اذهبي الى المحتوى
أمّ عبد الله

لماذا بنى سليمان عليه السّلام الصّرح ؟

المشاركات التي تم ترشيحها

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

 

قال الله تبارك وتعالى:{قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النّمل:44].

وقد سألني أحد الإخوة عمّا ذكره ابن كثير رحمه الله – وهو ما ذكره أيضا كثير من المفسّرين في بيان السّبب الّذي دعا سليمان عليهالسّلام إلى اتّخاذ هذا الصّرح ؟ فمن جملة ما ذكروه:

أنّه لما عزم على تزوّجها واصطفائها لنفسه, ذُكِر له جمالُها وحسنُها، ولكن كان في ساقيها هلب عظيم [أي: شعر]، ومؤخّر أقدامها كمؤخر الدابة. فساءه ذلك، فأمر ببناء هذا الصّرح ليثبّت من صحّة ما ذُكر. هذا قول محمّد بن كعب القرظي وغيره.

 

وقالوا: فلمّا دخلت، وكشفت عن ساقيها، رآها من أحسن الناس ساقاً، وأحسنهم قدماً، ولكن رأى على رجليها شعراً ... الخ

 

ونسبوا ذلك إلى ابن عبّاس رضي الله عنهما ومجاهد وغيرهما.

فأحببت أن أبيّن الصّواب في ذلك في عجالة لعلّ الله ينفع بها.

فاعلم أنّ من قواعد التّفسير الّتي يسلّم بها جميع المفسّرين: أنّ القرآن لا يفسّر إلاّ بالقرآن، أو السنّة، أو أقوال الصّحابة الصّحيحة.

ولكن للأسف، فإنّ الدّارس لكثير من كتب التّفسير يجد مؤلّفيها لم يتقيّدوا بما ذكروه من الضّوابط والشّروط، فراحوا يتساهلون في النّقل، ويذكرون الأقوال الواردة في التّفسير دون تمحيص، ولا تدقيق. بل كثرت في كثير من الكتب الإسرائيليّات المجهولة السنّد والصّحة !

لذلك، فإنّه متى لم يثبت شيء في السنّة ولا عن الصّحابة في باب التّفسير، فإنّه يجب الوقوف عند ظاهر القرآن.

قال الإمام أحمد رحمه الله:" ثلاثة كُتب ليس لها أصول: المغازي، والملاحم، والتفسير ". [رواه الخطيب في "جامعه" (2/162)].

وقد فسّر الخطيب رحمه الله مراد الإمام أحمد من ذلك، فقال:

"وهذا الكلام محمولٌ على وجه، وهو أنّ المراد به كتبٌ مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة غير معتمد عليها، ولا موثوق بصحّتها، لسوء أحوال مُصنّفيها، وعدم عدالة ناقليها، وزيادات القصّاص فيها ".

والآية المذكورة، لا نجدُ أيّ إشكال أو لبسٍ في فهم معناها:

- فنبيّ الله سليمان عليه السّلام يعلم ما هو مقرّر من أنّ الملوك لا يجهرون بإيمانهم، ولا ينقادون إلى غيرهم إلاّ تحت سلطان العظمة والملك.

ونظير هذه القصّة: ما فعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع أبي سفيان بن حرب يوم فتح مكّة ليُسلِم، فقد نادى صلّى الله عليه وسلّم عمّه العبّاسرضي الله عنه، وقال: (( يَا عَبَّاسُ، اِحْبِسْهُ بمَضِيق الوادي عند خَطْم الجبلِ، حَتَّى تَمُرَّ بِهِ جُنُودُ اللهِ فَيَرَاهَا )).

قال العبّاس: فخرجت حتّى حبسته بمضيق الوادي حيث أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أحبسه. ومرّت القبائل على راياتها، كلّما مرّت قبيلة قال: يا عبّاس، من هذه ؟ فأقول: سُليم. فيقول: ما لي ولسُليم

ثمّ تمرّ القبيلة، فيقول: يا عبّاس، من هؤلاء ؟ فأقول: مُزينة. فيقول: ما لي ولمزينة

حتّى نفِدت القبائل، ما تمرّ به قبيلة إلاّ يسألني عنها، فإذا أخبرته بهم قال: ما لي ولبني فلان

حَتَّى مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في كتيبته الخضراء (1) ، فيها المهاجرون والأنصار، لا يُرَى منهم إلاَ الحدق - أي: الأعين - من الحديد، فقال:

سبحان الله ! يا عبّاس، من هؤلاء ؟

قال: قلت: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المهاجرين والأ نصار.

قال: ما لأحد بهؤلاء قِبَلٌ ولاطاقةٌ والله يا أبا الفضل ! لقد أصبح مُلك ابن أخيك الغداة عظيما !

قال قلت: يا أبا سفيان، إنّها النبوّة. قال: فنعم إذن ".

كذلك الأمر في قصّة سليمان عليه السّلام مع بلقيس، فإنّه لمّا رأى إعراضها عن دين الله تعالى، بنى لها صرحا عظيما جاء وصفه في القرآن أنّه من زجاج أملس {مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ}.

فلمّا رأته ظنّته ماءً يُخاض، إلى درجة أنّها كشفت عن ساقيها، فإذا هو ليس بماء، وبذلك ظهر لها عظمة ملك نبيّ الله سليمان عليهالسّلام، ثمّ ظهر لها صحّة ما دعاها إليه سليمان من دين الله عزّ وجلّ وتوحيده، فأخبرت أنّها ظلمت نفسها بالكفر، وأنّها أسلمت مع سليمان لله ربّ العالمين.

فسبب بنائه للصّرح ظاهر، وهو إظهار ملكه وعظمته الّتي يخضع لها الملوك.

- أمّا من قال: إنّه أراد أن يتزوّجها، فأراد أن يرى شيئا من بدنها ليرغّب نفسه إليها ! فهذا من كلام محمّد بن كعب القرظيّ رحمه الله، فإن صحّ عنه ذلك، فهو معروف أنّه يحكي كثيرا عن بني إسرائيل.

- وليس هناك دليل على زواجه منها كما قال محمّد بن كعب، وليس هناك دليل على نفي زواجه منها كما فعل محمّد بن إسحاق رحمه الله.

- ثمّ اعلم أنّه لو كان هناك مصلحة من ذكر ذلك كلّه لذكره الله تعالى، أو نبيّه صلّى الله عليه وسلّم.

وقد ذهب بعض المفسّرين بعيدا في هذه القصّة، فقالوا: إنّها كانت شَعْراء السّاقين ! وإنّ رجلها كحافر حمار ! وإنّها بنت جنّي ! وإنّ سليمان أراد التثبّت من ذلك فأمر ببناء الصّرح !

وليس على ذلك أثرة من دليل.

والله أعلم، وأعزّ وأكرم

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

(1) أي: السّوداء لأنّهم كانوا مدرّعين بالحديد. والعرب تطلق الأخضر على الأسود كما في قولهم: اخضرّ مئزره، كناية عن نبات شعر العانة، ويطلقون الأسود على الأخضر كذلك، كما يقال: سواد العراق.

 

 

كتبه : الشيخ عبد الحليم توميات الجزائري

  • معجبة 2

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بارك الله فيك..صححتي المفهوم

فحقا ما كنت اعلمه انها بنت جني وان رجلها بها شعر

جعله الله في ميزان حسناتك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاكِ الله خيرا أم عبد الله الحبيبة وجعله بميزان حسناتك

معلومات رائعة وشرح وافي

وجزى الشيخ عنا خير الجزاء

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

فائدة قيمة!

جزاكِ الله خيرا يا غالية.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاكِ الله خيرا أم عبد الله الحبيبة وجعله بميزان حسناتك

معلومات رائعة وشرح وافي

وجزى الشيخ عنا خير الجزاء

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

جوزيتِ خيراً ام عبدالله الحبيبة

نقل رائع وشرح وافي

نسال الله ان ينفعنا مما نتعلم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

اللهم آمين وإياكن أخواتي الحبيبات

بورك فيكنّ على مروركنّ الطيب ، ونفع بكنّ .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

جزاكِ الله خيرا ونفع بكِ أم عبدالله الحبيبة على هذه المعلومة القيمة

وجزى الله عنا كاتبها خيرا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم

بوركتى يا أم عبد الله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

- فنبيّ الله سليمان عليه السّلام يعلم ما هو مقرّر من أنّ الملوك لا يجهرون بإيمانهم، ولا ينقادون إلى غيرهم إلاّ تحت سلطان العظمة والملك.ونظير هذه القصّة: ما فعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع أبي سفيان بن حرب يوم فتح مكّة ليُسلِم، فقد نادى صلّى الله عليه وسلّم عمّه العبّاسرضي الله عنه، وقال: (( يَا عَبَّاسُ، اِحْبِسْهُ بمَضِيق الوادي عند خَطْم الجبلِ، حَتَّى تَمُرَّ بِهِ جُنُودُ اللهِ فَيَرَاهَا )).

قال العبّاس: فخرجت حتّى حبسته بمضيق الوادي حيث أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أحبسه. ومرّت القبائل على راياتها، كلّما مرّت قبيلة قال: يا عبّاس، من هذه ؟ فأقول: سُليم. فيقول: ما لي ولسُليم

ثمّ تمرّ القبيلة، فيقول: يا عبّاس، من هؤلاء ؟ فأقول: مُزينة. فيقول: ما لي ولمزينة

حتّى نفِدت القبائل، ما تمرّ به قبيلة إلاّ يسألني عنها، فإذا أخبرته بهم قال: ما لي ولبني فلان

حَتَّى مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في كتيبته الخضراء (1) ، فيها المهاجرون والأنصار، لا يُرَى منهم إلاَ الحدق - أي: الأعين -من الحديد، فقال:سبحان الله ! يا عبّاس، من هؤلاء ؟قال: قلت: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المهاجرين والأ نصار.

قال: ما لأحد بهؤلاء قِبَلٌ ولاطاقةٌ والله يا أبا الفضل ! لقد أصبح مُلك ابن أخيك الغداة عظيما !

قال قلت: يا أبا سفيان، إنّها النبوّة. قال: فنعم إذن ".

[جزاك الله خير

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×