اذهبي الى المحتوى
بسمَة

أشغلني هَمِّي :""

المشاركات التي تم ترشيحها

post-4-1143804249.jpg

 

أشْغَلَنِي هَمِّي :""

 

 

ذَهَبَت إلى السُّوق، وأخَذَت تتنقَّلُ بين المحلَّات، تبحثُ عن فساتين جميلة،

وعَباءاتٍ مُميَّزة، وعُطورٍ ساحِرة. ثُمَّ عادت إلى بيتِها، وهُمُومٌ تشغلُها؛

ماذا ألبسُ يومَ زواجي؟ أين يكونُ حفلُ الزواج؟ ماذا سيُوزَّعُ في الحفل؟

كم عَدَدُ الأشخاص الذين سيَحضُرُونَ الحفلَ؟ أيُّ تسريحاتِ الشعر تُناسِبُني

في ذاكَ اليوم؟ ما اللونُ الذي أختارُه لفُستان الزواج؟ وهل أختارُه بأكمامٍ

أم بلا أكمام؟ اقتربَ مَوعِدُ الزواج ولم أنتهِ مِن شِراءِ جميع احتياجاتي

وما يَلزمُني في جهازي. يا لها مِن هُمُومٍ ثقيلةٍ على قلبي!

هل الزواجُ مسئوليَّةٌ أم أحلامٌ ورديَّة؟! أيًّا كان الأمرُ،

فأنا أتمنَّى أن أتزوَّجَ سريعًا ليَنزاحَ هَمِّي.

**

بينما كان البيتُ في هُدوءٍ، إذ عَلا صوتُها فجأةً، وهِيَ تبحثُ وتصرخُ قائلةً:

لقد وضعتُهُ على المكتب، أين هو؟! مَن أخذَهُ دُونَ استئذانٍ مِنِّي؟!

هكذا دائِمًا تعبثونَ بأدواتي، وتتدخَّلونَ في خُصوصيَّاتي.

وإذ بأخيها الصغير مُمسِكًا بجَوَّالِها، فتخطِفُه منه، وتُقلِّبُ فيه وهِيَ تُكلِّمُ نفسَها:

تُرَى كم شخصٍ اتَّصلَ عليَّ؟! كم رسالةٍ وصلتني؟!

**

كانت في زيارةٍ لصديقتِها، فدخلَت المطبخَ لتُحضِرَ لها شرابًا،

بينما هِيَ تُقلِّبُ نظرَها في الحُجرة، وتتساءَلُ: الرُّسُوماتُ على الحائطِ رائعة،

تُرَى مَن رَسَمَها؟ وكم كلَّفتهم من المال؟ والسَّقفُ بعيدٌ جِدًّا، كيف وصلوا إليه

لتركيب اللمباتِ والمراوح؟! أمَّا الكراسي، فيبدو أنَّها مصنوعةٌ مِن نوعٍ جيِّدٍ

من الخشب، تُرَى هل اشتروها جاهِزةً أم اختاروا شكلَها وتمَّ صُنعُها لهم؟

وما نوعُ الأقمشةِ المُستخدَمةِ في صُنعِها؟! تبدو من النَّوع الجيِّد غالي الثَّمَن.

**

قامت من أمام التِّليفزيون، وعقلُها مع المُسلسل، تُفكِّرُ في حلقته القادمة؛

تُرى ماذا سيَحدُثُ؟! بدأت الأحداثُ تتغيَّرُ، ويبدو أنَّه سيكونُ أكثرَ تشويقًا وإثارة.

للأسف الحلقاتُ قصيرةٌ تنتهي بسُرعةٍ. لقد أشغلني هذا المُسلسلُ كثيرًا،

وأصبحتُ أحلُمُ به وبأبطالِهِ. تُرَى كم عددُ حلقاتِهِ؟ ومتى سينتهي؟

أنتظرُ نهايتَه بشوقٍ؛ لأعرفَ ماذا سيَحدُثُ للبطل.

**

دخلَت عليها أختُها، فوجدتها تُكلِّمُ نفسَها وهِيَ غاضبة. فسألتها: ماذا بِكِ؟!

فأجابتها: فتحتُ مَواقِعَ البَحثِ على الانترنت؛ لأبحَثَ عن الأغنيةِ الجديدة

للمُغنِّي الفُلانيِّ، ولم أجِد سِوَى اسم الأغنية. لم ينشروا منها ولو مقطعًا صغيرًا.

وما زلتُ أبحثُ علِّي أصِلُ لشيءٍ.

**

أخَذَ يتحرَّكُ داخلَ البيتِ في قلقٍ، وينتقِلُ من مكانٍ لآخَر وكأنَّه ينتظِرُ حُكمًا

في قضيَّةٍ، أو قرارًا مصيريًّا. سألته زوجتُه مُتعجِّبةً: ماذا أصابَكِ يا زوجي؟!

قال: دَعيني الآن، فالمُباراةُ مُقامةٌ الآن ولا أعرفُ شيئًا عن نتيجتِها.

أخشى أن يَخسِرَ الفريقُ الذي أُشجِّعُه. مُنذُ أن بدأت المُباراة وأنا أدعوا له بالفَوز،

وأنتظِرُ انتهاءَها لأعرفَ النتيجةَ من التِّلفزيون، فالمُباراة غير مُذاعةٍ على القنواتِ.

**

تاجِرٌ مشغولٌ بتجارتِهِ؛ يُفكِّرُ مِن أين يشتري بضائِعَه، وكيف يَبيعُها،

وكم من المكاسِبِ سيُحقِّقُها من ورائِها.

**

طالبٌ مشغولٌ بدراستِهِ، غارقٌ في مُذاكرتِهِ. يُريدُ أن يحصُلَ على درجاتٍ مُرتفعةٍ،

وأن يتفَّوقَ على زُملائِهِ.

**

هناك مَن انشغلَ بشَهَوَاتِ نفسِهِ، فأصبحَت هَمًّا يُلازِمُه، يبحثُ عن كُلِّ وسيلةٍ لإشباعِها.

 

وهناك مَن انشغل بشُبُهاتٍ يبحثُ عن إجاباتٍ لها، ولو كانت تلك الإجاباتُ واضحةً جليَّةً.

**

كُلٌّ مشغولٌ بهَمِّهِ، وكُلٌّ يسعى لتحقيق رغباتِهِ، وكُلٌّ يَرَى همَّه كبيرًا

لا يَشعُرُ به غيرُه، ولا يُساويه هَمٌّ.

**

بينما جلَسَت أمل مُنشغلِة البال، طويلة التَّفكير، مهمومةً مُتألِّمةً.

 

سألتها أُمُّها: ماذا بِكِ يا بُنيَّة؟! أراكِ على غير عادتِكِ. ما الذي أشغلَكَ وغيَّركِ؟!

 

قالت أمل: أشغلتني حياتي أُمَّاه، فجلستُ أتأمَّلُها، وأتفكَّرُ فيها، ماضٍ وحاضِرٌ ومُستقبلٌ.

بدايتي كانت من تُراب، كُنتُ صغيرةً لا أعي مِن أمري شيئًا، أُخطِئُ فلا يُحاسِبُني أحدٌ،

فأنا صغيرةٌ ولا أُعاقَبُ. ثُمَّ بدأتُ أكبُرُ يومًا بعد يوم، وبلَغتُ وصِرتُ أُحاسَبُ وأُعاقَبُ.

في الدُّنيا مُحاسَبَةٌ على كُلِّ فِعلٍ يَصدُرُ مِنِّي. عَلّيَّ أن أُجامِلَ أحيانًا، أن أتجاهَلَ أحيانًا،

أن أفعَلَ أشياء لا أرتضيها ولا أُحِبُّها إرضاءً لِمَن حولي، وقد أكونُ مُجبرةً على ذلك

في بعض الأوقات. كُلُّ كلمةٍ يَنطِقُ بها لِساني محسوبةٌ عليَّ؛ إمَّا في ميزان الحسناتِ

أو السئياتِ، وكذلك كُلُّ أفعالي. ومُستقبلي لا أعلَمُ أإلى جنَّةٍ أم إلى نار.

أُحسِنُ الظَّنَّ برَبِّي، رغم أنَّ أعمالي لا تُبلِّغُني. أنظُرُ للناس حولي، فأرى كُلًّا

يَحمِلُ همًّا أتعبَه، ويبحثُ عن شيءٍ أشغلَه، وأرى الكثيرَ يُعمِرُ دُنياه، وكأنَّه مُخلَّدٌ فيها،

والقليلَ مَن أشغلته آخِرتُه فاستعَدَّ لها. لم تعُدُ الحَياةُ كما كُانت وأنا صغيرة،

بل تغيَّرَت كثيرًا، واختلَفَ الناسُ عن الماضي وتغيَّروا. يرى الناسُ المُنكَرَ فلا يُنكرونه،

بل يفعلونه جَهارًا. يُجادِلونَ بغير عِلم، ويتكلَّمون بغير دليل، الصلاةُ عندهم

مِن آخِر أولويَّاتِهم، والعملُ عندهم عِبادةٌ، فينشغلون به عن عِباداتِهم.

 

قالت أُمُّها: لكنْ ليس كُلُّ الناس كما ذكرتِ يا بُنيَّة.

 

أمل: أعلَمُ يا أُمِّي، لكنَّه هَمٌّ أشغلني، إضافةً إلى هَمِّ إخوةٍ لي يُبكيني حالُهم،

وتُؤلِمُني آلامُهم. مَن جلسَ في بيتِهِ منهم لم يأمَن على نفسِهِ، ومَن خرج

تعرَّضَ للقتل أو التَّشريدِ أو الحَبس والتَّعذيب. أطفالٌ فقدوا صُدورًا كان تحِنُّ

عليهم وتحتضِنُهم، وأُمَّهاتٌ فقدوا فلذاتِ أكبادِهم. حقوقٌ انتُهِكَت، وأعراضٌ سُلِبَت،

وبُيُوتٌ هُدِّمَت، ونساءٌ ترمَّلَت. ونحنُ مكتوفو الأيدي.

 

أُمُّها: وماذا بأيدينا يا أمل؟! لا نملِكُ إلَّا أن ندعُوَا لهم، ونُرسِلَ لهم ما نستطيعُ

علَّه ينفعُهم.

 

أمل: أعلَمُ أُمَّاه، لكنِّي أحكي همًّا أشغلني، وأتألَّمُ لحالِ إخوتي في الله،

وأعلَمُ أنَّ ما يَحدُثُ هو بقَدَرِ اللهِ. وما يُتعِبُني أنَّ أكثرَ المُسلمين انشغلوا بأنفُسِهم

وبملذَّاتِهم الدُّنيويَّة، وسيطرت عليهم الغفلةُ، رغم ما يُعانيه إخوانُهم وما يلقونه.

 

أُمُّها: الحَياةُ مليئةٌ بالمتاعِبِ والمَصاعِبِ يا حبيبتي، ولا يُمكنُ أن يكونَ الجَميعُ

مُطيعين للهِ ومُستقيمين على الدِّين. وهذا إنَّما هو بإرادةِ اللهِ الكَونيَّةِ. لكنْ لنُحاول

قَدْرَ المُستطاعِ أن ننشغِلَ بما يَنفعُنا في دِيننا ودُنيانا وآخِرتِنا، وأن تكونَ هُمُومُنا

في طاعةِ اللهِ لا في مَعصيتِهِ. فالأعمارُ قصيرةٌ، والحَياةُ سُرعان ما تنقضي،

ولا ينفعُ الإنسانَ فيها إلَّا ما قدَّمَ مِن عملٍ، وما انشغل به من طاعةٍ أو مَعصيةٍ.

 

أمل: صدقتِ أُمَّاه، وأسألُ اللهَ- جلَّ وعلا- أن يُعيننا جميعًا على طاعتِهِ

وحُسن عِبادتِهِ، وأن يَجعلَ همَّنا آخِرتنا لا دُنيانا.

 

أُمُّها: آمين.

 

 

********

 

a.heart.gif كتبه: بسمَة

صباح السبت

19 جُمادَى الآخِرة 1435 هـ

19 أبريل 2014 م

 

تم تعديل بواسطة الأميرة الوفية
إضافة وسام المتميز
  • معجبة 3

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

بارك الله بكِ بسمة الحبيبة

نماذج نراها في مجتمعاتنا وحياتنا اليومية

وأيضاً امل يوجد منها الكثيرين والكثيرات

والحمد لله لا زالت الدنيا وبخير

ودعاءنا الوحيد هو

اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

بارك الله فيك ِ بسمة وفي نبض قلمك الماتع : )

نسأل الله أن نحقق هذا الحديث الذي قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم :

 

" المؤمنُ للمؤمنِ كالبنيانِ ، يشدُّ بعضُه بعضًا . وشبّك بين أصابعِه ." خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

 

اللهم بارك

قلم رائع

جزاك الله خيرا بسمة الحبيبة ونفع بك

وقد صوّرت لنا واقعا مُعاش والله المستعان

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

 

رائع قلمك أختي الحبيبة

تصوير معبر عن حالنا فالجميع للأسف أشغلتهم هموم واهية لا فائدة منها إلا ضياع الوقت و العمر

و قلة من أشغلتهم آخرتهم و العمل لها

 

بارك الله فيكِ و نفع بكِ و بقلمك

نسأل الله عز و جل أن يجعل همنا محبته و رضاه

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جميل ماكتبتِ يابسمة()

جزاكِ الله خيراً ونفع بكِ ()

والله أسأل ان لايجعل الدنيا أكبر همنا ولامبلغ علمنا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

 

بارك الله فيك أختي

دائما كتاباتك متميزة

زادك الله من فضله

 

اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا~

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×