اذهبي الى المحتوى
أم أمة الله

(تفسير سورةالملك).....مقدمة وتمهيد

المشاركات التي تم ترشيحها

 

0052.gif

(تفسير سورةالملك)

 

0177.gif

{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)}

0193.gif

مقدمة وتمهيد

بسم الله الرحمن الرحيم

1- سورة «الملك» من السور المكية الخالصة، ومن السور ذات الأسماء المتعددة، قال الآلوسى: وتسمى «تبارك» و «المانعة» و «المنجية» و «المجادلة» .

فقد أخرج الطبراني عن ابن مسعود قال: كنا نسميها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم «المانعة» .

وأخرج الترمذي وغيره عن ابن عباس قال: ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خباءه على قبر، وهو لا يحسب أنه قبر، فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال صلى الله عليه وسلم: هي المانعة، هي المنجية، تنجيه من عذاب القبر.

وفي رواية عن ابن عباس أنه قال لرجل: ألا أتحفك بحديث تفرح به؟ قال: بلى. قال:

اقرأ سورة «تبارك الذي بيده الملك» وعلمها أهلك، وجميع ولدك ... فإنها المنجية والمجادلة يوم القيامة عند ربها لقارئها..

وقد جاء في فضلها أخبار كثيرة، منها- سوى ما تقدم- ما أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي، عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن سورة من كتاب الله، ما هي إلا ثلاثون آية، شفعت لرجل حتى غفر له، تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ... .

وكان نزولها بعد سورة «المؤمنون» وقبل سورة «الحاقة» .. وعدد آياتها إحدى وثلاثون آية في المصحف المكي.. وثلاثون آية في غيره.

2- والسورة الكريمة زاخرة بالحديث عن أدلة وحدانية الله- تعالى- وقدرته وعن مظاهر فضله ورحمته بعباده، وعن بديع خلقه في هذا الكون، وعن أحوال الكافرين، وأحوال المؤمنين يوم القيامة، وعن وجوب التأمل والتدبر في ملكوت السموات والأرض.. وعن الحجج الباهرة التي لقنها- سبحانه- لنبيه صلى الله عليه وسلم لكي يقذف بها في وجوه المبطلين، والتي تبدأ في بضع آيات بقوله- تعالى- قُلْ.

ومن ذلك قوله- سبحانه-: قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ، وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا، فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ. قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..

 

0193.gif

فى ظلال سورة تبارك(مقدمة)

0 هذا الجزء كله من السور المكية. كما كان الجزء الذي سبقه كله من السور المدنية. ولكل منهما طابع مميز، وطعم خاص..

 

0 وبعض مطالع السور في هذا الجزء من بواكير ما نزل من القرآن كمطلع سورة المدثر ومطلع سورة المزمل.

 

0 كما أن فيه سوراً يحتمل أن تكون قد نزلت بعد البعثة بحوالي ثلاث سنوات كسورة القلم.

0وبحوالي عشر سنوات كسورة الجن التي يروى أنها نزلت في عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف، حيث أوذي من ثقيف. ثم صرف الله إليه نفراً من الجن فاستمعوا إليه وهو يرتل القرآن، مما حكته سورة الجن في هذا الجزء. وكانت هذه الرحلة بعد وفاة خديجة وأبي طالب قبيل الهجرة بعام أو عامين. وإن كانت هناك رواية أخرى هي الأرجح بأن السورة نزلت في أوائل البعثة.

 

 

0 والقرآن المكي يعالج في الغالب إنشاء العقيدة. في الله وفي الوحي، وفي اليوم الآخر. وإنشاء التصور المنبثق من هذه العقيدة لهذا الوجود وعلاقته بخالقه. والتعريف بالخالق تعريفاً يجعل الشعور به حياً في القلب، مؤثراً موجهاً موحياً بالمشاعر اللائقة بعبد يتجه إلى رب، وبالأدب الذي يلزمه العبد مع الرب، وبالقيم والموازين التي يزن بها المسلم الأشياء والأحداث والأشخاص. وقد رأينا نماذج من هذا في السور المكية السابقة، وسنرى نماذج منه في هذا الجزء.

 

 

0 والقرآن المدني يعالج في الغالب تطبيق تلك العقيدة وذاك التصور وهذه الموازين في الحياة الواقعية؛ وحمل النفوس على الاضطلاع بأمانة العقيدة والشريعة في معترك الحياة، والنهوض بتكاليفها في عالم الضمير وعالم الظاهر سواء. وقد رأينا نماذج من هذا في السور المدنية السابقة ومنها سور الجزء الماضي.

وهذه السورة الأولى سورة تبارك تعالج إنشاء تصور جديد للوجود وعلاقاته بخالق الوجود. تصور واسع شامل يتجاوز عالم الأرض الضيق وحيز الدنيا المحدود، إلى عوالم في السماوات، وإلى حياة في الآخرة. وإلى خلائق أخرى غير الإنسان في عالم الأرض كالجن والطير، وفي العالم الآخر كجهنم وخزنتها، وإلى عوالم في الغيب غير عالم الظاهر تعلق بها قلوب الناس ومشاعرهم، فلا تستغرق في الحياة الحاضرة الظاهرة، في هذه الأرض. كما أنها تثير في حسهم التأمل فيما بين أيديهم وفي واقع حياتهم وذواتهم مما يمرون به غافلين.

 

 

0 وهي تهز في النفوس جميع الصور والانطباعات والرواسب الجامدة الهامدة المتخلفة من تصور الجاهلية وركودها؛ وتفتح المنافذ هنا وهناك، وتنفض الغبار، وتطلق الحواس والعقل والبصيرة ترتاد آفاق الكون، وأغوار النفس، وطباق الجو، ومسارب الماء، وخفايا الغيوب، فترى هناك يد الله المبدعة، وتحس حركة الوجود المنبعثة من قدرة الله.

وتؤوب من الرحلة وقد شعرت أن الأمر أكبر، وأن المجال أوسع. وتحولت من الأرض على سعتها إلى السماء. ومن الظواهر إلى الحقائق. ومن الجمود إلى الحركة. مع حركة القدر، وحركة الحياة، وحركة الأحياء.

 

 

0 الموت والحياة أمران مألوفان مكروران. ولكن السورة تبعث حركة التأمل فيما وراء الموت والحياة من قدر الله وبلائه، ومن حكمة الله وتدبيره: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) }.

والسماء خلق ثابت أمام الأعين الجاهلة لا تتجاوزه إلى اليد التي أبدعته، ولا تلتفت لما فيه من كمال. ولكن السورة تبعث حركة التأمل والاستغراق في هذا الجمال والكمال وما وراءها من حركة وأهداف: {لَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5).}.

 

0 والحياة الدنيا تبدو في الجاهلية غاية الوجود، ونهاية المطاف. ولكن السورة تكشف الستار عن عالم آخر هو حاضر للشياطين وللكافرين. وهو خلق آخر حافل بالحركة والتوفز والانتظار: {وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)}.

 

 

0 والنفوس في الجاهلية لا تكاد تتجاوز هذا الظاهر الذي تعيش فيه، ولا تلقي بالاً إلى الغيب وما يحتويه. وهي مستغرقة في الحياة الدنيا محبوسة في قفص الأرض الثابتة المستقرة. فالسورة تشد قلوبهم وأنظارهم إلى الغيب وإلى السماء وإلى القدرة التي لم ترها عين، ولكنها قادرة تفعل ما تشاء حيث تشاء وحين تشاء؛ وتهز في حسهم هذه الأرض الثابتة التي يطمئنون إليها ويستغرقون فيها {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17)}..

 

0 إنه خلق يرونه كثيراً ولا يتدبرون معجزته إلا قليلاً. ولكن السورة تمسك بأبصارهم لتنظر وبقلوبهم لتتدبر، وترى قدرة الله الذي صور وقدر: {أ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19)}.

 

0 وهم آمنون في دارهم، مطمئنون إلى مكانهم، طمأنينة الغافل عن قدرة الله وقدره. ولكن السورة تهزهم من هذا السبات النفسي، بعد أن هزت الأرض من تحتهم وأثارت الجو من حولهم، تهزهم على قهر الله وجبروته الذي لا يحسبون حسابه: {{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20)}.

 

0 والرزق الذي تناله أيديهم، إنه في حسهم قريب الأسباب، وهي بينهم تنافس وغلاب. ولكن السورة تمد أبصارهم بعيداً هنالك في السماء، ووراء الأسباب المعلومة لهم كما يظنون: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }.

تابعوا بارك الله فيكم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

0 وهم لا ينتفعون بما رزقهم الله في ذوات أنفسهم من استعدادات ومدارك؛ ولا يتجاوزون ما تراه حواسهم إلى التدبر فيما وراء هذا الواقع القريب. فالسورة تذكرهم بنعمة الله فيما وهبهم، وتوجههم إلى استخدام هذه الهبة في تنور المستقبل المغيب وراء الحاضر الظاهر، وتدبر الغاية من هذه البداية: { قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)}..

 

وهم يكذبون بالبعث والحشر، ويسألون عن موعده. فالسورة تصوره لهم واقعاً مفاجئاً قريباً يسؤوهم أن يكون: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27)!}..

 

وهم يتربصون بالنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه أن يهلكوا فيستريحوا من هذا الصوت الذي يقض عليهم مضجعهم بالتذكير والتحذير والإيقاظ من راحة الجمود! فالسورة تذكرهم بأن هلاك الحفنة المؤمنة أو بقاءها لا يؤثر فيما ينتظرهم هم من عذاب الله على الكفر والتكذيب، فأولى لهم أن يتدبروا أمرهم وحالهم قبل ذلك اليوم العصيب: {قلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (29)}.

وتنذرهم السورة في ختامها بتوقع ذهاب الماء الذي به يعيشون، والذي يجريه هو الله الذي به يكفرون! {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)؟}..

إنها حركة. حركة في الحواس، وفي الحس، وفي التفكير، وفي الشعور.

ومفتاح السورة كلها. ومحورها الذي تشد إليه تلك الحركة فيها، هو مطلعها الجامع الموحي:

(تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2))

 

0193.gif

فوائد لسورة الملك(المقدمة)

يقول ابن كثير

قال أحمد : عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "إنَّ سورةً منَ القرآنِ ثلاثونَ آيةً شفعَت لرجلٍ حتَّى غُفِرَ لَهُ، وَهيَ سورَةُ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ " .ورواه أهل السنن الأربعة ، من حديث شعبة به ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن ..

وقد روى الطبراني ، والحافظ الضياء المقدسي ، من طريق سلام بن مسكين ، عن ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " سورة في القرآن خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة : " تبارك الذي بيده الملك " .

 

0193.gif

0 وفى اجابة فتوى:

عن جابر رضي الله عنه : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ آلم تنزيل ، وتبارك الذي بيده الملك " . وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح سنن الترمذي " .

الأفضل أن يقرأ الإنسان سورة الملك قبل النوم كل ليلة ؛ لفعله عليه الصلاة والسلام ، ولو قرأها في صلاة العشاء أو في صلاة الليل قبل النوم أو قبل ذلك ، فإنه يجزئه ذلك ؛ لعموم الحديث الأول الوارد في شفاعة سورة الملك لمن قرأها ، فإن زمن القراءة فيه لم يحدد بوقت .

لكن لا تشرع المداومة على قراءتها في صلاة العشاء ؛ لأن المداومة نوع تقييد ، والتقييد في العبادة لا يكون إلا بدليل ، لكن إن فعل أحيانا ، فلا بأس .

وينظر جواب السؤال رقم : (191947) ، ورقم : (47618) ، ورقم : (26240) .

والله أعلم .

موقع الإسلام سؤال وجواب

هذا ما تيسر من التمهيد للسورة و نبدأ غداً بإذن الله تعالى فى تفسير السورة ،و جزاكم الله خيراً على طيب المتابعة .. دمتم طيبين

 

0024.gif

المراجع

ابن كثير تفسير القرآن العظيم

سيد قطب فى ظلال القرآن

الطنطاوى التفسير الوسيط

 

3dlat.net_14_15_f363_%D8%AA%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%83.png

 

 

0003.gif

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

0054.gif

 

سورة الملك:تفسير الآيات (1- 5)

0016.gif

{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)}

0041.gif

.شرح الكلمات

{تبارك الذي بيده الملك}: أي تعاظم وكُثر خير الذي بيده الملك أجمع ملكاً وتصرفاً وتدبيراً.

{وهو على كل شيء قدير}: أي وهو على إيجاد كل ممكن وإعدامه قدير.

{الذي خلق الموت والحياة}: أي أوجد الموت والحياة فكل حيّ هو بالحياة التي خلق الله وكل ميت هو بالموت الذي خلق الله.

{ليبلوكم أيكم أحسن عملا}: أي أحياكم ايختبركم أيكم يكون أحسن عملاً ثم يميتكم ويحييكم ليجزيكم.

{وهو العزيز الغفور}: أي وهو العزيز الغالب على ما يريده الغفور العظيم المغفرة للتائبين.

{طباقا}: أي طبقة فوق طبقة وهي السبع الطباق ولا تماس بينها.

{ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت}: أي من تباين وعدم تناسب.

{هل ترى من فطور}: أي مرتين مرة بعد مرة.

{خاسئا وهو حسير}: أي ذليلاً مبعداً كالاً تعباً منقطعاً عن الرؤية إذ لا يرى خللا.

{بمصابيح}: أي بنجوم مضيئة كالمصابيح.

{رجوماً للشياطين}: أي مراجم جمع مرجم وهو ما يرجم به أي يرمى.

{وأعتدنا لهم عذاب السعير}: أي وهيأنا لهم عذاب النار المسعرة الشديدة الاتقاد

0041.gif

معنى الآيات

( 1 ) تكاثر خير الله وبرُّه على جميع خلقه، الذي بيده مُلك الدنيا والآخرة وسلطانهما، نافذ فيهما أمره وقضاؤه، وهو على كل شيء قدير. ويستفاد من الآية ثبوت صفة اليد لله سبحانه وتعالى على ما يليق بجلاله.

 

 

( 2 ) الذي خلق الموت والحياة؛ ليختبركم - أيها الناس-: أيكم خيرٌ عملا وأخلصه؟ وهو العزيز الذي لا يعجزه شيء، الغفور لمن تاب من عباده. وفي الآية ترغيب في فعل الطاعات، وزجر عن اقتراف المعاصي.

يقول السعدى:

أي: أخلصه وأصوبه، فإن الله خلق عباده، وأخرجهم لهذه الدار، وأخبرهم أنهم سينقلون منها، وأمرهم ونهاهم، وابتلاهم بالشهوات المعارضة لأمره، فمن انقاد لأمر الله وأحسن العمل، أحسن الله له الجزاء في الدارين، ومن مال مع شهوات النفس، ونبذ أمر الله، فله شر الجزاء.

( 3 ) الذي خلق سبع سموات متناسقة، بعضها فوق بعض، ما ترى في خلق الرحمن- أيها الناظر- من اختلاف ولا تباين، فأعد النظر إلى السماء: هل ترى فيها مِن شقوق أو صدوع؟

يقول ابم كثير

أي : ، ليس فيه اختلاف ، ولا تنافر ، ولا مخالفة ، ولا نقص ، ولا عيب ، ولا خلل ; ولهذا قال : ( فارجع البصر هل ترى من فطور ) أي : انظر إلى السماء فتأملها ، هل ترى فيها عيبا ، أو نقصا ، أو خللا ; أو فطورا

( 4 ) ثم أعد النظر مرة بعد مرة، يرجع إليك البصر ذليلا صاغرًا عن أن يرى نقصًا، وهو متعب كليل.

( 5 ) ولقد زيَّنا السماء القريبة التي تراها العيون بنجوم عظيمة مضيئة، وجعلناها شهبًا محرقة لمسترقي السمع من الشياطين، وأعتدنا لهم في الآخرة عذاب النار الموقدة يقاسون حرها.

 

0041.gif

 

فى ظلال الآيات

كل حقائق السورة وموضوعاتها، وكل صورها وإيحاءاتها مستمدة من إيحاء ذلك المطلع ومدلوله الشامل الكبير: {تبارك الذي بيده الملك، وهو على كل شيء قدير}!!

{تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير}..

هذه التسبيحة في مطلع السورة توحي بزيادة بركة الله ومضاعفتها، وتمجيد هذه البركة الرابية الفائضة. وذكر الملك بجوارها يوحي بفيض هذه البركة على هذا الملك، وتمجيدها في الكون بعد تمجيدها في جناب الذات الإلهية. وهي ترنيمة تتجاوب بها أرجاء الوجود، ويعمر بها قلب كل موجود. وهي تنطلق من النطق الإلهي في كتابه الكريم، من الكتاب المكنون، إلى الكون المعلوم.

{تبارك الذي بيده الملك}.. فهو المالك له، المهيمن عليه، القابض على ناصيته، المتصرف فيه.. وهي حقيقة. حين تستقر في الضمير تحدد له الوجهة والمصير؛ وتخليه من التوجه أو الاعتماد أو الطلب من غير المالك المهيمن المتصرف في هذا الملك بلا شريك؛ كما تخليه من العبودية والعبادة لغير المالك الواحد، والسيد الفريد!

{وهو على كل شيء قدير}.. فلا يعجزه شيء، ولا يفوته شيء، ولا يحول دون إرادته شيء، ولا يحد مشيئته شيء. يخلق ما يشاء، ويفعل ما يريد، وهو قادر على ما يريده غالب على أمره؛ لا تتعلق بإرادته حدود ولا قيود.. وهي حقيقة حين تستقر في الضمير تطلق تصوره لمشيئة الله وفعله من كل قيد يرد عليه من مألوف الحس أو مألوف العقل أو مألوف الخيال! فقدرة الله وراء كل ما يخطر للبشر على أي حال..

والقيود التي ترد على تصور البشر بحكم تكوينهم المحدود تجعلهم أسرى لما يألفون في تقدير ما يتوقعون من تغيير وتبديل فيما وراء اللحظة الحاضرة والواقع المحدود. فهذه الحقيقة تطلق حسهم من هذا الإسار. فيتوقعون من قدرة الله كل شيء بلا حدود. ويكلون لقدرة الله كل شيء بلا قيود.وينطلقون من أسر اللحظة الحاضرة والواقع المحدود.

{الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، وهو العزيز الغفور}..

ومن آثار تمكنه المطلق من الملك وتصريفه له، وآثاره قدرته على كل شيء وطلاقة إرادته.. أنه خلق الموت والحياة. والموت يشمل الموت السابق على الحياة والموت اللاحق لها. والحياة تشمل الحياة الأولى والحياة الآخرة. وكلها من خلق الله كما تقرر هذه الآية، التي تنشئ هذه الحقيقة في التصور الإنساني؛ وتثير إلى جانبها اليقظة لما وراءها من قصد وابتلاء.

_ فليست المسألة مصادفة بلا تدبير. وليست كذلك جزافاً بلا غاية. إنما هو الابتلاء لإظهار المكنون في علم الله من سلوك الأناسي على الأرض، واستحقاقهم للجزاء على العمل: {ليبلوكم أيكم أحسن عملاً}.. واستقرار هذه الحقيقة في الضمير يدعه أبداً يقظاً حذراً متلفتاً واعياً للصغيرة والكبيرة في النية المستترة والعمل الظاهر. ولا يدعه يغفل أو يلهو. كذلك لا يدعه يطمئن أو يستريح. ومن ثم يجيء التعقيب: {وهو العزيز الغفور} ليسكب الطمأنينة في القلب الذي يرعى الله ويخشاه. فالله عزيز غالب ولكنه غفور مسامح. فإذا استيقظ القلب، وشعر أنه هنا للابتلاء والاختبار، وحذر وتوقى، فإن له أن يطمئن إلى غفران الله ورحمته وأن يقر عندها ويستريح!

إنَّ الله في الحقيقة التي يصورها الإسلام لتستقر في القلوب، لا يطارد البشر، ولا يعنتهم، ولا يحب أن يعذبهم. إنما يريد لهم أن يتيقظوا لغاية وجودهم؛ وأن يرتفعوا إلى مستوى حقيقتهم؛ وأن يحققوا تكريم الله لهم بنفخة روحه في هذا الكيان وتفضيله على كثير من خلقه. فإذا تم لهم هذا فهناك الرحمة السابغة والعون الكبير والسماحة الواسعة والعفو عن كثير.

ثم يربط هذه الحقيقة بالكون كله في أكبر وأرفع مجاليه؛ كما يربط به من الناحية الأخرى حقيقة الجزاء في الآخرة، بعد الابتلاء بالموت والحياة:

{الذي خلق سبع سماوات طباقاً، ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت، فارجع البصر هل ترى من فطور؟ ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير. ولقد زينا السمآء الدنيا بمصابيح، وجعلناها رجوماً للشياطين، وأعتدنا لهم عذاب السعير. وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم، وبئس المصير. إذآ ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً وهي تفور. تكاد تميز من الغيظ، كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتهآ: ألم يأتكم نذير؟ قالوا: بلى! قد جآءنا نذير فكذبنا وقلنا: ما نزل الله من شيء، إن أنتم إلا في ضلال كبير. وقالوا: لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير. فاعترفوا بذنبهم فسحقاً لأصحاب السعير!}.

وكل ما في هذه الآيات آثار لمدلول الآية الأولى، ومظاهر للهيمنة المتصرفة في الملك، وللقدرة التي لا يقيدها قيد. ثم هي بعد ذلك تصديق للآية الثانية من خلق الموت والحياة للابتلاء، ثم الجزاء.

والسماوات السبع الطباق التي تشير إليها لا يمكن الجزم بمدلولها، استقاء من نظريات الفلك، فهذه النظريات قابلة للتعديل والتصحيح، كلما تقدمت وسائل الرصد والكشف. ولا يجوز تعليق مدلول الآية بمثل هذه الكشوف القابلة للتعديل والتصحيح. ويكفي أن نعرف أن هناك سبع سماوات. وأنها طباق بمعنى أنها طبقات على أبعاد متفاوته.

والقرآن يوجه النظر إلى خلق الله، في السماوات بصفة خاصة وفي كل ما خلق بصفة عامة. يوجه النظر إلى خلق الله، وهو يتحدى بكماله كمالاً يرد البصر عاجزاً كليلاً مبهوراً مدهوشاً.{ما ترى من خلق الرحمن من تفاوت}.. فليس هناك خلل ولا نقص ولا اضطراب.. {فارجع البصر}.. وانظر مرة أخرى للتأكد والتثبت {هل ترى من فطور؟}.. وهل وقع نظرك على شق أو صدع أو خلل؟ {ثم ارجع البصر كرتين} فربما فاتك شيء في النظرة السابقة لم تتبينه، فأعد النظر ثم أعده {ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير}..

_وأسلوب التحدي من شأنه أن يثير الاهتمام والجد في النظر إلى السماوات وإلى خلق الله كله.

_ وهذه النظرة الحادة الفاحصة المتأملة المتدبرة هي التي يريد القرآن أن يثيرها وأن يبعثها. فبلادة الألفة تذهب بروعة النظرة إلى هذا الكون الرائع العجيب الجميل الدقيق، الذي لا تشبع العين من تملي جماله وروعته، ولا يشبع القلب من تلقي إيحاءاته وإيماءاته؛ ولا يشبع العقل من تدبر نظامه ودقته. والذي يعيش منه من يتأمله بهذه العين في مهرجان إلهي باهر رائع، لا تخلق بدائعه، لأنها أبداً متجددة للعين والقلب والعقل.

_والذي يعرف شيئاً عن طبيعة هذا الكون ونظامه كما كشف العلم الحديث عن جوانب منها يدركه الدهش والذهول. ولكن روعة الكون لا تحتاج إلى هذا العلم. فمن نعمة الله على البشر أن أودعهم القدرة على التجاوب مع هذا الكون بمجرد النظر والتأمل؛

_ فالقلب يتلقى إيقاعات هذا الكون الهائل الجميل تلقياً مباشراً حين يتفتح ويستشرف. ثم يتجاوب مع هذه الإيقاعات تجاوب الحي مع الحي؛ قبل أن يعلم بفكره وبأرصاده شيئاً عن هذا الخلق الهائل العجيب.

_ومن ثم يكل القرآن الناس إلى النظر في هذا الكون، وإلى تملي مشاهدة وعجائبه. ذلك أن القرآن يخاطب الناس جميعاً، وفي كل عصر. يخاطب ساكن الغابة وساكن الصحراء، كما يخاطب ساكن المدينة ورائد البحار. وهو يخاطب الأمي الذي لم يقرأ ولم يخط حرفاً، كما يخاطب العالم الفلكي والعالم الطبيعي والعالم النظري سواء. وكل واحد من هؤلاء يجد في القرآن ما يصله بهذا الكون، وما يثير في قلبه التأمل والاستجابة والمتاع.

_والجمال في تصميم هذا الكون مقصود كالكمال. بل إنهما اعتباران لحقيقة واحدة. فالكمال يبلغ درجة الجمال.

ومن ثم يوجه القرآن النظر إلى جمال السماوات بعد أن وجه النظر إلى كمالها:

(ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح). .

وما السماء الدنيا ? لعلها هي الأقرب إلى الأرض وسكانها المخاطبين بهذا القرآن . ولعل المصابيح المشار إليها هنا هي النجوم والكواكب الظاهرة للعين , التي نراها حين ننظر إلى السماء . فذلك يتسق مع توجيه المخاطبين إلى النظر في السماء . وما كانوا يملكون إلا عيونهم , وما تراه من أجرام مضيئة تزين السماء .

_ ومشهد النجوم في السماء جميل . ما في هذا شك . جميل جمالا يأخذ بالقلوب . وهو جمال متجدد تتعدد ألوانه بتعدد أوقاته ; ويختلف من صباح إلى مساء , ومن شروق إلى غروب , ومن الليلة القمراء إلى الليلة الظلماء . ومن مشهد الصفاء إلى مشهد الضباب والسحاب . . بل إنه ليختلف من ساعة لساعة . ومن مرصد لمرصد . ومن زاوية لزاوية . . وكله جمال وكله يأخذ بالألباب .

_ويذكر النص القرآني هنا أن هذه المصابيح التي زين الله السماء الدنيا بها هي كذلك ذات وظيفة أخرى

•(وجعلناها رجوما للشياطين). .

وقد جرينا في هذه الظلال على قاعدة ألا نتزيد بشيء في أمر الغيبيات التي يقص الله علينا طرفا من خبرها ; وأن نقف عند حدود النص القرآني لا نتعداه . وهو كاف بذاته لإثبات ما يعرض له من أمور .

فنحن نؤمن أن هناك خلقا اسمهم الشياطين , وردت بعض صفاتهم في القرآن , وسبقت الإشارة إليها في هذه الظلال , ولا نزيد عليها شيئا ونحن نؤمن أن الله جعل من هذه المصابيح التي تزين السماء الدنيا رجوما للشياطين , في صورة شهب كما جاء في سورة أخرى وحفظا من كل شيطان مارد). . .(إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب). . كيف ? من أي حجم ? في آية صورة ? كل ذلك لم يقل لنا الله عنه شيئا , وليس لنا مصدر آخر يجوز استفتاؤه في مثل هذا الشأن . فلنعلم هذا وحده ولنؤمن بوقوعه . وهذا هو المقصود . ولو علم الله أن هناك خيرا في الزيادة أو الإيضاح أو التفصيل لفصل سبحانه . فمالنا نحن نحاول ما لم يعلم الله أن فيه خيرا ?:في مثل هذا الأمر . أمر رجم الشياطين ?!

ثم يستطرد فيما أعده الله للشياطين غير الرجوم:

(وأعتدنا لهم عذاب السعير). .

فالرجوم في الدنيا وعذاب السعير في الآخرة لأولئك الشياطين . ولعل مناسبة ذكر هذا , الذي أعده الله للشياطين في الدنيا والآخرة هي ذكر السماء أولا , ثم يجيء بعد من ذكر الذين كفروا . والعلاقة بين الشياطين والذين كفروا علاقة ملحوظة . فلما ذكر مصابيح السماء ذكر اتخاذها رجوما للشياطين . ولما ذكر ما أعد للشياطين من عذاب السعير ذكر بعده ما أعده للذين كفروا من أتباع هؤلاء الشياطين.

 

0041.gif

من هداية الآيات

1- تقرير ربوبية الله تعالى بعرض دلائل القدرة والعلم والحكمة والخير والبركة وهي موجبة لألوهيته أي عبادته دون من سواه عز وجل.

2- بيان الحكمة من خلق الموت والحياة.

3- بيان الحكمة من خلق النجوم وهي في قول قتادة رحمه الله: أن الله جل ثناؤه إنما خلق هذه النجوم لثلاث خصال: زينة لسماء الدنيا، ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها.

جزاكم الله خيراً على طيب المتابعة .. دمتم طيبين.

 

0050.gif

المراجع

_تفسير القرآن العظيم ابن كثير

_تفسير السعدى تيسير الكريم الرحمن في

_ تفسير كلام المنان

_التفسير الميسر لمجموعة من العلماء.

_في ظلال القرآن الكريم سيد قطب

_الجزائرى أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير.

0001.gif

تم تعديل بواسطة أم أمة الله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

0051.gif

سورة الملك

تفسير الآيات (12- 15)

0015.gif

 

 

{إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)}

 

0018.gif

شرح الكلمات

{يخشون ربهم بالغيب}
: أي يخافونه وهو غائبون عن أعين الناس فلا يعصونه.

{لهم مغفرة وأجر كبير}
: أي لذنوبهم وأجر كبير هو الجنة.

{ألا يعلم من خلق}
: أي كيف لا يعلم سركم كما يعلم جهركم وهو الخالق لكم فالخالق يعرف مخلوقه.

{وهو اللطيف الخبير}
: أي بعبادة الخبير بهم وبأعمالهم.

{ذلولاً}
: أي سهلة للمشي والسير عليها.

{فامشوا في مناكبها}
: أي في جوانبها ونواحيها.

{وإليه النشور}
: أي إليه وحدة مهمة نشركم أي أحياءكم من قبوركم للحساب والجزاء.

 

0018.gif

معنى الآيات

( 12 )
إن الذين يخافون ربهم، فيعبدونه، ولا يعصونه وهم غائبون عن أعين الناس، ويخشون العذاب في الآخرة قبل معاينته، لهم عفو من الله عن ذنوبهم، وثواب عظيم وهو الجنة.

( 13 )
وأخفوا قولكم- أيها الناس- في أي أمر من أموركم أو أعلنوه، فهما عند الله سواء، إنه سبحانه عليم بمضمرات الصدور، فكيف تخفى عليه أقوالكم وأعمالكم؟

( 14 )
ألا يعلم ربُّ العالمين خَلْقه وشؤونهم، وهو الذي خَلَقهم وأتقن خَلْقَهُمْ وأحسنه؟ وهو اللطيف بعباده، الخبير بهم وبأعمالهم.

( 15 )
الله وحده هو الذي جعل لكم الأرض سهلة ممهدة تستقرون عليها، فامشوا في نواحيها وجوانبها، وكلوا من رزق الله الذي يخرجه لكم منها، وإليه وحده البعث من قبوركم للحساب والجزاء. وفي الآية إيماء إلى طلب الرزق والمكاسب، وفيها دلالة على أن الله هو الإله الحق وحده لا شريك له، وعلى قدرته، والتذكير بنعمه، والتحذير من الركون إلى الدنيا

 

0018.gif

فى ظلال الآيات (6- 11)

(
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ
).
.

 

0
والغيب المشار إليه هنا يشمل خشيتهم لربهم الذي لم يروه , كما يشمل خشيتهم لربهم وهم في خفية عن الأعين , وكلاهما معنى كبير , وشعور نظيف , وإدراك بصير . يؤهل لهذا الجزاء العظيم الذي يذكره السياق في إجمال:وهو المغفرة والتكفير , والأجر الكبير .

0
ووصل القلب بالله في السر والخفية , وبالغيب الذي لا تطلع عليه العيون , هو ميزان الحساسية في القلب البشري وضمانة الحياة للضمير . . قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده:حدثنا طالوت بن عباد , حدثنا الحارث بن عبيد , عن ثابت , عن أنس , قال:قالوا:يا رسول الله إنا نكون عندك على حال , فإذا فارقناك كنا على غيره . قال:" كيف أنتم وربكم ? " قالوا:الله ربنا في السر والعلانية . قال:" ليس ذلكم النفاق " . .

فالصلة بالله هي الأصل . فمتى انعقدت في القلب فهو مؤمن صادق موصول .

(وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14))

0
وهذه الآية السابقة تربط ما قبلها في السياق بما بعدها , في تقرير علم الله بالسر والجهر , وهو يتحدى البشر . وهو الذي خلق نفوسهم , ويعلم مداخلها ومكامنها , التي أودعها إياها:

_
وأسروا قولكم أو اجهروا به , أنه عليم بذات الصدور . ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ? .

_
أسروا أو اجهروا فهو مكشوف لعلم الله سواء . وهو يعلم ما هو أخفى من الجهر والسر . (إنه عليم بذات الصدور)التي لم تفارق الصدور ! عليم بها , فهو الذي خلقها في الصدور , كما خلق الصدور ! (ألا يعلم من خلق ?)ألا يعلم وهو الذي خلق ? (وهو اللطيف الخبير ?)الذي يصل علمه إلى الدقيق الصغير والخفي المستور .

_
إن البشر وهم يحاولون التخفي من الله بحركة أو سر أو نية في الضمير , يبدون مضحكين ! فالضمير الذي يخفون فيه نيتهم من خلق الله , وهو يعلم دروبه وخفاياه . والنية التي يخفونها هي كذلك من خلقه وهو يعلمها ويعلم أين تكون . فماذا يخفون ? وأين يستخفون ?

_
والقرآن يعني بتقرير هذه الحقيقة في الضمير . لأن استقرارها فيه ينشئ له إدراكا صحيحا للأمور . فوق ما يودعه هناك من يقظة وحساسية وتقوى , تناط بها الأمانة التي يحملها المؤمن في هذه الأرض . أمانة العقيدة وأمانة العدالة , وأمانة التجرد لله في العمل والنية . وهو لا يتحقق إلا حين يستيقن القلب أنه هو وما يكمن فيه من سر ونية هو من خلق الله الذي يعلمه الله . وهو اللطيف الخبير . .

______________________________________

 

 

0
ثم ينتقل بهم السياق من ذوات أنفسهم التي خلقها الله , إلى الأرض التي خلقها لهم , وذللها وأودعها أسباب الحياة:

(
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ
). .

0
_ والناس لطول ألفتهم لحياتهم على هذه الأرض ; وسهولة استقرارهم عليها , وسيرهم فيها , واستغلالهم لتربتها ومائها وهوائها وكنوزها وقواها وأرزاقها جميعا . . ينسون نعمة الله في تذليلها لهم وتسخيرها . والقرآن يذكرهم هذه النعمة الهائلة , ويبصرهم بها , في هذا التعبير الذي يدرك منه كل أحد وكل جيل بقدر ما ينكشف له من علم هذه الأرض الذلول .

0
والأرض الذلول كانت تعني في أذهان المخاطبين القدامى , هذه الأرض المذللة للسير فيها بالقدم وعلى الدابة , وبالفلك التي تمخر البحار . والمذللة للزرع والجني والحصاد . والمذللة للحياة فيها بما تحويه من هواء وماء وتربة تصلح للزرع والإنبات .

0
وهي مدلولات مجملة يفصلها العلم - فيما اهتدى إليه حتى اليوم - تفصيلا يمد =في مساحة النص القرآني في الإدراك .

فمما يقوله العلم في مدلول الأرض الذلول:إن هذا الوصف
frown.gif
ذلولا). . الذي يطلق عادة على الدابة , مقصود في إطلاقه على الأرض ! فالأرض هذه التي نراها ثابتة مستقرة ساكنة , هي دابة متحركة . . بل رامحة راكضة مهطعة !! وهي في الوقت ذاته ذلول لا تلقي براكبها على ظهرها , ولا تتعثر خطاها , ولا تخضه وتهزه وترهقه كالدابة غير الذلول ! ثم هي دابة حلوب مثلما هي ذلول !

_
إن هذه الدابة التي نركبها تدور حول نفسها بسرعة ألف ميل في الساعة , ثم تدور مع هذا حول الشمس بسرعة حوالي خمسة وستين ألف ميل في الساعة . ثم تركض هي والشمس والمجموعة الشمسية كلها بمعدل عشرين ألف ميل في الساعة , مبتعدة نحو برج الجبار في السماء . .

=
ومع هذا الركض كله يبقى الإنسان على ظهرها آمنا مستريحا مطمئنا معافى لا تتمزق أوصاله , ولا تتناثر أشلاؤه , بل لا يرتج مخه ولا يدوخ , ولا يقع مرة عن ظهر هذه الدابة الذلول !

0
وهذه الحركات الثلاث لها حكمة . وقد عرفنا أثر اثنتين منها في حياة هذا الإنسان , بل في الحياة كلها على ظهر هذه الأرض .

=
فدورة الأرض حول نفسها هي التي = ينشأ عنها الليل والنهار . ولو كان الليل سرمدا لجمدت الحياة كلها من البرد , ولو كان النهار سرمدا لاحترقت الحياة كلها من الحر . . ودورتها حول الشمس هي التي تنشأ عنها الفصول . ولو دام فصل واحد على الأرض ما قامت الحياة في شكلها هذا كما أرادها الله . أما الحركة الثالثة -فلم يكشف ستار الغيب عن حكمتها بعد . ولا بد أن لها ارتباطا بالتناسق الكوني الكبير .

=
وهذه الدابة الذلول التي تتحرك كل هذه الحركات الهائلة في وقت واحد , ثابتة على وضع واحد في أثناء الحركة - يحدده ميل محورها بمقدار 23 . 5 درجة لأن هذا الميل هو الذي تنشأ عنه الفصول الأربعة مع حركة الأرض حول الشمس , والذي لو اختل في أثناء الحركة لاختلت الفصول التي تترتب عليها دورة النبات بل دورة الحياة كلها في هذه الحياة الدنيا !

=
والله جعل الأرض ذلولا للبشر بأن جعل لها جاذبية تشدهم إليها في أثناء حركاتها الكبرى , كما جعل لها ضغطا جويا يسمح بسهولة الحركة فوقها . ولو كان الضغط الجوي أثقل من هذا لتعذر أو تعسر على الإنسان أن يسير ويتنقل - حسب درجة ثقل الضغط - فإما أن يسحقه أو يعوقه .

=
ولو كان أخف لاضطربت خطى الإنسان أو لانفجرت تجاويفه لزيادة ضغطه الذاتي على ضغط الهواء حوله , كما يقع لمن يرتفعون في طبقات الجو العليا بدون تكييف لضغط الهواء !

=
والله جعل الأرض ذلولا ببسط سطحها وتكوين هذه التربة اللينة فوق السطح . ولو كانت صخورا صلدة - كما يفترض العلم بعد برودها وتجمدها - لتعذر السير فيها , ولتعذر الإنبات . ولكن العوامل الجوية من هواء وأمطار وغيرها هي التي فتتت هذه الصخور الصلدة , وأنشأ الله بها هذه التربة الخصبة الصالحة للحياة . وأنشأ ما فيها من النبات والأرزاق التي يحلبها راكبو هذه الدابة الذلول !

=
والله جعل الأرض ذلولا بأن جعل الهواء المحيط بها محتويا للعناصر التي تحتاج الحياة إليها , بالنسب الدقيقة التي لواختلت ما قامت الحياة , وما عاشت إن قدر لها أن تقوم من الأساس . فنسبة الأكسجين فيه هي 21 % تقريبا ونسبة الأزوت أو النتروجين هي 78 % تقريبا والبقية من ثاني أكسيد الكربون بنسبة ثلاثة أجزاء من عشرة آلاف وعناصر أخرى . وهذه النسب هي اللازمة بالضبط لقيام الحياة على الأرض !

0
_
والنص القرآني يشير إلى هذه الحقائق ليعيها كل فرد وكل جيل بالقدر الذي يطيق , وبالقدر الذي يبلغ إليه علمه وملاحظته , ليشعر بيد الله - الذي بيده الملك - وهي تتولاه وتتولى كل شيء حوله , وتذلل له الأرض , وتحفظه وتحفظها . ولو تراخت لحظة واحدة عن الحفظ لاختل هذا الكون كله وتحطم بمن عليه وما عليه ! فإذا استيقظ ضميره لهذه الحقيقة الهائلة أذن له الخالق الرحمن الرحيم بالمشي في مناكبها والأكل من رزقه فيها

___________________________________

0
(
فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ
).

_
والمناكب المرتفعات , أو الجوانب . وإذا أذن له بالمشي في مناكبها فقد أذن له بالمشي في سهولها وبطاحها من باب أولى .

والرزق الذي فيها كله من خلقه , وكله من ملكه , وهو أوسع مدلولا مما يتبادر إلى أذهان الناس من كلمة الرزق . فليس هو المال الذي يجده أحدهم في يده , ليحصل به على حاجياته ومتاعه . إنما هو كل ما أودعه الله هذه الأرض , من أسباب الرزق ومكوناته . وهي في الأصل ترجع إلى طبيعة تكوين الأرض من عناصرها التي تكونت منها , وطبيعة تقسيم هذه العناصر بهذه النسب التي وجدت بها . ثم القدرة التي أودعها الله النبات والحيوان - ومنه الإنسان - على الانتفاع بهذه العناصر .

وفي اختصار نشير إلى أطراف من حقيقة الرزق بهذا المعنى:

"تعتمد حياة كل نبات كما هو معروف على المقادير التي تكاد تكون متناهية في الصغر من ثاني أكسيد الكربون الموجود في الهواء , والتي يمكن القول بأنها تتنسمها . ولكي نوضح هذا التفاعل الكيماوي المركب المختص بالتركيب الضوئي بأبسط طريقة ممكنة نقول:"إن أوراق الشجر هي رئات , وإن لها القدرة في ضوء الشمس على تجزئة ثاني أكسيد الكربون العنيد إلى كربون وأكسجين . وبتعبير آخر يلفظ الأكسجين ويحتفظ بالكربون متحدا مع هيدروجين الماء الذي يستمده النبات من جذوره "حيث يفصل الماء إلى هيدروجين وأكسجين" . وبكيمياء سحرية تصنع الطبيعة من هذه العناصر سكرا أو سليلوزا ومواد كيمائية أخرى عديدة , وفواكه وأزهارا . ويغذي النبات نفسه , وينتج فائضا يكفي لتغذية كل حيوان على وجه الأرض . وفي الوقت نفسه يلفظ النبات الأكسجين الذي نتنسمه والذي بدونه تنتهي الحياة بعد خمس دقائق .

 

••
"وهكذا نجد أن جميع النباتات والغابات والأعشاب وكل قطعة من الطحلب , وكل ما يتعلق بمياه الزرع , تبني تكوينها من الكربون والماء على الأخص . والحيوانات تلفظ ثاني أكسيد الكربون , بينما تلفظ النباتات الأكسجين . ولو كانت هذه المقايضة غير قائمة , فإن الحياة الحيوانية أو النباتية كانت تستنفد في النهاية كل الأكسجين , أو كل ثاني أكسيد الكربون تقريبا . ومتى انقلب التوازن تماما ذوى النبات أو مات الإنسان , فيلحق به الآخر وشيكا . وقد اكتشف أخيرا أن وجود ثاني أكسيد الكربون بمقادير صغيرة هو أيضا ضروري لمعظم حياة الحيوان , كما اكتشف أن النباتات تستخدم بعض الأكسجين .

"ويجب أن يضاف الهيدروجين أيضا , وإن كنا لا نتنسمه . فبدون الهيدروجين كان الماء لا يوجد . ونسبة الماء من المادة الحيوانية أو النباتية هي كبيرة لدرجة تدعو إلى الدهشة ولا غنى عنه مطلقا" .

وهناك دور الأزوت أو النتروجين في رزق الأرض .

"وبدون النتروجين في شكل ما لا يمكن أن ينمو أي نبات من النباتات الغذائية . وإحدى الوسيلتين اللتين يدخل بها النتروجين في التربة الزراعية هي طريق نشاط جراثيم" بكتريا" معينة تسكن في جذور النباتات البقلية , مثل البرسيم والحمص والبسلة والفول وكثير غيرها . وهذه الجراثيم تأخذ نتروجين الهواء وتحيله إلى نتروجين مركب قابل لأن يمتصه النبات وحين يموت النبات يبقى بعض هذا النتروجين المركب في الأرض .

والأرزاق المخبوءة في جوف الأرض من معادن جامدة وسائلة كلها ترجع إلى طبيعة تكوين الأرض والأحوال التي لابستها . ولا نطيل شرحها . فالرزق في ضوء هذه البيانات السريعة أوسع مدلولا مما يفهمه الناس من هذااللفظ . وأعمق أسبابا في تكوين الأرض ذاتها وفي تصميم الكون كله . وحين يأذن الله للناس في الأكل منه , فهو يتفضل بتسخيره لهم وتيسير تناوله ; كما يمنح البشر القدرة على تناولها والإنتفاع بها:

 

(
فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ
)

وهو محدود بزمن مقدر في علم الله وتدبيره زمن الإبتلاء بالموت والحياة , وبكل ما يسخره الله للناس في هذه الحياة . فإذا انقضت فترة الإبتلاء كان الموت وكان ما بعده (
وَإِلَيْهِ النُّشُورُ
). .

إليه . . وإلا فإلى أين إن لم يكن إليه ? والملك بيده ? ولا ملجأ منه إلا إليه ? وهو على كل شيء قدير ?

 

0018.gif

من هداية الآيات

1
- فضيلة الإيمان بالغيب ومراقبة الله تعالى في السر والعلن.

2
- مشروعية السير في الأرض لطلب الرزق من التجارة والفلاحة وغيرهما.

3
- تقرير عقيدة البعث والجزاء.

 

0018.gif

فائدة

فى قوله تعالى فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ )

•يقول ابن كثير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

(لو أنكم تتوكلونَ على اللهِ حقَّ توكلِهِ لرزقكم كما يرزقُ الطيرُ تغدو خِمَاصًا وتروحُ بِطَانًا)

الراوي:عمر بن الخطاب المحدث:ابن حبان المصدر:المقاصد الحسنة الجزء أو الصفحة:402 حكم المحدث:[صحيح]

0018.gif

و يقول الطنطاوى

فالآية الكريمة دعوة حارة للمسلمين
لكي ينتفعوا بما في الأرض من كنوز، حتى يستغنوا عن غيرهم في مطعمهم ومشربهم وملبسهم وسائر أمور معاشهم.. فإنه بقدر تقصيرهم في استخراج كنوزها، تكون حاجتهم لغيرهم.

قال الإمام النووي في مقدمة المجموع: إن على الأمة الإسلامية أن تعمل على استثمار وإنتاج كل حاجاتها حتى الإبرة، لتستغنى عن غيرها، وإلا احتاجت إلى الغير بقدر ما قصرت في الإنتاج..

وقد أعطى الله- تعالى- العالم الإسلامى الأولوية في هذا كله. فعليهم أن يحتلوا مكانهم، ويحافظوا على مكانتهم، ويشيدوا كيانهم بالدين والدنيا معا.

 

جز
اكم الله
خيراً
على طيب
المتابعة
.
.
دمتم
طيب
ين

______________________________________

المراجع

تفسير القرآن العظيم ابن كثير

الطنطاوى الوسيط.

التفسير الميسر لمجموعة من العلماء.

في ظلال القرآن الكريم سيد قطب

الجزائرى أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير.

 

167454d1431964055-a-d-.jpg

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

0064.gif

 

سورة الملك

تفسير الآيات (16- 19)

 

0063.gif

 

{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19)}

 

0063.gif

 

.شرح الكلمات:

{أن يخسف بكم الأرض}: أي يجعلها بحيث تغورون فيها وتصبحون في جوفها.

{فإذا هي تمور}: أي تتحرك وتضطرب حتى يتم الخسف بكم.

{أن يرسل عليكم حاصباً}: أي ريحاً عاصفاً نرميكم بالحصباء فتهلكون.

{كيف نذير}: أي كان عاقبة انذاري لكم بالعذاب على ألسنة رسلي.

{فكيف كان نكير}: أي إنكاري عليهم الكفر والتكذيب والجواب كان إنكاراً حقاً واقعاً موقعه.

{صآفات}: أي باسطات أجنحتها.

{ويقبضن}: أي ويمسكن أجنحتهن.

{ما يمسكهن إلا الرحمن}: أي حتى لا يسقطن على الأرض حال البسط للأجنحة والقبض لها. الجزائرى

 

 

0063.gif

 

.معنى الآيات:

 

16.هذا تهديد ووعيد، لمن استمر في طغيانه وتعديه، وعصيانه الموجب للنكال وحلول العقوبة، فقال: { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ } وهو الله تعالى، العالي على خلقه.

 

{ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ } بكم وتضطرب، حتى تتلفكم وتهلككم

 

( 17 ){ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا } أي: عذابًا من السماء يحصبكم، وينتقم الله منكم { فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } أي: كيف يأتيكم ما أنذرتكم به الرسل والكتب، فلا تحسبوا أن أمنكم من الله أن يعاقبكم بعقاب من الأرض ومن السماء ينفعكم، فستجدون عاقبة أمركم، سواء طال عليكم الزمان أو قصر، فإن من قبلكم، كذبوا كما كذبتم، فأهلكهم الله تعالى، فانظروا كيف إنكار الله عليهم، عاجلهم بالعقوبة الدنيوية، قبل عقوبة الآخرة، فاحذروا أن يصيبكم ما أصابهم.

 

(18)فإن من قبلكم، كذبوا كما كذبتم، فأهلكهم الله تعالى، فانظروا كيف إنكار الله عليهم، عاجلهم بالعقوبة الدنيوية، قبل عقوبة الآخرة، فاحذروا أن يصيبكم ما أصابهم.

 

(19)وهذا عتاب وحث على النظر إلى حالة الطير التي سخرها الله، وسخر لها الجو والهواء، تصف فيه أجنحتها للطيران، وتقبضها للوقوع، فتظل سابحة في الجو، مترددة فيه بحسب إرادتها وحاجتها.

 

{ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ } فإنه الذي سخر لهن الجو، وجعل أجسادهن وخلقتهن في حالة مستعدة للطيران، فمن نظر في حالة الطير واعتبر فيها، دلته على قدرة الباري، وعنايته الربانية، وأنه الواحد الأحد، الذي لا تنبغي العبادة إلا له،

{ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ } فهو المدبر لعباده بما يليق بهم، وتقتضيه حكمته. السعدى

وقوله: {إنه بكل شيء بصير} سواء عنده السابح في الماء والسارح في الغبراء والطائر في السماء والمستكن في الأحشاء. الجزائري

 

 

0063.gif

 

فى ظلال الآيات:

 

والآن - وبينما هم في هذا الأمان على ظهر الأرض الذلول , وفي هذا اليسر الفائض بإذن الله وأمره . . الآن يهز هذه الأرض الساكنة من تحت أقدامهم هزا ويرجها رجا فإذا هي تمور . ويثير الجو من حولهم فإذا هو حاصب يضرب الوجوه والصدور . . يهز هذه الأرض في حسهم ويثير هذا الحاصب في تصورهم , لينتبهوا من غفلة الأمان والقرار , ويمدوا بأبصارهم إلى السماء وإلى الغيب , ويعلقوا قلوبهم بقدر الله:

 

(أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17)). .؟؟؟؟؟

___________________________

 

والبشر الذين يعيشون على ظهر هذه الدابة الذلول , ويحلبونها فينالون من رزق الله فيها نصيبهم المعلوم ! يعرفون كيف تتحول إلى دابة غير ذلول ولا حلوب , في بعض الأحيان , عندما يأذن الله بأن تضطرب قليلا فيرتج كل شيء فوق ظهرها أو يتحطم ! ويمور كل ما عليها ويضطرب فلا تمسكه قوة ولا حيلة .

ذلك عند الزلازل والبراكين , التي تكشف عن الوحش الجامح , الكامن في الدابة الذلول , التي يمسك الله بزمامها فلا تثور إلا بقدر , ولا تجمح إلا ثواني معدودات يتحطم فيها كل ما شيد الإنسان على ظهرها ; أو يغوص في جوفها عندما تفتح أحد أفواهها وتخسف كسفه منها . . وهي تمور . . و البشرلا يملكون من هذا الأمر شيئا ولا يستطيعون .

 

وهم يبدون في هول الزلزال والبركان والخسف كالفئران الصغيرة محصورة في قفص الرعب , من حيث كانت آمنة لاهية غافلة عن القدرة الكبرى الممسكة بالزمام !

__________________________

 

والبشر كذلك يشهدون العواصف الجامحة الحاصبة التي تدمر وتخرب , وتحرق وتصعق . وهم بإزائها ضعاف عاجزون , بكل ما يعلمون وما يعملون . والعاصفة حين تزأر وتضرب بالحصى الحاصب , وتأخذ في طريقها كل شيء في البر أو البحر أو الجو يقف الإنسان أمامها صغيرا هزيلا حسيرا حتى يأخذ الله بزمامها فتسلس وتلين !

____________________________

 

والقرآن يذكر البشر الذين يخدعهم سكون الدابة وسلامة مقادتها , ويغريهم الأمان بنسيان خالقها ومروضها . يذكرهم بهذه الجمحات التي لا يملكون من أمرها شيئا . والأرض الثابتة تحت أقدامهم ترتج وتمور , وتقذف بالحمم وتفور . والريح الرخاء من حولهم تتحول إلى إعصار حاصب لا تقف له قوة في الأرض من صنع البشر , ولا تصده عن التدمير . . يحذرهم وينذرهم في تهديد يرج الأعصاب ويخلخل المفاصل .

 

(فستعلمون كيف نذير)!!!

______________________________________________

 

ويضرب لهم الأمثلة من واقع البشرية , ومن وقائع الغابرين المكذبين:

(وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18)).؟؟؟؟؟؟؟

 

والنكير الإنكار وما يتبعه من الآثار , ولقد أنكر الله ممن كذبوا قبلهم أن يكذبوا . وهو يسألهم: (فكيف كان نكير ?)وهم يعلمون كيف كان , فقد كانت آثار الدمار والخراب تصف لهم كيف كان هذا النكير ! وكيف كان ما أعقبه من تدمير !

 

•••والأمان الذي ينكره الله على الناس , هو الأمان الذي يوحي بالغفلة عن الله وقدرته

 

 

وقدره , وليس هو الاطمئنان إلى الله ورعايته ورحمته . فهذا غير ذاك . فالمؤمن يطمئن إلى ربه , ويرجو رحمته وفضله . ولكن هذا لا يقوده إلى الغفلة والنسيان والانغمار في غمرة الأرض ومتاعها , إنما يدعوه إلى التطلع الدائم , والحياء من الله , والحذر من غضبه , والتوقي من المخبوء في قدره , مع الإخبات والاطمئنان .

 

قال الإمام أحمد - بإسناده - عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت:

 

"فعن عائشةَ ، زوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ؛ أنها قالت ما رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ

مُستجمعًا ضاحكًا . حتى أرى منه لَهَواتِه . إنما كان يبتسَّمُ . قالت : وكان إذا رأى غيمًا أو ريحًا ، عُرف ذلك في وجهِه . فقالت : يا رسولَ اللهِ ! أرى الناسَ ، إذا رأوا الغَيمَ ، فرحوا . رجاءَ أن يكون فيه المطرُ . وأراك إذا رأيتَه ، عرفتُ في وجهك الكراهيةَ ؟ قالت فقال : " يا عائشةُ ! ما يُؤمِّنُني أن يكون فيه عذابٌ . قد عُذِّب قومٌ بالرِّيحِ . وقد رأى قومٌ العذابَ فقالوا : هذا عارضٌ مُمطِرُنا " .

الراوي:عائشة أم المؤمنين المحدث:مسلم المصدر:صحيح مسلم الجزء أو الصفحة:899 حكم المحدث:صحيح "

 

فهذا هو الإحساس اليقظ الدائم بالله وقدره , وبما قصه القرآن من هذا في سيره . وهو لا ينافي الاطمئنان إلى رحمة الله وتوقع فضله .

 

ثم هو إرجاع جميع الأسباب الظاهرة إلى السبب الأول..

_________________________________

 

ورد الأمر بحاله وكليته إلى من بيده الملك وهو على كل شيء قدير . فالخسف والحاصب , والبراكين والزلازل , والعواصف , وسائر القوى الكونية والظواهر الطبيعية ليس في أيدي البشر من أمرها شيء . إنما أمرها إلى الله . وكل ما يذكره البشر عنها فروض يحاولون بها تفسير حدوثها , ولكنهم لا يتدخلون في أحداثها , ولا يحمون أنفسهم منها . وكل ما ينشئونه على ظهر الأرض تذهب به رجفة من رجفاتها , أو إعصار من أعاصيرها , كما لو كان لعبا من الورق !

فأولى لهم أن يتوجهوا في أمرها إلى خالق هذا الكون , ومنشئ نواميسه التي تحكم هذه الظواهر , ومودعه القوى التي يتجلى جانب منها في هذه الأحداث . وأن يتطلعوا إلى السماء - حيث هي رمز للعلو - فيتذكروا الله الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير .

 

إن الإنسان قوي بالقدر الذي وهبه الله من القوة . عالم بالقدر الذي أعطاه الله من العلم . ولكن هذا الكون الهائل زمامه في يد خالقه , ونواميسه من صنعه , وقواه من إمداده . وهذه القوى تسير وفق نواميسه في حدود قدره . وما يصيب الإنسان منها مقدور مرسوم , وما يعلمه الإنسان منها مقدور معلوم . والوقائع التي تحدث تقف هذا الإنسان بين الحين والحين أمام قوى الكون الهائلة مكتوف اليدين حسيرا , ليس له إلا أن يتذكر خالق هذه القوى ومروضها ; وإلا أن يتطلع إلى عونه ليواجهها , ويسخر ما هو مقدور له أن يسخره منها .

 

وحين ينسى هذه الحقيقة , ويغتر وينخدع بما يقسم الله له من العلم ومن القدرة على تسخير بعض قوى الكون , فإنه يصبح مخلوقا مسيخا مقطوعا عن العلم الحقيقي الذي يرفع الروح إلى مصدرها الرفيع ; ويخلد إلى الأرض في عزلة عن روح الوجود ! بينما العالم المؤمن يركع في مهرجان الوجود الجميل , ويتصل ببارئ الوجودالجليل . وهو متاع لا يعرفه إلا من ذاق حلاوته حين يكتبها الله له !

 

على أن قوى الكون الهائلة تلجئ الإنسان إلجاء إلى موقف العجز والتسليم سواء رزق هذه الحلاوة أم حرمها . فهو يكشف ما يكشف , ويبدع ما يبدع , ويبلغ من القوة ما يبلغ . ثم يواجه قوى الكون في انكسار الحسير الصغير الهزيل . وقد يستطيع أن يتقي العاصفة أحيانا ولكن العاصفة تمضي في طريقها لا يملك وقفها . ولا يملك أن يقف في طريقها , وقصارى ما يبلغ إليه جهده وعلمه أن يحتمي من العاصفة وينزوي عنها ! . . أحيانا . . وأحيانا تقتله وتسحقه من وراء جدرانه وبنيانه . وفي البحر تتناوحه الأمواج والأعاصير فإذا أكبر سفائنه كلعبة الصبي في مهب الرياح . أما الزلزال والبركان فهما هما من أول الزمان إلى آخر الزمان ! فليس إلا العمى هو الذي يهيئ لبعض المناكيد أن "الإنسان يقوم وحده" في هذا الوجود , أو أنه سيد هذا الوجود !

_________________________________

 

إن الإنسان مستخلف في هذه الأرض بإذن الله . موهوب من القوة والقدرة والعلم ما يشاء الله . والله كالئه وحاميه . والله رازقه و معطيه . ولو تخلت عنه يد الله لحظة لسحقته أقل القوى المسخرة له , ولأكله الذباب وما هو أصغر من الذباب ولكنه بإذن الله ورعايته مكلوء . ومحفوظ . وكريم . فليعرف من أين يستمد هذا التكريم , وذلك الفضل العظيم .

__________________________________

 

الدرس التاسع:19 آيات الله في تحليق الطير في الفضاء

 

بعدئذ ينتقل بهم من لمسة التهديد والنذير , إلى لمسة التأمل والتفكير . في مشهد يرونه كثيرا , ولا يتدبرونه إلا قليلا . وهو مظهر من مظاهر القدرة , وأثر من آثار التدبير الإلهي اللطيف .

 

( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19)). .

 

وهذه الخارقة التي تقع في كل لحظة , تنسينا بوقوعها المتكرر , ما تشي به من القدرة والعظمة . ولكن تأمل هذا الطير , وهو يصف جناحيه ويفردهما , ثم يقبضهما ويضمهما , وهو في الحالين:حالة الصف الغالبة , وحالة القبض العارضة يظل في الهواء , يسبح فيه سباحة في يسر وسهولة ; ويأتي بحركات يخيل إلى الناظر أحيانا أنها حركات استعراضية لجمال التحليق والانقضاض والارتفاع !

 

تأمل هذا المشهد , ومتابعة كل نوع من الطير في حركاته الخاصة بنوعه , لا يمله النظر , ولا يمله القلب . وهو متعة فوق ما هو مثار تفكير وتدبر في صنع الله البديع , الذي يتعانق فيه الكمال والجمال !

 

__ والقرآن يشير بالنظر إلى هذا المشهد المثير:

(أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ?). ثم يوحي بما وراءه من التدبير والتقدير:

(ما يمسكهن إلا الرحمن). .

 

والرحمن يمسكهن بنواميس الوجود المتناسقة ذلك التناسق العجيب , الملحوظ فيه كل صغيرة وكبيرة , المحسوب فيه حساب الخلية والذرة . . النواميس التي تكفل توافر آلاف الموافقات في الأرض والجو وخلقة الطير , لتتم هذه الخارقة وتتكرر , وتظل تتكرر بانتظام .

 

والرحمن يمسكهن بقدرته القادرة التي لا تكل , وعنايته الحاضرة التي لا تغيب . وهي التي تحفظ هذه النواميس أبدا في عمل وفي تناسق وفي انتظام . فلا تفتر ولا تختل ولا تضطرب غمضة عين إلى ما شاء الله: (ما يمسكهن إلا الرحمن). . بهذا التعبير المباشر الذي يشي بيد الرحمن تمسك بكل طائر وبكل جناح , والطائر صاف جناحيه حين يقبض , وهو معلق في الفضاء !

________________________________

 

(إنه بكل شيء بصير). .

 

يبصره ويراه . ويبصر أمره ويخبره . ومن ثم يهيئ وينسق , ويعطي القدرة , ويرعى كل شيء في كل لحظة رعاية الخبير البصير .

 

وإمساك الطير في الجو كإمساك الدواب على الأرض الطائرة بما عليها في الفضاء . كإمساك سائر الأجرام التي لا يمسكها في مكانها إلا الله . ولكن القرآن يأخذ بأبصار القوم وقلوبهم إلى كل مشهد يملكون رؤيته وإدراكه ; ويلمس قلوبهم بإيحاءاته وإيقاعاته . وإلا فصنعة الله كلها إعجاز وكلها إبداع , وكلها إيحاء وكلها إيقاع . وكل قلب وكل جيل يدرك منها ما يطيقه , ويلحظ منها ما يراه . حسب توفيق الله .

 

سيد قطب ، وتخريج الحديث من موقع حديث لتخريج الأحاديث

 

0063.gif

 

.من هداية الآيات:

1- تحذير المعرضين عند الله وإنذارهم بسوء العواقب إن استمروا على إعراضهم فإن الله قادر على أن يخسف بهم الأرض أو يرسل عليهم حاصباً من السماء وليس هناك من يؤمنهم ويجيرهم بحال من الأحوال. إلا إيمانهم وإسلامهم الله عز وجل.

 

2- في الهالكين الأولين عير وعظات لمن له قلب حي وعقل يعقل به.

 

3- من آيات الله في الآفاق الدالة على قدرة الله وعلمه ورحمته الموجبة لعبادته وحدة طيران الطير في السماء وهو يبسط جناحيه ويقبضهما ولا يسقط إذ المفروض أن يبقى دائماً يخفق بجناحيه يدفع نفسه فيطير بمساعدة الهواء أما إن قبض أو بسط المفروض أنه يسقط ولكن الرحمن عز وجل يمسكه فلا يسقط.

 

0063.gif

 

فائدة:

 

{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16)}

 

1_واعلم أن هذه الآيات نظيرها قوله تعالى: {قُلْ هُوَ القادر على أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65] وقال: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض} [القصص: 81].... الرازى

 

2_( ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا ) [ فاطر : 45 ] .وهذا أيضا من لطفه ورحمته بخلقه أنه قادر على تعذيبهم ، بسبب كفر بعضهم به وعبادتهم معه غيره وهو مع هذا يحلم ويصفح ، ويؤجل ولا يعجل ..ابن كثير

 

 

{أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17)}

ثم زاد في التخويف فقال: {أَمْ أَمِنتُمْ مّن فِي السماء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً}.

قال ابن عباس: كما أرسل على قوم لوط فقال:

 

{إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً} [القمر: 34] والحاصب ريح فيها حجارة وحصباء، كأنها تقلع الحصباء لشدتها، وقيل: هو سحاب فيها حجارة. الرازى

 

جزاكم الله خيراً على طيب المتابعة .. دمتم طيبين

______________________________________

 

المراجع

تفسير القرآن العظيم ابن كثير

الرازى التفسير الكبير

التفسير الميسر لمجموعة من العلماء.

في ظلال القرآن الكريم سيد قطب

الجزائرى أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير.

 

 

11008472_574398099368025_8168797787267715933_n.jpg?oh=1148e31b0dd943e3889d650fcf4131b2&oe=55CE60FD0003.gif

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

راااائعة أم أمة الله

 

بارك الله فيكِ حبيبتى ونفع بكِ

 

أعود بإذن الله للتكملة ... وقفت عند الآية 16

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

0052.gif

 

تفسير الآيات (20- 22):

{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22).

 

0020.gif

شرح الكلمات

0020.gif

 

{جند لكم}: أي أعوان لكم.

{من دون الرحمن}: أي غيره تعالى يدفع عنكم عذابه.

{إن الكافرون}: أي ما الكافرون.

{إلا في غرور}: غرهم الشيطان بأن لا عذاب ينزل بهم.

{أن أمسك رزقه}: أي إن أمسك الرحمن رزقه؟ لا أحد غير الله يرسله.

{بل لجوا في عتو ونفور}: أي أنهم لم يتأثروا بذلك التبكيت بل تمادوا في التكبر والتباعد عن الحق.

{أفمن يمشي مكباً}: أي واقعاً على وجهه.

{أمن يمشي سوياً}: أي مستقيماً.

 

0020.gif

معنى الآيات

0020.gif

 

20_ (أَمَّنْ ذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ)

 

يقول تعالى للعتاة النافرين عن أمره، المعرضين عن الحق: { أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ } أي: ينصركم إذا أراد بكم الرحمن سوءًا، فيدفعه عنكم؟ أي: من الذي ينصركم على أعدائكم غير الرحمن؟ فإنه تعالى هو الناصر المعز المذل، وغيره من الخلق، لو اجتمعوا على نصر عبد، لم ينفعوه مثقال ذرة، على أي عدو كان، فاستمرار الكافرين على كفرهم، بعد أن علموا أنه لا ينصرهم أحد من دون الرحمن، غرور وسفه.

21_أَمَّنْ هَ ذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ

 

{ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ } أي: الرزق كله من الله، فلو أمسك عنكم رزقه، فمن الذي يرسله لكم؟ فإن الخلق لا يقدرون على رزق أنفسهم، فكيف بغيرهم؟ فالرزاق المنعم، الذي لا يصيب العباد نعمة إلا منه، هو الذي يستحق أن يفرد بالعبادة، ولكن الكافرون { لَجُّوا } أي: استمروا { فِي عُتُوٍّ } أي: قسوة وعدم لين للحق { وَنُفُورٍ } أي: شرود عن الحق.

 

22_(أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)

 

أي: أي الرجلين أهدى؟ من كان تائها في الضلال، غارقًا في الكفر قد انتكس قلبه، فصار الحق عنده باطلًا، والباطل حقًا؟ ومن كان عالمًا بالحق، مؤثرًا له، عاملًا به، يمشي على الصراط المستقيم في أقواله وأعماله وجميع أحواله؟ فبمجرد النظر إلى حال هذين الرجلين، يعلم الفرق بينهما، والمهتدي من الضال منهما، والأحوال أكبر شاهد من الأقوال... السعدى.

 

0020.gif

فى ظلال الآيات

 

0020.gif

 

* ثم يلمس قلوبهم لمسة أخرى تعود بهم إلى مشهد البأس والفزع من الخسف والحاصب , بعد أن جال بهم هذه الجولة مع الطير السابح الآمن . فيردد قلوبهم بين شتى اللمسات عودا وبدءا كما يعلم الله من أثر هذا الترداد في قلوب العباد:

 

_(أم من هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن ? إن الكافرون إلا في غرور). .

 

*وقد خوفهم الخسف وخوفهم الحاصب , وذكرهم مصائر الغابرين الذين أنكر الله عليهم فأصابهم التدمير .

فهو يعود ليسألهم:من هو هذا الذي ينصرهم ويحميهم من الله , غير الله ? من هو هذا الذي يدفع عنهم بأس الرحمن إلا الرحمن ? (إن الكافرون إلا في غرور). . غرور يهيئ لهم أنهم في أمن وفي حماية وفي اطمئنان , وهم يتعرضون لغضب الرحمن وبأس الرحمن , بلا شفاعة لهم من إيمان ولا عمل يستنزل رحمة الرحمن .

 

*ولمسة أخرى في الرزق الذي يستمتعون به , وينسون مصدره , ثم لا يخشون ذهابه ثم يلجون في التبجح والإعراض:

 

_ (أم من هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه ? بل لجوا في عتو ونفور). .

 

* ورزق البشر كله - كما سلف - معقود بإرادة الله في أول أسبابه , في تصميم هذا الكون وفي عناصر الأرض والجو وهي أسباب لا قدرة للبشر عليها إطلاقا , ولا تتعلق بعملهم بتاتا . فهي أسبق منهم في الوجود , وهي أكبر منهم في الطاقة , وهي أقدر منهم على محو كل أثر للحياة حين يشاء الله .

 

* فمن يرزق البشر إن أمسك الماء , أو أمسك الهواء , أو أمسك العناصر الأولى التي منها ينشأ وجود الأشياء ? إن مدلول الرزق أوسع مدى وأقدم عهدا وأعمق جذورا مما يتبادر إلى الذهن عندما يسمع هذه الكلمة . ومرد كل صغيرة وكبيرة فيه إلى قدرة الله وقدره , وإرساله للأسباب وإمساكها حين يشاء .

 

* وفي هذا المدلول الكبير الواسع العميق تنطوي سائر المدلولات القريبة لكلمة الرزق , مما يتوهم الإنسان أنها من كسبه وفي طوقه , كالعمل , والإبداع , والإنتاج . . وكلها مرتبطة بقيام الأسباب والعناصر الأولى من جهة ومتوقفة على هبة الله للأفراد والأمم من جهة أخرى .

* فأي نفس يتنفسه العامل , وأي حركة يتحركها , إلا من رزق الله , الذي أنشأه , ومنحه المقدرة والطاقة , وخلق له النفس الذي يتنفسه , والمادة التي تحترق في جسده فتمنحه القدرة على الحركة ? وأي جهد عقلي يبذله مخترع إلا وهو من رزق الله الذي منحه القدرة على التفكير والإبداع ? وأي إنتاج ينتجه عامل أو مبدع إلا في مادة هي من صنع الله ابتداء , وإلا بأسباب كونية إنسانية هي من رزق الله أصلا ? . . (أم من هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه ?!). .

 

_ (بل لجوا في عتو ونفور).

 

* والتعبير يرسم خدا مصعرا , وهيئة متبجحة , بعد تقريره لحقيقة الرزق , وأنهم عيال على الله فيه , وأقبح العتو والنفور , والتبجح والتصعير , ما يقع من العيال في مواجهة المطعم الكاسي , الرازق العائل وهم خلو من كل شيء إلا ما يتفضل به عليهم . وهم بعد ذلك عاتون معرضون وقحاء !

 

وهو تصوير لحقيقة النفوس التي تعرض عن الدعوة إلى الله في طغيان عات , وفي إعراض نافر , وتنسى أنها من صنع الله , وأنها تعيش على فضله , وأنها لا تملك من أمر وجودها وحياتها ورزقها شيئا على الإطلاق !

_____________________________________________

 

_ ولقد كانوا - مع هذا - يتهمون النبي صلى الله عليه وسلم بالضلال ومن معه بالضلال ويزعمون لأنفسهم أنهم أهدى سبيلا ! كما يصنع أمثالهم مع الدعاة إلى الله في كل زمان .

* ومن ثم يصور لهم واقع حالهم وحال المؤمنين في مشهد حي يجسم حقيقة الحال:

 

_(أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى ? أم من يمشي سويا على صراط مستقيم ?). * والذي يمشي مكبا على وجهه إما أن يكون هو الذي يمشي على وجهه فعلا لا على رجليه في استقامة كما خلقه الله , وإما أن يكون هو الذي يعثر في طريقه فينكب على وجهه , ثم ينهض ليعثر من جديد ! وهذه كتلك حال بائسة تعاني المشقة والعسر والتعثر , ولا تنتهي إلى هدى ولا خير ولا وصول !

 

* وأين هي من حال الذي يمشي مستقيما سويا في طريق لا عوج فيه ولا عثرات , وهدفه أمامه واضح مرسوم ?!

 

إن الحال الأولى هي حال الشقي المنكود الضال عن طريق الله , المحروم من هداه , الذي يصطدم بنواميسه ومخلوقاته , لأنه يعترضها في سيره , ويتخذ له مسارا غير مسارها , وطريقا غير طريقها , فهو أبدا في تعثر , وأبدا في عناء , وأبدا في ضلال .

 

والحال الثانية هي حال السعيد المجدود المهتدي إلى الله , الممتع بهداه , الذي يسير وفق نواميسه في الطريق اللاحب المعمور , الذي يسلكه موكب الإيمان والحمد والتمجيد . وهو موكب هذا الوجود كله بما فيه من أحياء وأشياء .

 

*إن حياة الإيمان هي اليسر والاستقامة والقصد . وحياة الكفر هي العسر والتعثر والضلال . .

* فأيهما أهدى ? وهل الأمر في حاجة إلى جواب ? إنما هو سؤال التقرير والإيجاب !

ويتوارى السؤال والجواب ليتراءى للقلب هذا المشهد الحي الشاخص المتحرك . . مشهد جماعة يمشون على وجوههم , أو يتعثرون وينكبون على وجوههم لا هدف لهم ولا طريق . ومشهد جماعة أخرى تسير مرتفعة الهامات , مستقيمة الخطوات , في طريق مستقيم , لهدف مرسوم .

 

إنه تجسيم الحقائق , وإطلاق الحياة في الصور , على طريقة القرآن في التعبير بالتصوير . .

 

0020.gif

من هداية الآيات

0020.gif

 

1- تقرير حقيقة ثابتة وهي أن الكافر يعيش في غرور كامل ولذا يرفض دعوة الحق.

2- تقرير حقيقة ثابتة وهي إنحراف الكافر وضلاله وإستقامة المؤمن وهدايته

 

0020.gif

فائدة

0020.gif

 

قال ابن كثير:

فى قوله تعالى (فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى)

قال الإمام أحمد رحمه الله : حدثنا ابن نمير ، حدثنا إسماعيل ، عن نفيع ، قال : سمعت أنس بن مالك يقول : قيل : يا رسول الله ، كيف يحشر الناس على وجوههم ؟ فقال : " أليس الذي أمشاهم على أرجلهم قادرا على أن يمشيهم على وجوههم " .

وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من طريق يونس بن محمد ، عن شيبان ، عن قتادة عن أنس به نحوه .

 

جزاكم الله خيراً على طيب المتابعة .. دمتم طيبين اللهم اجعلنا وايَّاكم من اهل القرآن

 

0020.gif

المراجع:

تفسير القرآن العظيم ابن كثير

السعدى تيسير الكريم الرحمن فى تفسير كلام المنان

التفسير الميسر لمجموعة من العلماء.

في ظلال القرآن الكريم سيد قطب

الجزائرى أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير.

10989228_574731742667994_2661218291877675636_o.jpg

0001.gif

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

راااائعة أم أمة الله

 

بارك الله فيكِ حبيبتى ونفع بكِ

 

أعود بإذن الله للتكملة ... وقفت عند الآية 16

بارك الله فيكِ ورزقنا الله وايَّاكِ علماً نافعاً وعملاً متقبلاً..دمتِ طيبة وموفقة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

3dlat.net_21_15_5e8a_3dlat-net-15-15-bffc-4gQE7Y.gif

تفسير سورة الملك

.تفسير الآيات (23- 27)

=============================

 

قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27)}

 

3dlat.net_21_15_8a0e_8835.png

 

 

شرح الكلمات:

{والأفئدة}: أي القلوب.

{قليلاً ما تشكرون}: أي شكركم قليل.

{ذرأكم في الأرض}: أي خلقكم في الأرض وإليه تحشرون لا إلى سواء.

{متى هذا الوعد}: أي الذي تعدوننا وهو يوم القيامة.

{قل إنما العلم عند الله}: أي علم مجيئه عند الله لا غير.

{فلما رأوه زلفة}: أي لما رأوه العذاب قريباً منهم في عرصات القيامة.

{سيئت وجوه الذين كفروا}: أي تغيرت مسودة.

{هذا الذي كنتم به تدعون}: أي هذا العذاب الذي كنتم بإنذاره تكذبون وتطالبون بهد تحدياً منكم.

 

3dlat.net_21_15_8a0e_8835.png

 

 

.معنى الآيات:

(قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۖ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ)

يقول تعالى - مبينًا أنه المعبود وحده، وداعيًا عباده إلى شكره، وإفراده بالعبادة-:

{ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ } أي: أوجدكم من العدم، من غير معاون له ولا مظاهر، ولما أنشأكم، كمل لكم الوجود بالسمع والأبصار والأفئدة، التي هي أنفع أعضاء البدن وأكمل القوى الجسمانية، ولكنه مع هذا الإنعام { قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ } الله، قليل منكم الشاكر، وقليل منكم الشكر.

{ قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ } أي: بثكم في أقطارها، وأسكنكم في أرجائها، وأمركم، ونهاكم، وأسدى عليكم من النعم، ما به تنتفعون، ثم بعد ذلك يحشركم ليوم القيامة.

 

•• ( وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)

ولكن هذا الوعد بالجزاء، ينكره هؤلاء المعاندون { وَيَقُولُونَ } تكذيبًا:

{ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } جعلوا علامة صدقهم أن يخبروا بوقت مجيئه، وهذا ظلم وعناد فإنما العلم عند الله لا عند أحد من الخلق، ولا ملازمة بين صدق هذا الخبر وبين الإخبار بوقته، فإن الصدق يعرف بأدلته، وقد أقام الله من الأدلة والبراهين على صحته ما لا يبقى معه أدنى شك لمن ألقى السمع وهو شهيد.

••فلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ

يعني أن محل تكذيب الكفار وغرورهم به حين كانوا في الدنيا، فإذا كان يوم الجزاء، ورأوا العذاب منهم { زُلْفَةً } أي: قريبًا، ساءهم ذلك وأفظعهم، وقلقل أفئدتهم، فتغيرت لذلك وجوههم، ووبخوا على تكذيبهم، وقيل لهم هذا الذي كنتم به تكذبون، فاليوم رأيتموه عيانًا، وانجلى لكم الأمر، وتقطعت بكم الأسباب ولم يبق إلا مباشرة العذاب.

 

3dlat.net_21_15_8a0e_8835.png

 

فى ظلال الآيات:

• وعلى ذكر الهدى والضلال , يذكرهم بما وهبهم الله من وسائل الهدى , وأدوات الإدراك ثم لم ينتفعوا بها , ولم يكونوا من الشاكرين:

_(قل:هو الذي أنشأكم , وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة , قليلا ما تشكرون). .

• وحقيقة أن الله هو الذي أنشأ الإنسان , حقيقة تلح على العقل البشري , وتثبت ذاتها بتوكيد يصعب رده . فالإنسان قد وجد - وهو أرفع وأعلم وأقدر ما يعلم من الخلائق - وهو لم يوجد نفسه , فلا بد أن يكون هناك من هو أرفع وأعلم وأقدر منه أوجده . . ولا مفر من الاعتراف بخالق . فوجود الإنسان ذاته يواجهه بهذه الحقيقة . والمماراة فيها نوع من المماحكة لا يستحق الاحترام .

_ والقرآن يذكر هذه الحقيقة هنا ليذكر بجانبها ما زود الله به الإنسان من وسائل المعرفة . .

(وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة). .

• وما قابل الإنسان به هذه النعمة:نعمة الإنشاء ونعمة السمع والأبصار والأفئدة:

(قليلا ما تشكرون). .

والسمع والأبصار معجزتان كبيرتان عرف عنهما بعض خواصهما العجيبة . والأفئدة التي يعبر بها القرآن عن قوة الإدراك والمعرفة , معجزة أعجب وأغرب . ولم يعرف بعد عنها إلا القليل . وهي سر الله في هذا المخلوق الفريد . .

_______________________________

 

• وللعلم الحديث محاولات في معرفة شيء عن معجزتي السمع والبصر نذكر منها لمحة:

_ "تبدأ حاسة السمع بالأذن الخارجية , ولا يعلم الا الله أين تنتهي . ويقول العلم:إن الاهتزاز الذي يحدثه الصوت في الهواء ينقل إلى الأذن , التي تنظم دخوله , ليقع على طبلة الأذن . وهذه تنقلها إلى التيه داخل الأذن .

- "والتيه يشتمل على نوع من الأقنية بين لولبية ونصف مستديرة . وفي القسم اللولبي وحده أربعة آلاف قوس صغيرة متصلة بعصب السمع في الرأس .

- "فما طول القوس منها وحجمها ? وكيف ركبت هذه الأقواس التي تبلغ عدة آلاف كل منها تركيبا خاصا ? وما الحيز الذي وضعت فيه ? ناهيك عن العظام الأخرى الدقيقة المتماوجة . هذا كله في التيه الذي لا يكاد يرى ! وفي الأذن مائة ألف خلية سمعية . وتنتهي الأعصاب بأهداب دقيقة . دقة وعظمة تحير الألباب" .

- "ومركز حاسة الإبصار العين , التي تحتوي على مائة وثلاثين مليونا من مستقبلات الضوء , وهي أطراف أعصاب الإبصار . وتتكون العين من الصلبة والقرنية والمشيمة والشبكية . . وذلك بخلاف العدد الهائل من الأعصاب والأوعية .

- "وتتكون الشبكية من تسع طبقات منفصلة , والطبقة التي في أقصى الداخل تتكون من أعواد ومخروطات . ويقال:إن عدد الأولى ثلاثون مليون عود , وعدد الثانية ثلاثة ملايين مخروط . وقد نظمت كلها في تناسب محكم بالنسبة لبعضها البعض وبالنسبة للعدسات . . وعدسة عينيك تختلف في الكثافة , ولذا تجمع كل الأشعة في بؤرة , ولا يحصل الإنسان على مثل ذلك في أية مادة من جنس واحد كالزجاج مثلا " . .

__ •فأما الأفئدة فهي هذه الخاصية التي صار بها الإنسان إنسانا . وهي قوة الإدراك والتمييز والمعرفة التي استخلف

بها الإنسان في هذا الملك العريض . والتي حمل بها الأمانة التي أشفقت من حملها السماوات والأرض والجبال . أمانة الإيمان الاختياري , والاهتداء الذاتي , والإستقامة الإرادية على منهج الله القويم ولا يعلم أحد ماهية هذه القوة , ولا مركزها , داخل الجسم أو خارجه ! فهي سر الله في الإنسان لم يعلمه أحد سواه .

وعلى هذه الهبات الضخمة التي أعطيها الإنسان لينهض بتلك الأمانة الكبرى , فإنه لم يشكر: (قليلا ما تشكرون). . وهو أمر يثير الخجل والحياء عند التذكير به , كما يذكرهم القرآن في هذا المجال ويذكر كل جاحد وكافر , لا يشكر نعمة الله عليه ; وهو لا يوفيها حقها لو عاش للشكر دون سواه !

__________________________________________

 

_ثم يذكرهم أن الله لم ينشئ البشر ويمنحهم هذه الخصائص عبثا ولا جزافا لغير قصد ولا غاية . إنما هي فرصة الحياة للابتلاء . ثم الجزاء في يوم الجزاء:

(قل:هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون). .

والذرء:الإكثار . ويحمل كذلك معنى الانتشار . والحشر:الجمع بعد النشر في الأرجاء . وهما حركتان متقابلتان من الناحية التصورية , تقابلهما من الناحية المعنوية . ذلك مشهد للإكثار من الخلق ونشرهم أو نثرهم في الأرض . وهذا مشهد لجمعهم منها وحشرهم بعد النشر والنثر ! ويجمعهما السياق في آية واحدة , ليتقابل المشهدان في الحس والتصور على طريقة القرآن . وليتذكر البشر وهم منتشرون في الأرض أن هناك غاية هم صائرون إليها , هي الجمع والحشر . وأن هناك أمرا وراء هذا , ووراء الابتلاء بالموت والحياة .

____________________________________________

 

_ثم يحكي شكهم في هذا الحشر , وارتيابهم في هذا الوعد:

(ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ?). .

•وهو سؤال الشاك المستريب . كما أنه سؤال المماحك المتعنت . فإن معرفة موعد هذا الوعد وميقاته لا تقدم ولا تؤخر ; ولا علاقة لها بحقيقته , وهو أنه يوم الجزاء بعد الابتلاء . •ويستوي بالقياس إليهم أن يجيء غدا أو أن يجيء بعد ملايين السنين . . فالمهم أنه آت , وأنهم محشورون فيه , وأنهم مجازون بما عملوا في الحياة .

•ومن ثم لم يطلع الله أحدا من خلقه على موعده , لأنه لا مصلحة لهم في معرفته , ولا علاقة لهذا بطبيعة هذا اليوم وحقيقته , ولا أثر له في التكاليف التي يطالب الناس بها استعدادا لملاقاته ,

________________________________

 

_ بل المصلحة والحكمة في إخفاء ميقاته عن الخلق كافة , واختصاص الله بعلم ذلك الموعد , دون الخلق جميعا:

(قل إنَّما العلم عند الله , وإنما أنا نذير مبين).

•وهنا يبرز بجلاء فارق ما بين الخالق والمخاليق . وتتجرد ذات الله ووحدانيته بلا شبيه ولا شريك . ويتمحض العلم له سبحانه . ويقف الخلق - بما فيهم الرسل والملائكة - في مقامهم متأدبين عند مقام الألوهية العظيم:

_(قل:إنما العلم عند الله . وإنما أنا نذير مبين). .

• وظيفتي الإنذار , ومهمتي البيان . أما العلم فعند صاحب العلم الواحد بلا شريك .

_______________________________________

 

_ وبينما هم يسألون في شك ويجابون في جزم , يخيل السياق القرآني كأن هذا اليوم الذي يسألون عنه قد جاء ,

والموعد الذي يشكون فيه قد حان ; وكأنَّما هم واجهوه الآن . فكان فيه ما كان:

(فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا , وقيل:هذا الذي كنتم به تدعون)!

• فقد رأوه قريبا مواجها لهم حاضرا أمامهم دون توقع ودون تمهيد . فسيئت وجوههم , وبدا فيها الاستياء . ووجه إليهم التأنيب: (وقيل:هذا الذي كنتم به تدعون). . هذا هو حاضرا قريبا . وهو الذي كنتم تدعون أنه لن يكون !

_وهذه الطريقة في عرض ما سيكون تتكرر في القرآن , لمواجهة حالة التكذيب أو الشك بمفاجأة شعورية تصويرية تقف المكذب أو الشاك وجها لوجه مع مشهد حاضر لما يكذب به أو يشك فيه .

• ثم هي في الوقت ذاته تصور حقيقة . فهذا اليوم كائن في علم الله ; أما خط الزمن بينه وبين البشر فهو قائم بالقياس إلى البشر . وهي مسألة نسبية لا تمثل الحقيقة المجردة كما هي في حساب الله . ولو أذن الله لرأوه اللحظة كما هو في علم الله . فهذا الانتقال المفاجئ لهم من الدنيا إلى الآخرة , ومن موقف الشك والارتياب إلى موقف المواجهة والمفاجأة , يشير إلى حقيقة قائمة لو أذن الله بها لانكشفت لهم . في الوقت الذي يصور لهم هذه الحقيقة تصويرا يهز مشاعرهم .

 

3dlat.net_21_15_8a0e_8835.png

 

من هداية الآيات:

1- وجوب الشكر لله تعالى على نعمة السمع والبصر والقلب وذلك بالإيمان والطاعة.

 

2- تقرير عقيدة البعث والجزاء.

 

3dlat.net_21_15_8a0e_8835.png

 

المراجع

تفسير القرآن العظيم ابن كثير

السعدى تيسير الكريم الرحمن فى تفسير كلام المنان

في ظلال القرآن الكريم سيد قطب

الجزائرى أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير.

 

جزاكم الله خيراً على طيب المتابعة .. دمتم طيبين اللهم اجعلنا وايَّاكم من اهل القرآن

 

3dlat.net_21_15_9f83_3dlat-net-15-15-bffc-W7zoD4.gif

3dlat.net_21_15_0444_Capture.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

0051.gif

سورة الملك

تفسير الآيات (28- 30) آخر السورة

0142.gif

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (29) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)}

0140.gif

.شرح الكلمات

{قل أرأيتم}: أي أخبروني.

{ومن معي}: أي من المؤمنين.

{أو رحمنا}: أي لم يهلكنا.

{فمن يجير الكافرين}: أي فمن يحفظ ويقي الكافرين العذاب.

{قل هو الرحمن}: أي قل هو الرحمن الذي أدعوكم إلى عبادته.

{إن أصبح ماؤكم غوراً}: أي غائراً لا تناله الدلاء ولا تراه العيون.

{بماء معين}: أي تراه العيون لجريانه على الأرض.

0140.gif

.معنى الآيات

0072.gif

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ

ولما كان المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم، الذين يردون دعوته، ينتظرون هلاكه، ويتربصون به ريب المنون، أمره الله أن يقول لهم: أنتم وإن حصلت لكم أمانيكم وأهلكني الله ومن معي، فليس ذلك بنافع لكم شيئًا، لأنكم كفرتم بآيات الله، واستحققتم العذاب، فمن يجيركم من عذاب أليم قد تحتم وقوعه بكم؟ فإذًا، تعبكم وحرصكم على هلاكي غير مفيدة، ولا مجد لكم شيئًا.......السعدى

وفى تفسير ابن كثير : يقول تعالى : ( قل ) يا محمد لهؤلاء المشركين بالله الجاحدين لنعمه : ( أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم ) أي : خلصوا أنفسكم ، فإنه لا منقذ لكم من الله إلا التوبة والإنابة ، والرجوع إلى دينه ، ولا ينفعكم وقوع ما تتمنون لنا من العذاب والنكال ، فسواء عذبنا الله أو رحمنا ، فلا مناص لكم من نكاله وعذابه الأليم الواقع بكم .

 

0072.gif

قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ

ومن قولهم، إنهم على هدى، والرسول صلى الله عليه وسلم على ضلال، أعادوا في ذلك وأبدوا، وجادلوا عليه وقاتلوا، فأمر الله نبيه أن يخبر عن حاله وحال أتباعه، ما به يتبين لكل أحد هداهم وتقواهم، وهو أن يقولوا: { آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا } والإيمان يشمل التصديق الباطن، والأعمال الباطنة والظاهرة، ولما كانت الأعمال، وجودها وكمالها، متوقفة على التوكل، خص الله التوكل من بين سائر الأعمال، وإلا فهو داخل في الإيمان، ومن جملة لوازمه كما قال تعالى: { وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } فإذا كانت هذه حال الرسول وحال من اتبعه، وهي الحال التي تتعين للفلاح، وتتوقف عليها السعادة، وحالة أعدائه بضدها، فلا إيمان [لهم] ولا توكل، علم بذلك من هو على هدى، ومن هو في ضلال مبين.

 

0072.gif

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ

ثم أخبر عن انفراده بالنعم، خصوصًا، بالماء الذي جعل الله منه كل شيء حي فقال: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا } أي: غائرًا { فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ } تشربون منه، وتسقون أنعامكم وأشجاركم وزروعكم؟ وهذا استفهام بمعنى النفي، أي: لا يقدر أحد على ذلك غير الله تعالى.

تمت ولله الحمد......السعدى رحمه الله

•وفى تفسير ابن كثير

ثم قال : ( قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا ) أي : ذاهبا في الأرض إلى أسفل ، فلا ينال بالفئوس الحداد ، ولا السواعد الشداد ، والغائر : عكس النابع ; ولهذا قال :

( فمن يأتيكم بماء معين ) أي : نابع سائح جار على وجه الأرض ، لا يقدر على ذلك إلا الله ، عز وجل ، فمن فضله وكرمه أن أنبع لكم المياه وأجراها في سائر أقطار الأرض ، بحسب ما يحتاج العباد إليه من القلة والكثرة ، فلله الحمد والمنة .

[ آخر تفسير سورة " تبارك " ولله الحمد ] .

0140.gif

فى ظلال الآيات

0072.gif

ولقد كانوا يتربصون بالنبي صلى الله عليه وسلم والحفنة المؤمنة التي معه أن يهلكوا فيستريحوا منهم ; وكانوا يتواصون بينهم .

 

بالصبر عليه حتى يوافيه الأجل , فتسكن هذه الزوبعة التي أثارتها الدعوة في صفوفهم .

كما كانوا يتبجحون أحيانا فيزعمون أن الله سيهلك محمدا ومن معه لأنهم ضالون , ولأنهم يكذبون على الله فيما يقولون ! فهنا أمام مشهد الحشر والجزاء , ينبههم إلى أن أمنيتهم حتى لو تحققت لا تعصمهم هم من عاقبة الكفر والضلال . فأولى لهم أن يتدبروا أمرهم قبل هذا الموعد الذي واجههم به كأنه واقع بهم:

_ (قل:أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا , فمن يجير الكافرين من عذاب أليم ?). .

وهو سؤال يردهم إلى تدبر حالهم , والتفكير في شأنهم , وهو الأولى ! فما ينفعهم أن تتحقق أمانيهم فيهلك الله النبي ومن معه - كما لا ينقذهم بطبيعة الحال أن يرحم الله نبيه ومن معه . والله باق لا يموت . وهو الذي ذرأهم في الأرض وإليه يحشرون . .

_ ولكنه لا يقول لهم:فمن يجيركم من عذاب أليم ? ولا ينص على أنهم كافرون . إنَّما يلوح لهم بالعذاب الذي ينتظر الكافرين: (فمن يجير الكافرين من عذاب أليم). . وهو أسلوب في الدعوة حكيم , يخوفهم من ناحية , ويدع لهم فرصة للتراجع عن موقفهم من ناحية . فلو جابههم بأنهم كافرون , وأنه لا مفر لهم من العذاب الأليم . . فربما جهلوا وحمقوا وأخذتهم العزة بالإثم أمام الاتهام المباشر والتهديد .

في بعض الحالات يكون أسلوب التلميح أفعل في النفس من أسلوب التصريح !

 

0072.gif

ثم يترقى من هذه التسوية بين الأمرين , إلى تقرير موقف المؤمنين من ربهم وثقتهم به وتوكلهم عليه , مع التلميح إلى اطمئنانهم لأيمانهم , وثقتهم بهداهم , وبأنَّ الكافرين في ضلال مبين .

(قل:هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا . فستعلمون من هو في ضلال مبين). .

وذكر صفة(الرحمن)هنا يشير إلى رحمته العميقة الكبيرة برسوله والمؤمنين معه ; فهو لن يهلكهم كما يتمنى الكافرون أو كما يدعون .

ويوجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى إبراز الصلة التي تربطهم بربهم الرحمن . صلة الإيمان (آمنا به). . وصلة التوكل (وعليه توكلنا). . عليه وحده . . والتعبير يشي بالقربى بينهم وبين الرحمن . والله - سبحانه - هو الذي يتفضل على رسوله وعلى المؤمنين فيأذن له بإعلان هذه القربى , ويوجهه إلى هذا الإعلان . وكأنما ليقول له:لا تخف مما يقوله الكفار . فأنت ومن معك موصولون بي منتسبون إلي . وأنت مأذون مني في أن تظهر هذه الكرامة , وهذا المقام ! فقل لهم . . . وهذا ود من الله وتكريم . .

ثم ذلك التهديد الملفوف: (فستعلمون من هو في ضلال مبين). . وهو أسلوب كذلك من شأنه أن يخلخل الإصرار على الجحود ; ويدعوهم إلى مراجعة موقفهم مخافة أن يكونوا هم الضالين ! فيتعرضوا للعذاب الذي سبق ذكره في الآية:

(فمن يجير الكافرين من عذاب أليم ?)وفي الوقت ذاته لا يجبههم بأنهم ضالون فعلا حتى لا تأخذهم العزة بالإثم . وهو أسلوب في الدعوة يناسب بعض حالات النفوس .

0072.gif

 

وأخيرا يجيء الإيقاع الأخير في السورة يلمح لهم بعذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة , وذلك بحرمانهم من سبب الحياة الأول وهو الماء:

(قل:أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين ?). .

_والماء الغور:الغائر الذاهب في الأرض لا يقدرون عليه . والمعين:النابع الفائض المتدفق . وهي لمسة قريبة في حياتهم , إن كانوا ما يزالون يستبعدون ذلك اليوم ويشكون فيه . . والملك بيد الله وهو على كل شيء قدير . فكيف لو توجهت إرادته إلى حرمانهم مصدر الحياة القريب !

ثم يدعهم يتدبرون ما يكون لو أذن الله بوقوع هذا المحذور !

وهكذا تنتهي هذه السورة .......

إنَّها سورة ضخمة . سورة أكبر من حجمها وحيزها وعدد آياتها . وكأنما هي سهام تشير إلى بعيد , ويكاد كل سهم يستقل بكشف عالم جديد !

وهي تبني من قواعد التصور الإسلامي جوانب رئيسية هامة ; فهي تقر في الضمير حقيقة القدرة المطلقة , وحقيقة الهيمنة المطلقة . وحقيقة الإبتلاء بالموت والحياة تمهيدا للحشر والجزاء . وحقيقة الكمال والجمال في صنعة الله . وحقيقة العلم المطلق بالسر والنجوى . وحقيقة مصدر الرزق . وحقيقة حفظ الله للخلائق , وحضوره سبحانه - مع كل مخلوق . . . وجملة من هذه الحقائق التي يقوم عليها تصور المسلم لربه . وتصوره للوجود وارتباطه بخالق الوجود . هذا التصور الذي ينبثق منه منهج حياة المؤمن كله . مع ربه . ومع نفسه . ومع الناس . ومع الأحياء . ومع الكون كله من أحياء وأشياء . والذي يتكيف به شعوره وضميره وشخصيته وقيمه وموازينه ،واستقباله للحياة . . .

0140.gif

من هداية الآيات

0072.gif

1- بيان ما كان عليه المشركون من عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنوا موته.

2- وجوب التوكل على الله عز وجل بعد الإيمان.

3- مشروعية الحجاج لإحقاق الحق وإبطال الباطل.

تمت تفسير سورة الملك قدر المستطاع وله الحمد والمنة ويليه تفسير سورة ن باذن الله تعالى

_جزاكم الله خيراً على طيب المتابعة .. دمتم طيبين اللهم اجعلنا وايَّاكم من أهل القرآن.

0140.gif

المراجع

0072.gif

تفسير القرآن العظيم ابن كثير

السعدى تيسير الكريم الرحمن فى تفسير•

كلام المنان

في ظلال القرآن الكريم سيد قطب•

•الجزائرى أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير

0001.gif

تم تعديل بواسطة أم أمة الله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×