اذهبي الى المحتوى
*إشراقة فجر*

شرح حديث: (لا أحد أغيَر من اللهِ عزّ وجل..)

المشاركات التي تم ترشيحها

بسم الله الرحمن الرحيم

السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

..

 

عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا أحد أغيَر من الله عز وجل، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه المدح من الله، من أجل ذلك مدح نفسه، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين) رواه البخاري ومسلم.

 

.. شرح الحديث ..

 

(لا أحد أغير من الله عز وجل) أفعل التفضيل من الغَيرة، وهي الأنفة والحمية في حق المخلوق، وفي حق الخالق تحريمه ومنعه أن يأتي المؤمن ما حرمه عليه، والمعنى أن الله تعالى شديد الغيرة على عباده، لا أحد أشد منه غيرة عليهم، وغيرة الله عز وجل على العباد معناها أنه لا يرضى أن يمسهم أحد بسوء، ولا أن يلحق بهم أي ضرر أو عدوان أو يصيب أحداً منهم بأذى في دينه أو نفسه أو عرضه أو عقله، فحرّم الزنا غيرة على أعراض الناس وأنسابهم، وحرّم السرقة والغصب والربا غيرة على أموال الناس أن يُعتدى عليها، وحرّم شرب الخمر غيرة على عقول الناس ومحافظة على سلامتها، وجميع ما حرمه الله من الفواحش إنما حرمه غيرة على حقوق عباده وحماية لها، (من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن) أي أنه عز وجل إنما حرم الفواحش غيرة على عباده، وحفظاً لمصالحهم.

 

(ولا أحد أحب إليه المدح من الله) أي لا أحد أشد حباً للمدح والثناء الصادق الصحيح من الله تعالى، فإنه عزّ وجل يحبُّ الثناء والشكر من عباده بالطاعة والعبادة والذكر، ويكافؤهم عليه بزيادة النعمة، كما قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} (إبراهيم: 7)، (من أجل ذلك مدح نفسه) أي ومن أجل ذلك أثنى على نفسه بنفسه ليعلّم عباده كيفية الثناء عليه، فقال عز وجل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الفاتحة: 1).

 

(ولا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين)، أي لو لم يكن الإعذار وبلوغ الحجة وقيامها على العباد محبباً إلى الله عز وجل، لما أرسل الرسل وأنزل الكتب، فإن الله عز وجل بإنزاله الكتب وإرساله الرسل قد أقام الحجة على جميع العباد؛ لأن الله تعالى يقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء: 15)، والله تعالى غني عن عذاب عباده، ولذلك لا يعذبهم إلا بعد قيام الحجة عليهم، وأخذ العذر عنهم ولهم، وهو كقوله تعالى: {لِئَلّا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى الله حُجّةٌ بَعْدَ الرُّسُل} (النساء: 165).

 

ويحتمل أن يكون المراد اعتذار العباد إليه من تقصيرهم وتوبتهم من معاصيهم فيغفر الله لهم، كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} (الشورى: 25).

 

.. قصة الحديث ..

 

أخرج البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال سعد بن عبادة رضي الله عنه: "لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح"، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أتعجبون من غيرة سعد، فوالله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شخص أغير من الله، ولا شخص أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث الله مبشرين ومنذرين، ولا شخص أحب إليه المدحة من الله، من أجل ذلك وعد الله الجنة).

 

وأما تناسب أول الحديث مع آخره، فقد حكى القرطبي عن بعض أهل المعاني قال: "إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا أحد أحب إليه العذر من الله) عقب قوله (لا أحد أغير من الله) منبّها لسعد بن عبادة على أن الصواب خلاف ما ذهب إليه، ورادعا له عن الإقدام على قتل من يجده مع امرأته، فكأنه قال: إذا كان الله مع كونه أشد غيرة منك يحب الإعذار ولا يؤاخذ إلا بعد الحجة، فكيف تقدم أنت على القتل في تلك الحالة".

 

.. من فوائد الحديث ..

 

- إثبات صفة الغيرة لله تعالى: أثبت الله تعالى لنفسه غَيرة، كما أثبت لعبده المؤمن غَيرة، لكن شتان بين غيرة الله تعالى وبين غيرة عباده المؤمنين.

 

- الحكمة في تحريم الله للفواحش غيرته على عباده: دل هذا الحديث على أن الله تعالى يغار على عباده تظهر آثار هذه الغيرة في تحريم الفواحش كالزنا والقذف والسرقة وغيرها، فإن الله إنما حرّمها لما فيها من التعدي على حقوق الناس، والله غيور على عباده.

 

- المقابلة بين المدح والغيرة في الحديث: تأمل المقابلة بين المدح والغيرة في الحديث، فالله تعالى أحب المدح، والمدح هو الطاعات والثناء على الله عز وجل، وفي المقابل غيرة الله عز وجل التي بسببها حرم الفواحش، مما يُشعر بأن المدح هو الطاعات في مقابلة الفواحش، فيكون في مقابلة غيرة، وطاعة في مقابلة فواحش، والله تعالى يحب المدح ولذلك مدح نفسه، وطالب العباد بأن يمدحوه بالطاعات والقربات، والله تعالى أشد غيرة من عباده، فلا أحد أغير من الله عز وجل، ولذلك حرم الفواحش والمعاصي بأنواعها الظاهرة والباطنة، فهناك معاص باطنة لا يراها أحد، ولا يعلم بها إلا الله عز وجل وصاحبها الذي تخلق بها، أو يعلم ذلك غيره بقرائن الحال أو المقال، ومنها: المعاصي القلبية كالغل والبغض والحسد والضغينة والشحناء، كل هذه أمراض قلبية باطنية، فالله تعالى يطلع عليها ويكرهها من عبده، ولذلك حرم الله تعالى الفواحش والمعاصي ما ظهر منها للعيان وما لم يظهر.

 

- محبة الله للعبد وقبوله لعذره: قوله (ولا أحد أحب إليه العذر من الله) يؤكده ما ذُكر فى قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِى يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} (الشورى: 25)، فالعذر في هذا الحديث: التوبة والإنابة، ولذلك أخرجه الإمام مسلم في كتاب التوبة.

 

.....

 

إسلام ويب ()*

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

 

جزاكِ الله خيرًا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

جزاكِ الله خيراً على الإفادة الطيبة : )

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

جزاكِ الله خيرًا وبارك فيكِ

نقل طيب وشرح وافٍ~

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

  • محتوي مشابه

    • بواسطة سدرة المُنتهى 87
      اللؤلؤ والمرجان في فقه حديث (ما ذئبان جائعان)


       

      أبو حميد عبد الملك بن ظافر الماجوني الكوسوفي


       

      بسم الله الرحمن الرحيم


       

      قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم:



      ((ما ذئبان جائعان أُرسِلا في غنَمٍ، بأفسَدَ لها من حِرص المرء على المالِ والشرف لدينه)).


       
       

      تخريج الحديث:



      أخرَجه الترمذي (2376)، واللفظ له، والبيهقي في "شُعَب الإيمان" (7/ 267)، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه رضي الله عنه مرفوعًا.


       

      درجة الحديث:



      صحيح، ولا يضرُّ عدمُ تعيين ابن كعب بن مالك، وسواء كان هو عبد الرحمن، أو عبد الله، فكلٌّ منهما ثِقَةٌ، وقد صحَّح الحديثَ الإمامُ الترمذي، وقال: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيح"، وقد وافَقه على ذلك مجموعةٌ من الأئمَّة؛ مثل: النووي في "رياض الصالحين"، وشيخ الإسلام ابن تيميَّة في "الفتاوى"، والبغوي في "شرح السُّنة"، والمُنذري في "الترغيب"، ومن المعاصرين: الشيخ الألباني في غير واحدٍ من كُتبه.


       
       
       

      غريب الحديث:



      الحِرْص: الرغبة الشديدة في الشيء، والشَّرَه إليه.



      الشَّرَف: المكانة العالية، والجاه والهَيْبة.


       
       
       

      شرح الحديث مختصرًا:



      ومعنى الحديث: ليس ذئبان جائعان أُرْسِلا في جماعةٍ من جنس الغنم، بأشدَّ إفسادًا لتلك الغَنم من حِرْص المرء على المال والجاه - بطُرق غير مشروعة - فإنَّ إفسادَه لدين المرء أشدُّ من إفساد الذئبين الجائعين لجماعةٍ من الغَنم إذا أُرْسِلا فيها.


       

      أمَّا المال، فإفسادُه أنه نوعٌ من القدرة، يُحَرِّك داعية الشهوات، ويَجرُّ إلى التنعُّم في المباحات، فيصير التنعُّم مألوفًا، ورُبَّما يَشتدُّ أُنسه بالمال، ويَعجِز عن كَسْب الحلال، فيَقتحم في الشُّبهات مع أنها مُلْهِية عن ذِكر الله تعالى، وهذه لا يَنْفَكُّ عنها أحدٌ.


       

      وأمَّا الجاه، فيكفي به إفسادًا أنَّ المال يُبذل للجاه، ولا يُبذل الجاه للمال، وهو الشِّرك الخَفِي، فيخوض في المُراءاة والمُداهنة، والنفاق وسائر الأخلاق الذميمة، فهو أفسدُ وأفسد (تحفة الأحوذي).


       
       

      فقه الحديث وفوائده:


       

      1- في الحديث حثٌّ على التزهُّد من هذين الشيئين.


       

      2- قال ابن تيميَّة: "أقسامُ الناس في طلب الجاه والمال -في هذا الحديث- أربعة:


       

      القسم الأول: يريدون العُلوَّ على الناس والفساد في الأرض بمعصية الله، وهؤلاء هم الملوك والرؤساء المفسدون؛ كفرعون وحِزبه، وهؤلاء هم شرُّ الخَلق؛ قال الله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:4].


       

      وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا يدخلُ الجنةَ مَن كان في قلبه مثقالُ ذرة من كِبرٍ، ولا يدخل النارَ مَن في قلبه ذرَّة من إيمان))، فقال رجلٌ: يا رسول الله، إني أحبُّ أن يكون ثوبي حسنًا ونَعلي حسنًا، أفمن الكبر ذاك؟ قال: ((لا؛ إنَّ الله جميل يحبُّ الجمال، الكِبر بَطَرُ الحقِّ وغَمْطُ الناس))، فبَطَر الحقِّ: دَفْعه وجَحْده، وغَمْطُ الناس: احتقارهم وازدراؤهم، وهذا حال مَن يريد العُلوَّ والفساد.


       
       

      والقسم الثاني: الذين يريدون الفساد بلا عُلوٍّ؛ كالسُّرَّاق المجرمين من سفلة الناس.


       
       

      والقسم الثالث: يريد العُلوَّ بلا فسادٍ، كالذين عندهم دينٌ يريدون أن يَعلوا به على غيرهم من الناس.


       

      والقسم الرابع: فهم أهل الجنة الذين لا يريدون عُلوًّا في الأرض ولا فسادًا، مع أنهم قد يكونون أعلى من غيرهم؛ كما قال الله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران: 139].


       
       

      فإذا كان المقصود بالسلطان والمال التقرُّب إلى الله، وإنفاق ذلك في سبيله - كان ذلك صلاح الدين والدنيا، وإن انفرَد السلطان عن الدين أو الدين عن السلطان- فسَدَت أحوال الناس، وإنما يَمتاز أهل طاعة الله عن أهل معصيته بالنيَّة والعمل الصالح.


       
       

      3- فيه دليل أنَّ طلبَ الجاه والمال - مما يُخالط النفوس من الشهوات الخفيَّة – يُفسد عليها تحقيقَ محبَّتها لله وعبوديَّتها له، وإخلاص دينها.


       
       

      4- الحديث يُبيِّن أنَّ الدِّين السليم لا يكون فيه هذا الحرص؛ وذلك أنَّ القلب إذا ذاقَ حلاوة عبوديَّته لله ومحبَّته له - لَم يكن شيءٌ أحبَّ إليه من ذلك؛ حتى يُقَدِّمه عليه، وبذلك يُصرَف عن أهل الإخلاص لله السوءُ والفحشاء.


       
       

      5- فيه دليل أنَّ الذي يُعاقَب الرجلُ عليه، الحبُّ الذي يَستلزم المعاصي، فإنه يَستلزم الظلم والكذب والفواحش، ولا ريبَ أنَّ الحرص على المال والرِّياسة يُوجِب هذا.


       
       

      6- فأمَّا مجرَّد الحب الذي في القلب - إذا كان الإنسان يَفعل ما أمرَه الله به، ويَترك ما نهى الله عنه، ويَخاف مقام ربِّه، ويَنهى النفس عن الهوى - فإنَّ الله لا يُعاقبه على مثل هذا، إذا لَم يكن معه عملٌ، وجَمْعُ المال - إذا قام بالواجبات فيه، ولَم يَكتسبه من الحرام - لا يُعاقَب عليه.


       
       

      7- فذَمَّ النبي صلى الله عليه وسلم الحرص على المال والشرف وهو الرياسة والسلطان، وأخبَر أنَّ ذلك يُفسد الدين مثل أو فوق إفساد الذئبين الجائعين لزَريبة الغنم،



      وهذا دليلٌ على أنَّ هذا الحرص إنما ذُمَّ؛ لأنه يُفسد الدين الذي هو الإيمان والعمل الصالح، فكان تَرْكُ هذا الحرص لصالح العمل.


       

      8- فيه أنَّ المقصود بذمِّ المال والجاه هو ذَمُّ الرِّياء، وحيث ذُمَّ الرياء، فهو ذَمُّ الجاه؛ إذ الرِّياء مقصوده اجْتِلاب القلوب، ومعنى الجاه: ملكُ القلوب، وإنما كَثُر هذا وقلَّ ذاك؛ لأن الناس أكثرهم جُهَّال بطريق الرقية لحَيَّة المال، وطريق الغوص في بحر الجاه، فوجَب تحذيرُهم، فإنهم يَهلكون باسم المال قبل الوصول إلى تِرْياقه، ويُهلكهم تمساحُ بحر الجاه قبل العثور على جواهره.


       
       

      9- وضَع الله الحرص في الآدمي، ثم زمَّه في المؤمنين بزمام التوحيد واليقين، وقطَع علائق الحرص بنور السُّبُحات، فمَن كان حظُّه من نور اليقين ونور السُّبُحات أوفرَ، كان وثاق حِرصه أوثقَ، والحرص محتاج إليه الآدمي، ولكن بقدرٍ معلوم، فإذا لَم يكن لحِرصه وثاقٌ، تعدَّى القدر الذي يحتاج إليه، فأفسَده.


       
       

      10- قال وهب بن مُنبِّه: من اتِّباع الهوى الرغبة في الدنيا، ومن الرغبة فيها حبُّ المال والشرف، ومن حب المال والشرف استحلال المحارم.


       
       

      11- هذا الحديث مَثَل عظيمٌ جدًّا ضرَبه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لفساد دين المسلم بالحرص على المال والشرف في الدنيا،



      وأنَّ فساد الدين بذلك ليس بدون فساد الغَنم بذئبين جائعين ضاريين، باتا في الغنم قد غاب عنها رِعاؤها ليلاً، فهما يأكلان في الغنم، ويَفترسان فيها، ومعلوم أنه لا ينجو من الغنم من إفساد الذئبين المذكورين -والحالة هذه- إلا قليلٌ،



      فأخبَر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ حِرص المرء على المال والشرف إفسادٌ لدينه، ليس بأقلَّ من إفساد الذئبين لهذه الغنم، بل إمَّا أن يكون مساويًا، وإمَّا أكثر.


       

      يشير إلى أنه لا يَسلم من دين المسلم مع حِرْصه على المال والشرف في الدنيا إلاَّ القليل،


       

      فهذا المثَلُ العظيم يتضمَّن غاية التحذير من شرِّ الحِرص على المال والشرف في الدنيا.


       
       

      12- قال ابن رجب: ولو لَم يكن في الحرص على المال إلاَّ تضييع العُمر الشريف الذي لا قيمة له، وقد يُمكن صاحبه فيه اكْتَساب الدرجات العُلى والنعيم المُقيم، فضيَّعه بالحِرص في طلب رزقٍ مضمون مقسوم، لا يأتي منه إلاَّ ما قُدِّر وقُسِّم، ثمَّ لا يَنتفع به، بل يَتركه لغيره، ويَرتحل عنه، فيبقى حسابه عليه، ونَفعه لغيره، فيَجمع لِمَن لا يَحمده، ويقدم على مَنْ لا يَعذِره - لكَفاه بذلك ذمًّا للحرص، فالحريص يُضيِّع زمانه الشريف، ويُخاطر بنفسه التي لا قيمة لها في الأسفار وركوب الأخطار؛ لجَمْع مالٍ يَنتفع به غيرُه.


       
       

      13- قال المناوي: مقصود الحديث:



      الحرص على المال والشرف أكثر فسادًا للدين من إفساد الذئبين للغنم؛ لاستدعاء ذلك العُلو والفساد في الأرض.


       
       

      14- الحديث نصٌّ قاطع في ذمِّ البخل والطمع، والترهيب من فتنة المال والجاه.


       

      15- غوائل المال وآفاته، تَنقسم إلى دينيَّة ودنيويَّة:


       

      أمَّا الدينية، فثلاث فئات:



      الأولى: أنه يَجرُّ إلى المعاصي غالبًا؛ لأنه مَن استشعَر القدرة على المعصية، انبعثَت داعيته إليها، والمال نوع من القدرة، يُحَرِّك داعيته إلى المعاصي، ومتى يَئِس الإنسان من المعصية، لَم تتحرَّك داعيته إليها.



      ومن العصمة ألاَّ تجد، فصاحب القدرة إن اقتَحم ما يَشتهي هَلَك، وإن صبَر، لَقِي شدَّةً في معاناة الصبر مع القدرة، وفتنة السرَّاء أعظم من فتنة الضرَّاء.


       

      الثانية: أنه يُحَرِّك إلى التنعُّم في المباحات؛ حتى تصير له عادةً وإلفًا، فلا يَصبر عنها، وربما لَم يَقدر على استدامتها إلاَّ بكَسْبٍ فيه شُبهة، فيَقتحم الشُّبهات، ويترقَّى إلى آفات من المُداهنة والنفاق؛ لأن من كَثُر ماله، خالَط الناس، وإذا خالَطهم لَم يَسلم من نفاقٍ وعداوةٍ، وحسدٍ وغِيبةٍ، وكلُّ ذلك من الحاجة إلى إصلاح المال.


       

      الثالثة: وهى التي لا يَنفكُّ عنها أحد، وهو أن يُلْهِيَه ماله عن ذِكر الله تعالى، وهذا هو الداء العُضال؛ فإن أصل العبادات ذِكرُ الله تعالى، والتفكير في جلاله وعَظَمته، وذلك يَستدعي قلبًا فارغًا، وصاحب الضَّيْعة يُمسي ويُصبح مُتفكِّرًا في خصومة الفلاَّحين، ومحاسبتهم وخيانتهم، ويتفكَّر في منازعة شركائه في الحدود والماء، وأعوان السلطان في الخَراج، والأُجَراء على التقصير في العمارة، ونحو ذلك، وصاحب التجارة يُمسي ويُصبح مُتفكِّرًا في خيانة شريكه، وتقصيره في العمل، وتَضْيعه المالَ، وكذا سائرُ أصناف المال، حتى صاحب المال المجموع المكنوز، يُفَكِّر في كيفيَّة حِفظه، وفي الخوف عليه، ومَن له قوتُ يومٍ بيوم، فهو في سلامة من جميع ذلك، وهذا سوى ما يُقاسيه أربابُ الأموال في الدنيا؛ من الخوف والحزن، والهمِّ والغَمِّ والتَّعب، فإذًا تِرياق المال أخْذُ القوت منه، وصَرْف الباقي إلى الخيرات، وما عدا ذلك سُموم وآفات(مختصر منهاج القاصدين).


       
       

      16- هذا الحديث أصلٌ عظيم من أصول التربية الإيمانية؛



      وذلك أنَّ المسلم لا يَستشرف ويَجعل همَّه المال والجاه والمنصب،



      وإنما يَعكف على القيام بما فرَض الله عليه، وإصلاح الأُمَّة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً،



      فعند ذلك يرفع الله مكانته، ويعزُّ جاهَه، ويَجعل له لسانَ صدق ومقعد صدقٍ في العالمين.


       
       

      هذا، وأسأل العظيم أن يَقِيَنا هاتين الصفتين الذميمتين، وأن يُثبِّتَنا على الإسلام والسُّنة، وأن يُمِيتَنا على ذلك.


       

      وصلى الله على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصَحْبه أجمعين



      والحمد لله ربِّ العالمين


       
       

      مختصرًا من
      الألوكـة~

    • بواسطة *إشراقة فجر*
      بسم الله الرحمن الرحيم
       
       
       
      السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
       
       
       
      ,،,،,
       
       
       
       
      شرح حديث: (ذاق طعم الإيمان..)
       
       
       
       
      الدليل على أن من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام ديناً
       
       
       
      وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً
       
       
       
      فهو مؤمن، وإن ارتكب المعاصي الكبائر
       
       
       
       
      عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ، مَنْ رَضِيَ بِالله رَبًّا، وَبِالإِسْلامَ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً». رواه مسلم.
       
       
       
       
      أولاً: ترجمة راوي الحديث:
       
       
       
      هو العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي عم رسول الله، يُكنَّى أبا الفضل، كان أكبر من رسول الله بسنتين، وأمه نتيلة بنت جَنَاب أول عربية كست البيت الحرير وسبب ذلك أن العباس ضاع وهو صغير فنذرت إن وجدته أن تكسو البيت فوجدته ففعلت، وكان العباس في الجاهلية رئيسا في قريش إليه السقاية في الجاهلية، وحضر بيعة العقبة مع الأنصار قبل أن يسلم، وكان ممن خرج مع المشركين إلى بدر مكرها، وأُسر مع من أسر في غزوة بدر وافتدى نفسه، ورجع إلى مكة فيقال إنه أسلم وكتم عن قومه ذلك وصار يكتب لرسول الله أخبار قريش، ثم هاجر إلى مكة قبل الفتح بقليل، وشهد الفتح وثبت مع النبي -صلى الله عليه وسلم-يوم حنين، وكان رسول الله يعظِّمه ويكرمه بعد إسلامه، وكان الصحابة يعرفون للعباس فضله، ويقدمونه ويشاورونه ويأخذون برأيه، توفي العباس في المدينة في شهر رجب أو رمضان سنة اثنتين وثلاثين وهو ابن ثمان وثمانين سنة، قبل قتل عثمان بسنتين، صلى عليه عثمان ودفن في البقيع - رضي الله عنه -وأرضاه. [انظر أسد الغابة 3 /164].
       
       
       
       
      ثانياً: تخريج الحديث:
       
       
       
      الحديث أخرجه مسلم، حديث (34) وانفرد به عن البخاري، وأخرجه الترمذي في "كتاب الإيمان" "باب من ذاق طعم الإيمان" حديث (2623).
       
       
       
       
      ثالثاً: من فوائد الحديث:
       
       
       
      الفائدة الأولى: الحديث دليل على أن للإيمان لذة يحس بها المؤمن ويذوقها، فيا سعادة من نال منها بحظ وافر نسأل الله من فضله.
       
       
       
      الفائدة الثانية: الحديث دليل على أن طعم الإيمان يذوقه من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ رسولاً، والمقصود بالرضا القناعة بالشيء والاكتفاء به فلم يطلب معه غيره، فهو لم يطلب غير الله تعالى ولم يسع في غير طريق الإسلام، ولم يسلك إلا ما يوافق شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- بأن يجاهد نفسه في هذه المطالب، ولا شك من كانت هذه حاله سيجد للإيمان لذة وحلاوة فهذا هو معنى الرضا الحقيقي الذي يجد معه المرء حلاوة الإيمان.
       
       
       
       
      وما أجمل ما ذكره القرطبي من أن الرضا على قسمين:
       
       
       
      الأول: رضا عام وهو ألا يتخذ غير الله ربا، ولا غير الإسلام دينا، ولا غير محمد -صلى الله عليه وسلم-رسولا، وهذا الرضا لا يخلو منه مسلم بل لا يصح إسلام إلا به فكل المسلمين يشتركون فيه.
       
       
       
      والثاني: الرضا الخاص وهو ما تقدم بيانه بالرضا بالله أن يكتفي به ولم يطلب معه غيره فيرضى به مدبراً ويرضى عنه فيما قضى وما شرع، ولا يسعى في غير طريق الإسلام جاهدا في سلوك هذا الطريق المستقيم، وكذلك يسلك ما يوافق شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- في شؤون حياته، ومن كانت هذه حاله فاز بالإيمان العظيم الذي يخالط بشاشة قلبه. [انظر: المفهم بتصرف كتاب الإيمان، حديث (27)].
       
       
       
       
      مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الإيمان)
       
       
       
       
      المصدر: شبكة الألوكة ()*
       
       
    • بواسطة امة من اماء الله
      بسم الله الرحمن الرحيم


       
       
       
       
       

      حديث: (لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله عزَّ وجلّ...)


       
       
       

      عن عبد الله بن بُسر قال: "أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ، فقال: يا رسول الله! إنَّ شرائعَ الإسلام قد كثُرت علينا، فبابٌ نتمسَّك به جامع؟ قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله عزَّ وجلَّ" خرَّجه الإمام أحمد بهذا اللفظ، وخرَّجه الترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه بمعناه، وقال الترمذي: "حسن غريب".



      1 - سؤال هذا الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم مثال من الأمثلة الكثيرة في سؤال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمور الدِّين، وكلُّ ذلك دالٌّ على فضلهم ونبلهم وسبقهم إلى كلِّ خير وحرصهم على كلِّ خير، والمراد بالشرائع التي كثرت النوافل، وقد أراد هذا الصحابيُّ معرفةَ طريق من طرق الخير يخصُّها بمزيد اعتناء لتحصيل ثواب الله عزَّ وجلَّ، وأمَّا الفرائض فإنَّها مطلوبة كلُّها، ويجب على المسلم التمسُّكُ بها جميعاً، وقد أجابه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بالمداومة على ذكر الله، وألاَّ يزال لسانُه رطباً من ذكره، والذِّكرُ يكون عامًّا وخاصًّا، والذِّكرُ العام يدخل فيه الصلوات وقراءة القرآن وتعلُّم العلم وتعليمه وحمد الله والثناء عليه وتنزيهه وتقديسه عن كلِّ ما لا يليق به، والذِّكرُ الخاص حمد الله والثناء عليه وتسبيحه وتهليله وتكبيره وتحميده، وهو الذي يُقرن بالدعاء، فيُقال: الذِّكر والدعاء، أو الأدعية والأذكار، وهذا العمل سهلٌ على الإنسان، عظيم الأجر عند الله، وثبت في الصحيحين وهو آخر حديث في صحيح البخاري قوله صلى الله عليه وسلم: ( كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان وبحمده، سبحان الله العظيم)



      2 - مِمَّا يُستفاد من الحديث:



      1 - حرص الصحابة رضي الله عنهم على الأسئلة عن أمور دينهم.



      2 - فضل ذكر الله عزَّ وجلَّ والمدوامة عليه.



      آخر الشرح، والحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.


       

      نقلا عن:
      شبكة السنة النبوية وعلومها

    • بواسطة سدرة المُنتهى 87
      بسم الله الرحمن الرحيم


       

      عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كُنَّا إِذَا حَضَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعَ يَدَهُ وَإِنَّا حَضَرْنَا مَعَهُ مَرَّةً طَعَامًا فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا تُدْفَعُ فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَهَا فِي الطَّعَامِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهَا، ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ كَأَنَّمَا يُدْفَعُ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:


       

      "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا فَجَاءَ بِهَذَا الْأَعْرَابِيِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ يَدِهَا"



      (أخرجه مسلم).


       

      معاني المفردات:


       

      - جَارِيَةٌ: الفتاة والبنت الصغيرة.



      - تُدْفَعُ: يعني مسرعة.



      - يَسْتَحِلُّ: يعني يَتَمَكَّنُ مِنْ أَكْلِهِ.


       

      شرح الحديث:


       

      يحكي حذيفة رضي الله عنه موقفًا حدث عند النبي صلى الله عليه وسلم حيث كانوا يجلسون لتناول الطعام ولم يبدؤوا بعد وكانوا ينتظرون أن يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم أولا.. ثم جاءت فتاة صغيرة تجري مندفعة نحو الطعام ومدت يدها إليه، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم وأبعد يدها، ثم جاء بعدها أعرابي من البادية وأراد هو الآخر أن يمد يده نحو الطعام؛ فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيده وأبعدها، ثم شرح لأصحابه رضي الله عنهم أن الشيطان يأكل من الطعام الذي لم يُذكر اسم الله عليه وأن هذه الجارية الصغيرة وهذا الأعرابي أتيا ومدا أيديهما نحو الطعام دون أن يسميا أو يذكرا الله تعالى ولذلك منعهما وأخذ بأيديهما حتى لا يصل الشيطان إلى الطعام.


       

      *~ قوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ" مَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَتَمَكَّن مِنْ أَكْل الطَّعَام إِذَا شَرَعَ فِيهِ إِنْسَان بِغَيْرِ ذِكْر اللَّه تَعَالَى . وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَشْرَع فِيهِ أَحَد فَلَا يَتَمَكَّن (النووي)، وقال القاضي عياض: "ويحتمل أن يكون استحلاله له استحسانه له لرفع البركة منه إذا لم يسمّ عليه الله". ا.هـ.


       

      *~ قوله عليه الصلاة والسلام: "وَإِنَّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا فَجَاءَ بِهَذَا الْأَعْرَابِيِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ": أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الأعرابي وهذه الجارية: جاء بهما الشيطان لأجل أن يستحل الطعام بهما ، إذا أكلا بدون تسمية، وهما قد يكونان معذورين لجهلهما: هذه لصغرها، وهذا أعرابي، لكن الشيطان أتى بهما من أجل أنهما إذا أكلا بدون تسمية، شارك في الطعام (شرح رياض الصالحين- ابن عثيمين).


       

      *~ وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ يَده فِي يَدِي مَعَ يَدهَا": قال النووي: "هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم الْأُصُول (يَدهَا) وَفِي بَعْضهَا (يَدهمَا) فَهَذَا ظَاهِر ، وَالتَّثْنِيَة تَعُود إِلَى الْجَارِيَة وَالْأَعْرَابِيّ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ يَدِي فِي يَد الشَّيْطَان مَعَ يَد الْجَارِيَة وَالْأَعْرَابِيّ . وَأَمَّا عَلَى رِوَايَة (يَدهَا) بِالْإِفْرَادِ فَيَعُود الضَّمِير عَلَى الْجَارِيَة. ا.هـ. والمعنى: أن يد الشيطان كانت مع يد الجارية والأعرابي فلما أمسك النبي صلى الله عليه وسلم يديهما أمسك يد الشيطان أيضًا.


       

      ما يُستفاد من الحديث:


       

      - من الأدب أن "يَبْدَأ الْكَبِير وَالْفَاضِل فِي غَسْل الْيَد لِلطَّعَامِ وَفِي الْأَكْل" (النووي)، وهذا هو فعل الصحابة رضي الله عنهم أنهم لا يأكلون حتى يأكل النبي صلى الله عليه وسلم أولًا.



      قال القاضي عياض في شرحه: "استحبوا أن يكون هو البادئ للحاضرين بالغسل والأكل لتنشيطهم بذلك، وبعكسه فى رفع اليد وغسلها عند انتهاء الطعام؛ لئلا يظهر منه بالبداية حرصه على رفع أيديهم".


       
       

      - التسمية وذكر الله تعالى قبل البدء بتناول الطعام؛ قال النووي: "اِسْتِحْبَاب التَّسْمِيَة فِي اِبْتِدَاء الطَّعَام، وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ، وَكَذَا تُسْتَحَبّ حَمْد اللَّه تَعَالَى فِي آخِره، وَكَذَا تُسْتَحَبّ التَّسْمِيه فِي أَوَّل الشَّرَاب ، بَلْ فِي أَوَّل كُلّ أَمْر ذِي بَال.. وَلَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَة فِي أَوَّل الطَّعَام عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ عَاجِزًا لِعَارِضٍ آخَر ثُمَّ تَمَكَّنَ فِي أَثْنَاء أَكْله مِنْهَا يُسْتَحَبّ أَنْ يُسَمِّي وَيَقُول: بِسْمِ اللَّه أَوَّله وَآخِره". ا.هـ.


       
       

      - تسمية الواحد تكفي عن الجماعة: "وَيَنْبَغِي أَنْ يُسَمِّي كُلّ وَاحِد مِنْ الْآكِلِينَ ، فَإِنْ سَمَّى وَاحِدٌ مِنْهُمْ حَصَلَ أَصْل السُّنَّة، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيّ رحمه الله، وَيُسْتَدَلّ لَهُ بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّ الشَّيْطَان إِنَّمَا يَتَمَكَّن مِنْ الطَّعَام إِذَا لَمْ يُذْكَر اِسْم اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُود يَحْصُل بِوَاحِدٍ" (النووي).


       
       

      - جَوَاز الْحَلِف مِنْ غَيْر اِسْتِحْلَاف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ".


       
       

      - إثبات أن الشيطان يأكل وأن له يد؛ كما قال النووي: "هَذَا الْحَدِيث وَشَبَهه مِنْ الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي أَكْل الشَّيْطَان مَحْمُولَة عَلَى ظَوَاهِرهَا، وَأَنَّ الشَّيْطَان يَأْكُل حَقِيقَة إِذْ الْعَقْل لَا يُحِيلهُ، وَالشَّرْع لَمْ يُنْكِرهُ، بَلْ أَثْبَته فَوَجَبَ قَبُوله وَاعْتِقَاده . وَاللَّهُ أَعْلَم". ا.هـ.


       

      المراجع:



      - المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج- النووي.



      - إكمال المعلم بفوائد مسلم- القاضي عياض.



      - شرح رياض الصالحين- ابن عثيمين.


       

      ~


منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×