اذهبي الى المحتوى
أمّ عبد الله

تأملات في حديث قاتل المائة نفس

المشاركات التي تم ترشيحها

تأملات في حديث قاتل المائة نفس

 

ناصر محمد أبو سعد

عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدْرِي - رضي الله عنه - أنَّ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كان فيمن كان قبلكم رجل قَتَلَ تِسْعةً وتِسْعين نفسًا، فسأَل عن أَعلمِ أهلِ الأرضِ فدُلَّ على راهِبٍ، فأتاه، فقال: إنه قَتَل تِسعةً وتسعِينَ نَفْسًا، فَهلْ له مِنْ توْبَةٍ؟ فقال: لا، فقتلَهُ فكمَّلَ بِهِ مائةً، ثمَّ سأل عن أعلم أهلِ الأرضِ، فدُلَّ على رجلٍ عالمٍ، فقال: إنه قتل مائةَ نفسٍ، فهل له من تَوْبة؟ فقالَ: نعم، ومنْ يحُول بيْنه وبيْنَ التوْبة؟ انْطَلِقْ إِلَى أرض كذا وكذا؛ فإن بها أُناسًا يعْبدون الله تعالى فاعْبُدِ الله معهم، ولا ترجعْ إِلى أَرْضِكَ؛ فإِنها أرضُ سُوءٍ، فانطَلَق حتَّى إِذا نَصَف الطَّريقُ، أَتَاهُ الموتُ فاختَصمتْ فيه مَلائكة الرَّحْمة وملائكةُ العَذابِ، فقالتْ ملائكةُ الرَّحْمة: جاء تائِبًا مُقْبلاً بِقلبه إلى اللَّه تعالى، وقالَتْ ملائكة العذاب: إنه لمْ يَعْمل خيرًا قطُّ، فأَتَاهُمْ مَلكٌ في صورة آدمي، فجعلوه بينهم؛ أَي: حَكمًا، فقال: قيسوا ما بينَ الأَرْضَينِ، فإِلَى أَيَّتِهما كَان أَدْنى فهْو لَهُ، فقاسُوا فوَجَدُوه أَدْنى إِلَى الأرض التي أَرَادَ فَقبَضَتْهُ مَلائكَةُ الرحمة))؛ متفقٌ عليه.

 

وفي روايةٍ في الصحيح: ((فكان إلى القرية الصَّالحَةِ أقربَ بِشِبْرٍ، فجُعِل مِنْ أَهْلِها)) وفي رِواية في الصحيح: ((فأَوْحَى اللَّهُ تعالَى إلى هذه أن تباعَدِي، وإلى هذه أَن تَقرَّبِي، وقَال: قِيسُوا مَا بيْنهمَا، فَوَجدُوه إِلَى هَذِهِ أقربَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ له))، وفي روايةٍ: ((فنأَى بِصَدْرِهِ نحوها)).

 

في النفس حاجة كحاجة الجسد للطعام والشراب والكساء والهواء، إن لم تُسَدَّ هذه الحاجة تَظَلَّ النفس في تيهٍ وعذاب وشتات، هذه الحاجة هي العبودية لله، الذى خلق هذه النفس.

 

كلما قَرُبت هذه النفس من خالقها، كانت هادئة مطمئنة، وإن كانت تعاني وتكِدُّ وتكدح، وكلما بعدت عن بارئها، كانت في ضنك وضيق، وإن كانت تنعم بأعظم النعم الدنيوية.

 

انظر إلى قاتل المائة نفس، قتل تسعة وتسعين نفسًا، كانت عائقًا أمامه عن دنيا يصيبها، ثم أتمهم مائة بمن كان عائقًا أمامه عن التوبة، عن الطريق إلى الله.

 

لقد تاه وضل، إنه يبحث عن الطريق، أو مَنْ يَدُلُّه على الطريق، لقد أراد أن يُغَيِّر حياته، وسعى إلى ذلك بِجِد، حتى عثر على من يدلُّه على الطريق، وسلك الطريق إلى الله.

 

سقط قبل أن يصل، لكنه سلك الدرب عازمًا على المضي حتى نهايته.

 

انظر إلى النفس البشرية في أحلك صورها، لا تعدم الخير كليًّا، هناك بصيص من نور في الأعماق، فقط يريد أن تُزَالَ عنه الحُجُبُ، هناك عقل، فقط يريد أن يُخلَّى بينه وبين النفس بلا عوائِقَ أو حُجُب، فتظهر له الحقائق.

 

لحظات قصيرة من القرب من الله والاتجاه إليه، رجحت بحياة طويلة عريضة في التيه والضلال، وكأني أمام حديث: ((يؤتى بأبأس أهل الأرض في الدنيا من أهل الجنة، فَيُغْمَس في الجنة غمسة واحدة، فيقال له: هل رأيْتَ بؤسًا قط، هل ذقْتَ بؤسًا قَطُّ؟ فيقول: لا، والله، ما ذقْتُ بؤسًا قط)).

 

غمسة واحدة في الجنة أنْسَتْه كل ما مر به من بؤس وعذاب، كذلك غمسة واحدة في واحة الإيمان تُطَهِّر العبد من كل ما عَلِق به من ذنوب وآثام.

 

غمسة واحدة في نهر العبودية لله تُذهِب كلَّ الأدران، سبحان ربي العظيم!

 

كم هي واسعة رحمةُ رب العالمين!

 

انظر إلى هذا العبد، إنه لم يَغْتَب مائة نفس، بل قتل مائة نفس، وإنه عمل شنيع، ومن أكبر الكبائر، ولكنه لم يُخْرِجْه من رحمة أرحم الراحمين.

 

وَلْنتأمَّلِ الكلماتِ في الحديث "فسأل - فَدُلَّ - فقتله - فانطلق - فنأى" كلها توحي بالسرعة والعَجَلة، هو قَلِقٌ حائر، يريد أن يهدأ ويرتاح، ولا راحة إلا بالعبودية لله، ولا راحة إلا في طاعة الله.

 

ونتأمل أمرًا آخر في غاية الأهمية، إنه رغم العجلة والسرعة فإنه مات في منتصف الطريق، فماذا لو لم يعجل؟ ماذا لو تراخى وأجَّلَ؟ ربما أدركه الموت قبل أن يتوب، فتنقلب النهاية.

 

ويستفيد الداعية من هذا الحديث الجليل:

 

• التحصُّن بالعلم: ((من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سَلَك به طريقًا من طرق الجنة)).

 

• أن يكون بصيرًا بالواقع: كما كان العالِمُ بصيرًا بواقعه، عالِمًا بحال أهل هذه القرية.

 

• أن يترفق بالناس: ويكون مفتاحًا للخير، مِغلاقًا للشر، وأن يبث الأمل في النفوس.

 

• ألا يَيْئس من الناس ويَمَل: بل يحاول الدعوة مراتٍ ومراتٍ، حتى تنفتح مغاليق القلوب، فالنفس لا تعدم الخير كليًّا، فقط تحتاج المفتاح المناسب إن أراد الله لها الهداية.

 

• ألا ينعزل الداعية عن الناس: "لَأَنْ تُخالطَ الناس، وتصبر على أذاهم خيرٌ من ألاَّ تخالِطَهم، وألا تَصْبِرَ على أذاهم".

 

 

وعلى من تلبَّس بشيء من الذنوب:

• ألا يَيْئَس من رحمة الله التي وسعت كل شيء.

 

• أن يبادر بالتوبة، ويسرع إلى ذلك قدْرَ وُسْعِه وطاقته، ولا يُسَوِّف ولا يُؤَجِّل "سارعوا، سابقوا".

 

• أن يبتعد عن كل رذيلة، فينأى بعقله عن الأفكار المُعْوَجَّة، وينأى بقلبه عن الشبهات المبثوثة، وينأى بجوارحه عن الشهوات المحرمة.

 

• ألا ينخدع في الناس، ويستفرغ وسعه في التعلم من أهل العلم الْمُحَقِّقين.

 

• أن يُتْبِعَ السيئة الحسنة تمحوها؛ إن الحسنات يُذهِبْنَ السيئات.

 

• البعد عن أهل الضلال والزَّيغ والبدع والأهواء، ومصاحَبة أهل العلم والفضل.

 

وحال المؤمن لا ينفكُّ أبدًا عن منزلة التوبة، فهي مصاحِبة له دائمًا، ويطلبها في هفواته، في تقصيره، في غفلته، حتى في طاعته.

 

وبالتوبة ينتقل العبد من حال إلى حال، من الذنب إلى الطاعة، ومن الجهل إلى العلم، ومن الكسل إلى النشاط، ومن العجز إلى الهِمَّة، ومن الغفلة إلى اليقظة، ومن الجزع إلى اليقين، ومن التفكير الأعوج، إلى التفكير المستقيم.

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

شرح قيم

رزقنا الله و اياكم نفوسا هادئة مطمئنة

و توبة ما بعدها ذنب باذن الله

بارك الله فيك ام عبد الله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أثابكِ الله يا حبيبة

حديث قيم وشرح متقن

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

اللهم بارك .. جزاكِ الله خيرًا يا غالية

جعله الله بميزان حسناتكِ

جميلة جدًا وكذلك الفوائد نسأل الله أن يطهر قلوبنا.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

طرح مبارك !

شرح متقن وفوائد قيمة

أثابك الله الجنة يا غالية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزانا وإياكنّ أخواتي الحبيبات

شكر الله لكنّ مروركنّ الطيب .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

جزاكِ الله خيرا حبيبتي ام عبد الله

شرح رائع و فوائد قيمة

جعله الله بميزان حسناتك

اسأل الله ان ينفعنا بما علَّمنا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

جزيت خيرا أختي الحبيبة

موضوع نافع وهادف،

جزى الله عنا صاحبه خيرا

وينقل إلى ساحته الأنسب بإذن الله تعالى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله

 

جزاك الله خيرا

نقل مميز اللهم بارك

نسأل الله أن يغفر لنا ويرزقنا توبة نصوح

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×