اذهبي الى المحتوى
مريم فوزي

"وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ" المــرض| دروس و عـبـر هامَّة ••

المشاركات التي تم ترشيحها

55282_01212226095.jpg

بسم الله

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

"المرض والابتلاء" **

إن الدنيا دار بلاء وأمراض ظل زائل ومتاع منتهي ما من إنسان في هذه الدنيا إلا ولابد أن يواجه فيها مرض وعافية وسرور وفرح وحزن وسراء وضراء كل هذا لماذا ، قال تعالى : ((تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{1} الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ{2} )) تبارك

((إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ))الكهف7

عباد الله :

كثيراً من الناس قد يواجه المرض لكنه ينسى الصبر عليه وينسى ما في المرض والبلايا من فوائد جمَّة في الدنيا والأخرى .

فإن الله تعالى لم يخلق شيئاً إلا وفيه نعمة ولولا أن الله خلق العذاب والألم لما عرف المتنعمون قدر نعمة الله عليهم .

ولولا الليل لما عُرف قدر النهار ولولا المرض لما عُرف قدرالصحة والعافية وأهل الجنة يفرحون ويزداد فرحهم عندما يتفكرون في آلام أهل النار بل إن من نعيم الجنة رؤية اهل النار وما هم فيه من عذاب .

وإليكم عباد الله بعض فوائد المرض والبلايا

أولاً : المرض تهذيب للنفوس وتصفية لها من الشر الذي فيها

قال تعالى :

( وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم وويعفوا عن كثير ) الشورى 30

فإذا أصيب العبد فلا يقل من اين هذا ولا من أين أتى فما أُصيب إلا بذنبٍ فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما يصيب المؤمن من وصبٍ ولا هم ولا حزن ولا اذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ) متفق عليه

وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على مريض من أقاربه وهو مريض بالحمى وقال : ( لا بارك الله فيها " أي الحمى " فقال صلى الله عليه وسلم ((لا تسبوا الحمى فإنها مكفرة للذنوب والخطايا )

وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يزال البلاء بالمؤمن في أهله وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه خطيئة )

وقال صلى الله عليه وسلم : ((ما اختلج عرق ولا عين إلا بذنب، وما يدفع الله عنه أكثر)) والاختلاج هو الحركة والإضطراب، وتعجيل العقوبة للمؤمن في الدنيا خير له من عقوبة الآخرة حتى تكفر عنه ذنوبه،

وعن أنس قال: قال رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم : ((إذا أردا الله بعبد الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة)) رواه الترمذي وقال حسن صحيح،

وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم : ((ما من مسلم يصيبه أذىً من مرض فما سواه إلا حط الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها)) رواه البخاري،

عباد الله من الناس من له ذنوب وليس له ما يكفرها فيبتليه الله بالحزن والمرض لتصفيته وتنقيته من الذنوب إن صبر واحتسب .

فعن عائشة أن رسول الله طرقه وجع فجعل يشتكي ويتقلب على فراشه فقالت له عائشة لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((إن الصالحين يشدد عليهم وإنه لا يصيب مؤمناً نكبة من شوكة فما فوق ذلك إلا حطت عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة))

 

ثانياً: من فوائد المرض أنه يعقبه لذة وسرور في الآخرة

فإن مرارة الدنيا حلاوة الآخرة والنعيم لا يدرك بالنعيم وكما قال صلى الله عليه وسلم ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر )

عباد الله إن الإبتلاءات سنة ربانية اقتضتها حكمة الله سبحانه في هذه الدار، لتكون داراً للإمتحان في الشهوات والفقر والمرض والخوف والنقص في الأموال والأنفس والثمرات كما يكون الابتلاء بكثرة الأموال والأولاد والصحة قال تعالى: ((ونبلوكم بالشر والخير فتنةً وإلينا ترجعون )).

ومن جملة الإبتلاءات: الأمراض حيث يبتلي الله بها من شاء من عباده.

 

وإذا نزل بالعبد مرض مرض أو مصيبة فحمد الله واسترجع وصبر إلا أعطاه الله من الأجور ما لا يعلم قال تعالى : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )

فكل الأعمال قد تجد لها أجراً معيناً إلا الصبر لعظمته فأجره بغير حساب .

والمصائب والآلام ملازمة للبشر ولا بد لهم منها لتحقيق العبودية لله قال تعالى: ((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ))البقرة155

قال بعضهم: لولا حوادث الأيام لم يعرف صبر الكرام ولا جزع اللئام،

وجاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم ( إذا مات ابن العبد قال الله لملائكته وهو أعلم قبضت ابن عبدي قالوا : نعم فيقول وهو أعلم : فماذا قال ؟ فيقولون : حمدك واسترجع فقال : ابنو لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد )

ويوم القيامة يتمنى أهل العافية في الدنيا لو أن جلودهم وأجسادهم كانت تقرص بالمقاريص لما يرون من ثواب أهل البلاد والأمراض عند الله .

 

ثالثاً: من فوائد المرض أنه يُعرف به صبر العبد على بلواه وأن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط

 

هكذا أيها المسلمون إذا صبر العبد إيماناً وثباتاً كُتب في ديوان الصابرين ويكفي الصابرين شرفاً أنهم في معية وحفظ الملك جل وعلا قال تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ))البقرة153

وإن حمد العبد وشكر كتب في ديوان الشاكرين ويكفي الشاكرين شرفاً أنهم أهل الزيادة قال تعالى : ( ولئن شكرتم لأزيدنكم )

أخرج مسلم عن صهيب أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير إت أصابته سراء شكر فكان خيراً لـه وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً لـه وليس ذلك إلا للمؤمن )

 

والصبر المأجور صاحبه هو الذي لا بد أن يتدبر فيه أموراً منها أن يعلم أن المرض مقدر من عند الله ((قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ))وأن يتيقن أن الله أرحم به من نفسه ومن والدته والناس أجمعين، وأن يعلم أن ما أصابه هو عين الحكمة من الله، وأن الله أراد به خيراً لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من يرد الله به خيراً يصب منه)) رواه البخاري، وأن ما أصابه علامة على محبة الله له، وأن يعلم أن الجزع لا يفيده، وإنما يزيد آلامه ويفوت عليه الأجر،

قال علي بن أبي طالب: (إنك إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور، وإن جزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور)

اللهم اجعلنا ممن إذا أعطي شكر وإذا أذنب استغفر وإذا ابتلي صبر يارب العالمين .

 

رابعاً:

إنّ المرض سبباً للدعاء واللجوء والانكسار بين يدي الله

قال تعالى : ( فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون )

كم من أناس أعرضوا عن اللجوء إلى الله والدعاء والانكسار بين يدي الله جل وعلا .فمرضوا فلجأوا الى الله خاشعين منكسرين

فأهل التوحيد إذا أصيبوا ببلاء أو مرض صبروا و لجأوا إلى الله وحده واستعانوا به وحده جل جلاله .

 

ويقول صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل: ((إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة)) رواه البخاري، وقوله تعالى: ((ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة)) رواه البخاري، ومعنى احتسبه أي صبر على فقده راجياً الأجر من الله.

 

تأملوا أيها المسلمون البلاء العظيم عند أيوب – عليه السلام – فقد ابتلاه الله في أهله ومالـه وولده وجسده لله حتى ما بقي إلا لسانه وقلبه ومع هذا كله كان يمسي ويصبح وهو يحمد الله ولم يشك حاله إلا إلى الله جل وعلا

بعد سنين من البلاء والمرض رفع يديه إلى الله بكل ذلّ وانكسار (( رب إني مسني الضرّ وأنت أرحم الراحمين ))

فجاء الجواب من الجواد الكريم ( فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمةً من عندنا وذكرى للعابدين ) الأنبياء

وقال تعالى : ( إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب ) ص

وهاهو عروة بن الزبير من أفاضل التابعين وأخيار التابعين، كان له ولد اسمه محمد من أحسن الناس وجهاً، دخل على الوليد في ثياب جميلة فقال الوليد:هكذا تكون فتيان قريش، ولا دعا بالبركة فقالوا أنه أصابه بالعين،خرج هذا محمد بن عروة بن الزبير من المجلس فوقع في اصطبل للدواب فلا زالت الدواب تطأه حتى مات، ثم مباشرة وقعت الآكلة في رجل عروة وقالوا لابد من نشرها بالمنشار وقطعها حتى لا تسري لأماكن الجسد فيهلك، فنشروها فلما وصل المنشار إلى القصبة(وسط الساق) وضع رأسه على الوسادة فغشي عليه ثم أفاق والعرق يتحدّر من وجهه وهو يهلل ويكبّر ويذكر الله، فأخذها وجعل يقلبها ويقبلها في يده وقال: ((أما والذي حملني عليك إنه ليعلم أنني ما مشيت بك إلى حرام ولا إلى معصية ولا إلى ما لا يرضي الله))، ثم أمر بها فغسلت وطيبت وكفنت وأمر بها أن تقدم إلى المقبرة، لما جاء من السفر بعد أن بترت رجله وفقد ولده قال لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً ، ولما قالوا: نسقيك شيئاً يزيل عقلك؟قال: إنما ابتلاني ليرى صبري، ورفض.

وهاهو أبوقلابة التابعي الجليل ممن ابتلي في بدنه ودينه،وأريدعلى القضاء وهرب إلى الشام فمات بعريضة وقد ذهبت يداه ورجلاه وبصره وهو مع ذلك حامد شاكروعندما سئل على ماذا تحمد فقال الم يعطني لسانا ذاكرا وقلبا شاكرا وبدنا على البلاء صابراً.

أسال ان يجعلني واياكم من الصابرين والشاكرين

اسأل الله ان يقوي إيماننا وان يرفع درجاتنا أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم

 

خامساً : من فوائد المرض أنه الله يخرج به من العبد الكبر والعجب والفخر فلو دامت للعبد أحواله لتجاوز وطغى ونسي المنتهى لكن الله سلط عليه الأمراض والأوجاع وخروج الأذى والريح ليعلم أنه ضعيف .

يا مدعي الكبر إعجاباً بصورتـــه *** انظر خلاك فإن النت تثريب

لو فكر الناس ما في بطونهم *** ما ادعى الكبر شبان وشيبان

فالعبد يجوع كُرها ويمرض كرهاً ويموت كرهاً ولا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً .

فمن اكنت هذه طبيعته فلماذا يتكبر ولماذا يتغطرس

((يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك ) الانفطار

( كلا إنا خلقناهم مما يعلمون ) المعارج

وقال ابن القيم رحمه الله: (لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلاً أو آجلاً

سادساً: من فوائد المرض معرفة العبد ذله وحاجته وفقره إلى الله فأهل السماوات والأرض محتاجون إليه سبحانه فهم الفقراء إليه فهو الغني سبحانه ولولا أن سلّط على العبد هذه الأمراض والبلايا لنسي نفسه ونسي خالقه

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (مصيبة تقبل بها على الله خير لك من نعمة تنسيك ذكر الله)

قال تعالى

( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ) إبراهيم

سابعاً: من فوائد المرض أن فيه مساواه تامة

فهي سنة الحياة فلا يفرق المرض بين غنيٍ ولا فقير ولا يعرف فقيراً ولا عزيزاً الناس سواء والمرض لابد للجميع .

((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ))الحجرات13

ثامناً: من فوائد المرض أنه يهمس في قلوبنا قائلاً: بنيتك يا ابن ادم ليست من الصلب والخديد بل من مواد ضعيفة قابلة للتحلل والتفسخ فدع عنك الغرور واعرف عجزك وتعرف على أصلك وافهم وظيفتك في الحياة الدنيا .

تاسعاً: المرض يجعلك تتأمل فيمن ابتلاهم الله بأشد منك فيجعلك هذا تصبر وتحمد الله على ما أنت فيه وترضى بما قسمه الله لك .

 

ولقد كان الصالحون يفرحون بالمرض والبلاء ويعدونه نعمة كما يفرح الواحد منا بالرخاء قال صلى الله عليه وسلم : ((وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء))

ولما كان الأنبياء والصالحون هم أحب الخلق إلى الله تعالى كان بلاؤهم أشد من غيرهم فعن سعد بن أبي وقاص قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاءً قال: ((الأنبياء ثم الأقل فالأقل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابةً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة)) رواه الترمذي وهو صحيح.

وهذا نبيكم سيد الخلق أجمعين كان أشد الناس بلاءً حيث يشتد عليه المرض أكثر من غيره حتى قالت عائشة رضي الله عنها: ((ما رأيت أحداً أشد عليه الوجع من رسول الله)) رواه البخاري ومسلم.

وقال أبو سعيد: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فوضعت يدي عليه فوجدت حره بين يدي فوق اللحاف فقلت: يا رسول الله ما أشدها عليك؟ قال: ((إنا كذلك يضعف لنا البلاء ويضعف لنا الأجرة، قلت يا رسول الله: أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء ،قلت: ثم من؟ قال: الصالحون إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد أحدهم إلا العباءة يحويها (يجمعها)، وإن أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء)).

اللهم اجعلنا من عبادك الصابرين وقوي ايماننا وارفع درجاتنا وتقبل صلاتنا ولا تميتنا الا وانت راضٍ عنا يارب العالمين

هذا وصلوا ـ عباد الله ـ على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ((إِنَّ للَّهَ وَمَلَـئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى لنَّبِىّ يأَيُّهَا لَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا)) الأحزاب:56.

5q4mnmxzuyvt.gif

أمير بن محمد المدري

إمام وخطيب مسجد الإيمان – اليمن

 

*طريقُ الإسلام*

يتّبـع

..

  • معجبة 3

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

**

رسالة إلى المريض المسلم

 

أيها المريض المسلم .

يا من رقدت غير مختار على السرير الأبيض .

يا من فقدت لذة الصحة وحُرمت طعم العافية .

 

فإن من أعظم نعم الله سبحانه على عباده أن متَّعهم بالعافية ورزقهم الصحة والسلامة ؛ فهي كالتاج على رؤوسهم لا يراه إلا المرضى الذين يرقدون على الأسرة البيضاء يئنون ويتوجعون ، ويتألمون آناء الليل وأطراف النهار وهم تحت رحمة الله جل وعلا ، ثم عناية الأطباء والممرضين لا يملكون لأنفسهم حيلة ، ولا يجدون مهرباً مما هم فيه إلا بفضل الله ورحمته .

من هنا فقد رأيتُ من واجبي أن أكتب هذه الرسالة لإخواني المرضى مواسياً لهم ومشاركاً ، فعسى أن يكون بين أسطرها تخفيفاً لآلامهم وأوجاعهم ، وتذكيراً لنا جميعاً بفضل الله ورحمته . وفيها أقول مستعيناً بالله :

يا من تعلم ُ أن ما أصابك ليس إلا بقدر الله ، أحسن الظن بالله سبحانه وتعالى حتى يهون عليك ما أنت فيه من مرض ؛ فإن الله لطيف بعباده . وتذكَّر قول الحق في الحديث القدسي : (( أنا عند حسن ظن عبدي بي إن خيراً فخير وإن شراً فشر )) رواه أحمد والطبراني وابن حبان .

واعلم أنك متى أحسنت الظن بالله سبحانه شعرت بالرضى ، وهان عليك مرضك لأنك على يقين تام بأن الله لا يُقَدِّر إلا الخير ، ثم أن من قَدَّر عليك المرض ليس إلا أرحم الراحمين الذي هو أرحم بخلقه من الأم بولدها .

يا من ابتليت في صحتك وعافيتك ، احمد الله تعالى أنَّ ما أصابك من مرض أو ابتلاء لم يكن في دينك ؛ فإن المصيبة في الدين هي الخُسران المبين . واحذر – عافاك الله – من التسخط وإظهار الجزع وعدم الرضا بالقدر فإن ذلك مما لا يليق بالمسلم ولا يجوز له بحالٍ من الأحوال. يقول أحد علماء السلف الصالح : (( ما أصابتني مصيبة إلا حمدت الله عليها لأربع : أن لم يجعلها في ديني ، وأن رزقني الصبر عليها ، وأن لم يجعلها أكبر منها ، وأن رزقني الاسترجاع عندها )) .

يا من تطمع في رحمة الله تعالى وفضله ، لا تنس أن المرض كفارة – بإذن الله – للذنوب والخطايا . فقد قال صلى الله عليه وسلم : (( ما يصيب المسلم من نصبٍ ( تعب ) ولا وصب ( مرض ) ولا هم ولا غم ولا حزن حتى الشوكة يشاكها ، إلا كفَّر الله عنه من خطاياه )) . رواه البخاري ومسلم .

فاستبشر – أخي المريض المسلم – خيراً بلطف المولى عز وجل ورحمته ، واعلم – شفاك الله – أن مصيبتك أهون من مصيبة غيرك ؛ وأن هناك من هو أشدُّ منك ألماً وأكثرُ وجعاً . قال الشاعر:

في كل بيتٍ محنةٌ وبليةٌ *** ولعل بيتك إن شكرت أقلها

 

يا من أخاطت بك الآلام والأوجاع ، احتسب ما تشتكيه من مرض عند الله تعالى فلعل ذلك مُقَدَّرٌ منه سبحانه لرفع منزلتك في الدار الآخرة متى صبرت واحتسبت .

قال صلى الله عليه وسلم : (( من يرد الله به خيراً يُصب منه )) رواه البخاري .

ولأن ذلك قد يكون ابتلاءً من الله سبحانه ، فالمؤمن مبتلى لقوله تعالى { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } [ البقرة : 155 ]. ولما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( إن عظم الجزاء مع عظم البلاء ، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم )) رواه الترمذي والطياسي والبيهقي .

فعليك – أخي المريض – أن تصبر وأن تحتسب الأجر على ما أصابك ، وأن ترضى به امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم : (( من رَضِيَ فله الرضا ، ومن سَخِطَ فعليه السخط )) رواه الترمذي وحسنه .

قال الشاعر :

إذا أجرى القضاءُ عليك خطباً *** فطب نفساً بما فعل القضاءُ

فكلُّ شديدة ٍ ولها انفراج *** وكُلُّ بلية ٍ ولها انقضاء ُ

وعُذ بالله يكفيك كُلَّ شرٍّ *** فإن الله يفعل ُ مـا يشاءُ

 

يا من تنشُد الصحة وتبحث عن العافية لا شك أنك تبحث عن أي علاج يمكن أن يعالج مرضك ويشفيك مما تجده من آلام وأوجاع ؛ وهذا أمر مشروع ومأمور به شريطة أن لا يكون حراماً أو غير جائز لقوله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله تعالى خلق الداء والدواء ، فتداووا ، ولا تتداووا بحرام )) رواه الطبراني .

فإذا كان العلاج مما أباحته الشريعة فهو أمر جائز شرعاً ؛ أما إذا كان غير ذلك مما فيه سحر أو كهانة أو شعوذة ونحو ذلك مما حَرَّم َ الله تعالى فلا يجوز أبداً لما فيه من الكذب والخداع والتدليس والاحتيال والشر والفساد وأكل أموال الناس بالباطل ، إضافة إلى كونه أمر يقدح في عقيدة الإنسان – والعياذ بالله – فقد قال صلى الله عليه وسلم : (( من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أُنزل على محمد )) . رواه أحمد والحاكم عن أبي هريرة – رضي الله عنه - .

يا من فقدت طعم العافية ، لا تُكثر من الشكوى والأنين فقد كان السلف الصالح يكرهون ذلك لما فيه من الضعف وعدم الصبر . وعليك بكثرة الذكر تسبيحاً و تحميداً وتكبيراً وتهليلاً ، واحرص – شفاك الله – على لزوم الاستغفار واللجوء إلى الله سبحانه فإن في ذلك فرجاً ومخرجاً للعبد مما هو فيه من ألم وهم ووجع لقوله صلى الله عليه وسلم : (( من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً ، ومن كل هم فرجاً ، ورزقه من حيث لا يحتسب )) . رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم عن ابن عباس – رضي الله عنهما ـ .

وأكثر – أخي المريض المسلم – من الدعاء الصادق والإلحاح في الطلب فإن الله جل في علاه يحب من عبده سؤاله ، ومتى عَلِمَ منه الصدق والإخلاص أجابه وحقق رجاءه ورفع عنه ما يشتكيه بعزته وقدرته سبحانه .

يا من كَثُرت همومك وزادت أوجاعك ، إياك والوقوع فيما يسوله الشيطان لبعض المرضى الذين يظنون أن السبيل إلى نسيان آلامهم والتخفيف من أوجاعهم والترويح عن أنفسهم لا يكون إلا بسماع الموسيقا والغناء والمحرَّم أو الانشغال بمتابعة المسلسلات الهابطة ومشاهدة الأفلام الساقطة التي هي في حقيقة الأمر مرض خطير وداء عظيم . وعليك –بارك الله فيك – أن تحرص على قراءة القرآن الكريم وتلاوته والإكثار من ذلك إضافة إلى مطالعة الكتب النافعة والانشغال بقراءتها ؛ فإن لم تستطع فهناك الأشرطة الإسلامية وما تشتمل عليه من تلاواتٍ مباركة ومحاضراتٍ نافعة وخُطب عظيمة ودروسٍ مفيدة تُشغل ُ بها وقتك وتنسى بها ألمك إضافة إلى ما في استماعك لها من الفائدة والأجر بإذن الله .

يا من صبرت على ما أصابك واحتسبته عند الله تعالى ، اعلم أن مرضك خيرٌ لك – بإذن الله – لما فيه من أعظيم الأجر وجزيل الثواب ، فعن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( عجباً لأمر المؤمن ، إن أمره كله خير . وليس لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له )) رواه مسلم .

وليس هذا فحسب بل إن من كرم الله سبحانه عليك أن يُجري لك الأجر والثواب على أعمال لم تعملها ولكنك كنت تحافظ عليها قبل مرضك . قال صلى الله عليه وسلم : (( إذا مرض العبد أو سافر كتب الله تعالى له من الأجر مثل ما كان يعمله صحيحاً مقيماً )) . رواه البخاري عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه -.

يا من مسَّك الله بضرٍّ لا يكشفه إلا هو سبحانه ؛ إياك أن تيأس أو تقنط من رحمة الله سبحانه فإن ذلك مخالف لهدي الإسلام ، واحذر من تمني الموت متى اشتد عليك المرض أو طالت مدته فإن ذلك لا يجوز . قال صلى الله عليه وسلم : (( لا يتمنين أحدكم الموت لضرٍّ نزل به ، فإن كان لا بد متمنياً ، فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي )) . رواه أحمد والشيخان عن أنس – رضي الله عنه - .

ولا تحسب – عافاك الله – أن في الموت راحة من الألم وسلامة من الوجع ، فقد يكون المرض سبباً في زيادة الحسنات ومضاعفة الأجر وأنت لا تدري . قال صلى الله عليه وسلم : (( لا يتمنى أحدكم الموت ؛ إما مُحسناً فلعله يزداد ، وإما مُسيئاً فلعله يستعتب ُ )) . رواه أحمد والبخاري والنسائي عن أبي هريرة – رضي الله عنه - .

يا من منعك المرض من الذهاب إلى بيوت الله في الأرض ، الحذر الحذر من ترك الصلاة خلال فترة المرض أو التهاون في أدائها في أوقاتها ؛ لأن ذلك ذنب عظيم وأمر جسيم ، فترك الصلاة عمداً كفر – والعياذ بالله – كما أفتى بذلك علماء الإسلام ، كما أن التهاون في أدائها ذنب كبير يكون الإنسان منه على خطر عظيم . فعليك – ثبتنا الله وإياك – بالمحافظة على أداء الصلوات في وقتها قائماً أو قاعداً أو مضطجعاً أو مستلقياً أو على قدر استطاعتك .

وليس هذا فحسب بل عليك أن تُذكِّر من هم حولك من المرضى بعظم شأن الصلاة وأهمية المحافظة عليها لا سيما وأن المرضى أحوج ما يكونون إلى ذلك في حال مرضهم .

 

•• وختاماً :

أسأل الله العظيم أن يمنَّ علينا وعليك بالعافية ، وأن يمنحنا صحة الأبدان وسلامتها من الأمراض الباطنة والظاهرة ، وأن يجعلنا جميعاً ممن إذا أنعم عليهم شكروا ، وإذا ابتلوا صبروا ، وإذا أذنبوا استغفروا . كما أسأله سبحانه أن يعافي كل مبتلى ، وأن يشفي كل مريض ، وأن يرحم كل ميت من أموات المسلمين إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على محمد ٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ...

 

كتبه

صالح بن علي أبو عرَّاد الشهري

..

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

بارك الله فيك صمت الحبيبة

وجعل ما قدمت في ميزان حسناتك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاك الله خيرا صمتة على الموضوع

 

في ميزان حسناتك ان شاء الله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

جزاكِ الله خيرًا على الموضوع النافع ()

 

اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة

تم تعديل بواسطة جوهرة بحيائي

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×