اذهبي الى المحتوى

المشاركات التي تم ترشيحها

الحب الصامت

 

هبة بنت أحمد أبو شوشة

 

 

 

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله.

إنَّ الحمد لله نحمده، ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:

فقد جاءتني تشتكي وهي منهارة: هذا الزوج الجلف عديم الإحساس الخالي من المشاعر؛ فهو لا يُسمِعها كلماتِ المدح أو الغزل، ولا يعبِّر عن حبه كما تفعل هي برسائلها ومُهاتفاتها التي لا تنتهي.

 

وأخرى تتحسَّر على نفسها وشبابها في ظلِّ رجل لا يعرف عن الحب شيئًا، ولا يفكر إلا في عمله، لا يرى حسنَها، ولا يمدح جمالها.

 

وثالثة تَطلُب الانفصال، وإذا سألنا عن السبب قالت: لا وجودَ للحبِّ في حياتنا، واستحالَتْ العِشرة بينَنا.

 

ورابعة وخامسة وسادسة، وأصبحت تلك الأمثلة وغيرها هي شكوى النساء العامة إلا من رحم ربي، فلا يخلو مجلس أو تجمُّع نسائي من شكوى الأزواج، وجمود مشاعرهم، وانطفاء جذوة الحب في قلوبهم.

فأين الخلل؟

وهل عدم بَوح الرجل بحبه بالشكل الذي تُريده الزوجة معناه أنه لم يعد في قلبه حبٌّ لها؟

 

 

وليس الذكَر كالأنثى:

لما كان الذكرُ مختلفًا عن الأُنثى اختِلافًا جسديًّا ونفسيًّا وفكريًّا، كان لا بدَّ وأن تختلف نظرتهما للحب تبعًا، وهذا الاختلاف في وجهات النظر إذا لم يَفهمه كلٌّ منهما، فإنه يؤدي حتمًا لمشاكل جمَّة، وربما سببُ ما تمرُّ به بيوت المسلمين حاليًّا من جفاف وبرود هو عدم فهمهما لهذا الاختلاف، فإذا فهم كل منهما كيف ينظر الطرف الآخر للحب، فإنه يثبت لنا قاعدة على أساسها يكون التعامل، فيفهم كل منهما الآخر ويُصبح أكثر إدراكًا، وبالتالي أكثر سعادة، والعكس صحيح، فإذا لم يفهم الطرف الآخر كيف هو الحب بالنسبة له، فإنه يَشقى به ومعه وربما يظلمه، وكم كان الظلم سببًا في خراب كثير من بيوت المسلمين، نسأل الله العفو والعافية.

 

الحب عند حواء:

تَنظر المرأة للحب بنظرة عاطفية خيالية، وطبيعتها تجعلها أكثر احتياجًا للحب من الرجل؛ فهو بالنسبة لها - الحب - وردة حمراء، وكلمة غزل، ورسالة رومانسية، وعَشاء على ضوء الشموع، فهي تغرق في "رومانسياتها"، ويعلو سقف توقُّعاتها، ولهذا السبب عندما تنتظر من الرجل تعبيرًا عن الحب ولا تجد ما توقعتْه، فإنها تصاب بالإحباط، وتظلُّ رغبتها في سماع كلمات الحب والتصريح بالحب من زوجها هو هاجسَها الوحيد، فتَنام وتستيقظ وهي تتسوَّل منه كلمات الحب.

 

الحب عند آدم:

أما الرجل، فالحب بالنسبة له مختلف تمامًا باختلاف طبيعته عن المرأة؛ فهو أكثر واقعية وعقلانية، وهذه الطبيعة العملية تَجعله يَعي حجم المسؤولية التي تحملها، فتَنضج مشاعره، ويُصبِح الحب من وجهة نظره أفعالاً، ويرى الورود الحمراء وكلمات الغزل أمورًا ثانوية لا أهمية لها...

 

ونفس هذه الطبيعة تجعله لا يحبُّ التَّكرار، فهو يعتمد على أنه قد صرح لكِ - يومًا ما - بحبِّه، من وجهة نظره هو أَعطى المعلومة وأنتِ استقبلتِها؛ فما الداعي لتكرار أمر هو معلوم من وجهة نظره؟!

 

كما أن إحجامه عن التصريح بحبه؛ لأن طبيعة الرجل الشرقي تجعله يظنُّ أن الحب هو اعتراف بالضَّعفِ، وأنه غير قادر على السيطرة، وإعلان صريح للطرف الآخر بأنه المتحكِّم، فطَبيعي - وهذه هي نظرته - أن يَجتهد في إخفاء هذا الحبِّ وعدم التصريح به؛ حتى لا تَحرقه نيران الضعف.

 

وهذا الذي لم تفهمه معظم النساء حتى هذه اللحظة!

هكذا خلقهم ربي، فلا شأن لهم ولا نستطيع أن نُجبرهم - نحن النساء - على أن يُغيِّروا من طبيعتهم لأجلنا...

 

ولكن مع ذلك، فهذا لا يمنع وجود بعض النماذج من الرجال طبيعتهم تسمح لهم بالتعبير عن مشاعرهم بسلاسة، وبدون أي شعور بالخوف أو بالخجل!

 

إصرار حواء:

تظلُّ المرأة لا تريد أن تتفهم طبيعته العملية العقلانية، ولا تريد أن ترضى بالحب إلا أن يكون حبًّا كما تريده هي، وليس كما يقدِّمه زوجها، وعندما يجد الزوج رغبتها الشديدة في تغييره، وإلحاحها أن يعبر عن حبه، فهو يتمسَّك أكثر وأكثر بموقفِه؛ لأنه يظن أن التصريح بالحب هو تسليم للمرأة وإعلان بالضَّعف.

 

وتبقى المشكلة قائمة؛ فلا الرجل يريد التنازُل ليعطي للمرأة الحب بالشكل الذي تريده، ولا المرأة تريد أن تتنازل وتقبل الحب الذي يقدِّمه لها زوجها.

 

إذًا ما الحل؟

الحل في يدك أنتِ أيتها الزوجة، فإذا فهمتِ زوجك وفهمت نظرة الرجل للحب، لعلمت أن زوجك يصرخ بكلمة "أحبك" لك في اليوم الواحد عشرات المرات على الأقل، ولكنك تصمِّين آذانك عنها، ولا تسمعين إلا ما ترغَبين في سماعه وفقط، فعمله وسعيه في الخارج ليوفر لك العيش الرغيد هو كلمة "أحبك"... عندما يستيقظ من نومه فيجد الغطاء قد انزاح عن جسدك فيُغطِّيكِ هي كلمة "أحبك"... عندما يتصل عليك من عمله لا لسبب إلا أن يطمئن عليك فهو يقول لك: "أحبك"... عندما يكون نوع جبنتك المفضل على وشك النفاذ فتجدينه اشترى لك غيره، فهو بالتأكيد يصرخ لك: "أحبك"... هو يُكرِّرها على مسامعك كثيرًا، ويبعث لك برسائل حبٍّ مُختلفة آملاً أن تَفهميه بدون أن يصرِّح بها، ولكن للأسف بدون فائدة، قد يكون يحبُّك من صميم قلبه ويعشق وجودك وقربك بجانبه، ولكن طبيعته تمنعه عن البوح بهذا الحب صراحة، فلا تضغطي عليه وتُجبريه أن يغير من نفسه، فقط لتستَمتعي أنت ببعض الكلمات واللمسات، فأنا لا أستطيع أن أقول للرجل: غيِّر طبيعتك وكن كما أريدك أنا، ولكن أستطيع أن أكون أنا أكثر مرونة وأتقبَّل طبيعة زوجي وأستمتع بالحب الذي يقدِّمه هو بكل سرور، وربما مع الوقت وتوقُّفك عن محاولة تغيير زوجك بالقوة وقبوله كما هو، يتغيَّر ويُصبح كما تريدينه أنت تمامًا، فقط يَلزمك أن تتقبَّليه وتتفهَّمي طبيعته العملية، ومع بعض الصبر ستجد الزوجة ما تصبو إليه.

 

كلمة إلى آدم:

نتفهَّم طبيعتَك ونظرتك للحب، ولكن ليكن لك في رسول الله أسوة حسنة؛ قال الله تعالى" لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا " [الأحزاب: 21].

 

فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يُصرِّح بحبه، ولم يكن يَخجل من إعلان هذا وهو أشرف الخلق وأعلاهم مكانة؛ فعن عمرو بن العاص رضي الله عنهأنه قال: يا رسول الله، من أَحب الناس إليك؟ قال: ((عائشة))، قال: مِن الرجال؟ قال: ((أبوها))[1]، وانظر إلى درجة محبته.. لم يقل: أبو بكر، وإنما قال: ((أبوها))؛ لارتباطه بها.

 

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستأذنتْ عليه وهو مضطجِع في مرطي، فأذنَ لها، فقالت: يا رسول الله، إن أزواجك أرسلْنَني يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، وأنا ساكتة، قالت: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيْ بنيَّة، ألستِ تُحبِّين ما أحب؟))، فقالت: بلى، قال: ((فأحبِّي هذه))[2].

 

ولذلك كان مسروق - رحمه الله - إذا روى عن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قال: "عن الصدِّيقة بنت الصدِّيق، حبيبة رسول رب العالمين"، فالمجتمع وقتها كانوا جميعًا يعلمون مكانتها لدى النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن في ذلك حرج أو غرابة.

 

فرفقًا أيها الزوج بزوجتك؛ فإنما هي بضعة منك، فاحتوِها ولا تبخل عليها بمشاعرك وكلماتك الطيبة، فلن تتخيل مقدار التحول الذي يصيب امرأةً سمعت كلمة حب أو غزل من زوجها، فسعادتها لن يدانيها سعادة، وستَنعكس هذه السعادة عليك أنت في المقام الأول.

 

وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

 

[1] رواه الترمذي.

 

[2] رواه مسلم.

 

 

 

رابط الموضوع: http://www.alukah.ne.../#ixzz3TzS7Xcly

  • معجبة 2

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

جزاك الله خيراً

موضوع جميل جداً بفضل الله ومتميز وينمّ على نضج كاتبته حفظها الله : )

كم أحب أن يضع المرء نفسه مكان الطرف الآخر فيعذره ويلتمس له مبررات كثيرة يطمئن بها نفسه ويتفائل خيراً في كل أمر بفضل الله : )

وهذا ليس فقط في الزواج ، بل في أمور كثيرة جداً ليعذر الناس بعضهم

وليتفهموا نفسيات ذويهم .

هذه هي سلامة الصدر في الإسلام بفضل الله

فما أجمل ديننا الحنيف : )

 

وما أجمل هذه الكتابات التي تذكرنا بالقيم الجميلة. : )

بارك الله في الكاتبة الغالية : ) .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

نقل قيم ومميز يا غالية

بارك الله فيك ونفع بك

 

نسأل الله أن يحفظ أزواجنا ويجعلهم قرة عين لنا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

بارك الله فيك ِ ساجدة الحبيبة ()

وفعلا عندما نتفهم نفسيات وحاجات كل من الطررف الآخر

سنكون في وضع أفضل منه حالا من اليوم .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وإياك يا غالية ..جزيت خيرا : )

 

وبارك فيك يا حبيبة : )

 

اللهم آمين يا رب

جزاك الله خيرا

 

 

وبارك فيك سندس الغالية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاك الله خيرا يا غالية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كيف حالك أختي الغالية لعلك تكوني بخير إن شاء الله

جزيت الخير وكفيتي الشر

دائما في تألق ونفع بك الله

ودائما نستفيد ونتعلم منك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

@@ساجدة للرحمن بارك الله فيك مشرفتنا الغالية على النقل الطيب

 

سبحان من خلق الذكر والأنثى وجبل كل جنس على طباع تختلف عن طباع الآخر وجعل في هذا الإختلاف تكامل وسعادة

 

نصائح ثمينة جدا فيجب على المرأة أن تتحلى بالمرونة وتحاول فهم طباع زوجها لتسير السفينة بعيدا عن العواصف والأمواج العاتية بل رياح الحب والمودة تلاطفها وتدفعها بكل رقة بإذن الله

 

اللهم ارزقني حب زوجي وارزقه حبي والطف بنا وأسعدنا بطاعتك وكل نساء المسلمين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

@أمنيات3

 

 

 

جزانا وإياك غاليتي

 

 

 

 

@افتخر

 

 

 

وبارك فيك غاليتي ..

 

 

 

صدقت ..نحتاج فقط لبعض التفهم لهذا الإختلاف ومرونة في التعامل

 

 

 

جزيت خيرا

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

قيم جدا جزى الله كاتبته خيرا

وجزاكِ الله خير الجزاء حبيبتي ونفع بكِ ()

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

قيم جدا جزى الله كاتبته خيرا

وجزاكِ الله خير الجزاء حبيبتي ونفع بكِ ()

 

جزانا وإياك اشروقه الغالية

اللهم آمين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

جزاكِ الله خيرا هبة الحبيبة

أحب كتاباتك كثيرا ()

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

موضوع جميل جدا

 

بس متهيألى الولاد الايام دى بقوا فرى شوية والبنات كمان :)

 

بارك الله فيكِ سجودة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

<3 <3

موضوع مفيد لكل امرأة متزوجة تنكر وجود الحب فلو لم يحبك لفارقك

تم تعديل بواسطة فاطمة البتول زنوبة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×