اذهبي الى المحتوى
المؤمنين

زاد الداعية الى الله

المشاركات التي تم ترشيحها

* الزاد الأول: أن يكون الداعية على علم فيما يدعو إليه:

 

على علم صحيح مرتكز على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلّم، لأن كل علم يتلقى من سواهما فإنه يجب أن يعرض عليهما أولاً، وبعد عرضه فإما أن يكون موافقاً أو مخالفاً. فإن كان موافقاً قُبل، وإن كان مخالفاً وجب رده على قائله كائناً من كان، فقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله وتقولون: قال أبو بكر وعمر». إذا كان هذا في قول أبي بكر وعمر الذي يُعارض به قول رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فما بالكم بقول من دونهما في العلم والتقوى والصحبة والخلافة؟! إن ردَّ قوله إذا خالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلّم، من باب أولى، ولقد قال عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَـلِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }. (النور: 63). قال الإمام أحمد رحمه الله: «أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا ردّ بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك».

 

وإن أول زاد يتزود به الداعية إلى الله عز وجل أن يكون على علم مستمد من كتاب الله تعالى، ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلّم، الصحيحة المقبولة، وأما الدعوة بدون علم فإنها دعوة على جهل، والدعوة على الجهل ضررها أكبر من نفعها، لأن هذا الداعية قد نصب نفسه موجهاً ومرشداً فإذا كان جاهلاً فإنه بذلك يكون ضالاً مضلاًّ والعياذ بالله، ويكون جهله هذا جهلاً مركباً، والجهل المركب أشد من الجهل البسيط، فالجهل البسيط يمسك صاحبه ولا يتكلم، ويمكن رفعه بالتعلم، ولكن المشكلة كل المشكلة في حال الجاهل المركب، إن هذا الجاهل المركب لن يسكت بل سيتكلم ولو عن جهل وحينئذ يكون مدمراً أكثر مما يكون منوراً.

 

* أيها الأخوة: إن الدعوة إلى الله على غير علم خلاف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلّم، ومن اتبعه، استمعوا إلى قول الله تعالى آمراً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلّم، حيث قال: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ هَـذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }. (يوسف: 108). فقال: {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }، أي أن من اتبعه، صلى الله عليه وسلّم، فإنه لابد أن يدعو إلى الله على بصيرة لا على جهل.

 

* وتـأمـل أيها الداعية لله قول الله تعالى: {عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } أي على بصيرة في ثلاثة أمور:

 

الأول: على بصيرة فيما يدعو إليه، بأن يكون عالماً بالحكم الشرعي فيما يدعو إليه؛ لأنه قد يدعو إلى شيء يظنه واجباً، وهو في شرع الله غير واجب فيلزم عباد الله بما لم يلزمهم الله به، وقد يدعو إلى ترك شيء يظنه محرماً، وهو في دين الله غير محرم فيحرم على عباد الله ما أحله الله لهم.

 

الثاني: على بصيرة في حال الدعوة ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلّم، معاذاً إلى اليمن قال له: «إنك ستأتي قوماً أهل كتاب». ليعرف حالهم ويستعد لهم. فلابد أن تعلم حال هذا المدعو ما مستواه العلمي؟ وما مستواه الجدلي؟ حتى تتأهب له فتناقشه وتجادله، لأنك إذا دخلت مع مثل هذا في جدال وكان عليك لقوة جدله صار في هذا نكبة عظيمة على الحق وأنت سببها، ولا تظن أن صاحب الباطل يخفق بكل حال فإن الرسول صلى الله عليه وسلّم، قال: «إنكم تختصمون إليّ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع» فهذا يدل على أن المخاصم وإن كان مبطلاً قد يكون ألحن بحجته من آخر فيُقضى بحسب ما تكلم به هذا المخاصم فلابد أن تكون عالماً بحال المدعو.

 

الثالث: على بصيرة في كيفية الدعوة قال الله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَـدِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }. (النحل: 125).

 

* وبعض الناس قد يجد المنكر فيهجم عليه، ولا يفكر في العواقب الناتجة عن ذلك لا بالنسبة له وحده، ولكن بالنسبة له ولنظرائه من الدعاة إلى الحق، لذا يجب على الداعية قبل أن يتحرك أن ينظر إلى النتائج ويقيس، قد يكون في تلك الساعة ما يطفي لهيب غيرته فيما صنع، لكن سيخمد هذا الفعل نار غيرته وغيرة غيره في المستقبل، قد يكون في المستقبل القريب دون البعيد؛ لهذا أحث أخواني الدعاة على استعمال الحكمة والتأني، والأمر وإن تأخر قليلاً لكن العاقبة حميدة بمشيئة الله تعالى.

 

وإذا كان هذا أعني تزود الداعية بالعلم الصحيح المبني على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلّم، هو مدلول النصوص الشرعية فإنه كذلك مدلول العقول الصريحة التي ليس فيها شبهات ولا شهوات، لأنك كيف تدعو إلى الله ـ عز وجل ـ وأنت لا تعلم الطريق الموصل إليه، لا تعلم شريعته كيف يصح أن تكون داعية؟!

 

فإذا لم يكن الإنسان ذا علم فإن الأولى به أن يتعلم أولاً، ثم يدعو ثانياً.

 

قد يقول قائل: هل قولك هذا يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلّم: «بلغوا عني ولو آية».

 

فالجواب: لا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلّم، يقول: «بلغوا عني» إذاً فلابد أن يكون ما نبلغه قد صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، هذا هو ما نريده، ولسنا عندما نقول إن الداعية محتاج إلى العلم لسنا نقول إنه لابد أن يبلغ شوطاً بعيداً في العلم، ولكننا نقول لا يدعو إلا بما يعلم فقط ولا يتكلم بما لا يعلم.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

* الزاد الثاني: أن يكون الداعية صابراً على دعوته، صابراً على ما يدعو إليه، صابراً على ما يعترض دعوته، صابراً على ما يعترضه هو من الأذى.

 

أن يكون صابراً على الدعوة أي مثابراً عليها لا يقطعها ولا يمل، بل يكون مستمراً في دعوته إلى الله بقدر المستطاع وفي المجالات التي تكون الدعوة فيها أنفع وأولى وأبلغ، وليصبر على الدعوة ولا يمل، فإن الإنسان إذا طرقه الملل استحسر وترك، ولكن إذا كان مثابراً على دعوته فإنه ينال أجر الصابرين من وجه، وتكون له العاقبة من وجه آخر، واستمع إلى قول الله عز وجل مخاطباً نبيه: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَـقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ }. (هود: 49).

 

ولابد أن يكون الإنسان صابراً على ما يعترض دعوته من معارضات ومجادلات لأن كل إنسان يقوم داعياً إلى الله عز وجل لابد أن يعارض: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً }. (الفرقان: 31). فكل دعوة حقة لابد أن يقوم لها معارض، لابد أن يقوم لها ممانع، ومجادل فيها ومشكك، ولكن يجب على الداعية أن يصبر على ما يعترض دعوته حتى لو وصفت تلك الدعوة بأنها خطأ أو أنها باطل وهو يدرك أنها مقتضى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فليصبر على ذلك.

 

ولكن هذا لا يعني أن الإنسان يصر على ما يقول، وما يدعو إليه، وإن تبين له الحق، فإن الذي يصر على ما يدعو إليه وإن تبين له الحق يشبه من قال الله فيهم: {يُجَـدِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ }. (الأنفال: 6). والمجادلة في الحق بعدما تبين صفة مذمومة، وقد قال الله فيمن اتصف بها: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً }. (النساء: 115). فما يعترض دعوتك أيها الداعية إن كان حقّاً فالواجب عليك الرجوع إليه، وإن كان باطلاً فلا يثني عزمك عن المضي قدماً في دعوتك.

 

* كذلك لابد أن يكون الداعية صابراً على ما يعترضه هو من الأذى لأن الداعية لابد أن يؤذى إما بالقول وإما بالفعل، وهاهم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أوذوا بالقول وأوذوا بالفعل اقرأ قول الله عز وجل: {كَذَلِكَ مَآ أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَـحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ }. (الذاريات: 52). ما رأيك فيمن يأتيه الوحي من ربه ويقال في وجهه إنك ساحر أو مجنون؟ لاشك أنه يتأذى ومع هذا فالرسل صبروا على ما أوذوا بالقول وعلى ما أوذوا بالفعل؛ انظر إلى أول الرسل نوح عليه الصلاة والسلام كان قومه يمرون به وهو يصنع الفلك ويسخرون به فيقول لهم: {إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ}. (نوح: 38، 39). ولم يقتصر الأمر بهم على السخرية به، بل توعدوه بالقتل: {قَالُواْ لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ ينُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُرْجُومِينَ }. (الشعراء: 116). أي من المقتولين رمياً بالحجارة، هنا توعد بالقتل مع تهديد بأنا قد رجمنا غيرك إظهاراً لعزتهم وأنهم قد رجموا آخرين وأنت منهم، ولكن هذا لم يثن نوحاً، عليه الصلاة والسلام، عن دعوته بل استمر حتى فتح الله بينه وبين قومه، وهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، قابله قومه بالرفض بل شهّروا به بين الناس: {قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ }. (الأنبياء: 61).

 

ثم توعدوه بالإحراق: {قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَانصُرُواْ ءَالِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَـعِلِينَ }. (الأنبياء: 68). فأوقدوا ناراً عظيمة ورموه بالمنجنيق لبعدهم عنها لشدة حرارتها ولكن قال رب العزة والجلال: {قُلْنَا ينَارُ كُونِى بَرْداً وَسَلَـمَا عَلَى إِبْرَهِيمَ }. (الأنبياء: 69). فكانت برداً وسلاماً ونجا منها، فكانت العاقبة لإبراهيم، {وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَـهُمُ الاَْخْسَرِينَ }. (الأنبياء: 70). وهذا موسى عليه الصلاة والسلام توعده فرعون بالقتل: {ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّى أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِى الاَْرْضِ الْفَسَادَ }. (غافر: 26). فتوعده بالقتل ولكن آخر الأمر كانت العقبى لموسى عليه الصلاة والسلام {وَحَاقَ بِـَالِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ } (غافر: 45) عليه الصلاة والسلام، حصل له من الأذية ما حصل حتى رماه اليهود بأنه ابن بغي، وقتلوه على زعمهم وصلبوه ولكن الله تعالى يقول: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً يَقِيناً * بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً}. (النساء: 157، 158). فنجي منهم، وهذا خاتم الرسل وإمامهم وسيد بني آدم محمد صلى الله عليه وسلّم، قال الله عنه: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَـكِرِينَ }. (الأنفال: 30). {وَقَالُواْ يأَيُّهَا الَّذِى نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ }. (الحجر: 6). {وَيَقُولُونَ أَءِنَّا لَتَارِكُو ءَالِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ }. (الصافات: 36). وحصل من أذيتهم القولية والفعلية ما هو معلوم لدى العلماء في التاريخ ومع هذا صبر فكانت العاقبة له.

 

إذن فكل داعية لابد أن يناله أذى ولكن عليه أن يصبر، ولهذا لما قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلّم، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ تَنزِيلاً }. (الإنسان: 23). كان من المتوقع أن يقول الله فاشكر نعمة الله على تنزيل هذا القرآن، ولكن الله قال له: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِماً أَوْ كَفُوراً }. (الإنسان: 24). إشارة إلى أن كل من قام بهذا القرآن فلابد أن يناله ما يناله من الأمور التي تحتاج إلى صبر عظيم، فعلى الداعية أن يكون صبوراً وأن يستمر حتى يفتح الله له، وليس من الضروري أن يفتح الله له في حياته؛ بل إن المهم أن تبقى دعوته بين الناس ناصعة متبوعة، ليس المهم الشخص ولكن المهم الدعوة فإذا بقيت دعوته ولو بعد موته، فإنه حي قال الله عز وجل: {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِى النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَـتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَـفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }. (الأنعام: 122). ففي الحقيقة أن حياة الداعية ليس معناها أن تبقى روحه في جسمه فقط بل أن تبقى مقالته حية بين الناس، وانظر إلى قصة أبي سفيان مع هرقل وكان قد سمع بمخرج النبي صلى الله عليه وسلّم، دعا أبا سفيان فسأله عن النبي صلى الله عليه وسلّم، عن ذاته، ونسبه، وما يدعو إليه، وأصحابه فلما أخبره أبو سفيان عما سأله عنه قال هرقل له: «إن كان ما تقول حقّاً فسيملك ما تحت قدمي هاتين». سبحان الله من يتصور أن ملكاً إمبراطوريّاً كما يقولون يقول مثل هذا القول في محمد صلى الله عليه وسلّم، وهو مع ذلك لم يحرر جزيرة العرب من رق الشيطان والهوى، ومن يتصور أن مثل هذا الرجل يقول مثل هذا القول؟ ولهذا لما خرج أبو سفيان قال لقومه: «لقد أمِر أمر ابن أبي كشبة إنه ليخافه ملك بني الأصفر»، «أمِر» يعني عظم ومنه قوله تعالى: {لقد جئت شيئاً إمرا} أي عظيماً.

 

وقد ملك النبي صلى الله عليه وسلّم ما تحت قدمي هرقل بدعوته لا بشخصه، لأن دعوته أتت على هذه الأرض واكتسحت الأوثان والشرك وأصحابه، وملكها الخلفاء الراشدون بعد محمد صلى الله عليه وسلّم، ملكوها بدعوة النبي صلى الله عليه وسلّم، وبشريعة النبي صلى الله عليه وسلّم، إذن على الداعية أن يصبر وستكون العاقبة له إذا كان صادقاً مع الله سواء في حياته أو بعد مماته.

 

{إِنَّ الأَرْضَ للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَـقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }. (الأعراف: 128). وقال الله تعالى: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }. (يوسف: 90).

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

* الزاد الثالث: الحكمة فيدعو إلى الله بالحكمة، وما أمرَّ الحكمة على غير ذي الحكمة. والدعوة إلى الله تعالى تكون بالحكمة، ثم بالموعظة الحسنة، ثم الجدال بالتي هي أحسن لغير الظالم، ثم الجدال بما ليس أحسن للظالم، فالمراتب إذن أربع. قال الله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَـدِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَـدِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }. (النحل: 125). وقال تعالى: {وَلاَ تُجَـدِلُواْ أَهْلَ الْكِتَـبِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ وَقُولُواْ ءَامَنَّا بِالَّذِى أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـهُنَا وَإِلَـهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }. (العنكبوت: 46).

 

* إن الحكمة: إتقان الأمور وإحكامها، بأن تنزل الأمور منازلها وتوضع في مواضعها، ليس من الحكمة أن تتعجل وتريد من الناس أن ينقلبوا عن حالهم التي هم عليها إلى الحال التي كان عليها الصحابة بين عشية وضحاها. ومن أراد ذلك فهو سفيه في عقله بعيد عن الحكمة، لأن حكمة الله عز وجل تأبى أن يكون هذا الأمر، ويدلك لهذا أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وهو الذي ينزل عليه الكتاب نزل عليه الشرع متدرجاً حتى استقر في النفوس وكمل. فرضت الصلاة في المعراج قبل الهجرة بثلاث سنوات، وقيل سنة ونصف، وقيل خمس سنين، على خلاف بين العلماء في هذا.. ومع هذا لم تفرض على وضعها الان، أول ما فرضت كانت ركعتين للظهر والعصر والعشاء والفجر، وكانت المغرب ثلاثاً، لأجل أن تكون وتراً للنهار، وبعد الهجرة وبعد أن أمضى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ثلاث عشرة سنة في مكة زيدت صلاة الحضر فصارت أربعاً في الظهر والعصر والعشاء، وبقيت صلاة الفجر على ما هي عليه؛ لأنها تطول فيها القراءة، وبقيت المغرب ثلاثاً لأنها وتر النهار.

 

والزكاة فرضت في السنة الثانية من الهجرة أو فرضت في مكة لكنها لم تقدر تقديراً في أنصبائها وواجبها ولم يبعث النبي صلى الله عليه وسلّم السعاة لأخذ الزكاة إلا في السنة التاسعة من الهجرة فكان تطور الزكاة على ثلاث مراحل: في مكة {وآتوا حقه يوم حصاده}، ولم يبين الواجب، ولا مقدار ما يجب فيه ذلك الواجب، وجعل الأمر موكولاً إلى الناس، وفي السنة الثانية من الهجرة بينت الزكاة بأنصبائها. وفي السنة التاسعة من الهجرة صار النبي صلى الله عليه وسلّم، يبعث السعاة إلى أهل المواشي والثمار لأخذها.

 

فتأمل مراعاة أحوال الناس في تشريع الله عز وجل وهو أحكم الحاكمين. وكذلك في الصيام تطور في تشريعه فكان أول ما فرض يخير الإنسان بين أن يصوم أو يطعم، ثم تعين الصيام، وصار الإطعام لمن لا يستطيع الصوم على وجه مستمر.

 

* أقول إن الحكمة تأبى أن يتغير العالم بين عشية وضحاها فلابد من طول النفس، واقبل من أخيك الذي تدعوه ما عنده اليوم من الحق، وتدرج معه شيئاً فشيئاً حتى تنتشله من الباطل، ولا يكن الناس عندك على حد سواء، فهناك فرق بين الجاهل والمعاند.

 

* ولعل من المناسب أن أضرب أمثلة من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلّم:

 

* المثال الأول: دخل رجل أعرابي والنبي صلى الله عليه وسلّم، جالس في أصحابه في المسجد فبال الأعرابي في طائفة من المسجد فزجره الناس ـ والزجر هو النهر بشدة ـ ولكن النبي صلى الله عليه وسلّم، وهو الذي أعطاه الله تعالى من الحكمة نهاهم، فلما قضى بوله أمر صلى الله عليه وسلّم أن يراق على بوله ذنوباً من ماء ـ يعني دلواً ـ فزالت المفسدة فدعا الرسول صلى الله عليه وسلّم، الأعرابي فقال له: «إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى أو القذر إنما هي للصلاة وقراءة القرآن». أو كما قال صلى الله عليه وسلّم، فانشرح صدر الأعرابي لهذه المعاملة الحسنة، ولهذا رأيت بعض أهل العلم نقل أن هذا الأعرابي قال: «اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً». لأن محمداً صلى الله عليه وسلّم، عامله هذه المعاملة الطيبة، أما الصحابة رضوان الله عليهم فسعوا في إزالة المنكر من غير تقدير لحال هذا الرجل الجاهل.

 

* المثال الثاني: معاوية بن الحكم رضي الله عنه جاء والنبي صلى الله عليه وسلّم، يصلي بالناس فعطس رجل من القوم فقال الحمد لله ـ فإذا عطس أحد في الصلاة فليقل الحمد لله سواء في القيام أو في الركوع أو في السجود ـ قال هذا الرجل: الحمد لله، فقال له معاوية: يرحمك الله، وهذا خطاب لادمي يبطل الصلاة فرماه الناس بأبصارهم وجعلوا ينظرون إليه فقال معاوية: واثكل أمِّياه ـ والثكل الفقد وهذه كلمة تقال ولا يراد معناها، وقد قالها النبي صلى الله عليه وسلّم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قال قلت: بلى يا رسول الله. قال: كف عليك هذا وأخذ بلسانه وقال: كفه عليك، فقال معاذ: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: «ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم». ثم مضى معاوية رضي الله عنه في صلاته فلما أتم الصلاة دعاه النبي صلى الله عليه وسلّم، قال معاوية رضي الله عنه: فوالله ما رأيت معلماً أحسن تعليماً منه، اللهم صلي وسلم عليه، والله ما كهرني، ولا نهرني وإنما قال: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح، والتكبير وقراءة القرآن». أو كما قال صلى الله عليه وسلّم، انظر إلى الدعوة المحببة إلى النفوس يقبلها الإنسان وينشرح بها صدره.

 

ونأخذ من الحديث من الفوائد الفقهية: أن من تكلم في الصلاة وهو لا يدري أن الكلام يبطل الصلاة فإن صلاته صحيحة.

 

* المثال الثالث: جاء رجـل إلى النبي صلى الله عليه وسلّم، فقـال: يا رسول الله هلكت. قال: «ما أهلكك؟» قال: وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم. فأمره النبي صلى الله عليه وسلّم أن يعتق رقبة، فقال: لا أجد، ثم أمره أن يصوم شهرين متتابعين، قال: لا أستطيع، ثم أمره أن يطعم ستين مسكيناً، فقال: لا أستطيع، فجلس الرجل. فأتي النبي صلى الله عليه وسلّم، بتمر فقال: «خذ هذا فتصدق به». ولكن الرجل طمع في كرم النبي صلى الله عليه وسلّم، الذي هو أعظم كرم لمخلوق، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أكرم الناس، فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني، فضحك النبي صلى الله عليه وسلّم حتى بدت أنيابه أو نوجذه. لأن هذا الرجل جاء خائفاً يقول: «هلكت» فذهب غانماً، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «أطعمه أهلك» فذهب الرجل مطمئناً غانماً فرحاً بهذا الدين الإسلامي، وبهذا اليسر من الداعية الأول لهذا الدين الإسلامي صلوات الله وسلامه عليه.

 

* المثال الرابع: ولننظر كيف عامل النبي صلى الله عليه وسلّم مرتكب الإثم: رأى النبي صلى الله عليه وسلّم رجلاً وفي يده خاتم ذهب فنزعه النبي صلى الله عليه وسلّم بيده الكريمة وطرحه في الأرض، وقال: «يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده». فالنبي صلى الله عليه وسلّم لم يعامله معاملة الأولين بل نزعه من يده وطرحه في الأرض، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلّم قيل للرجل خذ خاتمك انتفع به فقال: «والله لا آخذ خاتماً طرحه النبي صلى الله عليه وسلّم»، الله أكبر هذا الامتثال العظيم من الصحابة رضوان الله عليهم.

 

المهم أنه يجب على الداعية أن يدعو إلى الله عز وجل بالحكمة فليس الجاهل كالعالم، وليس المعاند كالمستسلم، فلكل مقام مقال، ولكل منزلة حال.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

* الزاد الرابع: أن يتخلق الداعية بالأخلاق الفاضلة بحيث يظهر عليه أثر العلم في معتقده، وفي عبادته، وفي هيئته، وفي جميع مسلكه حتى يمثل دور الداعية إلى الله، أما أن يكون على العكس من ذلك فإن دعوته سوف تفشل وإن نجحت فإنما نجاحها قليل.

 

فعلى الداعية أن يكون متخلقاً بما يدعو إليه من عبادات أو معاملات أو أخلاق وسلوك حتى تكون دعوته مقبولة وحتى لا يكون من أول من تسعر بهم النار.

 

* أيها الأخوة: إننا إذا نظرنا إلى أحوالنا وجدنا أننا في الواقع قد ندعو إلى شيء ولكننا لا نقوم به وهذا لا شك أنه خلل كبير، اللهم إلا أن يحول بيننا وبينه النظر إلى ما هو أصلح لأن لكل مقام مقالاً. فالشيء الفاضل قد يكون مفضولاً لأمور تجعل المفضول راجحاً ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلّم يدعو إلى بعض الخصال ولكنه يشتغل أحياناً بما هو أهم منها، وربما يصوم حتى يقال لا يفطر، ويفطر حتى يقال لا يصوم.

 

* أيها الأخوة: إنني أريد من كل داعية أن يكون متخلقاً بالأخلاق التي تليق بالداعية حتى يكون داعية حقّاً وحتى يكون قوله أقرب إلى القبول.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

* الزاد الخامس أن يكسر الداعية الحواجز التي بينه وبين الناس لأن كثيراً من إخواننا الدعاة إذا رأى قوماً على منكر قد تحمله الغيرة وكراهة هذا المنكر على أن لا يذهب إلى هؤلاء ولا ينصحهم، وهذا خطأ وليس من الحكمة أبداً؛ بل الحكمة أن تذهب وتدعو، وتبلغ وترغب وترهب، ولا تقل هؤلاء فسقة لا يمكن أن أمشي حولهم. إذا كنت أنت أيها الداعية المسلم لا يمكن أن تمشي حول هؤلاء ولا أن تذهب إليهم لدعوتهم إلى الله فمن الذي يتولاهم؟ أيتولاهم أحد مثلهم؟! أيتولاهم قوم لا يعلمون؟ أبداً ولهذا ينبغي للداعية أن يصبر، وهذا من الصبر الذي ذكرناه سابقاً أن يصبر نفسه ويكرهها وأن يكسر الحواجز بينها وبين الناس حتى يتمكن من إيصال دعوته إلى من هم في حاجة إليها، أما أن يستنكف فهذا خلاف ما كان الرسول صلى الله عليه وسلّم يفعله، والنبي صلى الله عليه وسلّم كما هو معلوم كان يذهب في أيام منى إلى المشركين في أماكنهم ويدعوهم إلى الله وقد أثر عنه أنه صلى الله عليه وسلّم قال: «ألا أحد يحملني حتى أبلغ كلام ربي فإن قريشاً منعتني أن أبلغ كلام ربي». فإذا كان هذا دأب نبينا، وإمامنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلّم، فإنه من الواجب علينا أن نكون مثله في الدعوة إلى الله.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

* الزاد السادس: أن يكون قلب الداعية منشرحاً لمن خالفه، لاسيما إذا علم أن الذي خالفه حسن النية وأنه لم يخالفه إلا بمقتضى قيام الدليل عنده، فإنه ينبغي للإنسان أن يكون مرناً في هذه الأمور، وأن لا يجعل من هذا الخلاف مثاراً للعداوة والبغضاء، اللهم إلا رجل خالف معانداً بحيث يبين له الحق ولكن يصر على باطله فإن هذا يجب أن يعامل بما يستحق أن يعامل به من التنفير عنه، وتحذير الناس منه؛ لأنه تبين عداوته حيث بين له الحق فلم يمتثل.

 

* وهناك مسائل فرعية يختلف فيها الناس وهي في الحقيقة مما وسع الله فيه على عباده ـ وأعني مسائل ليست من الأصول التي تبلغ إلى تكفير المخالف ـ فهذه مما وسع الله فيها على العباد وجعل الخطأ فيها واسعاً، قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد». فالمجتهد لا يخرج عن دائرة الأجر أبداً فإما أجران إن أصاب، وإما أجر واحد إن أخطأ، وإذا كنت لا تريد أن يخالفك غيرك فإن غيرك أيضاً يريد أن لا يخالفه أحد، فكما أنك تريد أن يأخذ الناس بقولك، فالمخالفون لك يريدون أيضاً أن يأخذ الناس بقولهم، والمرجع عند التنازع ما بيّنه الله عز وجل في قوله: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَىْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }. (الشورى: 10). ويقول عز وجل: {يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الاَْمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاَْخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاَْخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }. (النساء: 59). فيجب على كل المختلفين والمتنازعين أن يرجعوا إلى هذين الأصلين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلّم، ولا يحل لأحد أن يعارض كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلّم بكلام أحد من البشر مهما كان، فإذا تبين لك الحق فالواجب أن تضرب بقول من خالفه عرض الحائط، وأن لا تلتفت إليه مهما كانت منزلته من العلم والدين، لأن البشر يخطىء لكن كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلّم ليس فيه خطأ.

 

* ويؤسفني أن أسمع عن قوم يعتبرون جادّين في طلب الحق والوصول إليه ومع ذلك نجدهم متفرقين، لكل واحد منهم اسم معين أو وصف معين، وهذا في الحقيقة خطأ، إن دين الله عز وجل واحد، وأمة الإسلام واحدة، يقول الله عز وجل: {وَإِنَّ هَـذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ }. (المؤمنون: 52). ويقول الله سبحانه وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلّم: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِى شَىْءٍ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }. (الأنعام: 159). وقال عز وجل: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الِدِينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُواْ الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِى إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُواْ الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِى إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ }. (الشورى: 13). فإذا كان هذا توجيه الله عز وجل لنا فالواجب علينا أن نأخذ بهذا التوجيه، وأن نجتمع على بساط البحث، وأن يناقش بعضنا بعضاً على سبيل الإصلاح لا على سبيل الانتقاد أو الانتقام، فإن أي إنسان يجادل غيره ويحاج بقصد الانتصار لرأيه واحتقار رأي غيره، أو لقصد الانتقاد دون الإصلاح فإن الغالب أن يخرجوا على وجه لا يرضي الله ورسوله، فالواجب علينا في مثل هذا الأمر أن نكون أمة واحدة، وأنا لا أقول إنه لا يخطىء أحد، كل يخطىء، ويصيب، ولكن الكلام في الطريق إلى إصلاح هذا الخطأ، ليس الطريق إلى إصلاح الخطأ أن أتكلم في غيبته وأقدح فيه، ولكن الطريق إلى إصلاحه، أن أجتمع به وأناقشه فإذا تبين بعد ذلك أن الرجل مصرّ على عناده، وعلى ما هو عليه من باطل فحينئذ لي العذر ولي الحق بل يجب عليّ أن أبين خطأه، وأن أحذر الناس من خطئه، وبهذا تصلح الأمور، أما التفرق والتحزب فإن هذا لا تقر به عين أحد، إلا من كان عدوّاً للإسلام والمسلمين.

 

والله أسأل أن يجمع قلوبنا على طاعته، وأن يجعلنا من المتحاكمين إلى الله ورسوله، وأن يخلص لنا النية ويبين لنا ما خفي علينا من شريعته إنه جواد كريم.

 

والحمد لله رب العالمين وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاك الله خير اختى المؤمنين على هذة المعلومات النافعة وتقبل الله وبارك الله فيكى فعلا لازم يكون الداعى عندة علم بدينة لكى يخرجه للناس وتقبل الله وجعله الله فى ميزان حسناتك وننتظر المزيد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

شكرا لكى ام روسة وجزاكى الله خيرا

 

 

تابع زاد الداعية الى الله

 

الاعتدال في الدعوة محمد بن صالح العثيمين

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

فيسرني أن التقي بكم هذا اللقاء في موضوع هام يهم جميع المسلمين آلا وهو الدعوة إلى الله عز وجل.

 

قال الله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(1)، والاستفهام في الآية بمعنى النفي أي لا احسن قولاً.

 

والغرض من الآتيان بالاستفهام في موضع النفي إفادة أمرين:

 

الأول: انتفاء هذا الشيء.

 

الثاني: تحدي المخاطب أن يأتي به، فالاستفهام مشرباً معنى التحدي أي إذا كان عندك شيء أحسن من هذا فأت به، ولكننا نقول لا أحد أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين.

 

والدعوة إلى الله تعالى هي الدعوة إلى شريعة الله الموصلة إلى كرامته. ودعوة الرسل عليه الصلاة والسلام، تدور على ثلاثة أمور:

 

أولاً: معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته.

 

ثانياً: معرفة شريعته الموصلة إلى كرامته.

 

ثالثاً: معرفة الثواب للطائعين والعقاب للعاصين.

 

والدعوة إلى الله تعالى أحد أركان الأعمال الصالحة التي لا يتم الربح بها كما قال الله تعالى: (وَالْعَصْرِ . إِنَّ الإنسان لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ . وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ . وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).

 

فإن التواصي بالحق يلزم منه الدعوة إلى الحق، والتواصي بالصبر يلزم منه الدعوة إلى الصبر على دين الله – عز وجل – في أصوله وفروعه.

 

إن الدعوة إلى الله – عز وجل – صارت الآن وما زالت بين طرفين ووسط.

 

أما الطرفان فجانب الإفراط، بحيث يكون الداعية شديداً في دين الله يريد من عباد الله – عز وجل – أن يطبقوا الدين بحذافيره ولا يتسامح عن شيء الدين يسمح به، بل إنه إذا رأى من الناس تقصيراً حتى في الأمور المستحبة تأثر تأثراً عظيماً وذهب يدعو هؤلاء القوم المقصرين دعاء الغليظ الجافي وكأنهم تركوا شيئاً من الواجبات ومن الأمثلة على ذلك:

 

* المثال الأول: رجل رأى جماعة من الناس لا يجلسون عند القيام إلى الركعة الثانية أو عند القيام إلى الركعة الرابعة، وهي التي تسمى عند أهل العلم جلسة الاستراحة، هو يرى أنها سنة ومع ذلك إذا رأى من لا يفعلها اشتد عليه وقال لماذا لا تفعلها؟ ويتكلم معه تكلم من يظهر من كلامه أنه يقول بوجوبها، مع أن بعض أهل العلم حكى الإجماع على أن هذه الجلسة ليست بواجبة وأن خلاف العلماء فيها دائر بين ثلاثة أقوال:

 

القول الأول: أنها مستحبة على الإطلاق.

 

القول الثاني: ليست مستحبة على الإطلاق.

 

القول الثالث: أنها مستحبة لمن كان يحتاج إليها حتى لا يشق على نفسه كالكبير والمريض ومن في ركبه وجع وما أشبه ذلك.

 

فيأتي بعض الناس ويشدد فيها ويجعلها كأنها من الواجبات.

 

* المثال الثاني: بعض الناس يرى شخصاً إذا قام بعد الركوع ووضع يده اليمنى على اليسرى قال أنت مبتدع لابد أن تسدل يديك فإن وضعتهما على الصدر فإن ذلك من البدع والمنكرات، مع أن المسألة مسألة اجتهادية، وقد يكون الدليل مع من قال: إن اليدين توضعان بعد الركوع على الصدر كما توضعان قبله أيضاً على الصدر؛ لأن هذا هو مقتضى الحديث الذي رواه البخاري عن سهل بن سعد – رضي الله عنه – قال: "كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة".

 

* المثال الثالث: كذلك بعض الناس ينكر على من يصلي إذا تحرك أدنى حركة وإن كانت هذه الحركة مباحة وقد ورد في السنة ما هو مثلها أو أكثر فتجده ينكر عليه الإنكار العظيم، حتى إنه يجعل هذا الأمر هو محل الانتقاد في هؤلاء القوم مع أنها حركة مباحة جائزة ورد نظيرها أو ما هو أكثر منها في شريعة النبي صلى الله عليه وسلم، هذا تشديد، وكان أبو جحيفة – رضي الله عنه – ذات يوم يصلي وقد أمسك زمام فرسه بيده فتقدمت الفرس فذهب رضي الله عنه، وهو يصلي يسايرها شيئاً فشيئاً حتى انتهى من صلاته فرآه رجل من طراز هذا المتشدد، فجعل يقول انظروا إلى هذا الرجل، انظروا إلى هذا الرجل، انظروا إلى هذا الرجل – وأبو جحيفة صحابي جليل، رضي الله عنه – فلما سلم أبو جحيفة بين لهذا الرجل أن مثل هذا العمل جائز وأنه لو ترك فرسه لذهبت ولم يحصل عليها إلى الليل، فانظر إلى الفقه في الشريعة والتسامح والتيسير فيها.

 

وهذا النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يصلي بأصحابه وهو يحمل إمامة بنت زينب بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم – يعني أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جد هذه الطفلة – فكان يصلي بالناس يحمل هذه الطفلة إذا قام حملها وإذا سجد وضعها، صلى الله عليه وسلم، هذا فيه حركة، وفيه ملاطفة للطفلة، وفيه أنه يؤم الناس فقد يلتفت بعضهم لينظر ماذا كان للنبي، صلى الله عليه وسلم، مع هذه الطفلة ومع ذلك فالنبي، صلى الله عليه وسلم، وهو اتقى الناس لله – عز وجل – وأعلمهم بما يتقي كان يفعل ذلك.

 

* ومثال آخر: اجتمع نفر من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسألوا عن عمله في السر، فأخبروا بذلك فتقالوا عمل النبي، صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إن النبي، صلى الله عليه وسلم، غفر الله له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر، ولكن نحن بحاجة إلى عمل أكثر ليغفر الله لنا ذنوبنا، فقال أحدهم: أنا أصوم ولا أفطر. وقال الثاني: أنا أقوم ولا أنام. وقال الثالث: أنا لا أتزوج النساء، فبلغ قولهم النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: "أما أنا فأصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" هذا كله يدل على أنه لا ينبغي لنا بل لا يجوز لنا أن نغلو في دين الله سواء في دعاء غيرنا إلى دين الله، أو في أعمالنا الخاصة بنا، بل نكون وسطاً مستقيماً كما أمرنا الله تعالى بذلك، وكما أمر بذلك النبي، صلى الله عليه وسلم، فالله – عز وجل – يقول: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(1)، والنبي، صلى الله عليه وسلم، قال لأصحابه: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم" وأخذ حصيات وهو في أثناء مسيره من مزدلفة إلى منى أخذ حصيات بكفه وجعل يقول: "يا أيها الناس بأمثال هؤلاء فارموا وإياكم والغلو في الدين".

 

* وضد ذلك: من يتهاون في الدعوة إلى الله – عز وجل – فتجده يرى الفرص مواتية والمقام مناسباً للدعوة إلى الله ولكن يضيع ذلك، تارة يضيعه لأن الشيطان يملي عليه أن هذا ليس وقتاً للدعوة، أو أن هؤلاء المدعوين لن يقبلوا منك، أو ما أشبه ذلك من المثبطات التي يلقيها الشيطان في قلبه فيفوت الفرصة على نفسه.

 

وبعض الناس إذا رأى مخالفاً له بمعصية بترك أمر أو فعل محظور كرهه واشمأز منه وابعد عنه، وأيس من إصلاحه وهذه مشكلة والله سبحانه وتعالى بين لنا أن نصبر وأن نحتسب قال الله تعالى لنبيه: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ)(2). فالإنسان يجب عليه أن يصبر ويحتسب ولو رأى على نفسه شيئاً من الغضاضة فليجعل ذلك في ذات الله عز وجل، والنبي، صلى الله عليه وسلم، عندما أدميت إصبعه في الجهاد قال هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت.

 

وهذا عكس الأول حتى إن هذا ليرى الأمر بعينه ويسمعه بأذنه يجد هذا الأمر المخالف لشريعة الله ولا يدع الناس إلى الاستقامة وعدم معصية الله – عز وجل – ومخالفته، بل إنا نسمع أن بعض الناس يقول:

 

يجب أن تجعل الأمة الإسلامية التي تنتسب إلى الإسلام وتتجه في صلاتها إلى القبلة يجب أن تكون طائفة واحدة غير متميزة، لا يفرق بين مبتدع وصاحب سنة، وهذا لا شك خط وخطل وخطر؛ لأن الحق يجب أن يميز عن الباطل، ويجب أن يميز أصحاب الحق عن أصحاب الباطل حتى يتبين، أما لو إندمج الناس جميعاً وقالوا نعيش كلنا في ظل الإسلام وبعضهم على بدعة قد تخرجه من الإسلام فهذا لا يرضى به أحد ناصح لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم.

 

ويوجد أناس يستطيعون الدعوة إلى الله لما عندهم، من العلم والبصيرة ويشاهدون الناس يخلون في أشياء ولكن يمنعهم خوف مسبة الناس لهم أو الكلام فيهم أن يقولوا الحق فتجدهم يقصرون ويفرطون في الدعوة إلى الله – عز وجل-. وهؤلاء إذا نظروا إلى القوم الوسط الذين تمسكوا بدين الله على ما هو عليه إذا رأوهم قالوا: إن هؤلاء لضالون، إن هؤلاء لمتعمقون، إن هؤلاء لمتشددون متنطعون، مع أنهم على الحق.

 

وإذا نظر إليهم المفرطون الغالون قالوا أنتم مقصرون لم تقوموا بالحق ولم تغاروا لله – عز وجل -، ولهذا يجب أن لا نجعل المقياس في الشدة واللين هو ما تمليه علينا أهواؤنا وأذواقنا، بل يجب أن نجعل المقياس هدي النبي، صلى الله عليه وسلم، وهدى أصحابه، والنبي، صلى الله عليه وسلم، رسم لنا هذا بقوله وبفعله وبحاله، صلى الله عليه وسلم، رسمه لنا رسماً بيناً، فإذا دار الأمر بين أن اشتد أو اتيسر بمعنى أنني كنت في موقف حرج لا أدري الفائدة في الشدة أم الفائدة في التيسير والتسهيل فأيهما أسلك؟ أسلك طريق التيسير لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الدين يسر" ولما بعث معاذ أو أبا موسى الأشعري إلى اليمن قال: "يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا" ولما مر يهودي بالنبي، صلى الله عليه وسلم، فقال السام عليكم يا محمد – يريد الموت عليك لأن السام بمعنى الموت – وكان عند النبي، صلى الله عليه وسلم، عائشة رضي الله عنها فقالت "عليك السام واللعنة" فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام، "إن الله رفيق يحب الرفق وإن الله ليعطي بالرفق مالا يعطي على العنف"، فإذا أخذنا بهذا الحديث في الجملة الأخيرة منه: "إن الله ليعطي بالرفق مالا يعطي على العنف" عرفنا أنه إذا دار الأمر بين أن استعمل الشدة أو استعمل السهولة كان الأولى أن استعمل السهولة ثقة بقول الرسول، عليه الصلاة والسلام: "إن الله ليعطي بالرفق مالا يعطي على العنف" ومن أراد أن يفهم هذا الأمر فليجرب، لأنك إذا قابلت المدعو بالشدة إشمأز ونفر وقابلك بشدة مثلها، إن كان عامياً قال عندي علماء اعلم منك، وإن كان طالب علم ذهب يجادلك حتى بالباطل الذي تراه مثل الشمس وهو يراه مثل الشمس ولكنه يأبى إلا أن ينتصر لنفسه، لأنه لم يجد منك رفقاً وليناً، ودعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. والحق لا يخفى إلا على أحد رجلين: إما معرض وإما مستكبر، أما من أقبل على الحق بإذعان وانقياد فإنه بلا شك سيوفق له.

 

ومن التطرف ما يكون من الآباء والأمهات في زمننا هذا حين صار الشباب – ولله الحمد – من ذكور وإناث عندهم اتجاه إلى العمل بالسنة بقدر المستطاع، صار بعض الآباء والأمهات يضايقون هؤلاء الشاب من بنين وبنات في بيوتهم، وفي أعمالهم حتى إنهم لينهونهم عن المعروف مع أنه لا ضرر على الآباء في فعله ولا ضرر على الأبناء أو البنات في فعل هذا المعروف، كمن يقول لأولاده لا تكثروا النوافل لا تصوموا البيض، أو الاثنين، أو الخميس، أو ما أشبه ذلك، مع أن هذا لا يضر الوالدين شيئاً ولا يحول دون قضاء حوائجهما، وليس بضار على الابن في عقله، أو بدنه، أو في دروسه ولا على البنت كذلك. وأنا أخشى على هؤلاء القوم أن يكون هذا النهي منهم لأولادهم كراهة للحق والشريعة وهذا على خطر، فالذي يكره الحق أو الشريعة ربما يؤدي به ذلك إلى الردة لأن الله تعالى يقول: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)(1)، ولا تحبط الأعمال إلا بردة عن الإسلام كما قال الله تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)(1) هذا مثال من الشدة في أولياء الأمور.

 

أما بالنسبة للأولاد من بنين أو بنات إذا كانوا متمشين في منهاجهم وسيرهم على شريعة الله فليسوا في شدة.

 

* وهناك في المقابل من يكون شديداً من الأولاد بنين وبنات عل أهله بحيث لا يتسع صدرهم لما يكونون عليه من الأمور المباحة فتجده يريد من أبيه أو أمه أو اخوته أو اخوته أن يكونوا على المستوى الذي هو عليه من الالتزام بشريعة الله، وهذا غير صحيح، الواجب عليك إذا رأيتهم على منكر أن تنهاهم عن المنكر، أما إذا رأيتهم قد قصروا في أمر يسعهم التقصير فيه كترك بعض المستحبات فإنه لا ينبغي لك أن تشتد معهم، وكذلك في بعض الأمور الخلافية يجب عليك إذا كانوا مستندين إلى رأي أحد من أهل العلم أن لا تضيق بهم ذرعاً وأن لا تشتد عليهم.

 

فالذي ينبغي للإنسان سواء كان داعية لغيره إلى الله أم متعبداً لله أن يكون بين الغلو والتقصير مستقيماً على دين الله – عز وجل – كما أمر الله – عز وجل – بذلك في قوله: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ)(2).

 

وإقامة الدين الإتيان به مستقيماً على ما شرعه الله – عز وجل -، ولا تتفرقوا فيه نهى عن ذلك سبحانه وتعالى لأن التفرق خطره عظيم على الأمة أفراداً وجماعات.

 

والتفرق أمر مؤلم ومؤسف لأن الناس إذا تفرقوا كما قال الله تعالى: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُم)(3)، فإذا تفرق الناس وتنازعوا فشلوا وخسروا وذهبت ريحهم ولم يكن لهم وزن وأعداء الإسلام ممن ينتسبون للإسلام ظاهراً، أو ممن هم أعداء للإسلام ظاهراً وباطناً يفرحون بهذا التفرق وهم الذي يشعلون ناره ويلقون العداوة والبغضاء بين هؤلاء الأخوة الدعاة إلى الله – عز وجل – فالواجب أن نقف ضد كيد هؤلاء المعادين لله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولدينه، وأن نكون يد واحدة، وأن نكون اخوة متآلفين على كتاب الله، وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، كما كان سلف الأمة في سيرهم ودعوتهم إلى الله – عز وجل -، ومخالفة هذا الأصل ربما تؤدي إلى انتكاسة عظيمة، والتفرق هو قرة عين شياطين الأنس والجن؛ لأن شياطين الأنس والجن لا يودون من أهل الحق أن يجتمعوا على شيء، بل يريدون أن يتفرقوا لأنهم يعلمون أن التفرق تفتت للقوة التي تحصل بالالتزام بالوحدة والاتجاه إلى الله – عز وجل – ويدل هذا قوله تعالى:(وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُم)(1)، وقوله: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)(2)، وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)(3)، وقوله: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه)(4)، فالله تعالى قد نهانا عن التفرق وبين لنا عواقبه الوخيمة، والواجب علينا أن نكون أمة واحدة، وكلمة واحدة، وإن اختلفت آرائنا في بعض المسائل، أو في بعض الوسائل؛ فالتفرق فساد وشتات للأمر، وموجب للضعف، والصحابة رضوان الله عليهم حصل بينهم الاختلاف لكن لم يحصل منهم التفرق ولا العداوة ولا البغضاء حصل بينهم الاختلاف حتى في عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال لأصحابه: "لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة " . وخرجوا رضوان الله عليهم من المدينة إلى بني قريظة وحان وقت صلاة العصر، فاختلف الصحابة فمنهم من قال: لا نصلي إلا في بني قريظة ولو غابت الشمس لأن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قال: "لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة" فنقول سمعنا واطعنا.

 

ومنهم من قال إن النبي، عليه الصلاة والسلام، أراد بذلك المبادرة والإسراع إلى الخروج وإذا حان الوقت صلينا الصلاة لوقتها. فبلغ ذلك النبي، صلى الله عليه وسلم، ولم يعنف أحداً منهم ولم يوبخه على ما فهم، وهم بأنفسهم لم يتفرقوا من أجل اختلف الرأي في فهم حديث الرسول، عليه الصلاة والسلام. وهكذا يجب علينا أن لا نتفرق وأن نكون أمة واحدة. قد يقول قائل: إذا كان المخالف صاحب بدعة فكيف نتعامل معه؟

 

فأقول: إن البدع تنقسم إلى قسمين:

 

القسم الأول: بدع مكفرة.

 

القسم الثاني: بدع دون ذلك.

 

وفي كلا القسمين الواجب علينا أن ندعو هؤلاء الذين ينتسبون إلى الإسلام ومعهم البدع المكفرة وما دونها إلى الحق ببيان الحق دون أن نهاجمهم عليه إلا بعد أن نعلم منهم الاستكبار عن قبول الحق لأن الله تعالى يقول للنبي، صلى الله عليه وسلم: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ)(1)، فندعوا أولاً هؤلاء إلى الحق ببيان الحق وإيضاحه بأدلته والحق مقبول لدى ذي كل فطرة سليمة، فإذا وجد منهم العناد والاستكبار فإننا نبين باطلهم على أن بيان باطلهم في غير المجادلة معهم أمر واجب.

 

أما هجرهم فهذا يترتب على البدعة؛ فإذا كانت البدعة مكفرة وجب هجرهم، وإذا كانت دون ذلك فإننا ننظر فإن كان في هجرهم مصلحة فعلناه، وإن لم يكن فيه مصلحة اجتنبناه، وذلك أن الأصل في المؤمن تحريم هجره لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لرجل مؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث" فكل مؤمن وإن كان فاسقاً فإنه يحرم هجره ما لم يكن في الهجر مصلحة فإذا كان في الهجر مصلحة هجرناه؛ لأن الهجر دواء، أما إذا لم يكن فيه مصلحة، أو كان فيه زيادة في المعصية والعتوا فإن ما لا مصلحة فيه تركه هو المصلحة.

 

وحل هذه المشكلة: أعني مشكلة التفرق – أن نسلك ما سلكه الصحابة رضي الله عنهم، وأن نعلم أن هذا الخلاف الصادر عن اجتهاد في مكان يسوغ فيه الاجتهاد لا يؤثر بل إنه في الحقيقة وفاق لنا لأن كل واحد منا أخذ بما رأى بناءً على أنه هو مقتضى الدليل، إذاً فمقتضى الدليل أمامنا جميعاً، وكل منا لم يأخذ برأيه إلا لأنه مقتضى الدليل فالواجب على كل واحد منا أن لا يكون في نفسه على أخيه شيء، بل الواجب أن يحمده على ما ذهب إليه لأن هذه المخالفة مقتضى الدليل عنده.

 

ولو أننا الزمنا أحدنا أن يأخذ بقول الآخر لكن إلزامي إياه أن يأخذ بقولي ليس بأولى من إلزامه إياي أن أخذ بقوله، فالواجب أن نجعل هذا الخلاف المبني على اجتهاد أن نجعله وفاقاً حتى تجتمع الكلمة ويحصل الخير.

 

وإذا حسنت النية سهل العلاج، أما إذا لم تسحن النية وكان كل واحد معجباً برأيه ولا يهمه غيره فإن النجاح سيكون بعيداً.

 

وقد أوصى الله عباده بالاتفاق فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)(1) فإن هذه الآية موعظة للإنسان أي موعظة.

 

أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من الهداة المهتدين والصلحاء المصلحين إنه جواد كريم. والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

 

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

 

(1) سورة فصلت الآية: 33.

 

(1) سورة الأنعام الآية: 153.

 

(2) سورة الأحقاف الآية: 35.

 

(1) سورة محمد، الآية: 9.

 

(1) سورة البقرة، الآية: 217.

 

(2) سورة الشورى، الآية: 13.

 

(3) سورة الأنفال، الآية: 46.

 

(1) سورة الأنفال، الآية: 46.

 

(2) سورة آل عمران، الآية: 105.

 

(3) سورة الأنعام، الآية: 159.

 

(4) سورة الشورى، الآية: 13.

 

(1) سورة الأنعام، الآية: 108.

 

(1) سورة آل عمران، الآيتان: 102 – 103.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الآثار المترتبة على قيام المرأة بالدعوة

 

 

 

لا بد لكل مجتهد من أثر ونتيجة – في الغالب – وعلى مقدار حجم الجهد تأتي النتائج غالبا .

 

ومن هذه الآثار :

 

1- الأثر العلمي :

إن قيام المرأة بالدعوة يؤدي إلى انتشار العلم بصورة أوسع وأشمل , كما يوسع الأفق الفكري في الأوساط النسائية وعلى الخصوص ما يتعلق بخصائص الإسلام ومميزاته وهيمنته على جميع الأديان , إضافة إلى ما يجب على المرأة معرفته في أمور العقيدة والشريعة كي تعبد الله وتعوا إليه على علم وبصيرة .كما أن العمل في الدعوة يؤدي إلى توفير كفاءات علمية في الوسط النسائي يمكن الرجوع النساء غليها في كثير من المسائل العلمية .

 

2- الأثر التربوي :

إن عدم قيام المرأة بالدعوة يؤدي إلى الوهم واعتقاد عدم تكليف المرأة المسلمة بالدعوة , فإذا وجد في النساء أمثال المرأة الداعية انتفى هذا الوهم واندفعت هذه الشبهة , واقتدت المرأة بسلفها الصالح في مجال الدعوة إلى الله .

كما أن قيام المرأة بالدعوة يجعل منها رقيبة على نفسها في قولها وفعلها وحركاتها وسكناتها .

إن عمل المرأة الدعوي يؤدي إلى اختفاء كثير من الممارسات الخاطئة التي أخذت طابع الظاهرة الاجتماعية في المجتمع النسائي بالذات .

 

3- الأثر النفسي :

إن مشاركة المرأة في الدعوة يؤدي إلى إبراز المكانة الشخصية للمرأة في تعاليم الإسلام , وزرع الثقة في النفس من حيث الشعور بالمساواة الإنسانية في الحقوق والواجبات , وأنها آخذة معطية وليست من سقط المتاع .

 

4- الأثر الاجتماعي :

إن مشاركة المرأة المسلمة للرجل في الدعوة إلى الله مما يوجد التوازن في التوجيه واتحاد الهدف وتضافر الجهود لإخراج جيل مسلم مستنير بعلوم القرآن الكريم والسنة المطهرة مترتب على الأخلاق الحسنة .

ومن الآثار المهمة في هذا الجانب سد ثغرة من ثغور الإسلام لحماية عرينه وتماسكه الاجتماعي , والصمود أمام الباطل الموجه بضده عامة وشؤون المرأة المسلمة بخاصة .

 

5- الأثر الاقتصادي :

إذا علم بالضرورة مسؤولية المراة المسلمة عن أهل بيت زوجها وولده فإن هذه المسؤولية العظيمة تتناول فيما تتناوله الحفاظ على مال الزوج وحسن التدبير فيه .

كما أن المرأة المسلمة الداعية توازن بين مصالح بيتها ومصالح الدعوة إلى الله ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

طرق إعداد المرأة للدعوة :

 

 

ينقسم إلى قسمين :

أولا / الإعداد النظري .

ثانيا / الإعداد التطبيقي .

 

الفصل الأول / الإعداد النظري :

وينقسم على ثلاثة مباحث :

المبحث الأول : الإعداد العلمي .

المبحث الثاني : الإعداد النفسي .

المبحث الثالث : الإعداد الاجتماعي .

 

والإعداد العلمي ينقسم إلى عدة مطالب منها :

 

المطلب الأول : أهمية العلم

إن العلم مهم وضروري للإنسان في هذه الحياة كي يسير على نور من الله سبحانه وتعالى , ينتفع به في خلافته على هذه الأرض , ويقوده إلى رضوان الله وجنته في الدار الآخرة .

والمراد بالعلم – كما قال ابن حجر رحمه الله - :" هو العلم الشرعي الذي يفيد معرفة ما يجب على المكلف من أمر دينه في عباداته ومعاملاته , والعلم بالله وصفاته , وما يجب له من القيام بأمره , وتنزيهه عن النقائص " .

وقد حث القرآن الكريم على العلم وخاصة العلم بالله , قال تعالى ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ) محمد19

ولقد نظر الإسلام للعلم وأهله نظرة متميزة عن غيرهم , فرفع درجاتهم وفضلهم على الجاهلين قال الله عز وجل ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) المجادلة11

 

أما ما ورد في السنة فمنه ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة , وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم , وإنه ليستغفر للعالم من في السماوات والأرض حتى الحيتان في الماء , وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب , إن العلماء هم ورثة الأنبياء لم يرثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر " .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

المطلب الثاني : الإعداد العلمي للدعوة ضرورة

 

لما كان معلوما تكليف المرأة المسلمة بالدعوة إلى الله عقيدة وشريعة وفق ما منحها الله من قدرات وحدود , وأن هذه الدعوة لا تقوم على ساق إلا إذا كانت مرتبطة بالعلم الشرعي تتسلح به في معركة الدعوة , فإن هذا الأمر يتطلب الإعداد العلمي المسبق كي تكون الدعوة على علم وبصيرة ونور لا على جهل وضلال .

والمتأمل في كتاب الله عز وجل يجد أن الله سبحانه أمر العباد بالعلم قبل القول والعمل لأن العلم شرط في صحتهما بلا منازع .

ويجب التنبيه إلى أن العلم والعمل متعاضدان يقوي أحدهما الآخر , وكل منهما يخدم الآخر , فالعلم يصحح العمل , والعمل الصحيح يرسخ العلم ويقويه .

ويمكننا الاستشهاد على هذين الجانين كليهما بقوله سبحانه ( قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) يوسف108

 

يقول الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله عن معنى البصيرة :" والبصيرة هي العلم بما يدعو إليه وينهى عنه " . والعلم لا يأتي إلا بطلب له وبحث عنه في مصادره , وأهم ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

ولعل البصيرة هنا تتناول الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن .

 

 

 

 

المطلب الثالث : حق المرأة في العلم

 

أوجب الله سبحانه على المرأة طلب العلم الضروري لإقامة ما كلفت به شرعا , على الوجه الصحيح .

وجعل طلب العلم من علامات الخير , حيث قرر المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك فيما رواه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أنه قال :" من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " .

كما كلف المجتمع المسلم , بتأمين فرص التعليم للمرأة كالرجل يقوم به ولي الأمر أو من ينوب عنه وفق الشروط المعلومة في الشرع .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

المطلب الرابع : العلوم المطلوبة للإعداد الدعوي

 

أولا : علوم رئيسة

ثانيا : علوم مساعدة

 

فالعلوم الرئيسة : هي المصادر الأولى لإعداد الداعية حيث إنها تمثل المرتكزات العلمية لدعوته , وأهم هذه العلوم ما يلي :

1- القرآن الكريم :

يتعلم الداعية من كتاب الله كيفية الدعوة عن طريق سرد القصة القرآنية والمثل القرآني لإيقاظ الشعور الإيماني في النفوس , كما يجذب انتباه السامعين عن طريق عرض أسلوب الحوار والمجادلة في كتاب الله , كما يتعلم عرض الدعوة بأسلوب الاستفهام التقريري أو الإنكاري , وأسلوب الترغيب والترهيب .

 

2- التفسير :

إن الدعاة إلى الله هم أحوج الناس لمعرفة كتاب الله والإحاطة بمعانيه على قدر الاستطاعة , لأن حاجة الناس إليهم في ذلك ماسة حيث قيامهم بالدعوة إلى الله وإلى كتابه , وإذا كان الناس عند نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة إلى تفسير كلام الله عز وجل , فإن الناس في عصرنا الحاضر أشد حاجة إلى ذلك لفهم القرآن والعمل به على مراد الله سبحانه ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم لا على مراد أصحاب الأهواء الضالة .

 

3- الحديث النبوي :

وهو المصدر الثاني للتشريع , وهو مرتبط به ارتباطا وثيقا , لأن الحديث النبوي جاء موضحا للقرآن بالإضافة إلى شموله لأحكام شرعية لم يتعرض لها القرآن الكريم .

ولذا فإن الحديث النبوي مهم للداعية , يستمد منه الزاد العلمي , ويمده بالشواهد والأدلة التي يستنبط منها الأحكام الشرعية .

كما يأخذ الداعية من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفات اللازمة التي سلكها رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته وحث عليها أمته .

 

4- علم العقيدة :

وترجع أهمية دراسة العقيدة وذلك لأن التوحيد هو المحور الأساسي للدعوة وهو الذي يرتكز عليها عبادة الله سبحانه وتعالى , كما أن العبادة لا تصلح إلا به .

وكذلك أنه أول مر كلف الله سبحانه وتعالى به رسله عليهم الصلاة والســـــلام .

 

5- الفقه :

من المعلوم أن الفقه متعلق بالعبادات البدنية والمالية , ومن هذا الجانب فإن على الداعية تعلم الفقه لحاجته الشخصية , ولحاجة المدعوين كذلك .

 

6- سيرة الرسول وشمائله الكريمة :

ودراسة السيرة والشمائل مهمة للمرأة المسلمة الداعية , وذلك أنها تجد بين يديها صورة للمثل الأعلى في السلوك البشري في كل شأن , وكذا أنها تجد في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يعينها على فهم كتاب الله وسنة رسوله , وكذا الاستفادة مما تعرضت له السيرة من العبر والعظات والدروس .

 

7- دعوة الرسل :

حتى تبين للداعية الأوليات التي دعا إليها رسل الله عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم .

وحصول الأمن النفسي والتثبيت , وغيرها كثير .

 

8- سير الدعاة :

وهذا شبيه بمنهج سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لأنها اقتبست من حياة المصطفى عليه الصلاة والسلام .

 

9- الحسبة :

والهدف من هذه المادة بيان أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للداعية .

 

10- التربية في الإسلام :

وهذا جانب من جوانب الدعوة إلى الله يدرس منهج القرآن والسنة في التربية مستعرضا كافة الوسائل والأساليب التربوية التي وردت في هذين المصدرين .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

ثانيا / العلوم المساندة

 

1- اللغة العربية وآدابها :

وتأتي أهميتها للداعية , من حيث إنه المبلغ عن الله سبحانه , والمبلغ عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم , كما أنه ناقل لكلام الله وكلام رسوله اللذين جاءا بلغة العرب .

ولأن تخلي الداعية عن اللغة الفصحى يسبب دخول اللحن في آيات القرآن , ويؤدي كذلك إلى التحريف وإلى القول على الله بغير حق كما في قوله سبحانه ( أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ) التوبة3

فلو أن كلمة ( رَسُولُهُ ) قرئت بكسر ( لام رسول ) لتغير المعنى , ولأصبح مفهوما براءة الله من المشركين ومن رسوله , ومعاذ الله أن يبرأ من رسوله , وحاشا لرسوله أن يبرأ منه الله .

 

2- خصائص الإسلام :

وتتمثل في تعريف الداعية بالإسلام , من حيث الكمال والعموم والشمول , وأنه الدين الذي رضيه اله سبحانه لعباده كما قال تعالى ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) المائدة3

 

3- علم أصول الفقه :

وهو إدراك القواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية.

وهذا العلم مهم للداعية كي يعرف الأدلة المتفق عليها عند المسلمين في كافة مصادر التشريع وهي الكتاب , والسنة , والإجماع , والقياس , وغير ذلك من الأدلة المعتبرة .

ثم التعرف على كيفية الاستنباط من الكتاب والسنة , ومن يجوز له , ومن يجب عليه .

 

4- دراسة حالة العالم في الماضي والحاضر :

وحاجة الداعية من هذه الدراسة تمكنه من الاستفادة من تجارب الماضين , صالحين وطالحين , والإحاطة بمصدر كل فريق كي يطمئن قلبه من جهة حسن العاقبة للمتقين , ويحذر الانزلاق مع المكذبين من جهة أخرى .

 

وأما الإعداد النفسي فينقسم إلى عدة متطلبات أيضا منها :

1- الإيمان بالله ورسوله :

فهو من أهم العوامل والمقومات النفسية التي تدفع الإنسان للدعوة إلى الإسلام والتضحية في سبيله ما يستطيع من بذل النفس والمال , وبذل الجهد والوقت من أجله , واحتساب ذلك عند الله عز وجل من غير تردد عن ذلك أو تراجع .

والإيمان بالله سبحانه وبرسوله هو الذي دفع المرأة المسلمة إلى الهجرة في سبيل الله وترك الزوج والأهل والأولاد لا من أجل كره زوج أو عشيرة , قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) الممتحنة 10

 

2- الإخلاص لله :

وعمل الداعية من أدق الأعمال وأكثرها حساسية لارتباطه بالنية وهي من أعمال القلوب , ولذلك فلا بد أن يعد الداعية نفسه من هذه الناحية إعدادا قويا , فلا يقدم على عمله الدعوي إلا بعد تمحيص النية وتخليصها من الشوائب التي تعكرها , وتكدر صفوها .

قال تعالى ( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) الكهف110

 

3- التفاؤل وحسن الظن بالله :

شعور في النفس يبعث الاطمئنان والثقة والأمل في المستقبل مما يدفع الإنسان المضي قدما في تنفيذ خططه بشجاعة نفسية دون خوف أو خور أو وهن أو قنوط أو يأس .

ولأهمية التفاؤل في النفس الإنسانية فقد جاء الأمر بالنهي عن ضده في كتاب الله عز وجل قال تعالى ( وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) آل عمران139

 

4- الجرأة في الحق :

الجرأة هي الإقدام على القول , أو العمل , في شجاعة نفسية مستمدة في أصلها من الإيمان بالله سبحانه وبرسوله والإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره , وهي من المسؤولية التي ينبغي أن يتحلى بها الداعية .

وهي تعتمد على الثقة بالنفس بما لدينها من معلومات وثقافة وتربية .

والجرأة في الحق فضيلة نفسية عظيمة لا يؤتاها كل أحد , ولعظم فضلها عدت من أعظم الأعمال وأفضل الجهاد .

 

وللجرأة شروط منها :

* الإخلاص لله تعالى , وأن يقصد بقوله وجه الله تعالى .

* أن يكون عالما بحكم ما يقول .

* أن يكون متزنا في قوله أو فعله فلا يتسرع أو يتهور .

* أن يكون الغرض من الدعوة إحقاق حق وإبطال باطل .

* أن يستخدم أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة .

* أن ينزل الناس منازلهم .

* أن يختار الأسلوب الأنفع حسب اجتهاده لاستمالة قلب المدعو .

 

5- الاعتزاز بالإسلام :

لقد قرر الله عز وجل في كتابه العزيز عزة المؤمنين على أعدائهم إبراز لمكانتهم العظيمة عند الله , وتطمينا لنفوسهم وتثبيتا لهم فقال سبحانه ( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) المنافقون8

 

6- الصبر :

وهي قوة نفسية إيجابية تدفع المتصف بها إلى مقاومة كل أسباب الضعف والذلة والخور والاستسلام , كما تدفعه إلى الثبات بقوة أمام المصائب والفتن والمغريات .

ولذلك نقول بأن الصبر ضروري للداعية , يتسلح به , ويتصف في محاور ثلاثة هي : الصبر على طاعة الله , والدعوة إليه , والصبر عن محارم الله , والصبر على أقدار الله المؤلمة .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وأما الإعداد الاجتماعي فيقوم على عدة متطلبات منها :

 

وقبل ذكر المتطلبات نذكر مفهوم الإعداد الاجتماعي للدعوة إلى الله :

هو تهيئة الجو الملائم في المجتمع للتخلف بأخلاق الإسلام الاجتماعية بعامة , وأخلاق الدعاة بخاصة , لأن عمل الدعوة عمل اتصالي بالخاص والعام من الناس على اختلاف مشاربهم وهواياتهم وصفاتهم .

 

ومن المتطلبات ما يلي :

1- التأسيس الاجتماعي للأسرة ( الاختيار في الزواج ) .

2- التنشئة الاجتماعية .

3- الصفات الاجتماعية اللازمة .كالصدق والأمانة والكرم والسخاء والحلم والرأفة وغيرها .

 

وأما الإعداد التطبيقي فينقسم إلى قسمين :

القسم الأول : فــن الإلقـــاء .

القسم الثاني : فــن الكتــابة .

 

ومفهوم الإعداد التطبيقي هو : تهيئة الداعية بالتدريب العملي على فن الإلقاء , والكتابة لنقل كلمة الله سبحانه والدعوة إلى سبيله عن طريق الخطبة والدرس والمحاضرة والكتابة بأنواعها المختلفة .

ويعد الإعداد التطبيقي للداعية في غاية الأهمية .

 

القسم الأول : فن الإلقاء .

وهو فن مشافهة الجمهور وإقناعه واستمالته , وذا أهمية كبيرة في حياة الإنسان العملية سواء كان معطيا أو آخذا , ذلك أن الإلقاء الجيد له تأثيره القوي في النفس البشرية , وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال :" إن من البيــــــــــان لسحرا " .

وهو يعتمد على عنصرين مهمين هما :

1- عنصر الإقناع : وإسنادها بالمنطق والحجج والوثائق , ويعتمد أيضا على الثقة بالنفس .

2- عنصر الإثارة : أي إثارة عواطف وأحاسيس المستمع بغية استمالته إلى المادة المطروحة .

 

القسم الثانـــي : فن الكتــابة .

وتأتي الكتابة بعد الحديث الشفوي وسيلة مهمة للاتصال بين الناس , وتحتل جانيا كبيرا من حياتهم , وتأخذ قسطا كبيرا من نشاطهم اليومي في عصرنا الحاضر بالذات , مما يستوجب جودة الأسلوب الكتابي لإيصال المادة العلمية للجمهور .

ويعتمد أسلوب الكتابة على عاملين أساسيين هما :

1- دقة العبارة وسلامتها من النقص أو الحذف , لأن القارئ لا يستطيع في الغالب أن يجتهد في فهم العبارة الناقصة , كما لا يستطيع الاتصال بالكاتب حتى يستفهم منه ما غمض عليه .

2- قوة إقناع القارئ بالمادة المطروحة , والاستدلال عليها بالأدلة والحجج والبراهين , إضافة إلى إحالة المعلومات إلى مراجعها الأصلية وذلك بهدف توثيق المعلومات وتوكيدها خدمة للقارئ وكسب رضاه والتأثير عليه .

الظروف المحيطة والمؤثرة في الإعداد :

 

ومنها :

 

أولا : الإيجابيات .

وثانيا : المعوقات .

 

فالإيجابيات هي كما يلي :

1- إيجابيات ثابتة ..

2- وإيجابيات متغيرة .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

فالإيجابيات الثابتة منها :

1- وجود الكتاب والسنة , وهذا من أهم العوامل المساعدة على اشتغال المرأة بالدعوة .

2- ضمانات وجود المجتمع المسلم وتحقق وجوده , فعلى الرغم من مرور أربعة عشر قرنا من عمر الإسلام , وتغير الظروف السياسية , والاجتماعية , والاقتصادية , على رقعة الكرة الأرضية , فقد أثبت الإسلام وجوده , وبروز شخصيته , وهيمنته على القلوب .

3- حرية الفكر ( العقيدة ) :

لقد قرر الإسلام كرامة الإنسان وعلو منزلته في إطار إيمانه بالله سبحانه وتسليمه له , فلا معبود بحق سواه وبذلك يخلص القلب من أدران الشرك في الظاهر والباطن كما قال تعالى ( يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ) النور55

وتحرير النفس من الرياء والسمعة كما قال تعالى ( أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ) الزمر3

وبذلك تتحرر النفس من كل خوف , وتسمو على كل شرك , فيصبح الناس أحرارا متساوين فلا يتعلقون إلا بالله , ولا يعتمدون إلا عليه .

 

4- انتشار العلم , فهو لا يقتصر على قناة واحدة بل قنوات , ويأتي في مقدمة هذه القنوات المؤسسات التعليمية والدعوية والإعلامية , كالجامعات الإسلامية والمكتبات والمؤسسات الدعوية وحلقات المساجد وغيرها .

 

والإيجابيات المتغيرة منها :

1- اغتنام فترة الشباب , فهي تمثل فترة الحيوية والنشاط الحركي والقوة الجسدية والفكرية والعقلية , تزداد يوما بعد يوم نتيجة التجارب والمعلومات المتجددة , كما أنها تعتبر القاعدة الرئيسية التي تعتمد عليها فترة الكهولة والشيخوخة , فإذا خسر الإنسان شبابه , خسر بذلك دنياه وأخراه في الغالب .

وإذا مرت المرأة الداعية بالأعمال الدعوية في فترة الشباب , فإن ذلك مؤشر خير على استمرارها على هذا العمل العظيم في سن الكهولة وأوائل الشيخوخة , فتعيش حياتها كلها داعية إلى دين الله .

 

2- اغتنام الصحة , فإن الصحة البدنية والنفسية من نعم الله الكبرى على الإنسان , ولذلك فقد حث الإسلام على اغتنام فترة تمتع المسلم بصحته للقيام بالأعمال المقربة إلى الله عز وجل قبل أن يدهم الإنسان المرض فلا يستطيع القيام بمثل هذه الأعمال , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ " .

فما على المرأة الداعية إلا أن تغتنم فرصة توفر الصحة للقيام بالدعوة إلى الله فهي لا تعلم متى يفجؤها المرض فتتمنى لو كانت صحيحة تستطيع أن تقدم لدينها ما يفرضه عليها إسلامها , فتندم حينئذ , ولات ساعة مندم .

 

3- اغتنام وفرة المال , ولقد حث الإسلام على بذل المال في وجوه البر والإحسان , ذلك دعوة إلى دين الله ودفاعا عن حياض الإسلام , وقد وعد الله عز وجل بمضاعفة الأجر للمنفقين في سبيل الله فقال سبحانه ( مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) البقرة261

 

4- اغتنام الفراغ , وهو أحد سلبيات حضارة العصر الحديث , والإسلام في مصدريه الكتاب والسنة قد تعرض لهذه المشكلة , وحث على تفاديها باغتنام وقت الفراغ فيما يعود على الفرد والجماعة بالخير , وما يقرب إلى الله سبحانه وتعلى فقال سبحانه آمرا محمد صلى الله عليه وسلم وأمته له تبع ( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ ) الشرح7

وقد قال ابن عباس عن هذه الآية : أي إذا فرغت من فرضك فانصب إلى ما رغبك تعالى فيه من العمل .

 

5- اغتنام فترة الحيـــــــاة , فليس أحسن ولا أفضل من الحياة , حياة البدن والروح ولا خير في حياة بدن بلا روح , هذه هي الحياة التي كتبها الله عز وجل على ابن آدم امتحانا له ليرى كيف يصنع وكيف يتعامل مع نعمة الحياة , فقال تعالى ( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{1} الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) الملك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وأما المعوقات وكيفية معالجتها :

 

 

بداية الحكمة من وجود هذه المعوقات ؟؟

إن الله سبحانه وتعالى كتب الصراع بين الحق والباطل منذ أن خلق الله أبانا آدم عليه السلام , حيث ابتدأ الصراع بعصيان إبليس ربه بامتناعه عن السجود لآدم عليه السلام , ومنذ ذلك الحين والحق والباطل في صرا دائم , والحق دائما ينتصر , وتلك سنة الله في خلقه , وطريق الدعوة لا يخلو من المعوقات لأمور كثيرة منها :

* إرشاد الدعاة إلى الله أن الهداية القلبية بيد الله سبحانه وله المشيئة المطلقة في ذلك .

* التمحيص والامتحان للناس .

* رفع درجات الدعاة والمجاهدين بعضهم فوق بعض نتيجة لاختلاف درجات الابتلاء .

* الدعوة إلى الله عمل قيادي , والقيادة محببة للنفس , ولا يستحقها إلا الكفء من الناس , الذين يصبرون على الشدائد .

* تحريك الإيمان وتقويته في النفوس , بحركة الدعوة , لأن الحركة فيها تجديد , والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أشبه بالماء في حركته وسكونه .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وأما المعوقات فهي كما يلي :

 

1- معوقات عامة .

2- معوقات خاصة بالمرأة .

 

فأما المعوقات الخاصة بالمرأة :

أولا : معوقات داخل المنزل .

1-رب الأسرة ومن في حكمه : فترى كثير من النساء أن رب الأسرة أبا كان أو أخا أو زوجا يمثل عائقا أمام المرأة الداعية , ويدخل ضمن العوائق بعض النساء كالأم والأخوات اللاتي يكبرن الداعية سنا , ويعود هذا العائق إلى عدة أسباب منها :

* عدم الاقتناع بمسؤولية المرأة الداعية .

* عدم استقامة رب الأسرة أو من في حكمة , فإن على المرأة الداعية القيام بواجبها في الدعوة بأساليب الدعوة المعروفة , وأن تكرر الدعوة والنصيحة , وتستعين بغيرها في المناصحة الدائمة والصبر .

* سوء استخدام القوامة , فإن بعض من أولياء الأمور لا يفهم من قوله تعالى ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ ) النساء34

إلا معنى التسلط وظلم المرأة وعدم إعطائها الحرية في مشاركته الرأي , في حين أن قوامة الرجل على المرأة إنما هي قوامة تنظيم وإدارة ورئاسة عامة للأسرة .

* تحميل النص الشرعي ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) ما لا يحتمل , حيث يفهم البعض من النص الأمر بالقرار في البيوت واعتبار خروجهن منها مخالفة شرعية بدون استثناء , مما يؤدي إلى حرمان المرأة من بعض حقها الشرعي , فهذه المسألة غير مقبولة لا شرعا ولا عقلا ولا واقعا .

وللإجابة على هذه المسألة نقول ما يلي :

إن الإسلام قد وضع قاعدة أصلية في حق المرأة حيث جعل مكانها الأصلي والأساسي هو البيت , ولذلك جاء النص في كتاب الله سبحانه ليبين هذه القاعدة في قوله تعالى ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ) الأحزاب 33

لكن المرأة تحتاج للخروج لقضاء حاجة فهل وضع الإسلام استثناء لها أم لا ؟!

وللإجابة على هذا السؤال ذكر ابن كثير في تفسيره لقوله سبحانه ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) حيث قال بأنها تعني الْـزمْنَ بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة , ومن هذا التفسير يتبين لنا أنه طالما كان للمرأة حاجة في الخروج من المنزل فلا بأس أن تخرج مع الالتزام بالآداب الشرعية .

 

* وجوب الاستئذان للخروج , وإذا أذن الإسلام بخروج المرأة لحاجتها فليس لها الإذن على إطلاقه , بل يلزمها الاستئذان من ولي أمرها , لأن الاستئذان من حق الرجل على المرأة بحكم القوامة التي جعلها الله سبحانه للرجال على النساء , ومما يدل على وجوب الاستئذان قول النبي صلى الله عليه وسلم :" إذا استأذنت امرأة أحدكم فلا يمنعها " رواه البخاري

 

2- شؤون المنزل :

تعتقد الأكثرية من النساء في عالمنا الإسلامي اليوم أن إدارة شؤون البيت ورعاية الزوج وتربية الأولاد لا تدخل ضمن المسؤوليات الدعوية للمرأة المسلمة , ونستطيع تحديد مسؤوليتها في بيتها وأسرتها بدقة وفق وصية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حديث المسؤولية الذي يتضمن قوله :" والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسئولة عنهم "

 

ثانيا : الحياء والخجل

الحياء أصل الأخلاق الكريمة وأقوى باعث على فعل الخير وترك الشر , ومبعث لا حياة في الإنسان هو الإيمان بالله سبحانه ورسوله .

والحياء نوعان :

1- حياء فطري .

2- حياء مكتسب , يكتسبه العبد من معرفة الله وعظمته وقربه سبحانه من عباده وإطلاعه عليهم , وإذا خلت نفس الإنسان من الحياء , وخلا قلبه من الحياء الفطري لم يبق ما يمنعه من ارتكاب القبيح والدنيء من الأفعال , وإذا كان الحياء امتناع النفس عن القبائح والرذائل فإنه خلق يمدح به الإنسان , أما إذا أصبح الحياء زائدا عن حده المعقول , ووصل بصاحبه إلى الاضطراب والتحير , وانقبضت نفسه عن فعل ما لا ينبغي الاستحياء فيه فإنه خلق يذم في الإنسان لأنه حياء في غير موضعه , وإذا تعلق الحياء بأمر ديني , يمنع الحياء من السؤال فيه أو عرضه في تعليم أو دعوة , فإن مما ينبغي العمل به هو رفع الحرج , ومدافعة هذا الحياء الذي يمنع من التحصيل العلمي أو الدعوة إلى الله .

 

 

----------------

مختصر من كتاب ( المرأة المسلمة المعاصرة ) إعدادها ومسؤوليتها في الدعوة

تأليف الدكتور أحمد بن محمد بن عبدالله أبابطين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،

 

بارك الله فيك وجعلها ربي في ميزان حسناتك

 

يرفع للأهمية ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،،

 

جزاكِ الله خيرا

 

موضوع هام وقيم

 

نفع الله به

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

ويكون جهله هذا جهلاً مركباً، والجهل المركب أشد من الجهل البسيط، فالجهل البسيط يمسك صاحبه ولا يتكلم، ويمكن رفعه بالتعلم، ولكن المشكلة كل المشكلة في حال الجاهل المركب، إن هذا الجاهل المركب لن يسكت بل سيتكلم ولو عن جهل وحينئذ يكون مدمراً أكثر مما يكون منوراً.

 

جزاكِ الله خيرا أختي

 

موضوع في منتهى الفائدة

رزقنا الله الدعوة إليه على بصيرة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ما شاء الله اللهم بارك

موضوع قيم وهام

جزاكِ الله خيرًا يا حبيبة ونفع بك

جعله الله في ميزان حسناتك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×