت والكفار ’ وهى إشباع شهوة الفرج والبطن معا ’ وهذا مايخرج به الكافر من الدنيا بكفره والعنكبوت ببناء بيته .

*- وسميت خيوط العنكبوت " بيتا " ، لأنه يأوى إليه من قذفته غرائزه وشهواته عليه ، وانخدع بلمعان خيطه وزينة هندسته كتقاذف الفراشات على النيران فتهلكه .

*- وتنكير " بيتا " نكاية فى التشنيع بضعفه وتحقيره هو ومن يأوى إليه .

*- وورود هيئة المشبه بصيغة الجمع " الذين اتخذوا " ومقابلتها بصيغة المفرد فى المشبه به وهو أنثى العنكبوت ’ نكاية فى المبالغة فى تحقير شأن الكافرين بكل مجموعهم من أولهم إلى آخرهم ’ وهوان شأنهم على رب العالمين ، إذ لا يساوى مجموعهم مها كثر عددهم سوى حشرة واحدة هي مؤنثة العنكبوت ’ التي لا يأبه بهلاكها أحد فى الدنيا وفى الآخرة .

*- وتذييل البيان فى ذلك المثل بالفاصلة القرآنية ’ التي جرت مجرى الأمثال بقوله تعالى : " وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت " الذى نطق به كل لسان قبل تمام الكلام ، بعد أن استقر ذلك المثل بتمام بيانه فى العقل والوجدان ’ وانفعلت بمعانيه كل ملكات الإنسان ، فإذا ما وقف أى إنسان على قوله تعالى : " وإن أوهن البيوت " علم علم اليقين بدلالة الحال وما تقدم من الكلام أنه بيت العنكبوت .

*- ومن عجيب الإعجاز البلاغى في ذلك المثل القرآني أنه مع العلم اليقيني ببيانه لدى كل إنسان أكدت تلك الفاصلة القرآنية على غير المعهود من كلام القرآن بما ذكره صاحب كتاب البرهان للزركشى حيث قال : " فأى معنى أبلغ من معنى أكده الله من ستة أوجه فى قوله : " وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت " ’ فأدخل إن وبنى الفعل من أفعل التفضيل ، وبناه من الوهن ، وأضافه إلى الجمع ، وعرف الجمع باللام ، وأتى فى خبر إن باللام " .

*- وذلك التأكيد تعريض بالكفار لإصرارهم على مظاهر الشرك في كل أحوالهم وسائر حياتهم ’ ونكاية في تجهيلهم وانعدام إدراكهم ومبلغ إعراضهم عن الحق وقد قال تعالى : " قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أفمن أبصر فلنفسه ومن عمى فعليها وما أنا عليكم بحفيظ " ( الأنعام :104 ) .

وليس هذا فحسب بل أتت فاصلة قرآنية فى قوله تعالى " لو كانوا يعلمون " لتأكيد انعدام إدراكهم للواضح الجلى من المعانى ، التى استقرت فى وجدان كل إنسان ’ ونطق بها كل لسان ’ وتعميقا لازدرائهم في كل النفوس ’ لاستحالة علمهم بهذه الحقيقة البديهية التي تُقر بها نفوسهم مع عدم الامتناع عن شركهم بربهم .

nt-f$�By x�3p3 text)","serif";mso-bidi-font-family:"Simplified Arabic"'>

 

 

(21)- تيئيس من صلاح حال الكافرين لعدم استجابتهم لداعى الحق كالعنكبوت ’ واستحالة هدايتهم لتعطيلهم وسائل إدراكهم ورؤيتهم ضلال سعيهم حقا لقوله تعالى : " إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون " ( الأنعام : 36 ) .

(22)- وفى المثل تكذيب لليهود والنصارى فى زعمهم أنهم أبناء الله وأحباؤه ’ وذلك بتحريم مودتهم وموالاتهم ’ والتشنيع بهم بالكشف عن مبلغ قبحهم وشدة وهنهم وهوانهم على ربهم ’ هم ومن تولاهم ولاذ بركنهم ممن عميت أبصارهم وضلت أوهامهم بتشبيههم بالهوام والحشرات لانتفاء الإيمان عنهم جميعا .

(23) – تحريم مودة الذين اتخذوا من دون الله أولياء ’ ووجوب بغضهم بالقلب وتعرية باطلهم باللسان لأنهم أسوء الخلق على الإطلاق ’ وهذا لا يتنافى مع حسن الأخلاق ، وقد قال تعالى: " أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" ( محمد: 23 ، 24 ) ’ وقال تعالى : " تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وماأعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل " ( التحريم : 1) .

(24) – وفى المثل بيان لأنواع المشركين وأنهم صنفان : -

الأول : مشرك مبتدع يبنى معتقداته الباطلة بالركون إلى غير الله عز وجل ، ويكون كل همة مخادعة الآخرين بتزيين زيف وفساد معتقداته ’ ليستهوى بها صغار النفوس للوقوع فى براثينه وإهلاكه ’ لشفاء صدره الضيق وإرضاء لنفسه الخبيثة لقوله تعالى : " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذى جاءك من العلم مالك من الله من ولى ولا نصير " ( البقرة : 120 ) .

 

كالعنكبوت اتخذت بيتا زائفا تركن إليه ’ وكل همها وقصدها بعد قضاء نهمها من بنائه ’ مخادعة البعوض والحشرات الطائرة بتزيين بعض خيوطه بمادة صمغية لامعة لاصقة للوقوع فى شركها بقصد اصطيادها ، حيث تظل تتربص بها ’ وهى فى الجانب الآخر من بيتها ، فإذا وقعت فى شركها إنقضت عليها لافتراسها والتمتع بهلاكها .

الثانى : صنف متبع ضل سبيله وكذب وهمه وسيعه وخُدع بالكفار’ فلاذ بهم وأنس بركنهم فكان حتفه أنكى من حتفهم’ لقوله تعالى : " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين أمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب إذ تبرأ الذين اتُبعوا من الذين اتَبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب " ( البقرة : 165 : 166 ) .

كتلك الهوام والحشرات التى انخدعت بشرك بيت العنكبوت ، فأوت إليه فكان بئس الهلاك هلاكها ’ وبهذا يكون الرد على من قال أن خيط العنكبوت فيها قوة بالنسبة لبعض الحشرات فكيف يضرب بها المثل فى الضعف الذى يساوى العدم ؟ (25)- أن المثل تقرير للعباد بأن الكفر ضلال وشقاء وخسران أبدى ’ لقوله تعالى : " يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير " ( الحج :12 ’ 13 ) .

(26)- بيان حال الكفار فى ضلالهم باتباعهم للباطل وأهله واستكبارهم عن الحق وإعراضهم عنه بغيرعلم ولا عقل ولا كتاب منير’ وخزهم فى الدنيا قبل الأخرة بذلك المثل لقوله تعالى : " ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثانى عطفه ليضل عن سبيل الله له فى الدنيا خزى ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد " ( الحج 8 : 10) .

(27)- بيان كيفية انتصار الله سبحانه وتعالى لذاته المقدسة ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بذلك المثل الذى استهزء به الكفار عند نزوله فى القرآن وكثر فيه الكلام وسطع نوره فى أخر الزمان بعد أن اكتملت كل وجوه المشابة للعنكبوت فى الكفار حتى إذا ما طار طائرهم فى السماء وارتفع إلا كما طار وقع إلى العنكبوت الذى هو مرآته ’ يرى فيه كل حاله وصدق الله تعالى : " من كان يظن أن لن ينصره الله فى الدنيا والأخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ " ( الحج : 15) (27)- تقرير عظيم أثر الانتصار للحق بكلمة الحق فى زهق الباطل ’ وعظيم فضل ذلك العمل على المؤمنين لكونه أعظم مقاصد الشريعة فى مجابهة أهل الباطل التى يفوز بها العبد بأعلى درجات الجهاد لفعله تعالى ذلك فقال تعالى : " بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق " ( الأنبياء : 18 ) ’ وقال تعالى : " قل إن ربى يقذف بالحق علام الغيوب " ( سبأ : 48 ) .

( 28)- أن ذلك المثل فصل الكلا م فى القرآن فى الفصل بين العباد فى الدنيا بتقرير الدين الحق دين الإسلام وبطلان سائر الأديان لقوله تعالى : " إن الذين أمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شئ شهيد " (الحج : 17 ) ’ وقد قال تعالى : " إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بأيات الله فإن الله سريع الحساب " ( آل عمران : 19) ’ وقال تعالى : " ومن يبتغى غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الأخرة من الخاسرين " ( آل عمران :85 ) .

حيث إن دين الإسلام هو دين سائر الأنبياء والمرسلين على السواء ولا دين غيره نزل من السماء .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

سادسا : الإعجاز البلاغى لخصائص أسلوب ذلك االمثل

 

الإعجاز البلاغى لخصائص أسلوب القرآن أمر يعجز أرباب الكلام عن إحصائه ، إذ تتجلى تلك الخصائص فى كل آية من آياته ، ومن تلك الخصائص البلاغية التى تجلت فى أسلوب البيان فى هذه الآية القرآنية ما يلى :

(1)- الجدة والإبتكار فى الألفاظ والمعانى ، فهى جديدة بديعة دون مثال سابق ، إذ أن الناظر إلى الكلمات التى نُظمت بها تلك الآية الكريمة قبل أن يتنزل بها القرآن ، لوجدها ألفاظا مهجورة موحشة لا تستوقف ناظر ’ ولم تستوقف أهل البيان ولا أى إنسان ولم تخطر على بال ، لأنه لا معنى لها ولا رونق فيها ولا بهاء ولا قيمة فيها فى أى مكان ، ثم نزلت هذه الآية ببديع لفظها وروعة بيانها، وسحر نظمها بهذا البيان’ فإذا بها شمس منيرة كشفت لنا عن شدة قبح الكفر’ الذى هو ليل الدجى الذى لف بظلماته العالم كله من شرقه إلى غربه ، وأرخى سدوله على الدنيا بأسرها ’ حيث صورت العنكبوت كل حال من كفر بنعم ربه وآثر أن يولى وجهه إلى غيره ، فدحضت تلك الأية كل الكفر والفجور ببلاغة أخذت بالألباب وبهرت العقول ’ وإذا هى حجة دامغة ظهر بها الحق وزهق الباطل ، وإذا بها سيف قاطع دُك به كل عتل جواظ غليظ متكبر.

ولما لم ينتفع بها مع هذا كل من عظَّم غير الله ، وركن إليه واتخذه وليا سواه لخبث نفسه وضلال هواه ، بين سبحانه وتعالى أن سبب ذلك أنهم ليسوا أهل تفهم ولا نظر ولا عقل ولا علم ولا بصيرة ولا بصر ، فقال تعالى : " وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون " (العنكبوت:43) .

 

(2)- ومن خصائص تلك الآية الكريمة روعة إيجاز أسلوبها الذى بلغ مبلغ الرموز والإشارات وهى مع ذلك تحوى من المعانى المجلدات ، لأنها تحكى عن تاريخ أكثر الخلق من أهل الأرض من الجِنة والناس ، فى ماضيهم البائد وقصصهم فى القرآن خير شاهد وحاضرهم المشهود للعيان ، ومستقبلهم الموعود فى القرآن في هذه الآية الكريمة التى صورت بوضوح وجلاء حال الكفار فى كل زمان ومكان .

*- إنها رموز وإشارات كشفت اللثام عن أسباب ظهور الفساد فى البر والبحر من طغيان الكافرين بإفساد الهواء والماء والأرض لاتخاذهم ألهة من دون الله ’ وحربهم من قديم الزمان لكل أهل الحق.

*- وقد أكسب ذلك الإيجاز هذا البيان بقلة ألفاظه وكثرة معانيه قوة فى التأثير على العقول وسرعة فى الانتشار والقبول .

* - كما تجلت روعة ذلك الإيجاز فى كونه يمنح القارئ أفاقا واسعة من التفكير والتخييل والانفعال بما يحمله من معانى مكنونة يكشف عنها المفصل من كلام القرآن المذكور في كل صفات وأحوال الكفار.

(3) - براعة نظم الأسلوب حيث حظيت هذه الآية كسائر آيات القرآن بنظم معجز’ جعل لها قدرة خارقة فى الكشف عن أغوار المعانى ’ التى لا يعلمها إلا الله ’ فى صياغة مُحكمة مع قوة فى الترابط بين الكلمات ، حيث تأخذ كل كلمة بأعناق أختها ، فتبدوا جميعا وحدة واحدة لا ينفك وثاقها فى نظم بديع مبدع محاط بالفخامة والجلال والإثارة لعقل الإنسان ، حيث تنطلق الكلمات بقوة فى البيان فتقرع الأسماع وتشخص فيها الأفهام ، وتتدفق بالمعانى فتملك كل عوامل الإدراك لدى الانسان .

*- وهذه الآية الكريمة بأسلوبها لا يتعطل حكم بيانها لانقضاء زمن نزولها بل هى خالدة بنظمها، تُبصر النفس الخبيثة بها زيف ضلالها ، وتتذوق النفس الطيبة لذة حلو إيمانها ، فتعرف عظيم قدر نعمة الإيمان بربها سبحانه وتعالى .

(4) - روعة أسلوب البيان فى إصابة المعنى بقدرة خارقة .

إذ أن أسلوب ذلك البيان قد أصاب المعنى بمقدرة فائقة معجزة تنقطع فى حلبتها أنفاس الموهوبين ’ من أعلام البلاغة والبيان حيث إن تصوير الذين اتخذوا من دون الله أولياء بالعنكبوت لم يقف عند إيضاح المعنى المراد فحسب ’ بل غاص إلى أضغان قلوبهم ’ وأطلعنا على خفايا نفوسهم ، وساح فى معترك حياتهم وسائر مجتمعاتهم ، فأطلعنا على ما جبلت عليه طباعهم وأخلاقهم وما يجرى فى حياتهم ’ من أحداث جسيمة ’ وواقع صاخب بالأهوال ’ بل وصل هذا الأسلوب المعجز إلى الممتنع من المعانى عنهم ’ والذى لا يدرك كنهها فجعلها حقائق ماثلة أمام العين ’ كشفت عن كمال الإئتلاف بين أحوال العنكبوت وأحوال الكفار وكمال التشابه بينهم ’ وبذلك تجلت فى هذا المثل خاصية أخرى وهى :

(5) - قدرته الخارقة فى الكشف والبيان عن طبائع وأخلاق الكفرة والمنافقين ’ فهذا الأسلوب المعجز فى كمال جلاء المعنى وإصابة البيان ، معجز أيضا فى الكشف والبيان عن سائر خبايا أمور المنافقين والكفار’ التى لا يعلمها أحد حتى الكفار ’ لأنه صور المعنى بالأشباه والنظائر المعهودة النابضة بالحياة فى الواقع المشهود للعيان ’ فكأنها لسان حالهم المبين الذى أنطقه رب العالمين ، وكأنها مرآة ضمائرهم ونفوسهم وما تنطوى عليه حياتهم وكأنها شاهد عدل على زورهم ، وقاض حكيم وجد إجماعا عاما فى الحكم بهلاكهم .

(6)- ومن خصائص أسلوب هذا التمثيل حسن هيئته فى التصوير من عدة أمور منها :

* - كون تلك الهيئة سريعة فى وصولها للفهم ’ وتصورها فى الوهم لأن علم الانسان بها سابق ، والكل عليها موافق ، مع كمال التوافق فى المعنى بين الطرفين .

*- صدق المماثلة بين الطرفين لأنها من كلام رب العالمين الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ويضرب للناس أمثالهم .

*- كمال استوفاء كل أحوال المشبه بالبناء على أحوال المشبه به

*- واقعية التصوير لدى كل مخاطب حيث تجلى البيان فى تصوير حى منتزع من واقع الإنسان ’ اختلطت معرفته له منذ نعومة أظافره فى انفعاله به بازدراءه ورفضه واستنكاره .

*- ومن أسباب حسنه التشخيص حيث العنكبوت حياة بنى الإنسان من الكفرة والمنافقين ، فكأنه من بنى جلدتهم ’ الذين يعيشون فى ضنك من العيش ’ وشقاء فى الحياة حمى وطيسه بالمكر والقتل والعداء والحرب على من سواهم ، ونفوس مفعمة بالجهد الجهيد والضلال البعيد والهلاك الأكيد ’ وبذلك الأسلوب المعجز تقرر بطلان الشرك الجلى والخفى ، وتقررت شدة قبحه ورفضه واستنكاره لدى كل إنسان فى صورة حية ومشهد واقعى معلوم مشهور فى الأذهان والوجدان لدى العربى والعجمى والخاصة والعامى بحجة بالغة فى سائر الأزمان .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×