اذهبي الى المحتوى
ام عبد الودود السلفية

حديث وجيه في تربية

المشاركات التي تم ترشيحها

بسم الله الرحمن الرحيم

 

حديث وجيه في التربية والتوجيه

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه الغر الميامين وعلى جميع من اقتفى آثارهم من صالح المؤمنين .

أما بعد : فهذا حديث نبوي شريف في التوجيه والتربية لليس للصغار فحسب بل هو للكبار عامة ،وللمتنطعين والمتكبرين والمتعالمين خاصة الذين يلقون الكلام على عواهنه ، ويلقون الأحكام هكذا جزافا فإليهم هذا التوجيه النبوي العظيم .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :<<إذا سمعت الرجل يقول هلك الناس فهو أهلكَهم ..>>بفتح الكاف ،وفي قراءة << أهلكُهم..>>بضم الكاف.القبس لابن العربي ضمن موسوعة شروح الموطأ [ج23/376].

التخريج للحديث : رواه مالك عن أبي سهيل عن أبي هريرة ،رواية أبي مصعب الزهري [2070]والبخاري في الأدب المفرد[ح759]ومسلم[ح2623]وأحمد[16/62،409][ح10697]وأبو داود[ح4983] عن يحي بن أبي يحي عن مالك...وهو في صحيح الأدب المفرد لشيخ الألباني [587]والسلسلة الصحيحة [3074].وهو حديث صحيح.

شرح الألفاظ المشكلة :

قوله أهلكهم : الهلاك الاستحالة في الفساد وذهاب حالة الصحة والاستقامة التي تصدر عنها الفوائد، ويكون بها الاستعداد . يقال هلك زيد إذا مات ، وهلك الطعام إذا تغير واستحال الانتفاع به أو منه ،فهلاك الناس فسادهم في أحوالهم بفساد عقائدهم وأخلاقهم وأعمالهم ، وذلك عنوان ذهابهم واضمحلالهم، وقد قالت أم سلمة رضي الله عنها : أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال: <<نعم إذاكثر الخبث>> . أخرجاه.

وقوله : أهلكُهم ، أي أشدهم هلاكا .

أما بالفتح[أهلكَهم[فهو الذي أوقعهم في الهلاك .

المعنى الإجمالي للحديث :

ومعنىالحديث على الوجه الأول : أي إذا سمعت الرجل يقول هلك الناس يعيبهم وينتقصهم ويحقرمن أمر جماعتهم مما هم عليه من سوء أحوالهم فقد صار بذلك أعظهم وأشدهم هلاكا ،لارتكابه كبيرة من الكبائر الذنوب تعدت إلى غيره وعمتهم ، وهي معصية الكبر الذي هواحتقار الناس وازدراؤهم فهو قد تكبر على جميع الناس يحسب نفسه أنه على شيء بتنطعه وتعنته وهو أعظمهم هلاكا بفعله ذلك ، بهذا العموم في الكبر والاحتقار، وقد صلى الله عليه وسلم:<< هلك المتنطعون>>. قال ابن عبد البر رحمه الله : هدا معناه عند أهل العلم أن يقولها الرجل احتقارا للناس وإزراء عليهم وإعجابا بنفسه .. موسوعة شروح الموطأ [ج23/377 ]

ومعنى الحديث على الوجه الثاني ، أي قراءة الفتح ، أي إذا سمعت الرجل يقول هلك الناس يثبطهم ويقنطهم فهو بذلك التثبيط والتفنيط أيأسهم من رحمة الله وصدهم عن الرجوع إليه بالتوبة

والاستغفار ودفعهم إلى الاستمرار فيما همعليه فأوقعهم بكلمته تلك في الهلاك ، هلاك اليأس والقنوط والاندفاع في الشر ، كحال أهل التزمت والتطرف والغلو من التكفيريين والخوارج الذين يظنون أن الأمة قد تودع منها بسبب تركها الجهاد – زعموا – فحكموا عليها بالكفر وخرجوا يقتلون برها وفاحرها بل لم يسلم من شرهم أحد فأوقعوا الأمة في فتنة وهلاك وقد قال صلى الله عليه وسلم : {{ هلاكأمتي على يد غلمة أو صبية }} رواه البخاري .

أو كحال المرجئة الذين ميعوا الدين وركبوا سنن الذين من قبلهم ، وقالوا لايضر مع الأيمان ذنب فأوقعوا الأمة في بحر من الفساد والمعاصي كبيرها وصغيرها حتى طال أهل الاستقامة ، وأصبح أهل الوسطية في غربة شديدة ...ودين الله وسط بين هؤلاء وهؤلاء ، أي بين الجافي عنه والغالي فيه ،والخيرية في لزوم التربية والتصفية على العدل والوسطية .

ما يستفاد من الحديث :

-1يستفاد منه على الوجه الأول قراءة الرفع : أنه لايجوز الحكم على عموم الناس بالشر والفساد ، ولو كان ذلك ظاهرا بينهم فاشيا فيهم ، لأنه حكم بدون علم يحتاج إلى استقراء المجتمع كله ، ويتطلب الاستطلاع على أحوال الناس جميعهم وهذا مستحيل لفرد ورجل أن يقوم به ، فهذا الحكم بالعموم ظن سوء بمن قد يكون في غمار الناس على خلاف ما عليه أكثرهم وهو مناقض لقوله عليه الصلاة والسلام :{{ الخير في أمتي إلى قيام الساعة }}رواه مسلم يؤكده قوله عليه الصلاة والسلام :{{ لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين ..}} وهم أهل العلم وأهل الحديث ومن كان على معتقدهم من أهل الصلاح كما قال البخاري وأحمد وابن البارك وغيرهم...

وهذا الحكم إذا كان لمجرد الإخبار فلا ينبغي أن يصدر من رجل يومن بالله واليوم الآخرفكيف إذا انضاف إليه تحقيرهم وازدراؤهم فأحرى وأولى أن لا يصدر من مسلم رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا .

أما على قراءة الفتح فلا يجوز لمن رأى الناس في حالة سيئة أن يقنطهم من رحمة الله ، ويظهر لهم عدم إمكانية تدارك أمرهموإصلاح حالهم ، بأن يعتمد في توجيهه وتربيته إلا الترهيب والتخويف بالوعيد الشديد ،كحال ذلك العابد الجاهل الذي أفتى قاتل تسعة وتسعين نفسا بأنه لاتوبة له ،فأوقعه في الهلاك بأن أكمل به المائة ، أو كحال ذلكم المتآلي على الله الذي قال لصاحبه الذي وجده على معصية متلبسا بها : والله لا يغفر الله لك ... فكانت النتيجة أن غفر الله للعاصي وأحبط عمل ذلك المتآلي .

هذا إذا كان يحمله على ذلك تعظمه من سوء حالهم في ظاهر أكثرهم ، فأحرى وأولى إذا كان يحمله على ذلك صدهم وتثبيطهم عن التوبة والأخذ بأسباب الإصلاح قال تعالى مخبرا عن أمثال هؤلاء : {{..وإذ قالت أمة منهم لمَتعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا}}.

- 2يستفاد أيضا أن الحديث يفيد عدم الجواز لما ذكر ، لأنه سيق مساق الذم لهذا القول ووصف قائله بأنه أعظم الناس هلاكا، أو أوقع الناس في الهلاك ، وما أدى إلى أحد هذين الأمرين لايكون إلا ممنوعا ،ويؤيد هذا لحديث في المنع الأدلة الدالة على منع الحكم بدون علم كقوله تعالى : {{ ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل ذلك كان عنه مسؤولا }}، وظن السوء بالناس وتحقيرهم وتقنيطهم عن الخير وصدهم عنه من كبائر الذنوب التي نهينا عنها :قال تعالى :{{ .. اجتنبوا كثيرا من الظن }} وقال صلى الله عليه وسلم:<<إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث >>متفق عليه ، وقال:<<... بحسب امرئ منالشر أن يحقر أخاه المسلم..>>رواه مسلم.

استدراك وتنبيه:

قد يقول الإنسان هلك الناس لا يقصد احتقارهم ولا تقنيطهم وإنما إشفاقا عليهم وتحزنا لما هم فيه ، فهذا لاشك أنه لايكون مثل من قاله تهكما واحتقارا وتقنيطا ، غير أنه يبقى في عباراته ذلك التعميم الذي هو حكم بغير علم فعليه أن يجتنبه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بتقعيده هذه القاعدة العظيمة في التربية والتوجيه يريد المسلم أن يكون طاهر اللسان {{ ليس المؤمن باللعان ولا الطعان ولا الفاحش ولا البذيء }}صحيح الأدب المفرد [ح273]والصحيحة [ح320]طاهر القلب {{.. ألاإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ..}}البخاري ومسلم . من كل ما يسئ للآخرين أو يكون سببا فيدخله النار .

فهذه العبارة ومثلها مما يفيد هلاك جميع الناس لا ينبعي أن تقال ولا تتكرر ، لأن المؤمن على عكس غيره يحمل للناس خيرا ويدفع عنهم شرا ،فهو كالغيث أينما وقع نفع ، وأمره كله خير سواء إن كان في السراء أو الضراء فلا يحمله ضرره وحزنه على الحكم على جميع الناس ، ونثبيطهم ، ولايدفعه سروره وفرحه إلى ازدرائهم واحتقارهم والتكبر عليهم ،بلينظر إلى الناس في حال الضراء بالحزن والتقصير من خلال نفسه الامارة بالسوء ،وأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ،وفي حالة السراء ينظر من خلال الثمرة التي بجنيها من حال صلاحهم دنيا وأخرى .

- 3ومن الآداب المستفادة من الحديث على الوجه الأول [على قراءة الرفع ، أنه على من يريد أن يرشد المسلمين ويعمل لإصلاح حالهم أن ينظر إليهم بعين الشفقة والحنان ، لابعين الزراية والاحتقار فإن الشفوق تدفعه شفقته إلى المبالغة في العناية بتتبع الأدواء ، واستقصاء أنواع العلاج والمبالغة في العناية بالتربية ، كالأبوين بولديهما –وخاصة الأم- وهكذا كان حال النبي صلى الله

عليه وسلم بأمته ، وبذلكم وصفه الله تعالى في قوله :{{ .. لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك }} يا لله ، يا له من وصف ، لا فظاظة التي ينفرمنها الناس ، ولاغلظة وقوسة قلب ، إذا قلبه كله رقة وحنان ، وتلطف ، وتواضع ، بحيث من خالطة أقبل عليه وقبل منه بل يحزنه أن يفوته أحد من البشر فيموت على الكفر أوالشرك ، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم .

فقد كانت شفقته ورحمته بالأمة –وخاصة العصاة منها – عظيمة ولولا خشية الطول لسردت لكم أمثلةكثيرة .ولكن أكتفي بمثال أومثالين ...

1 - يدخل عليه جماعة من اليهود فيدعون عليهبالموت ،السام عليكم ، فيرد بالمثل ،ولكن أمنا عائشة ترد عليهم بأشد الرد –فيقوللها : <<مه ياعائشة ، إن الله رفيق يحب الرفق ،وما كان الرفق في شيء إلا زانه>>مسلم .أنظروا إلى هذا المشهد الرائع في التوجيه الى الرفق وبالرفق ، والتواضع الجم ، ومع من ؟ مع أعداءالبشرية جمعاء وفي مقدمتهم الرسل،اليهود.

2-وانظروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كيف رفق بذلك الأعرابي الذي بال في المسجد ، <<وقال لا تزرموه ثم دعا بدلو من ماء فصبه عليه >>[2].

وكذلكم قصة الصحابي الذي كان يشرب الخمر وكيف رفق به النبي صلى الله عليه وسلم لما لعنه بعض الصحابة أو أخزاه ،وقال لا تلعنوه ، أو لا تخزوه ،ثم شهد له أنه يحب الله ورسوله[3] ، فكان ذلك سببا في توبته توبة صادقة نصوحا بتركه للخمر اللعينة ، فسبحان من يعطي على الرفق ما لا يعطي على غيره [4].وقد قال صلى الله عليه وسلم: << من حرم الرفق حرم الخير كله ، أو من يحرم الرفق يحرم الخير >> رواه مسلم [ ح6552 - 6550]وأبو داود [ح4805]

ونفس المرء تحب دائما من يرفق بها ويحنعليها فتؤلفه ، وتقابله بمثلها والامتثال لما يأتيها منه وتنفر ممن يشدد عليها ،ويغلظ لها فتنفر منه وتقابله بمثلها ، ولا تقبل ما يأتيها منه ، فإن الزاري المحتقريترفع بنفسه عن الناس ويتركهم فيما هم عليه وإن باشر شيئا من معالجتهم فإنه يباشره من استثقال واشمئزاز مما يجعل الناس ينفضوا من حوله ، فلا يصل إلى داء الأمة شيء من علاجه ، ولن يستطيع هو معهما الصبر والاستمرار في عمله أو على أتقان القليل منه .

- 4 ومن الآداب المستوحاة من الحديث على الوجه الثاني: أنه على مرشدين المسلمين أن أن يعالجوا أنفسهم أولا ويصلحوها من أدوائها من الاحتقار والنظرة الشرزة للآخرين والتكبر وغير ذلك.. فإن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، ثم يعانوا من أدواء من يرشدوهم وأمراضهم بالعلاجات النافعة ويشخصوها لهم عند الحاجة بالعبارات الرقيقة المؤثرة في رفق وهوادة مجتنبين كل ما فيه تقنيط أو تثبيط ، وأن يعرفوهم بأنهم وإن ساءت نواح من أحوالهم فهناك جوانب ما تزال صالحة ، وهناك علاجات من الإسلام قريبة نافعة ناجعة ، وأن ما لهم بهذا الإسلام من قدر وعز ليثروا فيهم النخوة الإيمانية ،ويبعثوهم على العمل والخير لدينهم ودنياهم ، وإذا ذكروهم بسيئاتهم ذكروهم بإنها منأعظم الأسباب وأقرب السبل لدخول الجنة إن صحت توبتهم منها،وصفت نواياهم،واسمع لهذاالترغيب والتشويق من رب عظيم رحيم : {{ .. إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات }} فالعبد لما يكون غارقا في الذنوب ويسمع مثل هذا الترغيب الرباني ويعلم أن الله يفرح يبتوبة عبده فرحا شديدا فإن ذلك يقذف في قلبه الإكباروالإجلال لذي الجلال ويدفعه ذلك للتوبة والإنابة والرجوع إلى الله الكبير المتعال .

أصل عام في التوبية والتوجيه:

وهذا الحديث أصل عام عظيم في التربية المبنية على علم النفس البشرية فإن النفوس عندما تشعر بحرمتها وقدرتها على الكمال تنبعث بقوة ورغبة وعزيمة لنيل المطلوب ، وعندما تشعر بحقارتها وعجزها تقعد عن العمل، وترجع إلى أحط دركات السقوط ، فجاء هذا الحديث يحذر من تحقير الناس وتقنيطهم وذلك يقتضي أن المطلوب هو احترامهم وتنشيطهم ، وهذا الأصل العظيم الذي دل عليه هذاالحديث الشريف يحتاج إليه كل مرب سواء أكان مربيا للصغار أو الكبار ، وللأفراد أوالأمم ، إذ التحقير والتقنيط ، وقطع حبل الرجاء قتل لنفوس الأفراد والجماعات والهمم على البناء ، وذلك ضد التربية ، والاحترام والتنشيط وبعث الرجاء لها ، إحياء لها،وذلك هو غرض كل مرب ناصح في تربيته .

اللهم صل على هذا النبي الكريم والمربيالعظيم ، الرؤوف الرحيم ، الذي علمته مالم يكن يعلم ، وربيته على الشفقة والرفقوالكرم ،فكان فضلك عليه وعلينا به عظيم .

 

وكتب:

أبوبكر يوسف لعويسي

الجزائر :10 ذو القعدة 1430هـ

الموافق : 30 أكتوبر 2009م

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×