اذهبي الى المحتوى

المشاركات التي تم ترشيحها

26165546_532212597132031_1774049924900589820_n.jpg?oh=2834b2fef0fd6d186f1e24ce1d514052&oe=5AF16F0D

 

 

 

أعني بالبيت الجديد:

القبر

وهذه التربية على ذكر الموت وما بعد الموت هي التربية التي نقل بها عمر بن عبد العزيز بني أمية نقلة نوعية تاريخية من الإغراق في الترف إلى الإغراق في العمل، والدواء الذي استطاع أن يعالج بها انحراف الأمة عن نهجها القويم سنين، ووالله ما كان يستطيع عمر أن يفعل ما فعل لولا إشاعة ذكر الموت في القلوب، وذلك عبر سلسلة من المواعظ القولية والمواقف العملية اليومية، ومن ذلك ما رُوِي عنه أنه لما دخل عليه عنبسة بن سعيد بن العاص قال :"يا أمير المؤمنين!! إن من كان قبلك من الخلفاء كانوا يعطون عطايا منعتناها ولي عيال وضيعة، أفتأذن لي أن أخرج إلى ضيعتي وما يصلح عيالي؟!" فقال عمر: "أحبكم إلينا من كفانا مؤونته"، فخرج من عنده، فلما صار عند الباب قال عمر: "أبا خالد!! أبا خالد!!" فرجع فقال:

"أكثر من ذكر الموت فان كنت في ضيق من العيش وسَّعه عليك، وإن كنت في سعة من العيش ضيَّقه عليك".

{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19]

 

gif-sc3a9parateur-fleur-3.png

 

 

 

 

مضاعفات القوة

 

1- اسمع كلام الموتى:

من رأى قبراً فإنما رأى أعظم واعظ وأدوم مذكِّر، وإن كان القبر صامتاً لكنه ناطق، وإن كان جامداً لكنه يحرِّك الجماد، فكأنه إنسان يخاطبك ويبين لك عاقبتك ويقول لك: "يا هذا!! قد كنتُ حيا مثلك ومت وأنت كذلك ميِّت، وضيَّعت أمر ربي وندمت فلا تشبه أخاك في خيبته، ولا تضيِّع أمر ربك فتهلك". ووالله ما وقف عاقل على شفير قبر فرآه محفورا إلا هيأ نفسه أن لو كان صاحب هذا القبر، ولا حضر جنازة فرأى صاحبها يُدَلَّى في الحفرة إلا سأل نفسه: على من يُغلق؟! أيغلق على طائع أم عاصي؟! وعلى أي شيء يُغلق؟! أعلى نار موقدة أم على جنة وارفة؟! إن التفكر والدعاء واجبان لازمان عليك تجاه نفسك وتجاه كل من مررت بهم من أموات؛ من عرفت منهم ومن لم تعرف، وإلا استحققت أن يُطلق عليك لقب الخائن كما في قاموس حاتم الأصم الذي قال: "من مرَّ بالمقابر فلم يتفكر لنفسه ولم يدعُ لهم ، فقد خان نفسه وخانهم".

 

2- ربط الموت بالعمل:

حقيق بالمسافر أن يأخذ أهبة الرحيل وحوائج السفر وما يصلح لمنزل الإقامة المقبل، ويبادر بالعمل خوف المفاجأة، ومن احتدت عين بصيرته زاد في الجد وأحسن اختيار الزاد. يا أخي، كل امرىء على ما قدَّم قادم وفيما شيَّد خالد فما الذي قدمت لنفسك؟! فلا بد لمن ذكر الموت حق ذكره أن يظهر ذلك على عمله جلياً، فما الذي ظهر على عملك؟! إن المنية تقطع الطريق على الأمنية فاقطع أنت عليها الطريق بالعزمة الفتية. لقد أوصانا رسول الله أن نذكر الموت في صلاتنا، فنصلي صلاة مودِّع، وعلى العاقل أن ينسج على نفس المنوال ويفهم ما وراء رسالة الحبيب، فإذا تصدق ذكر الموت فأخلص وأكثر، ثم تواضع، وخشع، وإذا ظلم ذكر الموت فتاب على الفور، وأدى الحقوق إلى أهلها لا يسوِّف، أو ينتظر لأن الموت لن ينتظر، وإذا دعا ذَكَر الموت فدعا دعاء المخلصين من القلب وكأنه آخر دعاء له في حياته

 

 

 

 

3- الدعوة:

إذا صاحب ذكر الموت تحذير الناس مما هم فيه من غفلة، وحثهم على العمل، السعي إلى النجاة مما وراء الموت، فقد تضاعف أثر العلاج وعظم تأثيره في القلب، وانظروا كيف كانت هذه الدعوة صادقة خاصة لمن كان على فراش الموت يحتضر، إنها الدعوة التي أطلقها يزيد الرقاشي عند احتضاره، فأبى إلا أن يصدقنا النصيحة، وهل أصدق من رجل عاين الموت، ورُفِع عنه الحجاب، ورأى أولى مراحل الحساب، وأدار ظهره للدنيا واستقبل الآخرة، واسمعوا: لما احتضر يزيد الرقاشي بكى فقيل له: "ما يبكيك رحمك الله؟" فقال في أصدق لهجة بلا زيف أو تجمُّل: "أبكي والله على ما يفوتني من قيام الليل وصيام النهار"، ثم بكى وقال: "من يصلي لك يا يزيد؟! ومن يصوم؟! ومن يتقرب لك إلى الله بالأعمال بعدك؟! ومن يتوب لك إليه من الذنوب السالفة؟! ويحكم يا أخوتاه!! لا تغترن بشبابكم، فكأن قد حلَّ بكم ما حلَّ بي من عظيم الأمر وشدة كرب الموت، النجاة النجاة .. الحذر الحذر يا إخوتاه .. المبادرة رحمكم الله"

 

 

4- قصر الأمل:

كلنا واقف في طابور الموت ينتظر، إلا أن طول الأمل عمَّ جموع الواقفين، وفارق كبير بين من باغتته مصيبة وهو متحسب لها، مترقب عواقبها، وبين من باغتته المصيبة وهو لاهٍ، فكيف إذا كانت تلك المصيبة هي أعظم المصائب وعواقبها أخطر العواقب، إنها مصيبة الموت، وعاقبتها النار لكل من غفل عنها واستهان بها ولم يتجهَّز لها.

إذا داوم مطالعة قصر الأمل- شاهدٌ من شواهد اليقين يريه فناء الدنيا، وسرعة انقضائها، وقلة ما بقي منها، وأنها قد ترحلت مُدْبِرَة ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابُّها صاحبها، وأنها لم يبق منها إلا كما بقي من يوم صارت شمسه على رؤوس الجبال، ويريه لقاء الآخرة ودوامها، وأنها قد رحلت مقبلة، وقد جاء أشراطُها وعلاماتها، وأنه من لقائها كمسافر خرج صاحبه يتلقاه، فكل منهما يسير إلى الآخر، فيوشك أن يلتقيا سريعًا.

وقصر الأمل بناؤه على أمرين:

تيقن زوال الدنيا ومفارقتها، وتيقن لقاء الآخرة وبقائها ودوامها، ثم يقايس بين الأمرين، ويؤثر أولاهما بالإيثار

 

«كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» (صحيح بن ابن حبان[698]).

لكن لماذا الغريب وعابر السبيل على وجه التحديد وليس غيرهما؟!

والجواب:

الغريب يسكن دار الغربة لكن قلبه دائما متعلق بوطنه مشتاق إليه، فلا يعلِّق قلبه بشيء من هذا البلد الغريب عنه، لأن إقامته فيه مؤقتة حتى يفرغ من حاجته فيعود إلى مستقره على الفور، وكذلك المؤمن غريب عن هذه الدنيا مشتاق إلى الجنة، والغريب دائمًا قليل الانبساط إلى الناس مستوحش، لا يكاد يمرُّ بمن يعرف فيأنس به. أما عابر السبيل فهو أصعب من الغريب حالاً وأقصر منه أملاً، وهو المسافر الذي يمر كل ليلة على مكان يبيت فيه فقط لكونه على طريقه، فهو ليلة في بيت صاحب له، وليلة في بيت من بيوت الله، وليلة لا يجد مكاناً ينام فيه إلا جانب الطريق يفترش فيه الأرض ويلتحف السماء، وهو لهذا خفيف الأحمال لأن سفره شاق طويل لا يقطعه إلا المُخِفّون.

 

5- دوام الذكر:

لقد ذكر الله كلمة الموت ومشتقاتها في القرآن الكريم أكثر من مائة وسبعين مرة، وكأن المطلوب منك ليس مجرد ذكر الموت بل مزيد الذكر، ودوام الذكر، وأثر الذكر، فلا تكن كساكني القبور الذين يشربون ويضحكون ويأكلون؛ دون أن يؤثر فيهم موت جديد بمقدار ذرة، ولا يحرك فيهم شعرة، واعلم أن أحياء القلوب بكل أطيافهم يذكرون الموت؛ أما المحب فإنه يذكر الموت دائماً لأنه موعد لقاء حبيبه، والمحب لا ينسى قط موعد لقاء الحبيب، وأما المجتهدون في العمل الساهرون في بذل الجهد فيذكرون الموت دائما ليقبضوا أجرهم ويودِّعوا تعبهم، وأما الراجون لعفوه الطامعون في كرمه فيذكرون الموت لتنهمر عليهم سحائب رحماته وبشائر إنعامه، وأما الخائفون من تقلب القلوب فيذكرون الموت خوفا من تغير الحال وسوء الخاتمة والمآل. وهي وصية الرسول لنا: «أكثروا ذكر هاذم اللذات: الموت» (بلوغ المرام [150]) أي قاطعها من هدم البناء ، فشبه اللذات الفانية والشهوات العاجلة ثم زوالها ببناء مرتفع ينهدم تحت وقع الصدمات المتتالية، ثم أمر المنهمك في بناء هذا الجدار بذكر وقوع الهدم حتى لا ينشغل بالبناء وينسى ما وراءه.

 

 

 

الدكتور خالد ابو شادى

 

طريق الاسلام

 

26195422_532212667132024_7963792835360229675_n.jpg?oh=ad4ff45a888188adce447a4bf794237b&oe=5AF5C7CF

تم تعديل بواسطة امانى يسرى محمد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أحسن الله إليك على هذه التذكرة المؤثرة .

نسأل الله أن يحسن خاتمتنا ويرزقنا أعالي جناته .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×