اذهبي الى المحتوى
هجرة قلب

~ [] تدبر القرآن []~

المشاركات التي تم ترشيحها

post-93813-0-38317900-1327747034.png

 

 

إبراهيم بن عبد الله الدويــــش

 

 

لعله من الميسور أن ينضم المقبل على القرآن لركب السفرة الكرام البررة، كما أنه ليس من الصعب أن يظل القرآن في صدر حامله كالمصباح الذي لا يخبو أبدًا مهما امتدت السنين وتعاقب الدهر، لكن .. كيف ذا؟

 

 

post-93813-0-25767300-1327747049.png

 

 

هل يكون بشراب يُحتسى، أو أقراص تبلع فتعصم من النسيان بقاء العمر، وتجعل القرآن كله عند الحفظ كسورة الكوثر؟ كلا .. فالأمر يقوم على الإصرار والتصميم، فحين تصحب القارئ النية الصادقة والعزيمة التي لا تعرف الكلل، يجد العون من ربه، ومدخله في هذا هو التدبر.

 

 

وقد جاء في أكثر من آية أن المقصد من إنزال القرآن هو التدبر، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص:29]

 

قال الحسن البصري (ت: 110هـ): "مَا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةً إلَّا وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْلَمَ فِيمَ أُنْزِلَتْ، وَمَاذَا عُنِيَ بِهَا".

 

 

post-93813-0-25767300-1327747049.png

 

 

والتدبر ليس نشاطًا تقوم به الجوارح يذهب صاحبها ثم يعود أو يقفز ثم يثبت، أو يخفض صوته ثم يرفعه، فيحصل له التدبر، بل منهج الصحابة -وهم خير أسوة- أنهم جعلوا الحفظ مدخلاً وعاملاً للتدبر والعمل، ووسيلة ومفتاحًا للفهم، فلم يكن الحفظ عندهم غاية يتوقفون عندها، وإنما كان وسيلة لتحقيق غاية كبرى، وهي التدبر والفهم والعمل، أما تلقيهم لكتاب الله العزيز فكانوا يتلقون عشر آيات ولا يجاوزونها حتى يتعلموها ويتقنوا فهمها والعمل بها، وبهذه الطريقة تعلموا العلم والعمل والإتقان جميعًا، ولهذا كانوا يبقون مدة طويلة فِي حفظ سورة واحدة، فقد روى البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه :"قرأ البقرة في ثمان سنين". فالقراءة كانت تعني عندهم: الاستظهار، والتعلم، والتطبيق.

 

 

 

وكان العمل عندهم أسهل من الحفظ خلافًا لما عليه سائر الناس، يقول ابن مسعود: "إنا صعب علينا حفظ ألفاظ القرآن، وسهل علينا العمل به، وإن مَنْ بعدنا يسهل عليهم حفظ القرآن، ويصعب عليهم العمل به".

 

 

التدبر والتطبيق إذًا هما غاية للحفظ، والتدبر يقوم بالأصالة على فهم السورة فهمًا عامًّا يلاحظ فيه ترابط أجزائها وتشابكها في ذهن قارئها بحيث إذا سقط شيء اختل النظام، واحتاج إلى العود من جديد، وهو يحصل للقارئ حين يحسن التعاطي مع عظمة القرآن والوقوف على بعض أسراره؛ لأن من عظمة القرآن أنك قد تتدبر آية تعرف معناها، وأنها من الواضحات لديك، ولا تحتاج إلى مزيد تأمل، ولكن ربما تقف عندها مرة أخرى، إذا بك تقف على أسرار وفتوحات وفوائد لم تجل فيما سبق بخاطرك.

 

 

post-93813-0-25767300-1327747049.png

 

 

ومن عظمته أن فهمك عن الله تعالى وأسرار آياته قد يجعلك تستدرك على من يخلط كلام الله بعضه ببعض، أو ينقله من موضعه الذي هو عليه، نقل ابن الجوزي (ت: 597هـ) في تفسيره(1/ 546) عن الأصمعي(ت: 216هـ) أنه قال: قرأت قوله تعالى:

 

{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة:38]

 

وإلى جنبي أعرابي فقلت: والله غفور رحيم، سهوًا. فقال الأعرابي: كلام من هذا؟ قلت: كلام الله. قال: أعد. فأعدت: والله غفور رحيم. فقال: ليس هذا كلام الله. فتنبهت؛ فقلت: {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} فقال: أصبت؛ هذا كلام الله. فقلت له: أتقرأ القرآن؟! قال: لا. قلت: فمن أين علمت أني أخطأت؟ فقال: يا هذا، عز، فحكم، فقطع؛ ولو غفر ورحم لما قطع ..... .وهكذا...فعل المتدبر للقرآن غير الحافظ له.

 

 

لكن. ...كيف يتمكن القارئ من التدبر الذي قد يظن بعضهم أنه أمر عزيز الحصول؟

 

أقول: إن من أهم ما يعني به القارئ لكتاب الله تعالى حتى يتمكن من التدبر هو: التعظيم للمتكلم سبحانه وتعالى، قال الغزالي رحمه الله (ت: 505هـ) في الإحياء (1/ 281): "...القارئ عند البداية بتلاوة القرآن ينبغي أن يحضر في قلبه عظمة المتكلم، ويعلم أن ما يقرؤه ليس من كلام البشر، وأن في تلاوة كلام الله عز وجل غاية الخطر..، وأن يكون حاضر القلب يترك حديث النفس، ويتجرد له عند قراءته، وتنصرف همته إليه عن غيره".

 

 

post-93813-0-25767300-1327747049.png

 

 

لا يحصل التدبر إذًا. . بمجرد الحفظ والتكرار والترداد، بل لا بد من عوامل أخرى تجعل قارئه يشعر أن القرآن يتحدث إليه مباشرة، فلو كان التدبر يحصل بمجرد الترداد لكان المسلمون كلهم مطلعين على معاني كلمات قصار السور التي يحفظونها عن ظهر قلب ويقفون على شيء من مقاصدها. إلا أنه مما ينبغي التنبه له أن تدبّر القرآن ينتج المطلوب الأهم من تلاوة القرآن، وهو تطبيق حدوده وأحكامه، على أن التدبر والفهم لكتاب الله تعالى يتطلب الأخذ بنصيب من علوم الآلة كعلم اللغة والنحو والبلاغة والبيان، وغير ذلك من العلوم المساعدة دون الإيغال إلى حد الإغراق فيها.

 

 

وعلى القارئ لكتاب الله الناشد للتدبر عند الشروع في القراءة أن تكون القراءة بالترتيل والتأني؛ حتى يتمكن من فهم ما يقرأ، فيعرف مقصود كل آية على حسب طاقته وعلمه، ويتأمل الأوامر والنواهي، والتهديد والوعيد، والمواثيق والعهود ثم يفكر في تقصيره فيها، وعندما تعن للقارئ آية يتعثر عليه حفظها أن ييمم بصره نحو كتب التفسير، فإنها تعينه أشد العون في فهم الآية وفهم معناها مما يعينه على استظهارها وينبغي عند قراءة القرآن ألا يكون همُّ القارئ متى أختم، فينثر القرآن نثر الدقل، وأخيرًا... ينبغي للقارئ أن يكون له ورد يومي يحافظ عليه، ويلتزم به، وأن يقرأه بترسل وتدبر وتأمل، فقد كره العلماء أن يختم في أقل من ثلاث، ثم هذه وصيتي لهؤلاء:

 

 

أخي....حامل القرآن منذ نعومة الأظفار، قبل أن تبلغ مبلغ الرجال: أتدري أي نعمة أسداها إليك -بفضل الله- أبوك ومعلمك؟ أتدري أي شيء يملأ جوفك؟ أتدري مع من أنت إن استقمت وتخلقت بالقرآن؟.

 

 

 

أخي.... يا من تبيت والرغبة تملأ صدرك أن تكون واحدًا ممن يحمل القرآن بين جوانحه.

 

 

أخي... طالب العلم، أي علم تطلب والقرآن ليس له من جدك وجهدك محل، ولدي الطفل، ولدي الشاب والشابة، أخي وأختي في زمن الكهولة، أبي وأمي - يجب أن يكون القرآن منطلق الجميع، تدبرًا وحفظًا، ومن كان أكثر تدبرًا للقرآن فهو أرسخ علمًا، وأعمق فقهًا، وكلما تدبرنا الآيات بعمق ودقة زاد فهمنا، وتوسع أفق المعارف لدينا، وكانت الحصيلة على قدر عمق التدبر... وبالله التوفيق، ومنه الهداية والتدبير.

 

 

post-93813-0-49990800-1327747059.png

تم تعديل بواسطة ام جومانا وجنى
موضوع متميز
  • معجبة 4

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته

جزاكم الله خيرا يا حبيبة ()

مقال قيم اللهم بارك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته

جزاكم الله خيرا يا حبيبة ()

مقال قيم اللهم بارك

 

وأنتِ من أهل الجزاء يا غالية

أسعدكِ الله في الداريــن ()

 

و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته

جزاكم الله خيرا يا حبيبة ()

مقال قيم اللهم بارك

 

وأنتِ من أهل الجزاء يا حبيبة

أسعدكِ الله في الداريــن ()

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

مقال قيم

جعله الله في ميزان حسناتكِ وميزان حسنات كاتبه

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

مقال قيم

جعله الله في ميزان حسناتكِ وميزان حسنات كاتبه

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

اللهمّ آمين يا حبيبة

بـــارك الله فيكِ على مرورك العطر ()

تم تعديل بواسطة دندنتي

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بسم الله

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

 

قيم جـدًا دندنتي الحبيبة

جعله الله بميزان حسناتك ()

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكِ

جزاكِ الله خيرًا يا حبيبة ونفع الله بكِ

()

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

مقال قيم

جعله الله في ميزان حسناتكِ وميزان حسنات كاتبه

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×