اذهبي الى المحتوى
ميرفت ابو القاسم

نظرات في سورة الأنفال [1] للشيخ أبو إسحاق الحويني

المشاركات التي تم ترشيحها

السلام عليكم ورحمته وبركاته

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نظرات في سورة الأنفال

إن سورة الأنفال من السور المليئة بالدروس الإيمانية، وقد نزلت هذه السورة عقب وقعة بدر، وذكر الله في مطلعها أحكام الأنفال والصفات التي ينبغي للمؤمنين الاتصاف بها ليتحقق لهم النصر على عدوهم والتمكين في الأرض، ومعلوم أنه لن يتحقق النصر لهذه الأمة حتى تتخلص من شوائب الحزبية والقومية، وتتمثل بصفات المؤمنين المجاهدين.

 

يتبع بإذن الله~

تم تعديل بواسطة ميرفت ابو القاسم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إن تنصروا الله ينصركم

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فهذه نظرات مجملة في سورة الأنفال: دعت إليها الحالة الراهنة التي يعيشها المسلمون مع اليهود في الأرض المحتلة.

أيها الإخوة: إن أعجز الناس وأحمقهم من يطلب النصرة من عدوه، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} [آل عمران:118]، أي: إذا أردت أن تتخذ بطانة -والبطانة إنما تتخذُ للمشورة والنصرة- فإياك أن تتخذ من دونه، أي: مَنْ ليس على دينك، وليس على مذهبك، إياك أن تتخذه بطانة لماذا؟ ((لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا)) أي: لا يقصرون في إعناتكم وفي التغرير بكم، هذا كلام الله للذين آمنوا.

إنما السياسة التي لا دين لها قاتلها الله؛ هي التي أودت بالمسلمين إلى هذا الدرك الأسفل من الذل والهوان والعار، ولذلك افتتح الله عز وجل سورة الأنفال التي نزلت بعد غزوة بدر، بأوصاف الذين آمنوا: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال:2 - 4]، ثم بدأ يسرد وقائع الغزوة.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

ضرورة صفاء المنهج والعقيدة من أجل النصر

موقفنا الرسمي من الشيعة أنهم متطرفون، وأنهم أعداؤنا، وأن أي شخص يضبط متورطاً بأية مشكلة يقال: إنه تبع إيران، والعلاقة الرسمية مقطوعة مع إيران.

حزب الله الذي في لبنان حزب شيعي، استطاع أن ينتصر انتصاراً جزئياً بعد مرور سبع عشرة سنة على احتلال اليهود لجنوب لبنان، واستطاع أن يخرج هؤلاء اليهود من الأرض، حتى الآن لا زالوا يعزفون ويتشرقون بهذا الانتصار.

أمةٌ مهزومة في كل المجالات، حتى في لعب الكرة مهزومة أيضاً! ما صفا لها لعبٌ ولا جد، أمةٌ على هامش الأرض، رأت عز اليهود واستطالتهم، وأنهم يملكون كل شيء في العالم، الآن لما هُزموا هزيمةً جزئية، فدخل هؤلاء المهزومون بنشوة الانتصار، ويصورون القتل كأنه فيلم مثلما صوروا حرب الخليج، حرب الخليج كانوا يصورون طلعات الطيران، والطائرات تنسف المباني، وتقتل المسلمين العزل وغيرهم من الأطفال، بسبب قتل اثنين من إسرائيل.

هذه الحرب كلها لأجل الدين الذي مزقه المسلمون هناك في الأرض المحتلة تمزيقاً، رداً على مقتل مائة مجرم، لأجل اثنين الضربة مستمرة حتى الآن، ونطالب بضبط النفس! هذه أول السلبيات.

وثاني سلبية: أن يمجد مثل حزب الله وإن كان قد انتصر، فالمسألة في النهاية مسألة عقيدة، الفرقان بيننا وبين أهل البدع هو العقيدة، والمنهج.

نحن لا نراهن على المنهج والعقيدة مهما كنا مهزومين، لكننا نطالب أهل السنة أن يتقوا الله تبارك وتعالى، وأن يحققوا شرط الإيمان، وشرط العبودية التي أمرهم رب العالمين تبارك وتعالى بها، وذلك هو جهاد النفس، إذ لا يطلب أن تقاتل وتجاهد عدوك وأنت لم تنتصر على نفسك، ولا يمكنك أن تنتصر على عدوك في الخارج، هذا مستحيل؛ لأن هذا العدو الكامن في النفس يخذلك، ويقول لك: ستقتل، ويقسم ميراثك، وتتزوج امرأتك، ثم ماذا تفعل وأنت فردٌ واحد؟ وعدوك عنده من العتاد كذا وكذا، ومن العدة كذا وكذا، والدنيا كلها صارت دولةً له، فيخذلك فلا تستطيع أن تقوم.

وبناءً عليه ضيعت الأوامر والنواهي، وانتهكت الحرمات، إن أمرت بشيء لم تفعله، وإن فعلته لم تفعله كما أمرت به، وثمة خلل يملأ ديار المسلمين، وهو الشرك والبدع، ومما يدل على ذلك أنه يزور قبر البدوي أربعة ملايين، لا تجد هذا العدد عند الكعبة ولا في عرفات ولا في منى، ويلمع في الليلة الختامية، ويحضرها أكبر الشخصيات، وهذا محفل شركي لا يعبأ الله به، لو دعا كل هؤلاء أنى يستجاب لهم، لا يعبأ الله عز وجل بهم، قال تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا} [هود:112] (لا تطغوا)، أي: لا تتجاوزوا حد الاستقامة.

إن الله عز وجل أنزل رسوله بالدين الحق، ومع ذلك تجد في بلاد المسلمين أحزاباً: الحزب الفلاني له تصور في إقامة الحياة وفي حكم الناس، الحزب العلاني له تصور مخالف، وأين حكم الله عز وجل؟ وكأن الله ما أنزل كتاباً ولا بعث رسولاً، حتى بدأ الناس يفكرون كيف يحكمون الناس؟ وكل حزب له تصور، الإسلام خارج كل هذه الأحزاب، يظلون يتكلمون الساعة والساعتين والثلاث لا يذكرون الله، ولا يذكرون الإسلام ألبتة فأنى ينصرون؟!

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

لابد من الإيمان لحصول النصر

ما معنى ذكر هذه الأوصاف في ذكر بدر؟ معناها أيها الإخوة: أن نكون مسلمين، إذا أردتم أن تظفروا على عدوكم، ولو كان عددكم وعتادكم قليلاً، كما كان إخوانكم من الأسلاف في بدر، ونصرهم الله نصراً مؤزراً برغم أنهم لم يأخذوا أهبة غزوهم، وما خرجوا لقتال، ولم يكن معهم غير فرسين اثنين فقط، وكان الثلاثة يعتقبون البعير الواحد، وكانوا يقتسمون التمرات، وكانوا جياعا: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال:26]، وقال لهم الله جل وعلا: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران:123].

فإذا أردتم أن يكون النصر حليفكم كما كان حليف الأسلاف في بدر مع ذلهم وقلتهم؛ فعليكم أن تكونوا من المؤمنين أولاً، فلابد من شرط الإيمان، قال تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج:40 - 41].

الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة: اليوم ثلث الأمة لا يصلون، ولا يسجد لله ركعة.

والزكاة صار أداؤها شيئاً شخصياً، مع أن الدولة يجب عليها أن تجبر المواطنين على دفع الزكاة، وإذا رفض رجلٌ دفعها يقاتل حتى يقتل؛ لأن الزكاة حق الله في المال، وهذا هو الذي فعله أبو بكر رضي الله عنه، وشايعه جماهير الصحابة آنذاك، وقد صار دفع الزكاة شيئاً ثقيلاً، كم من المسلمين لا يدفعون زكاة الأموال! وكثير من الذين يدفعون الزكاة إنما يدفعونها بالتشهي، وبالتقتير الشخصي، فهؤلاء لا يُمكَّن لهم في الأرض أبداً ولو ظلوا ألف عام يصرخون بمكبرات الصوت، ويحرقون الأعلام، ويقذفون عدوهم بأشنع العبارات، فإن الوضع باقٍ كما هو.

إنما النصر من عند الله تبارك وتعالى ليس من عند أحد، وإنما ينزله على عباده المؤمنين.

استنجدوا بالأمم المتحدة، والأمم المتحدة هي التي صنعت إسرائيل، هي التي وضعت اليهود في أرض المسلمين، فهذا لا يفعله عاقل يعقل ما يقول: أن يأتي الأمم المتحدة ليستجير بها، فهو كالمستجير من الرمضاء بالنار، فكانت النتيجة: أن الأمم المتحدة أدانت الفلسطينيين وقالت: أنتم السبب، أنتم الذين استثرتم شارون، وأنتم لم تتعاملوا معه كرجل كبير صاحب دولة، إنما أطلقتم عليه الصغار؛ فكانت النتيجة هذه الشرارة فأنتم السبب.

لابد من اعتذار رسمي، وسيعتذرون، ونظل سنتين أو ثلاثاً نحقق في هذا الهجوم الفلسطيني على اليهود، وبعد سنتين أو ثلاث يتولاها وغد آخر غيره وتبدأ المجابهات مرة أخرى، ويدانون ويدان عليهم، ونظل مائة سنة نحقق من الغلطان.

هذه مسألة مكشوفة لأي رجل عنده (أ، ب) فهم لليهود، و (أ، ب) فهم للإسلام، لكن قلت لكم: السياسية التي لا دين لها.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

دروس النصر من غزوة بدر

غزوة بدر: جاءت على خلاف مراد الصحابة: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} [الأنفال:7]، الطائفة الأولى: العير، والطائفة الثانية: النفير.

فخرج النبي صلى الله عليه وسلم مع الصحابة لإصابة الطائفة الأولى، وقوله: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) لم يعين للمسلمين الطائفة، بل أبهم الأمر؛ لكن لابد من النصر والظفر، لأن الله عز وجل قال: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ)، هذا وعد من الله لا يتخلف، إما الطائفة هذه أو هذه، فهذه مسألة مقطوع بها ومنتهية: أنه لابد أن يظفر المسلمون أو يغنموا.

الطائفة الأولى: العير، خرج النبي صلى الله عليه وسلم مسرعاً لما علم بالعير، وكان موقناً أنه إذا ظهرت العير سيأخذها؛ لضعف حاميتها، لأنهم أربعون رجلاً لا أكثر، وهم غير مدججين بالسلاح الذي يمكنهم من خوض حرب متوقعة أو غير متوقعة، إنما معهم اليسير من السلاح احتياطاً إذا اعترضهم لص أو اثنان أو عشرة لصوص ونحو ذلك، فالسلاح الذي مع الحامية ليس سلاح حرب.

خرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً كما في الصحيح، وأرسل أبو سفيان -لما علم بما عزم عليه المسلمون- وعدل أبو سفيان عن طريق القافلة المعتاد وسلك طريق الساحل وهرب، ففاتت الطائفة الأولى على المسلمين.

ظنوه نصراً عاجلاً مختطفاً، يأخذون العير ويرجعون، لكن أمر الله قدرٌ مقدور: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} [الأنفال:7]، (غير ذات الشوكة) هي العير، ما فيها شوكة ولا فيها حرب، ولا فيها قتال ولا قتل ولا ذبح، بل يأخذونها بلا مجهود، يقول: أنتم تودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم، {وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} [الأنفال:7]، إذاً: لابد أن تصيبوا الطائفة الثانية وتقع حرب؛ لأن المسألة ليست مسألة أن تأخذ أموالاً فحسب، المسألة مسألة إظهار الحق، نعم لكم أن تغنموا من المشركين أموالاً؛ لكن ليست هي القضية الأساسية، المسألة التي من أجلها بعث الله الرسل وأنزل الكتب، والملاحاة المستمرة بين الحق والباطل، حتى يمحص أهل الحق ويظهر الحق على أيديهم.

((ويريد الله)) هم يودون أن غير ذات الشوكة تكون لهم، ولكن الله لا يريد ذلك، فكان ما أراد: أفلتت العير، فلما أفلتت العير علم المسلمون أي الطائفتين أراد الله، فكان النفير.

بدأ بعض الصحابة يقول: نحن غير مستعدين، نحن ما خرجنا لقتال، فدعونا حتى نأخذ أهبة: {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ} [الأنفال:6] العير أفلتت، فلم يبق إلا النفير، وهذا هو الذي تبين وظهر، فيجادلونه في الحق الذي تبين والذي ظهر: (بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ} [الأنفال:6].

إذاً: قضى الله عز وجل أن يلتقي المعسكران على غير ميعاد، فلم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يطرح نفسه على عتبة عبودية الله رب العالمين؛ لأن الحل الوحيد أن ينصرهم وأن يأخذ بأيديهم؛ ولذلك نظر إلى أصحابه الذين خرجوا من ديارهم وأموالهم فداءً لله تبارك وتعالى، ونصراً لدين الله عز وجل، لم يلتفت واحدٌ منهم إلى داره، ولن يتأسف أنه فقد أمواله التي جمعها طيلة حياته، إذا كان الله عز وجل هو المقصود، ومن أجله عملوا، وفي سبيله خرجوا، لم يلتفت ولم يندم واحد من هؤلاء الذين تحقق فيهم الإيمان، والصفات التي بدأ الله عز وجل بها سورة الأنفال.

خرج المسلمون العزل الذين لم يكن معهم غير فارسين، ونظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فبالغ في الدعاء، وفي رفع يديه؛ إشارةً إلى الاستسلام الكامل والانخلاع من الحول والقوة: اللهم إنهم جياع فأطعمهم، اللهم إنهم عراةٌ فاكسهم، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض.

حينئذٍ أمسك أبو بكر بمنكبيه صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله! بعض مناشدتك ربك، فإنه منجزٌ لك ما وعد)، الدعاء -يا إخوان- كم أسقط من ممالك وكم رفع! فلا تستهينوا به، إن الدعاء هو السبب الموصول بينكم وبين الله، {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان:77].

لولا أنكم تدعونه بتضرعٍ وتذلل لم يعبأ بكم، ولستم في ميزانه شيئاً مذكوراً، الدعاء بإخلاص أن ينصرنا الله عز وجل، لكن مسألة النصر مشروطة بما ذكر في قوله: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40]، قويٌ لا يغلب، عزيز لا يجار عليه.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إيجاد العزة للإسلام والتربية عليه

اليهود لن يغلبهم إلا المسلمون وليس العرب، النعرة القومية ضيعت الأرض، ومثيروا النعرة القومية رعاع سوقة على هامش الدنيا، لن يعيد الأرض، ولن يعيد العرض، ولن يعيد المجد إلا الإسلام، ويوم نرفع راية الإسلام نكون أعزة، ولن تكون عندنا قزامة وحقارة وانهزامية، كثير من الناس لا يصرح بلفظ الإسلام لأنه عار وعيب، واستطاع اليهود أن يصوروا الجهاد للعالم بأنه إرهاب ووحشية، ودماء ودمار، وبدءوا يدندنون ليلاً ونهاراً: ما أنتج الإرهاب الإسلامي (الجهاد) إلا دماء، وحشية، إبادة جماعية، عدم رحمة للأطفال، قتلاً للنساء.

واستمروا أكثر من قرن يتكلمون على الجهاد ليل ونهار بهذه الطريقة، فلما خرج جيل ضعيف في ديار المسلمين، وراجت هذه الحملة، بدءوا يعتذرون عن هذا يقولون: نحن لا نقول جهاد، نحن الحرب عندنا حرب دفاعية، وهكذا.

ويتكلمون عن الرق، الإسلام ينهى عن الرق، والإسلام ينهى عن استعباد الناس، فنقول: لماذا صورتموه هكذا؟! إن الدول الكبرى تسترق الدول وليس الأفراد فحسب، الدول الكبرى استرقت المسلمين الآن، فتش عن محقنة دم في أي قربة دم في العالم تجد أنها دم مسلم، فهذا استرقاق، أي حصار على أية دولة، هذا استرقاق، يمنع الداخل والخارج عنك، يميتك جوعاً، هذا هو الاسترقاق، لماذا لم تتكلموا عن هذا الرق؟ رق المسلمين كان أشرف.

مسلم يسترق كافراً، يأتي الكافر يدخل ديار المسلمين فيرى المسلمين فيسلم، ومع ذلك علقت كثير من الكفارات على إعتاق الرقاب، لا يقال: إذا كان عبداً يضل عبداً إلى أن يموت، لكن كثيراً من الذنوب والخطايا كانت المكفرات متعلقة بإعتاق رقبة وتحرير رقبة، وندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى عتق الرقاب، فقال: (ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين، من ضمن الثلاثة هؤلاء: رجل عنده جارية، فأحسن تعليمها وتأديبها وأعتقها وتزوجها)، فالإسلام يحض على مسألة عتق الرقاب.

ومع ذلك لو بقي في ديار المسلمين هذا الكافر -الذي صار عبداً بعدما كان سيداً وأذله الله بكفره- لكان خيراً له؛ لأنه في النهاية يرى المسلمين، ثم يسلم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عجب ربك من قومٍ يدخلون الجنة بالسلاسل)، وهم الكفرة الذين دخلوا الإسلام بسلاسل الحرب، ولم يدخلوا الإسلام عن طواعية، ثم هؤلاء يتكلمون عن الرق!! فيأتي المهزومون روحياً وعقلياً، والذين لم يشربوا الإسلام من منابعه الصافية، فيرون أن الجهاد عار، وعليك ألا تنطق بكلمة الجهاد، لأن الجهاد عندهم وحشية ودمار، وهتك للأعراض والدماء والأموال إلخ، فيعتذر من الجهاد، مع أن الجهاد ليس كذلك.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إعداد جيل التمكين

{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ} [الحج:41]، أنت رب أسرة ممكن في الأرض على أسرتك، لماذا لا تصلي امرأتك؟ لماذا لا يصلي أولادك؟ لماذا لا يصلي خدمك؟ إذا كنت صاحب محل، إذا كنت صاحب شغل والعامل لا يصلي، إذا قصر عامل في أي شغل عاقبته، وربما تفصله من العمل، وربما تقيم عليه محضراً في القسم؛ لأنه أهمل في البضاعة، وأهمل في الشغل، وخسَّرك، مع أنه لا يصلي، ويسبُّ الدين وأنت تسمع ذلك، ثم إذا قيل لك: لم لا تنصحه؟! قلت: أنا ماذا أعمل لهم؟ العمال كلهم هكذا.

مع أن هذا العامل الذي يبحث في ذلك الوقت عن عمل، والدنيا كلها متعطلة، لو علم أنك ستفصله لأجل أنه لا يصلي؛ سيصلي ولو نفاقاً.

إذاً هذا بمنزلة الخادم تماماً، طالما أنه يعمل لديك فأنت مسئول، لا تقل: أنا لا ذنب لي، لأن هذا ذنبك، وأنت مسئول عن عدم صلاة العامل الذي يعمل معك، سرحه لله، {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ} [الحج:40]، لن يتعطل عملك، ولن تترك شيئاً لله عز وجل في شيء فتجد فقده أبداً، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من ترك شيئاً لله عوضهُ الله خيراً منه).

وهذا وعد من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فالآن أول الدرجات: إصلاح البيوت.

إننا لو خرجنا جميعاً بما فينا من خبث فلن ننتصر على اليهود، أرجو أن لا تحركنا العاطفة، ونتصور أن خروج الآلاف المؤلفة يمكن به أن تنتصر على اليهود.

رئيس الوزراء الإسرائيلي لما يريد أن يقرأ نصاً من التوراة وهو يخطب في الكنيست يخرج الطاقية السوداء ويلبسها؛ لأن هذا تقليد عندهم، والتوراة المحرفة محترمة عندهم؛ لأن لها قيمة دينية.

بعض المسرحيات -في بلاد المسلمين- أتوا فيها برجل معمم يرقص، وكان أحسن واحد يرقص في المسرحية! رجل معمم بعمامة رجل الدين، عمامة العلماء، ويلبس الجبة! وهؤلاء يستهزئون بدينهم إلى هذا الحد! لو جاء عابد بقر، أو عابد حجر ويوقر الحجر، فإنه يغلب هؤلاء، هذهِ سنة الله الكونية، والله لا يحابي أحداً من عباده، كما لم يحاب الصحابة في يوم حنين لما قالوا: لن نغلب اليوم من قلة، فركنوا إلى الكثرة فهزموا: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران:126].

فأول مراتب الجهاد مجاهدة النفس، إذا كنا نريد أن نقيم الجهاد ونحرر الأرض، فإنها لن ترجع إلا بهذا.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الجهاد لإعلاء كلمة الله

الجهاد إنما شُرعَ لإعلاء كلمة الله، وأهل الأرض ثلاثة: إما مسلم أو كافر أو منافق: مسلم لا يتوجه له إلا نصرة الدين والإسلام؛ لأنه هو المخاطب في النصوص، فما بقي غير صنفين: الكافر والمنافق، قال صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله) (الناس) في الحديث هم الكفار والمنافقون، فالمنافق يظهر كلمة الإسلام ويبطن الكفر حتى يستبقي دمه وماله ويعيش بأمان، فهذا المنافق تلقائياً سينضم إلى المسلمين.

إذاً: من الذي بقي؟ الكفار، فيقال لهم: ادفعوا الجزية وخلوا بيننا وبين الناس، إذ لا يجوز لأحدٍ أن يحجب الحق عن أحد، ونحن لا نقنع الناس بالضرب، نحن نعرض الحجة، فخلوا بيننا وبين الناس وادفعوا الجزية، إذا قالوا: نحن موافقون على أن ندفع الجزية فستضع الحرب أوزارها، لأننا لا نقاتل الكافر طالما أنه يدفع الجزية، وطالما أنه وافق على الشروط.

وإذا قال: أنا لا أسمح لك أن تنشر دينك، ولا أن تنشر الحق الذي تعتقده، ولن أدفع الجزية؛ حينئذٍ ما بقي إلا الحرب، لأنه صد عن سبيل الله.

ليس الجهاد أن يخرج المسلمون من ديارهم لمجرد خاطر خطر على بالهم أن يخرجوا ويستولوا على الأموال ويقتلوا الناس بلا هدف، هذا لم يحدث في تاريخ الإسلام قط، إذاً الجهاد إنما هو لإعلاء كلمة الله.

ثم إن جهاد العدو في الخارج يسبقه جهاد المنافقين، وجهاد النفس؛ لذلك لا يزال سيف المسلمين كليلاً مع العدو الخارجي حتى يحققوا مواطن الجهاد الثلاثة التي تسبق جهاد العدو الخارجي، ومنها جهاد النفس، وقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث فضالة بن عبيد الذي رواه أحمد وابن حبان والحاكم: (من المؤمن؟ قال: من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم.

قالوا: ومن المسلم؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده.

قالوا: من المجاهد؟ قال: من جاهد نفسه في ذات الله أو في طاعة الله.

قالوا: من المهاجر؟ قال: من هجر الخطايا والذنوب).

إذاً: المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله.

بيوتنا مليئة بالمخالفات.

نريد أن ننتصر ونكون جادين، ونظن الطريق غير طويل، البعض يقول: الطريق طويل، وأنا حتى أربي نفسي وأربي عيالي، سأكون قد مت أنا وعيالي، نقول: نعم يا أخي! مت متعبداً لله، إن الذي يزرع النخل لا ينتظر نتاجها، وإذا قيل له: لم تزرع النخلة وهي لن تعطيك البلح ولن تنضج إلا بعد عشر سنوات أو بعد سنوات؟! يقول: كما زرع أجدادي وأنا آكل من غرسهم، كذلك أزرع حتى يأكل أحفادي من غرسي.

إذاً: أنت تورث العبودية، هي هذه الجدية في الجهاد.

ونحن قصرنا في أن نأخذ الأمر بمأخذ الجد، لا تقل: إن الدنيا كلها مخالفات وأنا فرد؛ فإن الله عز وجل نصر أهل بدر وهم أذلة، والمسألة واضحة: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران:126].

لو أن هناك مائة من طراز أهل بدر لفتحنا الأرض المحتلة، مائة من ذلك الطراز النفيس الذين نوه الله بهم في مطلع السورة: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} [الأنفال:2]، و (إنما) عند أكثر العلماء تفيد الحصر: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال:2]، والوجل هنا ليس المقصود به الخوف المحض المجرد، بل المقصود به: الخوف الذي يخالطه شوقٌ ومحبةٌ وتعظيم، فليس خوفاً مجرداً، بل هو ما يعتري القلب من الوجل عند سماع من يحب.

كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه أحدٌ ممن يمت إليه بصلة، ولو كان قريباً لمن يحبهم، كما كانت أخت خديجة رضي الله عنها، كان يصيبه مثل هذا، طرق عليه الباب يوماً فسمع صوتاً قال: (اللهم هالة) وهو في الصحيحين - البخاري ومسلم - قال: (فارتاع لذلك) أي: نبض قلبه بشدة لمجرد أنه سمع الصوت الذي يُذكِّره بمن يحب، فارتاع لذلك، واللفظ الثاني: (فارتاح لذلك، وقال: اللهم هالة) فالوجل ليس خوفاً مجرداً، إنما هو خوف مع حب.

{الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال:2]، وهذا هو عامل الحب في الوجل، يسمع كلام من يحب فيزداد شوقاً، ويزداد تعلقاً، ولله المثل الأعلى.

مثل إنسان يكون له حبيب وأرسل له خطاباً، وهو كل يوم يفقد من قلبه شيئاً شوقاً لهذا الحبيب، وبين الحين والحين يُخرج الخطاب ليقرأ منه، ويظل يتأمل الحروف، ويقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، ستمائة مرة، ويقرأ (إلى فلان الفلاني) لاسيما إذا ذكره بلفظ المحبة: إلى حبيبي، أو: (إلى عزيزي)، أو: إلى قرة عيني، يظل واقفاً عند هذه الجملة لا يريد أن يقرأ غيرها، ويسرح في الماضي وأيام اللقاءات، وأيام الجلسات الجميلة والطيبة، فيزداد شوقاً على شوق، ويعد الأيام والليالي، بل الثواني متى يلتقي بحبيبه! كذلك حال الذين يحبون الله تبارك وتعالى، مع الخوف منه، وعدم التجرؤ على حدوده، بل عدم الاستطاعة أن يفكر أن يتجرأ، هذا الذي خالط قلبه هذا الوجل -الذي هو الخوف والحب المخلوط- إذا قرأ آيات الله ازداد محبة، فإذا قال الله عز وجل له: (اقتل روحك، يقول: حباً وكرامة) كما في الصحيح أن عمير بن الحمام لما أصابه سهم قال: فزت ورب الكعبة، يقول: فزت؛ لأنه متحقق، يريد أن يلقى ربه تبارك وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا).

إذاً: الحاجز بيني وبين رؤية ربي أن أموت! فقال عمير: إنها لحياةٌ طويلة حتى آكل هذه التمرات، فقاتل حتى قتل.

{وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال:2]، مثل هذا لا يخالف لا في قليل ولا في كثير، {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

تنازع المسلمين على الغنائم يوم بدر

الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

جاء ذكر المؤمنين في مطلع السورة، ولكن سبق هذه الأوصاف الآية التي افتتح الله عز وجل بها السورة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} [الأنفال:1 - 2].

الذي حدث أن المسلمين اختلفوا على الأنفال في الغنائم التي غنمها المسلمون يوم بدر، لا ينبغي أن يختلفوا على مال وقد تركوا أموالهم خلف ظهورهم، فلا يليق بهم بعدما ضحوا بالغالي والنفيس أن يختصموا على الأنفال -والأنفال: جمع نفل، وهي الغنائم.

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}: قضيت المسألة، فليس لأحدٍ أن يقول: أنا لي الغنيمة الفلانية، وأنا لي كذا أو كذا طالما أنها لله والرسول.

ثم ذكرهم بصفات المؤمنين الذين يعبأُ الله بهم، والذين يحبهم الله عز وجل، فكأنما قال: أفلا أدلكم على خيرٍ مما تختصمون فيه؟! إنني إذا ذكرت عند أحدكم اضطرب قلبه خوفاً وحزناً، ولو ذكرت آياتي عندك أن تزداد بها إيماناً وترضى بالله قسماً

 

فهذا أفضل من أن تحصَّل غنائم الدنيا.

ومما أنزل الله: (الأنفال لله والرسول)، أليست هذه آياته زادتهم إيماناً، ولم يقل: زادتهم جشعاً وطمعاً وخلافاً، بل قال: زادتهم إيماناً، وكان الصحابة إذا ذكروا ذكروا وارتفعوا حتى يصلوا إلى مدارات الأفلاك.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

حل الغنائم للمسلمين دون غيرهم

فالله تبارك وتعالى يقول للمسلمين: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال:1] طالما أنك مؤمن، وإذا ذكر الله وجلت، وإذا تليت عليك آياته ازددت إيماناً ولم تزدد جشعاً، فالأنفال لله والرسول، وحلت مشكلة الأنفال كلها بنزول هذه الآية.

ثم كانت النتيجة: أن الله عز وجل أغنم المسلمين النفير، فلما فاتت عليهم العير أباح لهم الغنائم إلى يوم القيامة تعويضاً، وما أبيحت لأحد قط من لدن آدم عليه السلام؛ ولو أخذ المسلمون العير لكان انتصاراً جزئياً، وكان سيستمتع بالعير الصحابة فقط، ولكن من بركات الطاعة: أن الله أباح الغنائم لهذه الأمة إلى يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: (لم تحل الغنائم لسود الرءوس غيركم)، وقال صلى الله عليه وسلم تعقيباً على حديث يوشع بن نون الذي رواه الشيخان: (فلما رأى الله عز وجل عجزنا وضعفنا أباحها لنا) يعني الغنائم.

إذاً: ما فاتهم شيء على الحقيقة، ما فاتهم لا العير ولا النفير، بل الذين أحرزوه من إصابة الغنائم إلى يوم القيامة كان أعظم من إصابة العير.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يهيئ لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعته، ويذل فيها أهل معصيته، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى به عن المنكر.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم اجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا رب آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الغنيمة الحقيقية

في غزوة حنين اختصموا على الغنائم أيضاً، لما بدأ النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم، والعامة الذين تأخر إسلامهم، وترك المؤمنين الخلص الذين أبلوا بلاءً حسناً في القتال، فالشباب لم يعجبهم هذا الكلام، وقالوا: يعطي قريشاً وسيوفنا تقطر من دمائهم، ما هذا بالنَّصَف.

يعنون أن هذا ليس إنصافاً، المفروض أن الذي قاتل وضحى بنفسه هو الذي يأخذ المال، والمؤلفة قلوبهم لم يبلوا بلاءً حسناً، ثم إذا به يعطيهم الأموال فما هذا بالنَّصف.

بلغت هذه الكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعالجها علاجاً حكيماً، فلم يعاتب ولم يعنت، إنما دعا الأنصار، وقال: (يا معشر الأنصار! مقالة بغلتني عنكم، أنكم قلتم كذا وكذا.

فقال كبراء الأنصار: أما الشيوخ فلا) أي: الكبار، الناس الذين أسلموا قديماً ما قالوا هذا الكلام، قالوا: إنما قاله بعض صغارنا.

فجمعهم وقال: (هل فيكم أحدٌ من غيركم؟) وهذا كله من أجل أن يبين الحظ والقسم الذي أصاب الأنصار، كأنه لا يريد أن يكون أحدٌ من غير الأنصار يدركهم في هذا الذي سيقوله، (قالوا: لا.

قال: يا معشر الأنصار! ألا تحبون أن يرجع الناس إلى رحالهم بالدينار والدرهم، وترجعون أنتم برسول الله تحوزونه في رحالكم)، عندما تخير بين مال أو يبقى الرسول معك؛ ماذا تختار؟ لا يتردد مثل الأنصار، ولا يتردد أي مسلم أن يلفظ بها حتى لو انعقد قلبه على خلافها، لا يستطيع إلا أن يقول: نعم، أرضى برسول الله قسماً، حتى لو كان قلبه يأباه، لكنه لا يجرؤ على النطق بها.

الناس رجعوا بالدينار والدرهم والمغانم، وأنتم رجعتم برضا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنكم، ومحبته لكم، ودعائه لكم، (فبكوا جميعاً، وقالوا: رضينا برسول الله قسماً.

قال: اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار)، هذا هو الذي حازه الأنصار حقيقةً، أما الدينار والدرهم فليس له قيمة.

كان في زمان الأئمة الكبار والتابعين أناس لديهم أموال لا تقدر، الآن ماتوا وماتت أموالهم، ولا نعلم عنهم شيئاً، ولم يبق إلا أهل الآخرة، هم الذين يذكرون على المنابر وفي الجلسات ويترضى عنهم، كم من غني كان في زمان الإمام أحمد أو الإمام البخاري لا نسمع عنه شيئاً، وكان الإمام أحمد رجلاً فقيراً، وكان الإمام الشافعي رجلاً فقيراً، مات أصحاب الأموال التي هي بالمليارات ولا نعلم عنهم شيئاً، وما بقي إلا هؤلاء.

ماذا يعني أن معك ديناراً أو درهماً؟! هؤلاء معهم دعوة النبي صلى الله عليه وسلم المستجابة: (اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار، ثم قال لهم: الأنصار شعار والناس دثار) يا لها من بشرى! ويا له من عطاء لا يقبله إلا أهل الإيمان ممن اتجهت قلوبهم إلى الآخرة! (الأنصار شعار) والشعار هو اللبس اللين الداخلي الذي يلاصق جسدك مباشرة، هذا اسمه شعار.

والثياب العليا اسمها دثار، فممكن الإنسان أن يلبس الدثار، والدثار صوف خشن، لكن لا يستطيع الإنسان أن يلبس صوف الغنم على جلده، فكأنه قال: أنتم أقرب إليّ كقرب هذا الثوب الناعم للجلد.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

نظرات في سورة الأنفال [2]

لقد وصف الله المؤمنين في سورة الأنفال بصفات كريمة، ووصف الكافرين بصفات ذميمة مقابلة لصفات المؤمنين، ومن هذه الصفات المذكورة نستطيع أن نعرف أسباب النصر والهزيمة لأمتنا.

ولما تخلى المسلمون اليوم عن صفات المؤمنين، وصاروا يتبعون الكفار، ويهتمون بالدنيا، ويستهينون بالدين، سلط الله عليهم الكفار، فاستباحوا دماءهم وأموالهم وأعراضهم، وصاروا يتحكمون في كثير من أمور حاتهم.

وجل القلوب من ذكر الله

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فلا زلنا -أيها الإخوة- نلقي بعض النظر على ما جاء في سورة الأنفال، ونربط بين هذه المعاني وبين واقعنا الأليم، ونستخرج أوجه الشبه بين ما كان عليه الصحابة في غزوة بدر، وبين ما نحن عليه الآن.

قال الله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال:1]، ثم ذكر خمس صفات للمؤمنين في مطلع السورة، وقد ذكرنا في الجمعة الماضية أن استهلال السورة بهذه الصفات له أكبر الأثر في انتصار القلة المؤمنة، وقد ذكر الله عز وجل في هذه السورة صفات للكافرين الذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله، وقد ذكر في مقابل الصفات الخمس صفات أخرى ولكن بالذم.

قال تعالى: {إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال:1]، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال:2 - 4]، فقد ذكر خمس صفات لهم.

وقلنا: إن الوجل هنا ليس هو الخوف المحض كما في قوله تعالى: {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ} [الحجر:51 - 52] (وجلون): أي خائفون منزعجون، فهذا هو الخوف المحض، {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ} [هود:70]، إذاً: الوجل المذكور في آية الحجر هو الخوف والفزع، (قَالُوا لا تَخَف) هذا هو الخوف المحض، أما الخوف في سورة الأنفال فهو الخوف المشوب بالمحبة، إذا سمعت ذكر من تحب فإن قلبك ينبض بشدة، وتشعر بشوق مختلط، وهذا الشوق مختلط برعدة تتسلل إلى الجسد، هذا هو الوجل المقصود من الآية.

{إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون:57 - 61]، فهذا هو الوجل المختلط بالمحبة، وتلك هي مقدمات ذكر الله، فأول ما يذكر العبدُ ربَ العالمين يشعر بالوجل، ثم سرعان ما يتبدد هذا الوجل إلى طمأنينة، {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] فليس هناك منافاة بين أن يوجل القلب عند ذكر الله وبين أن يطمئن، فإن الوجل هو مقدمة الذكر، والطمأنينة بالذكر الخاتمة.

فربنا تبارك وتعالى يذكر صفات المؤمنين، كما قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} [الزمر:23] هذا مقدمة الذكر، قال: {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:23] (تلين): هذه هي الطمأنينة، وهي آخر درجات الذكر.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الصم والبكم الذين لا يعقلون

أول الدرجات أن يوجل القلب، وهي أول الصفات التي ذكرها الله تبارك وتعالى للمؤمنين، وفي مقابل هذا قال الله عز وجل: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:22 - 23]، هذا وصف للكافرين في مقابل وصف المؤمنين فذكر الله عز وجل فقد الكافرين لأعظم حاستين من الحواس وأجل طريقين إلى الفهم، ونحن نعلم أن مستقر العقل هو القلب، وأن عقل المرء في قلبه.

ولهذا العقل طرق، أجل هذه الطرق: السمع والكلام، فقال تبارك وتعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ} [الأنفال:22 - 23] عنده الجارحة -وهي الأذن- سليمة ولا إشكال فيها، فهو سمع سمع إدراك -أي: سمع حاسة- ولكنه لم يسمع سمع فهم، بل يسمع فيزداد طغياناً، يسمع فتنقلب عليه المعاني؛ لأن الفهم منحة من الله تبارك وتعالى، كما قال عز وجل: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} الأنبياء:78 - 79].

فالفهم منحة من الله عز وجل يختص الله عز وجل بها من يشاء من عباده، فهؤلاء سمعوا سمع حاسة، ولكنهم لم يفهموا عن الله تبارك وتعالى، ولم يستفيدوا بهذا البيان الذي سمعوه وهم معرضون، وهنا تجد التباين ما بين الفئة المؤمنة وما بين الفئة الكافرة.

إننا نذكر هذا التباين لنستفيد منه في هذا الواقع المر، إن كثيراً ممن ينتسبون إلى الإسلام الآن يصنعون صنيع المشركين: يسمعون آيات الله عز وجل فيخرون عليها صماً وعمياناً.

وعندما تطالع الصحف والمجلات والكتب المنشورة، لا تتصور أننا في بلد يحكمه الإسلام، ففي كل يوم تظهر صور جديدة للردة عن الدين! ويخرج هذا باسم حرية الفكر، وأنه لا حجر على الفكر، وأن المتضرر يلجأ إلى القضاء، والقضاء لسان حاله: (مت يا حمار) فحتى يفصلوا في هذه القضية سيأخذون سنين عدداً، والاستشكالات تخرج من مكامنها.

نصر أبو زيد حتى الآن قضت المحكمة السورية بردته، تغير القاضي وجاء قاض آخر فنسخ هذا الحكم، وهذا رجل كافر، وكفره واضح مثل الشمس في رابعة النهار، ومثله ألوف مؤلفة، فكيف ينصر قوم يُسب الله عز وجل في ديارهم؟! إن الله عز وجل لما ذكر أنه عاقب المشركين قال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:13] (شاقوا الله ورسوله) يعني: كانوا في شق، والله رسوله في الشق المقابل، تخلوا عن الله ورسوله وتركوا جانبه، وكانوا مع الذين يظاهرون عليه وعلى رسوله وعلى دينه.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

نصر الله للمؤمنين في بدر مع قلتهم وذلتهم

فهذه مشاقة لله ورسوله: أن ينشر الكفر باسم حرية الرأي؛ ولذلك نحن في أمس الحاجة إلى أن نضع أيدينا على مواطن النصر، إن الفئة المؤمنة كانوا في وضع لا يحسدون عليه، وضع من جهة الموقع، ومن جهة الإمكانات كانوا في غاية الضعف، قال تعالى وهو يصور ذلك: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} [الأنفال:42].

ما معنى (العدوة الدنيا والعدوة القصوى)؟ (العدوة الدنيا) أي: المكان القريب من المدينة، حيث خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والفئة المؤمنة.

(وهم بالعدوة القصوى) أي: جهة مكة.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

@@shaimaa mhmd

 

وشكر الله لك ونفع بك أختي

بورك مرورك الكريم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

نموذج إيماني بدري

فانظر إلى هذه الطائفة تتلى عليهم آيات الله، فيزدادون بها إيماناً، وقد ظهر هذا الإيمان في جزئيات من غزوة بدر حفظتها لنا كتب السنة.

في صحيح مسلم من حديث أنس رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أول ما بدأت الحرب: (قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض.

فقال: عمير بن الحمام: يا رسول الله! عرضها السماوات والأرض؟ قال: نعم.

فقال عمير: بخ بخ -يعني: أنعم وأكرم-! فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: ما يحملك على قولك بخ بخ! قال: لا -والله- يا رسول الله! إلا رجاء أن أكون من أهلها.

قال: فإنك من أهلها.

فقام عمير وأخرج من قرنه تمرات، وجعل يأكلها، فلما تذكر هذا الوعد وأنه من أهلها، وهي جنة عرضها السماوات والأرض قال: إنها لحياة طويلة حتى آكل هذه التمرات) يعني: الذي يحجزني عن دخول الجنة التي عرضها كعرض السماء والأرض هي أن أموت (فألقى التمرات من يده وقاتل حتى قتل، فكان أول قتيل في غزوة بدر).

يقول: بخ بخ، هذا الذي يتمنى أن يموت، ترى هل تمنى أن يرجع إلى أهله، أو إلى داره أو إلى ماله، أو إلى جيرانه وعشيرته؟ لا، خرج لا يلوي على شيء إلا أن يقتل: {قُلْ هَلْ تَربَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة:52]: النصر أو الشهادة.

المؤمن عزيز، يظل في الدنيا غالباً لا مغلوباً، وهو عندما يتحرك لقتال أعداء الله يقول في نفسه: إما أن أعيش سيداً منصوراً تدين لي الآفاق، وإما أن أموت شهيداً سليماً ولا أبقى على الأرض ذليلاً.

المسلمون في الأندلس مروا بواقع أليم، فكل واحد من الأمراء أخذ مقاطعة وقال: هذه دولتي، وجعل يحارب بعضهم بعضاً للاستيلاء على أملاك الغير، الأسبان كانوا في الشمال والمسلمون كانوا في الصعيد -وجنوب أي بلد هو صعيد البلد- كان المسلمون في جنوب الأندلس والإسلام في شمال الأندلس، تصور أن طليطلة -إحدى مدن المسلمين في أسبانيا- ظل الأسبان يحاصرونها سبع سنوات كاملة، ومع ذلك لم ينجدها أحد.

وطلنكية ظل الأسبان يحاصرونها عشرين شهراً حتى أكلوا الجيف وأكلوا الفئران، بل وكانوا يأكلون الذي يموت منهم، إذا مات رجل أو امرأة كانوا يأكلون هذا الرجل أو المرأة، وبعد عشرين شهراً سقطت أيضاً؛ لأنهم انغمسوا في الشهوات والنساء والقيان، بل طاوعوا ملوك الأسبان، وأغروا ملوك الأسبان بأن يدخلوا إلى البلد؛ فلما رأى الله عز وجل ذلك منهم ضربهم بهذه الهزيمة، وليس على الله بعزيز أن يذل أمثال هؤلاء.

يا أيها الإخوة: إن عوامل النصر في غاية الوضوح، إنه لا نصر لنا على الإطلاق على اليهود إلا إذا حققنا هذه الصفات الخمس التي كانت في أهل بدر، مع قلتهم ومع ذلهم ومع فقرهم انتصروا، وكما قلت في مطلع الكلام: الأرض لم تكن تساعد هؤلاء على الكر والفر، لكن الله عز وجل يعطي من أسباب الفوز للطائفة المؤمنة ما يجل عن الحصر وما لا يخطر على البال.

قال تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال:2]، في مقابل هذا بطر وعناد: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} [الأنفال:31] فهذا الإيمان الذي كان عند الطائفة المؤمنة ظهرت مفرداته في القتال يوم بدر.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكِ

جميل يا غالية جملكِ الله بالطاعات

()

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

@@مُقصرة دومًا

 

وعليكم السلام

 

الأجمل مرورك يا حبيبة

 

وبارك الله فيك على المرور الطيب

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جوانب الضعف المادي عند المسلمين في بدر

الذي يدرس تضاريس الأرض يرى أن العدوة الدنيا كانت رمالاً رخوة، تسيخ الأقدام فيها ولا تثبت الأرجل عليها، بخلاف العدوة القصوى فإنها صخر، الواقف عليها متمكن يستطيع أن يكر ويفر ويرجع ويقدم، بخلاف العدوة الدنيا التي هي عبارة عن أرض رملية لا يستطيع المرء أن يجري فيها ولا يكر ولا يفر.

ثم هناك عامل آخر يدعو أهل مكة إلى الثبات: {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} [الأنفال:42] ذلك أن أبا سفيان لما علم بخروج النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه أخذ ساحل البحر هارباً.

(الركب أسفل منكم) أي: أنه خلف ظهور المكيين القرشيين الذين خرجوا بطراً، وهذا حافز لأن يقاتلوا أشد القتال دفاعاً عن التجارة والأموال التي خلف ظهورهم.

وكان من عادة العرب أنهم يأخذون النساء ويأخذون الأموال حال الحرب؛ ليكون ذلك باعثاً على ثباتهم، فيقاتل الواحد منهم دون امرأته أو دون أخته أو دون أمه، ويفضل أن يقتل ولا ينال أمه ولا أخته ولا امرأته ولا ابنته ولا إحدى حريمه سوء، إذاً: كان هناك حافز لأن يثبتوا، ذلك أن الركب - وهي العير- كانت خلف ظهورهم، وهم إنما خرجوا نجدة للعير، فلا يتصور أن يتركوها.

فانظر إلى هذا الذي تسمعه، وذكره رب العالمين تبارك وتعالى من تباين الأرض التي يقفون عليها! ولذلك امتن الله عز وجل على المؤمنين وهو يقول لهم: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} [الأنفال:11]، لما نزل المطر جعل هذا الرمل الرخو صلباً تحت الأقدام؛ لأن الله عز وجل هو الذي تولاهم بلطفه وعنايته، قال تعالى: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:10] عزيز لا يغلب، حكيم في نصر الفئة المؤمنة برغم قلة الإمكانات.

خرجوا من ديارهم ثلاثمائة وتسعة عشر نفراً كما رواه مسلم في صحيحه، وخرجوا -كما تعلمون- لا لقتال، ولم يكن معهم غير فرسين اثنين، وقرابة أربعين أو خمسين بعيراً، كان الثلاثة يعتقبون البعير الواحد، في حين أن قريشاً خرجت تريد القتال، وقد استعدت وأخذت أهبة استعدادها، والأرض في صالحهم، والكثرة في صالحهم، والعتاد في صالحهم، لكن الذي رجح كفة الفئة المؤمنة هو التضرع لله والتذلل، وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة السابع عشر من شهر رمضان، لم يغمض له جفن، ظل طول الليل يدعو الله تبارك وتعالى، ويمرغ خديه على عتبة عبوديته، وهو يقول: (اللهم نصرك الذي وعدت، اللهم أنجزني ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض)، وقضى ليلته يمرغ خديه على عتبة عبوديته تبارك وتعالى، فقال الله عز وجل: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ} [الأنفال:12]، لأنه لا قيمة لجهد الملائكة ولا لجهد البشر ما لم يكن مكللاً بعناية الله عز وجل.

فانظر أخي: هل يهزم طائفة فيها هؤلاء المؤمنون، وفيها هؤلاء الملائكة، ويظاهرهم رب العالمين تبارك وتعالى؟! لا يهزمون أبداً، فئة مؤمنة تحققت فيها صفات خمسة قضى الله عز وجل أن هؤلاء هم المؤمنون حقاً.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جوانب القوة الروحية عند المؤمنين في بدر

محركات القلوب إلى الله عز وجل ثلاثة: المحبة، والخوف، والرجاء؛ والمحبة أعظمها على الإطلاق.

هذه الثلاثة هي الحادي الذي يحدو القلوب في سيرها إلى الله عز وجل: {إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال:2]، وهذا الوجل له أثر عملي، وهو أن ينساب الدمع من العين، وهو أهم مظاهر الوجل المختلط بالمحبة، قال تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} [المائدة:83] وكان هذا هو شأن الصحابة جميعاً، وما كان أحدهم إذا سمع القرآن يسقط مغشياً عليه، وقد قيل لـ ابن عمر رضي الله عنهما: (إن جماعة يسمعون القرآن فيصعقون -أي: من خشية الله- قال ابن عمر: والله إنا لنسمع القرآن ونخشى الله ولا نصعق)، لأن سماعهم كان أتم، وكانت قلوبهم في غاية الاستعداد لسماع قرع الموعظة.

أما الذي نزل في عباد البصرة، فكانت قلوبهم ضعيفة مع قوة آيات الذكر فلم يتحملوا، فالصادقون منهم كان يغشى عليهم، لكن جملة الصحابة كانوا ينكرون هذا، قيل لـ عائشة رضي الله عنها في ذلك، قالت: (إن القرآن أكرم من أن تنزف عنه عقول الرجال، ولكنه كما قال الله عز وجل: {مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:23]) وكذلك كان أنس بن مالك رضي الله عنه يقول.

أثر الوجل نزول الدمع، واقشعرار الجلد، وهي رعدة تحس بها في جسمك وفي قلبك، قال تعالى: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال:2]، هذا نصيب الطائفة المؤمنة.

أما الكافرون فقال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ * وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال:31 - 32]، هذه هي محصلة سماع الذكر، أول ما يسمع الذكر يقول: (اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) لا يقول: فاهدنا إليه، إنما يقول: (فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة) إذاً سماع الذكر زادهم طغياناً، بخلاف الذين آمنوا: (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).

التوكل: هو اعتماد القلب على الله، ليس التوكل كما ظن بعض الغالطين أنه ترك الأسباب بالكلية، فإن السبب جزء من التوكل، والذي يترك السبب بدعوى التوكل أحمق ضعيف العقل، فقد اتفق العلماء جميعاً، وتؤيده مئات النصوص من الكتاب والسنة: على أن السبب جزء من التوكل.

كما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما خرج من مكة إلى المدينة اختفى في الغار، ولو شاء لمشى، ولكنه اختفى حتى يبين أن الاختفاء عن الأعداء ليس قدحاً في توكله على الله عز وجل، ولما قال له أبو بكر رضي الله عنه: (لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا.

قال: ما ظنك باثنين الله ثالثهما)، فإن الله عز وجل الذي خلق عباده وهو عالم بهم قادر على أن يعطل السبب إذا أراد: {وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [الأعراف:198] استخدم حاسة النظر نعم، ولكن نزع الله عز وجل منه هذه الخاصية خاصية إدراك الأجسام بالنظر، فالله عز وجل نزعها لأنه مالكهم، وهو ربهم وخالقهم، ولا يكون شيء في هذا الكون إلا عن إرادته.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إقامة الصلاة عند المؤمنين وصفة صلاة الكافرين

ثم قال تعالى: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [المائدة:55] وإقامة الصلاة: أن تأتي بها على الوجه الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيمها، بأن يأتي بأركانها وواجباتها ومستحباتها، لا يخرج عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن تمام إقامة الصلاة: الذل لله تبارك وتعالى، وهذا الذل يظهر في وضع اليمنى على اليسرى، وهي علامة الاستسلام؛ لأن معنى وضع اليد اليمنى على اليسرى يشير إلى التكتيف كالمقيد، والإنسان المقيد لا يستطيع أن يفعل شيئاً، فكأنما كبل نفسه اختياراً بين يدي الله، كأنما قال: أنا ذليل وعلامة ذلي تكبيل يدي (وضع اليمنى على اليسرى) ثم النظر إلى الأرض، والنظر إلى الأرض ذل، وهو علامة الخشوع؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الذين يرفعون أبصارهم إلى السماء حال الصلاة: (يوشك أن تخطف أبصارهم)، الإنسان إذا نظر إلى السماء وشمخ بأنفه لِمَ تشمخ بأنفك وأنت في موقع الذل؟! كل هذا من إقامة الصلاة، وهذه هي صلاة المؤمنين.

حسناً: كيف كانت صلاة هؤلاء الجبابرة العتاة الذين سقطوا من عين الله تبارك وتعالى؟ قال تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} [الأنفال:35] (مكاءً): أي: صفيراً، (تصدية): هي التصفيق بالأيدي، هكذا كانت صلاتهم، وهذا أقرب إلى اللعب منه إلى الخشوع، إن هذا لا يليق بمكان البيت ولا بشموخ البيت: أن يطوفوا حوله يزعمون أنهم يصلون، وفوق ذلك كانوا يطوفون عراة، ويقولون في ذلك: (لا نريد أن نطوف بثياب عصينا الله فيها)، فانظر إلى هذا الورع البارد! ثياب خلعوها وقلوبهم مفعمة بالشرك، ومفعمة بالكفران، ومع ذلك لا يطوفون بها، وما خطر لهم أن يخلعوا الشرك من القلب، إنما اكتفوا بخلع الثياب.

وهكذا تجد الأمم المتدنية تأخذ من الالتزام الشكل دون الجوهر، يعمرون المساجد بالقرآن، وينقلون القرآن، وشعائر الصلاة بمكبرات الصوت، وفي أيام مولد النبي صلى الله عليه وسلم ينصبون السرادقات والاحتفالات، لكنهم أبعد الناس عن الاتباع، ولا جوهر في الحقيقة.

طرق الصوفية في أيام مولد النبي عليه الصلاة والسلام يأخذون الدفوف ويعقدون الرايات، ثم يغنون ويصفقون ويتمايلون، وهذا هو حقيقة المكاء والتصدية، يضربون بالدف في يوم مولده وهو الذي حرم الدف على المؤمنين، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)، فالدف من جملة المعازف، ويقول: (يستحلون) إشارة إلى أنها كانت محرمة فاستحلوها، فانظر إلى هذا التباين العجيب: يحتفلون بذكرى مولده بما حرمه عليهم!! فأنى ينصرون؟! الأمم الذليلة هي التي تأخذ بظاهر الدين.

خطبة في مولد النبي عليه الصلاة والسلام، كلهم يقولون: الرسول عليه الصلاة والسلام بعث رحمة للعالمين فأين أثر هذا عليكم؟ أين أثر هذا على السلوك العام؟! التوجه العام أن يسب الله، وأن يسب النبي صلى الله عليه وسلم في ديار المسلمين، ولا يصادر كتاب إلا بحكم قضائي، والحكم القضائي يأخذ فترات طويلة، ويقوم شياطين الإنس فيأتون بثغرات القانون، ولا تستطيع أن تصل إلى إنصاف الله ورسوله من العباد إلا بعد جهد كبير، وربما تكون القضية قد ماتت، وتكون المظاهرة الجماهيرية ذهبت أيضاً واختفت.

اليوم هل يشعر أحد بما تعانيه الأرض المحتلة الآن كشعوره الذي كان قبل عشرة أيام؟ وسائل الإعلام كتمت الموضوع، ولم تعد الجرائد تأتي بها في صدر الصفحات، ولم يعد الصحفيون يتكلمون كلاماً تفصيلياً ولا النشرات، بل كلام مجمل مقتضب، نحن الآن شعرنا كأن الوضع سكن، مع أنه في غاية الاشتعال، بل هو أشد مما كان عليه وهكذا، فهؤلاء المشركون إنما ابتدعوا لأنفسهم صلاة، فهم في الحقيقة ما أقاموا صلاة.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

التسلط اليهودي في الجانب الاقتصادي

قال تعالى في وصف المؤمنين: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة:3] (ينفقون) أي: في أوجه البر، وفيما شرعه الله تبارك وتعالى لهم، أما الذين كفروا فقال تعالى: {يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:36] إذاً: هؤلاء اليهود الذين معهم المليارات، أغنى رجل في العالم الذي عنده مائة وتسعة وأربعون مليار دولار، رجل صاحب شبكة الإنترنت رجل يهودي، لديهم مليارات لا تنتهي، وهذه المليارات يجندونها لخنق المسلمين في ديارهم بسبب غفلة أبناء المسلمين، شهادة (الأيزو) التي ابتدعها اليهود حتى يفتكوا بالصناعة في ديار المسلمين، تلقفها أبناء المسلمين المغفلون وهم لا يعلمون حقيقة ما ينصب ولا حقيقة ما يدبر لهم.

شهادة (الأيزو) مفهومها: أنك كلما صنعت صناعة فاعرضها علينا، واعرض علينا البضاعة، فإذا رأينا أنك وصلت إلى نسبة من الجودة حددناها لك وأعطيناك هذه الشهادة، فكلما جود المسلمون عملاً عرضوه على أعدائهم نحن وصلنا إلى هذا المستوى! فيقال: بكم تبيع -مثلاً- هذه السلع؟ أبيعها -مثلاً- بمائة جنيه، إذاً: هو سيعرف أنك وصلت إلى هذه الجودة وستبيع بالسعر الفلاني، إذاً هو سينزل بضاعة أجود منها وبأقل من سعرك، فتكون النتيجة أن مصنعك يتوقف بلا أدنى مجهود، بعدما يعطيه الجهد، ونتاج العرق والشغل، يقول له: أنت تستحق الشهادة، تفضل، علق الشهادة على الجدار، وهكذا! المسألة مكشوفة في ديار المسلمين.

ثم يقولون لهم: إن الذي يحصل على شهادة الجودة سوف يكون له محل في النظام العالمي الجديد الذي أصبح فيه التكتل الاقتصادي أهم من السياسة، اتفاقيات (الجات) هي اتفاقيات اقتصادية وارتباطات، يقولون: الدولة التي لا تشترك في اتفاقيات الجات ستموت، لن نستورد منها ولن نصدر لها، إذاً: ديار المسلمين ديار مستهلكة، وكل البضاعة التي فيها آتية من الخارج، إذاً: ستتوقف الحياة في بلاد المسلمين إذا منعوا الاستيراد أو منعوا التصدير.

يقول لك: ما دام أنك عارف أنك ستموت لابد أن تشترك في اتفاقيات الجات.

تقول: أنا مشترك.

يقول لك: لا، ليس بهذه البساطة ولا بهذه السهولة، في مقابل هذه الاتفاقيات، فإن الدول -التي نصت على الاتفاقية- لها تصور للبنية الاجتماعية، ليس هكذا ببساطة تقول: أنا سوف أشترك، أو أترك الاشتراك، فلابد من تحرير الناس، ولابد أن الناس تتحرر بمحض إرادتها وعلى هواها وعلى كيفها.

تقول: فماذا تريدون؟ يقولون: ما معنى أن النساء يتحجبن؟ ما معنى أن المرأة تظل في البيت؟ هذا تخلف، ومن شرط قبولك عضواً في اتفاقيات (الجات) أن تخضع للتغييرات الاجتماعية التي نطلبها منك.

لذلك عقد مؤتمر السكان وما تلا مؤتمر السكان حتى هذه اللحظة التي أتكلم فيها، من تجريم ختان المرأة، ومن مد سنوات الاختلاط بين البنت والولد بعدما كان يفصل بين البنت والولد في فترة جزئية في المرحلة الإعدادية والثانوية، ثم يعودون ثانية يختلطون في الجامعة، يقول لك: الاختلاط من أول ابتدائي إلى أن يخرج من الجامعة، وبعد ذلك دخول المرأة البرلمان، ثم بعد ذلك تصير المرأة عمدة، وبعد ذلك المجلس القومي للمرأة، وبعد ذلك وثيقة الزواج الجديدة، هم حرموا تعدد الزوجات، وكنت أقول في نفسي: كيف يحرمون تعدد الزوجات؟! يستحيل أن يستطيعوا أن يحرموا تعدد الزوجات؛ لأن هناك نصاً في القرآن وإذا بشيطان من شياطين الإنس يبتكر وسيلة شيطانية لتحريم تعدد الزوجات، ويقول لك في القسيمة الجديدة: ثلاثة أسئلة توجه إلى الطرفين، هذا السؤال يقول للمرأة: هل تقبلين أن يتزوج زوجك عليك؟ طبعاً: يستحيل أن أية امرأة في الدنيا -والرجل متقدم لها أول مرة- توافق على أن يعدد زوجها عليها، ولو وجد لكان عشر عشر عشر عشر في الألف، امرأة واحدة من كل مليون، فطبعاً لن تقبل المرأة، فيكتب في قسيمة الزواج (لا أقبل أن يعدد زوجي عليَّ)، وفي حال أنه عدد عليها طبعاً المسألة لا تأتي مرة واحدة، لا زال، وستذكرون ما أقول لكم ولو بعد خمسين عاماً، القسيمة الجديدة: أن من خالف هذه الشروط يدفع عشرة آلاف جنيه أو يسجن، فيكبل الإنسان ولا يستطيع أن يخالف ما كتب في القسيمة.

إذاً: منعوا التعدد، أول ما تقول له: أنت حرمت التعدد؟ يقول: لا، أنا ما حرمته، أنا كيف أحرم؟ أنا فقط أسأل هذا

 

السؤال

هل توافقين؟ يا أخي! إذا وافقت أنا لا أعترض، وهو يعلم أنها لن توافق، إذاً: بهذا لن يخالف حكم الله، وفي نفس الوقت منع التعدد.

هذا تغيير كامل للبنية الاجتماعية، إما أن تفعل هذا وإلا نخرجك من اتفاقيات (الجات)، إذاً تموت، تنتج في بلدك وتبله وتشرب ماءه، وأنت طبعاً لا تنتج شيئاً في بلدك، لا يوجد في البلد شيء، فأنت مضطر لاستيراد كل شيء؛ إذاً: لازم تدخل غصباً عنك، ولازم تغير البنية الاجتماعية غصباً عنك أيضاً.

فانظر كيف أحاطوا بنا إحاطة السوار بالمعصم! نحن في غاية الضعف والهوان، ومع ذلك الصوت يجلجل: إننا إذا رجعنا إلى الله، وحققنا شرط العبودية التي أمرنا الله عز وجل بها؛ إننا لمنصورون عليهم مع ذلنا وضعفنا وقلتنا.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×