اذهبي الى المحتوى
جِهاد

{ مُتًميّز } و أخِيرًا ♥♥ رواية { و تسْتَمرُ الحيَاة ..

المشاركات التي تم ترشيحها

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

 

الفصل التاسع

(9)

و كل عام و أنتنّ بخير ، و إلى الله أقرب (^-^)

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

 

 

- هالة ، هالة ، هيا استيقظي .

غطت وجهها بالغطاء ، تحولت إلى جانبها الأيسر : انتظري قليلًا ، أنا متعبة .

تذمرت منى ، و تركتها متجهة إلى غرفة الجلوس ، تعلقت أنظار الجميع بها ، و سأل فهد : هل استيقظت ؟

 

- لا ، إنها مسكينة يبدو أنها لم تنم ليلًا إلا في وقت متأخر .

- لا حول و لا قوة إلا بالله ، إلى متى سأنتظرها ، يا لكسلها !

نظر فهد إلى ساعة معصمه السوداء بضيق ، إنه ينتظر أخته هالة ليحملها بسيارته إلى شركة الطيران كي تحجز تذكرة الذهاب إلى أمريكا .

 

وقف في مكانه : سأذهب لصلاة الظهر الآن ، و إن عدت و لم تكن قد استيقظت بعد فلتبحث عن شخص آخر ليوصلها إلى هناك .

عدل من هندامه أمام مرآة صغيرة قرب باب المنزل و خرج غاضبًا ، زفرت منى بضيق : ألا يصبر هذا ؟

 

عادت إلى غرفة أختها ، فوجدتها قد استيقظت ، ابتسمت و هي تسير باتجاهها : صباح الخير ، أتعبتني و أغضبت فهد ، هل أصابكِ الأرق مجددًا ؟

 

تنهدت : و كيف أنام و أنا لا أدري عن أطفالي شيئًا ؟

- إنهم بخير ، لا تقلقي ، ستكونين معهم بعد أيام و سنراهم جميعًا .

- آه يا منى لو تعلمين كم من الوقت مكثته ليلًا و أنا أفكر في أمر السفر ، إنني لست مرتاحة للإقدام على تلك الخطوة .

- لعلها نتيجة الإستخارة !

 

شحب وجه هالة : لقد فكرت في ذلك ، و لكن هل من حل آخر إن ألغيت تلك الفكرة ؟

هوت على الفراش بقلة حيلة و أمسكت برأسها بين يدها ، تأملت منى أختها الكبيرة التي طالما نصحتها بالصبر أمام الإبتلاءات ، و علمتها كيف تواجه و تحل الأمور بعقلانية ، إنه دورها الآن ، يجب أن تذكرها بتلك النصائح فعلها قد نستها أو أن الشيطان قد أغواها و أقعدها للحزن و الألم .

 

***

 

خطا خطوة مترددة نحو المسجد ، وقف أمامه و خيل له بأن المسجد يعاتبه : أين أنت عني منذ سنوات مضت ؟

مسحة من الندم غلفت ثناياه ، تماسك و تقدم ، ثم ولج إلى داخله ، توضأ و تطيب ، ثم اصطف مع المصلين لأداء صلاة المغرب ، بعد انتهاء الصلاة جلس مكانه و لم يتحرك ، كان المسجد يضم مختلف الجنسيات و الأعمار ، تربطهم روح عجيبة لم يرها من قبل ، ترى هذا يسلم على ذلك ، و ذاك يضحك مع هذا ، و آخر يستقبل صديقه بالأحضان ، عجوز ينحني و يضع في يد الصغير حلوى ، و صغير يقبل رأس عجوز يستند على عصاه بصعوبة ، لم يكن يدري أيبكي أم يفرح ؟! مشاعر متداخلة اشتعلت في قلبه المكلوم تشاعل النيران فوق الحطب الجاف ، تقدم منه أحدهم بابتسامة زاهية ، كان شابًا في أوائل العشرينات من عمره على ما بدا له : هل تريد مساعدة أخي ؟

 

نظر له بعيون دامعة ، كلمة " أخي " كان لها وقع مختلف على مسامعه ، تجلد ، وقف ثم خرج من المسجد بعدما شكر ذلك الشاب ، و ركب السيارة متجهًا إلى المنزل مباشرة .

 

فجأة لمعت في ذهنه فكرة ، كان منذ صباح اليوم يفكر كيف سيخبر والدته بأمر الطلاق ، و لكنه الآن يستطيع الإتصال بخاله " فهد " و يخبره أولًا كتمهيد لتقبل الأمر ، طرق باب المنزل ففتحت له دانة : مرحبًا بعودتك .

 

ابتسم بوهنِ : مرحبًا بكِ ، ما أخبار معدتكِ الآن ؟

تحسست دانة معدتها : إنها أفضل بفضل الله .

- سأنام قليلًا ، أيقظيني بعد نصف ساعة .

أومأت برأسها ، فاتجه إلى غرفته مطمئنًا ، أخرج المظروف و عد النقود التي يملكها حاليًا ، إنها تكفي لشراء تذكرتين إلى الوطن ، توكل على الله و ضغط على زر الإتصال ، تدريجيًا بدأ يمل الرنات المتتابعة و فقد الأمل في الإجابة على مكالمته ، و لكن جاءه صوت ضعيف من الطرف الآخر : السلام عليكم .

 

تهلل وجهه : وعليكم السلام .

- من معي ؟

ارتبك عصام قليلًا : إنه أنا ، عصام ابن أختك .

صمت فهد لدقائق يحاول استيعاب الأمر : مرحبًا بـابن الأخت ، ما أخبارك عصام ؟

- بخير و الحمد لله ، و أنتَ ؟ عساك بخير و عافية .

- الحمد لله بأحسن حال ، أين أنت الآن ؟

- أين سأكون برأيك ؟ إنني في أمريكا بالطبع .

ضحك فهد : لم تتغير أيها الشقي ، ما أخبار دانة ؟

- اسمعني فهد ، لا أريدها أن تكون مكالمة عائلية ، أنا أحادثك لأمر هام للغاية .

لمح فهد الجدية في كلام عصام فتساءل بهدوء : خيرًا إن شاء الله ؟

- لقد تزوج أبي بامرأة أمريكية .

شهق فهد : هل أنت جاد ؟

- أرجوك فهد ، اسمعني بهدوء .

- حسنًا ، أكمل .

- و أرسل لي بعض المال ، و رسالة كتب فيها بأسلوب غير مباشر أنه قد تخلى عنا ، ثم إنه قد طلق أمي و أرسل ورقة طلاقها إلينا .

ارتعد فهد غضبًا : لقد فعلها إذن ذلك الحقير ، إن طلته بيدي فلن أتركه إلا جثة هامدة .

- اهدأ فهد ، لقد آثرت أن تكون أول من يعلم بهذا كي لا يكون وقع الخبر على أمي صعبًا ، طمأنها بأننا سنعود للوطن قريبًا و أننا بخير ، لقد اشتقنا إليها كثيرًا .

- إنها لا تنام الليالي قلقًا عليكما ، حتى أنها كانت ستذهب إلى أمريكا لزيارتكما و الإطمئنان عليكما ، ستفرح كثيرًا عندما أخبرها بهذا .

- بلغها سلامنا و أشواقنا الحارة ، و الآن إلى اللقاء .

 

تنهد عصام و كأنما قد أزاح حملًا ضخمًا كان يقبع على صدره ، ابتسم بسعادة ، فكم اشتاق لخاله ، لأمه ، لجده و جدته ، و لخالته الصغيرة منى كذلك ، كم يحن للوطن ، للأهل ، و كم يتمنى صحبة صالحة تنتزعه من وحل الطين الذي سقط به ، أغلق جواله بسرعة فلم يكن يريد أن يتصل به أيًا من جاسم أو حسن أو حتى جيسي ! ثم خلد للنوم .

 

***

 

- لا أصدق هذا ، لقد أخبرنا بأن المستأجرين سيرحلون بعد أسبوعين ، و هاهو الآن يمد لهم أسبوع آخر ، يا له من كاذب !

كانت هذه أصايل الثائرة و التي أجابتها سارة بهدوء : اهدئي أصايل ، ربما اضطر لفعل ذلك ، كما أنه .....

- ماذا ؟

- عسى أن يكون هذا هو الخير لكما ، أليس كذلك ؟

تنهدت أصايل : لا أدري ، لا أدري شيئًا .

ثم أردفت بعصبية : دعكِ من مشاكلي التافهة ، ما أخبار دانة ؟

- الخالة أم عصام لم تسافر إلى أمريكا .

- أوه ، لماذا ؟ هل يعقل أنها خائفة ؟

- لا ، إن أمي لم تخبرني بالضبط عما حدث و لكني أشعر بأن دانة ستعود إلى الوطن .

- حقًا ؟ ليت شعورك يكون صادقًا !

- هل ستصدقين بأني أشعر بأنها بخير في الوقت الحالي ، أيضًا أشعر بأني سأراها قريبًا جدًا .

- آه يا عزيزتي ، كم أنتِ متفائلة ، إن المشاكل لا تحل بسرعة هكذا ، ربما ستعود و لكن سيلزمها الكثير من الوقت ، يجب ألا ننساها من الدعاء .

 

حركت سارة كتفيها غير مقتنعة بكلام أصايل ، و لم تفقد الأمل ، فكما أن الله يدبر أمور الكون ، و يولج الليل في النهار ، و يسقي العشب بالمطر ، و يرزق الطير باللقم ، فإنها واثقة بأن الله لا يقضي بتلك الإبتلاءات و الصعاب على العبد إلا ليعود إليه و يسمع منه نغمات رجاء و خضوع فيكشف عنه الكرب و يزيل عنه الغم ، و في طرفة عين و إنتباهتها يبدل الله من حال إلى حال .

 

***

 

مرت ثلاثة أيام أخرى ، و الحياة مستمرة ، في ظلمة الليل ، رفعت يداها إلى السماء راجية ، أطرقت برأسها خاضعة ، و انحدرت على وجنتيها دمعات خاشعة ، تدعو الله : اللهم هون علي مصيبتي و اخلف لي خيرًا منها ، أرسل لها عصام ورقة الطلاق بالبريد السريع فوصلتها بعد 24 ساعة ، حادثت طفليها و اطمأنت عليهما بعد أن أخبروها بموعد قدومهما بعد خمسة أيام ، أي أنهما سيصلان إلى الوطن بعد يوم الغد ، و ستتكحل عيناها برؤيتهما معها من جديد ، تمتمت : الحمد لله ، الحمد لله ، ثم انشق عن ثغرها بسمة بين خطي دموع حارقة ، إنه ثلث الليل الأخير الذي يتجلى فيه الله لعباده فينزل على الوجه الذي يليق بجلاله سبحانه في السماء الدنيا و ينادي : من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له .

 

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،

 

حمدا لله أنك عدت قرأت بعض الأجزاء السابقة لأتذكر الأحداث

 

 

بانتظار الجزء المقبل

عيدك مبارك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

 

الفصل العاشر

(10)

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

 

 

 

غرد العصفور لحنًا منكسر ، و تسترت الشمس وراء غيوم متزاحمة ، إنها الفاجعة ، صاح وليد مصدومًا : لا ، لا يعقل !

 

و صرخ أبو خالد : مستحيل ، إنها كارثة !

بل إن مروان الذي لا يتنازل أبدًا عن تناول وجبته الصباحية و لو اضطره ذلك إلى التأخر عن اللحاق بالحافلة ، ترك فطوره و تناول الجريدة : لابد و أنها فكاهة ساذجة !

 

توجس وليد في نفسه من الذهاب للجامعة ، اتصل بمروان ثم بعلي و عبد الله كذلك ليتفق معهم على الإجتماع معًا في حديقة قرب منزل مروان ، و وافق الجميع بسرعة إذ أنه مشاعرهم لم تخرج عن كونها متوجسة أو خائفة أو متشائمة بما قد يحدث مستقبلًا .

 

ترك وليد الجريدة على مائدة الإفطار ، و اتجه مسرعًا إلى غرفته كي يتجهز للخروج فيوصل أصايل أولًا إلى المدرسة و من ثم يلحق بالشباب ، نزلت أصايل على الدرج بهدوء قاصدةً المطبخ ، كان هناك طبقًا به بعض الجبن على المائدة بجانب كوب ممتلئ بالحليب حتى فوهته ، تعجبت : ألم يتناول وليد فطوره ؟

 

صبت لها كوبًا من الحليب ثم اقتربت من الطاولة و جلست على مقعدها ، جذبها شكل الجريدة الملقاة بإهمال عليها ، كانت الصفحة لا تزال مفتوحة ، الصفحة التي تحمل الفاجعة ، لمحت بعينها ذلك الوجه القبيح ، إنها الإبتسامة الماكرة ذاتها ، و العيون الزائغة نفسها ، أمسكت بها و قرأت عنوان الخبر ، صرخت : يا إلهي !

 

و حينها دخل وليد إلى المطبخ : السلام عليكم ، صباح الخير أصايل .

أشارت بإصبعها المرتعش على الجريدة : هل ... هل قرأت هذا ؟

أومأ برأسه و جلس يكمل فطوره : إنها صدمة كبيرة ، أليس كذلك ؟

- بل أكثر من ذلك ، إنني لا أكاد أصدق هذا .

 

كانت أصايل لا تزال في طور الدهشة و عدم المصداقية للخبر ، اتجهت للتلفاز ، ثبتته على قناة إخبارية ، فانطلق الخبر يدق مسامعها مؤكدًا حدوثه .

 

- ألم تصدقي بعد ؟

- إنني متعجبة فحسب ، هناك الكثير من الأمور أفكر بها .

- كاسترداد شركة أبي مثلًا ؟

أومأت برأسها ، فضحك : هذا ما أفكر به أيضًا ، أشعر بأن الفرج قريب يا أصايل ، قريب جدًا .

تبسمت بعد طول عبوس و دهشة ، ثم خرجا من المنزل و الأمل الحلو يداعب قلبيهما .

 

توقفت سيارة وليد بجانب سيارة عبد الله في إحدى الأماكن الخاصة بوقوف السيارات أمام الحديقة ، أطفأ المحرك ، و التقط جواله و محفظته و دسهما في جيبه ثم خرج ، كان النسيم باردًا بعض الشيء ، و الرياح المحملة بالتراب شديدة نوعًا ما ، رآه عبد الله من بعيد فرفع يديه هاتفًا : أبو الوليد ، نحن هنا .

 

نظر له وليد و ابتسم ، ثم اتجه إليه مرحبًا : السلام عليكم ورحمة الله

ضمه عبد الله : وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته

ثم ابتعد عنه ، و سار معه باتجاه علي الذي كان يجلس على مقعد ليس ببعيد عنهم : مررت على علي و أحضرته معي ، سيارة والده لا تزال معطلة .

 

- أوه ، ألا تزال معطلة منذ الحادث القديم .

- لا ، إنه حادث جديد ، أنت تعلم تهور مشعل في القيادة .

 

كان علي يقرأ الجريدة بهدوء ، و حينما رفع بصره لهما ألقى السلام ، ثم قال وليد : ما أخبار السيارة ؟ هل العطل كبيرًا هذه المرة ؟

 

احتقن وجه علي و هو يقول : آه ، لا تذكرني ، كلما أريد الخروج أو الذهاب ابدأ بشجار معه هذا المشعل المستهتر .

 

ضحك عبد الله و جلس بجانب علي ، في حين قال وليد : و لم لا يمنعه الوالد من قيادتها ؟ إنها المرة الخامسة تقريبًا في هذا الشهر .

 

تمتم علي بكلمات غاضبة كانت كفيلة بأن يفهم وليد مدى استياء على من الوضع ، انتبه وليد للتو بأن مروان ليس موجودًا بعد : أين مروان ؟ ألم يأت بعد ؟

 

و حينما سمع وليد صوت لهاث من خلفه التفت فإذا به مروان يجري باتجاههم ، ضحك عبد الله : جاء على سيرته ، ها هو السمين قادم .

 

وقف مروان أمامهم منحني و قد أمسك ركبتيه بيديه و صوت أنفاسه تتردد بسرعة ، رفع رأسه إليهم مبتسمًا : آسف على التأخير .

 

- ( تو الناس ) حبيبي ، لمَ لمْ تتأخر لأكثر من هذا ؟

- كنت آكل فطوري ، ثم تشاغلت بالجريدة و .....

 

اعتدل في وقفته و أكمل : أنتم تعلمون تجهيزات الخروج الكثيرة ، زيادة عليه شجار رقيق مع دلال .

- دلال ؟ من هي دلال ؟

- ابنة اختي ، تقيم معنا حاليًا لأن والدها و زوجته سافرا إلى ماليزيا .

ثم أردف و لم يدع لأحد الفرصة للتعليق : يبدو أني هضمت كل الطعام الذي أكلته قبل قليل .

ثم وضع يده على بطنه : إنني جائع الآن .

 

ضرب عبد الله كفًا بكف : لا حول و لا قوة إلا بالله ، ألا ترحمنا من بطنك التي لا تشبع .

ضحك مروان و جذب وليد من يده : هيا لنذهب إلى تلك الكافيتريا .

ثم أشار إلى كوخ صغير و قد رصت أمامه عدد من الطاولات و المقاعد ، وقف علي و قد أمسك بالجريدة في يده : هيا بنا .

 

اتجه الشباب معًا إلى الكافيتريا و اتخذوا لهم طاولة بأربعة مقاعد ثم جلسوا يتبادلان أطراف الحديث حول موضوع ( وفاة أبو سالم )

بعد قليل جاءهم مروان بأربعة أكواب من عصير المانجو ، و أربعة من أكياس البطاطس المقلية : كلوا و اشبعوا .

 

فقال علي ساخرًا : كُلْ أنت ، فتلك الأكياس لا تكاد تكفي لك وحدك .

ضحك عبد الله : بالعافية حبيبي .

أما وليد فهمس بهدوء : لا رغبة لي بالأكل ، جزاك الله خيرًا .

 

سحب مروان مقعده و جلس عليه ثم قال مازحًا و هو يضع الأكياس أمامه : اللهم لا حسد ، بسم الله .

ثم بلع إصبعًا من البطاطس بنهم .

 

تأمل عبد الله في وليد الذي كان منهمكًا في قراءة الخبر ، و شفق لحاله ، كان يعلم جيدًا بأن أمر وفاة أبو سالم سيعيد له الأمل في استرداد شركة والده .

 

- وليد ، إلى أين وصلت ؟

انتبه وليد على صوت علي من جانبه فالتفت إليه ثم قال و هو يضع الجريدة على الطاولة : إنها صدمة لي !

تمتم عبد الله مؤيدًا : إنها صدمة لنا جميعًا .

 

سأله مروان : هل قرأت الخبر كله ؟

أومأ وليد برأسه شاردًا ، فقال عبد الله : أرءيت ذلك الحقير سالم كيف هرب إلى فرنسا ؟

نظر له بلوم قبل أن يقول : لا تسبه يا عبد الله ، لا يستحق أن تأثم بسببه .

ثم ابتسم و اعتدل في جلسته : إنه أمر متوقع ، فطالما أن والده توفي ستفضح أعماله و بالتالي سيفضح سالم .

 

هز عبد الله كتفيه ساخرًا : إنه جبان حقًا .

و أيده علي : جبان و غبي كذلك ، إن أرادت الشرطة إعادته ستعيده بلا شك .

- خلاص ، لا تغتابوه ، الله يهديه .

هكذا صاح وليد ، فتمتم مروان : آمين .

 

***

 

في المدرسة الثانوية تعالى صراخ المعلمة ( منيرة ) التي طلبت من دلال حل مسألة حسابية سهلة و لم تستطع ، كانت دلال تقف أمامها تناظرها ببرود تام ، غير مبالية بما تلاقيه من توبيخ ، حركت أصايل رأسها يمينًا و يسارًا و تمتمت : لا حول و لا قوة إلا بالله ، تلك الدلال تحرق أعصاب الجميع حًقا .

 

- معلمة منيرة ، أرجوكِ اخفضي صوتكِ قليلًا ، أنا مصابة بالصداع .

وجمت المعلمة لبعض دقائق و شهق البنات لرد دلال اللامبالي الشديد الجفاء ، ثم تعالت صرخاتها من جديد : الله لا يشفيكِ منه أبدًا .

و أشارت على باب الصف و هي تقول : اخرجي حالًا ، لا أريد أن أرى وجهكِ مرة أخرى في حصتي .

 

ارتسمت على وجه دلال ابتسامة ساخرة ، و خرجت ببطء من الصف ، و عندما وصلها صراخ المعلمة تطلب منها إغلاق الباب لم تعرها أي اهتمام و أكملت سيرها في الممر باتجاه الساحة الواسعة .

 

كان عقلها يسترجع كلمات مروان في مشادتهم معًا صباحًا : ( العطر حرام يا دلال ، اتق ربك ، إن شم أحدهم رائحة عطرك ستعتبرين زانية )

 

الكل يوبخني دائمًا ، لا أحد يكلف نفسه عناء فهمي ، أتساءل لو كان لي أم هل سأكون قريبة منها ؟ هل ستحبني أم ستكرهني كالجميع ؟ إنني دائمًا أحاول إقناع نفسي بأني يتيمة لأني بالفعل لا أعتبر أبي أبًا لي !

كما أن ذلك السمين لا شان له بي ، فعلى أية حال إن عطري عطرًا رجاليًا و لن يجذب الرجال حينما يشمونه كما قال .

 

إنها دومًا تحاول وضع مبررات لأخطائها ، و مع ذلك كان شعورًا بالذنب يوخز ضميرها ، و يولد بداخلها أعاصير من الخواطر الكئيبة ، تفتقد إلى شيء ما في حياتها ، و ترجوه بشدة ، بل إنها مستعدة لبذل روحها في سبيل إيجاده ، و لكن ما هو ؟ هل هو أم ؟ أب ؟ عائلة سعيدة ؟ أم ماذا ؟

 

تبدو و كأنها في رحلة بحث شاقة ، رحلة بحث مجهولة ، لم توضع لها نهاية و لم تذكر لها بداية ، إنها رحلة شاقة فحسب ، تضنيها و ترهق قلبها المتعب .

 

لم تكن الأحوال في المدرسة متغيرة كثيرًا بسبب وفاة أبو سالم ، عدا بعض الإشاعات التي تناقلنها البنات فيما بينهم ، أولئك الفتيات كم هن مولعات بالحديث و التوافه ، فلو نطقت إحداهن بكلمة على سبيل الدعابة لرأيت واحدة تقول لأخرى : أسمعتِ ماذا قالت فلانة ؟ و تقول الأخرى لصديقتها : هل وصلكِ حديث علانة ؟ و هكذا حتى نجد جميع البنات يتكلمن عن إشاعة عجيبة كان مولدها على لسان فتاة كاذب كان أو مازح .

 

***

 

حينما اقتربت نهاية الدوام المدرسي استأذن وليد من الشباب ليرحل كي يحضر أصايل من المدرسة : سأرحل الآن ، لقد تأخر الوقت .

 

قال مروان : في أمان الله .

و همس علي : الله يحفظك .

أما عبد الله فقد قال بعد أن امسك بيد وليد : تعال ، أريد أن أحدثك في أمر خاص !

ابتعدا قليلًا عن مروان و علي ، فسأله عبد الله : على ماذا تنوي بشأن شركة والدك ؟

ابتسم له وليد بحب ، و فكر قليلًا ثم أجابه : سأطلب من أبو ناصر مساعدته لي مجددًا ، ربما ننجح هذه المرة .

 

ربت عبد الله على كتفه : ستنجح بإذن الله ، و إن احتجت لأي خدمة فستجدني موجودًا .

أومأ برأسه ممتنًا : جزاك الله خيرًا عزيزي ، لن أتردد في طلب المساعدة إن احتجت لها ، فأنت نعم الأخ لي .

- في حفظ الله .

- مع السلامة .

 

عاد وليد برفقة أصايل إلى المنزل ، و وجدا رسالة من زوجة خالهما كتبا فيها بأنهما لن يعودا قبل الساعة الثامنة ليلًا ، ارتاح وليد لهذا ، و تناول غذاءه مع أصايل يتبادلان أطراف الحديث بسعادة ، و قد وكلا أمرهما للرحمن جل و علا ، ثم اتجه وليد إلى غرفته ، تناول جواله و اتصل بالمسؤول ليلغي حجزه للشقة فالوقت ليس مناسبًا للانتقال ، تثم نهد مفكرًا و ضغط الرقم الذي يحفظه عن ظهر قلب لتدوي الرنات المتتابعة في أذنه ، لكن للأسف لم يصله أي رد ، ألقاه على الفراش مستاءًا ثم ألقى بنفسه كذلك و غط في نوم عميق بعد يوم عمل فيه عقله بأقصى طاقته ، كانت مكالمة مهمة و لكنه فضل تأجيلها ريثما ينام قليلًا ، مكالمة قد تعيد له الشركة بسهولة ، إنها مكالمة لأبي ناصر !

 

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،

 

وأخيرا :blink: بوركت غاليتي ولو ان الجزء صغير ما من جديد سوى موت أبو سالم :blink:

يلا لا تنسينا غدا

 

بانتظارك

 

post-20417-1284651866.jpg

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

 

الفصل الحادي عشر

(11)

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

 

 

فجرًا ، انطلق رنين المنبه الصاخب بجانب أذن دانة يعلن موعد صلاة الفجر ، أغلقته بكسل ، ثم تقلبت على جانبها الأيسر لتكمل نومها ، مرت عشر دقائق قبل أن تنتفض بفزع و تقفز من فراشها بسرعة : أوف ، لم لا يوقظني هذا المنبه الغبي ؟

 

طرقت باب غرفته فوصلها صوته الهادئ : ادخلي ، لست نائمًا .

فتحته بقلق ، كان يقف أمام المرآة يعدل ثوبه الأبيض ، كانت المرة الأولى منذ زمن التي يلبس فيها ثوبًا بدلًا عن البنطال و القميص ، اتجهت إليه و هي تهتف بإعجاب : رائع ، شكلك جذاب للغاية .

 

ابتسم و نظر في المرآة بضيق : على العكس إنني أبدو كالأبله تمامًا به .

ضربته بخفة على ظهره : لا تكن سخيفًا ، إنه رائع بالفعل .

حرك كتفيه بقلة حيلة و تناول جواله و محفظته من فوق المنضدة الزجاجية الصغيرة ثم قال ساخرًا : أغلقتِ المنبه و أكملت نومكِ مجددًا ؟

 

تمتمت ببعض الكلمات الغاضبة على سخريته و قد ألقت كامل اللوم على المنبه الذي لا يصلها صوته كالعادة !

 

قبل أن يخرج سرق نظرة سريعة لها ، ثم ابتسم و هو يقول : في أمان الله .

- لا تسرع في القيادة ، و لا تتسكع كثيرًا ، و عد بسرعة .

 

أغلقت الباب وراءه و توجهت إلى دورة المياه كي تتوضأ و تصلي صلاة الفجر ، وقفت في القبلة و قبل أن ترفع يدها و تكبر لبدء الصلاة ، انسابت دموعها على وجنتيها ، فغطت وجهها بيدها ، حاولت أن تتماسك ، و استعاذت بالله من الشيطان الرجيم ثم رفعت يدها حذو أذنيها : الله أكبر .

 

شغل عصام محرك السيارة ، و انطلق بها بعد أن زفر براحة ، مؤخرًا بدت دانة نشيطة جدًا و استعادت عافيتها بسهولة ، أخرج جواله من جيبه ، و تردد كثيرًا قبل أن يفتحه ، بعد دقيقتين وصلته رسالة ، فتحها بقلق ، كانت الرسالة من حسن !

 

( .. عصام ، أين أنت ؟ و لم لا تجيب على مكالماتنا ، جيسي قلقة جدًا عليك ، عد بسرعة نحن بانتظارك .. ) هكذا كانت الرسالة .

 

فكر كثيرًا في رسالته ، و فكر كذلك في جيسي ، و حمد الله ألف مرة أنهم لا يعرفون مكان منزله .

له أسبوع منذ الآن و هو غائب عن الجامعة ، و كذلك دانة التي قررت بحزم ألا تذهب إلى المدرسة ، فهي تكره الإختلاط بها ، و لم يعاندها عصام لأنه كان عازمًا على العودة إلى الوطن و هي ستكمل دراستها هناك على أية حال .

 

طرد تلك الأفكار القلقة عن ذهنه ، و أوقف السيارة بمكان ليس بعيدًا عن المسجد ، و تزامن دخوله إلى المسجد مع انطلاق المؤذن بالإقامة معلنًا أنه وقت بدء الصلاة ، اصطف مع المصلين في الصفوف ، نظر إلى جانبه فإذا به محمد ، تفاجأ : محمد ؟ لم ألحظ وجودك .

 

ابتسم محمد : كنت ساهيًا و لم أشأ إزعاجك ، كما أن الصلاة ستقام الآن .

كبر الإمام ، فكبروا معه و بدأت صلاة الفجر في المسجد ، بعد إنتهاء الصلاة كان عصام يسير مع محمد باتجاه سيارته .

 

- تجاهلهم تمامًا يا عصام ، صدقني لن يستطيعوا الوصول لك مادام أنك لم تخبرهم بعنوانك .

مسح عصام على وجهه بقلق : إنني لا أخشى من جيسي فهي ساذجة نوعًا ما ، و لكن .. جاسم و حسن ..

- لا تبالي بهم ، متى موعد رحلتك ؟

- بعد صلاة المغرب إن شاء الله .

- هل جهزت الحقائب ؟

- تقريبًا ، دانة هي من تتولى الأمر .

ابتسم عصام و هو يتذكر دقة دانة في تحضير الحقائب و تنظيمها ثم نظر إلى محمد بحب : سأشتاق لك .

احتضنه محمد : و أنا أيضًا عزيزي .

 

ابتعد عنه محمد ، و ابتسم عصام ممتنًا له : جزاك الله خيرًا محمد ، ثق باني لن أنساك و لن أنسى فضلك في هدايتي أبدًا .

 

ربت محمد على كتف عصام بهدوء : الهداية من الله تعالى ، لو أنك تريد شكري فعدني بأنك لن تعود لرفقة السوء أبدًا سواء كان هنا أو في وطنك .

أومأ عصام برأسه : أعدك بهذا عزيزي .

- الله يثبتك .

 

رحل محمد من أمامه بخطوات سريعة قاصدًا المسجد من جديد كي لا يتأخر عن والده المقعد ، في حين كان عصام يحاول جاهدًا أن يرسم له صورة أخيرة في ذهنه كي يتذكره بها دومًا ، ابتسم براحة حينما تذكر لقاءهم الأول حينما أثرت به كلمة " أخي " ، و كيف توالت بعدها لقاءاتهم حتى اصبحا صديقين حميمين ، إن والد محمد أصيب بشلل في قدميه منذ زمن ، إثر حادث مروري خطير ، في المسجد اتجه محمد إلى والده و قبل رأسه : آسف يا أبي ، هل تأخرت عليك ؟

 

- لا يا بني ، إنني مسرور بالجلوس في بيت الله .

أمسك محمد بالمقعد يوجهه إلى باب المسجد : سيسافر عصام الليلة و لذلك كنت أودعه .

- صحبته السلامة ، بلغه سلامي .

 

***

 

في جهة أخرى ، وقف طويلًا أمام المبنى يتأمله بصمت منتظرًا قدوم أبو ناصر ، كان المبنى كئيبًا للغاية لا يدل على وجود أي حياة به أو نشاط يذكر بالرغم من أنه مكون من ثلاثة طوابق ، استاء من منظره و فكر مليًا : كيف سأعيد نشاط الشركة إن استرددتها و أصبحت ملكًا لي ؟

 

- السلام عليك وليد .

التفت إلى مصدر الصوت ، كان أبو ناصر يسير باتجاهه ملوحًا بيديه ، ابتسم براحة : وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته ، مرحبًا عمي .

- اعذرني ، تأخرت عليك قليلًا ، كان لدي موعد هام .

ارتبك وليد : لا بأس بهذا ، لم أنتظر طويلًا .

 

و في الحقيقة ، لقد انتظر قرابة الساعة إلا ربع ، و لكنه لم يشأ إحراج أبو ناصر و إخباره بهذا ، أخرج أبو ناصر سلسلة المفاتيح من جيبه ، و فتح الباب ببطء ، كان دقات قلب وليد السريعة ترن في أذنيه و تعكس على وجهه علامات ارتباك حادة ، منذ زمن لم يدخل إلى الشركة بقدميه ، كان يراها من بعيد ثم يرحل بأسى ، أما الآن فهاهو يدخل .

 

- مرحبًا بك في شركتك .

نظر له وليد متعجبًا ، فقهقه أبو ناصر : إنها شركتك ، أليس كذلك ؟ كن واثقًا بأنها ستعود إليك ، فمعي ما يكفي من الأوراق لإثبات بأن لك الحق في ملكيتها بعد وفاة والدك .

 

- هل أنت جاد ؟

رمقه أبو ناصر معاتبًا : و هل تراني كذبت عليك يومًا ؟

 

ارتبك وليد : لا لم أقصد هذا ، و لكن لمَ لمْ تعطيني إياها في المرة السابقة التي ...

قاطعه : كان لي أسباب كثيرة .

 

قطع حديثه فجأة و سأله : هل تريد رؤية الشركة أم نصعد إلى منزلي ؟

- لنجلس في مكتبك .

- حسنًا ، إنه من هنا .

 

قاده أبو ناصر إلى مكتبه ، كان مكتبًا واسعًا مستطيل الشكل ، المكتب الأسود يستقر أمام النافذة المغطاة بالستائر البيضاء الخفيفة و المكتبة الخشبية في الركن الأيمن تعلن رفوفها الإحتجاج الحاد لثقل الملفات المرصوصة عليها ، كان كل شيء به يبدو راقيًا و نظيفًا بداية من السجادة الرقيقة على الأرضية و حتى الثريا المدلاة من السقف .

 

- هل أعجبك ؟

انتبه وليد : إنه رائع .

ثم تمتم مؤكدًا و هو يجلس على أحد المقعدين أمام المكتب : ساحر بالفعل !

 

ضحك أبو ناصر : إنه من تصميم والدك ، ألم أخبرك بأن ذوقه رائع ؟ لقد كان فنانًا .

سرح قليلًا بفكره ثم عاد يقول : و كان طموحًا أيضًا .

 

ابتسم وليد بحزن ، فتدارك أبو ناصر كلامه مرتبكًا : ما رأيك برؤية مكتب والدك ريثما أحضر لك الأوراق ؟

أومأ وليد برأسه : لا بأس .

 

فتح درج المكتب و أخرج منه مفتاحًا صغيرًا ثم ناوله لوليد ، و خرج من المكتب إلى منزله بالطابق الثاني ، نظر وليد إلى باب مكتب والده بخوف ، و أدار المفتاح ، دلف إليه بخطوات بطيئة ، كان الغبار يغطي كل شيء بخلاف ما عليه مكتب أبو ناصر ( السكرتير ) ، تقدم و وقف في منتصف الغرفة : أكان والدي يجلس هنا يومًا ؟ أهذا هو مكتب والدي حقًا ؟

 

اجتاحه حزن عميق ، و وحشة حاول جاهدًا دفعها بأن جلس على مقعد والده خلف المكتب ، كان يتذكر جيدًا ، يتذكر يوم أحضره والده إلى هنا عندما سأله عن مكان عمله ، كان صغيرًا و بريئًا كذلك ، تحسس المكتب بيده فالتصقت حبيبات الرمل بها ، بل إنه يتذكر كيف غضب والده حينما كسر قطعة زينة زجاجية كانت تزين مكتبه ، ابتسم مرغمًا ، كان عقله يعمل بسرعة يستعيد ذكريات لطيفة ، وقتما كان والده حيًا يرزق ، يداعبه و يشاكسه و يبث في روحه أملًا عجيبًا .

 

- ما رأيك به ؟

قطع أبو ناصر تفكيره ، نظر له بفزع بسبب ظهوره المفاجئ ثم ابتسم : رائع كمكتبك تمامًا .

لم يعلق أبو ناصر على كلامه ، و بدت على وجهه علامات حزن خفي ، و لكنها لم تخفى على وليد ، كان يحمل بيديه حقيبة سوداء ناولها لوليد : إنها الأوراق التي حدثتك عنها ، برفقة جميع أرباح الشركة .

 

تفاجأ وليد و توجس من حقيقة تلك الأموال : و لكن ..

- لا تقلق ، إنها الأموال النظيفة التي تركها لك والدك .

تأمل وليد في الحقيبة ثم أعاد نظره إليه لا يزال غير مطمئن للأمر ، فضحك : كما أن الحقيبة حقيبة والدك .

 

ضحك وليد بخفة ثم همّ بالخروج و كأنه يريد الفرار من الذكريات بسرعة لكن أبو ناصر أوقفه : وليد ، بني انتظر .

جلس على مقعد مهترئ ، و حمحم بهدوء قبل أن يقول : لنتفاهم في كل الأمور قبل أن ترحل .

لم يبد وليد أي اعتراض على طلبه ، فأشار أبو ناصر بيده إلى لوحة معلقة على الجدار فوق مكتب والده : انظر لهذه اللوحة .

 

اقترب منها ، و مسحها بيده ، كان تصميم هندسيًا لمبنى ما ، لم يستطع التعرف عليه فإسمه بأسفل اللوحة كان ممسوحًا تمامًا .

 

- مركز الشباب الإسلامي .

التفت وليد متعجبًا : و ما هو ذاك ؟

- حلم والدك مذ عرفته .

ازداد تعجب وليد و طلبت عيونه الإيضاح ، فأكمل أبو ناصر : وضع تصميمه مع افتتاح الشركة ، و علقه في المكان ذاته ، كان عازمًا على بنائه يومًا من أرباح الشركة ، إلا أن ...

 

صمت لهنيهة ثم تمتم بحزن : الله يرحمه .

- هل تقصد بأن ... ؟

قاطعه : اسمعني وليد ، سأنصحك بنصيحة أنت حر في العمل بها أو تركها ، الشركة لن تعمل مجددًا ، بل إنها لم تعد شركة في الأصل فسمعتها اصبحت في الحضيض .

 

تنهد و تابع : اليوم كنت في موعد هام مع أبو سلطان ، طلبت منه تعييني في شركته و وافق على ذلك .

انقبض قلب وليد ، و ظهر ذلك على وجهه ، فشعر به أبو ناصر و قال : إنني شديد الولاء لوالدك يا وليد ، و لكنه بالفعل لم يكن يحب الشركة كي أكن الولاء لها .

 

ارتبك ثم أردف قائلًا : أعني .. أن حلمه كان هذا .

ثم أشار على اللوحة : و لذلك ، أنصحك بان تحول تلك الشركة إلى مركز الشباب الإسلامي .

رفع وليد إحدى حاجبيه مستنكرًا ، فقال : ثق بي يا بني ، حقق حلم والدك ، إن ما معك من أرباح يكفي لبناء المركز و إمداده بجميع متطلباته ، في حين لن تكفي لإعادة ترميم و بناء الشركة .

 

تأمل وليد مليًا في اللوحة أمامه ، إن كان هذا حلم والده فلم لا يحققه له ؟ كما أن أبو ناصر يبدو صادقًا في كلامه ، بجانب أنه لا يفهم جيدًا في أمور إدارة الشركات و الأعمال ، فكر و تأمل ، حاول جاهدًا أن يصل إلى حل نهائي و لكنه قال : سأستخير أولًا ثم أخبرك بقراري !

 

ابتسم أبو ناصر برضا ووقف في مكانه : رائع بني ، إنك تعجبني بالفعل .

ثم نظر لعينه بدقة : أرى في عينيك لمعة الطموح ذاتها في عيون والدك رحمه الله .

ربت على ظهر وليد مشجعًا : إن لك مستقبل مشرق بإذن الله ، فقط توكل على الله و تقدم .

 

مع آذان المغرب كان وليد يخرج من بوابة الشركة قاصدًا سيارته ، حاملًا بيده حقيبة والده السوداء ، وضعها بعناية في السيارة ثم انطلق إلى المنزل ، كان مشوشًا إلى درجة الجنون ، أفكاره تتصارع و تولد له خواطر كئيبة و أخرى طموحة ، زاد من سرعة السيارة إلى 80 ، كان يعلم بأنه لن يخرج من تيهه إلا بعدما يصلي صلاة المغرب و يستخير الله تعالى .

 

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أم بلال

وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته

أسعدكِ الله كما تسعديني بمروركِ و متابعتكِ (^_^)

جزاكِ الله خيرًا ،،

 

بوركت وأنت من أهل الجزاء

بصراحة صرت مدمنة على روايتك وغيري كثير والدليل تزايد عدد الزيارات حتى لو كانوا صامتين :wink:

يلا وين الجزء الجديد ؟؟

بانتظارك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

 

الفصل الثاني عشر

(12)

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

 

 

جلس فهد على إحدى مقاعد الإنتظار ، و سرعان ما وقف مكانه يذرع الممر الطويل ذهابًا و إيابًا أمام البوابة التي سيخرج منها الأشخاص القادمون من أمريكا .

 

- استغفر الله ، لم تأخروا هكذا ؟

- أيعقل أن تكون الطائرة قد تعطلت ؟

- هل تأكد أحدكم من إقلاع الرحلة في الوقت المحدد ؟

 

كانت همهمات الناس من حوله تزيده قلقًا ، و تولد في عقله عشرات الأفكار المتشائمة ، إلا أنه كان يحاول جاهدًا أن يحافظ على رباطة جأشه بالإستغفار .

 

رنين جواله المستمر أزعجه للغاية ، إلى الآن وصلته 17 مكالمة ، 5 من منى ، 10 من هالة ، و 2 من والده ، لم يشأ أن يجيبهم فيقلقهم ، اتصل عدة مرات بعصام و لكن الصوت الناعم ذاته يتردد في مسامعه ( الرقم الذي تطلبه غير ممكن الإتصال به حاليًا ، من فضلك أعد المحاولة في وقت لاحق )

 

- يا إخواني ، الرحلة أقلعت متأخرة عن موعدها بساعة و نصف الساعة .

 

اتجهت أنظار جميع من في صالة الإنتظار إلى ذلك الشاب الذي دخل لتوه من البوابة و أخبرهم بالأمر ، عندما لمح الشك في عيونهم قال : إن لم تصدقوني ، فاسألوا المسئول هناك .

ثم أشار بيده على رجل يرتدي زيًا رسميًا ، اتجه بعض الرجال إليه في حين تعالت الهمهمات من جديد تتساءل عن سبب تأخرها في الإقلاع .

 

ارتاح فهد لهذا الخبر ، و جلس على إحدى المقاعد الشاغرة ، بإمكانه الآن أن يهدأ قليلًا ، و يجيب على مكالمات أهله .

 

***

 

دوى صوت ارتطام الزجاج في غرفة دلال بعد سكون مطبق ، هلعت الجدة و فزع مروان ، و اتجها بسرعة إلى غرفتها ، فتح مروان الباب ، و صدم مما رآه ، كانت دلال في حالة هياج شديدة ، و الغرفة في حالة فوضى عارمة ، كان زجاج الطاولة مهشم إلى مئات القطع و هذا هو صوت الارتطام الذي سمعاه على ما يبدو ، ارتبك : دلال ، ماذا تفعلين ؟

 

تناولت دلال المزهرية من فوق مكتب الدراسة مهددة ، تقدمت الجدة بهدوء ، و في اللحظة التي رمت فيها دلال المزهرية عليهم ، أمسك مروان الباب بخفة و أغلقه ، سمعوا صوت المزهرية و هي ترتطم بالباب ، فانهمرت دمعات الجدة على وجنتيها و هي تتمتم : بنيتي دلال .. ماذا بها ؟

 

سحب مروان يده التي تمسك بمقبض الباب : يبدو أنها في حالة هياج عصبي .

- و ما هي هذه ؟

نظر لجدته قلقًا و سألها : هل تعاني دلال من أي مرض عصبي ؟

تبادلا نظرات قلقة ، و اكتفت الجدة بهز رأسها نفيًا فقال : يجب أن نتصل بأي طبيب فورًا ، يا الله استر .

 

تناول جواله و ابتعد عن والدته قليلًا ، و ما إن وصله صوت وليد قال : وليد ، لي طلب مستعجل ! دلال أصابتها حالة من الهياج العصبي ، إنها تكسر كل ما تراه أمامها و تصرخ بكلمات غير مفهومة ، اذهب إلى المشفى القريب من منزلك و اطلب لها الطبيب " حامد " ، تذكر الطبيب " حامد " و ليس غيره .

 

ذعر وليد من صوت مروان المهزوز : اهدأ قليلًا يا مروان ، ماذا حدث بالضبط ؟

كان مروان على وشك البكاء ، دمعت عيناه و تمتم : لا أدري يا وليد ، تبدو ... تبدو و كأنها قد جنت ! أرجوك أسرع إلى الطبيب " حامد " و احضره إلى منزلي .

- حسنًا ، سأخرج حالاً ، إلى اللقاء .

 

مسح دمعاته المعلقة بجفنيه ، تمالك نفسه و اتجه إلى والدته المنهارة : أمي ، أرجوكِ .. الطبيب قادم الآن لا تقلقي .

- آه ، دلال حفيدتي ، ماذا ستقولين عني يا بنيتي إن رأيت ابنتك في هذه الحالة ؟

- اهدئي يا أمي ، ستكون بخير ، تعال معي .

 

أسندها مروان و ساعدها على الوصول إلى غرفة الجلوس ، جلست على أقرب مقعد و هي تبكي و تلقي اللوم على نفسها ، كان مروان ثائرًا للغاية ، زوج اخته ، والد دلال ، هو السبب ، هو سبب كل ما يحدث لدلال ، لم تركها و سافر ؟ إنها في حاجة إليه ، تحتاجه ، تحتاج لأحد يرعاها و لكن .... ، يا الله احفظها .

 

اتجه مروان مسرعًا إلى باب المنزل فور سماعه لرنين الجرس الهادئ ، فتح الباب ، كان الطبيب " حامد " و الممرضة " هند " يقفا خلف وليد ، رحب بهما ، و قادهما إلى غرفة دلال ، في حين ادخل وليد إلى غرفة الضيوف .

 

أرهف حامد سمعه قرب الباب ، إلا أنه لم يسمع شيئًا ، كل شيء يبدو ساكنًا بالداخل ، فتحه بحركة هادئة ، كانت دلال طريحة على الأرض ، صدرت من الجدة شهقة مكتومة ، فطلب حامد من مروان أن يبعدها ريثما يشخص حالتها ، أبعدها ثم عاد إليه ، نظر له حامد مبتسمًا : إنها بخير ، لقد فقدت وعيها فحسب .

 

و بالرغم من إبتسامة الطبيب المطمئنة ، إلا أن مروان لم تهدأ نفسه بعد ، طلب حامد من مروان أن يحملها و يضعها على فراشها ففعل .

 

- و الآن يا مروان ..

التفت له باهتمام ، فاستطرد قائلًا : لقد أصابتها نوبة هستيرية على ما يبدو ، أخبرني هل تعاني دلال من أية أمراض عضوية ؟

 

- لنتكلم في غرفتي إذا سمحت ، فالمكان هنا غير مناسب كما ترى .

- حسنًا ، لا بأس .

ثم نظر لهند و قال قبل أن يخرج خلف مروان : اهتمي بها و بغرفتها ، لن نتأخر .

 

غرفة مروان تبعد عن غرفة دلال بعض الشيء ، دلفا إليها و أجلسه مروان على أريكته المتواضعة ، أما هو فقد جلس على مقعد قريب منه .

 

أجاب مروان على سؤاله : بحسب علمي فإنها سليمة تمامًا و لم أسمعها تشكو قط .

أطرق حامد برأسه مفكرًا : حسنًا ، أخبرني هل تعاني من أية ضغوطات نفسية ؟

 

- ضغوطات نفسية ؟ كماذا مثلًا ؟

- ربما خلاف عائلي ، صدمة بشخص تعرفه ، أو ماضي مؤلم !

- أأ .. إنها يتيمة الأم ، و والدها تزوج بأخرى ، و اعتقد بان زوجته لا تحسن معاملتها ، إنهما حاليًا مسافران إلى ماليزيا و لذلك تقيم هُنا .

 

سكت مروان فابتسم له حامد يحثه على الإستمرار ، فقال : و لكن كان هذا منذ زمن ، ما الذي تجدد الآن ؟ لقد كانت على ما يرام طيلة تلك السنوات .

 

- هل تتصف بصفات غريبة أو كريهة ؟

 

نظر مروان إلى حامد الذي بدا مستعدًا تمامًا لتدوين أي كلمة تصدر منه ، ارتبك قليلًا : إنها عصبية للغاية ، لا تبالي بأحد ، و في الوقت نفسه حساسة جدًا .

 

مسح على رأسه بعجز : في الحقيقة ، لا أدري كيف أصف حالتها ، و لكننا جميعًا نراها طبيعية ، أقصد بأنها كأي فتاة مراهقة .

 

لبث الطبيب مليًا ، ثم قال بجدية : حسب ما سمعته منك ، من وصفك لحالتها قبل الإغماء ، و من ظروفها و بيئتها المحيطة بها ، فربما أن ما أصابها نوبة هستيرية مؤقتة نتيجة ضغط عصبي أو نفسي حاد .

 

- و لكنها كانت طبيعية صباحًا .

- لمست من كلامك أيضًا أنها ربما تكون وحيدة أو أن طابع العزلة يغلب عليها ، و هذا هو المشكلة ، فالمحيطين بها لن يشعروا بألمها طالما أنهم بعيدون عنها ، ربما حصل أمر ما له علاقة بالماضي أو بوالدتها ، فليس شرطًا أن تقص عليكم ما يقابلها من تلك الأمور .

 

تألم مروان و أطرق برأسه ، لا يستطيع إنكار كلامه فهذا هو الواقع ، دلال وحيدة و منعزلة بالرغم من علاقاتها الكثيرة و حبها للمرح و التنزه و إجتماعها الدائم مع صديقاتها .

 

- لا تحزن مروان ، دلال تحتاجك و تحتاج لصديقات في نفس عمرها كي تبادلهم مشاعرها ، فتاة في الثامنة عشر و قد فقدت والديها و تخلت عنها والدتها من الطبيعي أن تصاب بمرض نفسي خاصة إن كانت ضعيفة الإيمان .

 

رفع مروان نظره بسرعة مستنكرًا كلمته الأخيرة ، فوضح حامد مقصده : غرفتها تضج بصور الممثلين و المغنيين .

 

وقف ثم ربت على كتف مروان بحنان : اسمعني جيدًا ، سأخبرك بما يجب عليك فعله ، عندما تستيقظ دلال لا تخبرها بأي مما حدث فهي غالبًا لن تتذكر أي شيء ، ثم إنني أحسبك على خير فحاول أن تؤثر عليها و تسحبها إلى صحبة صالحة ، الأمراض العصبية ليست أمراض مزمنة و طالما أنها المرة الأولى فربما لا تعاودها الحالة أبدًا .

 

كتب حامد بعض الملاحظات على ورقته البيضاء ثم نزعها و ناولها له : غدًا صباحًا الساعة التاسعة ، احضرها إلى العيادة كي نتأكد أولًا من سلامتها العضوية .

 

ابتسم مروان ممتنًا : أشكرك حامد ، و اعذرنا فقد أتعبناك معنا و أخرجناك من عيادتك فجأة ..

- أوه ، لا تبالغ ، إنني في خدمة الجميع و في أي وقت .

 

طلب مروان منه أن يشرح لوالدته حالة دلال و يطمئنهما فتولى الأمر ، ثم ودعه بسيل من عبارات الإمتنان و الشكر ، بعد رحيله دلف مروان إلى غرفة الضيوف و اعتذر من وليد : آسف وليدي ، تأخرت عليك كثيرًا ، رحل الطبيب لتوه من المنزل .

 

صافحه وليد : لا ، لا بأس ، ما أخبارها الآن ؟

- أصابتها إغماءة قبل قدوم الطبيب .

- أها ، و كيف شخصها الطبيب ؟

- نوبة هستيريا نتيجة الضغط النفسي .

- نوبة ؟ هستيريا ؟

 

تنهد مروان بألم عميق ، و قص على وليد ما سمعه من حامد طالبًا منه النصيحة و المعونة ، فوعده وليد بأن يقنع أصايل بزيارتها يومًا ، علهما يكونا أصدقاء ، و تجد دلال في شقيقته الصديقة الوفية التي ستشاركها بمشاعرها ، مسكين وليد لا يعلم بحالة العداء بين كلاهما .

 

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
رائعة بارك الله فيكِ يا غالية

لكن ضعي لنا فصلين اخرين فانت تاخرتى الفترة الماضية ^^

 

أخيرا ظهرت ؟

جزاك الله خيرا على الجزء الجميل

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

 

متأخرة أنا ... كثيرا

وجد أعتذر منكِ حبيبتى ...

 

لكنى جد متأثرة بهذه الكلمات الراقية والتعابير والعبارات العذبة

كما أن إسلوبكِ وكما قالت العديد من الحبيبات قبلى قد تطور كثيرا بفضل الله تعالى

بالأمس كان لدينا مشروع أديبة ... أما اليوم فهى تخطو واثقة نحو قمة سامقة

 

أسأل الله قبول زخات حروفكِ الندية وأن يجعلها فى موازينكِ حبيبتى

:)

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أم ربعى + أم بلال

من عيووني ^_^ ، سأضع جزئين اليوم إن شاء الله

سعيده بكما ، أسعدكما الله ،،

 

الغاليــه / سجدة قلب مسلم

وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته

سعدت كثيرًا حينما رأيت اسمكِ هُنا ، و ارتسمت على وجهي إبتسامة واسعـــــــــه ^_^

حقًا كنت انتظر مروركِ بشوق ♥♥

شكرًا لكلماتكِ الرقيقــه حبيبتي ، اتساءل إن كنت حقًا استحقها :icon17:

 

آمين آمين ،، جزاكِ الله خيرًا يا غاليـــه

أسعدكِ الله و أسكنكِ الجنـــه ،،

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

 

الفصل الثالث عشر

(13)

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

 

 

في الفيلا الضخمة الراقية التي تدل على ثراء أصحابها ، و المستقرة على قطع أرض كبيرة تحيط بها الأشجار و النخيل ، و مربعات الورود الصفراء و الحمراء و البنفسجية المتناثرة فيها بصورة عشوائية ، كان جميع من في المنزل في غرفة الطعام ملتفين حول المائدة التي حملت مختلف الأطباق و الأصناف الشهية فوقها ، كانت الأم تنظر لولديها بمحبة ، منى تحكي لدانة بحماس عن أحدث مراكز التسوق في البلدة ، و فهد يحدث عصام عن الخبر المفجع الذي لا يزال يحتل رؤوس الجرائد و افتتاحيات القنوات الإخبارية ، ألا و هو خبر وفاة أبو سالم .

 

فجأة شرعت أم عصام تبكي بمرارة ، فزع عصام و اتجه إليها ثم أمسك بيدها المرتجفة : أمي ، ماذا بكِ ؟ هل أنت بخير ؟

 

شدت بيدها على يده : أنا بخير لأنكم بخير ، لن أبتعد عنكم مرة أخرى أبدًا ، أرجوكم سامحوني .

 

زفر عصام بضيق : أمي ، ألم نتواعد على نسيان كل هذا ؟ نحن معكِ الآن و لن نفترق مجددًا إن شاء الله ، كما أننا لم نلقي اللوم عليكِ نهائيًا ، إنه خطأ ذلك الإنسان الــ ..

زفر غاضبًا و ابتلع كلمته الأخيرة ، فهو يعلم أن أي كلمة منه ربما تجرح والدته .

 

انفضت الجلسة ، أم عصام اتجهت إلى غرفتها تبكي حالها بصمت ، دانة و منى و عصام كانوا يتجهزون للخروج ، فقد وعدهم فهد بالأمس أن يذهب بهم إلى مركز للتسوق لشراء حاجياتهم ثم الذهاب إلى شاطئ البحر ثم تناول العشاء في مطعم ، كان جدول الليلة مزدحمًا خصوصًا مع طلبات دانة الكثيرة التي تحتاج لها لأجل الدراسة و التي دونتها على قائمة طويلة دستها في حقيبتها بسرعة ثم هرولت إلى باب المنزل .

 

- دااااااااانة ، هيا بسرعة .

- أأ .. أنا قادمة .

كان فهد ينتظرها عند الباب ، أما منى فكانت تصحب عصام في جولة سريعة بالحديقة ، عدلت دانة حجابها ثم خرجت ، استنشقت الهواء العليل بارتياح ، بإمكانها الآن أن تفرح ، أن تبتسم بصدق ، أن تشعر بالأمان ، لأنها في الوطن ، في دولة إسلامية ، بين أهلها ، مازجها شعور بالشفقة لحال والدها و لكنها طردته بقسوة عنها ، لمَ أشفق عليه و هو سبب لكل مصيبة حدثت لي و لأخي و أمي ؟ ، شيء واحد كان يعكر عليها صفو لحظاتها ، و هو صورة يوسف و قد لفه الكفن الأبيض !

 

خرجا من البوابة الكبيرة ، كانت سيارة فهد الجيب أمام البوابة مباشرة ، قبل أن تدخل دانة إلى السيارة نظرت إلى المنزل المجاور : من يسكن بجانبنا يا فهد ؟

 

- إنه أبو مؤمن و لكنه توفي منذ سنتين ، لم تسألين ؟

ضحكت دانة : لأنني أحب التعرف على الجيران .

- أها ، أعتقد بأن لديهم ابنة في مثل عمرك .

تحمست دانة للأمر : أوه حقًا ؟ سأتعرف عليها بالتأكيد .

نغزه عصام في كتفه : لا تزال متأثرة بحياة أمريكا ، فعلاقة الجار بجاره مهمة للغاية هناك .

 

ضحك فهد من أعماق قلبه ، و نظر لدانة من مرآة السيارة ، كانت تضحك مع منى و تتحدث بحماس عما تحتاجه للمدرسة ، ابتسم و تمتم : لا تزال كما هي ، ثرثارة متهورة و متواضعة .

 

ضحك عصام فأكمل فهد : و أنت أيضًا ، لم تتغير كثيرًا ، ظننتكما ستتغيران بسبب الحياة هناك .

نظر عصام إلى السماء من خلال النافذة ، و قال : كنت هناك مختلفًا تمامًا ، و لكن وجودي في الوطن يشعرني بأني رجل له قيمة .

 

أمام كلمات عصام التي غلفها الغموض ، فضل فهد ألا يعلق ، لم يكن يحب أن يجبر أحدًا على الحديث ، كان واثقًا بأنه سيعلم سبب الحزن الجلي في عيون عصام عاجلًا أو آجلًا ، و حتى إن لم يعلم يكفيه أنه بخير أمامه .

 

***

 

حالما أتم وليد جملته ، انطلقت صرخة من شفاه أصايل : مستحيل !

تفاجأ من ردة فعلها ، فضحكت من سخرية الموقف : لن تصدق حينما أخبرك بأنها ألد أعدائي .

 

- أعدائك ؟ هل تعرفينها ؟

- بالطبع ، إنها المشاغبة رقم واحد في المدرسة .

 

حك وليد جبينه متعجبًا و تنهد : حسنًا ، كنت أعتقد بأني استطيع الإعتماد عليكِ .

- وليد ، لا تغضب مني ، و لكن من المستحيل أن أصبح صديقتها ، صدقني لو قمت بزيارتها ستطردني من منزلها شر طردة .

 

- لا تبالغي ، إنها تحتاج لأحد بجانبها ، تحتاج لصديقة !

- لديها الكثير من الصديقات .

 

ضمت يدها و بدأت تعدد على أصابعها : مريم ، نوف ، إيمان ، ...

- لا يهمني هذا ، مروان طلب مني المساعدة ، فحالتها لا تسر أبدًا ، لو أنني كنت في موقف مروان و رفضت شقيقته مساعدتك مثلًا ، سأشعر بأنه قد خذلني وقت الشدة .

 

تنهدت أصايل ، و استرخت في مقعدها تفكر ، استعاد عقلها كلمات دلال ( يا لها من حياة تعيسة ! ) ، و تذكرت نظراتها المنكسرة بعدما استدعت المديرة والدتها لتشكوا لها عنفها و شجارها الدائم مع البنات ، علمت الآن لماذا كانت حزينة متألمة ، فجأة همست : سأحاول يا وليد ، أعدك بهذا .

 

تهلل وجه وليد فرحًا : أحقًا ؟ سأكون ممتنًا جدًا لكِ لو فعلتِ .

- سأزورها إن شاء الله و لكن برفقة سارة .

ابتسم وليد : لا بأس ، كما تريدين .

 

- ما أخبار الشركة ؟

- غدًا الجلسة الأخيرة في المحكمة ، و التي غالبًا ما ستكون لصالحي ، أبو ناصر يطمئنني بقوة ، و أرجو من الله أن يكون صادقًا .

 

تبسمت أصايل برضا ، و أغمضت عينها براحة ، ثم تمتمت : صدق الله حين قال : " إن مع العسر يسرًا " !

تأملها وليد بصمت و قد رسم على وجهه ابتسامة عذبة ، إنه يستمد قوته من حيويتها و تفاؤلها ، كما أنها تستمد قوتها من صبره و إرادته الصلبة ، في الغد القريب و بإذن الله سيكون لنا منزلنا الخاص ، و سنعيش بهدوء و نتخلص من مضايقات خالي ، سيكون لي عملي الخاص في مركز الشباب الإسلامي ، و سأدعو إلى الله بحرية و عزيمة ، ضحك بخفة على تفكيره ، يبدو تفكيرًا طفوليًا حالمًا ، و لكنه متفائل .

 

- لم تضحك ؟

رفع حاجبه مستنكرًا : حرام ؟

ضحكت أصايل ثم همست : الله يديم عليك الضحكة .

 

وقف مكانه و هو يؤمن على دعائها : آمين و إياكِ .

- إلى أين ستذهب ؟

- سأنام ، لقد تأخر الوقت .

 

نظرت إلى ساعة الحائط و شهقت : يا إلهي ! لم اشعر بمرور الوقت .

قهقه وليد و هو يخرج من غرفتها ثم أغلق الباب بهدوء : تصبحين على خير .

 

***

 

كانت على فراشها ، لا تزال تمسك بجوالها و تعيد قراءة الرسالة للمرة الحادية عشر ( مرحبًا سارة ، حزري فزري من أنا ؟ حبيبتك دانة ، هذا رقم جوالي ، خرجت اليوم مع خالي و خالتي و اشتريته ، بإذن الله سأراكِ عما قريب )

 

هكذا كانت الرسالة .

 

أغلقت الجوال و أنحته جانبًا ، أحكمت الغطاء حولها و ابتسمت ، كان عقلها يستعيد كل كلمة تبادلتها مع دانة في الهاتف منذ قليل ، لم أكن أتخيل أن دانة ستكون هي نفسها دانة القديمة ، المرحة الثرثارة المزعجة .

 

تزاحم عقلها و تشوشت أفكارها ، تارة تجتاحها الذكريات ، و تارة تعود إلى الواقع ، و تارة أخرى تفكر في أمر يوسف الصغير و تتذكر كيف بدا صوت دانة حزينًا عندما أخبرتها كيف كانت تزور قبره دومًا و تدعوا له بالرحمة .

 

تقلبت بقلق ، و تأففت ، يبدو أن الأرق لن يرحمها الليلة ، و لذلك آثرت أن تنهض و تصلي لربها شكرًا على نعمه ، حبًا له ، و لهفةً إلى خلوةٍ به و قربًا منه يريح قلبها و يسعد نفسها ، و يبث في روحها السكينة .

 

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

 

الفصل الرابع عشر

(14)

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

 

 

- لن أذهب للطبيب ، أنا بخير .

- نعلم أنكِ بخير ، نريد الإطمئنان عليكِ فحسب .

 

ازداد ضيقها و انفجرت : زجاج طاولتي مكسور ، المزهرية التي أهدتني إياها صديقتي مكسورة ، كتبي كلها مبعثرة على مكتبي ، حتى جوالي أصبح عديم النفع بعدما تهشمت واجهته ، و الآن تريدون مني الذهاب إلى الطبيب ، سأجن إن لم تخبروني ما الذي يحدث لي .

 

ارتبك مروان و مسح على شعره متوترًا : سأترككِ قليلًا لتهدئي ، و سأعود لأخذكِ إلى الطبيب بموافقتكِ أو بالقوة .

 

استنكرت الجدة كلامه ، و ربتت على كتفي دلال بحنان ، و مسحت على شعرها ، في حين خرج مروان من باب المنزل ، لم تكن تلك فرصة لتهدأ دلال فيها بل كانت فرصة له ، أخرج بطاقة العيادة و اتصل بحامد .

 

- السلام عليكم .

- وعليكم السلام ، مرحبًا حامد .

- مرحبًا مروان ، ما أخبار المريضة ؟

- ليست على ما يرام أبدًا ، إنها لا تتذكر شيئًا مما حدث البارحة و تطلب تفسيرًا للفوضى في غرفتها ، كما أنها ترفض الذهاب للعيادة .

- إنها مشكلة طبيعية ، و لكن لو أحضرتها إلي سأستطيع التصرف معها ، حاول معها و لكن احذر من الضغط عليها أي لا تستخدم القوة .

- سأحاول ، إلى اللقاء .

 

دخل إلى المنزل غاضبًا ، كانت دلال لا تزال في حضن جدتها تبكي بهدوء ، قال مروان بنبرة حاول فيها أن يبدو طبيعيًا و لطيفًا : هيا دلال ، لنذهب أرجوكِ .

 

نظرت له بعيون دامعة ، فقال : لن تخسري شيئًا ، أليس كذلك ؟ سنذهب ثم نعود و ينتهي الأمر .

و أخيرًا تكلمت الجدة تسترجيها : أرجوكِ حبيبتي يجب أن تذهبي لنطمئن عليكِ .

 

قبلت دلال رأس جدتها : ساذهب لأجلكِ فقط ، و صعدت إلى غرفتها لترتدي عباءتها ، تنهد مروان و قال بضيق : إنها عنيدة .

لامته والدته : لا تقس عليها مروان ، فليس لديها غيري و غيرك .

 

زفر : الله المستعان .

ثم خرج من المنزل قاصدًا سيارته ، و بعد دقائق كانت دلال تفتح باب السيارة و تركب بصمت ، مازحها مروان : السلام يا أهل الإسلام .

 

تبسمت بخفة : السلام عليكم .

- وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته .

 

طيلة الطريق كانت صامتة تمامًا ، أوقف مروان السيارة أمام العيادة ، ثم دلف برفقتها إلى مكتب الطبيب " حامد " الذي كان ينتظرهما ، رحب حامد بمروان و دلال ترحيبًا حارًا ، و بعد الكثير من الفحوصات طمأنهما حامد أنها سليمة تمامًا ، و بذلك تأكد مروان أن كلام حامد بالأمس كان صحيحًا ، أعاد الكلمة في عقله ( نوبة هستيرية ) و تنهد بضيق .

 

كتب الطبيب في أوراقه بعض الكلمات المختصرة ثم نظر لمروان مبتسمًا : ما رأيك بنزهة إلى شاطئ البحر ؟ الجو رائع و مشمس اليوم ، أليس كذلك مروان ؟

 

- لا أدري ، لست ممن يهتمون باخبار الطقس .

ضحكت دلال على غبائه ، و كتم حامد ضحكة كادت تفلت منه ، فهمت دلال بأنه يطلب منه أن يأخذها في نزهة لشاطئ البحر كي تشعر بالراحة أما مروان لم يعي ما قصده الطبيب بسؤاله .

 

- لماذا تضحكين ؟

هزت دلال رأسها : لا سبب معين .

 

- عبري عما بداخلك دلال ، أخبريه عن سبب ضحككِ .

ضحكت دلال من جديد ، و نظرت لمروان الذي قال لتوه : أبدو كالأبله ، أليس كذلك ؟

 

- دلال إن سمحت لنا ، سأكلمه قليلًا على إنفراد .

- لا بأس .

تناولت حقيبتها ثم قالت : سأنتظرك بالخارج .

 

ما إن أغلقت الباب التفت حامد إلى مروان : إنها سليمة عضويًا ، و هذا يؤكد بأن حالتها أمس لم تكن إلا نوبة هستيرية مؤقتة ، اذهب بها إلى شاطئ البحر الآن ، ستشعر بالراحة هناك ، و ربما ستحاول أن تحدثك عما في نفسها ، فلا تقاطعها أبدًا و استمع إليها بهدوء ، فهي بحاجة إلى من يسمعها أكثر من حاجتها إلى من يواسيها .

 

أومأ مروان برأسه موافقًا : سأفعل إن شاء الله ، جزاك الله خيرًا دكتور .

- و إياك مروان ، بلغ سلامي للوالدة .

- الله يسلمك .

 

خرج مروان من عنده ، كانت تنتظره أمام الباب مباشرة ، ما إن رأته حتى بدأت بالضحك مجددًا ، تمتم غاضبًا : لم تضحكين ؟ هل هناك شيء عجيب في شكلي ؟

 

ازدادت حدة ضحكتها ، و شعر مروان بالضيق من نظرات الناس إليهم ، فضربها على ظهرها : ( اسكتي يالخبلة ، فشلتينا ) ، أصبحنا أضحوكة للآخرين .

 

و عندما وجدها لا تنوي على التوقف ، تقدمها بخطوات سريعة و هو يزفر غاضبًا ، و لكن في بواطن نفسه كان سعيدًا ، سعيدًا لأنها تضحك ، سعيدًا لأنها سعيدة و لأنها بخير .

 

في صباح الغد ، كان مروان هو من أوصل دلال إلى المدرسة على غير العادة ، همت بالخروج من السيارة بعدما وقفت أمام بوابة المدرسة ، و تمتمت قبل أن تغلق الباب وراءها : جزاك الله خيرًا مروان ، أتعبتك معي .

 

ابتسم مروان : لا بأس ، تعبك راحة .

ثم غمز لها بغباء ، فلم يكن بارعًا في الغمز ، إنه يغمز بعينيه الإثنتين معًا !

ضحكت عليه ، ثم دلفت إلى مبنى المدرسة ، كانت مريم تنتظرها بشوق ، تلقفتها قبل أن تدخل إلى الصف و ضمتها إليها بقوة : اشتقت لكِ دلال ، لم كنت غائبة بالأمس ؟

تأففت دلال و هي تبعد مريم عنها : مريم ، ابتعدي عني ، كنت متعبة فحسب .

ذهلت مريم من ردة فعلها ، و تمتمت بغيظ : يا لكِ من باردة ، الله لا يشفيكِ .

ثم خرجت من الصف ، طوت دلال عباءتها بدقة و وضعتها على الطاولة ، ثم نظرت لسارة التي كانت تنظر لها بدورها ، قالت سارة بابتسامة رقيقة : شفاكِ الله و عافاكِ ، ما أخباركِ الآن ؟

ارتبكت دلال و أجابت بهدوء : بخير .

- الحمد لله ، الله يديم عليكِ الخير .

نظرت لأصايل ، فوجدتها هي الأخرى تتأملها بإبتسامة واسعة ، تعجبت من ذلك التغير المفاجئ ، و تعجبت من نفسها التي ردت لأصايل الإبتسامة بطريقة عفوية .

 

سحبت المقعد و جلست عليه بتعب ، كان عقلها يستعيد كل حرف نطقه مروان بالأمس ، كل كلمة وصف بها والدتها ( كانت حنونة و عصبية في الآن ذاته ، هادئة لا تحب الإجتماعات أو الحفلات المزدحمة بالناس ، كانت أيضًا تحب القراءة ، أوه لن تصدقي حين أقول لكِ بأنها كانت تمتلك مكتبة ضخمة جدًا في غرفتها ، و بعد وفاتها تبرعت بها أمي للمكتبة العامة ، هممم كما أعتقد أنها كانت تكتب الشعر كذلك )

 

ضحكت دلال بخفة ، فلمحتها سارة و ابتسمت ، ثم تمتمت في نفسها " عساه خيرًا " .

 

***

 

- مروان ، إلى أين وصلت ؟

انتبه مروان على صوت عبد الله أمامه ، فنظر له : ها ؟ ماذا تقول ؟

- صباح الخير ، منذ ساعة و نحن نناديك .

فرك مروان عينيه و تثاءب : اعذرني ، لم أكن أسمعك .

- حسنًا ، ألن تدخل إلى المحاضرة ، لقد دخل وليد منذ دقائق .

- حقًا ؟ ، كنت أريد الحديث معه ، متى جاء هذا الشقي ؟

ضحك علي و عبد الله ، فتركهم غاضبًا متجهًا إلى قاعة المحاضرات ، و لحسن حظه لم يكن أبو محمد قد حضر بعد ، لمح وليد في الصف الثاني فاتجه إليه و جلس بجانبه : السلام عليكم .

- وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته ، خيرًا إن شاء الله ؟ لماذا الصف الثاني على غير العادة ؟

ابتسم مروان و أغمض عينه براحة ، فابتسم وليد لإبتسامته ، ثم قال مروان : إنني الآن سعيد و مرتاح .

فتح عينه ببطأ و رأى نظرات وليد المتسائلة ، فأكمل : كنت في نزهة مع دلال بالأمس ، و تكلمت معها في أمور كثيرة ، هل تصدق بأني أقنعتها بعدم الركوب مع السائق وحدها مرة أخرى ؟

- رائع ، ألم أقل لك بأنها لابد و ستقتنع يومًا بنصائحك ؟

- نعم ، المشكلة هنا أن الأعباء زادت على عاتقي .

ضربه وليد على ظهره : أي أعباء تلك التي تتحدث عنها ، إنك عاطل يا حبيبي ، ماذا ستفعل حينما تتخرج من الجامعة و تبدأ بالعمل أو تتزوج ؟ حينها ستعرف جيدًا كيف تكون الأعباء !

 

ضحك مروان ، ثم قال بسرعة و كأنه قد تذكر شيئًا لتوه : ما أخبار شركتك ؟

- تسلمت أوراق ملكيتها اليوم ، لقد كسبنا القضية .

احتضنه مروان بسعادة عارمة : رائع يا وليدي ، الحمد لله ، الحمد لله .

- أوه ، ابتعد عني ، الجميع ينظرون إلينا .

ابتعد عنه مروان ضاحكًا ، و أردف وليد : كما أني أخبرتك ألا تناديني بوليدي ، أشعر هكذا بأني ولدك بالفعل !

 

فتح مروان فمه ليتكلم و لكن الكلمات تراجعت على لسانه حينما دخل أبو محمد إلى القاعة محييًا و معتذرًا في الوقت نفسه : السلام عليكم ، اعذروني على التأخير يا شباب .

 

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

 

الفصل الخامس عشر

(15)

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

 

 

عصرًا ، كانت أصايل في غرفة الجلوس مستلقية على الأريكة البنية الكبيرة ممسكة بيدها سماعة الهاتف ، و قد ارتسمت على وجهها إبتسامة غاضبة .

 

- دانة ، لا تغضبيني ، هيا اعترفي هل ستدخلين إلى مدرسة إنجليزية أم عربية ؟

ضحكت دانة : لا أعرف ، لم أحدد إلى الآن .

- كاذبة ! أخبرتيني قبل قليل أنكِ قدمتِ ملفكِ في المدرسة .

- أوف، ألا تزالين بطبعكِ الزنان ، لن أخبركِ عنادًا فيكِ ، هيا احترقي غضبًا .

 

و أكملت حديثها بنبرة مسرحية و هي تستنشق الهواء من حولها : شمم ، شمم ، أشم رائحة حريق هنا ، أمي .. هل نسيت إطفاء الفرن مجددًا ؟

 

وصلها صوت إغلاق المكالمة من الطرف الآخر ، فضحكت ضحكتها الصاخبة ،أطلت منى برأسها في الغرفة مستنكرة : ما كل هذه الضحكة ؟ هل أنهيت مكالمتك ؟

 

أعادت دانة السماعة إلى مكانها : نعم ، أنهيتها .

- مع من كنت تتكلمين ؟

- مع أصايل ، هل تتذكرينها ؟

أغمضت منى عينيها تحاول التذكر ، و لكنها قالت : لا أدري ، نسيتها تمامًا .

 

تناولت دانة السماعة : سأتصل بها مجددًا ، لابد و أنها غاضبة .

تضجرت منى و هي تخرج من الغرفة : أوف ، لا أدري كيف تتحملين الحديث في الهاتف ، إنه يصيبني بالصمم و الصداع أيضًا .

 

***

 

في منزل مجاور ، كانت دلال تسير بقلق في شرفة غرفتها الواسعة ، أيعقل أن يكونا هما ذاتهما أصايل و سارة ؟ أم أنه تشابه في الأسماء ؟ لا ، مستحيل لن أصادقهما أبدًا ، لا أعتقد بأن مروان كان يقصدهما ، ليسا هما الوحيدين بهذين الإسمين في العالم ، نعم ، إنه مجرد تشابه في الأسماء ، و لكن ماذا لو كانا هما ؟ ماذا سأفعل ؟

 

منذ أخبرها مروان بأن فتاتين يدعان أصايل و سارة سيزورونها غدًا يوم الجمعة بعد المغرب .. زاغت أفكارها تمامًا ، تفكر و تفكر و تضع الإحتمالات ثم سرعان ما تصل إلى نقطة البداية و تبدأ بالتفكير مجددًا و تختلق احتمالات جديدة ، و هكذا .

 

ارتمت على فراشها بقهر ، و استسلمت للنوم ، غدًا ستتضح الأمور و لا داعي لأن تسبق الأحداث : المستقبل سيأتي لا محالة .

 

هكذا تمتمت و أخذتها دوامة تفكيرها في اتجاه آخر مختلف نحو مستقبل مجهول .

 

***

 

أنهت دانة قراءة سورة الكهف ، أغلقت مصحفها و وضعته بعناية على الطاولة ، نظرت لمنى التي تبحث عن شيء ما في دولاب ملابسها و ابتسمت : عن ماذا تبحثين ؟

 

- لا أدري أين ذهب قميصي اللامع ، إنني متأكدة بأني وضعته هنا .

أطلت دانة برأسها داخل الدولاب ، و قالت باستنكار : يا للإهمال ، يبدو و كأنه صندوق قمامة .

 

ضربتها منى بشماعة الملابس على رأسها : ارحلي من أمامي ، و أنا التي ظننت بأنك قدمت لمساعدتي .

ضحكت دانة و هي تبتعد عنها : حسنًا ، لا تنس قراءة سورة الكهف ، فإنها تنور للعبد بين الجمعة و الأخرى .

 

- قرأتها قبلكِ يا حبيبتي ، أوف ، أين ذهب ذلك القميص الغبي ؟

تركتها دانة قاصدة المطبخ لتساعد أمها في تحضير طعام الغذاء ، فقد دعت أم عصام عائلة صديقتها العزيزة أم خالد لتناول الغذاء معهم اليوم ، و دعت أصايل و شقيقها كذلك ، كانت سعيدة للغاية بأنها ستقابل أغلى أصدقائها أخيرًا ، اشتاقت لهم كثيرًا ، لضحكاتهم ، لجنونهم ، لمداعباتهم ، ضحكت بسعادة و هي تقوم بعصر الليمون في الآلة المخصصة لذلك ، لا تزال تتذكر مدى حب أصايل لعصير الليمون الطازج ، كما أنها لم تنسى شراء المثلجات التي كانوا يحبونها ثلاثتهم ، إنها تلك المثلجات اللزجة المحاطة بطبقة من الجيلي الأحمر .

 

***

 

- أمي ، سأخرج الآن ، هل تريدين مني شيئًا ؟

- لا عزيزي ، الله يوفقك .

ابتسم عصام و قبل رأس أمه ، ثم خرج برفقة فهد وجده لآداء صلاة الجمعة .

 

رقص قلب عصام فرحًا حينما لمح المسجد من بعيد ، مسجد ( أبو بكر الصديق ) ، كان لا يزال كما عهده من قبل ، يشع بالنور ، مرتكزًا على الأرض الصلبة بثبات ، ساحته الواسعة المحيط به مزدحمة للغاية ، و مواقف السيارات ممتلئة لأقصاها .

 

- هل تتذكره ؟

- بالطبع ، أتذكر كل شبر فيه ، لم أكن لأستطيع نسيانه أبدًا .

ضحك فهد ، ثم سأله : إلى أين وصلت في حفظ القرآن ؟

- الجزء الحادي و العشرون بحسب تذكري .

- ما شاء الله ، إنك متقدم عني ، فأنا لا أزال في نهاية الجزء التاسع عشر .

- ألا يزال أبو علي هو الشيخ هنا ؟

- نعم .

تنهد عصام براحة : ياه ، كم اشتقت له !

 

أوقف فهد سيارته على الرصيف المقابل للمسجد ، فلم يكن هناك أي مكان شاغر في المواقف ، و سيارته الجيب تساعده على ذلك ، فليست كل السيارات كما تعلمون تستطيع صعود ذلك الرصيف العالي .

 

ما إن دخل فهد إلى المسجد حتى جاءه وليد محييًا : السلام عليكم ، حياك الله فهد ، ما أخبارك ؟

- وعليك السلام و رحمة الله ، بخير و الحمد لله ، و أنت ؟ ما أخبارك مع الجامعة ؟

- بخير والحمد لله على كل حال .

التفت وليد لعصام ، و تهلل وجهه فور رؤيته له : عصام هنا ؟ لا أصدق هذا !

احتضنه وليد بخفة ، ثم سأله : منذ متى و أنت هنا ؟ متى عدت من أمريكا ؟

ضحك عصام على حماس وليد : منذ أربعة أيام تقريبًا ؟

- أها ، عودًا حميدًا عزيزي ، و حمدًا لله على سلامتك .

و قبل أن يرحل وليد عنهم ، قال فهد : لا تنس وليد ، الغذاء معنا اليوم .

- نعم إن شاء الله ، أخبرني الوالد بالهاتف أمس .

 

عاد وليد إلى مروان و علي و عبد الله الذين يجلسون في مقدمة المسجد ، أما عصام و فهد فقد اتجهوا لركن قريب و شرعوا في قراءة سورة الكهف بعد أن صلوا ركعتي تحية المسجد .

 

بعد قليل ، انطلق صوت وليد العذب يصدح بالآذان ، و يرن في أرجاء المسجد من خلال السماعات المسطحة المثبتة على الجدران ، كان كذلك منطلقًا و مسموعًا يشق الشوارع و الممرات خارج المسجد بحدته ينادي الناس إلى صلاة الجمعة ، دخل جميع من في الساحة إلى المسجد ، فذاك عجوز يتكأ على عصاه باتجاه الباب ، و هذا شاب يخلع حذاءه و يدخل برجله اليمنى ، و ذاك الطفل يتسابق مع رفيقه من سيدخل إلى المسجد أولًا .

 

إنه يوم الجمعة ، يوم الإجازة من العمل ، و من المدرسة ، الكل يجتمع في المساجد لآداء صلاة الجمعة ، و سماع الموعظة التي يلقيها الخطيب ، كل واحد يسلم على أخيه ، يبتسم في وجهه و يسأله عن أحواله ، فتزداد أواصر المحبة بين الناس ، و تقوى الروابط فيما بينهم ، و كفى بأنهم قد اجتمعوا هنا لأنهم يحبون الله و يبتغون مرضاته ، فتحفهم الملائكة من كل جانب ، و تنزل على قلوبهم السكينة و الطمأنينة .

 

يوم الجمعة ليس يومًا للراحة من جهد العمل أو الدراسة فحسب ، بل هو محطة وقود لكل شخص يشحن فيها كامل طاقته ليفرغها خلال أسبوعه القادم ، فيستقبل أيامه بحيوية و نشاط بعد أن يكون قد تناول جرعته الإيمانية المهدئة .

 

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×