اذهبي الى المحتوى
سدرة المُنتهى 87

أخطاء في التوبة (2/1)

المشاركات التي تم ترشيحها

بسم الله الرحمن الرحيم

 

هناك أخطاء في باب التوبة يقع فيها كثير من الناس، وذلك ناتج عن الجهل بمفهوم التوبة، أو التفريط وقلة المبالاة، فمن تلك الأخطاء ما يلي:

 

- تأجيل التوبة: فمن الناس من يدرك خطأه، ويعلم حرمة ما يقع فيه، ولكنه يؤجل التوبة، ويسوّف فيها.. وهذا خطأ عظيم؛ لأن التوبة واجبة على الفور؛ فأوامر الله ورسوله على الفور ما لم يقم دليل على جواز تأخيرها. بل إن تأخير التوبة ذنب يجب أن يستغفر منه.

 

قال ابن القيم رحمه الله: "المبادرة إلى التوبة من الذنب فرض على الفور، ولا يجوز تأخيرها؛ فمتى أخّرها عصى بالتأخر، فإذا تاب من الذنب بقي عليه توبة أخرى، وهي توبته من تأخير التوبة. وقلَّ أن تخطر هذه ببال التائب، بل عنده أنه إذا تاب من الذنب لم يبق عليه شيء آخر، وقد بقي عليه التوبة من تأخير التوبة".

فعلى العبد أن يعجل بالتوبة؛ لوجوب ذلك؛ ولئلا تصير المعاصي رانًا على قلبه، وطبعاً لا يقبل المحو، أو أن تعاجله المنية مصراً على ذنبه.

 

 

- الغفلة عن التوبة مما لا يعلمه العبد من ذنوبه: فكثير من الناس لا تخطر بباله هذه التوبة؛ فتراه يتوب من الذنوب التي يعلم أنه قد وقع فيها، ولا يظن بعد ذلك أن عليه ذنوباً غيرها. وهذا من الأخطاء التي تقع في باب التوبة، والتي قلَّ من يتفطن لها؛

فهناك ذنوب خفية، وهناك ذنوب يجهل العبد أنها ذنوب.

قال ابن القيم رحمه الله: "ولا ينجي من هذا إلا توبة عامة مما يعلم من ذنوبه، ومما لا يعلم؛ فإن ما لا يعلمه العبد من ذنوبه أكثر مما يعلمه. ولا ينفعه في عدم المؤاخذة بها جهله إذا كان متمكناً من العلم؛ فإنه عاصٍ بترك العلم والعمل؛ فالمعصية في حقه أشد".

ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو ويقول: «اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجلَّه، وأوله وآخره، وعلانيته وسره» (رواه مسلم)، فهذا التعميم، وهذا الشمول؛ لتأتي التوبة على ما علمه العبد من ذنوبه، وما لم يعلمه.

 

 

- ترك التوبة مخافة الرجوع للذنوب: فمن الناس من يرغب في التوبة، ولكنه لا يبادر إليها؛ مخافة أن يعاود الذنب مرة أخرى. وهذا خطأ؛ فعلى العبد أن يتوب إلى الله، فلربما أدركه الأجل وهو لم ينقض توبته. كما عليه أن يحسن ظنه بربه جل وعلا ويعلم أنه إذا أقبل على الله أقبل الله عليه، وأنه تعالى عند ظن عبده به. ثم إن على التائب إذا عاد إلى الذنب أن يجدد التوبة مرة أخرى وهكذا...

 

 

- ترك التوبة خوفًا من لمز الناس: فمن الناس من تحدثه نفسه بالتوبة، ولزوم الاستقامة، ولكنه يخشى لمز بعض الناس، وعيبهم إياه، ووصمهم له بالتشدد والوسوسة، ونحو ذلك مما يُرمى به بعض من يستقيم على أمر الله، حيث يرميه بعض الجهلة بذلك؛ فَيُقْصُر عن التوبة؛ خوفًا من اللمز والعيب. وهذا خطأ فادح؛ لأن هذا إنما هو ابتلاء وامتحان، ليمتحن أصادق هو أم كاذب.

 

 

- ترك التوبة مخافة سقوط المنزلة، وذهاب الجاه والشهرة: فقد يكون لشخص ما منزلة، وحظوة، وجاه، فلا تطاوعه نفسه على إفساد ذلك بالتوبة، كما قال أبو نواس لأبي العتاهية، وقد لامه على تَهَتُّكه في المعاصي:

أتراني يا عتاهي *** تاركًا تلك الملاهي

أتراني مفسدًا بالنسك *** عند القوم جاهي

وقد يكون للإنسان شهرة أدبية، أو مكانة اجتماعية، فكلما هَمَّ بالرجوع عن بعض آرائه المخالفة للشريعة أقصر عن ذلك؛ مخافة ذهاب الجاه والشهرة. ولا ريب أن ذلك نقص في شجاعة الإنسان ومروءته، بل إن ذلك نقص في عقله، وعلمه، وأمانته. فالشهرة والجاه عرض زائل، وينتهي بنهاية الإنسان؛ فماذا ينفعه إذا هو قَدِمَ على ربه إلا ما قَدَّمَ من صالح عمله.

 

 

- التمادي في الذنوب اعتمادًا على سعة رحمة الله: فمن الناس من يسرف في المعاصي، فإذا زجر، وليم على ذلك قال: إن الله غفور رحيم، ولا ريب أن هذا الصنيع سفه، وجهل، وغرور؛

فرحمة الله قريب من المحسنين لا من المسيئين، المفرطين المعاندين، المصرين.

ثم إن الله عز وجل مع عفوه، وسعة رحمته شديد العقاب، ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين. قال تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ} [الحجر:49، 50]. قال ابن القيم رحمه الله في شأن المتمادين في الذنوب اتكالاً على رحمة الله: "وهذا الضرب من الناس قد تعلق بنصوص الرجاء واتكل عليها، وتعلق بكلتا يديه، وإذا عوتب على الخطايا والانهماك فيها سرد لك ما يحفظه من سعة رحمة الله ومغفرته، ونصوص الرجاء"

ثم قال:

"وبالجملة فحسن الظن إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة، وأما على انعقاد أسباب الهلاك فلا يتأتَّى إحسان الظن".

 

------------

من كتاب: (التوبة وظيفة العمر) للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد.

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

جزاك الله خيرا سدرة الغالية

ونفع بك

اللهم ثبت قلوبنا على دينك

أستغفر الله وأتوب إليه

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

نقل قيّم ، وكتاب رائع

نتابع معك ِ سدرة الحبيبة .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

جزاك الله خيرا سدرة الغالية

ونفع بك

اللهم ثبت قلوبنا على دينك

أستغفر الله وأتوب إليه

 

وجزاكِ الله خيرًا أختي الكريمة

اللهم آمين~

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

نقل قيّم ، وكتاب رائع

نتابع معك ِ سدرة الحبيبة .

 

جزاكِ الله خيرًا وبارك فيكِ

إن شاء الله

سررت لمرورك الطيب~

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك حبيبتي ()

 

وفيكِ بارك الرحمن أختي الحبيبة

3>

~

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

جزاك الله خيرا سدرة الغالية

اللهم ثبت قلوبنا و تب علينا ،

أستغفر الله وأتوب إليه

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بسم الله

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

 

نقل طيب جدًا سدرة الحبيبة

جزاك الله خير الجزءا .. نتابع معكِ بحول الله ()

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بسم الله

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

 

نقل طيب جدًا سدرة الحبيبة

جزاك الله خير الجزءا .. نتابع معكِ بحول الله ()

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

 

جزاك الله خيرا سدرة الغالية

 

اللهم ثبت قلوبنا و تب علينا ،

أستغفر الله وأتوب إليه

 

 

وجزاكِ الله خيرًا أختي الكريمة

 

اللهم آمين~

 

بسم الله

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

 

نقل طيب جدًا سدرة الحبيبة

جزاك الله خير الجزءا .. نتابع معكِ بحول الله ()

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،،

بارك الله فيكِ وجزاكِ خيرًا~

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

جزاكِ الله خيرًا ياغالية

موضوع قيّم

بارك الله فيكِ

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

وفيكِ بارك الرحمن

وجزاكِ خيرًا~

 

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

بارك الله فيك يا حبيبة

وجعله الله في ميزان حسناتك ()

 

وفيكِ بارك الرحمن أختي الكريمة

اللهم آمين~

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

  • محتوي مشابه

    • بواسطة سدرة المُنتهى 87
      أخطاء في التوبة (2/2)


       

      - الاغترار بإمهال الله للمسيئين:



      فمن الناس من يسرف على نفسه بالمعاصي؛ فإذا نصح عنها، وحُذِّر من عاقبتها قال: ما بالنا نرى أقواماً قد امتلأت فجاجُ الأرض بمفاسدهم، ومباذلهم، وظلمهم، وقتلهم الأنفس بغير الحق، وأكلهم أموال الناس بالباطل، وأكلهم الربا وقد نهوا عنه، ومع ذلك نراهم وقد درت عليهم الأرزاق، وأنسئت لهم الآجال، وهم يعيشون في رغد ونعيم بعيد المنال؟ ولا ريب أن هذا القول لا يصدر إلا من جاهل بالله، وبسننه عز وجل. ويقال لهذا وأمثاله: رويدك، رويدك؛ فالله عز وجل يعطي الدنيا لمن أحب، ولمن لا يحب؛ وهؤلاء المذكورون مُتَبَّرٌ ما هم فيه، وباطل ما كانوا يعملون؛ فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم؛ فما الذي هم فيه من النعيم إلا استدراج، وإمهال، وإملاء من الله عز وجل حتى إذا أخذهم أخذهم أخذ عزيز مقتدر. قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته»، ثم قرأ قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102].



      قال ابن الجوزي رحمه الله: "فكل ظالم معاقبٌ في العاجل على ظلمه قبل الآجل، وكذلك كل مذنبٍ ذنباً... وربما رأى العاصي سلامة بدنه؛ فظن أن لا عقوبة، وغفلتُه عما عوقب به عقوبة. وقد قال بعض الحكماء: المعصية بعد المعصية عقاب المعصية، والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة".


       
       
       
       

      - اليأس من رحمة الله:



      فمن الناس من إذا أسرف على نفسه بالمعاصي، أو تاب مرة أو أكثر فعاد إلى الذنب مرة أخرى أيس من رحمة الله، وظن أنه ممن كتب عليهم الشقاوة؛ فاستمر في الذنوب، وترك التوبة إلى غير رجعة. وهذا ذنب عظيم، وقد يكون أعظم من مجرد الذنب الأول الذي ارتكبه؛ لأنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون؛ فليجدد التوبة، وليجاهد نفسه في ذات الله حتى يأتيه اليقين.


       
       
       
       

      - اليأس من توبة العصاة:



      فمن الناس من يكون فيه خير ونصح وحب للإصلاح، فتراه يحرص على دعوة العصاة أيًا كانت معاصيهم، فإذا رأى من أحدهم إعراضاً عن النصح، وصدودًا عن الخير، وتماديًا في الغواية أيس من هدايته، وأقصر عن نصحه، وربما جزم بأن الله لن يغفر له، ولن يهديه سواء السبيل. وهذا الصنيع لا يصدر من ذي علم وبصيرة وحكمة؛ فمن ذا الذي أخبر هذا بأن الله لن يغفر لذلك العاصي؟ وما الذي سوغ له أن يحجر رحمة الله عز وجل.



      ثم كم من الناس من يتمادون في الغواية والإجرام، حتى يُظنَّ أنهم يموتون على ذلك، ثم يتداركهم الرحمن الرحيم بنفحة من نفحاته، فإذا هم من الأبرار الأخيار.



      ولهذا جاء في صحيح مسلم عن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّث: «أن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى عليَّ أن لا أغفر لفلان؟ فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك» (مسلم)، ومعنى يتألى عليَّ: أي يقسم ويحلف.


       
       
       
       

      - الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي وترك الطاعات:



      فإذا قيل له على سبيل المثال: لمَ لا تصلي؟ قال: ما أراد الله لي ذلك، وإذا قيل له: متى ستتوب؟ قال: إذا أراد الله ذلك. وهذا خطأ وضلال وانحراف؛ فالإيمان بالقدر لا يمنح العاصي حجة على ما ترك من الواجبات، أو ما فعل من المعاصي.



      قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وليس لأحد أن يحتج بالقدر على الذنب باتفاق المسلمين، وسائر أهل الملل، وسائر العقلاء؛ فإن هذا لو كان مقبولاً لأمكن كل أحد أن يفعل ما يخطر له من قتل النفوس وأخذ الأموال، وسائر أنواع الفساد في الأرض، ويحتج بالقدر".


       
       
       
       

      - توبة الكذابين:



      الذين يهجرون الذنوب هجرًا مؤقتًا يتحينون فيه الفرص لمعاودة الذنب؛ حيث يتركون الذنوب التي كانوا يرتكبونها إما لمرض، أو عارض، أو خوف، أو رجاء جاه، أو خوف سقوطه، أو عدم تمكن؛ فإذا واتَتْهُم الفرصة رجعوا إلى ذنوبهم. فهذه توبة الكذابين، وليست بتوبة في الحقيقة.


       
       
       
       

      - قلة العناية بالتائبين:



      فهناك من الأخيار والصالحين من لا يأبه بشأن التائبين، فقد يتوب قريب لهم، أو جار، أو صاحب قديم، أو مَنْ بينهم وبينه معرفة، أو غير هؤلاء. ومع ذلك قد لا تجد من الأخيار من يأخذ بيد التائب، ويعينه على نفسه؛ حتى يستديم التوبة، ويلزم طريق الاستقامة. بل ربما نفروا منه، ونظروا إليه بعين الريبة. ومن هنا يخذل التائب، فلا يجد من يعينه، ويثبته، ويجيب عن إشكالاته. وهذا الخذلان قد يتسبب في ضعف التائب، ونكوصه على عقبيه.



      فحريٌّ بأهل الخير والدعوة والإصلاح أن يُعْنَوا بالتائبين، وأن يأخذوا بأيديهم إلى ما فيه صلاحهم ودوام استقامتهم، وزيادة إيمانهم.


       
       
       
       

      - غفلة الأمة عن التوبة:



      فإذا تحدث متحدث عن التوبة تبادر إلى الذهن توبة الأفراد فحسب، أما توبة الأمة بعامة فقلَّ أن تخطر بالبال. وهذا من الأخطاء في باب التوبة؛ ذلك أن سنته عز وجل في الأفراد، وفي مغفرته للتائبين وعفوه عن المذنبين هي هي سنته سبحانه في الأمم والشعوب.



      فالأمة التي تعود إلى طريق الرشاد، وتَصْدُق في التوبة والإنابة إلى رب العباد يفتح الله لها، ويرفع من شأنها، ويعيدها إلى عزتها ومجدها.



      وإذا أردت مثالاً على توبة الأمة من القرآن الكريم فانظر إلى قوله تعالى: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس:98].


       

      فما أحوج أمتنا اليوم أن تعج إلى الله منيبة تائبة، ليرضى عنها، ويرفع عنها ما هي فيه من الذلة، والمهانة، والخيبة، والتبعية لأعدائها!!


       

      من كتاب: (التوبة وظيفة العمر) للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد.


    • بواسطة بسمَة
      ".. فَجـرٌ جَـدِيــدٌ .." [ 3 ] هل يَقبَلُ اللهُ توبتي ؟
       




      سؤالان قد يُراودان الكثيرَ مِمَّن آلمته نفسُه، وضاق صدرُه،
      وبدأ قلبُه ينفر من المعصية، وقرَّرَ أن يتغيَّر تغيُّرًا حقيقيًّا،
      وأن يفتحَ صفحةً جديدةً مُشرقةً مع رَبِّه سُبحانه ومع الناس حولَه،
      وأن يعيشَ حياةً نظيفةً طاهرةً، بعيدًا عن المعصية،
      وقد يُراودانكِ أخيَّة؛ وهما: هل يَغفِرُ اللهُ لي؟ هل يَقبَلُ اللهُ توبتي؟
       
      فنقولُ لكِ: نعم، يَقبَلُ اللهُ توبتَكِ، فهو سُبحانه القائل:
      ((وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ)) الشورى/25.
      فسيئاتُكِ سيعفو اللهُ عنها- بإذنه- إذا تُبتِ وعُدتِ إليه مُنيبةً مُخبِتة.
      وكيف لا يقبلُ اللهُ توبتَكِ وهو الذي دَعاكِ- بل دعانا جميعًا- إليها،
      فقال سُبحانه: ((وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) النور/31 ؟!
       
      ففي التوبة الفلاحُ والصلاحُ وطريقُ النجاة وبدايةُ الحياة.
       
      وذنوبُكِ- بإذن الله- تُبدَّلُ حَسنات، ففي الحديث أنَّ رجلاً أتى النبيَّ- صلَّى
      الله عليه وسلَّم- فقال: (( أرأيتَ مَن عَمِلَ الذُّنُوبَ كُلَّها، ولم يتركْ منها شيئًا،
      وهو في ذلك لم يترك حَاجَّةً ولا داجَّةً إلَّا أتاها، فهل لذلك من توبةٍ؟
      قال: فهل أسلَمتَ؟ قال: أمَّا أنا فأشهدُ أن لا إله إلَّا اللهُ، وأنَّكَ رسولُ اللهِ،
      قال: تَفعلُ الخيراتِ، وتتركُ السيئاتِ، فيَجعلهنَّ اللهُ لكَ خَيراتٍ كُلَّهنَّ.
      قال: وغَدَراتي وفَجَراتي؟ قال: نعم. قال: اللهُ أكبرُ،
      فما زال يُكبِّرُ حتى تَوارَى )) صحَّحه الألبانيّ.
       
      وإذا كان اللهُ تعالى قَبِلَ توبةَ قاتِل المائة نَفْسٍ، فكيف لا يقبلُ توبتَكِ سُبحانه
      وأنتِ لم تسفكي دمًا؟! وإذا كان سُبحانه يقبلُ توبةَ الزاني وشاربِ الخَمر،
      بل يقبلُ إسلامَ الكافر إذا عاد إليه وأقبل عليه مُستسلِمًا خالِعًا لرِداءِ الكُفر،
      فكيف لا يقبلُ توبةَ عَبده المُؤمن؟!
      كيف لا يقبلُ توبةَ المُسلِم العاصي الذي أغواه شيطانُه وتغلَّبَ عليه هواه؟!
      إذا كان اللهُ تعالى يقبلُ توبةَ مَن فعل الذنوبَ كُلَّها، فكيف لا يقبلُ توبتكِ؟!
      إنَّ الله غفورٌ رحيمٌ، يقبلُ التَّوبَ، ويغفرُ الذنبَ. لكنْ لتَكُن توبتُكِ نَصُوحًا،
      فاللهُ تعالى يقول: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا))
      التحريم/8، والتوبةُ النَّصوح- كما قال البعضُ- هِيَ أن تُبغِضي الذنبَ
      كما أحببتيه، وتستغفري منه إذا ذكرتيه.
       
      إنَّ اللهَ عَظيمٌ كريمٌ رَحيمٌ حليم، واسِعُ الفضل، يُحيي القلوب، ويغفر الذنوب،
      ويستر العيوب.
      يا له مِن رَبٍّ رحيمٍ يقبلُ توبة عَبده بعد أن كان يُبارزه بالمعاصي،
      بل ويَعفو عن ذنبه ويُبدِّلُ سيئاتِه حسنات!
       

       
      قد تُحدِّثُكِ نفسُكِ أنَّ اللهَ لن يقبل توبتكِ، وأنَّكِ أسرفتِ عليها بالمعاصي،
      وأنَّه لا فائدةَ من العَودةِ، بل قد تُحدِّثُكِ بأنَّ الرجوعَ إلى اللهِ مُستحيلٌ،
      وأنِّكِ ستُساقين إلى النار، وأنِّكِ بعيدةٌ عن الجنَّة بُعد السماءِ عن الأرض،
      فتجعلكِ تُبغضين كُلَّ شيءٍ، لكنْ لتُخيِّبي ظنَّها،
      ولتُحسني الظَّنَّ به سُبحانه دائمًا،
      والحمدُ للهِ أنَّ اللهَ رَبُّنا.
      يقولُ اللهُ سُبحانه: ((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ
      لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
      الرَّحِيمُ)) الزمر/53.
       
      فلا تقنطي أبدًا من رحمة الله، واعلمي أنَّه مهما بلغت ذنوبُ العَبدِ،
      ثم عاد إلى الله تعالى تائبًا مُعترفًا بذنبه، فإنَّه سُبحانه يغفرها.
      وفي الحديث القُدسيِّ: (( قال اللهُ تعالى: يا ابنَ آدمَ، إِنَّكَ ما دعوتَني ورجوتَني
      غفرتُ لكَ على ما كان منكَ ولا أُبالي. يا ابنَ آدمَ، لو بلغَتْ ذنوبُكَ عنانَ السماءِ
      ثُمَّ استغفرتَني غفرتُ لَكَ ولَا أُبالِي. يا ابنَ آدمَ، لَوْ أَنَّكَ أَتَيْتَني بقُرابِ الأرضِ خطايا،
      ثُمَّ لقيتَني لا تُشْرِكُ بي شيئًا لأتيتُكَ بقُرابِها مغفرةً )) صحيح الجامع.
       
      فاللهُ رَءوفٌ بعباده رحيمٌ بهم، يُريدُ لهم الخيرَ،
      يُريدُ لهم الاستقامةَ على دِينه وشَرعه؛
      والذي فيه صلاحُهم في دُنياهم وأُخراهم،
      قال سُبحانه: ((وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ)) النساء/27.
      فهو سُبحانه لا يُريدُ لنا العَنَتَ ولا المشقَّة.
       
      ولَعلَّ حياتكِ الماضية تكونُ لكِ درسًا أخذتِ منه العِبرةَ،
      وخرجتِ منه بتجربةٍ لن تُكرِّريها.
      ولَعلَّه ابتلاءٌ وخيرٌ من حيثُ لا تشعرين، فالحمدُ لله على كل حال.
       

       
      ومِن هُنا قد نتساءَل: هل للتوبةِ شروط؟
       
      فكِّري- أخيَّة- قليلاً، واذكري لنا شروط التوبة التي تعرفينها،
      ويَجمعُنا لِقاءٌ جديدٌ في الدَّرس القادم بإذن اللهِ تعالى؛ لنتعرَّفَ عليها.
       
       

       



منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×