اذهبي الى المحتوى
امة من اماء الله

إعداد النبي صلى الله عليه وسلم لشخصيات صحابته الدعوية

المشاركات التي تم ترشيحها

fwaseeel11.png

 

 

 

إعداد النبي صلى الله عليه وسلم لشخصيات صحابته الدعوية

 

 

 

هند بنت مصطفى شريفي

 

إن حمل الداعية إلى الله حمل ثقيل، والأعباء المنوطة به عظيمة، ولا يستطيع داعية بذاته الانفراد بالقيام بذلك كله، بل لا بد له من معاونين يسيرون إلى جانبه، ويشدون من عضده، ويتولون معه المسؤوليات الدعوية بما يحقق المصلحة المنشودة، وذلك يكون باختيار الأكفاء من الناس للتصدي لهذا الدور، ثم تركيز العناية والإعداد على هذه العناصر المؤثرة في الدعوة، وعدم التسوية بينها وبين غيرها من العوام، فإعداد الشخصية الدعوية المؤثرة يحتاج إلى عناية خاصة، وتوجيه هادف، لتكون على مستوى المهمة المعدة لها.

 

والله تعالى اصطفى للدعوة أفضل البشر، وصنعهم على عينه تعالى، وتعهدهم بالرعاية والصياغة، منذ الصغر حتى غدوا أهلا لما يلقى عليهم من وحي، ويكلفون به من مسئولية إصلاح حال البشرية.

 

ومن أهم ما تبنى به الشخصية الدعوية، لتكون قوية مؤثرة: أن تكون ذات إرادة وعزيمة ومضاء، لتكون شخصية قيادية، وهذا يمكن اكتسابه بالمران والتدرب، وقد تعاهد النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتدرب على ذلك، بتكليفهم توجيههم، وكان عليه الصلاة والسلام كلما رأى منهم خللا سده، وكلما رأى ضعفا قواه، وكلما رأى بذلا وشجاعة وتضحية وجَّهه، حتى غدا الصحابة أقوى ما يكون الدعاة إلى الله وأثبت، وحملوا الدعوة شرقا وغربا وطافوا بها أرجاء المعمورة[1].

 

 

 

fwaseeel33.png

 

 

ومن مظاهر إعداد النبي صلى الله عليه وسلم لصحابته، وتنمية شخصياتهم الدعوية القيادية ما يلي:

أولا: باهتمامه ببعض الشرائح التي يغفل عنها المجتمع:

والعمل على استيعاب العناصر الجديدة المؤمنة، وإعدادها للقيام بدورها في الدعوة، وإعطاء الفرصة لها كي تبرز وتنتج، لأن إهمالها يؤدي إلى إهدار طاقاتها، أو تشرذمها، ومن أمثلة ذلك:

1- الشباب، فهم عماد كل دعوة إصلاحية، وباندفاعهم للتضحية والفداء تتقدم الدعوات سريعا نحو النصر والغلبة[2]، كما أن الشباب أكثر تقبلا للتغيير الثقافي والأفكار الجديدة، وفيهم من المرونة والحماس ما ليس في كثير من كبار السن.

 

ومن مظاهر عنايته صلى الله عليه وسلم بهم، تكليفهم بالأعمال المهمة الحساسة، كحمل راية القتال، ومن ذلك تسليمه راية الأنصار لقيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما بعد أخذها من أبيه.

 

وكان حامل لواء قبيلة أشجع أحد الشبان وهو معقل بن سنان الأشجعي رضي الله عنه[3]، وكان في العشرينات من عمره حينذاك.

 

وأحد الذين حملوا راية جهينة كان أيضا من الشباب، وهو معبد بن خالد الجهني رضي الله عنه[4].[5].

 

ومن أحسن ما يكون به تقدير الشباب تكليفهم بالإمارة، كتوليته عتاب بن أسيد رضي الله عنه إمارة مكة، وهو لم يتجاوز العشرينات من عمره، وروي أنه سئل: أنت أكبر أم النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: النبي صلى الله عليه وسلم أكبر مني، وأنا أصغر منه، ولد النبي صلى الله عليه وسلم عام الفيل، وأنا أدركت سائسه وقائده أعميين مقعدين يستطعمان الناس.[6].

 

وقد يكون في القوم من كبار السن وأصحاب الخبرة العديد، لكنه صلى الله عليه وسلم يرى شخصية صغيرة في السن، لكنه يروم فيها كبر المعاني ورجاحة العقل، فيعمل على تنميتها ورعايتها حتى تغدو ذات شأن، وتقوى وتعتد بإسلامها، وليعرف الآخرون أن الشخصية الإسلامية لا تقاس بالأعمار ولا بالأجسام بل بقوتها[7] وعزتها بإيمانها وإسلامها.

 

2- ضعاف الشأن من المسلمين: وذلك لكبر سن أو مرض، أو دنو في الشرف والنسب، وذلك كاستخلافه لابن أم مكتوم رضي الله عنه على المدينة، وإردافه لأسامة بن زيد رضي الله عنهما أثناء دخوله منتصرا، ثم إدخاله معه إلى جوف الكعبة، كذلك تشريف بلال رضي الله عنه بدخول الكعبة بصحبته، ثم رقيه فوقها وصدعه بالأذان على مسامع قريش وأمام أعينهم.

 

3- أصحاب التأثير في الرأي كالشعراء، فهذه الشريحة من الناس لها عند العرب مكانة عظيمة، إذ يعتبر الشاعر ناطقا رسميا بأمجاد قبيلته، ومدافعا عنها، وقد كان لمن أسلم منهم دور عظيم في المنافحة عن الإسلام كعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت رضي الله عنهما، فلم يغفل النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأهمية فقبل توبة كعب بن زهير رضي الله عنه، وكان قد بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم أوعده بما أوعد به ابن خطل، فتدارك نفسه، وجاء نازعا تائبا فقبل منه النبي صلى الله عليه وسلم توبته، وبايعه على الإسلام، فمدحه رضي الله عنه بقصيدة البردة المعروفة، التي يقول في مطلعها:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم على إثرها لم يُفد مكبول[8].

 

وكذلك قبوله توبة ابن عمه أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب رضي الله عنه.

 

 

fwaseeel33.png

 

 

ثانيا: بمراعاة ملامح وصفات من يصلح لتقديمه في تولي شئون المسلمين:

فالإسلام يشترط فيمن يقوم بأمانة قيادة عمل من أعمال المسلمين، أن تتوفر فيه مقومات ذلك العمل، أو أهم تلك المقومات، وقد قال صلى الله عليه وسلم مبينا تفاوت الناس واختلافهم: (( الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة[9])).[10].

 

ومما تميز به النبي صلى الله عليه وسلم، قدرته على اختيار الرجل المناسب للعمل المناسب، وكان يذكر أصحابه بأفضل ما فيهم من صفات، ويغض النظر عما يعانونه من نواقص بشرية، وبذلك كان عليه الصلاة والسلام يبني الرجال، ولا يحطم الرجال[11].

 

وكان صلى الله عليه وسلم يبين الميزان الذي به يستحق المرء أن يتولى منصبا معينا، فمثلا المفاضلة فيمن يؤم الناس في الصلاة، تكون على أساس التفوق في حفظ القرآن، وبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: (( وليؤمكم أقرؤكم)) [12]، فقراءة القرآن وحفظه من مقومات الصلاة، مع وجوب فقه أحكامها.

 

وتعيين قادة الجيوش لا تكون بناء على الوجاهة الاجتماعية، أو القدرات المادية، أو مما يتوارثه الأبناء عن آبائهم، بل يعين القائد تبعا لحنكته الحربية، وشجاعته وإقدامه، وقد ظهر ذلك جليا في اختيار النبي صلى الله عليه وسلم لقادة جيش الفتح، حيث جعل خالد بن الوليد على الميمنة، والزبير بن العوام على الميسرة، وأبا عبيدة على الرجالة والمشاة، وعلى الأنصار سعد بن عبادة ثم استبدله بابنه قيس- وقيل علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم أجمعين، والمطلع على سيرة هؤلاء الأبطال يجد أنهم من الأفذاذ الشجعان من القادة العسكريين.

 

وكذلك إكرامه لبني شيبه بمأثرة سدانة البيت الحرام كانت على أساس الأمانة وتشريف الله تعالى لهم بذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بن طلحة رضي الله عنه: ((خذوها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم، يا عثمان، إن الله استأمنكم على بيته، فكلوا منه بالمعروف))[13].

 

ومن الأمور المهمة في إعداد الدعاة، وتوليتهم مسئوليات الدعوة، أن تكون عامة وألا يُختص بها طبقة معينة من الناس، بل( ينبغي أن تكون الدعوة جماهيرية المنحى، ولا يجوز حصرها في طبقة معينة، وإذا حاولت طبقة ما من المثقفين أو التجار أو العمال... حصر القيادة فيهم ستقع الفجوة بن القاعدة الجماهيرية وبين القيادة، ويؤدي بالتالي هذا الوضع إلى تبلد إحساس القيادة بمشاكل عامة المسلمين، وتزداد النقمة من العامة على القيادة)[14].

 

 

fwaseeel33.png

 

 

ثالثا: التربية على الشعور بالمسئولية:

ومصطلح المسئولية- بعكس ما يُعتقد- لا يدل ابتداء على علاقة واقع، بل على علاقة حق يقرُّه، ويجب أن يسبقه في أحكامنا الخاصة، والمسئولية قبل كل شيء، هي استعداد فطري، وهو المقدرة على أن يلزم المرء نفسه أولا، والقدرة على أن يفي بعد ذلك بالتزامه، بواسطة جهوده الخاصة، وهي بهذا المعنى سمة من السمات المميزة التي يأخذها الإنسان من جوهر ذاته[15]، لفطريتها وقابليتها للتنمية والإعداد.

 

وهذا ما ربى عليه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، وذلك بعدة أمور:

1) بالعمل على تقوية إيمانهم، بتعريفهم بالله تعالى وتعليقهم بالجزاء في اليوم الآخر، فإن ذلك الإيمان يجعل صاحبه في حالة من التقوى والخوف، تموت معها الأنانية وحب الذات، والميل إلى ملذات الدنيا، ليستيقظ إلى جانبها قوة الروح والسمو النفسي[16]، وحب بذل الخير للناس.

 

2) تقوية روابط الأخوة الدينية بين المسلمين، وتقوية الحس الاجتماعي، والحرص على تحقيق المصالح العامة للمسلمين قبل المصالح الخاصة، والسعي الحثيث في إزالة الضغائن والعداوات الواقعة بين أفرادهم وجماعاتهم، ومما يسهل هذا الأمر: أن يعلموا أن إصلاح ذات البين هو أفضل الأعمال، وأن اجتماعهم وتآلفهم من مقتضيات الإيمان وشروطه، كما أنه سبب من أسباب النصر، وتحقق المصالح العامة للجميع[17].

 

3) تكليفهم بالقيام بالدعوة إلى الله والجهاد في سبيله. ومسئولية الدعوة إلى الله ذات شقين:

♦ مسئولية خاصة تتصل بخاصة النفس وما يترتب عليها من تبعات وتكاليف فردية.

♦ مسئولية عامة تتجاوز النفس إلى الناس والمجتمع والعالم، وما يترتب عليها كذلك من أعباء ومهمات في هذا النطاق.

 

والصحابة قد امتلأت نفوسهم بالشعور بالمسئولية الذاتية، وأصبح استعدادهم كاملا لتلبية حاجات هذه المسئولية من النفس والجهد، فلا ينتظرون التكليف من رسول الله صلى الله عليه وسلم لينهضوا بأعباء ومهمة نشر الإسلام، وإنما تولد في أعماقهم الشعور بالمسئولية، وجرى في أعماقهم إحساس رباني بالتكليف[18]، فشعر كل فرد منه بأن عليه دورا يؤديه تجاه دينه الذي يؤمن به، وكان شغلهم الشاغل نشر الإسلام، فما أن تم الفتح حتى أتى كل واحد بأبيه أو بأخيه ليبايع على الإسلام وينضم إلى حزب المسلمين[19].

 

وهذا أبو محذورة[20] رضي الله عنه، ما أن يسلم ويتلقى الأذان من في النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يقول: يا رسول الله، مرني بالتأذين بمكة. فقال: قد أمرتك به))[21].

 

ومن إشعارهم بالمسئولية، تكليفهم بحمل أمانة التبليغ لمن وراءهم، بقوله صلى الله عليه وسلم: ( وليبلغ الشاهد الغائب))[22].

 

أما إذا كلف أحدهم بعمل جهادي أو دعوي، فإن نفسه لا تهدأ حتى ينجزه على أفضل وجه، كما حدث مع خالد بن الوليد رضي الله عنه حين وجهه النبي صلى الله عليه وسلم لهدم العزى، فهدمها، ثم أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالرجوع ثانية وقال: ( فإنك لم تهدمها، فارجع إليها فاهدمها))، فرجع متغيظا، فخرجت إليه امرأة سوداء عريانة فقتلها[23].

 

 

fwaseeel33.png

 

 

وما أحوج دعاة اليوم إلى الشعور بالمسئولية تجاه هذا الدين، فالدعوة إليه لا تعني فقط أن يعظ الداعية شخصا ما، أو أن يلقي محاضرة على مجموعة من الناس، أو يؤلف كتابا، أو ينكر منكرا، بل إن الدعوة عمل يتطلب البذل المستمر، والتضحية بالوقت وبالمصالح الشخصية والمال والنفس وكل ما يملكه الداعية، ومع العطاء لا بد من الصبر والاحتساب للاستمرار في هذا الطريق، لتأدية حق هذه الأمانة، وذلك لا ينبع إلا من شعور قوي بالمسئولية دافع إلى القيام بالدور المطلوب.

 

 

 

رابط الموضوع: http://www.alukah.ne.../#ixzz3FDObN4DN

 

 

fwaseeel22.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

جزاكِ الله أختي الحبيبة أمة الله خيراً على هذا المقال القيم

لا حرمك الله تعالى الأجر

 

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومعلمنا محمد وعلى آله وأصحابه الكرام

تم تعديل بواسطة عروس القرآن

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

مقال قيم

جزاك الله خيرا وجعله في ميزان حسناتك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×