اذهبي الى المحتوى
شامخة بإيماني

آفــة الاستعجـال || ~

المشاركات التي تم ترشيحها

post-28298-0-99526900-1392884466.png

 

 

من الصفات المذمومة والخطيرة على الإنسان المسلم: آفة الاستعجال

ومن خطورتها أنه لا يسلم منها أحد، الجميع له منها نصيب، لكن القدَر يختلف من شخص إلى آخر، صفة تقف وراءها نفسٌ مندفعة، أو انفعال متهور، فقَتْلُ الأبرياءِ من آثارها، والطلاقُ من ثمارها، واليأس من أضرارها، وترك الدعاء من مظاهرها.

 

تأتي خطورتها - أيضًا - أنها صفة فطَر اللهُ الإنسان عليها، لكنه حذَّر من خطورتها

قال الله تعالى: ( وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا )[الإسراء: 11]،

وقال سبحانه: (خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ ) [الأنبياء: 37]،

وقال سبحانه: ( وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ )[يونس: 11].

post-28298-0-84594700-1392937732.png

وفي هذا البحث سأركِّزُ الحديث على ثلاثة محاور في هذا الموضوع:

أولاً: نظرة الإسلام إلى الاستعجال.

ثانيًا: الاستعجال المذموم، والاستعجال المحمود.

ثالثًا: سبل العلاج.

 

أولاً: نظرة الإسلام إلى الاستعجال:

كما قلنا: إن طبيعة الإنسان كما أخبر الله سبحانه وتعالى:( خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ) فالإنسان بطبيعته عجول، والنفس بطبيعتها مندفعة، وهذا أمرٌ جعله الله سبحانه وتعالى لحكمة عظيمة؛ في أن يكون للإنسان هذا الطبع وهذه الصفة والغريزة؛ بدليل أن بعض الأنبياء لم يَسلَمْ منها في بعض المواقف.

 

فهذا سيدنا موسى عليه السلام قصته مع الخضر واضحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يرحَمُ الله موسى، ليس المُعايِن كالمُخبَر، أخبره ربُّه أن قومه فُتِنوا بعدَه، فلم يُلقِ الألواح، فلما رآهم وعاينَهم ألقى الألواح))، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله موسى؛ لو لم يعجل لقصَّ من حديثه غير الذي قصَّ))

 

وقال الله عنه: ( وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) [طه: 83، 84].

وسيدنا يونس عليه السلام ذهب مغاضبًا، وتعجَّل أمر ربه مع قومه؛ ولذلك خاطب الله نبيَّنا عليه الصلاة والسلام قائلاً: ( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ ) [القلم: 48، 49].

 

وسيدنا يوسف عليه السلام تعجَّل الخروج من السجن حين قال للغلام: ( وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ) [يوسف: 42].

post-28298-0-84594700-1392937732.png

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله يوسفَ؛ لولا الكلمةُ التي قالها: ( اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) ما لبث في السجن ما لبث، ورحم الله لوطًا؛ إن كان ليأوي إلى ركن شديد؛ إذ قال لقومه: (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ )[هود: 80]، قال: فما بعث الله نبيًّا بعدَه إلا في ثروة من قومه)).

 

وها هو نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم يتعجل في تلقي القرآن من جبريل؛ خوفًا من نسيانه، فنهاه المولى سبحانه عن ذلك، وطمأنه بحفظه إياه، قال تعالى: ( لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) [القيامة: 16 - 19].

 

إذًا فهي صفة الإنسان الذي يسابقُ القضاء، إلا أن يتصل بالله فيثبُتَ، ويطمئنَّ، ويكِلَ الأمر لله، فيرضى ويسلم ولا يتعجل.

 

ومن عجلة الإنسان: أنه ربما يستعجل في سؤال الله ما يضره، كما يستعجل في سؤال الخير، ولو استجاب له ربُّه لهلك بدعائه؛ ولهذا قال سبحانه: ( وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ )[يونس: 11].

 

ولذلك يقول المولى سبحانه - أيضًا -: ( وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا ) [الإسراء: 11]، فقد يكون الأمر ظنك فيه أنه الخيرُ، ولكن في المنع - أحيانًا - عين العطاء؛ لذلك من حكمة الله وفضله أنه لا يستجيب لك حين تتعجَّل فتدعو على نفسك بالشر، أو على ولدك، أو على مالك، فكما رضيتَ بأمره حين صرف عنك دعاءَ الشر، ولم يستجب لك فيه، فكذلك في تأخيره استجابةَ الخير حكمةٌ خافية لا تعلمُها، اللهُ وحده يعلمها.

post-28298-0-84594700-1392937732.png

ثانيًا: الاستعجال المذموم، والاستعجال المحمود:

الإسلام ينظر إلى الاستعجال نظرةَ عدل وإنصاف، فلا يذمه بالمرة، ولا يمدحه بالمرة، وإنما يمدحُ بعضَه، ويذم البعض الآخر منه، إذًا: فالاستعجال منه ما هو محمود، ومنه ما هو مذموم.

 

أ- الاستعجال المذموم:

1- الاستعجال عند الدعاء:

ويكون ذلك إما في العجلة بالدعاء بالشر، أو قطيعة الرحم، وغير ذلك، أو الاستعجال في تمني سرعة الاستجابة:

(أ) العجلة في الدعاء بالشر: ويحدث كثيرًا أن الإنسان قد يدعو على نفسه بالهلاك، أو على ولده أو على دابته، ولقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وحذَّر منه.

 

في صحيح مسلم عن أحد الصحابة، قال: سِرْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بطن بُوَاطٍ، وهو يطلب المَجْدِيَّ بنَ عمرو الجهني، وكان الناضح يعقبُه منا الخمسة والستة والسبعة، فدارت عقبة رجل من الأنصار على ناضح له، فأناخه فركبه، ثم بعثه، فتلدن عليه بعض التلدُّنِ، فقال له: شَأْ! لعنك الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن هذا اللاعنُ بعيرَه؟))، قال: أنا يا رسول الله، قال: ((انزل عنه، فلا تصحَبْنا بملعون، لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعةً يُسأَلُ فيها عطاءً فيستجيب لكم)) .

 

(ب) استعجال الاستجابة: عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يزال يُستجابُ للعبد ما لم يدعُ بإثم، أو قطيعةِ رَحِمٍ، ما لم يستعجل))، قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: ((يقول: قد دعوتُ، وقد دعوتُ، فلم أرَ يستجيبُ لي، فيستحسر عند ذلك ويَدَعُ الدعاء)).

 

2- من العجلة المذمومة - أيضًا - العجلة في الصلاة:

وسواء أكانت هذه العجلة في الانتهاء منها أم الاستعجال خلفَ الإمام في سَبْقِه:

أ- ففي العجلة من الانتهاء من الصلاة ورَدَ عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل فصلَّى، فسلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم، فردَّ وقال: ((ارجع، فصَلِّ؛ فإنك لم تصلِّ))، فرجع يُصلِّي، كما صلَّى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((ارجِعْ، فصلِّ؛ فإنك لم تصلِّ)) ثلاثًا، فقال: والذي بعثك بالحق، ما أُحسِنُ غيرَه؛ فعلِّمْني، فقال: ((إذا قمت إلى الصلاة فكبِّر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، وافعل ذلك في صلاتك كلها)).

 

ب- وفي العجلة في سبق الإمام ورد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يأمن الذى يرفَعُ رأسَه في صلاته قبلَ الإمام، أن يُحوِّلَ الله صورتَه في صورة حمار)).

post-28298-0-84594700-1392937732.png

3- ومن الاستعجال المذموم: استعجال بعض الدعاة والمصلحين في إصلاح الناس وتغيير واقعهم.

روى البخاري وغيره، عن خباب بن الأرت رضى الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متوسِّدٌ بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألاَ تستنصر لنا؟! ألاَ تدعو لنا؟! فقال: ((قد كان مَن قبلَكم يُؤخَذُ الرجلُ فيُحفَرُ له في الأرض، فيُجعل فيها، ثم يؤتى بالمِنشار، فيوضعُ على رأسه، فيُجعَلُ نصفَيْنِ، ويمشَّطُ بأمشاط الحديد ما دون لحمِه وعظمِه، ما يصدُّه ذلك عن دينه، واللهِ ليُتمَّنَّ الله هذا الأمر حتى يسيرَ الراكبُ من صنعاءَ إلى حضرموتَ، لا يخافُ إلا اللهَ، والذئبَ على غنمه، ولكنكم تستعجلون)).

 

4- ومن الاستعجال المذموم: الحكمُ قبل التثبُّتِ (أو الحكم على الباطن)؛ ولذلك يقول سبحانه: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ )[الحجرات: 6].

 

والذي ورَدَ في نزول هذه الآية: بعَثَ النبي صلى الله عليه وسلم الوليدَ بن عقبة إلى قبيلة بني المصطلق؛ ليجمع منهم الزكاة وأموال الصدقات، فلما أبصروه قادمًا، أقبلوا نحوه لاستقباله، فظن الوليد أنهم أقبلوا نحوَه ليقتلوه، وأنهم ارتدُّوا عن الإسلام، ورجع إلى المدينة دون أن يتبيَّن حقيقة الأمر، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد - رضي الله عنه - ومعه جيش من المسلمين، وأمرهم بالتأنِّي، وألا يتسرعوا في قتال بني المصطلق حتى يتبينوا حقيقة الأمر، فأرسل خالد إليهم بعضَ الرجال؛ ليعرف أحوالهم قبل أن يهاجمهم، فعاد الرجال وهم يؤكدون أن بني المصطلق لا يزالون متمسكين بالإسلام وتعاليمه، وقد سمعوهم يؤذنون للصلاة ويقيمونها، فعاد خالد إلى النبي صلى الله عليه وسلم دون قتال؛ ليخبره أن بني المصطلق ما يزالون على إسلامهم.

 

 

ونزل قول الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) [الحجرات: 6].

 

وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أسامة بن زيد إلى أقوام رفضوا دعوة الإسلام، فحاربهم أسامة ومن معه، حتى هزمهم، وفرَّ رجل منهم، فتبعه أسامة ورجل من الأنصار، ولـمـا اقتربا من هذا الرجل الفارِّ، وأوشكا على قتله، قال الرجل: لا إله إلا الله، فكف الأنصاري وتركه، أما أسامة فظن أنه قال: لا إله إلا الله خوفًا من القتل، فطعنه برمحه، فقتله، ولما قدموا المدينة بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ما حدث، فقال: ((يا أسامة، أقتلْتَه بعدما قال: لا إله إلا الله؟!))، فأجاب أسامة: يا رسول الله، إنما كان متعوِّذًا (أي: قالها لينجوَ بها من القتل)، فكرر الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: ((أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله؟!))، قال أسامة: فما زال يكررها، حتى تمنيتُ أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.

 

وفي رواية قال: قال: ((أفلا شقَقْتَ عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟!)).

post-28298-0-84594700-1392937732.png

5- ومن الاستعجال المذموم: الاستعجال في طلب العلم:

حينما ترى طلاب العلم قد أصيبوا بداء العجلة، وسقوط الهمم، ونفاذ الصبر على طلب العلم، والجلوس عند ركب العلماء وملازمتهم، حتى أصبح بعض الطلاب اليوم لا يقدرون على إكمال متن علمي، وجل همهم المختصرات والوجبات العلمية السريعة، ناهيك عما ينتج عن هذا الأمر من استعجال الإمامة والتصدر للفتوى والاجتهاد.

 

وقد قيل: العلم ثلاثة أشبار، من دخل الشبر الأول تكبَّر، ومن دخل الشبر الثاني تواضع، ومن دخل إلى الشبر الثالث علم أنه لم يعلم.

 

6- ومن آفات الاستعجال في حياتنا:

استعجال بعض الناس للشهوة المحرمة، وإيثارهم الدنيا العاجلة على الآخرة الآجلة، كما قال الله: ( كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ )[القيامة: 20]، وتلك والله آفةٌ خطيرة، يكفي أن تعلم يا بنَ آدم، أن الذي أخرج أباك آدم من الجنة، أنه استعجل الأكل من الشجرة التي نُهِيَ عنها، فأكل منها هو وزوجه، فأخرجهما الله من الجنة.

 

7- الاستعجال على الرزق:

جاء في كتاب "المستطرف في كل فن مستظرف" أن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه دخل المسجد، وقال لرجل كان واقفًا على باب المسجد: أمسك عليَّ بغلتي، فأخذ الرجل لجامَها، ومضى وترك البغلة، فخرج عليٌّ وفي يده درهمان ليكافِئَ بها الرجل على إمساكه بغلتَه، فوجد البغلة واقفة بغير لجام، فركبها، ومضى ودفع إلى غلامه درهمين ليشتري بهما لجامًا، فوجد الغلام اللجام في السوق قد باعه السارق بدرهمين، فقال علي كرم الله وجهه: إن العبد لَيَحرِمُ نفسَه الرزق الحلال بترك الصبر، ولا يزداد على ما قُدِّرَ له.

post-28298-0-84594700-1392937732.png

ب- الاستعجال المحمود:

ويكون في أمور الخير والمسارعة إلى أعمال الآخرة؛ من منطلق قول الله عز وجل: ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) [آل عمران: 133].

 

وقال سبحانه: ( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ )[الحديد: 21].

 

والإنسان لا يضمن ألا تأتيه المعوقات التي يصعب على الإنسان معها أن يؤدي ما عليه من طاعات، ولقد ذُكرت تلك المعوقات في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((بادروا بالأعمال سبعًا: هل تنتظرون إلا فقرًا منسيًا، أو غنًى مطغيًا، أو مرضًا مفسدًا، أو هرما مفندًا، أو موتًا مجهِزًا، أو الدجالَ؛ فشرُّ غائبٍ يُنتظَرُ، أو الساعةَ؛ فالساعةُ أدهي وأمرُّ؟)) .

 

نذكر عدة أمور يستحب بل ربما يجب في بعضها العجلة:

1- الاستعجال في التوبة إلى الله:

يقول جل في علاه: ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) [النساء: 17، 18].

 

فالتوبة من الأمور العاجلة التي لا تحتاج إلى تسويف؛ فلربما أتى الموت بغتةً فيحتاج الإنسان أن يتوب، ولكن قد أُغلق باب التوبة دونه!

 

2- الاستعجال في أداء الحقوق إلى أصحابها:

عن عمر بن سعيد قال: أخبرنا ابن أبي مُلَيْكةَ، عن عقبة، قال: صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصرَ، فسلم ثم قام مسرعًا، فتخطى رقابَ الناس إلى بعض حُجَر نسائه، ففزع الناس من سرعته، فخرج عليهم، فرأى أنهم عجبوا من سرعته، فقال: ((ذكرتُ شيئًا من تِبْرٍ عندنا؛ فكرهت أن يحبسني، فأمرت بقسمته)).

post-28298-0-84594700-1392937732.png

3- ومنها أيضًا: الاستعجالُ في أداء الدَّيْنِ؛ لخطورته:

عن أبي هريرة رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أخذ أموال الناس يريد أداءَها، أدَّى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافَها، أتلفه الله)).

 

عن جابر قال: تُوفِّي رجل، فغسلناه، وحنطناه، وكفناه، ثم أتينا به رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؛ يصلي عليه، فقلنا: تصلي عليه، فخطا خُطًى، ثم قال: ((أعليه دَيْنٌ؟))، قلنا: ديناران، فانصرف، فتحمَّلَهما أبو قتادة، فأتيناه، فقال أبو قتادة: الديناران عليَّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحق الغريم، وبَرِئَ منهما الميِّتُ؟))، قال: نعم، فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك بيوم: ((ما فعل الديناران؟))، فقال: إنما مات أمس، قال: فعاد إليه من الغد، فقال: قد قضيْتُهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الآن بردتْ عليه جلده)).

 

4- العجلة في أداء فريضة الحج:

عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تعجلوا إلى الحج - يعنى: الفريضةَ - فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له)).

 

وفي رواية: عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أراد الحج، فليَتعجَّلْ)).

 

وفي رواية لابن ماجه: عن ابن عباس عن الفضل (أو أحدهما عن الآخر) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أراد الحج، فليتعَجَّلْ؛ فإنه قد يمرضُ المريض، وتَضِلُّ الضالة، وتعرض الحاجة)).

 

5- ومن العجلة المحمودة - أيضًا -: تعجيل الفطر:

عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)).

post-28298-0-84594700-1392937732.png

ثالثًا: سبل العلاج :

1- إمعان النظر في الآثار والعواقب المترتبة على الاستعجال؛ فإن ذلك مما يهدئ النفس، ويحمل على التريث والتأني.

 

2- دوام النظر في كتاب الله عز وجل؛ فإن ذلك يبصرنا بسنن الله في الكون، وفي النفس، وفي التشريع، ومع العصاة والمكذبين، والبصيرة بهذه السنن تهدِّئُ النفس، وتساعد على التأني والتروي، قال الله تعالى :(سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ ) [الأنبياء: 37]، ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) [الإسراء: 9].

 

3- دوام المطالعة في السنة والسيرة النبوية؛ فإن ذلك مما يوقعنا على مقدار ما لاقى النبي صلى الله عليه وسلم من الشدائد والمحن، وكيف أنه تحمل وصبر، ولم يستعجل، حتى كانت العاقبة له، وللمنهج الذي جاء به.

 

ومعلوم أن الوقوف على ذلك مما يضبط حركةَ المسلم، اقتداء وتأسيًا به صلى الله عليه وسلم( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) [الأحزاب: 21].

 

4- مطالعة كتب التراجم والتاريخ؛ فإن ذلك مما يعرفنا بمنهج أصحاب الدعوات والسلف في مجابهة الباطل، وكيف أنهم تأنوا وتريَّثُوا حتى مُكِّن لهم، وهذا بدوره يحمل على الاقتداء والتأسي، أو على الأقل المحاكاة والمشابهة على حد قول القائل:

فتشبَّهوا إن لم تكونوا مِثلَهم space.gif إن التشبُّهَ بالرجال فلاحُspace.gif

5- مجاهدة النفس، وتدريبها على ضرورة التريث والتأني والتروي؛ فإنما الحلم بالتحلم، ومن يتصبَّرْ يُصبِّرْه الله، والرجولة لا تكون إلا بذلك.

 

6- الانتباه إلى الغاية أو الهدف الذي من أجله يحيا المسلم؛ فإن ذلك يحول دون الاستعجال، ويحمل على إتقان المقدمات، والوقوف عندها، وعدم تجاوزها إلى النتائج.

post-28298-0-84594700-1392937732.png

خاتمة:

إن على أرباب الاستعجال أن يعلموا أن لله في خلقه سننًا لا تتبدَّلُ، وأن لكل شيء أجلاً مسمًّى، وأن الله لا يَعْجَل بعجلة أحد من الناس، وأن لكل ثمرة أوانًا تنضج فيه، فيحسن عندئذٍ قطفُها، والاستعجال لا ينضجها قبل وقتها، فهو لا يملك ذلك، وهي لا تملكه ولا الشجرة التي تحملها، إنها خاضعة للقوانين الكونية التي تحكمها وتجري عليها بحساب ومقدار.

 

العجلة في غير موضعها تدل على ضعف العقل، وقلة رزانته، وغلبة الشهوة عليه؛ ولهذا قال ابن القيم: لا حكمة لجاهل ولا طائش ولا عجول، وجاء في الحديث: ((التأني من الله، والعجلة من الشيطان)).

 

وإذا كانت العجلة في أصلها مذمومة ومنقصة، فنقيضها، وهو التواني والكسل والتردد والتخاذل، كلُّها رذائل، لا تليق بحكيم.

 

 

|| المصّــدر ||

post-28298-0-41827300-1392884465.png

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

 

نقل مميز

جزاكِ الله خيرًا يا غالية

نفع الله بكِ و بما تقدمين

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

بحثُ جميل وقيّم

بارك الله فيك ِ شامخة الحبيبة وجزاك خيرًا ()

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

 

نقل مميز

جزاكِ الله خيرًا يا غالية

نفع الله بكِ و بما تقدمين

 

اللهــم آمــين ولكِ بالمثل إدراتنا الحبيبة

أسأل الله أن ينفع بنا جميعاً

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

بحثُ جميل وقيّم

بارك الله فيك ِ شامخة الحبيبة وجزاك خيرًا ()

 

وجودك الأجمل حبيبتي سندووسة

وفيكِ بارك المولى ، وجُزيتِ كُل الخير

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×