اذهبي الى المحتوى
جِهاد

{ مُتًميّز } و أخِيرًا ♥♥ رواية { و تسْتَمرُ الحيَاة ..

المشاركات التي تم ترشيحها

post-39387-1285082043.gif

السلام عليكنّ و رحمة الله و بركاته

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

 

:blush:

 

كما وعدتكنّ - منذ زمن - ها هي اللحظة التي سأرفع فيها الستار عن روايتي و أضعها بين أيديكنّ

 

اعتذر لكل من تابعني منكنّ بالرواية القديمة ، فقد تبدلت الأحداث كما تبدّل الإسم

 

و اعتذر أيضًا على تأخري عليكنّ

 

 

***

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

ZwD25921.jpg

 

 

" الذكريات " هي الشيء الوحيد الذي يستحيل نسيانه ، خاصة تلك اللحظات الهامة و المؤثرة ، أحيانًا يطلب مني والدي فعل شيء ما و أنساه بسرعة ، ربما بعد دقائق فقط من سماعه ، لكن مثلًا أيامي مع صديقاتي ، مواقفي المحرجة ، لحظات الفراق هي ما تظل عالقة بذهني ، تظل موجودة بداخلي صورًا سوداء تمر سريعًا أمامي ، تحرّك مشاعري و تمطر أدمعي ، فهي سواء كانت مبهجة أو مؤلمة لن تعود ، و حتى لو تمنيت عودتها و بكيت لأجل رحيلها فلن تعود ، لأنها لحظات منتهية ، تمامًا كانتهاء عصير الليمون بالكوب ، لا يمكن أن يعود العصير مجددًا و لكن يمكنني ملء الكوب بالعصير مرة أخرى ، فكل لحظة نعيشها تصبح ذكرى بعد انتهائها ، و لذلك ذكرياتنا تتجدد باستمرار ، و برغم الألم يظل الأمل ، و برغم الصعاب تستمر الحياة !

 

 

 

اتذكر جيدًا .. منذ سنتين مضتا .. أمسكت بالقلم و بدأت بكتابة الرواية الأولى .. تناقلت معي من سنة لأخرى .. و من إسم لآخر .. و من فكرة لفكرة .. اتذكر حينما لم يتبق منها سوى الفصل الأخير .. كم تباطأت في كتابته .. فلم اكن ارغب في إنهائها بعد أن رافقتني تلك المدة الطويلة .. أبطالها ، شخصياتها ، أحداثها ، كل شيء بها عالق بذهني .. كأنها ذكرياتي الخاصة ، كأنها مواقفي التي مررت بها .. و لكنّ لابد لكل شيء نهاية .. لذا عملت جاهدة على كتابة الفصل الأخير .. و لم انته منه إلا بالأمس .. و بذلك أتممتها و الحمدلله ، و اصبحت روايتي كاملة بعنوان " و تستمر الحياة " !

 

 

pls25210.png

 

 

 

الفصل الأول (1)

 

الفصل الثاني (2)

 

الفصل الثالث (3)

 

الفصل الرابع (4)

 

الفصل الخامس (5)

 

الفصل السادس (6)

 

الفصل السابع (7)

 

الفصل الثامن (8)

 

الفصل التاسع (9)

 

الفصل العاشر (10)

 

الفصل الحادي عشر (11)

 

الفصل الثاني عشر (12)

 

الفصل الثالث عشر (13)

 

الفصل الرابع عشر (14)

 

الفصل الخامس عشر (15)

 

الفصل السادس عشر (16)

 

الفصل السابع عشر (17)

 

الفصل الثامن عشر (18)

 

الفصل التاسع عشر (19)

 

الفصل العشرون (20)

 

الفصل الواحد و العشرون (21)

 

الفصل الثاني و العشرون (22)

 

الفصل الثالث و العشرون (23)

 

الفصل الرابع و العشرون (24)

 

الفصل الخامس و العشرون (25)

 

الفصل الأخير - السادس و العشرون (26)

 

 

 

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

♥ إهداء ♥

 

إلى من تاه في دوامة الحياة ، و ضلّ طريقه في متاهات السنين ، لاهثًا وراء عيشة وردية حالمة ، جاهلًا أن الدنيا دار بلاء و محن ، و ناسيًا أن سبب وجوده في الكون كما قال الله : " و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون "

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

 

♥ شكر ♥

 

شكرًا عدد زخّات المطر في يوم غائم ، شكرًا عدد النجوم اللامعة في ليل حالك ، شكرًا لك أبي العزيز و شكرًا لكِ أمي الحبيبة ، شكرًا لكنّ إخواتي الثلاث الغاليات ، و شكرًا لكِ جدتي الغالية ، و شكرًا لكل من تابعني و حثني على الإستمرار ، شكرًا لكم على نصائحكم و توجيهاتكم و تشجيعكم لي ، شكرٌ و دعواتٌ تترى لكم .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

و عليكم الـسلام ورحمـة اللـَّـه و بركـاتـه,,

 

 

ماشاء اللـَّـه تباركـ اللـَّـه لا قوة إلا بـاللـَّـه

يبـدو أنها رااااائعه جداً^_^

 

إنتـظرينى إن شاء اللـَّـه لقـراءتها كلـها و المتابعه معـكـِ بإذن اللـَّـه

 

جزاكـِ اللـَّـه خيراً:)

 

 

 

 

هقوم أنااااااااام بقى إن شاء اللـَّـه)ى :blush: ))( :mrgreen:

تم تعديل بواسطة جسر الأحبة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

في يوم التخرج ، وقف ثلاثتهنّ أمام المصلى طويلًا ، تأملوه بحب ، و الذكريات تتوالى عليهم ، مسحة من الحزن غلفت ثناياهم ، لكنهم ولجوا إلى داخله بجرأة و ثبات ليهب عليهم عبق الذكرى القديمة التي طغت تمامًا على رائحة الطيب و البخور الزكية : في هذه الزاوية كنا نجلس معًا نتبادل أفكارنا و اقتراحاتنا التي من واجبها النهوض بالمصلى و إعلاء شأنه .

 

هكذا قالوا و ابتسم ثلاثتهنّ ثم جلسنّ في أماكنهنّ المعتادة على شكل المربع الذي لم يكتمل ، ناظروا المكان الخالي بحسرة ، و لم يلبثن الكثير إلا و كان الماضي يعيد أحداثه !

 

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

 

الفصل الأول

(1)

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

 

 

حالة الجو اليوم تبدو رائعة ، و الطقس متزنًا برغم تلك الغيوم المتزاحمة في الفضاء و التي تنذر باحتمال هبوط المطر في أي لحظة ، فالأمطار الغزيرة و الرياح الثائرة التي لازمت المدينة الأسبوع السابق جعلت الجميع يفرح بتلك الهدنة و ذلك الجو " الربيعي " الهادئ كما اطلقت عليه سارة !

 

في منزل متواضع على مساحة مربعة من طابقين ، وقفت السيارة في موضعها وسط الحديقة ، أغلق أبو خالد المحرك و تناول حقيبة حاسبه المحمول ، في حين خرجت سارة من السيارة و قد شق صراخها السكون الذي يلف الحي :

- أبي أرجوك إنها درجة واحدة و لن تحدث فرقًا كبيرًا

- إنها دومًا تبدأ بدرجة ، ثم تصعد إلى درجتين ثم إلى ثلاث ثم إلى أربع حتى تفقدي السيطرة على الوضع تمامًا

 

تذمرت سارة و دلفت إلى المنزل بغضب ، ألقت بالحقيبة على فراشها و ارتمت عليه بإحباط ، لقد حصلت اليوم على درجة جيد جدًا بدلًا عن درجة ممتاز التي اعتادت عليها في مادة الكيمياء ، و لكنها كما تقول ليست نهاية العالم و بإمكانها تدارك الأمر بمهارة و لكن ليت والدها يقتنع بهذا بدلاً عن ذاك التوبيخ الذي لاقته منه

 

في غرفة الطعام جلست العائلة بهدوء على المائدة ، سحبت سارة مقعدها المقابل لمقعد شقيقها خالد و جلست بعد أن اغتصبت تنهيدة من أعماقها ، و إثرها سألت " أم خالد " بقلق : هل من مشكلة حبيبتي ؟

 

- نعم ، انظري إليها ، إنها ابنتكِ التي علقنا عليها آمالنا الكاذبة

التفتت إلى زوجها مندهشة من لغته المحبطة ، فمسح على وجهه بعجز و قال : حصلت على درجة جيد جدًا

 

وضعت بعض الطعام في طبقها و قالت بحنان : سارة ، تعلمين بأنكِ لابد أن تجتهدي حتى تحصلي على درجة ممتاز في إختباراتكِ النهائية ، مستقبلكِ كطبيبة ينتظركِ فلا تخذلينه

 

- أمي ، أنا لن أكون طبيبة ، إنها المرة المليون التي أقول لكم فيها بأني لا أريد أن أكون طبيبة

امتعض أبو خالد بينما أجابتها والدتها : حبيبتي ، أنا واثقة بأنك ستغيرين رأيكِ يومًا ، ربما تقولين هذا الآن لأنك مازلت صغيرة و لم تنظري للأمر بجدية بعد

 

عقدت سارة يدها كالأطفال و صاحت باعتراض : لست صغيرة

ضحكت والدتها ، في حين مد خالد طبقه إلى أمه : أمي ، أريد المزيد من اللحم

- و أنا أيضًا .

هكذا هتفت حلا ، فعبس خالد في وجهها : لا تقلديني .

صاحت معترضة : لا أقلدك ، أنا جائعة .

 

إنها أسرة سعيدة متكاتفة برغم تلك الاختلافات التي تحدث غالبًا بين سارة و والديها الذيّن يصران على رؤية ابنتهما طبيبة يومًا ما ، ربما هي أيضًا تشاحنات داخلية كون سارة لا تستطيع التآلف مع أسرتها بشكل تام .

 

لقد بدأت الزهور في تلك البقعة بالذبول بعد أن كانت زاهية متفتحة ، إنها من أشرفت عليها و واظبت على رعايتها حتى نمت ، جلست أمامها بخضوع و تلألأت عيناها بدمع شفافي ، فبرغم إيمانها بأن الربيع لا يستمر و لابد بعده من شتاء قارص و برد لافح إلا أنها لم تستطع منع نفسها من الحزن رثاءً لحال تلك الزهور التي أضناها جو الشتاء بصقيعه و عواصفه ، اقتلعت زهرة من بين الزهور و تأملت شحوبها و انكماش أوراقها الوردية ، تلك الزهور لا تملك من أمرها شيئًا ، إنها تمتع الناظر إليها لوقت محدود من الزمان ثم تذبل و يحل مكانها زهرة أخرى جديدة ، إنه أمر مؤلم بالفعل خاصة لسارة التي خلت نفسها في موضع تلك الزهرة

 

تناولت زهرية صغيرة و وضعت بها الزهرة بعد أن ملأتها بالماء ، ثم تركتها على الطاولة الزجاجية بجانب فراشها الوثير الذي ناداها للنوم ، و غطت في سبات عميق !

 

***

 

و لم يتوقف الزمن ، كانت الشهور تنطوي ، و الأسابيع تمر ، الساعات تنقضي و الدقائق تدق ، رحل عام بما احتواه و حل عام آخر جديد .

 

فها هو العام الدراسي الجديد قادم بعد أسبوع تقريبًا وسط الاحتفال الروتيني المعتاد و المهرجان الضخم المسمى بــ ( عودة المدارس )

و هاهي المحلات التجارية المختلفة قد اكتظت بمختلف الأدوات المدرسية من أقلام و ألوان و كراسات و دفاتر و كذلك بالحقائب الملونة المتنوعة التي يقف أمامها الطلبة باحتيار أيها يأخذ و أيها يترك ؟!

 

مسح خالد على شعره الأسود بقلة حيلة و هو يمسك بحقيبة رمادية و أخرى زيتية اللون يتفحصهما بدقة ، جاءته حلا من بعيد قائلة : خالد هيا بسرعة ، سنذهب الآن .

 

تأفف خالد : إنني لم اختر الحقيبة بعد .

اتجهت إليه سارة بخطوات هادئة و همست بحنان : لماذا ؟ هل أنت محتار بينهما ؟

- نعم ما رأيك أنتِ ؟

امسكت بالرمادية في يدها و تأملت في الزيتية بيده ثم قالت : كلاهما رائعتين .

- اعلم هذا ، لم تفيديني بشيء

- لا تكن مترددًا هكذا ، اختر إحداهما و توكل على الله .

- و هذه هي المشلكة ، فأيهما ساختار ؟

هتفت حلا و هي تشير إلى حقيبة سماوية معلقة وسط الحقائب : هذه رائعة .

التفت خالد و تهلل وجهه حينما رآها : رائعة فعلا ، كيف لم ألاحظها ؟

ثم تناولها و شدته سارة من يديه : هيا بسرعة قبل أن تغير رأيك .

ضحك خالد و سار بجانبها تسبقهما حلا التي تتقافز بسعادة ، فقد وافق الوالد أخيرًا على شراء الدب الأبيض الضخم لها و الذي طالما تمنت الحصول عليه .

 

يوم الغد و الموافق السابع و العشرين من شهر سبتمبر هو بداية العام الدراسي الجديد

و لكم أن تتخيلوا جميعًا مدى استياء الطلاب من ذلك ، و خاصةً الطالبة القديرة سارة !

 

ربما ما كان يخفف عنها استيائها قليلًا أنها و أخيرًا ستجتمع يوميًا برفيقتها العزيزة أصايل ، إنهما أصدقاء منذ الطفولة ، منذ كانوا في المرحلة الإبتدائية فإن الجميع يطلق عليهم لقب ( الثلاثي المرح ) ، و لكن الثالثة رحلت لظروف عمل والدها إلى بلد أجنبية و بالتحديد إلى الولايات المتحدة الأمريكية .

 

لم يسمعوا عنها أخبار منذ فترة ، كانوا في البداية حريصين على إرسال الرسائل البريدية لها من وقت لآخر ، و لكنهم لم يجدوا أي تجاوب منها و لذلك آثروا أن يتوقفوا عن فعل ذلك فربما أن هذا الأمر يزعجها و يسبب لها المشاكل أو ربما أن الرسائل لا تصلها أصلًا !

 

برحيل دانة و هجرتها ، تلاشى لقبهم المشهور تدريجيًا و تحول إلى لقب بدا سخيفًا و باردًا بعض الشيء ، إنه لقب ( الثنائي المرح )

 

تنهدت سارة بحزن ممزوج بالشوق : هل من سبيل لعودته ؟

كانت تجلس بجانب أصايل على مقعد خشبي بحديقة المدرسة ينتظران بدء الدوام المدرسي فعليًا

فالتفت لها أصايل متعجبة : من تقصدين ؟

- الثلاثي المرح !

- هل تقصدين اللقب ؟

أومأت برأسها لتقول أصايل : عزيزتي ، يجب أن ننساها تمامًا كما نستنا هي ، أراهن على أنها قد اتخذت لها ( بوي فريند ) في المدرسة أو صديقة غيرنا بالطبع .

 

رمقتها سارة بلوم ثم مسحت بيدها دمعة أبت إلا أن تندفع من عينيها الحزينة : إنني أثق بها ، أثق بها تمامًا ، إنها لن تفعل ذلك و لم تنسانا ، لابد و أن هناك مشكلة ما !

 

حركت أصايل كتفيها بلامبالاة ثم وقفت و هي تقول : لنذهب إلى الصف ، لم يتبق الكثير من الوقت .

تبعتها سارة تجر خطاها بتثاقل ، و عقلها يحوم حول ذكريات مضت حيث كان الثلاثي المرح يستقبلون أول أيامهم في المدرسة الإعدادية .

 

- هيي ، أنتِ ! إنه مقعدي ، ألا ترين حقيبتي ؟

انتبهت سارة لصراخ أصايل بجانبها ، و نظرت فإذا بدلال قد جلست على مقعدها .

انطلقت ضحكة صاخبة منها و قالت بمكر : تقصدين كان مقعدكِ ، إنه مقعدي الآن عزيزتي .

تضجرت أصايل و بدت مستعدة تمامًا للهجوم عليها و إفتراسها ، في حين تقدمت مريم من الطرف الآخر و قالت و هي تسحب دلال من يدها : دلال ، أخبرتكِ بأنكِ ستسببين المشاكل ، تعالِ و اجلسي معي هناك .

 

سحبت دلال يدها بقوة من قبضتها : لا ، يعجبني هذا المكان .

تأففت و استنكرت : بربك دلال ، لم تحبين المشاكل إلى تلك الدرجة ؟

 

تقدمت دلال بخطواتها المتباعدة السريعة و قد ارتسمت على وجهها ابتسامة ساخرة استفزت أصايل للغاية

كانت أشبه بالصبيان و هي تسير محركة كتفيها و يديها بغلظة ، في حين كان شعرها قصيرًا للغاية منتصبًا لامعًا إثر المثبت الذي ثبتت به شعرها في وضع أشبه بالجنون !

 

قالت بصوتها الخشن و قد وقفت على بعد خطوات من أصايل : لا أنصحكِ بأن تتجرئي و تجلسي في مقعدي ، سأذهب إلى دورة المياه ثم أعود .

 

قبضت أصايل أصابع يدها في استعداد تام للكمة تطيح بأنف دلال ، و لكن سارة أمسكتها بهدوء لتثنيها عن فعلها الذي لن يكون طيب النتائج بالتأكيد بجانب أنه أول يوم لهم في المدرسة و يجب أن يتركوا انطباع جيد بنفوس الجميع .

 

توجهت إليهما مريم و هي تمد لهم يدها للمصافحة ، صافحتها سارة و امتنعت أصايل عنها

قالت مريم : لا أحبذ لكما أن تخوضا في مشكلة مع دلال .

ثم ترددت بعض الشيء : حسنًا ، إنها عصبية و سريعة الغضب ، و كما ترون فإنها قوية و قد يؤدي الشجار معها إلى إصابة أحدكما بعاهة دائمة .

 

تألمت سارة من كلامها ، فمن جهة لم تكن تتصور أن تقول صديقة عن صديقتها هذا الكلام ، إلا أن كانت تعده من قبيل المدح ! و من جهة أخرى كانت تأسف على وجود تلك النوعيات من البشر بين الفتيات على الأقل الذين من المفترض أنهم مثال للنعومة و الرقة ، و لكن حينما لحمت دلال عائدة للصف و رأت هيئتها الصبيانية تمتمت بأسى : إنها صبي بلا شك .

قالت أصايل بتقزز : أمر مقرف !

ضحكت مريم بميوعة مبالغ فيها و تسللت إلى مقعدها بهدوء قبل أن تدخل دلال إلى الصف و تتابع حديثها الماكر : إنك مطيعة ، يعجبني عدم تهوركِ يا .. ؟

جلست على المقعد و نظرت لأصايل منتظرة أن تخبرها باسمها ، و لكن الأخيرة لم تعرها اهتمامًا فقد تناولت حقيبتها من على الأرض و خاطبت سارة : لنجلس هناك ، هذا المكان جيد أيضًا .

 

تناولت سارة حقيبتها من فوق المقعد الملاصق لمقعد اصايل السابق أو بالأحرى مقعد دلال الحالي ، في حين همست دلال في أذن سارة بشكل جعل سارة تنفر و تتقزز منها : لم لا تجلسي بجانبي يا حلوة ؟

 

إن من الأمور التي تتميز بها سارة نظراتها العميقة بعينيها السوداويتين ، التي تشعرك بانتمائك لهما كما لو أنها تنومك مغناطيسيًا لتعلم ما يدور بداخلك من مشاعر !

 

ارتبكت دلال من نظرات سارة المشفقة التي تلومها بصمت و حاولت أن تسحب عينها و لكنها لم تستطع إلا بعدما ولتها سارة ظهرها متجهة إلى أصايل .

 

تعجبت دلال و قبل أن تتفوه بكلمة كانت مريم تضع حقيبتها على المقعد الذي انسحبت منه سارة و تتذمر : أيعقل أن تكون نوف غائبة اليوم ؟ىلقد حادثتها بالأمس ليلًا و أخبرتني بأنها لن تغيب ، أتساءل إن كانت تكذب علي ، فأنا على أية حال لا أصدقها .

 

زفرت مريم بضيق ، وقفت في مكانها و قالت : فلتحترق هي و أكاذيبها اللعينة ، دلال لنخرج من الصف ، الجو خانق !

 

التفتت لدلال التي كانت شاردة بالكامل في عالم خاص جدًا يحاول تفسير أمر تلك النظرة ، إنها تكاد تجزم بأنها ليست عادية أبدًا ، ربما تكون ساحرة ! أو ربما تكون جنية ! لا ، إنني أحبذ كونها ( عفريت العلبة ) !

 

انطلقت ضحكتها الصاخبة ترج الصف ، ناظرتها مريم باستنكار في البداية ثم ابتسمت و تأبطت ذراعيها إلى الخارج .

 

رمقت دلال سارة بنظرة جانبية متكبرة فما كان من سارة إلا أن ابتسمت و تمتمت بخفوت : الله يصلح حالها !

أفاقت أصايل من شرودها : ها ؟ هل قلت شيء ؟

- لا ، سلامتك !

 

دخلت المعلمة و من ورائها البنات يضحكن و يعلقن على لباسها الأشبه بلباس المهرج في السيرك ! حسنًا إن ألوانه كثيرة بالفعل و لكنها تدرجت بشكل عشوائي جعل المظهر العام مقبول نوعًا ما ، إلا أن سارة كانت تراه أنيقًا ، و لكل شخص ذوقه الخاص ، فقد قالت أصايل فور رؤيتها : إنها أشبه بالببغاء !

 

كتمت سارة ضحكة كادت تفلت منها ، ثم نظرت لأصايل مؤنبة : استغفري الله ، لقد اغتبتيها .

تمتمت أصايل : استغفر الله ، و لكن ألا ترينها مضحكة ؟

 

لم تعلق سارة في حين قالت المعلمة : السلام عليكم .

و بدأت نغمة السلام المعروفة تصدر من أفواه البنات ببطء يقطر مللًا .

 

جلسن ، و عرفت على نفسها ، إنها معلمة الفيزياء ، المعلمة ( نورة )

و قد كانت " كتلة من الغرور " كما وصفتها أصايل بعد انتهاء الدرس ، فإنها لم تكف عن الحديث حول إنجازاتها و تقدير مديرة المدرسة لها و حب الطالبات لها و .... إلى آخره من هذه الأمور ، حتى كادت تقول أن لها الفضل في اكتشاف نيوتن لقانون الجاذبية !

 

- هل تعرفين المقولة التي تقول " لا تتحدث عن أفضالك ، بل اجعل الآخرين يتحدثون بها " ؟

نظرت سارة إلى أصايل و انشق عن ثغرها بسمة رقيقة : مقولة رائعة ، تعجبني كثيرًا .

 

ضغطت أصايل على رأسها بيدها و تأوهت : آه ، إن حديثها أصابني بالدوار ، أحتاج إلى كوب من عصير الليمون .

 

قطبت سارة حاجبيها : لقد مللت من عصيرك هذا ، لم أر أحدًا يحب الليمون كما تحبينه .

قالت بسعادة بالغة : ليمونتي الصفراء ليمونتي الحلوة في كوبي الأخضر .........

 

إنه لحن أصايل المعروف في نشيدها عن الليمون الذي تعشقه ! حاولت سارة مرارًا أن تعرف منها سبب حبها له و لكنها لم تفلح ، مما يجعل الأمر سخيفًا كما تقول سارة و مع ذلك فإنها تحب أحيانًا أن تصنع لها أصايل واحدًا ، فهي بالفعل ماهرة في إعداده .

 

***

 

دلفت إلى الصف بثقة يزين محياها إبتسامة رقيقة ، قالت بالإنجليزية : صباح الخير .

أجابها المعلم : صباح الخير دانة .

و قال مارك ساخرًا : صباح الخير أيتها القديسة .

فما كان من دانة إلا أن تجاهلته و جلست بجانب زميلتها لارا بإحتشام ، في حين نظر له عبد الله مهددًا ثم بدأ الدرس .

 

إن صفها الدراسي يضم ثلاثة عشر طالب ، و إثني عشرة طالبة ، إنها الفتاة الوحيدة العربية ، في حين أن عدد الفتيان العرب ستة .

رنّ الجرس معلنًا بدء وقت الإستراحة ، فصحبتها لارا خارج مبنى المدرسة ، ثم تركتها و ذهبت مع صديقاتها ، جلست دانة أعلى السلالم عند مبنى المدرسة وحدها ، لم تكن تحبذ الخروج إلى الساحة كي لا تحتك بالفتيان كثيرًا و خاصة السخفاء منهم .

 

شرعت تتناول فطورها بهدوء و هي تتأمل الطلاب في الساحة الواسعة ، مرّت عليها الذكريات القديمة بحلوها و مرّها ، استنشقت الهواء بعمق و قبل أن تزفره سقط عليها ماء غزيرًا من الأعلى ، فصرخت و ابتعدت عن مكانها ، و عندما نظرت إلى الأعلى كان مارك و شلته يضحكون بسخرية .

 

دمعت عيناها حينما علمت بأنها ضعيفة أمامهم و لا تملك من أمرها شيئًا ، اتجهت إلى دورة المياه الخاصة بالطالبات ، و تبعها مارك حسب خطته من حيث لا تشعر به ، وقفت أمام المرآة ، كان الحجاب مبللًا تمامًا ، خلعته بهدوء ، و تركت شعرها القصير ينسدل بنعومة ، كتم مارك أنفاسه و طلّ برأسه من الباب ، تصنم تمامًا حينما رأى فتاة فائقة الجمال تقف عند المرآة ، شعر أسود بلون الفحم ، ناعم لامع ، زاد من جمال وجهها الأبيض بملامحه الصغيرة الرقيقة ، أعادت ربط حجابها المبلل على رأسها ، ثم خرجت ، و عندما رأت مارك يقف بالخارج نظرت له بريبة فقهقه ساخرًا ، و بلحظة غضب رفعت يدها و قد اجتمع في قلبها كرهًا و حقدًا عجيبًا لذلك المخلوق الماثل أمامها و هوت بها على وجهه صافعة إياه بقوة ، ثم أسرعت بالهروب من أمامه إلى مخبأها خلف مبنى المدرسة ، تبكي بصمت .

 

أما مارك فقد لبث لثواني مذهولًا بشدة ، و حينما لمح عبد الله و شلته قادمون نحوه ، ارتعد خوفًا ، فلو كانت تلك الفتاة الضعيفة تملك تلك القوة فما بالك بهم ؟!

 

أمسكه عبد الله من قميصه و قال غاضبًا : ماذا فعلت بها أيها الحقير ؟

أغمض مارك عينيه باستسلام و لم يتكلم ، فصرخ عبد الله : إني لأقسم بالله يا مارك إن كنت قد مسستها بسوء لترى مني ما لم تره من قبل .

دفعه بقوة فارتطم بالحائط و سقط على الأرض ، هتف عبد الله في أصدقائه : ابقوا معه هذا الحيوان ، سأذهب إليها بصحبة لارا .

 

كان عبد الله يعرف جيدًا أين تختبئ دانة دومًا ، اتجه إليها بهدوء تتبعه لارا ، و وقفا أمامها ، و حينما لمحت ظلهما رفعت عيناها الملبدة بالدموع إليهما ، فسألها عبد الله : هل أنتِ بخير ؟

اومأت برأسها ، فقال : ماذا فعل بكِ مارك ؟ و الله إن كان قد مسّك بسوء سنريه جزاء صنيعه .

هتفت دانة : لا لا ، إنني بخير .

سألها حائرًا : إذن ، لمَ تبكين ؟

- لأنني ضربته .

- ضربته ؟

هكذا صاحت لارا متساءلة ، فاومأت برأسها في ألم ، رمش عبد الله بدهشة ، ثم قال بظفر : لقد نال جزاءه إذن ، أحسنتِ دانة .

همست دانة متجاهلة لكلامه : كنت غبية للغاية عندما صفعته ، كان يجب علي ألا أفعل هذا ، إنني هنا أمثل ديني الإسلام ، كان يجب أن أعامله بالحسنى حتى لو أساء إلي .

 

تنهدت بألم ثم قالت برجاء : أرجوك أبلغه اعتذاري .

تعجب عبد الله منها ، و استحقر نفسه التي كانت ستسحق مارك قبل قليل ، و لكنه ابتسم : حسنًا لنذهب إلى الصف ، لقد قاربت الإستراحة على الإنتهاء .

 

تقدمهما عبد الله ، إلى مبنى المدرسة ، عادت هي و لارا إلى الصف ، و ذهب هو إلى حيث مارك و أصدقاؤه ، تقدم عبد الله إلى مارك و قال بمكر : هل تعلم ماذا قالت القديسة يا مارك ؟ إنها تبكي لأنها ضربتك ، لأنها مسلمة و ملتزمة بحجابها فإنها تبلغك إعتذارها .

تنهد و أكمل بغيظ : لولا عفوها عنك لكنت سحقتك .

 

و سرعان ما تركه ذاهبًا إلى الصف و معه أصدقاؤه فقد نال الإهانة الكافية لجعله يبتعد عنها و يكف عن مضايقتها أو حتى مناداتها بالقديسة فأن يكون شابًا تحت رحمة فتاة أمر مؤلم خصوصًا لمن كان يظن نفسه شجاعًا و جريئًا كمارك ، سأله سامح : أهذا صحيح ؟ هل ضربته دانة ؟

- نعم ، لقد صفعته .

فهتف بحماس : ماشاء الله عليها قوية .

رفع عبد الله إحدى حاجبيه بإستنكار في حين ضحك الجميع و دلفوا إلى الصف متجهين إلى مقاعدهم .

 

و بعد قليل دخل مارك منكس الرأس و جلس مكانه بهدوء دون أن ينبس ببنت شفه ، لقد نال ما يكفيه اليوم ، و لزوم الصمت هو أنسب حل بالنسبة له .

 

عادت إلى المنزل تجر خطاها الثقيلة و تستعيد كل ما حدث معها في المدرسة ، يخفق قلبها بقوة كلما تتذكر كيف صفعت مارك على وجهه ، تنهدت و أخرجت مفتاح المنزل من حقيبتها ثم فتحت الباب و دلفت بهدوء : السلام عليكم .

 

وقفت في بهو المنزل بحزن ، كان المنزل موحشًا كعادته ، اتجهت إلى غرفتها بدلت ثيابها و مشطت شعرها و رسمت على وجهها إبتسامة واسعة ، ضحكت على مظهرها أمام المرآة ، ضحكت بصوت عال في محاولة منها لنسيان همومها لبرهة من الزمن .

 

كان وراءها أطنان من الأطباق و الأكواب لتنظفهم ، و غرفة الضيوف التي عثى أصحاب والدها فيها فسادًا ليلة البارحة ، نظرت إلى المطبخ بإستياء ، بماذا ستبدأ ؟ هل تبدأ بطبخ الغذاء ؟ أم تنظيف الأطباق ؟ أم ترتيب الطاولة و تحضيرها ؟ كان عليها أن تنظم وقتها بدقة و هي ماهرة في ذلك بالفعل .

 

***

 

قضمت سارة فطيرة الجبن بتأني ، في حين سألتها أصايل : سارة ، ماذا بكِ اليوم ؟ لست كعادتكِ .

ابتسمت سارة بشحوب : إنها دانة ، يقلقني أمرها كثيرًا .

 

تضجرت أصايل : أوه ، دعكِ منها سارة .

- و لكني لا أتحمل فكرة كونها تعاني من مشكلة ما .

أجابتها بغضب : أية مشكلة تلك التي تتحدثين عنها ؟ إنها سعيدة هناك ، أجزم لكِ بهذا .

ثم أشاحت بيدها : لا تشغلي بالك بها تلك الإنسانة الخائنة .

 

انقبض قلب سارة لكلمة أصايل الأخيرة ، و آثرت الصمت .

تذكرت دانة بشعرها القصير الأسود و ثرثرتها المستمرة ، ضحكها ، مزاحها ، اشتاقت لكل شيء بها حتى بكائها و غضبها !

 

كانت هي من اختارت لقب ( الثلاثي المرح ) ، و بعد رحيلها لم يعد لوقع الإسم عليهم نشوة كالسابق .

 

يوم رحيلها كانت تبكي ، لا تزال سارة تتذكر كلماتها : " أنا خائفة يا سارة ، خائفة مما قد يقابلني هناك ، أشعر بخطر ما يقترب مني "

 

أظلت سارة غمامة حزن كثيفة ، تكورت في مقعدها و بدأت ببكاء عجزت أصايل معه من تهدئتها فاستسلمت و شرعت تفكر بهدوء !

 

- أصايل ؟

- نعم .

- أنت تعرفين أن حدس دانة قوي جدًا ، لقد كانت تشعر بالخطر قبل وقوعه ، كان يبدو عليها القلق ، هل تتذكرين كلماتها الأخيرة ؟

نظرت أصايل إلى عيني سارة الملبدتان بالدموع الشفافة ، حاولت أن تتذكر ، و لكن ذاكرتها لم تسعفها أبدًا

حركت رأسها أسفًا : لا أتذكر .

 

- يا إلهي ، ماذا بكم ؟

نظرا إلى مصدر الصوت ، كانت هي تلك الفتاة الرشيقة القوام ، ذي الحركات الناعمة و الضحكة المائعة مريم ، إنها لا ترق أبدًا لأي من أصايل و سارة .

 

اقتربت منهم : هل بسبب ما فعلته دلال ؟

- إنها لا تعي بالفعل ما تفعله ، فهي لا تقصد إيذاؤكما هذا أسلوب تعاملها مع الجميع ، لقد تشاجرت لتوها مع فتاة في الصف المجاور حتى أن ذراعها قد كسر على ما يبدو !

 

ابتسمت سارة بامتنان : إنه سبب آخر عزيزتي ، كما أنني واثقة بأن دلال فتاة طيبة للغاية .

رفعت مريم حاجبيها بتعجب و لم تعلق على كلامها ، بينما انسحبت دلال بصمت من أمام باب الصف إلى دورة المياه تذرف دموعها وحيدة .

 

بعد أربعة دروس أخرى ، حاولت سارة فيها بأن تنعش نفسيتها و نفسية أصايل كذلك من خلال تذكر أيامهما معًا في الإجازة ، بالمخيمات النسائية أو الدروس الدعوية أو حديقة الحيوان التي تحب سارة أن ترتادها دومًا ، دق الجرس أخيرًا معلنًا نهاية اليوم الأول ، ببداية جديدة ناقصة كالعادة للثلاثي المرح ، إن الأمر أشبه بالمثلث الذي اختفى ضلع من أضلاعه فلم يعد مثلثًا أو شكلًا له قيمة في عين الناظر إليه !

 

أبو خالد حريص على أن يقل أولاده بنفسه إلى المدرسة و إلى المنزل ، و هذا لكثرة الحوادث المرورية في البلدة و التي زادت معدلاتها في الآونة الأخيرة ، إن الجميع هنا يقود السيارات بسرعة جنونية يبدو معها و كأنك تلعب لعبة السيارات المتصادمة في الملاهي ، الفرق الوحيد هنا أنها تُلعب على أرض الواقع !

 

وصلوا أخيرًا ، و كانت سارة هي آخر من دخلت إلى المنزل ، التقطت أذناها الموسيقى الهادئة التي تفضلها والدتها فزفرت بضيق ، مزاجها حاليًا سيء للغاية و حديث خالد مع والدها في السيارة زاد ضيقها ، كانا يتناقشان حول فيلم رعب جديد نزل في الأسواق و قد نويا على شراؤه و مشاهدته في سهرة الخميس القادمة ، أو الذهاب إلى السينما لمشاهدته ، و هذا يعني صدام منتظر مع أسرتها !

 

في غرفتها حاولت طرد كل همومها عنها ، تنهدت بعمق و تلت قول الله : " إن مع العسر يسرًا " ، ثم اتجهت إلى غرفة الطعام بحيوية مصطنعة .

 

- كيف كان يومكِ عزيزتي ؟

استقبلت أم خالد أسرتها الرائعة المثالية - كما تصفها هي – بترحاب و حب كعادتها ، و على مائدة الطعام بدأت تسألهم و تطمئن على أحوالهم .

 

- كان يومًا رائعًا ، الحمد لله

ابتسمت و وجهت السؤال ذاته لخالد الذي قال و هو يبتلع ملعقة من الأرز : لا بأس به ، لقد فوجئت بأن سعود انتقل إلى مدرستنا ، لقد سررنا أنا و زياد لذلك كثيرًا .

 

بدا على وجه خالد الارتياح التام بخلاف وجه سارة الذي كان ينطق بحزنًا تحاول جاهدة إخفاؤه ، و مع ذلك فقد كانت راضية في قرارة نفسها ، إنها فحسب قلقة على دانة الذي كان كلامها الأخير يتردد على مسامعها بلا رحمة حتى أصابها الصداع و غطت في نوم متقلب على سجادة الصلاة !

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،،

 

:) :) :)

اللهم بارك !! وأخيرًا إلى النّور ..

حتمًا لي مكان هنا أرقبُ هذا الجّمال .. بوركت وبورك المِداد أيا غالية.

>> لم اقرأ بعد ، ولكن لم اشأ المُرور دون ردٍ لهذا الترتيب الرّائع الرقيق :)

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بورك فيكِ أختي الحبيبة...

 

تسلسل الأحداث جيد، وطريقة الكتابة تجعل القارىء يعيش داخل القصة،

 

ولكن،

 

إلى أي شيء يرمز العنوان "وتستمر الحياة"؟

 

في انتظار باقي القصة أختنا الحبيبة (:

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

ما شاء الله تبارك الله

 

ما أروع قلمكِ يا رائعه انتي

 

سطور ذهبيه فعلا

 

الله يحفظكــــ ...

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،

 

بارك الله في قلمكِ يا غالية :)

بداية جميلة وسرد راائع ، متابعة معكِ بإذن الله .

سعيدة جداً بعودتك من جديد ، عودا حميدا ^^

 

تابعي بعون الله .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

قرأتها كاملةً ثمّ عدتُ ..

تبارك الله !! أحداث متسلسة مترابطة بعضها على بعض :) فقد عشتُ ذلك الجو في القصّة.

 

ولكن ، ما أحزنني ..

إلتزام أسرة سارة :( فأصبحت هي الملتزمة الوحيدة في أسرتها !! >> خلاف الرّواية الأولى.

ولكن لن أستبق الأحداث ، بل أتابع بصمت الجديد فلا تتأخري علينا :)

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

نقابي غايتي

أنتِ الرائعة

تسعدني متابعتكِ لي ♥

جزاكِ الله خيرًا

 

غاليتي / أمل الأمّة

جزاكِ الله خيرًا على كلماتكِ الرقيقة ♥

و عذرًا لأني بدّلت الأحداث لكن .. تابعيها للنهاية (^_^)

ربي يسعدك ♥

 

مروة يحيى

حياك الله عزيزتي ♥

العنوان يشرح نفسه ، و بعد قراءة الرواية كاملة ستفهمين المعنى بشكل أوضح إن شاء الله (^_^)

جزاكِ الله خيرًا ♥

أسعدني ردكِ

 

s-amira

أنتِ الرائعة حبيبتي ♥

جزاكِ الله خيرًا

سعيدة بمتابعتكِ ♥

 

عزيزتي / مسك الريحان

وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته

و أنا سعيدة جدًا بمتابعتكِ لي من جديد (^_^)

الله يسعدك ، جزاكِ الله خيرًا ♥♥

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

 

الفصل الثاني

(2)

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

 

 

- أصايل هيا استيقظي ، لقد أذن الفجر .

طرق باب غرفتها عدة مرات ، و لكنها لم تجب ، بدأ القلق يتسرب إلى نفسه بعد أن كان قد استشاط غضبًا ، حاول أن يفتح الباب لكنه كان مغلقًا ، زفر بقلق ، خاله و زوجته نائمين الآن و ليس من اللائق إيقاظهما ليحصل على المفتاح الاحتياطي لغرفتها ، هذا إن وُجِدَ .

 

و من بعيد سمع إقامة الصلاة فانتفض و خرج مسرعًا إلى المسجد .

داخل الغرفة كانت أصايل تغط في نوم عميق ، بينما كان كوب الماء الفارغ على الأرضية و صورة والديها مع دفترها الأسود و قلمها الرصاصي الدليل الأكيد على أنها قضت ليلة صعبة مع الأرق و الذكريات الراحلة .

 

عاد وليد إلى المنزل بعد أداء الصلاة ، و تفاجأ بأن أصايل لا تزال نائمة ، طرق الباب مجددًا ففتحت عيناها بهدوء ، كانت الساعة تشير إلى الخامسة و النصف ، انتفضت في مكانها و فتحت الباب بسرعة ، توقعت أن ترى وجه وليد الغاضب أمامها ، و لكنه كان ساكنًا تمامًا ، ناظرها بإطمئنان ثم قال معاتبًا : أفسدت علي صلاتي و أنا أفكر فيك ، قلقت عليك ، هل تأخرت في النوم البارحة ؟

ابتسمت بهدوء : نعم ، تأخرت قليلًا ، أنا آسفة .

- لا بأس ، تجهزي سريعًا للمدرسة و لا تنس الصلاة .

قال هذا و رحل من أمامها إلى غرفته ، في حين أغلقت الباب مجددًا و همست : حفظك الله لي يا أخي .

 

***

 

- أبي ، هل يمكنك أن توصلني أولًا ؟ لقد أخبرت زياد بأني سأحاول الوصول باكرًا .

نظر أبو خالد لسارة كي يرى ردة فعلها ، فتنهدت سارة : لا بأس ، أوصله أولًا .

 

وصلت سارة إلى المدرسة ، تلقتها أصايل بحفاوة و تأنيب على تأخيرها ، و قد كان الدرس الأول لحسن حظهما التربية الإسلامية ، كانت المعلمة لطيفة و حنونة للغاية ، و قد كان هذا انطباع الجميع عنها تقريبًا ، أيضًا كان شرحها مسليًا و مسلسلًا بنظام ، الدرس بأكمله غلب عليه الحيوية و النشاط برغم بقايا آثار النوم العالقة ببعض الجفون !

 

فجأة دخلت معلمة إلى الصف ، كانت حادة النظرات ، ترتدي نظارات سمكية مرتكزة على أنفها الطويل ، قالت ببرود : دلال عبد اهلا ؟

 

رفعت دلال بصرها ببطء : إنها أنا ، هل أخدمكِ بشيء ؟

ابتسمت باستهزاء : والدتك تنتظرك عند الاخصائية .

- والدتي ؟

هكذا تساءلت دلال مندهشة ، و عندما لم تصلها إجابة اتجهت إلى خارج الصف برفقة تلك المعلمة التي تبدو كأخصائية إجتماعية أو ضابطة ، نعم إنها و لابد أن تكون ضابطة المدرسة ، فغالبًا ما يكون الضابطات بتلك النظرات الحادة و النبرات الحازمة !

 

بعد برهة من الوقت طرقت دلال الباب و دخلت ، كان وجهها شاحبًا ينطق بكل معاني البؤس ، لاحظت سارة تغيرها المفاجئ و تمنت ألا يكون ثمة مكروه قد حدث لها .

 

انتهى الدرس و سألتها مريم : دلال ، هل من مشكلة ؟

رمقتها بنظرة غاضبة ثم تبعثرت نظراتها بانكسار في أرجاء الصف ، حتى حطت عيناها على سارة التي كان تراقبها باهتمام ، شعرت دلال بالضيق و اتجهت إلى حديقة المدرسة لتنعم ببعض الراحة بعيدًا عن نظرات سارة الراثية لحالها و كأنها تعلم بأمرها ، و عن فضول مريم و سخافتها .

 

انزوت في ركن بعيد في الحديقة و أسندت رأسها على الجدار الخشبي خلفها ، كانت مرهقة للغاية ، و لا طاقة لها بحضور أي درس و لذلك آثرت أن تبقى هنا إلى أن تكتشفها الضابطة الكريهة !

 

أين أنتِ يا أمي ؟ لم تركتيني ؟ أنني افتقد حنانكِ ؟ إنني خائفة من نظرات زوجة أبي الخبيثة ، لابد و أنها ستخبر أبي بما قالته الإخصائية عني ، و أبي سيوبخني و ربما يضربني .

هكذا كانت تفكر دلال ، انهمر الدمع من عينيها و شق طريقه على وجنتيها بقهر ، إنه من المؤلم حقًا أن تشعر بأن لا أحد يريدك في هذا العالم !

 

في منتصف الدرس الثالث ، لمحت دلال ظلًا يقترب منها ، توجست في نفسها بأن تكون الضابطة و سرعان ما وجدتها أمامها بالفعل و قد عقدت يداها و قوست حاجباها بغضب ، رفعت دلال عينيها بتحدي : كشفتيني إذن !

 

قالت بنبرتها الحازمة : تفضلي معي إلى مكتبي .

اتجهت معها باستسلام و دلفت إلى مكتبها الكئيب الذي لم يكن يصله الضوء إلا من خلال نافذة صغيرة مغبرة .

 

لم تبد دلال أي ضيق أو ندم ، إنها معتادة على التوبيخ من الجميع ، من والدها ، زوجة والدها ، جدتها ، عمها مروان ، حتى ابنة عمتها الصغيرة لين و التي لم تتجاوز التاسعة من العمر لم تسلم من توبيخها !

 

لسبب ما بدا مزاج دلال متعكر جدًا ، و قد كانت هادئة نوعًا ما ، و لكنه كان الهدوء الذي يسبق العاصفة ، إن مريم هي من قالت هذا فبحكم أنها صديقة دلال منذ عامين كانت تعرف الكثير عن أطوارها الغريبة .

 

كانت العاصفة ستهب حتمًا ، و لكنه من المؤسف أن تهب على شخص لا يستحق ذلك .

كانت أصايل تقف في طابور الطالبات الطويل أمام مقصف المدرسة حينما جاءت دلال و دفعتها بعيدًا لتحل مكانها ، تأذى ذراع أصايل من دفعتها فثارت و دخلت مع دلال في شجار قاسي أدى إلى نزيف أنفها .

 

أبعدت الضابطة أصايل عن دلال بصعوبة ، كانت سارة مذعورة للغاية و هي تشاهد صديقتها تتعارك مع أحد الطالبات و كان السكون التام هو ردة فعلها ، و لكن ما إن رأت أصايل و قد غطى وجهها و قميصها الأبيض الدم المتدفق من أنفها هرعت إليها و هي تمسح الدم بمنديلها .

 

في حين حصلت دلال على التوبيخ الكافي من الضابطة بجانب فصل عن المدرسة لثلاثة أيام ، بدت أصايل مرتاحة لهذا فهي على الأقل سترتاح من رؤيتها لبعض الوقت ، أما سارة فقد كانت راثية لحال دلال أكثر من رثائها لحال أصايل التي أمضت بقية اليوم في غرفة الممرضة كي لا يعاودها النزيف مرة أخرى !

 

مرّ أسبوع كامل ، روتيني ممل ، و أصبحت دلال هي حديث المدرسة بأكملها ، عن وحشيتها و بذاءتها في التعامل ، كانت في صدام دائم مع الضابطة التي وضعت دلال تحت المراقبة كما تقول ، و رغم تلك المراقبة لم تسلم أصايل من مضايقات دلال و سخريتها اللاذعة منها ، و لكن أصايل كانت تحتقرها بالفعل و لا ترعى وجودها أو حديثها ، كانت سارة تحاول إثناء أصايل عن تجاهلها بدعة أنهم ربما يجذبونها إليهم و يكونوا سببًا في هدايتها ، و لكن أصايل كانت تعارضها بشدة : لا أتصور أن تكون دلال يومًا ما فتاة طبيعية ، إنها وحش متنكر !

 

استسلمت سارة مع مرور الوقت ، و عزمت على حل تلك المشكلة بنفسها ، دون أن يشعر أحدًا بذلك ، و لكن كيف ؟ هذا ما كانت تجهله تمامًا !

 

***

 

في جانب آخر من البلدة ، كان مبنى الجامعة الضخم يستقر وسط المدينة ببهاء على قطعة أرض كبيرة مستطيلة الشكل ، و في قطر من أقطارها تعالت ضحكات الشباب بعد أن ألقى عليهم مروان مزحة طريفة كعادته .

 

أولئك الشباب المجتمعين هناك حول الطاولة الدائرية المستقرة بالقرب من حديقة خضراء زاهية هم ( شلة وليد ) ، إن الأمر هنا مختلف تمامًا عما عليه " الثلاثي المرح " أقصد بذلك أن لتلك الجماعة زعيمًا أو رئيسًا يدعى وليد .

 

وليد شاب أبيض البشرة ذو لحية سوداء صغيرة ، وسيم جذاب بابتسامته الصادقة العفوية ، و بساطته اللا متناهية ، إن الجميع هنا يحبه و يقدره و يعتبره الملاذ له إن واجهته مشكلة ما .

 

إنه في قسم علوم الشريعة ، و لكن جماعته ( شلته ) لم يكونوا جميعًا من قسمه ، فعبد الله مثلًا من قسم الهندسة ، و علي من قسم الصيدلة ، أما مروان فهو مع وليد في قسم علوم الشريعة ، أي أنه لا يشترط أن تكون ذو شروط معينة كي تكون من أعضاء تلك الجماعة ، إنها جماعة مفتوحة للجميع يقدرها الطلاب و المعلمون و المدير كذلك و ذلك لأنهم لم يروا منهم شرًا قط ، بخلاف ( شلة سالم ) رأس الشر في الجامعة ، فقد كان الجميع يخافهم و يعلم بأفعالهم الحقيرة الخفية ، و لذلك كانوا يتجنبونهم لأقصى حد ، فوقوعك في شجار معهم أو صدام ما ، يعني نهايتك !

 

- مروان ، لندخل إلى المحاضرة بسرعة ، لقد بدأت منذ دقيقة .

- وليد ، إنك تحتاج بلا شك إلى تبديل ساعتك ، لا يزال هناك وقت ، انتظر قليلًا .

 

التفت إلى الشباب يكمل قصته الشيقة حول الرجل الذي تحول إلى بطة ، إنها إحدى قصصه الكوميدية الجديدة ، و الشباب هنا يستمتعون بسماع تلك القصص من لسانه بالتحديد فأسلوبه في الطرح مضحك في حد ذاته !

 

- إذن ، سأسبقك إلى القاعة .

لم يجبه مروان ، فاتجه وليد إلى القاعة بخطواته السريعة الواثقة ، و تصادف دخوله مع دخول المعلم القدير ( أبو محمد ) فحياه بحرارة و اتخذ له مقعدًا في بداية الصفوف ، بينما تأخر مروان عن المحاضرة لمدة عشر دقائق و عوقب بالطرد مرة أخرى ، إنه مهمل للغاية و لكنه شاب ذكي مفعم بالحيوية و الأفكار الناضجة !

 

انتهت المحاضرة الأولى ، خرج وليد من القاعة و بحث عن مروان فلم يجده ، تعجب لذلك و اتجه إلى الكافيتريا ليشتري علبة عصير تروي ظمؤه و حينها فوجأ بمروان يلبس بذلة البائع الخضراء و يقف وراء نافذة الكافيتريا الصغيرة .

 

- بربك ماذا تفعل هنا ؟ لقد بحثت عنك في مكان .

- يا عزيزي ، هل قلقت علي ؟ كم أنك لطيف !

و أكمل بطبيعته المرحة و هو يمد يده بعلبة عصير : تفضل ، إنها هدية مني .

 

تضجر وليد و تناولها منه : مروان ، هيا اخرج من هنا ، لقد طلب مني المعلم أن أحذرك بشأن التأخير المتكرر .

قال مروان بحنق : لا شأن له بي !

- إنه حريص على مصلحتك ، أنت تعلم ذلك جيدًا .

 

خلع مروان عنه البذلة الخضراء و ناولها البائع الذي شكره بحرارة على تعاونه معه ، و راح يسير مع وليد باتجاه مكان تجمعهم ، لم يكن أحد من الشباب موجودًا فوليد و مروان هما فقط من بقسم الشريعة ، أما بقية الأعضاء فمن أقسام أخرى متنوعة و لذلك فإن كل منهم له توقيت محاضراته الخاص ، إنهم لا يجتمعون إلا صباحًا قبل بدء المحاضرات و غالبًا فإن محاضرات قسم الشريعة هي من تفتتح اليوم الدراسي !

 

عاد وليد إلى المنزل ، استقبله خاله بزمجرة غاضبة كالعادة ، لكنه حياه بابتسامة مهذبة و صعد إلى غرفته ، فلم تكن له أدنى شهية للطعام بعد زمجرة خاله التي ضاق لها صدره ، استلقى على فراشه بوهنٍ ، يتذكر أيام سالفة حيث كانت هناك أسرة سعيدة تعيش باطمئنان !

 

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

ماشاء الله عليك غاليتي وعلى قلمك الرائع قرأت فقط البداية ولكن لم أرد أن أغادر الصفحة دون أن أترك كلمة

لي عودة بمشيئة الرحمن

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

 

تابعي ياغالية :) متابعة معك بشوق !!

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

 

أخيرا اكتملت القصة وقد تغيرت كثيرا في أحداثها

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

متابعة

:)

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

نقابي غايتي + الوفاء و الإخلاص + مسك الريحان + أمة الرحمن + هدايات + أمل الأمّة

 

جزاكنّ الله خيرًا ♥♥

أسعدني مروركنّ كثيرًا (^_^)

شكرًا Untitled-1.gif

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

 

الفصل الثالث

(3)

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

 

 

كان الصباح منعشًا بزقزقة الطيور و هي تبحث عن طعامها ، و نور الشمس الوهاج و هو يحتضن البلدة بدفئه ، انتهت أصايل من ارتداء ملابسها و اتجهت مسرعة إلى السيارة حيث ينتظرها وليد ليوصلها إلى المدرسة قبل ذهابه إلى الجامعة .

 

- آسفة ، لقد تأخرت .

- لا بأس ، هيا اركبي .

سألته بقلق : هل أنت بخير ؟

شغل محرك السيارة و انطلق بها متشاغلًا بالطريق أمامه .

- وليد ، لمَ لم تتناول غذاءك معنا البارحة ؟

ابتسم : لم أكن جائعًا ، كنت فقط بحاجة إلى الراحة .

أومأت أصايل برأسها : أها ، كنت أظن بأنها إحدى مضايقات خالي !

- و هي كذلك .

 

التفتت أصايل له ، و انقبض قلبها لأجله ، مسكين وليد ! تحمل مسؤوليتي و مسؤولية نفسه قبل أن يبلغ عامه السادس عشر ، ستة أعوام منذ رحيل والديّ مروا و كأنهم دهور عديدة ، إننا نحاول قدر استطاعتنا شراء متطلباتنا بنقود أبي الخاصة التي تركها لنا و النقود التي كسبناها من وراء بيع منزلنا القديم ، لأن شركة والدي وقعت في قبضة ( أبو سالم ) رجل الأعمال الظالم الجشع ..

 

سرقت أصايل نظرة متأملة إلى وليد ، و اطمأنت لعدم وجود دلالات إرهاق أو اكتئاب على قسمات وجهه ، ففي الفترة التي كان يحاول فيها استرداد الشركة كان أشبه بالمومياء الحية ! لقد كان حينها في السادسة عشرة من عمره عندما استعان بأبي ناصر صديق والده المقرب ، و لكنه فشل فشلًا ذريعًا و لم يقو على سلطة و نفوذ ذلك الحقير !

 

وقفت السيارة ، و همت أصايل بالخروج منها في حين قالت : وليد ، لا تحزن ، أنا واثقة من أن شركة والدي ستكون لنا يومًا و سنشتري منزلًا جميلًا لنقيم فيه معًا بعيدًا عن خالي .

ابتسمت و أضافت : تفاءل فحسب .

 

تبسم وليد : لست حزينًا ، فالحزن لن يوقف الحياة ، أليس كذلك ؟

أومأت ببسمة وديعة و اتجهت إلى بوابة المدرسة ، و انطلق وليد بعدما تأكد من دخولها باتجاه الجامعة حيث سيتبدل هناك تمامًا إلى وليد القوي المتفائل ، نعم ، ستنقلب ابتسامته الحزينة إلى ابتسامة ساحرة و نظراته المكسورة إلى نظرات آسرة بلمعان الحلم فيها ، و من وجه شاحب كئيب إلى وجه زاهي لا ينظر له أحدًا إلا و يشعر بأن همم الحياة و طموحاتها قد تجمعت في ذلك الإنسان !

 

إنه يوم الأحد من الأسبوع الثاني على بدء العام الدراسي ، جميع المعلمات يحذرن طالبات الصف الثالث الثانوي بأن تلك المرحلة تختلف تمامًا عن المراحل السابقة و تحتاج إلى بذل مجهود أكبر للنجاح ، و لكن الطالبات لا يرون ذلك فهم على أية حال لن يتخلوا عن مشاغباتهم و مخالفاتهم المستمرة ، على الأقل كان هذا نهج دلال !

 

في درس اللغة العربية ، انتشلت دلال ورقة من ورقات دفترها ، كورتها بيديها ، و همت بإصابة الهدف حينما دخلت الضابطة و هي تقول : سارة حسن موجودة ؟

 

رفعت سارة يدها : نعم ، فقالت : أريدكِ في أمر هام .

اتجهت إليها سارة و هي تقدم رجلًا و تؤخر الأخرى ، لم تكن تعرف ماهية هذا الأمر ، و كانت قلقة من ذلك .

 

تبعتها إلى غرفة الوكيلة فناولتها الضابطة سماعة الهاتف : لديكِ مكالمة من والدتكِ !

 

أمسكت السماعة بيد مرتجفة : السلام عليكم .

- وعليكم السلام ، سارة حبيبتي لقد أصيب والدكِ في حادث مروري ، لا تقلقي إنه بخير ، و لكنني أريدكِ معي كي نكون بجانبه عندما يفيق من غيبوبته ، سيصطحبك فهد إلى المشفى ، لقد أخبرت المديرة بهذا و لم تمانع .

 

صمتت لهنيهة ، و اضطربت سارة ثم أكملت : سيكون أمام المدرسة خلال دقائق ، لقد أخبرني بهذا .

- سارة ، هل تسمعيني ؟

- أنا ؟ آآ نعم أسمعك .

- إنه بخير غاليتي ، حالته ليست بالخطيرة ، لا تقلقي أبدًا .

 

تمتمت سارة بقهر : هل سأكون وحدي مع فهد ؟

- ربما يذهب إلى مدرسة خالد أولًا .

 

كانت سارة في حالة مابين الوعي و اللاوعي ، لم تنطق بحرفٍ آخر ، ودعتها والدتها ثم انتهت المكالمة ، وقفت أمام الصف و لم تكن لديها الشجاعة الكافية لفتح الباب ، لمحتها دلال من خلال ثقب في الزجاج الداكن و أخبرت المعلمة ، فاتجهت المعلمة للباب ، و ما إن فتحته حتى قالت سارة بلا مقدمات : سأرحل الآن !

 

في دقائق ما بين دهشة أصايل ، و تصارع أفكار سارة في عقلها ، كانت سارة باتجاه البوابة حينما سمعت صوت بوق السيارة بالخارج .

 

اتجهت للسيارة بخوف و رأت ما كانت تخشاه فالمقعد الجانبي للسائق خالي و هذا يعني أن خالد ليس معه ، لم يا أمي ؟ ألا تعلمين أن الخلوة و إن كانت في السيارة محرمة ؟ حبست دموعها بقوة ، و فتحت باب السيارة ، حيتها منى بإبتسامة مهذبة : مرحبًا سارة .

رفعت نظرها إليها و هتفت بسعادة : منى !

ضحكت منى و همست في أذنها بعد أن ركبت : لم يكن فهد ليأتي و يأخذكِ بمفرده .

 

زفرت سارة بارتياح ، وزال ما بقلبها من ضيق ، ليس الجميع متساهلون في أمور الدين كما أسرتها ، نظرت لمنى التي تغرق في السواد من رأسها لقدميها ، و غبطتها ألف مرة بداخلها ، حام فكرها حول ذكرى حزينة ، حينما صرخ والدها : لن تلبسي النقاب ، و هذا قراري الأخير ، بعدما تتزوجي افعلي ما شئت .

 

أما والدتها فكان دورها ليس بالمختلف : سارة ، لن تستطيعي ممارسة حريتكِ إن ارتديت النقاب ، و خاصة كونكِ ستصبحين طبيبة في المستقبل !

 

صدرت عنها تنهيدة مكبوتة ، و انتقلت بفكرها إلى حيث دانة ، و عندما همّت بأن تسأل ( خالة دانة ) منى عن أحوالها ، وقفت السيارة أمام المشفى فودعتها منى و صحبها خالد إلى الداخل .

 

في المشفى استقبلت أم خالد ولديها بفرحة عارمة و ضمتهم إلى صدرها ، سألتها سارة قلقة : أمي ، ما أخبار أبي ؟

قادتهما إلى مقاعد الإنتظار ، و جلسا عليها ثم قالت : إنه بخير ، من لطف الله أن السيارة انقلبت مرة واحدة فقط .

 

- كيف حدث هذا ، ليس من عادة أبي التهور ؟

- خالد عزيزي ، انه ليس خطأ والدك بالطبع ، لقد كان شابًا متهورًا كالعادة .

تبسمت سارة : و أين أبي الآن ؟

- إنه هناك .

و أشارت على غرفة في آخر الممر ثم أضافت : ممنوع من الزيارة !

- لماذا ؟

- لا أدري حبيبتي ، ربما لم يفق من غيبوبته بعد .

أومأت سارة برأسها : أها .

 

بعد قليل ، سمح لهم الطبيب بزيارته ، كان قد أفاق من الغيبوبة ، اطمأنوا على صحته ، و بالفعل لم يكن هناك إصابة كبيرة ، هناك كدمة في وجهه و شاش يغطي جرحًا عميقًا بعض الشيء إثر دخول الزجاج المتحطم في جلد يده اليسرى بالإضافة إلى بعض الجروح الطفيفة في يده اليمنى .

 

وقفت سارة بجانب والدها ، فابتسم : سارة عزيزتي ، أرءيت كيف أن مهنة الطبيب رائعة ، بإمكانكِ أن تنقذي حياة الآخرين من الخطر ، لولا الطبيب الذي أوقف سيارته جانبًا و ساعدني لما كنت بكامل عافيتي الآن .

 

ردت له الإبتسامة بهدوء ، و تمتمت في سرها : بل الحمد لله و الشكر له وحده أن نجّاك من الحادث !

 

ليلًا سمح له الطبيب بالخروج ، أوصلهم فهد إلى منزلهم ، و شكره أبو خالد بحرارة ، كلًا من سارة و خالد و حلا كانا يتسابقون على خدمة والدهم ، فسارة ساعدته على خلع حذائه ، و خالد عاونه على تبديل الشاش الملتف على يده ، أما حلا فقد أحضرت له الوسادة ليستند عليها .

 

- أريد كوبًا من الماء .

هرول خالد و سارة إلى المطبخ و صرخت بهم حلا : أنا سأحضره ، في حين ابتسمت أم خالد برضا لزوجها و قالت : حمدًا لله على سلامتك .

 

***

 

الساعة الواحدة ليلًا كانت جميع المنازل قد أطفأت أنوارها ، و حل ظلام دامس على البلدة ، كانت خالية من أي نشاط يُذكر ، أغلقت المحال ، و استقر الناس بمنازلهم نائمين بعد نهار شاق ، عدا تلك النافذة المضيئة بالحي الواسع المشهور في المدينة بنزاهة أهله و بساطتهم في التعامل برغم ثرواتهم الضخمة ، أغلقت دلال دفتر يومياتها الذي يضم ضحكاتها و بسماتها و بكائها و أحزانها ، أطفأت النور ، و ارتمت على الفراش بقهر .

 

لم تكن تتصور أبدًا أن تحضر زوجة والدها إلى المدرسة يومًا ، و كم أصابها القهر حينما مثلت دور الأم ببراعة ، كانت تبدو مستمتعة بما تسمعه عنها بل يبدو أنها صدمت قليلًا ، و لكن لاشك أن كل ما قيل سيصل إلى والدها فهذه هي الفرصة المناسبة للإنقضاض ، العجيب أنها تتساءل : كيف علموا برقمها ؟ فهي لم تكتبه قط ، بل و كما أعلنت الحقيقة : والدتي متوفية !

 

تبسم القمر مزهوًا ، فلم يعد هناك سوى نوره الفضي ليضيء المكان ، و بعد حين تسللت خيوط الأشعة الذهبية من النوافذ و زحفت الشمس على صفحة السماء معلنة قدوم فجر جديد ، و نهار مشمس آخر .

 

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

 

ما شاء الله لاقوة إلا بالله

أسلوب سلس وتسلسل رائع

أعجبتني جدا بداية الرواية وكيف جعلتني أتخيل شكل الثلاثة وهن جالسات يتذكرن قبل ان تبدئي سرد الأحداث.

 

جعل الله ما كتبت بميزان حسناتك حبيبتي وبانتظار البقية بشوق

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

مـــا شـــاء الله رائعة كأنى أشاهد أفراد القصة واراهم مشهد مشهد جميلة فعلا بارك الله فيك وجزاك الله خيرا على هذه القصة استمتعت وانا اقرأها وفى انتظار باقى القصة ان شاء الله فى شوق تقبلى ودى قبل ردى دمتى مبدعة

 

post-120087-1280777888.jpg

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×