اذهبي الى المحتوى
امة من اماء الله

منزلة التوبة \ د.فريد الأنصاري رحمه الله تعالى رحمة واسعة

المشاركات التي تم ترشيحها

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

منزلة التوبة هي الحلقة الأولى من حلقات منازل الإيمان ألقيت بمسجد الجامع الأعظم بمكناس وهي مادة مسجلة على شريط سمعي .

 

أعدها للنشر : عبد الحميد الرازي

 

 

حقيقة التوبة

 

المؤمن لا يتوب إلا إذا كان يقظا، واليقظة هي المقام السابق على التوبة، ولا يتوب إلا مستيقظ، وأما من بقي غافلاً نائماً في طبقة من طبقات نومه، فإنه لا يتوب إلا أن يشاء الله له يقظة تُخرجُه من غفلته وضلاله وضياعه، ثم يقول كما قال نبي الله يونس : {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}(الأنبياء : 87)، أما الآن فنتحدث عن مُكَمِّلٍ لهذا المعنى، وهو حقيقة التوبة، وقد سبق أن تحدث العلماء عن التوبة من حيث أركانها العلمية، وليس غرضنا اليوم أن نتحدث عن هذا، فمثله موجود في كل المُصنَّفَاتِ المبسِّطة للتوبة، ولمنازل الإيمان، أعني قولَهم : >أول التوبة أن يُقلِعَ العبد عن الذنب ويندَمَ عما فات ويستعد لما هو آتأستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليهأما وإني أَعْبَدُكُم لله وأتقاكم له

 

كيف يمكن للمرء أن يكتسب هذا المعنى؟ التوبة معنى، وإحساس، وشعور، ووجدان، فلا يتوب إلا خائف، والخوف إحساس وجداني، “الذي لا يخاف لا يتوب”، فإذن : “الذي يخاف هو من يتوب”، فما هو الخوف؟ الخوف شعور يقع بالقلب، ألا ترى أن الخائف ينبض قلبه ويرتجف ويضطرب؟ الذي يخاف يفزع في أمور الدنيا وأمور الآخرة، تلاحظ أنه تقع له رجَّة، {الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم}(الحج : 35) والوَجَلُ هو الخوف الشديد، إذن إذا كان الخوف إحساساً وشعوراً وِجدانيّاً، فالتوبة لا تكون إلا كذلك؛ لأن الذي لا يخاف لا يتوب، ثم التوبة، إحساس بالحنين، وهذا المعنى لا يكون إلا للذي له عاطفة من المحبة لشيء ما، فيشتاقَ إليه ويَحِنَّ إليه، فإذا لم يكن له هذا المعنى لم يستطع تحصيل التوبة، والسبب في أنّا لا نتوب هو أننا لا ندرك ما بقلوبنا من قساوة تجعل المرء لا يُحِسُّ لا بالشر ولا بالخوف، فنحتاج إذن أولاً لغسل هذه القلوب مما عَلِقَ بها من القساوة والجفاء والجفاف، فهي تحتاج إلى ريّ من ماء القرآن، ومن كوثر الإيمان، عسى أن يستيقظ القلب ويشعر أنه إنسان، لو شعر العبد فعلا أنه إنسان لحصلت له توبة بإذن الله، لِمَ؟ لأنه يعرف أن الإنسان خَاسِرٌ إلا أن يتغمده الله برحمته {إن الانسان لفي خسر}(العصر)، ويعلم أن الإنسان محاسَبٌ لتحمله الأمانة {وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا}(الأحزاب : 72) ويعلم أن الإنسان مطالَب بالإيمان من حيث هو مخلوق لخالق واحد {قُتِل الانسان ما أكفره من اي شيء خلقه}(عبس : 17).

فإذن الإنسان محكوم ومشدود بالأغلال من عنقه، {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد}(ق : 16) مشدود بأغلال القضاء والقدر من أوردته ومن عنقه، إذن التوبة في المعرفة الربانية التي نحن اليوم في حاجة إليها، ما نحن محتاجين إليه هو التوبة بالمعنى المعرفي، بما ذكره أهل العرفان العارفون بالله حقاً وصدقاً، حاشى المشعوذين، العارفون بالله الذين عرفوا مقام ربهم، فإذن كي نعرف وليس نعلم فقط، العلم شرط وبه نبدأ وإنما نتم أمرنا بمعرفة ما نعلم، كثير منا يعلم ولكنه لا يعرف ما يعلم، ولذلك كَمْ مِن عالِمٍ عالم يُحصي لك أطنانا وقناطير من العلم، لكن غيابَ المعرفة عن قلبه تجعله، جاهلا بالله من حيث مقامُه، أي من حيث المقام الرباني العظيم، {وأما من خاف مقام ربه}(النازعات : 40) وجُعل المفعول به هنا هو مقام الرب، لأن الناس لا تُلْقِي لربها بالاً، ولا تجعل لمولاها مقاماً ولو أدرك الإنسان حقّاً مقام الرب العظيم، لخَشِيَه ولخافه.

 

يتبع بإذن الله تعالى...

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

كيفية تحصيل التوبة الحقيقية

 

 

1- التوبة تحصل بالاستيحاش أولا :

أول المعارف للتوبة بالمعنى العرفاني، الاستيحاش، وهنا سنبدأ بإذن الله عز وجل في تفصيل كيفية تحصيل التوبة الحقيقية، التوبة النصوح كما سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما تحصل أولاً بالاستيحاش، الاستيحاش من الوحشة، يعني أن الإنسان يحسّ بالغربة، وكيف يحسّ بالغربة؟

لا يشعر بها ولا يدرك حقيقتها إلا إذا تفكر وتدبَّر، ما تيسر له من القرآن الكريم، يتأمل فيه، ويتفكر في خلق السماوات والأرض، فلو تفكر الإنسان حَقَّ التفكر في نفسه أولاً، {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}(الذاريات : 21)، ثم تفكر في خلق السماوات والأرض لأدرك أنه غريب في هذه الأرض، ويُحِسُّ حينئذ، رغم أن الأرض واسعة، بالضيق، وبالحرج، وبالشدة، لِمَ؟ لأنه أدرك أن مُقَامَه في الأرض قليل، قليل، جد قليل، فكلّ شيء فيه عدّ لا طول له، أي شيء يحسب بالحساب يبدأ بواحد اثنين ثلاثة ليس فيه الطول؛ لأن كونه يحسب فهذا يعني أنه سوف ينتهي، لا يوجد في الكون شيء يُحسَب ولا ينتهي، إطلاقا، الله عز وجل ذو الجلال لا يتجزأ، سبحانه وتعالى، ولذلك كان هو الأول والآخر، ليس فيه اثنين، ثلاثة، هو واحد، تبدأ به واحدا وتنتهي به واحداَ، سبحانه وتعالى؛ ولذلك لا ينتهي سبحانه، وما دونه يُعَدُّ عدّا، ويحصى إحصاء، الزمان، الأيام، الأجرام، السماوات، كل شيء محسوب، السماوات سبع، الأرضون سبع، الأيام معدودة، الزمان، كل الزمان.

ما هو الزمان؟ هو عد، واحد اثنين ثلاثة… دقيقة، ثانية، ساعة، يوم، أيام، أشهر، سنوات، قرون… كله عدّ، فأي شيء يُعدّ ويُحصَى إلاّ وينتهي.

2- معرفة الحياة الحقيقية :

إذن حقيقة الإنسان أنه فان، منتهي، إذا كان الأمر هكذا، فلا يبقى للإنسان حقا إلا الذي قدَّمَه لحيث لا ينتهي، يعني : حقيقة الإنسان الباقية هي ما بعد موته، الحياة الحقيقية إنما تبدأ بعد الموت، {يومئذ يتذكر الانسان وأنى له الذكرى}(الفجر : 23)، {يقول يا ليتني قدمت لحياتي}(الفجر : 24)، وهذا من ألطف التعابير القرآنية وأَدَقِّهَا وأعجَبِها، هذا الإنسان الآن يتكلم، متى؟ الكلام في سياق هذه الآية جاء بعد موت الإنسان، فالإنسان مات وجاء الحِساب، بدأ يقول {يا ليتني قدمت لحياتي}، ما حياته؟ هي تلك اللحظة التي هو فيها، أما الحياة الدنيا التي عاشها لم يسمها حياة، فـ{قدمت لحياتي} ليست هي الدنيا، لا، بل الآخرة، هي التي سماها حياة، وهي التي ينبغي أن يُقَدِّمَ لها الإنسان، إذن حينما يكون الأمر هكذا {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان}(العنكبوت : 24)، الحيوان على وزن فَعَلاَن تفيد الامتلاء والفيض، هذا المعنى لـ فَعَلاَن في العربية، ما عَمُرَ وفَاضَ، كسكران، وغضبان، يقول الفقهاء في الحديث، الذي جعل قاعدة >لا يقضي القاضي وهو غضبانفيضان

3- الدنيا في ميزان الله تعالى :

إذن هذه الدنيا في الحقيقة ليس لها قيمة، ولو كانت لها القيمة ما سقى الله فيها الكافر جرعة ماء، لو كانت تساوي عند الله جناح بعوضة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، روى مسلم عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق داخلا من بعض العالية، والناس كنفتيه -أي جانبية- فمر بجدي ميت أسك -أي صغير الأذنين- فتناوله فأخذ بأذنه ثم قال: >أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟

قالوا: ما نحب أنه لنا بشي وما نصنع به؟

قال: أتحبون أنه لكم؟

قالوا: والله لو كان حيا كان هذا أسك فكيف وهو ميت؟

فقال: فو الله للدنيا أهون على الله من هذا عليكملله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها ، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك ، أخطأ من شدة الفرح

يتبع بإذن الله تعالى

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

( ...)

 

 

خــلاصــة

خلاصة القول أن التوبة إنما تكون مَعْرِفةً بالله وبمقامه، وإحساساً بجلاله وجماله، فمن ذاق هذا وأدركَه، كانت التوبة أيسرَ عليه من أي شيء يسير، ومن لم يذقه حتى ولو جاء إلى المسجد وتاب وعاد فتوبته لا تكون توبة نصوحاً؛ لأن التوبة النصوح الحق إنما هي إحساس وشعور، وهذا ما أردت بيانه من حقيقة التوبة التي بابُها إنما بطرقِ باب الذِّلَّة والخضوع لله.

اللهم أرنا الحقّ حقّاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا من التوابين، واجعلنا من المتطهرين، واغفر لنا أجمعين.

وصل اللهم وبارك على سيد الخلق أجمعين.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

موضوع قيم اللهم بارك ونحتاجه

جزاك الله خيرا وبارك فيك

 

رحم الله الشيخ فريد الأنصاري وأسكنه فسيح جناته ()

 

اللهم أرنا الحقّ حقّاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا من التوابين، واجعلنا من المتطهرين، واغفر لنا أجمعين.

 

 

اللهم آمين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

بوركتِ حبيبتي

ورحم الله تعالى الشيخ فريد الأنصاري رحمة واسعة، وجزاه عنا خير الجزاء

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاك الله خير

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

كلمات عميقة، سبحان الله

بارك الله فيك لنقلك الماتع

ورحم الله تعالى الشيخ فريد الأنصاري رحمة واسعة، وجزاه عنا خير الجزاء

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×