اذهبي الى المحتوى
جمانة راجح

_ الآباء اليتامى _

المشاركات التي تم ترشيحها

بسم الله الرحمن الرحيم

5mH67185.png

الآباء اليتامى

محمد شلبي محمد

 

ربَّما ليس اليتم متعلقًا بالسنِّ، بقدر ما هو متعلِّق بالحالة.

 

وإذا تفهَّمنا هذا المنظورَ، فليس الصِّغار فقط هم من يقاسون اليتم، بل إنَّ كثيرًا من

الآباء كذلك يصيرون يتامى.

 

فالمرءُ يُرَدُّ إلى أرذل العمر، فيعود أدراجَه إلى نفسيَّة الطفولة كرَّةً أخرى.

 

وفي هذه السن الطاعنة في الكبر يفقد الآباء مَن يدثِّرونهم بالحنان، ويزمِّلونهم بالرعاية،

كالطفل الذي يفقد ذلك سواءً بسواء.

 

إنه واللهِ ليُتْمٌ، وأيُّ يتم!

 

بل إنَّ الآباء إذا طعنوا في السنِّ كان يُتْمهم أشدَّ.

 

فالطِّفل الصغير يجد حوله - ربما من الغرباء - مَنْ قد يعوِّضه فَقْد الأب أو الأم، أو مَنْ قد

يعوِّضه فقْدَهما معًا.

أمَّا الآباء في هذه المرحلة، فقلَّما يجدون من يُعيرهم اهتمامًا، أو من يملأ عليهم دنياهم

التي فرغتْ من الأحباب.

 

كانا أبوَين مكافحيْن، طموحين.

 

كانت حياتُهما فارغةً من الحركة، كانا يأمُلان أن يرزقَهما الله -تعالى- ولدًا طيبًا، فرزقهما من

الولد ما ملأ عليهما حياتهما، كبِرَ الأولاد، تزوَّج الأولاد، استقلَّ الأولاد، أنجب الأولاد، انشغل

الأولاد، لم يعد ثمة أولادٌ.

 

أصبح هناك آباءٌ جدد، يُمسكون بمِجداف الحياة ويسبَحون مع السابحين.

 

وبقِي الآباء القدامى يتامى!

 

عاد الأبوانِ فارغينِ من الحركة.

 

وحيدينِ كما كانا.

 

مكافحينِ كما كانا.

 

انغلق القوس الذي افتتح قديمًا.

 

ولكنَّه انغلق على ظلم عظيم.

 

هل يُعقل أن يوجد في مجتمع المسلِمين دُورٌ للمسنِّين.

 

هناك دليلٌ لدُور المسنين في مصرَ وحدها على هذا الموقع:

http://www.tasawak.c...derly-Guide.asp

 

يبلغ عدد المثبت فيه: 269 دارًا للمسنين، يسكنها آلاف وآلاف من الآباء اليتامى.

3wT67185.png

صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لتتَّبعنُّ سَنن من قبلكم، شِبرًا بشِبرٍ، وذِراعًا بذِراعٍ،

حتى لو سلكوا جُحر ضبٍّ لسلكتموه))، قلنا: يا رسولَ الله، اليهود والنصارى؟ قال: ((فمَن؟))؛

[البخاري: 3456].

 

ولقد كان والله.

 

قد أخذْنا المسارح، وتركْنا المصانع، كما يقول الشيخ الغزالي.

 

وأخذْنا منهم نظامَ الملبَس والمسكن.

ونظمَ المعاملات الاقتصادية.

والطرق القتالية.

والإعلام والأفلام.

 

وأوشك بعض شبابنا أن يأخذ منهم الحلال والحرام.

 

أخذنا منهم عيد الحب، وعيد الطبيعة "شم النسيم"، وعيد الأم.

 

وعيد الأم!!

عيد الأم!!

هنيئًا للأمهات، بعد عمر من العطاء يأخذن يومًا من الهدايا والبسمات، ويُودَعْنَ ثم يُوَدَّعْنَ.

 

كالأطفال في الملاجئ، لا يعرفون أبًا، هؤلاء لا يعرفون ابنًا ولا بنتًا.

 

وربَّما كان التركيز على الأم أكثر؛ لأنَّها هي التي تبقى أكثرَ من الأبِ في عادة الأمر، فالأبُ

مات من قديم من شدة ما قاسى وعانى وكافح وتحمل.

 

لماذا يوجد بين المسلمين أمثالُ هؤلاء البنين؟!

وكيف تحوَّلت نفوسهم الغضَّة الطريَّة، إلى تلك النفوسِ اليابسة الوحشية؟!

 

إنَّ الأخذ ألذُّ شيءٍ على النفوس.

 

لا يعادله في مقداره إلا مرارةُ العطاء عند هؤلاء.

 

ولكن الله -تعالى- يذكِّر عباده، ويحملهم على الصراط المستقيم بالمنطق السليم.

 

كم من المعاني العلياء في آيتي الإسراء!

 

إن الله -تعالى- قال: ( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا

وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي

صَغِيرًا ) [الإسراء: 23، 24].

 

من البداهة أنه لا ينبغي لأحدٍ أن ينهر والديه - صغيرين كانا أو كبيرين.

ولكنْ:

خص الله مرحلة الكِبَر؛ لأنها المرحلة التي يكون فيها الأبوان ضعيفين "يتيمين"، وهي

المرحلة التي تتحول فيها نفوسُهما إلى نفوس أطفال صغار، يحتاجون من الصبر والسياسة

ما يحتاجه الطفلُ الصغير.

 

وربما تتحوَّل أجسادُهما كذلك إلى مثل أجساد الأطفال، تنكمش وتنطوي، وتصبح ضعيفة

عن التحكم أحيانًا.

 

في هذه السنِّ قليل من الأبناء من يصمد أمام هذا "الثِّقَل".

 

وإذا كان هذا، فإن كلمة التضجر "أُفّ" تقع موقعًا عظيمًا على الآباء، إذا كانت تؤذيهم من

أطفالهم حين كانوا في منتصف العمر، أفلا تؤذيهم وهم في آخره؟!

 

وإذا كانت كلمة "أُفّ" تؤذيهم حتى نهى الله عنها، فما بالنا بزجرهم ونهرهم؟ ولا يقبل بعض

الأطفال هذا من آبائهم، أفيقبله الآباء من أبنائهم؟!

 

إن الواجب تجاه مشكلات التعامل مع الآباء في هذه السن أن يقول الابن لوالديه: ( قَوْلًا كَرِيمًا )

 

لم يقلْ: قولاً لينًا، والقول الكريم يشمل من معاني التلطُّف والإقبال والوعد والتبشير،

ما لا يشمله القولُ اللَّين.

 

إنَّ الواجب على الأبناء أمام هذه المشكلات أن يخفِضوا وينخفضوا، أن يعطِفوا وينعطفوا.

 

( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) [الإسراء: 24]، إنها "استعارة في الشَّفقة والرحمة

بهما والتذلل لهما تذلُّلَ الرعية للأمير، والعبيد للسادة" على حدِّ قول القرطبي في تفسير الآية.

 

والإيمان إذا سكن قلبًا ذكَّر صاحبه.

 

ذكَّر صاحبه بالمعروف الذي سِيق إليه بسبب الذين حوله، وأول الناس معروفًا أولاهم بالشكر،

ومن هؤلاء إلا الآباء؟!

 

لذلك قال -تعالى-: ( وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) [الإسراء: 24].

 

ويجري في العادات المحمودة، والأفعال القويمة - أنْ يرُدَّ الإنسان من المعروف مثلَ ما أخذ،

فيجب على كلِّ ابن ردُّ الجميل الذي سيق إليه من أبويه ضعيفًا إليهما وهم ضعاف كذلك.

3wT67185.png

لكن هذه نظرة قاصرة.

لا يقارن أصلاً معروف الآباء بمعروف الأبناء، أبدًا أبدًا.

 

هم سبب وجودك في الحياة، ولَداك على الفطرة لتكون سعيدًا، ومن ولد ليكون غير ذلك فلا

يلومنَّ أبويه، وإنما يجب ألاَّ يلومَ إلا نفسه؛ فهو المقصِّر في الأخذ بأسباب السعادة، فقيرًا

كان أو غنيًّا.

 

وهم أدَّوْا إليك المعروفَ في حين لم تكن قادرًا مطلقًا، وكنت محتاجًا إليهما بعد الله احتياجًا مطلقًا.

 

جسدُك - هذا - الكبير، إن هو إلا بعض طعام وشراب، وكان أول ذلك أن أكلتَ من جسد أمك.

 

تنقصها لتزيد.

وتُضعفها لتقوى.

وتُوهنها لتشتدَّ.

 

واللهِ ما هي عادلةٌ مقارنةُ معروفِهما بمعروفك.

 

وأنت حين تقدِّم لهم المعروف لم تتحمل الألَم، إنما بمالِك فعلتَ.

 

وقدَّمت لهما المعروف قويًّا، وقدماه لك ضعيفينِ تَعِبَيْنِ، قد كافحا كفاحًا.

 

حدَّثني أحد الأطباء: ذكر لي أنَّ الأم عند الولادة يتهيأ الرَّحِم لإخراج الجنين.

 

فيقع ضغط على جدار الرحم وقبضٌ وبسط.

 

حين يصل هذا الضغط على جدار الرحم إلى مستوى 10.

 

تبدأ الأم في الصُّراخ والعضِّ بنواجذها من الألم.

 

قال: أمَّا في لحظة خروج الرأس في الولادة الطبيعية، فيصل هذا الضغط إلى 300 مستوى.

 

إنها صعقة حقيقية.

صعقةٌ أن نعرف هذه الحقيقة، تقتضي الذَّهاب حالاً لتقبيل القدم التي حملت الأم إلى هذا الموقف العظيم.

 

إنها معجزة من الله أن تعيش كلُّ أمٍّ تلد.

 

حينها تذكرتُ قول عبدالله بن عمر - رضي الله عنه - للشابِّ الذي كان يحمل أمَّه على ظهره

ويطوف بها البيت ويؤدِّي بها المناسك، ثم سأله: تُراني قد وفيتُ أمي حقها؟

 

قال: "ولا بطلقةٍ واحدة" وصدق.

 

عبدالله بن عمر - رضي الله عنه.

 

إنَّ المرء ليعجب والله.

 

شخصان أمَر الله - تعالى - بحسن صُحبتهما كافرينِ مؤذيينِ، أفلا يستحقَّان ذلك مؤمنينِ محسنينِ؟!

 

حسبنا الله ونعم الوكيل!

 

إنَّ الحديث عن الآباء اليتامى حديثٌ ذو شجون.

 

ولكنَّ العصر الذي غُزِينا فيه بالأفكار السيئة بما هو أبشعُ من غزو السيوف، وشُغلنا فيه بكثرة

الأحداث والحوادث عن واجباتنا وحقوقنا، حتى يفرض على العاقل أن يعيد النَّظر إلى نفسه

وسلوكه؛ ليرى أين يسيرُ، وليخلُصَ من هذه الغابة الكبرى إلى الغاية الكبرى.

 

Wbc67185.png

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

يا الله !!

إنها معجزة من الله أن تعيش كلُّ أمٍّ تلد.

نعم معجزة سبحان الله

كم هو محزن اهمال الابوين في الكِبر

هم من ينتظرون قدوم اولادهم بفارغ الصبر ويفرحون بلعب أحفادهم بجانبهم بالرغم من كِبر سنهم وحاجتهم للراحة

ونرى من يحرمهم من هذه اللحظات

نسال الله ان يعيننا على برهم

جوزيتِ خيراً يا حبيبة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

يا الله !!

إنها معجزة من الله أن تعيش كلُّ أمٍّ تلد.

نعم معجزة سبحان الله

كم هو محزن اهمال الابوين في الكِبر

هم من ينتظرون قدوم اولادهم بفارغ الصبر ويفرحون بلعب أحفادهم بجانبهم بالرغم من كِبر سنهم وحاجتهم للراحة

ونرى من يحرمهم من هذه اللحظات

نسال الله ان يعيننا على برهم

جوزيتِ خيراً يا حبيبة

 

وجزاكِ الله خيرًا راماس

سعدت لمرركِ

بارك الله فيكِ

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم

جزاك الله خيرا اختي.

حقا اني استشعر كونهم آباء يتامى

لا حول ولا قوة إلا بالله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

 

الله المستعان

للأسف واقع مؤلم أصبح ينتشر في بلادنا الإسلامية

 

أسأل الله عز و جل أن يوفقنا لبر أمهاتنا و أن يرزقنا بر أبنائنا و يمتعنا بصحبتهم

 

جزاكِ الله خيرًا مرام الحبيبة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم

جزاك الله خيرا اختي.

حقا اني استشعر كونهم آباء يتامى

لا حول ولا قوة إلا بالله

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

وجزاكِ الله خيرًا أختي الحبيبة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

و عليكم السلام و رحمة الله وبركاته اختي الغالية

جزاك الله خيرا و دام نبض قلمك

للاسف كم تذخر بيوت العجزة بكثير من هؤلاء الاباء اليتامي

اللهم اجمعنا باحبائنا في الجنة آمين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

 

الله المستعان

للأسف واقع مؤلم أصبح ينتشر في بلادنا الإسلامية

 

أسأل الله عز و جل أن يوفقنا لبر أمهاتنا و أن يرزقنا بر أبنائنا و يمتعنا بصحبتهم

 

جزاكِ الله خيرًا مرام الحبيبة

 

آمين

 

وجزاكِ الله خيرًا خالة أم سهيلة

سعدت لتواجدكِ

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

و عليكم السلام و رحمة الله وبركاته اختي الغالية

جزاك الله خيرا و دام نبض قلمك

للاسف كم تذخر بيوت العجزة بكثير من هؤلاء الاباء اليتامي

اللهم اجمعنا باحبائنا في الجنة آمين

 

آمين

وبارك الله فيكِ ياغالية

هو منقول

سعدت لتواجدكِ جزاكِ الله خيرًا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×