اذهبي الى المحتوى
أمّ عبد الله

جمالنا في ترسُّم خُطى نبينا صلى الله عليه وسلم

المشاركات التي تم ترشيحها

جمالنا في ترسُّم خُطى نبينا صلى الله عليه وسلم

 

 

كتبته : نجوى أحمد عبد الرحمن

 

 

جلسَت أمامَ المرآةِ تتأمَّلُ وجهَها الصبوح، يشعرها جمالُها بأنَّها أَسَرَتِ الوجودَ بأكملِه، فيعطيها هذا الإحساسُ أنها بمأمن من كلِّ خطر، عينان سالبتان تحكي حسنًا، خدود ورديَّة تخفي حياء أنثويًّا مميزًا، ثغرٌ يتناغم وهذه المنظومة الرائعة، والكلُّ في لحنٍ محكم ينشد جمالًا فتَّانًا.

 

وهي تحاور مرآتها التي وثقت بها، فما جرَّبتْ عليها كذبًا، كان أن قُذِفَ حجرٌ من خارج النافذة ليصيبَ المرآة ويكسرها، لتتلف بذلك جمالًا ظنَّت صاحبته أنه لها دائم، فخلف هذا الحدث في نفسها شرخًا، أفقدها الثقة في شعور كان يصاحبها، لتجده مؤقتًا ولا يعوَّل عليه.

 

فبعد أن كانت تظنُّ أن الدنيا حِيزت لها، غدت ترى أن ما هي عليه ما هو إلا نعيم زائل، هيهات هيهات أن يكون لها مستقرًّا وثابتًا، ثم انتابها خوفٌ من أن يصير مآله في لحظة مآلَ هذه المرآة التي ما فتئت تحدثها بفخر وثقة، وفجأة وبدون سابق استئذان تخبرها: "إنما أنت أيام قلائل"، خلود ودوام، كمال وحب امتلاك، كان هو ما كانت تصبو إليه صاحبة هذا الوجه المبهج؛ لذا أصرَّت أن تبقى على ما هي عليه، فاشترت مرآةً أخرى، لتحدثها بما أحبت أن تسمعه، وهمًا منها وغفلةً.

 

ومرةً، وافق جلوسَها أمامَ مرآتها الجديدة دخولُ أمها عليها:

ما أجملَك بنيتي! سبحان مَن خلقك!

شكرًا لك أمي؛ إنما أنا بضعةٌ منك.

لكأني بك بنيتي تكثرين من الجلوس أمام المرآة.

نعم أمي، أجد أنني وهي في تَوَافقٍ، ويسعدني هذا كثيرًا.

لكن بنيَّتي إنما تَوافُقك معها، ما هو إلا انعكاس لدواخل نفسك.

 

استوقفتها هذه الجملة، ورفعت رأسها وكأنما استجدَّ في الأمر جديد، فتغيَّر وجهها، فأصغت لأمها التي استمرت في الحديث قائلة:

لا أريد أن أتعسك وردتي الجميلة، بقدر ما أريد أن أُبيِّن لك أن المرآة لن تعطيك سوى ما تراه هي، وأما عمق الشيء، فأنت وحدَك من يكتشفُه.

 

رفعت الابنة رأسها، وباهتمام شديد سألت:

ماذا تقصدين أمي؟

 

فأجابتها قائلة:

إنَّ الجمال يا ابنتي إن رسمنا له حدودًا، ظلمناه وما أنصفناه، بل ينبغي لنا ألا نعطيه حدودًا، فجمال الوجه لا يقف عند حدِّ جمال قسماتِه، ولكن حقيقة جماله في مدى خضوعه لما خُلق لأجله، فالعيون الفاتنة لا يمكن أن تكون كذلك إلا بغضِّها للبصر عن كلِّ معصية، وإدمان النظر في كلِّ ما سيحفظ لها بهاءها ويزيده، والثغر الجميل هو ذاك الذي لا يقول إلا خيرًا، ويشتغل ذكرًا.

 

فالجمال الحقيقيُّ لم يكن يومًا رسمًا نلوِّنُه بألوان يتناسب ورغبة صاحبته؛ وإنما هو عطيَّة ومنحة ربانيَّة، إن لم نشكرْه تعالى عليها باستغلاله فيما جعل له، كان وبالًا علينا، ولم نستفد منه شيئًا، فاحذري - زهرة فؤادي - أن تُشغلي بالنعمة عن المنعم فيُذيقك الهوان، ويعذِّبك بما أعطاك.

تركَت هذه الكلماتُ صاحبة الوجه البهيِّ في تضارب بين مشاعر لها دفينة، لكن حلاوة منطقه وعذوبة معانيه أحدث عندها نشوة، فشعرت بأنها محظوظة؛ لأنها وجدت لعقدة الخلود عندها دواءً ناجعًا يشفيها.

 

ابتسمت، ثم ما فتئت رجعت إلى نفسها:

ولكن: كيف؟

 

والأم ترقبها، وتترجم سكوتَها إلى كلام، وكأنما تقرؤه كلمة كلمة، فقالت:

إن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، كان بإنسانيَّته المشرقة مثالًا يُحتذى، فقد كان "الإنسان" بما يعتري هذا الإنسانَ من تقلباتٍ ومشاعرَ، وأحزانٍ وأفراحٍ، وكلِّ ما يمكن أن يأتيه، فجاء صلى الله عليه وسلم مقومًا للاعوجاج الإنسانيِّ واضطرابه، معدلًا من إفراط أو تفريط، مبصرًا لحقيقة وجوده، مبشرًا ومنذرًا لما يؤول إليه الحال، آخذًا بالأيدي نحو الله تعالى عبر طريقٍ كلُّها جمالٌ وانشراحٌ وحبٌّ، فكانت سيرتُه صلى الله عليه وسلم من أكمل السير وأجلِّها، فضلًا منه تعالى، ورحمةً منه لعباده، فمن أرادَ الفلاح فليترسَّم خطاه، ومن أراد الكمال فليأخذ بسُنته؛ فالأمان والسلامة والاطمئنان رهينٌ بمدى اتباعه صلى الله عليه وسلم.

 

سكتت الابنة برهة، لتعطي نفسَها حقَّ فهم هذا الكلام بالطريقة التي تشبع احتياجاتها الخاصة، فكان أن اكتشفت أن المرآة الحقيقيَّة ليست هي التي نقف أمامها لنرى كيف نحن؛ وإنما هي التي ترشدنا كيف ينبغي لنا أن نكون حتى لا نزيغ أو نضلَّ.

إذًا، فسيرة نبيِّي صلى الله عليه وسلم مرآتِي الصافية.

تحدِّثني بتفاصيل جمال الكون.

تعطيني - وبصدق - وَصَفَات الجمال الحقيقي.

تدلُّني - وبحب - على حقيقة الجمال.

 

ازداد الوجه إشراقًا، وتطلعت النفس متشوِّفَةً إلى تلك الإنسانيَّة المشرقة، حيث الموضوعيَّة والواقعيَّة، حيث الجمال في كماله الإنسانيِّ، والخلود في منبع كلماته.

تركت مرآتها، وَمَشَتْ مهرولةً نحو كتاب السيرة النبويَّة، حيث تتعلم مقاييس الجمال الحقة، وتكتشف حياة جديدة كاملة.

فعزمت على أن تكون لنبيها صلى الله عليه وسلم تابعةً مطيعةً.

 

فاللهم أَعِنْها وباركْ لها وفيها!

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

قصة جميلة ومُعبرة عن واقع نعيشه

 

اللهم اهدِ واسعد كل أولاد وبنات المسلمين

 

وردنا جميعا إليك ردا جميلا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×