اذهبي الى المحتوى
أَمَةُ الله

أين الرجال القوامون؟

المشاركات التي تم ترشيحها

أين الرجال القوامون؟

د. سميحة محمود غريب.

 

 

السؤال:

أين الرجال الآن؟ الموضوع بمنتهى البساطة أني أفتقد الرجولة في أقرب المقربين إلي (أبي وإخوتي) فهم لا يتحملون المسئولية، ولا أجد بهم القوامة التي قالها الله، فيتركون لي كل القرارات المصيرية بحياتي، والتي أحتاج إلى مشورتهم بها، وأنا لا أستطيع تحمل الحياة وكل قراراتها لوحدي، وهم لا يشعرون بأي تأنيب ضمير أو مسئولية من تركهم لي، إنها أزمة جيل كامل، فمعظم صديقاتي يعانين من نفس المشكلة، وأنا سوف أقدم على الزواج من شخص لا أحبه، ولكنه يتحمل المسئولية، ويُعتمد عليه، ولا أدري هل هذا خطأ أم صواب؟

 

 

الجواب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

 

ابنتي الحبيبة.. هذه ليست استشارة، بل هي صرخة.. نعم صرخة من فتاة مسلمة واعية ذات عقل راجح وفهم واعٍ وبعد نظر... احترت من أين أبدأ معك، وهل سأنتهي؟؟!!

الموضوع كبير وعميق ويحتاج إلى عشرات الصفحات، وسأحاول أن أعنصره في عدة عناصر، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقني ويعينني، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

 

عناصر الموضوع:

1- المسئولية في الإسلام.

2- دور الرجل المسلم تجاه أسرته.

3- دور المرأة المسلمة في الأسرة.

4- معنى القوامة.

5- أين الخلل؟.

 

 

أولاً/ المسئولية في الإسلام:

قررت الشريعة الإسلامية مبدأ المسؤولية الشاملة في المجتمع الإسلامي، وحمَّلت كل فرد فيه مجموعة من المسؤوليات التي تتفق وموقعه وقدراته، وذلك في الدنيا و الآخرة.

 

عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته؛ الإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسئول عن رعيته، و المرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسئول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسئول عن رعيته"

وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث مجموعة من المسؤوليات الخاصة لبعض من أفراد المجتمع شملت الحاكم والرجل والمرأة والعامل، وأشار إليها بلفظ "راعٍ".

 

 

ثانياً/ دور الرجل المسلم تجاه أسرته:

أما بالنسبة للرجل، فأعطى الله للرجل رئاسة الأسرة، وحمَّله مسؤولية القيام على شؤونها بتأمين حاجاتها من مأكل ومشرب وملبس إلى غير ذلك مما تحتاجه.

كما حمله مسؤولية حُسن تأديب أولاده، وتعليمهم الدين والخير، وما لا يستغنى عنه من الآداب دون تمييز بين ذكر وأنثى.

 

وعدم قيام الرجل بمسؤولياته نحو أسرته أو تقصيره فيها يتوجب مساءلته عنها، ثم محاسبته عليها في الدنيا والآخرة.

 

 

ثالثاً/ دور المرأة المسلمة في الأسرة:

اهتم الإسلام بالمرأة اهتمامه بالرجل، فحدد لها نطاق مسؤولياتها في الأسرة بما يتفق وبنائها الجسمي والعاطفي الذي لابد له من أن تظهر آثاره على أسرتها وبيتها.

 

ولعل أول مسؤولياتها تبدأ بتحقيقها السكينة والاستقرار لزوجها.

ثم مسؤوليتها في تربية أولادها وتنشئتهم وتنمية قدراتهم العقلية والانفعالية والجسمية في ظل بيت تغمره المودة والرحمة، بالإضافة لمسؤوليتها في حفظ مال زوجها وحسن التدبير له، ومحافظتها على عِرضه بحفظ نفسها.

 

وفي حالة تقصيرها عن قيامها في مسؤولياتها فإنها تُسأل أو تحاسب على ذلك في الدنيا والآخرة مثلها مثل الرجل؛ فهما في نظر الشريعة الإسلامية سواء في تحمل المسؤولية والمحاسبة.

 

 

رابعاً/ معنى القوامة:

القوامة.. تلك الشبهة التي أثارها ويثيرها أعداء الإسلام، وأصحاب الفكر النسوي، للطعن في الشريعة، ولتأليب المرأة على الرجل..

 

ومعنى القوامة: إدارة الأسرة، ففي اللغة قام الرجل المرأة: أي قام بشؤونها وما تحتاج إليه.

والقوَّام: اسم لمن يكون مبالغاً في القيام بالأمر، يقال هذا قيّم على المرأة وقوامها، للذي يقوم بأمرها ويهتم بحفظها.

 

وإذا كان السكن والمودة والرحمة معاني توجد بين الأرحام، فهي تبلغ في الزواج درجة لا تبلغها في غيره، إلا أنها تظل معاني تشمل عامة المؤمنين بشكل أو بآخر، أما القوامة وقوانينها فلا تكون إلا بين الرجل وزوجته، ولا تكون إلا داخل الأسرة وفي إطارها..

 

وما من مؤسسة إلا ولها مدير، والمنهج الإسلامي ينص على "إذا كنتم ثلاثة فأمّروا أحدكم"، ولم يقل أفضلكم، فليس بالضرورة أن تكون الإدارة للأفضل، فالإدارة ليست تسلطاً أو تجبراً وإنما هي إدارة رحيمة.

 

والقوامة لا تلغي المساواة، وإنما هي مساواة الشقين المتمايزين، لا الندين المتماثلين، فيكون معناها التكامل لا التنافر.

 

وحتى لا تنشأ شبهة التناقض بين المساواة والتميز في علاقة النساء بالرجال، فقد قرن القرآن الكريم بين الأمرين في آية واحدة،

قال تعالى: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } [البقرة:228]،

وهي درجة القوامة، فهما متساويان في الحقوق والواجبات، ولكن القوامة للرجل، أي أن عليه تحمل مسئولية ورعاية الأسرة والإنفاق عليها وإدارة البيت،

 

وقوامة الرجل ثابتة بـنص القرآن: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ... } [النساء:34].

 

أي أن الرجال من شأنهم المعروف المعهود القيام على النساء بالحماية والرعاية والولاية والكفاية.

 

ففي الوقت الذي تفرض فيه التكاليف والأعباء يوضع مقابلها حقوق حتى لا يختل التوازن، فكل مسؤولية لا بد لها كي تنفّذ من سلطة، والسلطة شيء والتسلط شيء آخر..

 

 

وخلال الأسطر التالية سوف نوضح مفهوم القوامة، وضوابطها، لتعرف المرأة قيمتها في ظل شريعة الإسلام..

إن القوامة تعني أن رب الأسرة مسئول عن كل ما يوفر سلامة الأبدان والأديان، يجنب الأسرة مصارع السوء، يجنب الأسرة طرق الانحراف، يعطي من نفسه القدوة المثلى في الوقوف عند حدود الله وتعظيم شعائر دينه، مع سعة صدر وحسن خلق، فهو كالراعي الذي يحمي الحمى، رب الأسرة مطالب بالتوازن بين مهام العمل والعبادة ورعاية الأسرة، ليعطي كل ذي حق حقه، حق الزوجة، حق الأولاد ورعاية الأسرة.

 

 

إن تحميل المرأة مسئولية نفقتها على نفسها، وتحميلها تأمين دخل لها، يشكل قيداً قاسياً، يأخذ من طاقتها وجهدها، ويأخذ من وقتها وعمرها،

كما أن حرمانها من الحماية يحرمها من الأمن، وحرمانها من الأمن ينشئ عليها قيوداً من الخوف والقلق وعدم الاستقرار.

 

إن قوامة الرجل على المرأة تُلزمه بأن يحمي المرأة من الخوف، ويحميها من الجوع، أي أن يحمي لها حريتها الحقيقية من قيدي الخوف والجوع، ليوفر لها حياة تمارس فيها رسالتها التي خلقت لها، والتي فطرت عليها.

 

تقول الروائية الإنجليزية الشهيرة "أجاثا كريستي": "إن المرأة مغفلة، لأن مركزها في المجتمع يزداد سوءًا يوماً بعد يوم؛ لأننا بذلنا الجهد الكبير للحصول على حق العمل والمساواة مع الرجل.

ومن المحزن أننا أثبتنا –نحن النساء- أننا الجنس اللطيف الضعيف، ثم نعود لنتساوى اليوم في الجهد والعرق اللذين كانا من نصيب الرجل وحده ".

 

 

ولقد فطنت المحامية الفرنسية "كريستين" إلى هذه الحقيقة حين زارت الشرق المسلم، فكتبت تقول: "سبعة أسابيع قضيتها في زيارة كل من بيروت ودمشق وعمان وبغداد، وها أنا أعود إلى باريس.. فماذا وجدت؟ وجدت رجلاً يذهب إلى عمله في الصباح.. يتعب.. يشقى.. يعمل.. حتى إذا كان المساء عاد إلى زوجته ومعه خبز، ومع الخبز حب وعطف ورعاية لها ولصغارها.

الأنثى في تلك البلاد لا عمل لها إلا تربية الجيل، والعناية بالرجل الذي تحب، في الشرق تنام المرأة وتحلم وتحقق ما تريد، فالرجل وفر لها خبزاً وراحة ورفاهية،

 

وفي بلادنا، حيث ناضلت المرأة من أجل المساواة، فماذا حققت؟!!

المرأة في أوربا سلعة، فالرجل يقول لها: انهضي لكسب خبزك فأنت قد طلبت المساواة.

ومع الكد والتعب لكسب الخبز تنسى المرأة أنوثتها، وينسى الرجل شريكته، وتبقى الحياة بلا معنى".

 

 

كذلك من الأفكار التي رفعوا لواءها دعاة المساواة بين الرجل و المرأة 'نظرة النوع' [جندر] ومفادها أن الرجل ليس رجلاً لأن الله خلقه كذلك، ولا المرأة امرأة لأن الله خلقها هكذا، وأن الحالة التي تبدو لنا طبيعية ليست كذلك، وأن الصفات المميزة لكل نوع.. وحتى الصفات النفسية أيضًا ليست كذلك، وعليه فإن العلاقة القائمة بين الرجل والمرأة في الحياة الزوجية مرفوضة، لأنها تجعل من المرأة الجانب المظلوم.

 

 

خامساً/ أين الخلل؟؟

حدوث خللٍ في أساليب التنشئة الاجتماعية والأسرية باعتبارها المصدر الرئيس لتنشئة الأبناء لها تأثير كبير عليهم،

بحيث يمكن القول بأن الأسرة لها الدور الأكبر في غياب الإحساس لدى الأبناء بقيمة الأسرة؛ وذلك من خلال أسلوب التنشئة السيئ، وعدم تعويد الأبناء على تحمُّل المسئولية منذ مرحلتي الطفولة المبكرة والطفولة المتأخرة؛ فارتباط الطفل بأمه وذهابه معها أينما حلت ورحلت، لهو بحق أكثر تدمير لشخصيته..

 

إننا - نحتاج لآباء يصحبون أبناءهم، يذهبون بهم إلى المسجد، ومجالس الرجال، أو على الأقل يتحدثون معهم..

- نحتاج إلى تربية الطفل منذ صغره على تحمل المسئولية، حتى لا يخرج علينا جيلاً من أشباه الرجال لا هَمَّ لهم إلا مباريات الكرة والأغاني الهابطة والجري وراء الملذات.

- نريد شباباً يتحمل الأمانة، والأمانة كما يصفها الأمام الغزالي رحمه الله فيقول: (فالأمانة في نظر الشارع واسعة الدلالة، وهي ترمز إلى معان شتى، مناطها جميعًا شعور المرء بتبعته في كل أمر يوكل إليه، وإدراكه الجازم بأنه مسئول عنه أمام ربه) خلق المسلم، محمد الغزالي، ص(45).

 

 

كذلك المجتمع الذي نعيش فيه قد تغيرت قيمه عن ذي قبل، فالمرأة نفسها لم تعد توفر لزوجها الجو الأسري الملائم الذي يجعله يحافظ على بناء الأسرة وتماسكها،

فالمرأة أصبحت متسلطةً بحيث يمكن القول بأن المرأة تُنافس الرجل على السلطة والمطالبة بالمساواة في الواجبات والمهام التي يقوم بها الزوجان يجعل الزوج سلبيًّا، حيث يقرر الانسحاب والتخلي عن تحمُّل أعباء الأسرة تاركًا المسئولية بالكامل للزوجة.

 

وهروب الزوج هنا يعود لأسبابٍ عديدةٍ، منها شعور الزوج بالضعف والهوان أمام الزوجة، إلى جانب استسهال مثل هذا النوع من المعيشة والتخلي عن المسئولية، وكرد فعل طبيعي لمطالبة المرأة بالمساواة ومنافسة الرجل على السلطة، وهو الأمر الذي يرفضه الرجل، بل ترفضه الشريعة الإسلامية.

 

ولعل الصيحات في هذه الأيام من بعض من يمثلن الجمعيات النسوية ذات الطابع العلماني أو الشيوعي للمناداة بحقوق المرأة والتشكيك بالتشريعات الإسلامية الخاصة بالمرأة، باعتبارها تمثل ظلماً بحقها، وبالطبع فإن هذه الأصوات ما هي إلا صدى للثقافة الغربية التي دخلت من هذا الباب وتوجيهه نحو الحقل السياسي من أجل تغيير المجتمع الإسلامي.

 

 

ابنتي الحبيبة، ذكرنا الداء وأسبابه، فما هو العلاج؟؟ العلاج بمنتهى البساطة في الشريعة الإسلامية التي جاءت بكل ما فيه سعادة الإنسان، وكل ما جاء من نظم وتشريعات في هذه الشريعة مليء بالخير والفلاح لبني البشر أجمعين، وما سعد البشر إلا في ظل تطبيق الشريعة، ومن بين التشريعات تشريعات خاصة بالأسرة، وتنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة والذي من شأنه سعادة تلك الأسرة وحمايتها واستقرارها.

 

وكلما ازدادت النساء المسترجلات، ازدادَ كذلك الرجال المؤنّثون! وهو الرجل الذي لا يتحمل المسئولية، لا يستطيع ولا يرضى بها.

 

والرجلُ الذي يُؤمنُ بالمساواةِ بينَه وبين المرأة هو رجل ضعيف الشخصية، متنصّل من مسئوليّاتِه، فالرجل السوي يدركُ تماماً أنَّ هناكَ فروقاً جوهريّةً بينَه وبينَ المرأة، تضع على عاتقِه أعباءً ثقيلةً ومسئوليات كبيرة تجاهَها.

 

المضحك الآن -وشر البلية ما يضحك- أن بعض البلدان العربية غالى في الأمر، وأصبحت قضية المساواة بين الرجل والمرأة عندهم قضية مصيرية يتربى عليها الأطفال،

فأحد بنود المعونة الأمريكية لأحد البلدان العربية تمويل بث نسخة عربية من برنامج الأطفال الأمريكي (شارع السمسم) لتربية الأطفال على أنه لا فرق بين الولد والبنت، وأن (البنت مثل الولد).

 

فهل بعد ذلك –يا ابنتي الفاضلة- يمكن للرجل أن يتحمل المسئولية، ويكون قوَّاماً في أسرته؟؟!!!

سأترك لك الإجابة، وأحب أن نكون على تواصل تام... مع خالص تمنياتي لك بحياة زوجية إسلامية تتحقق فيها القوامة للزوج والسعادة والرحمة والمودة...

 

 

تم تعديل بواسطة زُلفى
  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

نقل رائع وهادف ويحتاج إلى وقفة تأمل

بارك الله فيك ِ يا حبيبة وجزاك خيرًا ()

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وبارك الله في تواجدكِ الطيب أختي الحبيبة.

 

فعلًا يحتاج إلى وقفة تأمل.

جزاكِ الله بالمثل أختي الحبيبة.

 

@ام بشار وعبد

وفيكِ بارك الله أختي الحبيبة.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×