اذهبي الى المحتوى

المشاركات التي تم ترشيحها

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,

أخواتى فى الله كنت أتصفح العدد الجديد من مجلة التوحيد ووجدت باب "الداعيه و القصص الواهيه" إعداد الشيخ على حشيش و أول قصة قرأتها اتصدمت :tongue: :tongue: بجد لأن القصة نفسها كنت سمعاها من أحد الدعاة فى اليوم اللى قبله بالضبط :tongue: :tongue:

عشان كده رأيت أن أقوم بنقل هذة القصص بمعدل قصة كل أسبوع هما كتييير للأسف :tongue: و كثير منهم معروف و منتشر بردو للأسف :tongue:

إن شاء الله أبدأ مع القصة الأولى اللى اتصدمت و عرفت أنها واهيه

 

قصة أم حبيبة مع أبيها أبي سفيان

إعداد/ علي حشيش

 

 

نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة الوعاظ والقصاص ووجدت في كتب المغازي والسير بغير تحقيق، فاغتر بها من لا دراية له بعلم الحديث فراح يفتري على أم المؤمنين أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.

وإلى القارئ الكريم تخريج هذه القصة الواهية وتحقيقها.

 

أولاً: متن القصة

رُوِي عن الزهري قال: لما قدم أبو سفيان بن حرب المدينة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد غزو مكة فكلمه أن يزيد في هدنة الحديبية فلم يُقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام فدخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش النبي صلى الله عليه وسلم طوته دونه فقال: يا بنية، أرغبت بهذا الفراش عني أم بي عنه ؟ فقالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت امرؤ نجس مشرك. فقال: يا بنية لقد أصابك بعدي شر.ثانيًا: التخريج

 

الخبر الذي جاءت به هذه القصة الواهية أخرجه ابن سعد في الطبقات (8/79) قال: «أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا محمد بن عبد اللَّه عن الزهري قال: لما قدم أبو سفيان بن حرب... القصة».

وأخرجه ابن عساكر في التاريخ (79/150) قال: أخبرنا أبو عمر الخزاز، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا أبو علي الفقيه، حدثنا محمد بن سعد، أخبرنا محمد بن عمر به.

وأورده الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (7/653) نقلاً عن ابن سعد بنفس السند.

وأورده الحافظ الذهبي في «السير» (2/222- 223) بصيغة التضعيف التي تدل على عدم صحة القصة.

 

ثالثًا: التحقيق

 

القصة واهية، حيث إن ما أخرجه ابن سعد به سقط في الإسناد وطعن في الراوي وبيان ذلك:

محمد بن عمر: أورده الإمام المزي في «تهذيب الكمال» (17/97/6090) وقال: «محمد بن عمر بن واقد الواقدي الأسلمي أبو عبد اللَّه المدني روى عنه كاتبه محمد بن سعد.. وآخرون».

1- قال البخاري في «الضعفاء الصغير» ترجمة (334): «محمد بن عمر الواقدي متروك الحديث».

2- قال النسائي في «الضعفاء والمتروكين» (ت531): «محمد بن عمر الواقدي، متروك الحديث».

قلت: وهذا المصطلح عند الإمام النسائي له معناه، يتبين ذلك من قول ابن حجر في «شرح النخبة» (ص73): «مذهب النسائي أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه». اهـ.

3- أورده ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/20/92) وقال:

أ- «سألت أبي عن محمد بن عمر الواقدي المدني فقال: متروك».

ب- حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال لي الشافعي: كتب الواقدي كذب.

جـ- حدثنا أحمد بن سلمة النيسابوري حدثنا إسحاق بن منصور قال: قال أحمد بن حنبل: كان الواقدي يقلب الأحاديث، يلقي حديث ابن أخي الزهري على معمر ونحو هذا.

قال إسحاق بن راهويه كما وصف وأشد لأنه عندي ممن يضع الحديث.

د- أخبرنا أبو بكر بن خيثمة فيما كتب إليّ قال: سمعت يحيى بن معين يقول: «لا يكتب حديث الواقدي، ليس بشيء». اهـ.

4- قال ابن عدي في «الكامل» (6/241، 98/1719): «هذه الأحاديث التي أمليتها للواقدي والتي لم أذكرها كلها غير محفوظة، ومن يروى عنه الواقدي من الثقات فتلك الأحاديث غير محفوظة عنهم إلا من رواية الواقدي والبلاغ عنه، ومتون أخبار الواقدي غير محفوظة وهو بيّن الضعف». اهـ.

5- وأورده ابن حبان في «المجروحين» (2/290) وقال: «محمد بن عمر بن واقد الواقدي الأسلمي المدني؛ كان ممن يحفظ أيام الناس وسيرهم وكان يروي عن الثقات المقلوبات وعن الأثبات المعضلات حتى ربما سبق إلى القلب أنه كان المتعمد لذلك؛ كان أحمد بن حنبل يكذبه.

ثم أخرج عن علي بن المديني أنه قال: «الواقدي يضع الحديث».

قلت: والواقدي يروي هذا الخبر عن ابن أخي الزهري، وابن أخي الزهري يروي هذا الخبر عن عمه.

وابن أخي الزهري أورده الإمام المزي في «تهذيب الكمال» (16/460/5964) وقال: محمد بن عبد اللَّه بن مسلم بن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن شهاب بن عبد اللَّه بن الحارث بن زهرة القرشي الزهري، أبو عبد اللَّه المدني ابن أخي الزهري روى عن عمه محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وآخرين وروى عنه محمد بن عمر الواقدي، وآخرون ثم ذكر أن الواقدي يأتي عنه بمناكير عن الزهري وغيره.

قلت: مما أوردناه آنفًا يتبين من التحقيق الطعن في الراوي وهو الواقدي الكذاب والذي يضع الأحاديث.

الأمر الثاني: وهو السقط في الإسناد.

حيث إن السقط حدث في آخر السند من بعد التابعي وهو الزهري، حيث أورده الحافظ ابن حجر في «التقريب» (2/207) وقال: «محمد بن مسلم بن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن شهاب بن عبد اللَّه بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري من رؤوس الطبقة الرابعة».

قلت: والطبقة الرابعة هي الطبقة التي تلي الطبقة الوسطى من التابعين وهذه الطبقة جُلُّ روايتهم عن كبار التابعين كذا في مقدمة «التقريب» (1/5) فكيف يخبر الزهري عن هذه القصة ؟

ولذلك هذا الخبر الواهي الذي جاءت به القصة يكون أيضًا مرسلاً لأن «المرسل»: هو ما سقط من آخره مَنْ بعد التابعي. كذا في «شرح النخبة» (ص41).

إذن فالخبر مع شدة ضعفه من مرسل الزهري.

وحكم مرسل الزهري عند علماء الفن نقله السيوطي في «التدريب» (1/205) قال: «روى البيهقي عن يحيى بن سعيد قال: مرسل الزهري شر من مرسل غيره لأنه حافظ، وكلما قدر أن يسمي سمى، وإنما يترك من لا يستحب أن يسميه». اهـ.

وبهذا يتبين أن القصة واهية من سقط في الإسناد وطعن في الراوي.

 

رابعًا: طريق آخر

 

وقد يقول قائل: إن هناك طريقًا آخر للقصة، فإلى القارئ الكريم تخريج هذا الطريق وتحقيقه:

القصة من هذا الطريق أخرجها الطبري في «التاريخ» (2/183)، والبيهقي في «الدلائل» (5/8)، وأورده ابن كثير في «البداية والنهاية» (4/500)، كلهم عن ابن إسحاق قال: ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فدخل على ابنته: أم حبيبة... القصة.

 

خامسًا: التحقيق

 

القصة من هذا الطريق واهية حيث إن سندها مظلم أسقط ابن إسحاق رجاله وقد أورده الحافظ ابن حجر في «طبقات المدلسين» في الطبقة الرابعة رقم (91) وقال: «محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني صاحب المغازي مشهور بالتدليس عن الضعفاء والمجهولين وعن شر منهم وصفه بالتدليس ابن حبان». اهـ.

ولذلك أسقط ابن إسحاق الرواة وبالتالي لم يتبين أنه حدث أم عنعن فاختفى التدليس تحت الإرسال، يتبين هذا الإرسال من معرفة طبقة ابن إسحاق حيث قال الحافظ ابن حجر في «التقريب» (2/144): «محمد بن إسحاق بن يسار، أبو بكر المطلبي مولاهم، المدني، نزيل العراق رمي بالتشيع والقدر من صغار الخامسة». اهـ.

قلت: والخامسة هي الطبقة الصغرى من التابعين الذين رأوا الواحد والاثنين ولم يثبت لبعضهم السماع من الصحابة كذا في مقدمة «التقريب» (1/5).

قلت: وبهذا يتبين أن ابن إسحاق من صغار الطبقة الصغرى من التابعين وعليه فمرسله من أضعف المراسيل وأن هذا الطريق يزيدها وهنًا على وهن.

 

سادسًا: قرائن تدل على عدم صحة القصة

 

1- إن أبا سفيان ما قدم المدينة إلا ليكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزيد في هدنة الحديبية وقام فدخل على ابنته أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وقال اللَّه تعالى: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا [لقمان: 15].

فهل من المعروف أن تمنع أم حبيبة أباها من الجلوس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتطوي الفراش وتنهر أباها وتقول لأبيها هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت امرؤ نجس مشرك ؟!

2- وفعل أم حبيبة (وهو طيها الفراش)، وقولها (أنت امرؤ نجس مشرك) يوهم من لا يعرف أن القصة واهية بأن النجاسة في المشرك نجاسة البدن، والصواب أن نجاسة المشركين معنوية.

 

قصة صحيحة تبين نكارة القصة

 

أخرج البخاري في «صحيحه» (ح2620، 3183، 5978، 5979)، ومسلم في «صحيحه» (1003) من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: قدمت عَليَّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: وهي راغبة أفأصل أمي ؟ قال: «نعم صلى أمك».

قلت: وهذا اللفظ للبخاري (ح2620) باب الهدنة للمشركين.

وبوَّب الإمام البخاري بابًا في كتاب «الأدب» سمَّاه باب «صلة الوالد المشرك» (ح5978).

قال الحافظ ابن حجر في «الفتح» (5/277): قوله: «في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم» في رواية حاتم: «في عهد قريش إذا عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم»، وأراد بذلك ما بين الحديبية والفتح. اهـ.

قلت: قول الحافظ: «في رواية حاتم» هو حاتم بن إسماعيل وهو الذي روى عنه شيخ البخاري قتيبة بن سعيد (ح3183).

مما سبق يتبين

1- أن قصة أم حبيبة وسب أبيها أبي سفيان قصة واهية منكرة.

2- وأن قصة أسماء بنت أبي بكر وصلتها لأمها المشركة اتباعًا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في أعلى درجات الصحة.

3- ومما يدل على نكارة متن قصة أم حبيبة أن مقدمات القصتين واحدة فلابد وأن تكون النتيجة واحدة في اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

هذه القصة الواهية المنكرة تجعل بيت النبي صلى الله عليه وسلم مخالفًا لهديه.

4- وبهذا يتبين للقارئ الكريم الأثر السيئ للقصص الواهية ومخالفتها للقرآن الكريم والسنة الصحيحة المطهرة.

5- ومن الآثار السيئة لهذه القصة الواهية نسف الاستفادة دعويًا وتربويًا من القصة الصحيحة والتي فيها:

أ- جواز صلة القريب المشرك. كذا قال النووي في «شرح مسلم».

ب- وفيها موادعة أهل الحرب ومعاملتهم في زمن الهدنة.

جـ- وفيها السفر في زيارة القريب.

د- وفيها تحري أسماء في أمر دينها وكيف لا وهي بنت الصديق وزوج الزبير رضي الله عنه.

هذا ما وفقني اللَّه إليه وهو وحده من وراء القصد.

 

هذا هو المصدر مجلة التوحيد

تم تعديل بواسطة خير أمة
  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

 

جزاكِ الله خيراً أختي الحبيبة على هذا النقل الموفق

جعله الله في ميزان حسناتك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك أخيتي الحبيبة خير أمة، وبانتظار بقية القصص.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته,

أخوتى فى الله معلش شكل الموضوع مش هيكون كل أسبوع قصة لكن الله أعلم أنا هبعتهم على أيام و ان شاء الله يتسنى لكم قراءتها و نشرها بارك الله فيكم

مع الصدمة الثانيه :cry:

 

قصة لطم أبي جهل لأسماء بنت أبي بكر في الهجرة

 

نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت وانتشرت على ألسنة الخطباء والوعاظ والقصاص واغتر الكثيرون بوجودها في كتب السيرة .

 

أولاً : القصة

 

قال ابن إسحاق : فَحُدِّثْتُ عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت : لما خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر رضي الله عنه أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام ، فوقفوا على باب أبي بكر فخرجت إليهم ، فقالوا : أين أبوك يا بنت أبي بكر ؟ قالت : قلت : لا أدري والله أين أبي ، قالت: فرفع أبو جهل لعنه الله يده ، وكان فاحشًا خبيثًا ، فلطم خدي لطمة ، فطرح منها قرطي، قالت : ثم انصرف فمكثنا ثلاث ليال وما ندري أين وجه رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم ، حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بأبيات من شعر غناء العرب ، وإن الناس ليتبعونه يسمعون صوته وما يرونه، حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول :

جزى الله رب الناس خير جزائه

رفيقين حلا خيمتي أم معبد

هما نزلا بالبر ثم تروَّحا

فأفلح من أمسي رفيق محمد

ليهن بني كعب مكان فتاتهم

ومقعدها للمؤمنين بمرصد

 

ثانيًا : التحقيق

 

القصة ليست صحيحة . رواها ابن إسحاق كما في "السيرة" (2-109) لابن هشام . حيث أوردها في "سيرة النبي" (2-109) (ح513) فذكر أن ابن إسحاق قال: "فَحُدِّثْتُ عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: لما خرج رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم ..." القصة.

قلت : فسند القصة منقطع ، يشهد لذلك صيغة الرواية في قول ابن إسحاق : "فَحُدّثتُ" التي جاءت بصيغة المبني للمجهول ، التي تدل على أن هناك سقطًا في الإسناد .

ويشهد لانقطاع السند أيضًا قول الحافظ ابن حجر في "التقريب" (2-144) : "محمد بن إسحاق بن يسار ، أبو بكر ، المطلبي ، مولاهم المدني ، نزيل العراق ، إمام المغازي صدوق يدلس".

قلت : ورواية السند بصيغة المبني للمجهول فيها إسقاط في السند ، وهذا أشد من تدليس الشيوخ ، حيث يتسبب في تضييع المروي عنه، وتوعير طريق معرفته على السامع .

قال الإمام الذهبي في "الميزان" (3-468-7197) ، "محمد بن إسحاق بن يسار ، أبو بكر ، المخرمي ، مولاهم المدني. ما له عندي ذنب إلا قد حشا في السيرة من الأشياء المنكرة المنقطعة والأشعار المكذوبة".

قلت : وذكر الإمام المزي في "تهذيب الكمال" (16-78-5644) : أن يعقوب بن شيبة قال: سمعت محمد بن عبد الله بن نمير ، وذكُر ابن إسحاق فقال : إذا حدث عن من سمع منه من المعروفين فهو حسن الحديث صدوق ، وإنما أُتي من أنه يحدّث عن المجهولين أحاديث باطلة.

قلت : وبهذا التحيقيق تصبح هذه القصة باطلة؛ حيث يُحدّث فيها ابن إسحاق عن المجهولين .

 

طريق آخر للقصة

هذا الطريق ذُكر فيه الرجل من الجن الذي أقبل من أسفل مكة يتغنى بأبيات من شعر غناء العرب، ولم يُذكر فيه لطم أبي جهل لأسماء بنت أبي بكر .

والقصة من هذا الطريق جاءت من حديث زيد بن أرقم وأنس بن مالك والمغيرة بن شعبة يتحدثون أن النبي صلى الله عليه و سلم ليلة الغار أمر الله شجرة فنبتت في وجه النبي صلى الله عليه و سلم فسترته ، وأمر الله العنكبوت فنسجت على وجهه فسترته ، وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار ، وأقبل فتيان قريش، من كل بطن رجل ، بأسيافهم وعصيهم وهراواتهم حتى إذا كانوا من النبي صلى الله عليه و سلم قدر أربعين ذراعًا ، نظر أولهم فرأى الحمامتين فرجع فقال له أصحابه : ما لك لم تنظر في الغار ؟ قال : رأيت حمامتين وحشيتين بفم الغار فعرفت أن ليس فيه أحد . قال : فسمع النبي صلى الله عليه و سلم قوله، فعرف أن الله قد درأ عنه بهما ، ...... قالوا: وكانت لأبي بكر منيحة غنم يرعاها عامر بن فهيرة، وكان يأتيهم بها ليلاً فيحتلبون، فإذا كان سَحَر سرح مع الناس ، قالت عائشة: وجهزناهما أحب الجهاز ، وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فأوكت به الجراب ، وقطعت أخرى فصيرته عصامًا لفم القربة ، فبذلك سميت ذات النطاقين، ومكث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر في الغار ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر ، واستأجر أبو بكر رجلاً من بني الديل هاديًا خريتًا يقال له عبد الله بن أريقط، وهو على دين الكفر ، ولكنهما أمناه فارتحلا ومعهما عامر بن فهيرة ، فأخذ بهم ابن أريقط يرتجز ، فما شعرت قريش أين وجّه رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم ، حتى سمعوا صوتًا من جني من أسفل مكة ولا يرى شخصه يقول :

جزى الله رب الناس خير جزائه

رفيقين حلا خيمتي أم معبد

هما نزلا بالبر ثم تروَّحا

فأفلح من أمسى رفيق محمد

 

التخريج

 

القصة من هذا الطريق وبهذا اللفظ ، أخرجها ابن سعد في "الطبقات" (1-110) ، حيث قال: "أخبرنا مسلم بن إبراهيم ، أخبرنا عون بن عمرو القيسي أخو رياح القيسي ، أخبرنا أبو مصعب المكي قال : أدركت زيد بن أرقم ، وأنس بن مالك ، والمغيرة بن شعبة فسمعتهم يتحدثون أن النبي صلى الله عليه و سلم ..." فذكر القصة .

التحقيق

القصة من هذا الطريق ليست صحيحة ، وسندها لا يصلح للمتابعات والشواهد ، وفي السند علتان :

الأولى : عون بن عمرو القيسي .

أورده الذهبي في "الميزان" (3-306-6535) حيث قال : "عون بن عمرو، أخو رياح بن عمرو ، بصري ، قال ابن معين: لا شيء ، وقال البخاري : عون بن عمرو القيسي جليس لمعتمر ، منكر الحديث مجهول".

قلت : 1- من أشد صيغ الجرح عند البخاري قوله : "فلان منكر الحديث".

يظهر ذلك من قول السيوطي في "التدريب" (1-349) : "البخاري يطلق (فيه نظر)، و(سكتوا عنه) فيمن تركوا حديثه ، ويطلق (منكر الحديث) على من لا تحل الرواية عنه".

2- قول ابن معين : (لا شيء ) ، فسره الإمام ابن أبي حاتم في كتابه "الجرح والتعديل" (3-321) حيث قال : "معنى قول ابن معين: "لا شيء": ليس بثقة".

قلت : ولقد أورد الإمام الذهبي في "الميزان" (3-307) هذه القصة وبهذا الطريق وجعلها من مناكير عون بن عمرو ، حيث قال : "مسلم بن إبراهيم ، حدثنا عون بن عمرو ، سمعت أبا مصعب المكي يقول : أدركت زيد بن أرقم وأنسًا والمغيرة بن شعبة وسمعتهم يتحدثون أن النبي صلى الله عليه و سلم ليلة الغار قال : أمر الله شجرة نبتت في وجه النبي صلى الله عليه و سلم فسترته ، وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار..." الحديث .

وأبو مصعب لا يعرف .

قلت : وهذه هي العلة الثانية . فمتن القصة يدور حول ثلاث جمل :

الأولى : لطم أبي جهل لأسماء ، وقد أثبتنا أن هذه الجملة "واهية" كما بيّنا في التحقيق آنفًا.

الثانية : عدم دراية بنت أبي بكر بمكان رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم ، وقد أثبتنا أن هذه الجملة غير صحيحة ، ومنكرة ، كما هو مبيّن في التحقيق ، وسنبين البديل الصحيح دراية بنت أبي بكر بمكان الرسول صلى الله عليه و سلم ، وقيامهم بالإمداد والتمويه والإخبار .

الثالثة : إقبال رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بأبيات من الشعر من غناء العرب.

وهذه الجملة أثبتنا أنها باطلة، وأن الطريق الآخر الذي جاءت فيه باطل، لا يصلح للمتابعات والشواهد، لما فيه من متروكين ومجهولين.

قلت : وهناك روايات أخرى يذكر فيها هذا الشعر دون ذكر لجملة لطم أبي جهل لأسماء، ودون ذكر للرجل من الجن أقبل والناس يتبعونه، كما في الرواية التي أخرجها الطبراني في "الكبير" (4-48) (ح3605).

وهذه أيضًا رواية (غير صحيحة) ، حيث أوردها الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5-58) وقال: "وفي إسناده جماعة لم أعرفهم".

 

بدائل صحيحة

 

سنذكر البدائل الصحيحة التي تبيّن دراية بيت أبي بكر بمكان الرسول صلى الله عليه و سلم ، وأن هذا البيت العظيم قام بأعظم جهاد في الهجرة، منذ خروج رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم من مكة حتى وصوله إلى المدينة .

فقد ثبت في "صحيح الإمام البخاري" (ح3905) من حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت : فبينما نحن يومًا جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة ، قال قائل لأبي بكر : هذا رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم مُتَقَنِّعًا - في ساعة لم يكن يأتينا فيها - فقال أبو بكر : فداء له أبي وأمي ، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر ، قالت : فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فاستأذن فأذن له ، فدخل فقال النبي صلى الله عليه و سلم لأبي بكر : أخرج من عندك ، فقال أبو بكر : إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله ، قال : فإني قد أُذن لي في الخروج ، فقال أبو بكر : الصحابة بأبي أنت يا رسول الله ، قال رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم : "نعم". قال أبو بكر : فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين، قال رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم : "بالثمن". قالت عائشة : فجهزناهما أحث الجهاز ، وصنعنا لهما سفرة في جراب ، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب ، فبذلك سميت ذات النطاق ، قالت: ثم لحق رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم وأبو بكر بغار في جبل ثور ، فكمنا فيه ثلاث ليال، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف لقن ، فيدلج من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش بمكة كبائت .

فلا يسمع أمرًا يكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل - وهو لبن منحتهما ورضيفهما - حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث ، واستأجر رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم وأبو بكر رجلاً من بني الديل ، وهو من بني عبد بن عدي هاديًا خريتًا - والخريت الماهر بالهداية- قد غمس حلفًا في آل العاص بن وائل السهمي ، وهو على دين كفار قريش ، فأمناه ، فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث ، وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم طريق السواحل".

قلت : وهذه الرواية تبيّن الهمة العالية لبيت أبي بكر ، والرسول وصاحبه في الغار . ولقد بوّب البخاري بابًا في كتاب "الجهاد والسير" من "صحيحه" : "باب حمل الزاد في الغزو"، وافتتحه بحديث أسماء بنت ابي بكر رضي الله عنها (ح2979) قالت : "صنعت سفرة رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم في بيت أبي بكر حين أراد أن يهاجر إلى المدينة . قالت : فلم نجد لسفرته ولا لسقائه ما نربطهما به، فقلت لأبي بكر: والله ما أجد شيئًا أربط به إلا نطاقي ، قال: فشقيه باثنين فاربطيه ، بواحد السقاء ، وبالآخر السفرة ، ففعلت ، فذلك سميت ذات النطاقين".

قلت : وأصبحت هذه منقبة لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ، لا يجحدها إلا حاقد حاسد.

فقد أخرج البخاري (ح5388) عن هشام بن عروة عن أبيه وعن وهب بن كيسان قال : كان أهل الشام يعيّرون ابن الزبير يقولون : يا ابن ذات النطاقين ، فقالت له أسماء : يا بني ، إنهم يعيّرونك بالنطاقين ، وهل تدري ما كان النطاقان؟ إنما كان نطاقي شققته نصفين، فأوكيت قربة رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم بأحدهما، وجعلت في سفرته آخر . قال : فكان أهل الشام إذا عيّروه بالنطاقين يقول : إيهًا والإله "تلك شكاة ظاهر عنك عارها".

قلت : هذا ما صح لأسماء بنت أبي بكر في الهجرة .

 

ولقد توفيت أسماء رضي الله عنها بمكة في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين بعد قتل ابنها عبد الله بن الزبير بيسير ، وكانت قد ذهب بصرها ، وقال هشام بن عروة عن أبيه : كانت أسماء قد بلغت مائة سنة لم يسقط لها سن ولم ينكر لها عقل. كذا في "تهذيب الكمال" (22-291-8369).

هذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد..

تم تعديل بواسطة خير أمة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاك الله خيرا حبيبتى " خير أمه "

ونتابع معك باذن الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

قصة الصحابي عبدالرحمن بن عوف ودخولة الجنة حبوا

 

 

نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة الخطباء والوعاظ والقصاص وانتشرت على ألسنة العوام، كذا المتصوفة وسادتهم الذين يعيشون على نذور المقبورين، ويروجون لمثل هذه القصص الواهية التي تطعن في سلفنا الصالح الذين انتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله.

 

 

أولاً: متن القصة

 

"بينما عائشة رضي الله عنها في بيتها إذ سمعت صوتًا رجت منه المدينة فقالت: ما هذا؟ فقالوا عير قدمت لعبد الرحمن بن عوف من الشام، وكانت سبع مائة راحلة، فقالت عائشة رضي الله عنها: أما إني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حَبْوًا".

فبلغ ذلك عبد الرحمن فأتاها فسألها عما بلغه فحدثته قال: فإني أشهدك أنها بأحمالها وأقتابها وأحلاسها في سبيل الله". اه.

وفي رواية قال: إن استطعت لأدخلنها قائمًا فجعلها بأقتابها وأحمالها في سبيل الله وكانت سبعمائة بعير فارتجت المدينة من الصوت.

 

 

ثانيًا: التخريج

 

الحديث الذي جاءت به هذه القصة أخرجه:

أحمد في "المسند" (1-115) ح(24886)، والطبراني في "المعجم" (1-129) ح(264)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (1-384)، وفي "الحلية" (1-98)، وابن الجوزي في "الموضوعات" (2-13) كلهم من طريق عمارة بن زاذان عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال فذكره.

 

ثالثًا: التحقيق

 

هذه القصة واهية وعلتها: عمارة بن زاذان الصيدلاني أبو سلمة البصري:

 

1- أورده الحافظ في "التهذيب" (7-365) وقال:

أ- قال الأثرم عن أحمد: يروي عن ثابت عن أنس أحاديث مناكير.

ب- وقال الآجري عن أبي داود: ليس بذاك.

ج- وقال الساجي: فيه ضعف ليس بشيء ولا يقوى في الحديث.

2- وأورده الإمام الدارقطني في "الضعفاء والمتروكين" رقم (382) وقال: "عُمارة بن زاذان الصيدلاني بصري روى عن ثابت وأبي غالب فَزَوَّر". اه.

قلت: وقد يُظن بكتاب الدارقطني هذا: أن الدارقطني باقتصاره على ذكر اسم الراوي فقط أنه سكت عنه. ولكن مجرد ذكر الاسم يكون الراوي متروكًا كما هو مبين في القاعدة المذكورة في أول الكتاب.

قال الإمام البرقاني: "طالت محاورتي مع ابن حمكان للإمام أبي الحسين علي بن عمر- عفا الله عني وعنهما- في المتروكين من أصحاب الحديث فتقرر بيننا وبينه على ترك من أثبته على حروف المعجم في هذه الورقات". اه.

قلت: من هذه القاعدة يتبين أن عمارة بن زاذان متروك.

3- قال ابن الجوزي في "الموضوعات" (2-13):

أ- قال أحمد بن حنبل: هذا الحديث كذب منكر، قال: وعمارة يروي أحاديث مناكير.

ب- قال أبو حاتم الرازي: عمارة بن زاذان لا يحتج به.

ج- وقد روى الجراح بن منهال إسنادًا له عن عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يابن عوف إنك من الأغنياء، وإنك لا تدخل الجنة إلا زحفًا فاقرض ربك يطلق قدميك".

قال النسائي: هذا حديث موضوع، والجراح متروك الحديث، وقال يحيى: ليس حديث الجراح بشيء، وقال ابن المديني لا يكتب حديثه، وقال ابن حبان: كان يكذب، وقال الدارقطني: روى عنه ابن إسحاق فقلب اسمه فقال منهال ابن الجراح وهو متروك". اه.

 

4- ثم قال الإمام ابن الجوزي: "وبمثل هذا الحديث الباطل تتعلق جهلة المتزهدين ويرون أن المال مانع من السبق إلى الخير، ويقولون: إذا كان ابن عوف يدخل الجنة زحفًا لأجل ماله كفى ذلك في ذم المال، والحديث لا يصح، وحاشا عبد الرحمن المشهود له بالجنة أن يمنعه ماله من السبق لأن جمع المال مباح، وإنما المذموم كسبه من غير وجهه،، ومنع الحق الواجب فيه، وعبد الرحمن بن عوف منزه عن الحالين، وقد خلف طلحة الذهب وخلف الزبير وغيره، ولو علموا أن ذلك مذموم لأخرجوا الكل، وكم قاصٍ يتشدق بمثل هذا الحديث يحث على الفقر، ويذم الغنى فلله در العلماء الذين يعرفون الصحيح ويفهمون الأصول". اه.

 

5- وقال الحافظ ابن حجر في "القول المسدد" (ص25): "والذي أراه عدم التوسع في الكلام عليه فإنه يكفينا شهادة الإمام أحمد بأنه كذب، وأولى مجاملة أن نقول: هو من الأحاديث التي أمر الإمام أحمد أن يضرب عليها، فإما أن يكون الضرب ترك سهوًا، وإما أن يكون بعض من كتبه عن عبد الله كتب الحديث وأخل بالضرب والله أعلم". اه.

 

6- قلت: لقد اكتفى الحافظ ابن حجر على كذب القصة بشهادة الإمام أحمد لأن الحافظ رحمه الله يعرف مكانة الصحابي عبد الرحمن بن عوف رحمه الله. حيث قال في "الإصابة في تمييز الصحابة" (4-346) ترجمة (5183): عبد الرحمن بن عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري أبو محمد، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين أخبر عمر عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه توفي وهو عنهم راضٍ، وأسند رفْقته أمرهم إليه حتى بايع عثمان ثبت ذلك في الصحيح. اه.

ثم قال: ولد بعد الفيل بعشر سنين، وأسلم قديمًا قبل دخول دار الأرقم، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا وسائر المشاهد.

 

7- انظر كيف سولت لهؤلاء القصاص والوعاظ أنفسهم في أن يصنعوا هذه القصة الواهية على صاحب هذه المناقب الصحابي عبد الرحمن بن عوف حتى يسعدوا المتصوفة بما هم فيه من عجزٍ وكسل وتسول على النذور للمقبورين.

وإن تعجب فعجب كيف يأخذون بهذه القصة الواهية التي تدعو إلى البطالة والعجز والكسل والفقر، ويتركون الصحيح الذي يدعو إلى العفاف والسعي للعمل.

 

رابعًا: الصحيح من استعفاف عبد الرحمن بن عوف وسعيه للعمل.

 

هذه قصة صحيحة تبين استعفاف عبد الرحمن بن عوف وسعيه للعمل أخرجها الإمام البخاري في الصحيح (ح3780): "لما قدم المدينة آخى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن، وبين سعد بن الربيع، فقال سعد لعبد الرحمن: إني أكثر الأنصار مالاً فأقسم مالي نصفين، ولي امرأتان، فانظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، أين سوقكم؟ فدلوه على سوق بني قينقاع، فما انقلب إلا ومعه فضل من أقط وسمن ثم تابع الغدو، ثم جاء يومًا وبه أثر صفرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "مهيم"؟ قال: تزوجت، قال: كم سقت إليها؟ قال: نواة من ذهب- أو وزن نواة من ذهب". اه.

قلت: انظر إلى القصة الواهية وأثرها السيئ في الأمة تجعل أصحاب العفاف والسعي للعمل يدخلون الجنة حبوًا.

""كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا"" {الكهف: 5}.

ولقد محت الأحاديث الصحيحة ظلمات هذه القصة الواهية وبينت نكارتها، فقد أخرج الإمام مسلم في "صحيحه" (ح2721) من حديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: "اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى".

خامسًا: الصحيح في الصوم والتقى:

هذه قصة أخرى صحيحة لعبد الرحمن بن عوف تبين الهدى والتقى كما بينت القصة السابقة الصحيحة العفاف والغنى.

فقد أخرج البخاري في الصحيح (ح1275) من حديث سعد بن إبراهيم عن أبيه أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أُتي بطعام، وكان صائمًا، فقال: قُتل مصعب بن عمير رضي الله عنه وهو خير مني، كفن في بردة إن غُطي رأسه بدت رجلاه، وإن غُطي رجلاهُ بدا رأسه، وأراه قال: وقُتل حمزة- وهو خير مني- ثم بُسط لنا من الدنيا ما بسط- أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا- وقد خِشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا. ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام. اه.

فعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه من العشرة المبشرين بالجنة ومن الصائمين الذين يقومون ولا يحبون ليدخلوا من باب الريان.

والله من وراء القصد

تم تعديل بواسطة خير أمة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاك الله خيرا حبيبتى " خير أمه "

ونتابع معك باذن الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزانى و إياكى أختى الكريمة :angry:

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بــــــــــــــــســــــــــم الله الرحمن الرحيم

أخواتى فى الله هذة القصة جاءتنى منذ قليل على البريد و لله الحمد وجدتها ضمن سلسلة الداعيه و القصص الواهية بمجلة التوحيد

الرجااااااااااء الحذر بارك الله فيكن

إليكن القصة

 

قصة توبة ثعلبة بن عبدالرحمن رضي الله عنه

إعداد : علي حشيش

 

نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة الوعاظ والخطباء والقصاص، ولقد اشتهرت هذه القصة على لسان واعظ اشتهر اسمه ووعظ ببغداد والشام ومصر كما سنبين للقارئ الكريم مما أدى إلى ذيوع قصة توبة ثعلبة بن عبد الرحمن واشتهارها، كذيوع واشتهار قصة ثعلبة بن حاطب التي حذرنا منها في سلسلة تحذير الداعية من القصص الواهية في الحلقة (15)، وإلى القارئ الكريم تخريج هذه القصة وتحقيقها:

 

أولاً: متن القصة:

 

رُوِي عن جابر بن عبد الله: أن فتى من الأنصار يقال له: ثعلبة بن عبد الرحمن أسلم فكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ، بعثه في حاجة فمر بباب رجل من الأنصار، فرأى امرأة الأنصاري تغتسل، فكرر النظر إليها، وخاف أن ينزل الوحي على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فخرج هاربًا على وجهه، فأتى جبالاً بين مكة والمدينة فولجها، ففقده رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أربعين يومًا، وهي الأيام التي قالوا ودعه ربه وقلى. ثم إن جبريل عليه السلام نزل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا محمد إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول: إن الهارب من بين هذه الجبال يتعوذ بي من ناري. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : يا عمر ويا سلمان انطلقا فأتياني بثعلبة بن عبد الرحمن، فخرجا في أنقاب المدينة فلقيهما راع من رعاء المدينة يقال له "ذفافة"، فقال له عمر: يا ذفافة: هل لك علم بشاب بين هذه الجبال؟ فقال له "ذفافة": لعلك تريد الهارب من جهنم. فقال له عمر: وما علمك أنه هارب من جهنم؟ قال: لأنه إذا كان جوف الليل خرج علينا من هذه الجبال واضعًا يده على رأسه وهو يقول: يا ليتك قبضت روحي في الأرواح وجسدي في الأجساد، ولم تجردني في فصل القضاء. قال عمر: إياه نريد، قال: فانطلق بهما ذفافة فلما كان في جوف الليل، خرج عليهم من بين تلك الجبال واضعًا يده على أم رأسه وهو يقول: يا ليتك قبضت روحي في الأرواح وجسدي في الأجساد ولم تجردني لفصل القضاء. قال فعدا عليه عمر فاحتضنه فقال: الأمان الخلاص من النار. فقال له عمر: أنا عمر بن الخطاب، فقال: يا عمر: هل علم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بذنبي؟ قال: لا علم لي إلا أنه ذكرك بالأمس، فبكى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فأرسلني أنا وسلمان في طلبك. فقال: يا عمر لا تدخلني عليه إلا وهو يصلي وبلال يقول: قد قامت الصلاة قال: أفعل. فأقبلا به إلى المدينة، فوافقوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو في صلاة الغداة، فبدر عمر وسلمان الصف فلما سمع قراءة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خر مغشيًا عليه، فلما سلم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: يا عمر، ويا سلمان، ما فعل ثعلبة بن عبد الرحمن؟ قالا: هو ذا يا رسول الله. فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: ثعلبة؟ قال: لبيك يا رسول الله، فنظر إليه فقال: ما غيبك عني؟ قال: ذنبي يا رسول الله، قال: أفلا أدلك على آية تكفر الذنوب والخطايا؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: قل اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. قال: ذنبي أعظم يا رسول الله، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "بل كلام الله أعظم" ثم أمره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالانصراف إلى منزله، فمرض ثمانية أيام، فجاء سلمان إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله، هل لك في ثعلبة نأته لما به، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : قوموا بنا إليه، فلما دخل عليه أخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رأسه فوضعه في حجره فأزال رأسه من حجر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : لِمَ أَزَلْتَ رأسك عن حجري؟ قال: إنه من الذنوب ملآن، قال: ما تجد؟ قال: أجد مثل دبيب النمل بين جلدي وعظمي. قال: فما تشتهي؟ قال: مغفرة ربي. قال: فنزل جبريل عليه السلام على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول: لو أن عبدي هذا لقيني بقراب الأرض خطيئة لقيته بقرابها مغفرة، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "أفلا أعلمه ذلك؟" قال: بلى، فأعلمه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بذلك فصاح صيحة فمات، فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بغسله وكفنه، وصلى عليه، فجعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يمشي على أطراف أنامله، فقالوا: يا رسول الله، رأيناك تمشي على أطراف أناملك؟ قال: والذي بعثني بالحق نبيًا ما قدرت أن أضع رجلي على الأرض من كثرة أجنحة من نزل لتشييعه من الملائكة.

 

ثانيًا: التخريج:

 

هذه القصة أخرجها أبو نعيم في "الحلية" (9-329)، وابن قدامة في كتاب "التوابين" (ص72) من طريق سليم بن منصور بن عمار قال: حدثني أبي عن المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر بن عبد الله الأنصاري به.

ثالثًا: التحقيق: لقد أورد هذه القصة الإمام ابن حجر في "الإصابة" (1-405-925) ثم قال: قال ابن منده بعد أن رواه مختصرًا: "تفرد به منصور".

ثم قال الحافظ ابن حجر: قلت: وفيه ضعف وشيخه أضعف منه، وفي السياق ما يدل على وهن الخبر لأن نزول "ما ودعك ربك وما قلى" كان قبل الهجرة بلا خلاف. اه.

قلت: يتبين من قول ابن منده أن هذه القصة غريبة لتفرد منصور بها.

ويتبين كذلك من قول الحافظ ابن حجر أن في القصة ثلاث علل: اثنتين منها في السند والثالثة في المتن.

 

فالأولى: منصور بن عمار:

 

1- قال الإمام الذهبي في "الميزان" (4-187-8790): "منصور بن عمار الواعظ أبو السري، خرساني ويقال بصري، زاهد شهير، وإليه كان المنتهى في بلاغة الوعظ وترقيق القلوب، وتحريك الهمم وعظ ببغداد والشام ومصر، وبَعُد صيته واشتهر اسمه".

ثم نقل عن الدارقطني قوله: "يروي عن ضعفاء أحاديث لا يتابع عليها". اه.

2- قال الإمام الحافظ ابن عدي في "الكامل" (6-393) (260-1881): منصور بن عمار أبو السرِّي منكر الحديث.

3- قال ابن أبي حاتم في كتابه "الجرح والتعديل" (8-176-777): منصور بن عمار صاحب المواعظ، سُئل أبي عن منصور بن عمار فقال ليس بالقوي صاحب مواعظ.

4- قال الحافظ العقيلي في كتابه "الضعفاء الكبير" (4-193-1771): منصور بن عمار القاصّ لا يقيم الحديث وكان فيه تجهم من مذهب جهم. اه.

ثم قال: حدثنا عبد الله بن أحمد، ومحمد بن زكريا قالا: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، وحدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثنا أبو بكر أيضًا قالا: كنا عند ابن عيينة فجاءه منصور بن عمار فسأله عن القرآن فزبره(1) وأشار عليه بالعكاز وانتهره، فقيل له: يا أبا محمد إنه رجل عابد ناسك، فقال: ما أراه إلا شيطانًا. اه.

 

العلة الثانية: المنكدر بن محمد بن المنكدر:

 

1- قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8-406-1865): قرئ على العباس بن محمد الدوري قال: سألت يحيى بن معين عن المنكدر بن محمد بن المنكدر فقال: ليس بشيء.

ثم قال: سألت أبي عن المنكدر بن محمد بن المنكدر فقال: كان رجلاً صالحًا لا يقيم الحديث كان كثير الخطأ، لم يكن بالحافظ لحديث أبيه.

ثم قال: سئل أبو زرعة عن المنكدر بن محمد فقال: ليس بالقوي.

2- قال النسائي في كتابه الضعفاء والمتروكين رقم (579): منكدر بن محمد بن المنكدر ليسس بالقوي.

ونقل عنه الذهبي في "الميزان" (4-191-8803) أن النسائي قال: ضعيف.

3- قال ابن حبان في "المجروحين" (3-24): المنكدر بن محمد بن المنكدر قطعته العبادة عن مراعاة الحفظ والتعاهد في الإتقان فكان يأتي بالشيء الذي لا أصل له عن أبيه توهمًا فلما ظهر ذلك في روايته بطل الاحتجاج بأخباره. اه.

 

العلة الثالثة:

قال الإمام ابن القيم في المنار المنيف فصل (6): "ونحن ننبه على أمور كلية يعرف بها كون الحديث موضوعًا فقال في فصل (22): ومنها ما يقترن بالحديث من القرائن التي يعلم بها أنه باطل".

 

قلت: وهكذا يتبين من قول الحافظ ابن حجر في الإصابة (1-405-945): "وفي السياق ما يدل على وهن الخبر لأن نزول "ما ودعك ربك وما قلى" كان قبل الهجرة بلا خلاف". اه.

قلت: بهذه العلل يتبين أن القصة واهية.

 

وهذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد.

 

(1) زبره يزبره- بالضم- عن الأمر نهاه وانتهره. لسان العرب (4-315).

تم تعديل بواسطة خير أمة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

أعتذر أخواتى عن التاخير فى نقل باقى القصص

 

القصة التاليه هى من سلسلة شرائط قصص لم تثبت للشيخ مسعد أنور

قمت بتفريغ القصة و التخريج الذى ذكرة الشيخ

القصة هى

 

 

 

 

قصة علقمة و عقوقة لأمه و تعسر نطقة بالشهادتين عند الإحتضار:

 

هذة القصة ضعفها الإمام احمد و البيهقى و ابن الجوزى ذكرها فى الموضوعات أى المكذوبات المفتريات على رسول الله و كذلك الذهبى قال هى قصة موضوعة

 

القصة:

 

عن عبد الله بن أبى أوفى –رضى الله عنه

جاء رجل إلى النبى ,فقال يا رسول الله: إنا هاهنا غلاماً قد إحتضر فيقال له قل لا إله إلا الله فلا يستطيع. قال النبى صلى الله عليه و سلم : أوليس كان يقولها فى الدنيا, قالوا :بلى, قال: فقوموا معى .و ذهبوا إليه و إذ به علقمة يا علقمة: قل لا إله إلا الله يحاول أن ينطق بها فيشعر أن جبلاً على لسانه و شفتيه. قال: ما هذا قل لا إله إلا الله, قال: لا أستطيع. قال رسول الله له :هل أذنبت ذنباً ,قال: نعم. كنت أعق أمى ;أمى على ساخطة .قال رسول الله : أحيةُ هى قال أرسلوا لها . يا أم علقمة لماذا أنت ساخطة على ولدك ,قالت :لأنه كان يدنى زوجته و يؤثر زوجته علي و يقدمها على انا ساخطه عليه, قال صلى الله عليه و سلم :سامحيه و ارض عليه. قالت: لا, قال النبى لأصحابة: اجمعوا لى الحطب و اضربوا فيه النار فصارت نار تأجت ارفعوا علقمة و القوه فيها فصاحت الأم لا يا رسول الله قال إذاً يسرك أن يحرق بنار الآخرة التى هى أبشع من نار الدنيا سبعين مرة قالت لا قال ارض عنه و سامحيه و أشهدى الله و أشهدينا على هذا فلما صفحت و رضيت قال النبى لعلقمة قل لا إله إلا الله فقالها

 

هذة القصة باطلة لم تثبت . هذة قصة موضوعة.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بارك الله فيك أختي الحبيبة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

قصة بكاء النبي صلى الله عليه وسلم من مشاهد تعذيب النساء ليلة الإسراء والمعراج

 

إعداد/ علي حشيش

 

 

نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة الوعاظ والقصاص خاصة عند ذكر حدث الإسراء المعراج، ومما زاد في انتشارها طبعها وتوزيعها على الناس.

 

وإلى القارئ الكريم تحقيق هذه القصة الواهية:

 

رُوِيَ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا وفاطمة رضي اللَّه عنها، فوجدناه يبكي بكاءً شديدًا، فقلت له: فداك أبي وأمي يا رسول اللَّه، ما الذي أباك ؟ قال: «يا علي، ليلة أسري بي إلى السماء رأيت نساءً من أمتي يعذبن بأنواع العذاب، فبكيت لما رأيت من شدة عذابهن، ورأيت امرأة معلقة بشعرها يغلي دماغها، ورأيت امرأة معلقة بلسانها والحميم يصب في حلقها، ورأيت امرأة قد شدت رجلاها إلى ثدييها ويداها إلى ناصيتها، ورأيت امرأة معلقة بثديها، ورأيت امرأة رأسها رأس خنزير وبدنها بدن حمار عليها ألف ألف لون من العذاب، ورأيت امرأة على صورة الكلب والنار تدخل من فِيها وتخرج من دبرها والملائكة يضربون رأسها بمقامع من نار».فقامت فاطمة رضي اللَّه عنها وقالت: حبيبي وقرة عيني ما كان أعمال هؤلاء حتى وضع عليهن العذاب ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «يا بنية، أما المعلقة بشعرها (يغلي دماغها) فإنها كانت لا تغطي شعرها من الرجال، وأما التي معلقة بلسانها (والحميم يصب في حلقها) فإنها كانت تؤذي زوجها، وأما المعلقة بثدييها فإنها كانت تفسد فراش زوجها، وأما التي تشد رجلاها إلى ثدييها ويداها إلى ناصيتها وقد سلط عليها الحيات والعقارب فإنها كانت لا تنظف بدنها من الجنابة والحيض وتستهزئ بالصلاة، وأما التي رأسها رأس خنزير وبدنها بدن حمار

(وعليها ألف ألف لون من العذاب) فإنها كانت نمامة كذابة، وأما التي على صورة الكلب والنار تدخل من فِيها وتخرج من دبرها فإنها كانت منانة حسادة، ويا بنية الويل لامرأة تعصي زوجها».

 

أولا: التخريج والتحقيق

 

هذه القصة لا أصل لها، أوردها الذهبي في «الكبائر» (ص193) في «نشوز المرأة على زوجها».وهي قصة موضوعة كما نبه على ذلك الإمام ابن القيم في «المنار المنيف» في التنبيه رقم (12).

 

ثانيًا: شاهد واهٍ جدًا للقصة

 

هناك شاهد لتعليق النساء بدثيهن مع مشاهد أخرى في قصة المعراج رُوِيَ عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له أصحابه: يا رسول اللَّه، أخبرنا عن ليلة أسري بك فيها ؟ قال: دخلت أنا وجبريل عليه السلام بيت المقدس فصلى كل واحد منا ركعتين ثم أتيت بالمعراج. قال: فصعدت أنا وجبريل فإذا أنا بملك يقال له: إسماعيل وهو صاحب سماء الدنيا وبين يديه سبعون ألف ملك مع كل ملك جنده مائة ألف ملك، قال: وقال اللَّه عز وجل: وما يعلم جنود ربك إلا هو[المدثر: 31].فاستفتح جبريل باب السماء، قيل: من هذا ؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك ؟ قال: محمد، قيل: وقد بُعِثَ إليه ؟ قال: نعم، فإذا أنا بآدم كهيئته يوم خلقه اللَّه على صورته تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين فيقول: روح طيبة ونفس طيبة اجعلوها في عليين، ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار فيقول: روح خبيثة ونفس خبيثة اجعلوها في سجين، ثم مضت هنيّة فإذا أنا بأخونةٍ يعني الخوان المائدة التي يؤكل عليها لحم مُشرَّح ليس يقريها أحد وإذا أنا بأخونة أخرى عليها لحم قد أروح ونت، عندها أناس يأكلون منها، قلت: يا جبريل، من هؤلاء ؟ قال: هؤلاء من أمتك يتركون الحلال ويأتون الحرام، قال: ثم مضت هنية فإذا أنا بأقوام بطونهم أمثال البيوت كلما نهض أحدهم خر يقول: اللهم لا تقم الساعة، قال: وهم على سابلة آل فرعون، قال: فتجئ السابلة فتطؤهم، قال: فسمعتهم يضجون إلى اللَّه سبحانه.قلت: يا جبريل، مَن هؤلاء ؟ قال: هؤلاء من أمتك الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، قال: ثم مضت هنية، فإذا أنا بأقوام مشافرهم كمشافر الإبل، قال: فتفتح على أفواههم ويلقون ذلك الحجر؛ ثم يخرج من أسافلهم، فسمعتهم يضجون إلى اللَّه عز وجل، فقلت: يا جبريل، من هؤلاء ؟ قال: هؤلاء من أمتك يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا، قال: ثم مضت هنية فإذا أنا بنساء يعلقن بثديهن فسمعتهن يصحن إلى اللَّه عز وجل، قلت: يا جبريل، مَن هؤلاء النساء؟ قال: هؤلاء الزناة من أمتك، قال: ثم مضيت هنية فإذا أنا بأقوام تقطع من جنوبهم اللحم فيلقمون فيقال له: كل كما كنت تأكل من لحم أخيك. قلت: يا جبريل مَن هؤلاء ؟ قال: هؤلاء الهمازون من أمتك اللمازون».اهـ.

 

 

ثالثًا: التحقيق

 

هذه القصة أخرجها البيهقي في «الدلائل» (2/390) قال: أنبأنا أبو عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الحافظ قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: حدثنا أبو بكر يحيى بن أبي طالب، قال: أنبأنا عبد الوهاب بن عطاء قال: أنبأنا أبو محمد بن أسد الحماني عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه، فذكر حديث قصة شاهد المعراج.وأخرجه ابن جرير الطبري في «تفسيره» (8/13) (ح22023) قال: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور عن معمر، عن أبي هارون العبدي عن أبي

سعيد الخدري به.وقال ابن جرير: حدثني الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر قال: أخبرنا أبو هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري به.وهذه القصة واهية والحديث الذي جاءت به موضوع وعلته: أبو هارون العبدي وهو عُمارة بن جُوين.أورده الإمام الذهبي في «الميزان» (3/173) (ح6018) وقال:

1- كذبه حماد بن زيد.

2- وقال شعبة: لأَنْ أُقَدَّم فَتُضْرب عنقي أحب إلي من أن أحدث عن أبي هارون.

3- وقال أحمد: ليس بشيء.

قلت: وقال الإمام النسائي في «الضعفاء والمتروكين» ترجمة (476): «عُمارة بن جوين أبو هارون العبدي، متروك الحديث، بصري».

قلت: وهذا المصطلح عند الإمام النسائي له معناه الذي بينه الحافظ ابن حجر في «شرح النخبة» (ص69) حيث قال: «مذهب النسائي أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه». اهـ.

قال الإمام ابن حبان في «المجروحين» (2/177):

«عمارة بن جوين أبو هارون العبدي كان رافضيًا، يروي عن أبي سعيد ما ليس من حديثه لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب». اهـ.

وقال الذهبي: قال السُّليماني: سمعت أبا بكر بن حامد يقول: سمعت صالح بن محمد أبا علي وسئل عن أبي هارون العبدي، فقال: أكذب من فرعون». اهـ.

 

بهذا التحقيق يتبين أن هذه القصة

واهية، وقصة المشاهد باطلة.

 

 

رابعًا: شاهد آخر واهٍ جدًا للقصة

 

رُوِي عن راشد بن سعيد المقرائي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما عرج بي مررت برجال تقرض جلودهم بمقاريض من نار، فقلت: مَن هؤلاء يا جبريل ؟ قال: الذين يتزينون للزينة».قال: ثم مررت بجب منتن الريح، فسمعت فيه أصواتًا شديدة، فقلت: من هؤلاء يا جبريل ؟ قال: نساء كن يتزين للزينة، ويفعلن ما لا يحل لهن.ثم مررت على نساء ورجال معلقين بثديهن فقلت: مَن هؤلاء يا جبريل ؟ فقال: هؤلاء اللمازون والهمازون وذلك قوله عز وجل: ويل لكل همزة لمزة <<.

 

خامسا: التخريج

 

أخرج هذه القصة البيهقي في «شعب الإيمان» (5/309) (ح6750) قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأحمد بن الحسن قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أبو عتبة حدثنا بقية حدثنا سعيد بن سنان عن سعد بن خالد عن عمه راشد بن سعد المقرائي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم... فذكر قصة المعراج والمشاهد.

 

سادسا : التحقيق

 

قصة هذه المشاهد في حديث راشد بن سعد المقرائي الحمصي قصة واهية، وعلتها سعيد بن سنان أبو مهدي الحمصي.

 

1- قال الإمام النسائي في «الضعفاء والمتروكين» ترجمة (268): «سعيد بن سنان أبو المهدي الحمصي، متروك الحديث». اهـ.

 

2- وقال الإمام البخاري في كتابه «الضعفاء الصغير» ترجمة (135):

«سعيد بن سنان أبو مهدي الكندي الحنفي الحمصي: منكر الحديث». اهـ.

 

قلت: وهذا المصطلح عند الإمام البخاري له معناه حيث قال السيوطي في «تدريب الراوي» (1/349): «البخاري يطلق فيه نظر وسكتوا عنه فيمن تركوا حديثه، ويطلق منكر

الحديث على من لا تحل الرواية عنه». اهـ.

 

3- وأورده الإمام الذهبي في «الميزان»

(2/143/3208) وقال: ضعفه أحمد، وقال يحيى: ليس بثقة، وقال مرة: ليس بشيء، وقال الجوزجاني: أخاف أن تكون أحاديثه موضوعة». اهـ.

 

قلت: بهذا يتبين أن قصة المشاهد التي جاءت من حديث علي بن أبي طالب وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما ومن حديث راشد بن سعد المقرائي التابعي قصة واهية لما فيها من كذابين ومتروكين.

 

سابعا:

 

1- هناك قصة المعراج الصحيحة كما في حديث مالك بن صعصعة رضي الله عنه وهو حديث متفق عليه؛ أخرجه الإمام البخاري في كتاب بدء الخلق (59) باب (6) ذكر الملائكة، والإمام مسلم في كتاب الإيمان - باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات.

2- وكذلك حديث أبي ذر وهو حديث متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب الصلاة - باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء، وأخرجه مسلم أيضا في كتاب الإيمان.

3- وكذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما المتفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق - باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء، وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان.

4- وكذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء - باب قول الله تعالى: وهل أتاك حديث موسى <<، وأخرجه مسلم أيضا في كتاب الإيمان.

5- إلى غيرها مما انفرد به البخاري وانفرد به مسلم وصح عند غيرهما.

 

هذا ما وفقني الله إليه، وهو وحده من وراء القصد.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

قصة خلق النخلة ونسبها لآدم عليه السلام

 

إعداد/ علي حشيش

 

 

نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة والتي حاول أحد الدعاة أن يجعل من هذه القصة بين النخلة وبين آدم نسبًا، وهذه القصة بنيت عليها الندوة التي عقدت في أحد المساجد المشهورة ونشرتها جريدة المساء في عددها (14080) في الصفحة السادسة، وإلى القارئ الكريم نص ما نشر عن القصة:

«كشفت ندوة دينية عن أسرار جديدة في عالم النخل، تبين أن النخلة خلقها اللَّه عز وجل من بقية طينة آدم عليه السلام، وقال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكرموا عماتكم النخل، وإنما سماها عماتنا لأنها خلقت من فضلة طينة آدم». ثم أوضح الداعية أن النخلة هي «الإنسان» لأنها خلقت من فضلة طينة آدم عليه السلام أو أنها تشبه الإنسان من حيث استقامة قدها، وطولها، وامتياز ذكرها عن أنثاها، واختصاصها باللقاح وكذلك لو قطع رأسها لهلكت، ولطلعها رائحة الحيوان المنوي، ولها غلاف كالمشيمة التي يكون الولد فيها، والجمار الذي على رأسها لو أصابه آفة هلكت النخل مثل مخ الإنسان تمامًا، ولو قطع منها غصن لا يرجع بدله كعضو الإنسان تمامًا...». اهـ.

قلت: ولقد استمرت الجريدة في نقل كلام الشيخ في الندوة الدينية والتي اعتبرته كشفًا علميًا من أسرار جديدة في عالم النخل بناءً على قصة نسب النخلة لآدم عليه السلام.

وإلى القارئ الكريم تخريج وتحقيق قصة خلق النخلة ونسبها لآدم عليه السلام:

 

أولاً: القصة

 

من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

1- رُوي عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أكرموا عمتكم النخلة فإنها خُلقت من فضلة طينة أبيكم آدم، وليس من الشجر شجرة تلقح غيرها، وليس من الشجر شجرة أكرم على اللَّه من شجرة ولدت تحتها مريم بنت عمران، فأطعموا نساءكم الوُلَّد الرُّطب، فإن لم يكن الرطب فالتمر».

 

2- التخريج:

 

أخرج حديث قصة خلق النخلة أبو يعلى في «مسنده» (1/353) (ح455)، والعقيلي في «الضعفاء الكبير» (4/256- ت1853)، وابن عدي في «الكامل في ضعفاء الرجال» (6/431)، وابن الجوزي في «الموضوعات» (1/184)، وأبو نعيم في «الحلية» (6/123) كلهم من طريق مسرور بن سعيد التميمي عن الأوزاعي، عن عروة بن رويم عن علي بن أبي طالب مرفوعًا.

 

3- التحقيق:

 

أ- هذا الطريق الذي جاءت به قصة خلق النخلة طريق غريب حيث قال أبو نعيم في «الحلية» (6/23): «غريب من حديث الأوزاعي عن عروة تفرد به مسرور بن سعيد».

ب- وقال العقيلي في «الضعفاء الكبير» (4/256/1853): «مسرور بن سعيد عن الأوزاعي، حديثه غير محفوظ، ولا يعرف إلا به».

جـ- قال ابن عدي في «الكامل في ضعفاء الرجال» (6/431): «مسرور بن سعيد التميمي منكر الحديث». اهـ.

ثم أخرج حديث القصة ثم قال معقبًا: «وهذا حديث عن الأوزاعي منكر، وعروة بن رويم عن علي ليس بالمتصل ومسرور بن سعيد غير معروف لم أسمع بذكره إلا في هذا الحديث». اهـ.

قلت: هكذا بين الإمام الحافظ أبو أحمد عبد اللَّه بن عدي علل الحديث من النكارة والانقطاع والجهالة والتي بها تصبح قصة خلق النخلة ونسبها واهية.

د- قال الإمام الحافظ ابن حبان في كتابه «المجروحين» (3/44): «مسرور بن سعيد التميمي: يروي عن الأوزاعي المناكير التي لا يجوز الاحتجاج بمن يرويها». اهـ.

هـ- قال الإمام ابن الجوزي في «الموضوعات» (1/184): «هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحديث على تفرد به مسرور، قال ابن عدي غير معروف وهو منكر الحديث»، ثم نقل قول ابن حبان وأقره.

 

وإلى القارئ الكريم الطريق الثاني للقصة:

 

ثانيًا: قصة خلق النخلة من حديث ابن عمر:

 

1- رُوِيَ عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أحسنوا إلى عمتكم النخلة فإن اللَّه خلق آدم ففضل من طينته فخلق منها النخلة».

 

2- التخريج:

 

قال ابن عدي في «الكامل» (2/156) (23/348): حدثنا جعفر بن أحمد بن علي بن بيان، حدثنا أبو صالح كاتب الليث، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.

وأخرجه ابن الجوزي في «الموضوعات» (1/184) من طريق ابن عدي.

 

3- التحقيق:

 

علة حديث ابن عمر في خلق النخلة جعفر بن أحمد بن علي بن بيان بن زيد بن سيابة قال الإمام ابن عدي في «الكامل» (2/156): «حدثنا جعفر بن أحمد أبو الفضل الغافقي مصري يعرف بابن أبي العلاء عن أبي صالح كاتب الليث وغيره بأحاديث موضوعة، وكنا نتهمه بوضعها بل نتيقن في ذلك». اهـ.

قلت: ثم أخرج له حديثين أحدهما حديث قصة خلق النخلة ونسبها.

ثم قال: «هذان الحديثان بإسناديهما موضوعان ولا شك أن جعفرًا وضعهما». اهـ.

ثم ختم ترجمته بقوله: «وعامة أحاديثه موضوعة وكان قليل الحياء في دعاويه على قوم لعله لم يلحقهم ووضع مثل هذه الأحاديث». اهـ.

وأقر هذا الحافظ ابن حجر في «اللسان» (2/137) (96/1963)، ونقل عن أبي سعيد النقاش أن جعفرًا هذا: «حدث بموضوعات».

وقال الدارقطني: «جعفر لا يساوي شيئًا». اهـ.

وبهذا التحقيق لقصة خلق النخلة من حديث ابن عمر تبين أن الحديث موضوع وهو الكذب المختلق المصنوع المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

فهذا الطريق لا يصلح للمتابعات ولا الشواهد، بل يزيد القصة وهنًا على وهن كما هو مقرر عند أهل الفن.

 

وإلى القارئ الكريم الطريق الثالث للقصة:

 

ثالثًا: قصة خلق النخلة من حديث أبي سعيد الخدري:

 

أخرجه ابن عساكر في «تاريخه» كما في «اللآلئ» (1/156) من حديث أبي سعيد الخدري قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مِمَّ خلقت النخلة ؟ قال: «خلقت النخلة والرمان والعنب من فضل طينة آدم عليه السلام». ولم يذكر السيوطي سنده.

فقال المعلمي اليماني في تحقيقه لكتاب «الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة» (ص490): «لم يسق في «اللآلئ» سنده ولن يكون إلا ساقطًا».

قلت: «وما قاله المعلمي اليماني هو الحق، حيث أكده الشيخ الألباني في «الضعيفة» (1/282) (ح262) فساق سنده عن ابن عساكر في «تاريخه» (2/309/2) عن الحاكم بن عبد اللَّه الكلبي أبي سالم من أهل قزوين، عن يحيى بن سعيد البحراني من أهل غطيف، عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مم خلقت النخلة ؟ فذكره، ثم قال: وهذا إسناد ضعيف جدًا وأبو هارون العبدي اسمه عمارة بن جوين وهو متروك ومنهم من كذبه كما في «التقريب». اهـ.

 

أ- قلت:

وفي «الميزان» (3/173/6018) عمارة بن جوين كذبه حماد بن زيد وقال شعبة: «لأن أقدَّم فتضرب عنقي أحبّ إليّ من أن أحدث عن أبي هارون».

ب- وقال الجوزجاني: أبو هارون كذاب مفتر.

 

جـ- قال النسائي في «الضعفاء والمتروكين» (ت/476): «عمارة بن جوين أبو هارون العبدي متروك الحديث بصري».

 

قلت:

وهذا المصطلح عند النسائي له مدلوله حيث قال الحافظ في «شرح النخبة» (ص69): «ولهذا كان مذهب النسائي أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه».

 

د- قال ابن حبان في «المجروحين» (2/177): «عمارة بن جوين أبو هارون العبدي كان رافضيًا يروي عن أبي سعيد ما ليس من حديثه، لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب».

 

قلت:

وحاولت أن أذكر طرق الحديث مبينًا درجة ضعفها حتى لا يُقال: إن الحديث الضعيف إذا جاء من عدة طرق قوى بعضها بعضًا، ولا يدرى أن هذا ليس على إطلاقه كما هو مبين من قول الحافظ ابن كثير في «اختصار علوم الحديث» (ص16).

 

قال الشيخ أبو عمرو: «لا يلزم من دور الحديث من طرق متعددة أن يكون حسنًا لأن الضعيف يتفاوت فمنه ما لا يزول بالمتابعات يعني لا يؤثر كونه تابعًا أو متبوعًا كرواية الكذابين والمتروكين».

 

قلت:

وهذه القاعدة الحديثية تنطبق على حديث قصة خلق النخلة ونسبها لآدم فطرقها كما بينا آنفًا لا تخلو من وضاع أو متروك أو كذاب.

وكم لهذه الأحاديث الموضوعة والقصص الواهية من الأثر السيئ حتى اعتبرتها الصحف أنها كشف جديد في عالم النخل لثقتهم بالشيخ ومكانته الإدارية، حيث أخذ الشيخ يربط بين النخلة والإنسان من النواحي الخلقية والشكلية.

ومثل هذه الأحاديث المكذوبة والتي بها قصص الخلق ولا يعرف الكثير درجتها ويروجونها في الندوات وتنشرها الصحف تفتح بابًا للطعن في الإسلام، حيث أثبتت البحوث العلمية الحديثة بحقائق علمية ترى رأي العين أن الله أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.

فكل خلية تحت المجاهر المكبرة تشهد بأن لكل مخلوق خلقه من كرومسومات (الأمشاج) وعليها جينات، ولا يشاركها فيها كائن آخر، فلكل كائن جيناته التي أعطاها الله سبحانه: ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى [طه: 50]، سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون [يس: 36]، ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون [الذاريات: 49].

فعلوم الكشف عن سنن اللَّه الكونية تشهد بحقائقها العلمية لهذه الآيات القرآنية ولا يمكن لحقيقة علمية من سنن اللَّه الكونية في آياته في الآفاق أن تصطدم بآية قرآنية لقوله تعالى: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد [فصلت: 53].

فالخلق خلقه والأمر أمره، قال تعالى: ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين [الأعراف:54].

 

منشأ التعارض وأثره السيئ

 

ينشأ المتعارض من أمرين:

 

الأول:

ينشأ التعارض من أن يعتقد الإنسان أن الأمر حقيقة دينية، وهو ليس بحقيقة دينية فيصطدم مع الحقائق العلمية الكونية من سنن اللَّه الكونية والتي يراها الإنسان في الآفاق شاهدة الشمس في ضحاها كالاعتقاد بأن النخلة عمة الإنسان لأنها خلقت عن بقية طينة آدم وأثبتنا آنفًا أنها قصة مكذوبة منسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

فتصطدم مع الحقيقة العلمية في سنن اللَّه الكونية في خلقه والتي أعطى اللَّه فيها خلايا النخل خلقها، وأعطى سبحانه خلايا الإنسان خلقها من كرومسومات (الأمشاج) وما عليها من جينات، كما هو مقرر عند علماء الخلية وما بها من آيات تشهد بتوحيد الربوبية ولازمها توحيد الألوهية.

 

الثاني:

ينشأ التعارض من أن يعتقد الإنسان أن الأمر حقيقة علمية فيجزم بنسبة غير واقعة كتعلق دارون بالمظاهر الخارجية للقرد وربط بين هذه المظاهر وبنى بهواه نظريته الخاطئة في التطور لأن اللَّه لم يشأ يومها أن توجد المجاهر وعلم الخلية التي يرى آيات اللَّه في خلايا الكائنات فبنى نظريته على جهل فعارض خلق اللَّه لآدم عليه السلام في الآيات القرآنية.

 

الأثر السيئ:

 

اعتقد الشيخ محمد عبده عفا اللَّه عنا وعنه في العلاقة والتطورية بين القرد والإنسان وتوهم أن نظرية دروان في التطور حقيقة علمية فقال: «إن قصة آدم في القرآن تمثيل».

ولقد وقف شيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود رحمه اللَّه في قاعة الإمام محمد عبده في المحاضرة التي ألقاها في 27 مارس 1962 وحضرها عمداء الكليات بمصر وغيرها وعميد كلية الزيتونة وكان مما قاله في هذه المحاضرة: «إننا جميعًا نُجلُّ الشيخ محمد عبده ونحترمه وندين له بكثير من تخليص الدين من الخرافات والأساطير ولكن حين نقرأ له تفسير قصة آدم فنجده يقول: بأنها تمثيل. نتساءل: لماذا اتجه الشيخ محمد عبده هذا الاتجاه ؟ لماذا اتجه في قصة آدم إلى أنها تمثيل ؟ حينما نتساءل حقيقة عن السر العميق - في الشعور أو اللاشعور- نجد أن الشيخ محمد عبده رأى أن فكرة التطور منتشرة في جميع أوربا، بل والعالم وهي - فيما يرى - تتعارض مع التعاليم التي تنبئ أن آدم هو أول البشر، وهو الذي خلقه اللَّه وسواه وخاطب الملائكة في شأنه وأمرهم أن يسجدوا له رأى الشيخ محمد عبده أن كل ذلك لا يتلاءم كثيرًا مع فكرة التطور المزعومة فماذا صنع ؟

فقرر بأنها قصة، وأنها تمثيل... وأصبحت فكرة التطور مسيطرة على الكثيرين فانقادوا لها وأدخلوها في المحيط الديني، فأفسدوا كثيرًا من القضايا.

ونعود فنترحم على الشيخ محمد عبده، وإذا كنا ننتقده ونحن نحاضر في قاعته فذلك أننا نعلم أنه رحمه اللَّه كان من سعة الصدر ومن سعة الأفق بحيث لا يضيق بنقد، ونعتقد أنه لا يضيق بنقدنا ولا يقلل هذا من شأنه. اهـ.

قلت: قوله: «وأصبحت فكرة التطور مسيطرة على الكثيرين فانقادوا لها وأدخلوها في المحيط الديني، فأفسدوا كثيرًا من القضايا».

قلت: نعم تحت ما يسمى بتطوير الخطاب الديني وتطوير الأذان فمن لها اليوم في قاعة الإمام، ليسمع الآذان، والله المستعان.

 

هذا ما وفقني اللَّه إليه وهو وحده من وراء القصد.

 

المـصدر مجلة التوحيد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

قصة قصاص عكاشة من النبي صلي الله عليه وسلم ووفاته

علي حشيش

نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة الخطباء والوعاظ والقصاص وانتشرت على ألسنة العوام.

 

 

أولاً: متن القصة

 

 

رُوي عن جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس في قول الله عز وجل: إذا جاء نصر الله والفتح (1) ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا (2) فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا، قال: لما نزلت قال محمد صلى الله عليه وسلم : "يا جبريل، نفسي قد نُعيت". قال جبريل عليه السلام: الآخرة خير لك من الأولى، ولسوف يعطيك ربك فترضى، فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بلالاً أن ينادي بالصلاة جامعة، فاجتمع المهاجرون والأنصار إلى مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، ثم صعد المنبر فحمد الله عز وجل وأثنى عليه، ثم خطب خطبة وجلت منها القلوب وبكت العيون ثم قال: "أيها الناس أي نبي كنت لكم؟" فقالوا: جزاك الله من نبي خيرًا، فلقد كنت بنا كالأب الرحيم وكالأخ الناصح المشفق، أديت رسالات الله عز وجل، وأبلغتنا وحيه ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، فجزاك الله عنا أفضل ما جازى نبيًا عن أمته، فقال لهم: "معاشر المسلمين، أنا أنشدكم بالله وبحقي عليكم من كانت له قِبَلي مظلمة فليقم فليقتص مني". فلم يقم إليه أحد، فناشدهم الثانية، فلم يقم أحد، فناشدهم الثالثة: "معاشر المسلمين أنشدكم بالله وبحقي عليكم من كانت له قِبلي مظلمة فليقم فليقتص مني قبل القصاص في القيامة". فقام من بين المسلمين شيخ كبير يقال له عكاشة، فتخطى المسلمين حتى وقف بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال: فداك أبي وأمي، لولا أنك ناشدتنا مرة بعد أخرى ما كنت بالذي يقدم على شيء من هذا، كنت معك في غزاة فلما فتح الله عز وجل علينا ونصر نبيه صلى الله عليه وسلم ، وكنا في الانصراف حاذت ناقتي ناقتك، فنزلت عن الناقة ودنوت منك لأقبل فخدك، فرفعت القضيب فضربت خاصرتي، ولا أدري أكان عمدًا منك أم أردت ضرب الناقة؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "أعيذُك بجلال الله أن يَتعمد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالضرب، يا بلال انطلق إلى منزل فاطمة وائتني بالقضيب المَمْشُوق". فخرج بلال ويده على أم رأسه وهو ينادي: هذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعطي القصاص من نفسه، فقرع الباب على فاطمة، فقال: يا بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ناوليني القضيب الممشوق، فقالت فاطمة: يا بلال، وما يصنع أبي بالقضيب، وليس هذا يوم حج ولا غزاة، فقال: يا فاطمة ما أغفلك عما فيه أبوكِ، إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يودع الدين ويفارق الدنيا ويعطي القصاص من نفسه، فقالت فاطمة رضي الله عنها: يا بلال: ومن ذا الذي تطيب نفسه أن يقتص من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ؟ يا بلال إذن فقل للحسن والحسين يقومان إلى هذا الرجل، فيقتص منهما ولا يدعانه يقتص من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فدخل بلال المسجد ودفع القضيب إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، ودفع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم القضيب إلى عكاشة، فلما نظر أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إلى ذلك قاما فقالا: يا عكاشة هذان نحن بين يديك فاقتص منا ولا تقتص من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم : "امْضِ يا أبا بكر وأنت يا عمر فامضِ فقد عرف الله مكانكما ومقامكما". فقام علي بن أبي طالب فقال: يا عكاشة أنا في الحياة بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، ولا تطيب نفسي أن يُضرب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فهذا ظهري وبطني اقتص مني بيدك واجلدني مائة، ولا تقتص من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "يا علي، اقعد فقد عرف الله عز وجل مقامك ونيتك". وقام الحسن والحسين رضي الله عنهما فقالا: يا عكاشة، أليس تعلم أنا سبطا رسول اللَّه؟ فالقصاص منا كالقصاص من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال صلى الله عليه وسلم : "اقعدا يا قُرة عيني لا نَسِيَ الله لكما هذا المقام". ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : "يا عكاشة اضرب إن كنت ضَاربًا". فقال: يا رسول الله ضربتني وأنا حاسر عن بطني، فكشف عن بطنه صلى الله عليه وسلم ، وصاح المسلمون بالبكاء، وقالوا: أترى يا عكاشة ضارب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فلما نظر عكاشة إلى بياض بطن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كأنه القباطي، لم يملك أن كب عليه وقبل بطنه وهو يقول: فداءٌ لك أبي وأمي ومن تطيق نفسه أن يقتص منك؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "إمَّا أن تضرب وإمَّا أن تعفو". فقال: قد عفوت عنك رجاءً أن يعفو الله عني يوم القيامة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "من أراد أن ينظر إلى رفيقي في الجنة فلينظر إلى هذا الشيخ". فقام المسلمون فجعلوا يقبلون ما بين عيني عكاشة، ويقولون: طوباك طوباك نلت الدرجات العلى ومرافقة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فمرض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من يومه فكان مريضًا ثمانية عشر يومًا يعوده الناس، وكان صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين، وبعث يوم الاثنين، وقبض يوم الاثنين، فلما كان في يوم الأحد ثقل في مرضه، فأذن بلال بالأذان، ثم وقف بالباب فنادى: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله الصلاة رحمك الله، فسمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صوت بلال فقالت فاطمة رضي الله عنها: يا بلال، إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مشغول بنفسه، فدخل بلال المسجد، فلما أسفر الصبح قال: والله لا أقيمها أو أستأذن سيدي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فرجع فقام بالباب ونادى السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، الصلاة يرحمك الله، فسمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صوت بلال فقال: "أدخل يا بلال إن رسول الله مشغول بنفسه،مُر أبا بكر يُصلِّ بالناس". فخرج ويده على أم رأسه وهو يقول: واغوثا بالله وانقطاع رجائه وانفصام ظهري، ليتني لم تلدني أمي، وإذ ولدتني لم أشهد من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هذا اليوم، ثم قال: يا أبا بكر، ألا إن رسول اللَّه أمرك أن تصلي بالناس، فتقدم أبو بكر رضي الله عنه للناس، وكان رجلاً رقيقًا، فلما نظر إلى خلوة المكان من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يتمالك أن خر مغشيًا عليه، وصاح المسلمون بالبكاء، فسمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ضجيج الناس، فقال: "ما هذه الضجة". قالوا: ضجة المسلمين لفقدك يا رسول الله، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما، فاتكأ عليهما، فخرج إلى المسجد فصلى بالناس ركعتين خفيفتين، ثم أقبل بوجهه المليح عليهم فقال: "يا معشر المسلمين أستودعكم الله وأنتم في رجاء الله وأمانه، والله خليفتي عليكم معاشرَ المسلمين عليكم باتقاء الله وحفظ طاعته من بعدي، فإني مفارق الدنيا، هذا أول يوم من الآخرة، وآخر يوم من أيام الدنيا". فلما كان يوم الاثنين اشتد به الأمر، وأوصى الله عز وجل إلى ملك الموت صلى الله عليه وسلم أن اهبط إلى حبيبي وصفيي محمد صلى الله عليه وسلم في أحسن صورة، وارفق به في قبض روحه، فهبط ملك الموت صلى الله عليه وسلم ، فوقف بالباب شبه أعرابي، ثم قال: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة أدخل؟ فقالت عائشة رضي الله عنها لفاطمة: أحبيبي الرحل؟ فقالت فاطمة: آجرك الله في ممشاك يا عبد الله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشغول بنفسه، فدعا الثانية، فقالت عائشة: يا فاطمة أجيبي الرجل، فقالت فاطمة: آجرك الله في ممشاك عبد الله، إن رسول الله مشغول بنفسه، ثم دعا الثالثة السلام عليكم يا أهل النبوة ومعدن ممشاك الرسالة، ومختلف الملائكة أأدخل؟ فلابد من الدخول، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت ملك الموت صلى الله عليه وسلم فقال: "يا فاطمة من بالباب؟". فقالت: يا رسول الله، إن رجلاً بالباب يستأذن في الدخول فأجبناه مرة بعد أخرى، فنادى في الثالثة صوتًا أقشعر فيه جلدي وارتعدت فرائصي، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "يا فاطمة أتدرين من بالباب؟ هذا هازم اللذات ومفرقُ الجماعات، هذا مُرمل الأزواج ومُوتِم الأولاد، هذا مُخرِّبُ الدُّور عامر القبورِ، هذا ملك الموت صلى الله عليه وسلم ادْخل رحمك الله يا ملكَ الموت". فدخل ملك الموت على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "يا ملك الموت جئتني زائرًا أم قابضًا". قال: جئتك زائرًا وقابضًا، وأمرني الله أذنت وإلا رجعت إلى ربي عز وجل، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "يا ملك الموت أين خلفت حبيبي جبريل؟" قال: خلفته في السماء الدنيا والملائكة يعزونه فيك، فما كان بأسرع أن أتاه جبريل عليه السلام، فقعد عند رأسه فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "يا جبريل هذا الرحيل من الدنيا فبشرني ما لي عند الله". قال: أبشرك يا حبيب الله أني قد تركت أبواب السماء قد فتحت، والملائكة قد قاموا صفوفًا صفوفًا بالتحية والريحان يحيون روحك يا محمد، فقال: "لوجه ربي الحمد، وبشرني يا جبريل". قال: أبشرك أن أبواب الجنان قد فتحت، وأنهارها قد اطردت، وأشجارها قد تدلت، وحورها قد تزينت لقدوم روحك يا محمد، قال: "لوجه ربي الحمد فبشرني يا جبريل". قال: أنت أول شافع وأول مشفع في القيامة، قال: "لوجه ربي الحمد". قال جبريل: يا حبيبي عم تسألني؟ قال: "أسألك عن غمي وهمي، مَن لقراء القرآن من بعدي، من لصوم شهر رمضان من بعدي؟ مَن لحاج بيت الله الحرام من بعدي؟ من لأمتي المصفاة من بعدي؟" قال: ابشر يا حبيب الله، فإن الله عز وجل يقول: قد حرمت الجنة على جميع الأنبياء والأمم حتى تدخلها أنت وأمتك يا محمد، قال: "الآن طابت نفسي إذن يا ملك الموت فانته إلى ما أمرت". فقال علي رضي الله عنه: يا رسول الله، إذا أنت قبضت فمن يغسلك؟ وفيم نكفنك؟ ومن يصلي عليك؟ ومن يدخل القبر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "يا عليَّ أما الغسل، فاغسلني أنت والفضل بن عباس يصب عليك بالماء، وجبريل عليه السلام ثالثًا، فإذا أنتم فرغتم من غسلي فكفنوني في ثلاثة أثواب جُدد، وجبريل عليه السلام يأتيني بحنوط من الجنة، فإذا أنتم وضعتموني على السرير فضعوني في المسجد واخرجوا عني، فإنَّ أول من يصلي عليَّ الرب عز وجل مِن فوق عرشه، ثم جبريل عليه السلام، ثم ميكائيل، ثم إسرافيل عليهما السلام، ثم الملائكة زُمرًا زُمرًا، ثم ادخلوا فقوموا صفوفًا لا يتقدم عليَّ أحد". فقالت فاطمة رضي الله عنها: اليوم الفراق فمتي ألقاك؟ فقال لها: "يا بنية تلقيني يوم القيامة عند الحوض، وأنا أسقي من يرد عليَّ الحوض من أمتي". قالت: فإن لم ألقك يا رسول الله؟ قال: "تلقيني عند الميزان وأنا أشفع لأمتي". قالت: فإن لم ألقك يا رسول الله؟ قال: تلقيني عند الصراط وأنا أنادي ربي: سلِّم أمتي من النار". فدنا ملك الموت صلى الله عليه وسلم يعالج قبض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فلما بلغت الروح الركبتين قال صلى الله عليه وسلم : "يا جبريل، ما أشد مرارة الموت". فولى جبريل عليه السلام وجهه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "يا جبريل كرهت النظر إليَّ" فقال جبريل صلى الله عليه وسلم : يا حبيبي ومن تطيق نفسه أن ينظر إليك وأنت تعالج سكرات الموت، فقبض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فغسله علي بن أبي طالب وابن عباس يصب عليه الماء، وجبريل عليه السلام معهما، وكفن بثلاثة أثواب جدد، وحمل على سرير، ثم أدخلوه المسجد ووضعوه في المسجد، وخرج الناس عنه، فأول من صلى عليه الرب تعالى من فوق عرشه، ثم جبريل، ثم ميكائيل، ثم إسرافيل، ثم الملائكة زمرًا زمرًا، قال علي رضي الله عنه: لقد سمعنا في المسجد همهمة ولم نر لهم شخصًا فسمعنا هاتفًا يهتف يقول: ادخلوا رحمكم الله فصلوا على نبيكم صلى الله عليه وسلم ، فدخلنا وقمنا صفوفًا صفوفًا كما أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فكبرنا بتكبير جبريل عليه السلام، وصلينا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بصلاة جبريل عليه السلام، ما تقدم منا أحد على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، ودخل القبر أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس رضي الله عنهم، ودفن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فلما انصرف الناس قالت فاطمة لعلي رضي الله عنه: يا أبا الحسن دفنتم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم. قالت فاطمة رضي الله عنها: كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ؟ أما كان في صدوركم لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الرحمة؟ أما كان معلم الخير؟ قال: بلى يا فاطمة، ولكن أمر الله الذي لا مرد له، فجعلت تبكي وتندب وهي تقول: يا أبتاه الآن انقطع جبريل عليه السلام، وكان جبريل يأتينا بالوحي من السماء". اه.

 

 

ثانيًا: التخريج:

 

 

هذه القصة أخرجها الإمام الطبراني في "المعجم الكبير" (3-58، 59، 60، 61، 62، 63، 64) (ح2767) حيث قال: حدثنا محمد بن أحمد بن البراء ثنا عبد المنعم بن إدريس بن سنان عن أبيه عن وهب بن منبه عن جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس في قول الله عز وجل: "إذا جاء نصر الله..." فذكر القصة.

وأخرجها أبو نعيم في الحلية (4-73) قال: حدثنا سليمان بن أحمد (الطبراني) به.

وأخرجها أيضًا ابن الجوزي في الموضوعات (1-295) قال: أنبأنا محمد بن الباقي بن أحمد قال: أنبأنا أحمد بن محمد الحداد قال: أنبأنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ به.

 

 

ثالثًا: التحقيق:

 

 

هذه القصة واهية، وعلتها: "عبد المنعم بن إدريس بن سنان".

1- قال الدارقطني في الضعفاء والمتروكين ترجمة (359): "عبد المنعم بن إدريس بن سنان، سكن بغداد، عن أبيه، وأبوه متروك، عن وهب بن منبه".

2- قال الإمام ابن حبان في المجروحين (2-157): "عبد المنعم بن إدريس بن سنان بن كُليب: ابن بنت وهب بن منبه، يروي عن أبيه وهب، روى عنه العراقيون، يضع الحديث على أبيه وعلى غيره من الثقات، لا يحل الاحتجاج به ولا الرواية عنه، كانت أمه أم سلمة بنت وهب بن منبه مات سنة ثمان وعشرين ومائتين ببغداد".

3- وقال الإمام النسائي في الضعفاء والمتروكين ترجمة (387): "عبد المنعم بن إدريس: ليس بثقة".

4- قال الإمام البخاري في "التاريخ الكبير" (3-1-138) ترجمة (1951): "عبد المنعم بن إدريس، ذاهب الحديث".

5- قال الإمام العقيلي في الضعفاء الكبير (3-112) ترجمة (1084): "حدثني آدم بن موسى، قال: سمعت البخاري، قال: عبد المنعم بن إدريس من ولد وهب بن منبه، كان ببغداد: ذاهب الحديث".

وقال حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: قدمنا اليمن في سنة ثمان وتسعين فسألنا عن عبد المنعم، فقالوا: مات أبوه وله خمس أو ست سنين.

6- قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (6-67) ترجمة (353): "عبد المنعم بن إدريس ابن ابنة وهب بن منبه روى عن أبيه عن جده وهب بن منبه، روى عنه موسى بن إسحاق القاضي ومحمد بن أيوب، نا عبد الرحمن حدثني أبي نا سلمة بن شبيب قال: سمعت إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني قال: مات أبو عبد المنعم عندنا باليمن وعبد المنعم يومئذ رضيع".

7- قال الإمام ابن عدي في "الكامل" (5-337) (526-1494 عبد المنعم بن إدريس): "سمعت ابن حماد يقول: قال البخاري: عبد المنعم بن إدريس ذاهب الحديث: وعبد المنعم بن إدريس صاحب أخبار بني إسرائيل كوهب بن منبه وغيره لا يعرف بالأحاديث المسندة".

8- قال الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال (2-668-5270): "عبد المنعم بن إدريس اليماني مشهور قصاص، ليس يُعْتمد عليه، تركهُ غير واحد، وأفصح أحمد بن حنبل فقال: كان يكذبُ على وهب بن منبه".

9- قال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (4-87) ترجمة (947-5325): "ونقل ابن أبي حاتم، عن إسماعيل بن عبد الكريم: مات إدريس، وعبد المنعم رضيع، وكذا قال أحمد، إذ سئل عنه: لم يسمع من أبيه شيئًا.

وقال عبد الخالق بن منصور، عن يحيى بن معين: الكذاب الخبيث، قيل له: يا أبا زكريا، بم عرفته؟ قال: حدثني شيخ صدوق، أنه رآه في زمن أبي جعفر يطلب هذه الكتب من الوراقين، وهو اليوم يدعيها، فقيل له: إنه يروى عن معمر، فقال: كذاب.

قال الفلاس: متروك، أخذ كتب أبيه وحدَّث بها، ولم يسمع من أبيه شيئًا: وقال البرذعي، عن أبيه زرعة: واهي الحديث.

وقال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث.

وقال ابن المديني: ليس بثقة، أخذ كتبًا فرواها. وقال النسائي: ليس بثقة.

وقال الساجي: كان يشتري كتب السيرة فيرويها، ما سمعها من أبيه ". اه.

10- لذلك قال ابن الجوزي في "الموضوعات" (1-301): "هذا حديث موضوع محال كافأ الله من وضعه وقبح من يشين الشريعة بمثل هذا التخليط البارد والكلام الذي لا يليق بالرسول صلى الله عليه وسلم ولا بالصحابة، والمتهم به عبد المنعم بن إدريس. قال أحمد بن حنبل: كان يكذب على وهب، وقال يحيى: كذاب خبيث، وقال ابن المديني وأبو داود: ليس بثقة، وقال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به، وقال الدارقطني: هو وأبوه متروكان".

هذا ما وقفني الله إليه وهو وحده من وراء القصد.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إعداد/ علي حشيش

الحلقة الرابعة والسبعون

قصة الملائكة في شهر رمضان مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم

نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى

يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة الخطباء والوعاظ والقصاص خاصة

في شهر رمضان وفي القصة حوار الحور العين مع رضوان خازن الجنة في أول ليلة من

شهر رمضان وحوار جبريل مع الملائكة في ليلة القدر، وبداخل هذه القصة: قصة الريح

المسماة «المثيرة» وقصة «اللواء الأخضر»، وقصة «ليلة الجائزة»، والتي يذكرها

الخطباء والوعاظ في خطبة عيد الفطر.

ونقلها صاحب كتاب «وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم» الجزء الرابع ص(110) من غير تحقيق.

وإلى القارئ الكريم التخريج والتحقيق:

أولاً: متن القصة رُوِيَ عَن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سمع رسول

الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الجنةَ لتبخر وتزين من الحول إلى الحول

لدخول شهر رمضان فإذا كانت أول ليلة من شهر رمضان هبت ريح من تحت العرش يقال

لها: المثيرة، فتصفق ورق أشجار الجنة، وحلق المصاريع، فيسمع لذلك طنين لم يسمع

السامعون أحسن منه، فتبرز الحور العين حتى يقفن بين شرف الجنة فينادين: هل من

خاطب إلى الله فيزوجه؟ ثم يقلن الحور العين: يا رضوان الجنة ما هذه الليلة؟

فيجيبهنَّ بالتلبية، ثم يقول: هذه أول ليلة من شهر رمضان، فتحت أبواب الجنة

للصائمين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، قال: ويقول الله عز وجل: يا رضوان

افتح أبواب الجنان، ويا مالك أغلق أبواب الجحيم عن الصائمين من أمة أحمد صلى

الله عليه وسلم، ويا جبريل اهبط إلى الأرض، فاصفد مردة الشياطين وغُلَّهم

بالأغلال، ثم اقذفهم في البحار حتى لا يفسدوا على أمة محمد حبيبي صلى الله عليه

وسلم صيامهم. قال: ويقول الله عز وجل في كل ليلة من شهر رمضان لمنادٍ ينادي

ثلاث مرات: هل من سائل فأعطيه سؤله؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر

له؟ من يقرض الملئَ غير المعدوم والوفي غير الظلوم، قال: ولله عز وجل في كلِّ

يوم من شهر رمضان عند الإفطار ألف ألف عتيق من النار، كلهم قد استوجبوا النار،

فإذا كان آخر يوم من شهر رمضان أعتق الله في ذلك اليوم بقدر ما أعتق من أول

الشهر إلى آخره، وإذا كانت ليلة القدر يأمر الله عز وجل جبرائيل عليه السلام في

كبكبة من الملائكة، ومعهم «لواء أخضر» فيركزوا اللواء على ظهر الكعبة، وله مائة

جناح منها جناحان لا ينشرهما إلا في تلك الليلة، فينشرهما في تلك الليلة

فيجاوزان المشرق إلى المغرب فيحث جبرائيل عليه السلام الملائكة في هذه الليلة

فيسلمون على كل قائم وقاعد ومصلّ وذاكر ويصافحونهم، ويؤمنون على دعائهم حتى

يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر، ينادي جبرائيل عليه السلام: معاشر الملائكة الرحيل

الرحيل، فيقولون يا جبرائيل: فما صنع الله في حوائج المؤمنين من أمة أحمد صلى

الله عليه وسلم، فيقول: نظر الله إليهم في هذه الليلة فعفا عنهم وغفر لهم إلا

أربعة، فقلنا: يا رسول الله، من هم؟ قال: رجل مدمن خمر، وعاق لوالديه، وقاطع

رحم، ومشاحن. قلنا: يا رسول الله، ما المشاحن؟ قال: هو المصارم، فإذا كانت ليلة

الفطر سميت تلك الليلة: «ليلة الجائزة» فإذا كانت غداة الفطر بعث الله عز وجل

الملائكة في كل بلاد فيهبطون إلى الأرض فيقومون على أفواه السكك، فينادون بصوت

يسمع من خلق الله عز وجل إلا الجن والإنس: فيقولون: يا أمة محمد اخرجوا إلى رب

كريم يعطي الجزيل، ويعفو عن العظيم، فإذا برزوا إلى مصلاهم، يقول الله عز وجل

للملائكة: ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟ قال: فتقول الملائكة: إلهنا وسيدنا

جزاؤه أن توفيه أجره. قال: فيقول: فإني أشهدكم يا ملائكتي أني قد جعلت ثوابهم

من صيامهم شهر رمضان وقيامهم رضاي ومغفرتي، يقول: يا عبادي سلوني فوعزتي وجلالي

لا تسألوني اليوم شيئًا في جمعكم لآخرتكم إلا أعطيتكم ولا لدنياكم إلا نظرت

لكم، فوعزتي لأسترن عليكم عثراتكم ما راقبتموني، وعزتي وجلالي لا أخزيكم، ولا

أفضحكم بين أصحاب الحدود، وانصرفوا مغفورًا لكم، قد أرضيتموني ورضيت عنكم فتفرح

الملائكة، وتستبشر بما يعطي الله عز وجل هذه الأمة، إذا أفطروا من شهر

رمضان».

 

ثانيًا: التخريج والتحقيق

 

أخرجه البيهقي في «الشعب» (3/335) (ح3695)،

وابن الجوزي في «العلل المتناهية في الأحاديث الواهية» (2/534) (ح880) من حديث

الضحاك بن مزاحم عن عبد الله بن عباس مرفوعًا به، وقال: «هذا حديث لا

يصح».

قلت: القصة واهية والحديث الذي جاء بها موضوع وسنده تالف ومنقطع، فقد قال

ابن أبي حاتم في «المراسيل» (ص94) ترجمة (152) (1/338): حدثنا يونس بن حبيب،

حدثنا أبو داود عن شعبة عن مُشاش قال: قلت للضحاك: سمعت من ابن عباس؟ قال: لا،

قلت: رأيته؟ قال: لا» (2/339) - حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل، حدثنا علي بن

المديني، قال: سمعت سلم بن قتيبة يقول: حدثني شعبة قال: قلت لمشاش: الضحاك سمع من ابن عباس؟ قال: لا ولا كلمة.

ـ (340/3) حدثنا حماد بن الحسن بن عَنْبسة؛ ويونس بن حبيب - والسياق ليونس - قالا: حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة قال: قال لي عبد الملك بن ميسرة: الضحاك لم يسمع من ابن عباس.

ـ (341/4) حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو أسامة عن معلى - يعني: ابن خالد الرازي - عن شعبة عن عبد الملك

بن ميسرة قال: قلت للضحاك: أسمعت من ابن عباس؟ قال: لا، قلت: فهذا الذي ترويه

عن من أخذته؟ قال: عنك وعن ذا وعن ذا.

ـ (342/5) حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل،

حدثنا علي بن المديني قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: «كان شعبة ينكر أن يكون

الضحاك بن مزاحم لقي ابن عباس قط». اهـ.

لذلك أورد الشيخ الألباني رحمه الله

الحديث الذي جاءت به هذه القصة في «ضعيف الترغيب والترهيب» (1/300) (ح594):

وأمام هذا الرقم بيَّن أنه: «موضوع» ثم قال: «الحديث منقطع بين الضحاك بن مزاحم

وابن عباس، والراوي عنه لين، وآثار الوضع والصنع عليه لائحة، وذكره ابن الجوزي

في «الموضوعات» (2/191)، وأما الجهلة فقلدوا وقالوا: ضعيف». اهـ.

ثالثًا: طريق آخر للقصة

إلى القارئ الكريم هذا الطريق الآخر الذي لا يزيد القصة إلا وهنًا

على وهن:

1- فالقصة من هذا الطريق جاءت من حديث أنس وأخرجها ابن حبان في

«المجروحين» (1/181) قال:

حدثنا محمد بن يزيد الزرقي بطرسوس، حدثنا محمد بن

يحيى الأزدي، حدثنا أصرم بن حوشب، حدثنا محمد بن يونس الحارثي، عن قتادة عن أنس

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر القصة، ثم بيَّن أن المتن

باطل. ومن طريق ابن حبان أخرج هذه القصة ابن الجوزي في «الموضوعات» (2/187)

قال: «أنبأنا محمد بن أبي طاهر، أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي، أنبأنا علي بن

عمر عن أبي حاتم البستي حدثنا محمد بن يزيد الزرقي به».

تنبيه: أبو حاتم

البستي: هو الإمام الحافظ محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي.

ثم قال الإمام ابن الجوزي في «الموضوعات» (2/188):

«هذا حديث لا يصح، وأصرم هو ابن

حوشب. قال يحيى: كذاب خبيث وقال ابن حبان كان يضع الحديث على الثقات».

اهـ.

قلت: وهذا ظاهر من قول الإمام ابن حبان في «المجروحين» (1/181): «أصرم بن

حوشب الهمذاني الخراساني كان يضع الحديث على الثقات، سمعت يعقوب بن إسحاق يقول:

سمعت الدارمي يقول: قلت ليحيى بن معين: فأصرم بن حوشب تعرفه؟ قال: كذاب خبيث».

اهـ.

قلت: وأصرم بن حوشب أورده الإمام الذهبي في «الميزان» (1/272/1017) وقال:

أصرم بن حوشب أبو هشام قاضي همذان: هالك».

وأورد هذه القصة وجعلها من

مناكيره.قال البخاري في «الضعفاء الصغير» رقم (35): «متروك الحديث».

وقال النسائي في «الضعفاء والمتروكين» رقم (66): «متروك الحديث».

قلت: وهذا المصطلح عند النسائي له معناه حيث قال الحافظ ابن حجر في «شرح النخبة» (ص73): «ولهذا

كان مذهب النسائي أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه». اهـ.

قلت: وهذا الطريق لا يصلح للمتابعات والشواهد.

قال ابن الصلاح في «علوم الحديث»

(ص107): «ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه... فمن ذلك ضعف لا يزول

لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون

الراوي متهمًا بالكذب أو كون الحديث شاذًا وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة

والبحث فاعلم ذلك فإنه من النفائس العزيزة». انتهى كلام الإمام ابن الصلاح.

2- والقصة من حديث أنس أوردها الإمام الشوكاني في «الفوائد المجموعة في الأحاديث

الموضوعة» كتاب «الصيام» (ح4) ثم قال: «وفيه طول وهو موضوع وفي إسناده: أصرم بن

حوشب كذاب».

3- والقصة من حديث ابن عباس أوردها الإمام الشوكاني في «الفوائد»

أيضًا كتاب «الصيام» (ح8) وقال: «وهو لا يثبت عنه».

4- والقصة أوردها ابن عراق

في «تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة» (2/146) ثم قال:

أخرجها ابن حبان من حديث أنس، ولا يصح، فيه أصرم بن حوشب»، ثم قال: «وقد روى

هذا الحديث من حديث ابن عباس بألفاظ أخر من طريق لا يصح أيضًا». اهـ.

قلت: بهذا التخريج والتحقيق يتبين أن القصة واهية والحديث الذي جاءت به هذه القصة «موضوع»

كما بيناه آنفًا من أقوال أئمة هذا الفن.

والموضوع: «هو الكذب المختلق المصنوع

المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم».

ورتبته: «هو شر الأحاديث الضعيفة

وأقبحها».

وحكمه: «أجمع العلماء على أنه لا تحل روايته لأحد علم حاله في أي

معنى كان إلا مع بيان وضعه».

فليحذر القارئ الكريم في هذا الشهر من مثل هذه

القصص الواهية والتي أوردناها في الأعوام السابقة في هذه السلسلة في شهر رمضان،

وليحذر أيضًا الأحاديث الضعيفة والموضوعة.

مثل حديث: «خمس يفطرن الصائم، وينقضن

الوضوء: الكذب، والنميمة والغيبة والنظرة لشهوة، واليمين الكاذبة».

وهذا الحديث موضوع بسعيد بن عنبسة: كذاب.

وهو من آفات اللسان ويغني عن هذا الكذب، البديل

الصحيح الذي أخرجه الإمام البخاري في «الصحيح»: «من لم يدع قول الزور والعمل به

فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه».

قلت: انظر إلى التخريج في سلسلة «درر

البحار» (ح961) عدد هذا الشهر.

 

رابعًا: الصحيح من القصص في الصيام

 

1- هناك القصص الصحيحة مثل قصة الأعرابي التي أخرجها البخاري (ح1891)، ومسلم (ح11).

2- وقصة أبي بكر وأبواب الجنة وباب الريان والتي أخرجها البخاري (ح1897، 2841،

3216، 3666)، ومسلم (ح1027).

3- وقصة قيس بن صرمة الأنصاري التي أخرجها البخاري

(ح1915، 4508)، والترمذي (ح2968)، والنسائي (ح2168)، وأبو داود (ح2314).

4- وقصة عدي بن حاتم والعقال الأسود، والعقال الأبيض التي أخرجها البخاري (ح1916،

4509، 4510)، ومسلم (1090).

5- وقصة سلمان مع أبي الدرداء أخرجها البخاري

(ح1968، 6139)، والترمذي (2413).

6- وقصة عبد الله بن عمرو بن العاص وحق الجسم

في الصوم أخرجها البخاري (ح1975)، ومسلم (1159).

7- وقصة كريب مع ابن عباس في

رؤية الهلال أخرجها مسلم (ح1087)، وأبو داود (2332)، والترمذي (ح693)، والنسائي

(ح2110).

هذا على سبيل المثال لا الحصر، والله من وراء القصد.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

قصة خروج الريح من الصحابي الذي لم يحرجه النبي صلى الله عليه وسلم

إعداد علي حشيش

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على

حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة الخطباء والوعاظ والقصاص، واشتهرت عند

العوام ويستدلون بها على عدم إحراج النبي صلى الله عليه وسلم الناس، وأنه كان

يراعي مشاعرهم، وعلى مثل هذا وضع الوضاعون قصة كان لها أثرها السيئ جدًا في

الذين يروونها فإنها تصرفهم عن العمل بأمر النبي لكل من أكل من لحم الإبل أن

يتوضأ، وإلى القارئ الكريم التخريج والتحقيق.

 

أولاً: متن القصة

 

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فوجد ريحًا فقال: «ليقم

صاحب الريح فليتوضأ». فاستحيى الرجل أن يقوم، فقال رسول الله صلى الله عليه

وسلم: «ليقم صاحب هذا الريح فليتوضأ فإن الله لا يستحي من الحق». فقال العباس

بن عبد المطلب: يا رسول الله، أفلا نقوم كلنا نتوضأ؟ فقال رسول الله صلى الله

عليه وسلم: «قوموا كلكم فتوضأوا».

 

ثانيًا: التخريج:

 

أخرج الحديث الذي جاءت به هذه القصة ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (17/360/2) من

طريق يحيى بن عبد الله البابلي، حدثنا الأوزاعي، حدثني واصل بن أبي جميل عن

مجاهد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فوجد ريحًا.

القصة.

وعبد الرزاق في «المصنف» (1/140) (ح531) عن الأوزاعي به، وأبو عبيد في «الطهور»

(ح400) حدثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي به.

 

ثالثًا: التحقيق:

 

القصة واهية والحديث الذي جاءت فيه ضعيف جدًا، وفيه علل:

 

الأولى: الإرسال: والمرسل: هو ما بعد تابع سقط.

 

حيث إن مجاهدًا الذي رفع القصة إلى النبي صلى الله عليه وسلم هو مجاهد بن جبر.

قال الحافظ ابن حجر في «التقريب» (2/229): مجاهد بن جبر من الثالثة. أهـ

والطبقة الثالثة بيّن الحافظ ابن حجر في مقدمة التقريب أنها: «الطبقة الوسطى من

التابعين».

ومما قدمنا يتبين أن هناك سقطًا في الإسناد من بعد التابعي مجاهد بن جبر.

 

الثانية: واصل بن أبي جميل.

 

1- أورده الإمام الذهبي في «الميزان» (4/328/9322) وقال: «واصل بن أبي جميل، عن

مجاهد قال يحيى بن معين: لا شيء، وقال البخاري: يروي عن مجاهد، ومكحول، روى عنه

الأوزاعي أحاديث مرسلة». اهـ.

2- قال الإمام البخاري في «التاريخ الكبير» (4/2/173) رقم (2596): «واصل بن أبي

جميل أبو بكر عن مجاهد ومكحول روى عنه الأوزاعي، أحاديث مرسلة». اهـ.

3- قال الإمام ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (4/2/30) رقم (135): «ذكره أبي

عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال: واصل بن أبي جميل لا شيء».

وبهذا يتبين شدة الضعف من سقط في الإسناد وطعن في الراوي حتى قال عنه الشيخ

الألباني - رحمه الله - في «الضعيفة» (3/267) ح(1132): «باطل».

ثم قال بعد عزوه لابن عساكر فقط: قلت: وهذا سند ضعيف مسلسل بالعلل: الإرسال من

مجاهد وهو ابن جبر، وضعف واصل بن أبي جميل، والبابلي.

 

رابعًا: نكارة المتن ووضع الوضاعين قصة على مثاله.

 

ثم بين - رحمه الله - النكارة التي في متنها فقال:

«ويشبه هذا الحديث ما يتداوله كثير من العامة، وبعض أشباههم من الخاصة زعموا أن

النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب ذات يوم، فخرج من أحدهم ريح فاستحيى أن يقوم

من بين الناس، وكان قد أكل لحم جزور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سترًا

عليه: «من أكل لحم جزور فليتوضأ»، فقام جماعة كانوا أكلوا من لحمه فتوضأوا.

اهـ.

2- وهذه القصة وضعت على مثال القصة الأخرى في فترة ما بعد ابن الجوزي فما فوقه

حيث إنها لم تذكر في كتب الموضوعات ولا الأصول، لذا قال الشيخ الألباني رحمه

الله: «وهذه القصة مع أنه لا أصل لها في شيء من كتب السنة ولا في غيرها من كتب

الفقه والتفسير فيما علمت، فإن أثرها سيئ جدًا في الذين يروونها فإنها تصرفهم

عن العمل بأمر النبي صلى الله عليه وسلم كل من أكل من لحم الإبل أن يتوضأ كما

ثبت في «صحيح مسلم» وغيره: قالوا: يا رسول الله، أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال:

لا، قالوا: أفنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: توضأوا.

 

3- ثم قال: «فهم يدفعون هذا الأمر الصحيح الصريح بأنه إنما كان سترًا على ذلك

الرجل لا تشريعًا».

 

4- كيف يعقل هؤلاء مثل هذه القصة ويؤمنون بها، مع بعدها عن العقل السليم والشرع

القويم؟

 

5- فإنه مما لا يليق به صلى الله عليه وسلم أن يأمر بأمر لعلة زمنية، ثم لا

يبين للناس تلك العلة، حتى يصير الأمر شريعة أبدية، كما وقع في هذا الأمر، فقد

عمل به جماهير من أئمة الحديث والفقه، فلو أنه صلى الله عليه وسلم كان أمر به

لتلك العلة المزعومة- في القصة التي لا أصل لها - لبينها أتم البيان حتى لا يضل

هؤلاء الجماهير باتباعهم للأمر المطلق.

 

6- ولكن قبح الله الوضاعين في كل عصر وكل مصر، فإنهم من أعظم الأسباب التي

أبعدت كثيرًا من المسلمين عن العمل بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.

 

7- ورضي الله عن الجماهير العاملين بهذا الأمر الكريم، ووفق الآخرين للاقتداء

بهم في ذلك وفي اتباع كل سنة صحيحة، والله ولي التوفيق». انتهى.

 

خامسًا: الوضوء من لحوم الإبل:

 

إن كثيرًا من الناس تأثروا بهذه القصة الواهية ولا يدرون أنها قصة لا أصل لها

فظنوا أن الوضوء من لحم الإبل إنما كان سترًا على ذلك الرجل لا تشريعًا.

فانظر كيف أثرت هذه القصة الواهية في إبعاد كثير من المسلمين عن العمل بسنة

نبيهم صلى الله عليه وسلم التي بينها الإمام مسلم في «صحيحه» (ح360) حيث قال:

حدثنا أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري، حدثنا أبو عوانة، عن عثمان بن عبد الله

بن موهب، عن جعفر بن أبي ثور، عن جابر بن سمرة أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله

عليه وسلم أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: «إن شئت، فَتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ» قال:

أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: «نعم فَتَوضأ من لحوم الإبل»، قال أصلي في مرابض

الغنم؟ قال: «نعم». قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: «لا».

الحديث: صحيح أخرجه مسلم كما بينا آنفًا وأحمد (ح20837، 20963، 21029)، وابن

ماجه (ح495)، وابن حبان (ح1124، 1125، 1126، 1154، 1156)، وابن الجارود (ح25)،

والطبراني في «الكبير» (ح1859، 1861، 1862، 1864، 1865، 1866، 1867)، وابن أبي

شيبة (1/46/47)، والبيهقي (1/158).

 

1- قال الإمام النووي (3/160):

 

أ- «وذهب إلى انتقاض الوضوء به - يعني أكل لحم الجزور- أحمد بن حنبل، واختاره

الحافظ أبو بكر البيهقي، وحكي عن أصحاب الحديث مطلقًا، وحكي عن جماعة من

الصحابة رضي الله عنهم أجمعين».

 

ب- واحتج هؤلاء بحديث الباب وقوله صلى الله عليه وسلم: «نعم فتوضأ من لحوم

الإبل». وعن البراء بن عازب قال: «سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من

لحوم الإبل فأمر به».

 

جـ- قال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، وإسحاق بن راهويه: «صح عن النبي صلى

الله عليه وسلم في هذا حديثان: حديث جابر - يعني: جابر بن سمرة، وحديث البراء،

وهذا المذهب أقوى دليلا».

 

د- وقد أجيب عن هذا الحديث بحديث جابر - يعني جابر بن عبد الله-: «كان آخر

الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار».

 

- أخرجه أبو داود (ح192)، وابن حبان (1134)، وابن خزيمة (43)، والنسائي (185)،

وابن الجارود (24)، والبيهقي (1/155، 156)، وإسناده صحيح.

هـ- ولكن هذا الحديث - حديث جابر بن عبد الله - عام، وحديث الوضوء من لحوم

الإبل خاص - حديث جابر بن سمرة وحديث البراء - والخاص مقدم على العام». انتهى.

2- قال ابن قدامة في «المغني» المسألة (48): «وأكل لحم الجزور» وجملة ذلك أن

أكل لحم الإبل ينقض الوضوء على كل نيئًا ومطبوخًا، عالمًا كان أو جاهلاً، وبهذا

قال جابر بن سمرة، ومحمد بن إسحاق، وأبو خيثمة، ويحيى بن يحيى، وابن المنذر،

وهو أحد قولي الشافعي، قال الخطابي: «ذهب إلى هذا عامة أصحاب الحديث». اهـ.

3- وفي «مسائل الإمام أحمد» رواية أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني مسألة

(108): «الوضوء من لحوم الإبل». قال: سمعت أحمد قيل له: «يتوضأ من لحوم الإبل؟

قال: نعم».

 

4- قال الإمام البيهقي في «السنن الكبرى» (1/159): أخبرنا أبو الحسن بن أبي

المعروف المهرجاني، أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد بن حبان الرازي، حدثنا محمد بن

أيوب، أخبرنا مسدد، حدثنا حفص بن غياث، عن عمران بن سليم عن أبي جعفر قال: «أتى

ابن مسعود بقصعة من الكبد والسنام ولحم الجزور فأكل ولم يتوضأ».

قال الإمام البيهقي: وهذا منقطع وموقوف.

قلت: وكان هذا الأثر آخر ما أورده في باب «التوضي من لحوم الإبل» من الأحاديث

والآثار ثم قال في ختام هذا الباب: «وبمثل هذا لا يترك ما ثبت عن رسول الله صلى

الله عليه وسلم».

 

5- أورد الإمام الصنعاني في «سبل السلام شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام»

(1/107) حديث جابر بن سَمرة وعزاه لمسلم.

 

أ- قال: وروى نحوه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وغيرهم من حديث البراء بن

عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «توضؤوا من لحوم الإبل ولا توضؤوا

من لحوم الغنم».

 

ب- ثم نقل عن ابن خزيمة أنه قال: «لم أر خلافًا بين علماء الحديث أن هذا الخبر

صحيح من جهة النقل لعدالة ناقليه».

 

ج- ثم قال: والحديثان دليلان على نقض لحوم الإبل للوضوء، وأن من أكلها انتقض

وضوؤه وقال بهذا أحمد، وإسحاق، وابن المنذر، وابن خزيمة.

واختاره البيهقي وحكاه عن أصحاب الحديث مطلقًا، وحكي عن الشافعي أنه قال: إن صح

الحديث في لحوم الإبل قلت به، قال البيهقي: «قد صح فيه حديثان: حديث جابر،

وحديث البراء».

 

د- ثم نقل رد الإمام النووي على من ادعى نسخ هذين الحديثين بحديث جابر بن عبد

الله «إنه كان آخر الأمرين منه صلى الله عليه وسلم عدم الوضوء مما مست النار».

قال النووي: «دعوى النسخ باطلة؛ لأن هذا الأخير عام وذلك خاص والخاص مقدم على

العام».

 

سادسًا: قصة أخرى في خروج الريح من إنسان لم يحرجه عمر رضي الله عنه:

 

1- المتن:

 

رُوي عن جرير بن عبد الله البجلي: «أن عمر رضي الله عنه صلى بالناس فخرج من

إنسان شيء فقال: عزمت على صاحب هذه إلاَّ توضأ، وأعاد صلاته، فقال جرير: أو

تعزم على كل من سمعها أن يتوضأ وأن يعيد الصلاة ؟ قال: نِعما. قلت: جزاك الله

خيرًا، فأمرهم بذلك». اهـ.

 

2- التخريج:

 

أخرج الأثر الذي جاءت به هذه القصة الإمام الطبراني في «المعجم الكبير» (2/292)

(ح2213) قال: «حدثنا معاذ بن المثنى، حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن مجالد، حدثنا

عامر عن جرير أن عمر رضي الله عنه صلى بالناس». القصة.

3- التحقيق:

قلت: القصة واهية والأثر الذي جاءت به هذه القصة لا يصح وعلته مجالد وهو ابن

سعيد بن عمير.

أورده ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (10/37) ونقل أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه:

 

أ- قال أبو طالب عن أحمد: «ليس بشيء».

ب- وقال الدوري عن ابن معين: «لا يحتج بحديثه».

جـ- وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: «ضعيف واهي الحديث».

د- وقال ابن أبي حاتم سئل أبي يحتج بمجالد؟ قال: «لا».

هـ- وقال الدارقطني: «مجالد لا يعتبر به».

و- وقال ابن سعد: «كان ضعيفًا في الحديث».

ز- وقال ابن حبان: «لا يجوز الاحتجاج به».

 

قلت: لذا لم يرو له مسلم احتجاجًا ولكن روى له متابعة لذا قال الحافظ ابن حجر

في «تهذيب التهذيب» (10/37): «حديثه عند مسلم مقرون». اهـ. حتى لا يغتر من لا

دراية له بعلم الرجال ويقول: روى له مسلم.

وقال الحافظ في «التقريب» (2/229): «ليس بالقوي وقد تغير في آخر عمره».

ونقل عن البخاري في «تهذيب التهذيب» (10/37) أنه قال: «كان يحيى بن سعيد يضعفه،

وكان ابن مهدي لا يروي عنه، وكان أحمد بن حنبل لا يراه شيئًا».

قلت: بهذا التخريج والتحقيق يتبين أن قصة «خروج الريح والتستر على صاحبه» قصة

واهية سواء مرفوعة أو موقوفة وما قرن بها من أكل لحم الجزور مما لا أصل له، وأن

أثره سيء في إبعاد المسلمين عن العمل بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ثم بينا

السنة الصحيحة حول «الوضوء من لحوم الإبل».

هذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،،

 

حياكِ الله يا حبيبة ،

جزاكِ الله خيراً ونفع بما تُقدمين ،

نتابعُ معكِ ،،،

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
بارك الله فيك أختنا خير أمة ..

 

على هذا التوضيح والشرح ..

 

بارك الله فيك اختي خير امة موضوع قيم جعل الله ذلك في ميزان حسناتك

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،،

 

حياكِ الله يا حبيبة ،

جزاكِ الله خيراً ونفع بما تُقدمين ،

نتابعُ معكِ ،،،

و فيكن بارك الله :biggrin:

ربنا ييسر لى و أستطيع نقل باقى الحلقات لكن :)

جزاكن الله خيراً

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×