اذهبي الى المحتوى

المشاركات التي تم ترشيحها

ولدي...

 

 

د. سلمان الحوسني

 

 

 

أكتب إليك هذه الكلمات عبر سطور قليلة، أحاول من خلالها بثَّ رسالة مختصرة إليك، وأنا أستعيد شريط الذكريات الجميلة معك - أيها الابنالحبيب - منذ ولادتك، بل قبل ذلك وأنا أطلب من الواهب - عز وجل - الولد الصالح مقتديًا بعباد الرحمن في دعائهم وسؤالهم: ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]، والولد له معزة ومكانة ومنزلة عند أبيه، وعلى قدر صلاحه تكون تلك المنزلة.

 

ولدي، أتذكَّرُ فرحي بك يوم ولادتك ووقتَ نشأتك، أتذكُّر مواقفك الكثيرة المتنوعة سواء كانت مُفرِحة أو مُقلِقة ومُتعِبة فأتقبَّلها باعتباري أبًا، وأسعى لاستثمار الجيد منها ومعالجة جوانبِ الخلَل فيها.

 

أتذكَّرُك أيام اللعب مع التدارُس والضجيج والطفولة وما يصحبها، كما قال الأديب الشاعر:

 

 

أين الضجيجُ العذْبُ والشغبُ أين التدارُس شابَه اللعِبُ؟

أين الطفولة في توقُّدها أين الدُّمى في الأرض والكتُب؟

ذكريات البساطة لديك كبقية الأطفال، والأب يَسعد بتلك الفطرة.

 

ابني، أتذكَّرُ تلك الشكاوى والدعاوى التي ترفعها على إخوانك أو أخواتك أو على أقرانك من أبناء الجيران، أو إقبالك إليَّ فرحًا مَسرورًا ضاحكًا تُنادي، إنها لحظات أنس وسعادة معك - أيها الابن الحبيب - وصدق الشاعر في مشاعره:

 

 

أين التشاكس دونما غرض؟ أين التشاكي ما له سببُ؟

أين التباكي والتضاحُك في وقتٍ معًا، والحزن والطربُ؟

أسعد بمجاورتك لي، وتسابُقك نحوي، وتزاحُمك في الجلوس بجواري، أيام لا تنسى:

 

 

أين التسابق في مُجاوَرتي شغفًا إذا أكلوا وإن شَربوا؟

يتزاحمون على مجالستي والقربِ منِّي حيثما انقلَبوا؟

يتوجَّهُون بسوق فِطْرتِهم نحوي إذا رَهبوا وإن رغبوا

أتذكَّرُها اليوم وقد كبرتَ - أيُّها الحبيب - وصرت رجلاً يُعتمَد عليك بعد الله في كثير من المهام، تأتي لأبيك احترامًا وتقديرًا وتُقبِّل رأسَه فتكسب محبَّته ورضاه، وتَعرِض عليه خدماتك ومُساعداتك كما كان يخدمك في صغرك، وتُخبِره بمشاريعك وطموحاتك وآمالك.

 

ولَدي أنتَ كبقيَّة إخوانك اشتياقي إليكم دائمًا وفي وقتِ سفرِكم يَزداد، ويَبقى القلب متعلقًا بكم:

 

 

حتى إذا سارُوا وقد نزَعوا مِن أضلُعي قلبًا بهم يَجبُ

ألفيتني كالطِّفلِ عاطفةً فإذا به كالغيث يَنسكِبُ

قد يَعجبُ العُذَّال من رجل يَبكي، ولو لم أبكِ فالعجبُ!

هيهات ما كلُّ البُكا خوَرٌ إني - وبي عزْمُ الرِّجال - أبُ

ولدي، أهدي إليك قصة عظيمة تظهر فيها عاطفة الأبوَّة، ففي زمن عمر الفاروق رضي الله عنه كان لأميَّة الكناني ولد يُحبه، وقد سافر للجهاد وترك أباه فاقدًا بصره، فأتى أبوه لعمر وأنشد أبياتًا منها:

 

 

سأستعدي على الفاروق ربًّا له دفع الحجيج إلى بساقِ

وأدعو الله مجتهدًا عليه ببطْن الأخشبَينِ إلى زقاقِ

إنِ الفاروق لم يَردد كِلابًا على شيخَين هامَهما بواقِ

فتأثَّر عمر رضي الله عنه واستدعى ولده من الثغور، وسأله عن أحسن خدمة يُقدِّمها لأبيه، وقال لوالدِه: أقسمتُ عليك أن تُخبرني بأعظم ما تُريد من الدنيا؛ قال له أمية: وددتُ والله يا أمير المؤمنين أن ولدي "كِلاب" بين يديَّ أضمُّه ضمَّةً، وأشمُّه شمَّةً قبل أن تَخرُج روحي من جسدي.

 

فقال له عمر: سيسرُّكَ الله بولدك - إن شاء الله - ثمَّ أقبلَ عُمر إلى اللبن الذي حلَبه وجهَّزه الولد دون علم الأب، وناوَله عمر لأمية وقال: خذْ هذا قوِّ به جسدك، فلما قرّبه أبو كِلاب ورفَعه إلى فيه، أخذ ينتفض وينتفض ويَبكي ويقول: والله يا أمير المؤمنين، إني لأشمُّ في هذا اللبن رائحة يدَي ولدي "كِلاب" فبكَى عمر، وأخرج "كِلاب" إليه ودفعه بين يديه،فسمع الشيخ صوت ابنه، فبدأ يتلمَّس ويبكي حتى احتضن ابنه فأخذ يُقبِّله ويَجذبه إليه بقوة وعمر ينظر إليهما ويبكي، وينتفض من شدة البكاء حتى أخذ طرف عمامته وغطى وجهه عن الناس.

 

وقال: ياكلاب أتريد الجنة؟ إنها تحت قدمَي هذا الشيبة وتلك العجوز.

 

فالأبناء كما هم زينة الحياة الدنيا للآباء؛ ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 46]، هم كذلك طريق الجنة للأبناء.

 

ولدي المبارك، بارك الله فيك، لا تَغفل عن طريق الجنة واجتهِد - بارك الله فيك - في برِّ أمِّك وأبيك، وصِلَة أرحامك، ولا تَنشغِل بالدنيا عن الآخِرة، فمهما نلتَ من الدنيا ومُتَعِها وخيراتها وأموالها فهي لا شيء بالنِّسبة للآخرة.

 

اعتنِ - بارَكَ الله فيك - بصلاتك وعبادتك لربك، لا تنم عن الصلاة، ولا تجعل النوم أحبَّ إليك منها، ولا تقدِّم صحبة أصحابك على صلاتك.

 

اعتنِ بكِتاب ربك أعظم كتاب، لك بكل حرف حسنة، والحسنة بعشْرِ أمثالها، فاكسب قبل فوات الوقت وذهاب العمر.

 

اجعل همَّكَ خِدمة هذا الدين العظيم أينما كنت، في حِلِّكَ وترحالك، في ليلك ونهارك، في صيفك وشتائك.

 

اللهم احفظ أبناءنا وأبناء المسلمين من كل سوء ومكروه، وارزقنا برَّ آبائنا، وبر أبنائنا بنا.

 

ونسأله - سبحانه - أن يُثبِّتنا على الباقيات الصالحات ويُبعِد عنا شياطين الإنس والجنِّ، حتى نسعَدَ في الدنيا والآخرة.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

يارك الله فيكِ

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

هذا الكلام في قلوبنا جميعا لابنائنا والقصة مؤثرة حقا

 

 

اللهم احفظ أبناءنا وأبناء المسلمين من كل سوء ومكروه، وارزقنا برَّ آبائنا، وبر أبنائنا بنا.

 

ونسأله - سبحانه - أن يُثبِّتنا على الباقيات الصالحات ويُبعِد عنا شياطين الإنس والجنِّ، حتى نسعَدَ في الدنيا والآخرة

 

 

امين امين

 

بارك الله فيكِ أم عبدالله الحبيبة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

نقل قيم وجميل

جزاكِ الله خيراً أم عبد الله الحبيبة ونفع بكِ ()

 

اللهم احفظ أبناءنا وأبناء المسلمين من كل سوء ومكروه، وارزقنا برَّ آبائنا، وبر أبنائنا بنا.

 

ونسأله - سبحانه - أن يُثبِّتنا على الباقيات الصالحات ويُبعِد عنا شياطين الإنس والجنِّ، حتى نسعَدَ في الدنيا والآخرة.

 

اللهم آمين .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×