اذهبي الى المحتوى
غِــيثَـــة اآلريــســْ

~ [ الحِجَابُ ] أَدِلَّةُ المُوجِبينَ و شُبَهُ المُخالِفِين ~

المشاركات التي تم ترشيحها

cd0dbded07cc5fbdb3726faca7911cab.png

:

بِسْمِ اللهِ ، والحَمدُ للهِ ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسًولِ اللهِ ، وبعد ..

الحِجابُ ، مَوضوعٌ كَثُرَ الجِدالُ حولَه ، ما بين مُؤيِّدٍ

ومُعارِض . لِدرجةِ أنَّ البَعضَ وَصفَه بالرَّجعِيَّةِ والتَّخلُّفِ ،

وقال إنَّه ليس مِن الدِّينِ ، وإنَّه عادةٌ جاهِلِيَّةٌ . وأمثالُ

هؤلاءِ - برأيي - لا يُفيدُ الجِدالُ معهم ، ولا مُحاولةُ

إقناعِهم ؛ لأنَّهم يتكلَّمونَ بلا دَليلٍ مِن كِتابٍ أو سُنَّةٍ ،

ورُبَّما استنادًا لأهوائِهم ، وعاداتِ مُجتمعاتِهم ، أو

إرضاءً لِحُكَّامِهم ، أو إشباعًا لِرغباتِهم .

b052d24f62403e9159930af03a61cd94.png

و الحِجابُ الذي نقصِدُه اليوم ، والذي اختلَفَ حولَه

العُلَماءِ ، ما بين مُوجِبٍ ومُبيحٍ ، هو :

( تغطيةُ المَرأةِ لوَجهِها وكفَّيْها )

b052d24f62403e9159930af03a61cd94.png

هُنا سنُلقِي نظرةً على أدِلَّةِ المُوجِبين للحِجابِ ،

والقائِلينَ بمَشروعِيَّةِ ستر المَرأةِ لوَجهِها وكَفَّيْها ،

وعلى أدِلَّةِ المُخالِفينَ لهم ، والمُبيحين لِظُهورِ

الوجهِ والكَفَّيْن ، مِن خِلال رِسالةٍ كَتبها الشيخ

( مُصطفى العَدوي ) حَفِظَه اللهُ تعالى .

 

ممّا راق لي ويتبع بمشيئة الله

 

120.gif

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

cd0dbded07cc5fbdb3726faca7911cab.png

 

 

بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ

 

المُقـدِّمَـة ~

 

إنَّ الحَمدَ للهِ نَحمدُه ونستعينُه ونستغفِرُه ونستهديه ,

ونعوذُ باللهِ مِن شرور أنفُسِنا وسيِّئاتِ أعمالِنا , مَن

يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له , ومَن يُضلِل فلا هادِيَ له ,

وأشهدُ أن لا إله إلَّا اللهُ وَحدَه لا شريكَ له , وأشهدُ

أنَّ مُحمدًا عبدُه ورسولُه .

 

أمَّا بعد ، فإنَّ أصدقَ الحَديثِ كِتابُ الله , وخَيرَ الهَدْي

هَدْيُ مُحمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّم , وشَرَّ الأمور

مُحْدَثاتُها , وكُلّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَة , وكُلّ بِدعَةٍ ضلالة , وكُلّ

ضلالةٍ في النار ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ

تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) آل عمران/102 .

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ

وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا

اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )

النساء/1 , (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا

سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ

اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) الأحزاب/70-71 .

 

وبعد ، فهذه رِسالةٌ مُتواضِعةٌ في الحِجاب ..... وقد

كانت هذه الرِّسالةُ أحدَ أبواب "كِتاب الأدَب والِّلباس" مِن

"جَامِع أحكام النِّساء" , ولكنْ لِكِبَرِ حَجْمِها أفردناها برِسالةٍ

مُستقِلَّةٍ ، سائِلينَ اللهَ -عَزَّ وجَلَّ - أن ينفعَ بها الإسلامَ

والمُسلِمينَ ، وأن يُثيبنا عليها يَومَ نلقاه .

 

هذا وبالنسبةِ لموضوع الحِجاب ، فبادِئ ذِي بِدء

لا نختلِفُ نحنُ والفُضَلاءُ مِن أهل العِلم والمُنصِفون

منهم - الذين لا يَرونَ ما نراه مِن وجوب تغطيةِ جَميع

بَدَنِ المَرأةِ بما في ذلك وجهها وكَفَّيْها - لا نختلِفُ معهم ،

أو بمعني أَصَحّ : لا يَختلِفون معنا في أنَّ الأفضلَ والأكملَ

والأقربَ للتَّقوَى ومَرضاةِ اللهِ ورَسُولِهِ : هو سترُ كُلِّ

البَدَنِ ، بما في ذلك الوَجه والكَفَّيْن .

 

فنَسُوقُ لهؤلاء الفُضَلاءِ وأمثالِهم مِن أهل الفَضلِ ،

رِجالاً ونِساءً ، شبابًا وشابَّات ، الأدِلَّةَ التي رأينا أنَّها

تُوجِبُ علي المَرأةِ أن تستُرَ جَميعَ بَدَنِها ، بما في ذلك

وجهها وكَفَّيْها , ومعها الأدِلَّة التي تُبَيِّنُ مَشروعية ذلك ,

فإنْ رأى هؤلاء الفُضَلاءُ أنَّ الأدِلَّةَ التي ذكرناها تنتهِضُ

للحُكمِ بوجوبِ تغطيةِ وجه المَرأةِ وكَفَّيْها , فبِها ونِعْمَت ,

وإنْ لم يَرَوها تنتهِضُ للحُكم بالوجوبِ فهِيَ - في أقَلِّ

أحوالِها - تُثبِتُ مَشروعيَّةَ تغطيةِ الوجه والكَفَّيْن ,

وهذا قد اتَّفقنا فيه مَعهم .

 

ثُمَّ اتَّجهنا بعد ذِكر الأدِلَّةِ على الوجوب والمَشروعيَّةِ إلى

تفنيد كُلِّ الأدِلَّةِ التي أَتَوْا بها يُثبِتُوا بها حالاتِ كَشفِ الوجه

علي عَهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّم , واستفضنا -

بحَمدِ اللهِ - في الرَّدِّ عليها وإسقاطِ الاستدلال بها , وخاصَّةً

التي أوردها الشيخُ ناصِر الألبانيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - في كِتاب

"حِجاب المَرأة المُسلِمة" . فبَعد إسقاطِ استدلالاتِهم ما يَبقَى

أمامهم - على الأكثر - إلَّا الإقرارُ بأنَّ سترَ جَميع بَدَنِ

المَرأةِ بما في ذلك وجهها وكَفَّيْها هو الحالُ الذي كان علي

عَهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّم , وكانت عليه

النِّساءُ الصّحابياتُ في عَهده , وفي هؤلاء الأُسْوَةُ الحَسَنَةُ ،

فهُم خَيرُ الناس كما قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ

وسلَّم : (( خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ... )) الحديث . أخرجه البُخاريُّ

ومُسلِم مِن طُرُقٍ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّم .

 

هذا ونُنَبِّهُ هُنا على أنَّنا لم نتعرَّض في هذا البَحثِ للتَّبَرُّجِ

المُزْرِي ، الذي يَقَعُ مِن نِساءِ المُسلِمين في هذه الأيام ،

والذي فاقَ تَبَرُّجَ الجاهليَّةِ الأُولَى , وقد قال النبيُّ - صلَّى

اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّم - في أهلِهِ : (( صِنْفَانِ مِن أهل

النَّارِ لَم أَرَهُما ... ونِساءٌ كاسِيَاتٌ عارِيَاتٌ مُميلاتٌ مائِلاتٌ ،

رُؤوسُهُنَّ كأسنمةِ البُخْتِ المائِلَةِ ، لا يَدخُلنَ الجَنَّةَ ولا يَجِدنَ

رِيحَها , وإنَّ رِيحَها لَتُوجَدُ مِن مَسيرةِ كذا وكذا )) وأخرجه

مُسلِم (حديث 2128) ...

 

رَبَّنا تقبَّل مِنَّا إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ، وتُب علينا

واغفِر لنا إنَّك أنتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ .

 

وصلَّى اللهُ على سيِّدنا مُحمدٍ وعلى آلِهِ وصَحبِهِ وسلَّم .

 

أبو عبد الله - مصطفى العدوي شِلبايه

مصر - الدقهلية - مِنية سَمَنُّود

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

Hejab-evidences-H.png

 

الأدِلَّةُ على مَشروعيَّةِ ستر وجه المَرأةِ

وكَفَّيْها وجَميع بَدَنِها ، ووجوب ذلك :

 

 

الدَّليلُ الأوَّلُ : آيةُ الحِجاب :

 

قال الله تعالى( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ

حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) الأحزاب/53 .

 

1- سَبَبُ نُزُول الآية :

قال الإمام البُخاريُّ - رَحِمَه الله - ( فتح 11/22 ) :

حدثنا يحيى بن سليمان حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن

ابن شهاب قال : ( أخبرني أنس بن مالك أنه قال : كان ابن

عشر سنين مقدم رسول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -

المدينة ، فخدمتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -

عشرًا حياته , وكنتُ أعلم الناس بشأن الحِجاب حين أُنزِل , وقد

كان أُبَيُّ بن كَعب يَسألُني عنه , وكان أول ما نزل في مبتنى

رسول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - بزينب ابنة

جحش : أصبحَ النبي - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -

بها عَروسًا , فدعا القومَ ، فأصابوا مِن الطعام ، ثم خرجوا ،

وبَقِيَ منهم رَهْطٌ عند رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم ,

فأطالوا المُكثَ , فقام رسولُ الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم ،

فخرج وخرجتُ معه ؛ كي يَخرجوا , فمَشي رسولُ الله صلَّى الله

عليه وعلى آله وسلَّم ، ومَشيتُ معه ، حتى جاء عتبة حجرة

عائشة , ثم ظَنَّ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -

أنهم خرجوا , فرجع رسولُ الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم ،

ورجعتُ معه , حتى دخل على زينب ، فإذا هم جُلُوسٌ لم يتفرَّقوا ,

فرجع النبي صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم ، ورجعتُ معه ، حتى

بلغ عَتبة حجرة عائشة , فظَنَّ أن قد خرجوا فرجع ورجعتُ معه ,

فإذا هم قد خرجوا , فأنزل آية الحِجاب ، فضرب بيني وبينه سِترًا )

صحيح ، وأخرجه مسلم 3/596 , والترمذيّ 3219,3217 من

طرق عن أنس -رضي الله عنه - .

 

قال الإمامُ البُخاريُّ - رَحِمَه الله - ( فتح 11/22 ) :

حدثنا أبو النعمان حدثنا معتمر قال : أبي حدثنا أبو مجلز عن

أنس - رضي الله عنه - قال : ( لَمَّا تزوَّجَ النبي - صلَّى الله

عليه وعلى آله وسلَّم - زينب ، دخل القومُ ، فطعموا ثم جلسوا

يتحدثون , فأخذ كأنه يتهيأ للقيام ، فلم يقوموا ، فلَمَّا رأى ذلك

قام , فلَمَّا قام قامَ مَن قام من القوم ، وقعد بقية القوم , وإن

النبي - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - جاء ليدخل ، فإذا

القوم جلوس , ثم إنهم قاموا فانطلقوا , فأخبرتُ النبي صلَّى الله

عليه وعلى آله وسلَّم ، فجاء حتى دخل ، فذهبتُ أدخل ، فأَلقى

الحِجابَ بيني وبينه , وأنزل اللهُ تعالى ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا

لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ ) (1) الآية . صحيح ، وأخرجه مسلم

(3/598) , وعزاه المزي في الأطراف للنسائي (في الكبرى) .

 

Hejab-evidences-F.png

 

2- وَجه الاستدلال بالآيةِ الكَريمةِ :

ووَجه الاستدلال بهذه الآيةِ الكريمة مَبنِيٌّ على أصلين :

الأول : أنَّ خِطابَ الواحِدِ يَشمَلُ خِطابَ الجَماعة .

الثاني : الاشتراكُ في العِلَّة .

 

أما بالنسبة للأصل الأول ، فيتأيَّدُ بقول النبيِّ صلَّى الله عليه

وعلى آله وسلَّم : (( ... إنَّما قولي لامرأةٍ واحِدةٍ كقولي لمائة

امرأة )) , وقد أمر اللهُ - عز وجل - نِساءَ النبيِّ - صلَّى الله

عليه وعلى آله وسلَّم - بالحِجاب ، ولا نعلمُ في ذلك خِلافًا .

فنِساءُ المُؤمنين تَبَعٌ لهنَّ في ذلك ؛ لِمَا ذكرناه من أنَّ خِطابَ

الواحد يشمل خِطابَ الجَماعة .

 

ويتأيَّدُ هذا الكلام بالأصل الثاني ؛ ألَا وهو : الاشتراكُ في

العِلَّة , فعِلَّةُ السؤال من وراء حِجابٍ طَهارة القلوب , ونِساءُ

المُؤمنين كنِساء النبي - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -

في الاحتياج إلى ذلك . ويتأيَّدُ هذا الكلام بالعُموم الوارد في

حديث رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم : (( إيَّاكم

والدخول على النساء )) . ويتأيَّدُ أيضًا بقرينةِ انضمام نِساء

المؤمنين إلى نساء النبي - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -

وبناته في قوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ

وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ

يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا . على ما سيأتي

بيانُه إن شاء الله .

 

Hejab-evidences-F.png

 

3- أقوالُ أهلِ العِلم في الآية :

* قال الطَبَرِيُّ - رَحِمَهُ الله - (21/28) :

يقول : وإذا سألتم أزواجَ رسول الله - صلَّى الله عليه وعلى

آله وسلَّم - ونِساءَ المؤمنين اللواتي لسن لكم بأزواجٍ متاعًا ،

فاسألوهُنَّ من وراء حِجاب . يقول : مِن وراء سِتْرٍ بينكم

وبينهُنَّ , ولا تدخلوا عليهنَّ بيوتَهُنَّ ؛ ذلكم أطهرُ لقلوبكم

وقلوبهنَّ . يقولُ تعالى ذِكرُه : سُؤالُكم إيَّاهُنَّ المتاعَ إذا سألتموهُنَّ

ذلك مِن وراء حِجاب ، أطهرُ لقلوبِكم وقلوبهنَّ مِن عوارض العين

فيها ، التي تعرض في صدور الرجال مِن أمر النساء , وفي

صدور النساء من أمر الرجال , وأحرى من أن لا يكون للشيطان

عليكم وعليهنَّ سبيل .

 

* ويقولُ القُرطُبِيُّ - رَحِمَهُ الله - (ص5309) :

المسألةُ التاسعة : في هذه الآيةِ دليلٌ على أنَّ الله تعالى

أذِنَ في مَسألتهِنَّ من وراء حِجابٍ في حاجةٍ تَعرِض , أو

مَسألةٍ يستفتين فيها , ويَدخُلُ في ذلك جميعُ النساء

بالمَعنى , وبما تضمَّنته أصولُ الشريعةِ من أنَّ المرأةَ كُلّها

عورة ، بدنها وصوتها كما تقدَّم , فلا يَجوزُ كَشفُ ذلك إلَّا

لحاجةٍ ، كالشَّهادةِ عليها ، أو داءٍ يكونُ بِبَدَنِها ، أو سؤالها

عَمَّا يَعرِضُ وتعين عندها .

 

# قُلتُ : ( وفيما قاله القُرطُبِيُّ - رَحِمَهُ الله - مِن أنَّ صَوتَ

المَرأةِ عَوْرَةٌ نَظَرٌ يُحَرَّرُ في مَوْضِعِهِ - إن شاء الله ) . في

كتابِنا الأدَب .

 

* وقال - رَحِمَه الله - أيضًا في المَسألة الحادية عشر :

قولُه تعالى : ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ .. يُريدُ مِن

الخواطر التي تَعرِضُ للرجال في أمر النساء , وللنساءِ في أمر

الرجال ؛ أيْ : ذلك أنفى للريبة وأبعدُ للتُّهمةِ وأقوى في الحِماية ,

وهذا يَدُلُّ علي أنه لا ينبغي لأحدٍ أن يَثِقَ بنَفسِهِ في الخَلْوَةِ مع

مَن لا تَحِلُّ له ؛ فإنَّ مُجانبةَ ذلك أحسنُ لِحاله وأحصنُ لِنَفسِهِ

وأتَمُّ لِعِصمتِهِ .

 

* وقال ابنُ كثيرٍ - رَحِمَه الله - (3/505) :

وقولُه تعالى : ; وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ

حِجَابٍ ؛ أيْ : وكما نَهيتُكم عن الدخول عليهنَّ ، كذلك

لا تنظروا إليهِنَّ بالكُلِّيَّةِ , ولو كان لأحدِكم حاجةٌ يُريدُ تناولَها

مِنهُنَّ ، فلا ينظُر إليهِنَّ ، ولا يسألهنَّ حاجةً إلَّا مِن وراء

حِجاب .

 

* أمَّا الشنقيطيُّ - رَحِمَه الله - فقد قال كلامًا طَيِّبًا مَتينًا

في أضواء البيان (6/584) : فأفادَ وأجادَ - رَحِمَه الله رَحمةً

واسِعةً - فليُراجَع ، فإنَّه كلامٌ طويلٌ , ها نحنُ ننقلُ بَعضَه

إن شاء الله .

قال الشنقيطيُّ - رَحِمَه الله - (أضواء البيان 6/592) :

واعلم أن مع دلالة القرآن على احتجاب المرأة عن الرجال

الأجانب , قد دلَّت على ذلك أيضًا أحاديثُ نبوية , فمِن

ذلك ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما وغيرهما من حديث

عُقبة بن عامر الجُهني - رَضِيَ الله عنه - أنَّ النبي -

صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - قال (( إيَّاكم والدخول

على النساء )) ، فقال رجلٌ من الأنصار : يا رسول الله ،

أفرأيتَ الحَمْو ؟ قال (( الحَمْو : المَوْت )) . أخرج البُخاريُّ

هذا الحديث في كتاب النِّكاح في باب "لا يَخْلُوَنَّ رَجلٌ بامرأةٍ إلَّا

ذو مَحْرَم" إلخ , ومُسلم في كتاب السلام في باب "تحريم الخَلْوةِ

بالأجنبيةِ والدخول عليها" . فهذا الحديثُ الصحيح صرَّحَ فيه

النبيُّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - بالتحذير الشديد

من الدخول على النساء , فهو دليلٌ واضِحٌ على منع الدخول

عليهنَّ , وسؤالهن متاعًا إلَّا من وراء حِجاب ؛ لأنَّه مَن سألها

متاعًا لا مِن وراء حِجابٍ فقد دخل عليها , والنبيُّ - صلَّى الله

عليه وعلى آله وسلَّم - حَذَّره من الدخول عليها , ولَمَّا سأله

الأنصاريُّ عن الحَمْو ؛ الذي هو قريبُ الزوج الذي ليس مَحْرَمًا

لزوجته كأخيه وابن أخيه وعمه وابن عمه ونحو ذلك , قال له

صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم (( الحَمْو : المَوت )) , فسَمَّى

- صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - دخولَ قريب الرجلِ على

امرأته وهو غير مَحْرَمٍ لها باسم المَوت , ولا شَكَّ أن تلك

العبارة هي أبلغ عباراتِ التحذير ؛ لأنَّ الموت هو أفظعُ

حادِثٍ يأتي على الإنسان ، كما قال الشاعر :

والمَوتُ أعظمُ حادِثٍ مِمَّا يَمُرُّ على الجِبِلَّة

 

والجبلة : الخَلْق , ومنه قولُه تعالى : وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ

وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ الشعراء/184 . فتحذيرُه - صلَّى الله عليه

وعلى آله وسلَّم - هذا التحذير البالِغ من دخول الرجال على

النساء , وتعبيرُه عن دخول القريب على زوجة قريبه باسم

الموت دليلٌ صحيحٌ نبويٌّ على أن قوله تعالى : فَاسْأَلُوهُنَّ

مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ عامٌّ في جميع النساء كما ترى ، إذ لو كان

حُكمُه خاصًا بأزواجه صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم , لَمَا

حَذَّر الرجالَ هذا التحذير البالِغ العام من الدخول على النساء .

وظاهِرُ الحديث التحذيرُ من الدخول عليهِنَّ ولو لم تحصُل

الخَلْوَة بينهما , وهو كذلك . فالدخولُ عليهِنَّ والخَلْوَةُ بِهِنَّ

كِلاهما مُحَرَّمٌ تحريمًا شديدًا بانفرادِه , كما قدَّمنا أن مُسلمًا

- رَحِمَه الله - أخرج هذا الحديثَ في باب "تحريم الخَلْوَةِ

بالأجنبيةِ والدخول عليها" ، فدَلَّ على أنَّ كِلَيْهِما حَرامٌ .

# ( قلتُ : الذي يبدو ويترجَّحُ : أنَّ التبويبَ الذي في

صحيح مُسلِم إنَّما هو لِلنَّوويِّ , رَحِمَه الله ) .

 

* وقال ابنُ حَجَر في "فتح الباري" في شرح الحديث المذكور :

( إيَّاكم والدخولَ ) بالنَّصبِ على التحذير ، وهو : تنبيهُ

المُخاطَب على مَحذورٍ لِيَتحذَّرَ عنه ، كما قِيل : إيَّاكَ والأسَدَ .

وقولُه : ( إيَّاكُم ) مَفعولٌ لِفِعلٍ مُضمَرٍ تقديرُه ( اتَّقُوا ) ، وتقديرُ

الكلام : ( اتَّقُوا أنفُسَكم أن تدخلوا على النساء , والنساء أن

يدخُلَن عليكم ) , ووقع في روايةِ ابن وَهْب بلَفظ : (( لا تدخلوا

على النساء )) , وتضمَّنَ مَنْعُ الدّخول مَنْعَ الخَلْوَةِ بها بطريقِ

الأَوْلَى انتهي محل الغرض منه .

 

Hejab-evidences-F.png

 

4- تنبيه :

قد يَفْهَمُ أحدٌ مِن الناس قولَ الله تعالى : يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ

لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ الأحزاب/32 ، على

أنَّ ذلك يُفيدُ انفصالَ نِساءِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وعلى آله

وسلَّم - في الحُكم الشرعيِّ المُتقدِّم عن نِساءِ المُؤمنين ,

فهذا لا تَحتمِلُه هذه الآية الكريمة , ولننقل ما قاله بَعضُ

العُلماءِ فيها :

 

قال ابنُ كثير - رَحِمَه الله - : في قولِهِ تعالى : ; يَا نِسَاءَ

النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ . هذه آدابٌ أمر اللهُ بها

نِساءَ النبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم , ونِساءُ الأُمَّةِ تَبَعٌ

لَهُنَّ في ذلك ، فقال تعالى مُخاطِبًا لِنِساءِ النبيِّ صلَّى الله عليه

وعلى آله وسلَّم , بأنَّهُنَّ إذا اتَّقَيْنَ اللهَ - عز وجل - كما أمرهُنَّ ,

فإنَّه لا يُشبههنَّ أحدٌ مِن النساء ، ولا يَلحقهُنَّ في الفضيلةِ والمنزلة .

 

وقال القُرطُبِيُّ - رَحِمَه الله - : في قولِهِ تعالى : يَا نِسَاءَ

النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ؛ يعني : في

الفَضلِ والشَّرَف .

 

Hejab-evidences-F.png

 

5- لَفْتَةٌ طَيِّبَةٌ :

قال الشنقيطيُّ - رَحِمَهُ الله - (6/592) :

وإذا علمتَ بما ذكرنا أنَّ حُكمَ آيةِ الحِجاب عامٌّ , وأنَّ ما

ذكرنا معها من الآيات فيه الدلالة علي احتجاب جميع بدن

المرأة عن الرجال الأجانب , عَلِمتَ أنَّ القُرآنَ دَلَّ على الحِجاب .

ولو فَرَضْنَا أنَّ آيةَ الحِجاب خاصَّةٌ بأزواجِه صلَّى الله عليه وعلى

آله وسلَّم , فلا شَكَّ أنَّهُنَّ خَيرُ أُسْوَةٍ لِنِساءِ المُسلِمين في الآدابِ

الكريمةِ المُقتضيةِ للطَّهارةِ التَّامَّةِ ، وعدم التَّدنُّس بأنجاس الرِّيبة .

فمَن يُحاوِلُ مَنعَ نِساء المُسلمين - كالدُّعاة للسُّفور والتَّبرُّج

والاختلاطِ اليوم - مِن الاقتداءِ بِهِنَّ في هذا الأدب السَّماويِّ

الكريم المُتضمِّن سلامةَ العِرْضِ والطَّهارةَ مِن دَنَسِ الرِّيبةِ ،

غَاشٌّ لأُمِّةِ مُحمدٍ صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم , مَريضُ

القلبِ كما ترى .

_____________________

(1) ورد لهذه الآية سببُ نُزُولٍ آخَر أخرجه البخاريُّ (6240) ,

ومسلم من حديث عائشة - رَضِيَ الله عنها - قالت : كان عمر

بن الخطاب يقولُ لرسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم :

احجب نِساءَكَ , قالت : فلَم يَفعَل , وكان أزواجُ النبيِّ - صلَّى

الله عليه وعلى آله وسلَّم - يَخرُجنَ ليلاً إلى ليل قبل المَناصِع ,

فخَرجَت سَوْدَةُ بنتُ زَمْعَة - وكانت أمراةً طويلةً - فرآها عُمَر بنُ

الخطاب وهو في المَجلِس ، فقال : عرفناكِ يا سَوْدَة - حِرصًا

على أن يَنزِلَ الحِجاب - قالت : فأنزلَ اللهُ - عز وجل - آيةَ

الحجاب .

# قلتُ : ولا مانِعَ مِن تَعَدُّدِ أسبابِ النُّزُولِ للآيةِ الواحِدة ,

انظُر " الصَّحيح المُسْنَد مِن أسبابِ النُّزُولِ " .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

 

cd0dbded07cc5fbdb3726faca7911cab.png

 

 

الدَّليلُ الثَّاني : الإذنُ للنِّساءِ في الخُرُوجِ

لِحَاجتِهِنَّ ، وفيه دَليلٌ على سَتر الوجه :

 

قال الإمام البخاري - رَحِمَه الله - (فتح 8/528) :

حدثني زكريا بن يحيى حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه

عن عائشة - رَضِيَ الله عنها – قالت : (( خَرَجَت سَوْدَةُ (2) -

بعدما ضُرِبَ الحِجابُ (3) – لِحَاجتِها , وكانت امرأةً جَسيمةً (4)

لا تَخفَى على مَن يَعرفُها , فرآها عمر بن الخطاب ، فقال :

يا سَوْدَة , أَمَا واللهِ ما تَخْفَيْنَ علينا , فانظُري كيف تَخرُجين ,

قالت : فانكفأَت راجِعة , ورسولُ الله - صلَّى الله وعلى آله

وسلَّم - في بيتي , وإنَّه لَيَتعَشَّى وفي يده عِرْقٌ , فدَخَلَت

فقالت : يا رسولَ الله , إنِّي خَرجتُ لِبَعض حاجتي ، فقال لي

عمر كذا و كذا ، قالت : فأَوْحَي اللهُ إليه , ثُمَّ رُفِعَ عنه وإنَّ

العِرْقَ في يده ما وَضَعَهُ ، فقال : ‹‹ إنَّه قد أُذِنَ لَكُنَّ أن

تَخرُجنَ لِحَاجتِكُنَّ ›› )) (5) . صحيح وأخرجه مسلم 5/13 .

 

 

 

 

 

_____________________

(2) سَوْدَة : هِيَ بِنتُ زَمْعَة أم المؤمنين - رَضِيَ الله عنها - .

 

(3) قال الحافِظُ ابنُ حَجَر ( في فتح الباري 8/531 ) : وقد تقدَّمَ في

الطهارة من طريق هشام بن عُروة عن أبيه , ما يُخالِفُ ظاهِرُه رواية

الزُّهريِّ هذه عن عُروة ، قال الكرماني : فإنْ قُلت : وقع هنا أنه كان

بعدما ضُرِبَ الحِجاب , وتقدَّمَ في الوضوء أنَّه كان قبل الحِجاب ,

فالجَوابُ : لَعلَّه وقع مَرَّتين ، قلتُ ( القائل هو الحافِظ ) : بل المُرادُ

بالحِجاب الأول غير الحِجاب الثَّاني , والحاصِلُ : أنَّ عمر - رَضِيَ

الله عنه - وقع في قلبه نُفرةٌ من اطِّلاع الأجانب على الحَريم النبويِّ ,

حتى صَرَّحَ بقوله له عليه الصلاة والسلام : ( احجُب نِساءَكَ ) , وأكَّدَ

ذلك إلى أنَّ نزلت آيةُ الحِجاب , ثُمَّ قَصَدَ بعد ذلك أن لا يُبدين

أشخاصَهُنَّ أصلاً ولو كُنَّ مُستتراتٍ ، فبَالَغَ في ذلك فمَنَعَ منه ,

وأَذِنَ لَهُنَّ في الخُرُوجِ لِحَاجتِهِنَّ ؛ دَفعًا لِلمَشقَّةِ ، ورَفعًا للحَرَج .

 

(4) في رواية البُخاريِّ في الطهارة (1/248) : ( وكانت امرأةً طويلةً ) ,

وقال الحافِظُ ابنُ حَجَر هناك (1/249) : ويُحتَمَلُ أن يكون أولًا أراد

الأمرَ بسَتر وجوههنَّ , فلَمَّا وقع الأمرُ بوِفْقِ ما أراد ، أَحَبَّ أيضًا أن

يحجُبَ أشخاصهنَّ مُبالَغةً في التَّستُّر ، فلم يَجِب لأجل الضَّرورة ,

وهذا أظهَرُ الاحتمالَيْن .

 

(5) فَسَّرَ هشام بن عُروة الحَاجةَ هُنا بأنَّها : البُرازُ ( كما في البُخاريِّ

حديث 147 ) , وتعقَّبَ في هذا ، فقال الحافظ ابن حجر (11/24) :

وفي وجوب حَجبِ أشخاصِهِنَّ مُطلقًا إلَّا في حاجةِ البُراز نَظَر , فقد كُنَّ

يُسافِرنَ لِلحَجِّ وغيره ، ومِن ضَرورة ذلك الطواف والسَّعي ، وفيه بُروزُ

أشخاصِهِنَّ , بل وفي حالةِ الركوب والنزول لا بُدَّ من ذلك ، وكذا في

خُرُوجِهِنَّ إلى المَسجد النبويِّ وغيره .

 

# قُلتُ : والأمرُ كما قال الحافِظُ ابنُ حَجَر رَحِمَه الله ، فقد استأذَنَت

عائشة - رَضِيَ الله عنها - رسولَ الله - صلَّى الله عليه وعلى

آله وسلَّم - أن تزورَ أبويها - وكان ذلك بعد الحِجاب كما في

حَديثِ الإفك - فأَذِنَ لها رسولُ الله صلَّى الله عليه وعلى آله

وسلَّم .

 

# تنبيه : في هذا الحَديثِ دَليلٌ على مَشروعيَّةِ سَتر الوجه ؛

إذ أنَّ عمر - رَضِيَ الله عنه - ما عَرَفَ سَوْدَة إلَّا بطُولِها

وجَسامتِها ، فدَلَّ ذلك على أنَّ وَجهَها كان مَستُورًا .

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

cd0dbded07cc5fbdb3726faca7911cab.png

 

 

الدَّليلُ الثَّالِثُ :

 

قولُه تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ

الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ

فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) الأحزاب/59 .

 

أولاً : الآثارُ الواردة في الآيةِ الكريمة :

 

* قال ابنُ جَرير الطبريّ - رَحِمَه الله - (22/33) :

حدثني يعقوب قال : ثنا ابن عُلَيَّة عن ابن عون عن محمد

عن عبيدة في قوله تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ

وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ...) ، فلبسها

عندنا ابن عون قال : ولبسها عندنا محمد قال محمد : ولبسها

عندي عبيده قال ابن عون بردائه فتقنَّعَ به ، فغطَّى أنفَه وعينَه

اليُسرى , وأخرج عينَه اليُمنَى ، وأدنى رِداءَه مِن فوقٍ حتى جَعلَه

قريبًا مِن حاجبه أو على الحاجِب . صحيحٌ عن عبيده (6)

 

* قال أبو داود في كتاب "المسائل" ( نقلاً عن كتاب الصَّارِم

المَشهور للتويجري ) :

حدثنا أحمد - يعني ابن محمد بن حنبل – قال : حدثنا يحيى

وروح عن ابن جريج قال : أخبرنا عطاء قال : أخبرنا أبو الشعثاء :

أن ابن عباس - رَضِيَ الله عنهما – قال : تُدنِي الجِلبَابَ إلى

وَجهِها ولا تَضرِب بِه . مَوقوفٌ صَحيح

 

قال روح في حديثه : قلتُ : وما لا تَضرِب به ، قال : تَعطِفُه

وتَضرِب به على وجهها كما هو مَسدولٌ على وجهها .

 

b052d24f62403e9159930af03a61cd94.png

 

ثانيًا : أقوالُ أهل العِلمِ في الآية :

 

تقدَّمَت بَعضُ أقوال التَّابعين في الآية , وها هِيَ أقوالُ بَعض

أصحاب التَّفاسِير :

* قال ابنُ جَرير الطبريّ - رَحِمَه الله - (22/23) :

يقولُ تعالى ذِكرُه لنبيِّه مُحمدٍ صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم :

يا أيُّها النبيُّ ، قُل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين لا تتشبَّهنَ

بالإماءِ في لِباسِهِنَّ إذا هُنَّ خَرجنَ من بيوتهنَّ لِحَاجتهنَّ فكَشفن

شُعورهُنَّ ووجوههنَّ , ولكنْ ليُدنين عليهنَّ من جلابيبهِنَّ ؛ لِئَلَّا

يَعرِضَ لَهُنَّ فاسِقٌ إذا عَلِمَ أنَّهُنَّ حرائِرُ بأذىً من قول .

 

* قال القُرطبيُّ - رَحِمَه الله - :

المَسألةُ الثانية : لَمَّا كانت عادةُ العربيَّات التَّبَذُّل , وكُنَّ يَكشِفنَ

وجوههنَّ كما يفعلُ الإماءُ , وكان ذلك داعيةً إلى نظر الرجال

إليهنَّ , وتشعُّب الفِكرةِ فِيهِنَّ , أَمَرَ اللهُ رسولَه - صلَّى الله

عليه وعلى آله وسلَّم - أن يأمُرهُنَّ بإرخاء الجلابيب عليهنَّ

إذا أردن الخروج إلى حوائجهنَّ , وكُنَّ يتبرَّزنَ في الصحراء -

قبل أن تُتَّخَذَ الكُنُفُ - فيَقعُ الفرقُ بينهُنَّ وبين الإماء ،

فتُعرَفُ الحَرائِرُ بسترهنَّ فيَكُفُّ عن مُعارضتهنَّ مَن كان

عزبًا أو شابًّا . انتهي مَحَلُّ الغَرَض منه .

 

* قال الشوكانيُّ - رَحِمَه الله - (فتح القدير 4/304) :

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ

عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ .) ، مِن للتبعيض , والجَلابيبُ

جَمْعُ جِلباب , وهو ثَوبٌ أكبرُ مِن الخِمار .

 

قال الجَوهِريُّ : الجِلبابُ المَلْحَفَةُ ، وقيل : القِناعُ , وقيل : هو

ثَوبٌ يَستُرُ جَميعَ بَدَنِ المرأة كما ثبت في الصحيح من حديث أم

عطية أنها قالت : يا رسولَ الله , إحدانا لا يكونُ لها جِلبابٌ ,

فقال : (( لتُلبِسها أختُها مِن جِلبابِها )) . قال الواحِديُّ : قال

المُفَسِّرُونَ : يُغَطِّينَ وجوهَهُنَّ ورُءوسَهُنَّ إلَّا عَينًا واحدةً ، فيُعلَمُ

أنَّهُنَّ حَرائِر ، فلا يعرضُ لَهُنَّ بأذى , وقال الحَسَن : تُغطِّي

نِصفَ وجهها , وقال قتادة : تلويه فوق الجبين وتشدّه ، ثُم

تعطفه على الأنف ، وإن ظهرت عيناها لكنَّه يَستُرُ الصَّدرَ

ومُعظَمَ الوجه , والإشارةُ بقوله ( ذَلِكَ ) إلى إدناءِ الجَلابيب ,

وهو مُبتدأ وخَبَرُه ( أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ ) ؛ أيْ : أقربُ أن يُعرفنَ

فلا يَتميَّزنَ عن الإماءِ ، ويَظهَرُ للناس أنَّهُنَّ حَرائِرُ( فَلَا

يُؤْذَيْنَ ) مِن جِهة أهل الرِّيبة ؛ بالتَّعرُّض لَهُنَّ مُراقبَةً لَهُنَّ

ولأهلِهِنَّ . وليس المُراد بقوله ( ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا

يُؤْذَيْنَ) أن تُعرَفَ الواحِدةُ مِنهُنَّ مَن هِي , بل المُرادُ : أن

يُعرفنَ أنَّهُنَّ حَرائِرُ لا إماء ؛ لأنَّهُنَّ قد لَبِسنَ لبسةً تختص

بالحرائر ,( وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا )لِمَا سَلَفَ مِنهُنَّ مِن

تركِ إدناءِ الجلابيب ,( رَحِيمًا ) بِهِنَّ أو غفورًا لذنوب

المُذنبين رحيمًا بهن ، فيَدخُلنَ في ذلك دُخولاً أوَّلِيًّا .

 

* قال الشنقيطيُّ - رَحِمَه الله - (أضواء البيان 6/586) :

ومِن الأدلة القرآنية على احتجاب المرأة وسترها جميع بدنها

حتى وجهها قولُه تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ

وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ) ، فقد قال غَيرُ

واحِدٍ مِن أهل العلم إنَّ معنى( يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ )

أنَّهُنَّ يَستُرنَ بها جَميعَ وجوهِهِنَّ ، ولا يَظهَرُ مِنهُنَّ شيءٌ إلَّا

عَينٌ واحِدةٌ تُبصِرُ بها , ومِمَّن قال به ابنُ مسعود وابنُ عباس

وعبيدة السَّلمانِيّ وغيرُهم .

 

ثُمَّ بدأ الشيخُ - رَحِمَه الله - مُناقشتَه للمُخالِفين .

 

# قُلتُ : وقد بَيَّنَّا ما في أثر ابن عباسٍ قريبًا .

 

هذا , وقد قال ابنُ كثيرٍ - رَحِمَه الله - أقوالاً مُشابِهَةً لِمَا تقدَّمَ .

 

b052d24f62403e9159930af03a61cd94.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

ثالثًا : وجهُ الاستدلال بالآيةِ الكَريمةِ :

 

ووَجهُ استدلالنا بالآيةِ مِن ناحيتين :

الأولى : عِلَّةُ الاشتراكِ في قولِهِ تعالى ( قُلْ لِأَزْوَاجِكَ

وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ...)

الثانية : قولُ أكثر أهل التفسير في الآية .

 

= أمَّا بالنسبةِ للناحية الأولى : فقد اشترك نِساءُ المؤمنين في

الأمر المُوَجَّه لأزواج النبيِّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -

وبناتِهِ بإدناءِ الجلابيب عليهنَّ , ولا يَختلِفُ اثنان مِن أهل العِلم

أنَّ نِساءَ النبيِّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - أُمِرنَ بسَتر

وجوههنَّ - على الأقلِّ - فيَتبعهنَّ في ذلك نِساءُ المؤمنين .

 

= أمَّا بالنسبةِ للناحية الثانية : وهِيَ تفسيرُ أهل العلم للإدناء

من الجلابيب ، فالمُرادُ - وإنْ كان ورد فيها بَعضُ الخِلاف -

على قول أكثر أهل العِلم : تغطية الوَجه .

 

b052d24f62403e9159930af03a61cd94.png

 

# تنبيهٌ هامٌّ : ليس المُراد مِن قوله تعالى ( ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ

يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ) أن تُعرَفَ الواحِدَةُ مِن النساء مَن هِيَ كما

يَذكُرُهُ بَعضُ مَن يلبسون الحَقَّ بالباطِل , وإنَّما المُرادُ : أن يُعرَفنَ

أنَّهُنَّ حَرائِرُ لا إماء ؛ وذلك لأنَّهُنَّ لَبِسنَ لبسةً تختص بالحَرائر .

 

# تنبيهٌ ثانٍ : وَرَدَ في سَبَبِ نزول هذه الآية : أنَّ النبيَّ

- صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - قَدِمَ المَدينةَ على غير مَنزلٍ ,

فكان نِساءُ النبيِّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - وغيرُهُنَّ

إذا كان الليلُ خَرجنَ يَقضِينَ حوائجهُنَّ , وكان رجالٌ يَجلِسُونَ

على الطريق للغَزَلِ ، فأنزل الله (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ

وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ)

وسَبَبُ النزول هذا لا يَصِحُّ ، فقد أخرجه ابنُ جرير الطبريّ

- رَحِمَه الله - (22/34) ، وفي إسناده ضَعْفٌ شديد ,

ففيه ابنُ حميد ، وهو محمد بن حميد شيخ ابن جرير ،

وهو ضعيف , وفيه راوٍ لم يُسَمَّ ، وفيه أنواعٌ أخرى من

الضَّعف .

وليس معنى كَوْنِ سَبَب النزول لا يَصِحُّ ، أنَّ تفسيرَ العُلَمَاءِ

للآيةِ خطأ .

 

# تنبيهٌ ثالِثٌ : سَبَقَ أن بَيَّنَّا قي تفسير الآيةِ أنَّ الله

- عز وجل - أمر نبيَّه - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -

أن يأمُرَ أزواجَه وبناتِه ونساءَ المؤمنين أن يتميَّزنَ في زِيِّهِنَّ

عن زِيِّ الإماء , وذلك بأن يُدنينَ عليهِنَّ من جلابيبهِنَّ , فإذا

فعلن ذلك ورآهُنَّ الفُسَّاقُ ، عَلِمُوا أنَّهُنَّ حرائر ، فكَفُّوا عنهُنَّ .

 

وليس المُرادُ من ذلك : أنَّ تَعَرُّضَ الفُسَّاقَ للإماءِ جائِزٌ ، بل

هو حَرامٌ لا شَكَّ في ذلك , والمُتعرِّضُ لَهُنَّ من الذين في قلوبهم

مَرَضٌ , بل كُلُّ ما في الأمر أنَّ الحرائر يَحترزن أكثر من الإماء ,

وقد قال الصحابةُ رضوان الله عليهم - لَمَّا بَنَى النبيُّ صلَّى الله

عليه وعلى آله وسلَّم بصَفيَّة بنت حُيَيّ كما سيأتي في أبواب

مُناقشة المُخالفين - إنْ حَجَبَها فهِيَ إحدى أمهات المؤمنين ,

وإنْ لم يَحجُبها فهِيَ مِمَّا ملَكت يَمينُه , فدَلَّ ذلك على التَّفريق .

 

ونحنُ إنما ذكرنا هذا التنبيه ؛ لأنَّ أبا محمد بن حزم - رَحِمَه

الله - قال في المُحلَّى (3/218) : وقد ذهب بَعضُ مَن وَهلَ

في قول الله تعالى ( يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى

أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ( إلى أنَّه إنما أمر اللهُ تعالى بذلك ؛ لأنَّ

الفُسَّاق كانوا يتعرَّضون للنساء للفِسْق ، فأمر الحرائر بأن يلبسن

الجلابيب ؛ لِيَعرِفَ الفُسَّاقُ أنَّهُنَّ حرائر فلا يَعترضونهنَّ .

 

قال : ونحنُ نبرأ إلى الله من هذا التفسير الفاسِد الذي هو إما

زَلَّةُ عالِمٍ ووَهلَةُ فاضِلٍ عاقِلٍ , أو افتراءُ كاذِبٍ فاسِقٍ ؛ لأنَّ فيه

أنَّ الله تعالى أطلق الفُسَّاقَ على أعراض إماء المسلمين ،

وهذه مُصيبةُ الأبد .. إلى آخِر ما قال رَحِمَه الله وعفا عنه .

 

# قُلتُ : أولاً : إنَّ هذا القول الذي نَقَدَه ابنُ حَزم - رَحِمَه الله -

هو قولُ جُمهور المُفسِّرين من التابعين فمَن بَعدَهم .

 

ثانيًا : إنَّ قولَ جُمهور المُفسرين الذي انتقده ابنُ حزمٍ ، ليس

فيه أبدًا ما ادَّعاه ابنُ حزمٍ مِن أنَّ الله تعالى أطلق الفُسَّاقَ على

أعراض إماء المسلمين . وتوضيحًا لذلك نقولُ : إذا أمر اللهُ - عز

وجل - نِساءَ النبيِّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - بأمرٍ

نحو قوله تعالى ( فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ

مَرَضٌ )الأحزاب/32 ، فهل في هذا إباحةٌ للذي في قلبه مرضٌ

أن يَطمَعَ في نساء المؤمنين وإمائهم , كلَّا وحاشا ، فهو زيادةُ أمرٍ

لاحتراز نساء النبيِّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - مِن

الذين في قلوبهم مرض .

 

قال الشنقيطيُّ في أضواء البيان (6/588) : وفي الجُملةِ : فلا

إشكال في أمر الحرائر بمُخالفةِ زِيِّ الإماءِ ؛ لِيَهابَهُنَّ الفُسَّاقُ ، ودَفْعُ

ضَرَر الفُسَّاق عن الإماء لازِمٌ , وله أسبابٌ أُخَر ليس منها إدناءُ

الجلابيب .

 

# تنبيهٌ رابِعٌ : فَسَّر أبو محمد بن حزم رَحِمَه الله - رغم

مُخالفته لنا في مسألة الوجه - الجِلبابَ بقوله : والجِلبابُ في

لُغة العَرب التي خاطبنا بها رسولُ الله صلَّى الله عليه وعلى آله

وسلَّم : هو ما غَطَّى جَميعَ الجِسم لا بَعضَه . (المحلى 3/217)

 

_____________________

(6) وله إسنادٌ آخَر عن عبيدة أيضًا عند ابن جرير ، فقال ابن

جرير - رَحِمَه الله - : حدثني يعقوب قال : ثنا هشيم قال :

أخبرنا هشام عن ابن سيرين قال : سألتُ عبيدة عن قوله :

﴿ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ

جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ . قال : فقال : بثَوبِهِ ، فغطَّى رأسَه ووجهَه ،

وأبرز ثَوبَه عن إحدى عينيه .

 

# قُلتُ : وهذا أيضًا إسنادٌ صحيح .

وقد ورد في هذا أيضًا أثرٌ عن ابن عباس - رَضِيَ الله عنهما -

في قوله تعالي : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ

يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ ، أمَرَ اللهُ نِساءَ المؤمنين إذا خرجن

من بيوتهِنَّ في حاجةٍ ، أن يُغطِّينَ وجوهَهُنَّ من فوق رُءوسِهِنَّ

بالجلابيب ، ويُبدِينَ عَينًا واحدة .

لكنْ في إسنادِ هذا كلام ، إذ إنِّ الراوي عن ابن عباس هو عليُّ

بنُ أبي طلحة , وهو لم يَسمَع منه , وقد قيل : إنَّ بينهما مُجاهِدًا ،

لكنَّنا الآن علي ضَعْفِ رواية عليّ عن ابن عباس . وَرَدَ أثرٌ آخَرُ

بسَنَدٍ حَسَنٍ عن قتادة عند الطبريِّ أيضًا ، فقال الطبريُّ : حدثنا

بِشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله : ﴿ يَا أَيُّهَا

النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ، أَخَذَ اللهُ عليهِنَّ

إذا خرجن أن يقنعن على الحواجب ، ذلك أدنى أن يُعرفنَ فلا

يُؤذَيْنَ , وقد كانت المَملوكةُ إذا مَرَّت تناولوها بالإيذاءِ ، فنَهَي

اللهُ الحرائرَ أن يَتشبَّهنَ بالإماء . وهذا سَنَدٌ حَسَنٌ ، فبِشر

هو ابنُ مُعاذ , ويَزيد هو ابنُ ذريع . وثَمَّةَ آثارٌ أُخرى .

__________________

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

cd0dbded07cc5fbdb3726faca7911cab.png

 

 

الدَّليلُ الرَّابِعُ : حَدِيثُ المَرأةِ عَوْرَة :

 

قال الترمذيُّ - رَحِمَهُ الله - (1173) :

حدثنا محمد بن بشار حدثنا عمرو بن عاصم حدثنا همام

عن قتادة عن مورق عن أبي الأحوص عن عبد الله عن

النبي - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم – قال : (( المَرأةُ

عَوْرَة ، فإذا خَرَجَت استشرفَها الشيطانُ )) (7)

 

وقال الترمذيُّ : هذا حَديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ , ( وفي نُسخة

التُّحفَة : حَديثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ غَريبٌ ) . رِجالُه ثِقات (8)

 

_____________________

(7) عند ابن خُزيمة والطبرانيّ زيادة : (( وأقربُ ما تكونُ مِن

وَجه رَبِّها وهِيَ في قَعْرِ بَيتِها )) .

 

(8) وإنْ كان في إسناده عمرو بن عاصم وَثَّقَهُ ابنُ مَعِينٍ وغَيرُه ,

وتكلَّمَ فيه بَعضُ أهل العِلم ، إلَّا أنَّه مِن رجال الجَماعة , وأيضًا

فقد تُوبِعَ , وإنْ كانت المُتابَعاتُ فيها ضَعفٌ إلَّا أنَّها تَرفَعُ مِن

شأنِهِ .

 

وقد ورد في سَنَدِ هذا الحديث خِلافٌ يَسيرٌ ، فرواه همام ( كما عند

الترمذيّ وابن خُزيمة ) عن قتادة عن مورق عن أبي الأحوص ..

به كما , وتُوبِعَ همام على هذا ، تابعه سعيد بن بشير ( كما عند

ابن خُزيمة ) ، وتابعه أيضًا سويد أبو حاتم ( كما عند الطبرانيّ ) ،

فرواه هؤلاء الثلاثة عن قتادة عن مورق عن أبي الأحوص .. به ,

وخالَفَهم سليمان التيميّ ( كما عند ابن خُزيمة ) ، فرواه عن قتادة

عن أبي الأحوص مُباشرة ( أي بدون ذِكر مورق ) . ولا يَضُرُّ هذا

الخِلافُ ، فهمام ثِقَهٌ ثَبت في قتادة ، وقد تشكَّكَ ابنُ خُزيمة - رَحِمَه

الله - في صِحَّةِ هذا الحَديثِ مِن أجل عنعنة قتادة ، وهو مُدَلِّس ، فلم

يُصَرِّح قتادة بالتَّحديث لا عن أبي الأحوص , ولا عن مورق . قال ابنُ

خُزيمة : وإنَّما قُلتُ : ولا هل سَمِعَ قتادة هذا الخبر عن أبي الأحوص

لرواية سليمان التيميّ هذا الخبر عن قتادة عن أبي الأحوص ؛ لأنَّه

أسقَطَ مورقًا من هذا الإسناد , وهمام وسعيد بن بشير أدخلا في الإسناد

مورقًا ، وإنَّما شَكَكتُ أيضًا في صِحَّتِهِ ؛ لأنِّي لا أقِفُ على سماع قتادة

هذا الخبر من مورق . انتهي كلامُ ابن خُزيمة - رَحِمَه الله - .

 

# قُلتُ : وقتادة مُدَلِّسٌ مَشهورٌ بالتَّدليس ، كما ذَكَرَه الحافِظُ ابنُ

حَجَر في "طبقات المُدَلِّسِين" ، فقد ذكره في الطبقة الثالثة منهم ،

وقال : كان حافِظَ عَصره ، وهو مَشهورٌ بالتَّدليس ، وَصَفَهُ به

النّسائيُّ وغيرُه .

 

لكنْ يُقلِّلُ مِن ضَرَر هذه العِلَّةِ أنَّ همامًا ثَبْتٌ في قتادة . قال عمرو

بن عليّ : الأثباتُ مِن أصحاب قتادة : ابن أبي عَرُّوبَة ، وهشام ،

وشُعبة ، وهمام .

 

وقال ابنُ المُبارك : همام ثَبْتٌ عن قتادة .

 

وقال ابنُ عَدِيّ : وهمام أشهرُ وأصدَقُ مِن أن يُذكَرَ له حَديثٌ ،

وأحاديثُه مُستقيمةٌ عن قتادة .

 

فالذي نَخلُصُ به من هذا الحديث يَصلُحُ للاحتجاج به , وقد صَحَّحه

الشيخُ ناصر الألبانيّ في الإرواء 273 , واللهُ تعالى أعلم .

 

# تنبيه : قد رُوِيَ هذا الحديثُ مَوقوفًا علي ابن مسعودٍ باسنادين

إلى أبي الأحوص عنه عند الطبرانيّ 9480 , 9481 .

 

* وأمَّا قولُه : (( المَرأةُ عَوْرَة )) , فقال المُباركفُوريّ في تُحفة الأحوذي

(3/337) : قال في مجمع البحار : جَعَلَ المَرأةَ نَفْسَها عَورة ؛ لأنَّها إذا

ظَهَرَت يستحى منها كما يستحى من العَورة إذا ظَهَرَت , والعَورةُ : السَّوْأَةُ

وكُلُّ ما يستحى منه إذا ظَهَر , وقيل : إنَّها ذاتُ عَورة ، (( فإذا خَرَجَت

استشرفَها الشيطانُ )) أيْ : زَيَّنَها في نظر الرجال , وقيل أيْ : نَظَرَ

إليها لِيغويها ويغوي بها , والأصلُ في الاستشراف : رَفْعُ البَصَرِ للنَّظَرِ

إلى الشيءِ ، وبَسْطُ الكَفِّ فوق الحاجِبِ , والمعنى : أنَّ المَرأةَ يُستقبَحُ

بُرُوزُها وظُهُورُها ، فإذا خَرَجَت أمعَنَ النَّظَرَ إليها ؛ ليغويها بغيرها ,

ويغوي غيرَها بها ، لِيُوقِعَهما أو أحدَهما في الفِتنة , أو يُريدُ

بالشيطان : شيطان الإنس من أهل الفِسق ، سَمَّاه به على

التَّشبيه .

 

ويتَّضِحُ معني الاستشراف أيضًا مِمَّا أخرجه الطبرانيُّ (9478)

عن ابن مسعودٍ أنَّه قال : تقولُ إحداهُنَّ : أذهبُ إلى أهلي ،

فيَستشرفها الشيطانُ حتى تقولَ : ما رآني أحدٌ إلَّا أعجبتُه ,

وفي روايةٍ : إنَّكِ لا تَمُرِّي بأحدٍ إلَّا أعجبتيه .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

cd0dbded07cc5fbdb3726faca7911cab.png

 

 

الدَّليلُ الخَامِسُ : فِعلُ عائشة - رَضِيَ

الله عنها - :

 

وفي حَديثِ الإفك :

قالت عائشة : (( ... وكان صفوانُ بنُ المُعَطِّل السّلميّ ثُمَّ

الذكوانيّ ، مِن وراءِ الجيش ، فأدلَجَ ، فأصبح عند منزلي ,

فرأى سَوادَ إنسانٍ نائِمٍ ، فأتاني ، فعَرَفَني حين رآني , وكان

يَراني قبل الحِجاب , فاستيقظتُ باسترجاعِهِ حين عَرَفَني ,

فخَمَّرتُ (9) وَجْهِي بجِلْبَابِي ... )) الحديث . صحيح ،

أخرجه البُخاريُّ (8/452) , ومُسلِم ص (2129) .

_____________________

(9) قال الحافِظُ ابنُ حَجَر - رَحِمَه الله - ( فتح الباري 8/463 ) :

قولُه : فخَمَّرتُ , أيْ : غَطَّيْتُ .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

Hejab-evidences-H.png

 

 

الدَّليلُ السَّادِسُ : حَديثُ أسماء - رَضِيَ

الله عنها - :

 

قال الحاكِمُ - رَحِمَه الله - (1/454) :

حدثنا علي بن حمشاذ العدل ثنا محمد بن شاذان الجوهري ثنا

زكرياء بن عدي ثنا علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن

فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر - رَضِيَ الله

عنهما - قالت : (( كُنَّا نُغَطِّي وجوهَنا من الرِّجال , وكُنَّا نَمتشِطُ

قبل ذلك في الإحرام )) صحيح (10) .

 

قال الحاكِمُ : هذا حَديثٌ صَحيحٌ على شَرطِ الشَّيخين ولم

يُخرجاه ، ووافقه الذهبيُّ .

 

_____________________

(10) وله شاهِدٌ عند أبي داود (1833) , وأحمد (6/30) , والبيهقيّ

(5/48) من حديث عائشة - رَضِيَ الله عنها – قالت : (( كان الرُّكبانُ

يَمُرُّونَ بِنا ونَحنُ مع رسول اللهِ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -

مُحْرِمات ، فإذا حاذوا بنا سَدَلَت إحدانا جِلبابَها مِن رأسِها على وَجهِها ،

فإذا جاوَزْنا كشفناه )) . وفي إسنادِ هذا الشَّاهِد يَزيد بن أبي زياد ،

وهو - وإنْ كان مِن رِجال مُسلِم - إلَّا أنَّه ضَعيفٌ , لكنَّه يَصلُحُ شاهِدًا

لِحَديثِ أسماء , وكذلك يُقَوِّيه حَديثُ أسماء .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×