اذهبي الى المحتوى
امة من اماء الله

شرح حديث: "حسب ابن آدم لقيمات"

المشاركات التي تم ترشيحها

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح حديث: "حسب ابن آدم لقيمات"

 

 

 

 

 

 

الحمدُ لله والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

 

 

 

 

وبعد:

 

 

 

 

روى الترمذي في سننه من حديث المقدام بن معدي كرب - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما ملأ آدمي وعاء شرًّا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه))

[1]صححه الألباني.

 

 

 

 

 

 

 

- قَوْلُهُ : (مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً) أَيْ ظَرْفًا (شَرًّا مِنْ بَطْنٍ) صِفَةُ وِعَاءٍ ، جَعَلَ الْبَطْنَ أَوَّلًا وِعَاءً كَالْأَوْعِيَةِ الَّتِي تُتَّخَذُ ظُرُوفًا لِحَوَائِجِ الْبَيْتِ تَوْهِينًا لِشَأْنِهِ ثُمَّ جَعَلَهُ شَرَّ الْأَوْعِيَةِ ؛ لِأَنَّهَا اسْتُعْمِلَتْ فِيمَا هِيَ لَهُ وَالْبَطْنُ خُلِقَ لِأَنْ يَتَقَوَّمَ بِهِ الصُّلْبُ بِالطَّعَامِ وَامْتِلَاؤُهُ يُفْضِي إِلَى الْفَسَادِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا فَيَكُونُ شَرًّا مِنْهَا (بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ) مُبْتَدَأٌ أَوِ الْبَاءُ زَائِدَةٌ أَيْ يَكْفِيهِ وَقَوْلُهُ (أُكُلَاتٌ) بِضَمَّتَيْنِ خَبَرُهُ نَحْوُ قَوْلِهِ : بِحَسْبِكَ دِرْهَمٌ وَالْأُكْلَةُ بِالضَّمِّ اللُّقْمَةُ أَيْ يَكْفِيهِ هَذَا الْقَدْرُ فِي سَدِّ الرَّمَقِ وَإِمْسَاكِ الْقُوَّةِ (يُقِمْنَ) مِنَ الْإِقَامَةِ (صُلْبَهُ) أَيْ ظَهْرَهُ تَسْمِيَةً لِلْكُلِّ بِاسْمِ جُزْئِهِ ، كِنَايَةً عَنْ أَنَّهُ لَا يَتَجَاوَزُ مَا يَحْفَظُهُ مِنَ السُّقُوطِ وَيَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ (فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَيُضَمُّ ، أَيْ إِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنَ التَّجَاوُزِ عَمَّا ذَكَرَ فَلْتَكُنْ أَثْلَاثًا (فَثُلُثٌ) أَيْ فَثُلُثٌ يَجْعَلُهُ (لِطَعَامِهِ) أَيْ مَأْكُولِهِ (وَثُلُثٌ) يَجْعَلُهُ (لِشَرَابِهِ) أَيْ مَشْرُوبِهِ (وَثُلُثٌ) يَدَعُهُ (لِنَفَسِهِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ يُبْقِي مِنْ مِلْئِهِ قَدْرَ الثُّلُثِ لِيَتَمَكَّنَ مِنَ التَّنَفُّسِ وَيَحْصُلُ لَهُ نَوْعُ صَفَاءٍ وَرِقَّةٍ وَهَذَا غَايَةُ مَا اخْتِيرَ لِلْأَكْلِ وَيَحْرُمُ الْأَكْلُ فَوْقَ الشِّبَعِ . وَقَالَ الطِّيبِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- : أَيِ الْحَقُّ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ عَمَّا يُقَامُ بِهِ صُلْبُهُ لِيَتَقَوَّى بِهِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ فَإِنْ أَرَادَ الْبَتَّةَ التَّجَاوُزَ فَلَا يَتَجَاوَزُ عَنِ الْقَسْمِ الْمَذْكُورِ .

 

 

- فصل : المفسد الرابع من مفسدات القلب : الطعام :

والمفسد له من ذلك نوعان :

أحدهما ما يفسده لعينه وذاته كالمحرمات وهي نوعان : محرمات لحق الله كالميتة والدم ولحم الخنزير وذي الناب من السباع والمخلب من الطير ومحرمات لحق العباد كالمسروق والمغصوب والمنهوب وما أخذ بغير رضى صاحبه إما قهرا وإما حياء وتذمما

والثاني : ما يفسده بقدره : وتعدي حده كالإسراف في الحلال والشبع المفرط فإنه يثقله عن الطاعات ويشغله بمزاولة مؤنة البطنة ومحاولتها حتى يظفر بها فإذا ظفر بها شغله بمزاولة تصرفها ووقاية ضررها والتأذى بثقلها وقوى عليه مواد الشهوة وطرق مجاري الشيطان ووسعها فإنه يجرى من ابن آدم مجرى الدم فالصوم يضيق مجاريه ويسد عليه طرقها والشبع يطرقها ويوسعها ومن أكل كثيرا شرب كثيرا فنام كثيرا فخسر كثيرا وفي الحديث المشهور : ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا بد فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ويحكى أن إبليس لعنه الله عرض ليحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام فقال له يحيى : هل نلت مني شيئا قط قال : لا إلا أنه قدم إليك الطعام ليلة فشهيته إليك حتى شبعت منه فنمت عن وردك فقال يحيى : الله علي أن لا أشبع من طعام أبدا فقال إبليس : وأنا لله علي أن لا أنصح آدمي أبدا .

 

 

 

 

 

ويقول: د. أمين بن عبدالله الشقاوي

 

 

 

قال ابن رجب: هذا الحديث أصل جامع لأصول الطب كلها، وقد روي أن ابن ماسويه الطبيب لما قرأ هذا الحديث في كتاب أبي خيثمة قال: لو استعمل الناس هذه الكلمات لسلموا من الأمراض والأسقام، ولتعطلت دكاكين الصيادلة

[2]؛ ا .هـ؛ وذلك لأن أصل كل داء التخمة، وقال الحارث بن كلدة طبيب العرب: الحمية رأس الدواء، والبطنة رأس الداء، قال الغزالي: ذُكِر هذا الحديث لبعض الفلاسفة، فقال: ما سمعت كلامًا في قلة الأكل أحكم من هذا[3].

 

هذا الحديث الشريف اشتمل على فوائد كثيرة:

أولاً: أن في تقليل الطعام منافع كثيرة للجسم، فمن ذلك رقة القلب، وقوة الفهم، وانكسار النفس، وضعف الهوى والغضب، وكثرة الأكل توجب ضد ذلك.

 

قال المروذي: جعل أبو عبدالله - يعني الإمام أحمد بن حنبل - يعظم الجوع والفقر، فقلت له: يؤجر الرجل في ترك الشهوات؟ فقال: وكيف لا يؤجر وابن عمر رضي الله عنهما يقول: ما شبعت منذ أربعة أشهر، قلت لأبي عبدالله: يجد الرجل من قلبه رقة وهو يشبع؟ قال: ما أرى، قال الشافعي: الشبع يثقل البدن ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة

[4].

 

ثانيًا: أن كثرة الأكل تسبب أمراضًا للبدن، قال ابن القيم رحمه الله: الأمراض نوعان: أمراض مادية تكون عن زيادة مادة أفرطت في البدن حتى أضرت بأفعاله الطبيعية، وهي أكثر الأمراض، وسببها إدخال الطعام على البدن قبل هضم الأول، والزيادة في القدر الذي يحتاج إليه البدن، وتناول الأغذية القليلة النفع، البطيئة الهضم، والإكثار من الأغذية المختلفة التراكيب المتنوعة، فإذا ملأ الآدمي بطنه من هذه الأغذية واعتاد ذلك أورثته أمراضًا متنوعة، منها بطيء الزوال أو سريعه، فإذا توسط في الغذاء، وتناول منه قدر الحاجة، وكان معتدلاً في كميته وكيفيته كان انتفاع البدن به أكثر من انتفاعه بالغذاء الكثير.

 

قال ابن الرومي:

 

 

فإن الداء أكثر ما تراه space.gif

يكون من الطعام أو الشراب space.gif

 

 

 

وقال الشافعي:

 

 

ثلاث هن مهلكة الأنام space.gif

وداعية الصحيح إلى السقام space.gif

 

دوام مدامة ودوام وطء space.gif

الطعام على الطعام space.gif

 

 

 

ثالثًا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر أن اللقيمات تكفي لحاجة الجسم، فلا تسقط قوته ولا تضعف معها، فإن تجاوزها فليأكل في ثلث بطنه، ويدع الثلث الآخر للماء، والثالث للنَّفَس، وهذا أنفع ما للبدن وللقلب، فإن البطن إذا امتلأ من الطعام ضاق عن الشراب، فإذا ورد عليه الشراب ضاق عن النفس، وعرض له الكرب والتعب، بمنزلة حامل الحمل الثقيل، هذا إلى ما يلزم ذلك من فساد القلب، وكسل الجوارح عن الطاعات، وتحركها في الشهوات التي يستلزمها الشبع

[5].

 

ويلاحظ هذا جيدًا في رمضان، فإن من يكثر من تناول الطعام في فطوره، فإن صلاة العشاء والتراويح تصبح ثقيلة عليه.

 

رابعًا: الحث على التقليل من الأكل، ففي الصحيحين من حديث أبي موسى - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((المؤمن يأكل في مِعًى واحد، والكافر يأكلُ في سبعة أمعاء»

[6]، والمراد أن المؤمن يأكل بأدب الشرع فيأكل في مِعًى واحد، والكافر يأكل بمقتضى الشهوة والشره والنهم، فيأكل في سبعة أمعاء، وندب - صلى الله عليه وسلم - مع التقليل من الأكل والاكتفاء ببعض الطعام إلى الإيثار بالباقي منه؛ روى البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((طعامُ الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية))[7].

 

خامسًا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما حث على التقليل من الطعام، فإنه كان يفعل ذلك هو وأصحابه، وهذا في الغالب، وإن كان ذلك لعدم وجود الطعام فإن الله لا يختار لرسوله إلا أكمل الأحوال وأفضلها؛ روى الترمذي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: تجشأ رجل عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((كُفَّ عنا جُشاءك، فإن أكثرهم شبعًا في الدنيا أطولهم جوعًا يوم القيامة))

[8].

 

سادسًا: أن هذا الحديث فيه الحث على الاقتصاد، وعدم الإسراف؛ قال تعالى: " يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ " [الأعراف: 31].

 

سابعًا: أن هذا الحديث فيه تعويد على الصبر والتحمل والانتصار على النفس الشهوانية، ولذلك يسمى رمضان شهر الصبر.

 

والحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

[1] ص 390 برقم 2380، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وحسنه الحافظ في الفتح (9/ 528).

 

[2] جامع العلوم والحكم ص 503.

 

[3] جامع العلوم والحكم ص 503، وفتح الباري (9/ 528).

 

[4] جامع العلوم والحكم ص 504- 506.

 

[5] انظر: الطب النبوي ص 105.

 

[6] ص 854 برقم 2062، وصحيح البخاري ص1067 برقم 5393.

 

[7] ص 853 برقم 2059، وصحيح البخاري ص1067 برقم 5392 واللفظ لمسلم.

 

[8] ص 404 برقم (2478)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

 

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

قال المروذي: جعل أبو عبدالله - يعني الإمام أحمد بن حنبل - يعظم الجوع والفقر، فقلت له: يؤجر الرجل في ترك الشهوات؟ فقال: وكيف لا يؤجر وابن عمر رضي الله عنهما يقول: ما شبعت منذ أربعة أشهر، قلت لأبي عبدالله: يجد الرجل من قلبه رقة وهو يشبع؟ قال: ما أرى، قال الشافعي: الشبع يثقل البدن ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة

[4].

جزاك الله خيرا

جعل الله ما تقدمين في ميزان حسناتك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بسم الله

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

 

بوركت أمومة الحبيبة جزاك الله خيرًا ()

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

سبحان الله العظيم

 

فما بال أمتنا تصنع الولائم تكفى حى من الجوعى لاستضافة أسرة واحدة

 

اللهم لاتؤاخذنا بما فعل السفهاء منا

 

ورُد الأمة إليك مردا جميلا

 

بارك الله فيكِ أمومة الجميلة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

وبارك الله فيكنّ جميعا وجزاكنّ تعالى خيرا حبيباتي على المرور الجميل

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×