اذهبي الى المحتوى
ميرفت ابو القاسم

قصة كعب بن مالك

المشاركات التي تم ترشيحها

السلام عليكم ورحمته وبركاته

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قصة كعب بن مالك

 

 

 

للشيخ أبو إسحاق الحويني

 

 

Idna-24140.jpgقصة كعب بن مالك

 

 

الهجر من الأحكام المشروعة في هذا الدين، ففيه تطبيق لمبدأ الولاء والبراء، وفي مشروعيته ردع للعاصي والمبتدع، ومن شرع لنا هجرهم حتى يعودوا إلى جادة الصواب ويتركوا ما بسببه هجروا.

وفي قصة كعب بن مالك وصاحبيه الدروس الكافية التي نعرف منها صور هذا الهجر وكيفيته وبعض أحكامه، وكيف امتثل الصحابة رضي الله عنهم أمر نبيهم صلى الله عليه وسلم.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الهجر بين المشروع والممنوع

 

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) فهذا الحديث صحيح الدلالة في عدم جواز هجر المسلم أخاه

 

 

فوق ثلاث.

 

وقد جاء في حديث كعب بن مالك: (أن المسلمين هجروهم خمسين ليلة) والتوفيق بين حديث كعب وبين هذا الحديث: أن الهجر إذا كان لسبب شرعي يجوز أن يستمر إلى مدة طويلة أما إذا كان الخصام على

 

 

شيء دنيوي فلا يجوز أن يتجاوز ثلاثة أيام.

 

هذا هو التوفيق بين الحديثين، والتفصيل القادم سيوضح المسألة أكثر.

 

قلنا: إن الهجر إذا كان لسبب شرعي فيجوز أن يطول، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع كعب ورفيقيه؛ لأنهم تخلفوا عن الجهاد، والجهاد آنذاك كان فرض عين لا يحل لمسلم أن يتخلف عنه، ولا يسقط

 

 

إلا بعذر، كما هو شأن سائر الواجبات، فلا تسقط الواجبات إلا بعذر مانع.

 

ويجب على كل من يستطيع الجهاد أن ينفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم ارتكبوا شيئاً محرماً، والرسول صلى الله عليه وسلم إمعاناً منه في تأديبهم هجرهم خمسين ليلة.

وأيضاً السيدة زينب رضي الله عنها كان معها أكثر من راحلة فعطب بعير صفية رضي الله عنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ زينب: (أعطيها بعيراً من عندك تركبه، فقالت: أنا أعطي تلك اليهودية! فهجرها

 

 

أربعين ليلة) وهذا هجر فوق ثلاثة أيام.

فالهجر للدين يستمر إلى أن يقلع المهجور عن الشيء الذي من أجله هجرته.

 

فلا يلتبس في الأمر، والهجر بسبب الدنيا ثلاثة أيام فقط.

 

ويحمل أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (من هجر أخاه سنة فكأنما سفك دمه) على الهجر الدنيوي، وليس الهجر الشرعي، أي: إذا كان لا يحل له أن يزيد عن ثلاثة أيام فزاد إلى سنة على شيء دنيوي تافه اختلف

 

 

مع أخيه فيه، فكأنما سفك دمه، وهذا تعظيم للهجر بغير مسوغ.

تم تعديل بواسطة ميرفت ابو القاسم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الفرق بين هجر أهل البدع وهجر أهل المعاصي

 

إذاً: هجر أهل المعاصي مشروع، وهجر أهل البدع آكد في الشرع من هجر أهل المعاصي؛ لأن المبتدع شر من العاصي، وأهل المعاصي أفضل من المبتدعة، والأفضلية هذه لا يتصور منها مشروعية الفعل، لا.

وهذا يشبه قول الدارقطني في أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، لما سئل عنه وعن بقية أصحابه قال: (أعور بين عميان) فهذا ذم، ولكن عن طريق المدح، فالمقصود: إن كلاهما شر ولكن هذا أخف في الشر، وهذا

 

 

هو المقصود.

 

لماذا؟ لأن أي إنسان يرتكب المعصية يعلم أنها معصية، ومهما كابر وأظهر أن هذه ليست معصية، فهو من قرارة نفسه يعلم أنها معصية، كيف لا، وقد فطر على التمييز بين الحلال والحرام! وقد ذكر بعض العلماء -وهو يتكلم عن هذه المسألة ويشرح حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (الحلال بين والحرام بين) - أنه مهما ادعى إنسان أنه لا يدري فهو كاذب؛ لأن الرسول قال: (بين) ومتى يعذر الإنسان؟ إذا دخلت المسألة في الشبهات، والتبست عليه ولا يدرى أهي حلال أم حرام، كما في المثل المشهور الذي تعرفونه: وهو أنك

 

 

إذا وضعت للقط قطعة لحم أكلها بجوارك، أما إذا خطفها فإنه يفر.

 

فلماذا يفر إذا خطفها؟ لأنه يعلم أنه خاطف سارق، إذاً: أي إنسان مهما كابر فهو يعلم أنه على معصية، بخلاف المبتدع، فإنه يرى أنه على صواب، ويرى أن البدعة هذه هي من الدين، وأنه يتقرب إلى الله بها،

 

 

فعندما تقول له: اترك ما أنت عليه من البدعة، يقول لك: لن أترك ديني، ويأبى.

 

لذلك قال علماؤنا كـ سفيان الثوري وغيره: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية؛ لأن البدعة لا يتاب منها،

 

 

والمعصية يتاب منها.

 

كان هناك ولد حاضراً في درس فسمع الفتوى ما هو حكم الشرع فيما يفعله بعض المسلمين بين التراويح من قراءة (قل هو الله أحد) ثلاث مرات؟ فقلت: هذه بدعة، وأتيت بالأدلة على أنها بدعة، فهو ذهب وبلغ ذلك لأبيه -والرجل رأس البدعة في بلده، وهو الذي يتزعم هذا- فلم يتمالك نفسه وجاء في موعد الدرس القادم، وقال: أنت أفتيت ابني بكذا وكذا؟ قلت: نعم، قال: قراءة القرآن بدعة؟ ما الذي جرى؟ هل: ارتكبت حراماً؟ فقلت له: وهذا الكلام الذي سأقوله، لو أنك حفظته وألقيته على أي مبتدع لألزمته الحجة بكلامه هو، إما أن الرسول صلى الله عليه وسلم فاته شيء من الخير، وإما أنه صلى الله عليه وسلم قصر في البلاغ، هذا بعد أن تستنطقه على ما يفعل، وتقول له: وسلم فأعندك دليل صحيح يفيد أن النبي صلى الله عليه سلم ذلك؟ إما أن يقول: نعم، وحينئذ يقال له: إن كنت مدعياً فالدليل،

 

أو ناقلاً فالصحة.

 

 

نريد دليلاً صحيحاً، وهو: لا يستطيع أن يأتي به أبداً، وإما أن يقول: لا، فلو قال: لا فحينئذ تقول له: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك الشيء فإما من اثنتين: إما أن يكون خيراً فات الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يقول لك: حاشا رسول الله من ذلك! أو أنه قصر في البلاغ، وهذه لا يقولها أبداً.

ثم بعد ذلك تسأله هل الذي أنت تفعله الآن خير أم شر؟ فإذا قال: خير، فقد أقر بأن النبي صلى الله عليه وسلم فاته هذا الخير، وإذا قال: شر فحسبه شهادة على نفسه أنه يفعل الشر، وإذا قال: لا أدري، فهناك جواب آخر، تقريعي وهو: كيف تفعل شيئاً وتتقرب به إلى الله، وليس عندك عن صاحب الشرع منه برهان؟!! فلن يستطيع حينئذ الرد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهانا أن نعبد الله إلا ببرهان، ولذلك قال العلماء في القاعدة المتفق عليها بينهم: (الأصل في العبادات المنع حتى يرد دليل بالإذن، والأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد دليل في التحريم)؛ لأن الله تبارك وتعالى قال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة:29] والعبادات على العكس؛ لأنك لا تدري مالذي يحب الله وما الذي يكرهه، وربما تتقرب إلى الله بما يبغضه وأنت لا تدري، وقد قال الله تبارك وتعالى لطائفة من الصحابة: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور:15] فأنت لا تدري ما الذي يحبه ربك أو الذي يبغضه، ونافذتك على معرفة هذا هو

 

 

الوحي.

 

فلا تتقدم بين يدي الله ورسوله بفعل شيء أو بقول شيء إلا ببرهان.

 

فلما جاء هذا الرجل فقال: لماذا قراءة (قل هو الله أحد) بدعة؟ وهي تعدل ثلث القرآن، فكيف آثم بقراءتها ثلث القرآن؟! فقلت له: ما رأيك إذا عطست أنت الآن فقلت: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؟ ما

 

 

رأيك؟ قال: لا.

 

قلت: لماذا؟ قال: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله)، أو (الحمد لله على كل حال)، فقلت: والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم مستحبة؟ وقد قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56] فما المانع أن تفعل شيئاً مستحباً؟ فقال: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقلها، قلت: هذا عين الجواب، وأنا أمهلك شهرين حتى تأتيني بدليل ولو ضعيف في هذه الجزئية، فقال الرجل، وهنا الشاهد: (أنا لي ستون سنة مغفلاً)، وهذه هي المشكلة، فاستصعب أن يسلِّم بأنه مغفل، ولو أنه سلم أنه جاهل لأجر؛ والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يا عائشة! إن كنت أذنبت بذنب فاستغفري الله، فإن العبد إذا أذنب فاعترف بذنبه فتاب تاب الله عليه) لا بد أن تعترف، وما المانع؟ فكل إنسان فينا جاهل في جزئية أو أكثر، ونحن جميعاً نموت ونحن مدينون بالجهل، وما هناك إنسان قط مات وقد عرف كل شيء في الشرع، فضلاً عن الدنيا، فلماذا الحرج؟!! إن الصحابة كانوا يعترفون ويقولون: (كنا ضلالاً فما عرفنا الهدى من الضلالة حتى جاءنا الرسول صلى الله عليه وسلم)، فالرجل لم يسلم بذلك وهذه هي مشكلة المبتدع، لا يسلِّم لظهور الحق بجلاء، لذلك قتل الجعد بن درهم على بدعته الشنعاء وصبر على القتل ولم يرجع، لما قال: إن الله لم يكلم موسى تكليماً، ولم يتخذ إبراهيم خليلاً، وهذا مضاد لصريح القرآن، وقد جيء به واستتيب، فلم يرجع، فحبسوه حتى جاء عيد الأضحى، وخطب الوالي آنذاك خالد بن عبد الله القسري وقال: أيها الناس! ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضحٍ بـ الجعد بن درهم؛ لأنه يزعم أن الله لم يكلم موسى تكليماً، ولم يتخذ إبراهيم خليلاً، ونزل فذبحه في

 

 

أصل المنبر، وشكر علماء المسلمين ذلك له، أنه ذبح هذا الضال.

 

وإذا كان الله سبحانه وتعالى رخص للإنسان أن يقول كلمة الكفر لينجو بحياته، فقال تبارك وتعالى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً} [النحل:106] فالذي عليه اللعنة والغضب، هو الذي شرح صدره بالكفر، ولكن إذا رأيت أنك ستقتل فتكلم بكلمة الكفر طالما أن قلبك مستقر ومطمئن بالإيمان، فإذا كان الإنسان رخص له أن يستنقذ حياته من القتل بأن يتكلم بكلمة الكفر، فكيف بهذا المبتدع لم ينقذ حياته، وكان يمكن أن يقول: أنا تبت إلى الله؟ وربما من الداخل يبطن الكفر الصريح، ويستنقذ حياته بإظهار الإسلام، فيصير دمه وماله وعرضه مصوناً بإظهار كلمة الإسلام، والجعد لما رأى أنه سيقتل يقيناً، لماذا لم يقل أنا تبت؟ لأنه يعتقد أن البدعة دينه، وقد ناظره علماء المسلمين الثقات الجهابذة الكبار، ومع

 

 

ذلك لم يرجع، بينما العاصي يمكن أن يرجع ويتوب.

 

مرة كنت أخطب الجمعة في القاهرة، وتكلمت عن الرجم، وأن الرجم ورد في السنة، وهناك آية في نزلت القرآن قبل ذلك ثم نسخت ورفعت، كما هو معروف من الأحاديث الصحيحة، وذكرت أن حد الزاني المحصن أنه يرجم بالحجارة، ويحفر له حفرة في الأرض حتى لا يفر ثم يرجم حتى الموت، فهذا هو حد الزاني

 

 

المحصن الذي تزوج ثم زنى بعدما تزوج.

 

وبعد الخطبة والدرس بينما أنا خارج من المسجد وجدت رجلاً كبير السن عمره يقارب السبعين عاماً وكان يرتعد، فقلت: هذا الرجل كبير وأعصابه تعبانة فبالتالي هو يرتعد، وكان كذلك، فانتحى بي جانباً وسألني، قال: أنا رجل عشت عمري وأنا أزني، وأول مرة أسمع هذا الكلام، وعندما سمعته كنت أريد أن أخرج من المسجد، لأنك تقول بأنه يرجم، قال: فذهبت إلى البيت، ولكني لم أستطع الجلوس، ولا الأكل ولا الشرب، فرجعت مرة أخرى ماشياً، فقال: هل لي من توبة؟ فالمعصية معروفة لأي عبد في الدنيا أنها معصية، لذا

 

 

يستحيل أن تكون حلالاً عنده، ولا يستطيع أن يكابر بخلاف البدعة.

تم تعديل بواسطة ميرفت ابو القاسم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

من أنواع الهجر

فإذا كان أهل المعاصي يشرع لك أن تهجرهم فمن باب أولى أهل البدع، لكن الهجر تكتنفه الأحكام الشرعية الخمسة، الوجوب، الاستحباب، الإباحة، الكراهة، التحريم.

 

الهجر المحرم

نقول: إن كل نصوص الشرع جاءت بتحصيل أكبر قدر من المصالح، وتقليل المفاسد ما أمكن، فإذا افترضنا أن هناك رجلاً مبتدعاً في بلد ما، وهذا الرجل له سلطان ومسموع الكلمة، وأنت مع عدد قليل من أهل السنة في هذا البلد، فإذا جهرت بتبديعه نفاكم أو أعدمكم أو أنزل بكم سوء العذاب إلى آخره، حينئذ لا تتكلم

 

عليه، ولا تنبه علناً على سوء بدعته، وحصل مقصودك من جانب آخر.

إذاً الهجر الذي قد يحرم هو الهجر الذي يترتب عليه ضرر جسيم أو ضرر على غالب الظن يكون أعظم

 

بكثير من المصلحة اللازمة للتحذير من بدعة هذا المبتدع.

الهجر القلبي

لكن أدلك على نوع من الهجر لا يكون فيه ذلك الضرر، وتحصَّل مقصود الشارع بالهجر، وهو هجر القلب، فلا تتولاه، ولا تنبسط له، ولا تعنه على شيء واعتزله، فهذا الهجر لا يكلفك شيئاً، ويكون واجباً، ولو أننا هجرنا أهل البدع هجراً قلبياً وكذلك أهل المعاصي لقلَّ العصاة وقلَّ المبتدعة وذلوا.

ونحن بكل أسف لا نهجرهم هجر القلب، مع أنه لا خطورة من هجر القلب، وإبراهيم عليه السلام هجر قومه وهو يمشي بين ظهرانيهم قال: {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ} [الممتحنة:4] فتبرأ منهم وهو بين ظهرانيهم، وليس بالضرورة أن تخرج منهم، وإن خرجت فنعمَّا فعلت، ولكن إن لم تستطع أن تخرج يبقى هجر القلب، الذي

 

هو الولاء والبراء، فتتولى المؤمنين وتتبرأ من الفاجرين الكافرين المبتدعين الظالمين.

الإشارة والهجر

الصحابة رضوان الله عليهم عندما نهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن الكلام مع كعب وصاحبيه انتهوا جميعاً، فإن قال قائل: في نفس حديث كعب بن مالك، لما جاء نبطي من أهل الشام يقول: (أين كعب بن مالك؟ قال: فطفقوا يشيرون إليَّ) والإشارة هنا بمنزلة الكلام، فكيف ساغ لهم أن يشيروا إليه وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامهم؟! فيقال: نعم إن الإشارة بمنزلة الكلام لكنها ليست كلاماً، وقال صلى الله عليه وسلم: (الخالة بمنزلة الأم) فهل يستوي عقوقك لأمك مع عقوقك لخالتك؟ لا يستويان.

وأنا أريد أن أجلي هذه الشبهة؛ لأنه قد يخطر ببال إنسان أن يقول: إذا كانت الإشارة بمنزلة الكلام، فكيف أشاروا إليه؟ وقد تقول: الإشارة يتحصل منها ما يتحصل من الكلام، وهو الإفهام، لأن المطلوب من الكلام

 

هو الإفهام.

فأقول: يوضح ما ذكرته أنها وإن كانت بمنزلة الكلام لكنها ليست كلاماً، أنك لو دخلت المسجد فوجدت رجلاً يصلي، فيستحب لك -إذا كانت هذه السنة معروفة في البلد، ولن تقابل بالإنكار- أن تسلم على المصلي،

 

وتقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وهو يرد السلام عليك إشارة بصفحة اليد.

فهل يستويان؟ لا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان الصحابة يسلمون عليه بعد نزول قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238] منع من الكلام في الصلاة، وكان يرفع يده ويشير إشارة، وقد كان الصحابة يتكلمون في الصلاة، قبل أن ينزل قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238] ومشهور حديث ابن مسعود عندما هاجر إلى الحبشة، وقبل أن يهاجر كانوا يتكلمون في الصلاة، فبعدما هاجر نزل قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238] فلما رجع سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فلم يرد عليه، قال ابن مسعود: (فركبني غم! فلما قضى الرسول صلى الله عليه وسلم صلاته قال: يا ابن مسعود! إن الله يحدث من أمره ما يشاء، ومما أحدث: أن لا تكلموا في الصلاة)، فالكلام الممنوع هو الذي يكون بحرف وصوت، ولا يسمى كلاماً إلا إذا كان بحرف وصوت؛ لأنه قد يكون بصوت دون حرف، فكيف إذا لم يكن بحرف ولا بصوت الذي هو الإشارة؟! فلو كانت الإشارة كلاماً لبطلت صلاة الذي يشير في أثناء الصلاة إذاً: فالصحابة لما أشاروا على كعب بن مالك، لم يخالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وسنتعرض أيضاً لقول أبي قتادة عندما قال لـ كعب: (الله ورسوله أعلم) حين نأتي على موضعه.

الصحابة رضوان الله عليهم كانوا أسرع الناس مبادرة إلى تنفيذ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما نهى عن كلام هؤلاء الثلاثة امتثل الكل ولم يخالف أحد، ولا يتصور أحدكم أن انتهاء الصحابة كان بسبب خوفهم أن ينزل وحي فقط، حاشاهم! أن يكون الوحي أحد الأسباب الحاملة لهم على أن يلتزموا بشدة،

 

ولكنهم كانوا إذا سمعوا قول قول النبي صلى الله عليه وسلم يتبادرونه جميعاً.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

كعب بن مالك وما لاقى في أيام هجره

قال كعب بن مالك: (أما صاحباي وهما مرارة بن الربيع وهلال بن أمية الواقفي - فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشبَّ القوم، فكنت أمشي في الأسواق، وأخالط المسلمين، فلا يكلمني أحد) فلو قال

 

لمسلم: السلام عليكم، فهل يجوز له أن يرد السلام، ورد السلام واجب؟

 

الجواب

لا.

لأن كل حقوق كعب بن مالك سقطت بالهجر، فعلى المسلم الذي يهجر العاصي أو المبتدع أنه إذا سلَّم عليه أن لا يرد السلام عليه؛ لأن حقوق العاصي أو المبتدع تسقط حتى يفيء إلى الله تبارك وتعالى من العصيان

 

أو البدعة، على الشروط التي ذكرناها قبل ذلك.

قال: (فكنت أمشي في الأسواق، ولا يكلمني أحد، حتى إذا طال عليّ ذلك من جفوة المسلمين أتيت حائط أبي قتادة؛ وهو ابن عمي وأحبُّ الناس إليَّ، فتسورته -أي: تسلقته- فرأيته، فسلمت عليه، فوالله ما ردَّ عليَّ السلام) فـ كعب يؤكد ذلك بالقسم؛ لأن الحادثة لم يشهدها أحد، فيقول: (فوالله ما رد عليَّ السلام)؛ تأكيداً لالتزام أبي قتادة، فلما لم يرد عليه السلام قال: (يا أبا قتادة! ألا تعلم أني أحب الله ورسوله؟! فسكت -فنشده الله تبارك وتعالى- أنشدك بالله ألا تعلم أني أحب الله ورسوله؟! فسكت، فرجع في الثالثة فنشده الله تبارك وتعالى فقال أبو قتادة: الله ورسوله أعلم) حسناً، هل هذا كلام؟ أم لا؟ نعم هذا كلام، هل خالف أبو قتادة؟

 

الجواب: لا.

متى يكون الكلام معتبراً في الشرع وعليه الإثم؟! وأنا لا أنازع الآن أنه من جهة اللغة والاصطلاح؛ ولكن هل هو الكلام الذي منع منه المسلمون؟ لا، فالكلام الذي منعوا منه هو أن يتم تبادل ما بين أبي قتادة وما بين كعب في الحديث وأبو قتادة لما قال: (الله ورسوله أعلم) لم يقصد الرد عليه، ولا التكلم معه، وإنما علَّق محبة كعب بن مالك على علم الله ورسوله، بالرغم من أن أبا قتادة قد يكون يعلم في قرارة نفسه ومن تصرفات كعب أنه محب لله ورسوله، ولكن بعد الموقف الذي حدث لا يدري ما يحكم الله تبارك وتعالى في

 

شأن كعب! لذلك لا يكون ذلك بمنزلة الكلام الذي نهي المسلمون عنه.

قال كعب: (ففاضت عيناي -أي: بكى، عندما سمع هذا الجواب- وتوليت حتى تسورت الجدار).

(قال: فبينا أنا أمشي في سوق المدينة، إذا نبطي من أنباط أهل الشام يقول: من يدلني على كعب بن مالك؟ -النبطي هو الفلاح، وسمي نبطي؛ لأنه يستنبط الماء من باطن الأرض- قال: فطفق المسلمون يشيرون إليّ، فجاء بكتاب من ملك غسان -ملك غسان هو جبلة بن الأيهم - قال: ففتحته فإذا فيه، أما بعد: فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك قال كعب: فقلت: وهذا أيضاً من البلاء! فتيممت بها التنور فسجرته بها) وهذا يدل على صلابة إيمان كعب، وأنه هو لما عرض عليه أن يكفر

 

بالله ورسوله نظير أن يتوج مرة أخرى في الدنيا أبى.

حسناً: ما رأيك أنه يوجد الآن من ينتسبون إلى الإسلام يكفرون بغير عرض؟! أي: يكفر ويترك دينه ولم يحصل شيئاً من الدنيا يساوي عند أهل الدنيا ما فقده هذا الإنسان! كمن يذهبون إلى بلاد الكفر ويقدمون الخمور ولحم الخنزير في المطاعم بدعوى أنهم محتاجون إلى المال، مع أن العمل موجود هنا، ولكنه يأنف أن يعملها في بلده، ثم يعملها خارج بلده، ولو ذهب الرجل ليعمل عملاً مباحاً خارج بلده فلن نحول بينه وبين المباح، ولكن أن يقدم دينه قرباناً من أجل أن يحصل على المال، والصحابة رضوان الله عليهم كانوا هم المثل لذلك، نحن نقول: (من أراد البحر استقل السواقي)، فانظر إلى الصحابة وإلى جلدهم وصبرهم في ذات الله تبارك وتعالى، وتركهم لحظوظ أنفسهم.

فكانت هذه النقطة المشرفة في حياة كعب، فهو لما عرض عليه الكفر أبى وصبر في ذات الله تبارك وتعالى، وقال: (هذا أيضاً من البلاء)، ثم إنه لم يمزق الرسالة، وكان تمزيقها يكفي، لكنه أحرقها: (فتيممت بها

 

التنور فسجرته بها).

: (حتى إذا مرت أربعون ليلة) وقبل أن أصل لهذه النقطة قال كعب: (وكنت أدخل المسجد فأصلي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فكنت أُسارقه النظر) أي: وهو يصلي والرسول صلى الله عليه وسلم جالس فينظر إليه بطرف عينه نظرة خفيفة.

يقول كعب: (فكنت إذا نظرت إليه أعرض عني، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إليَّ)، لاحظ رأفة الرسول عليه الصلاة والسلام وشفقته بـ كعب.

بعض الناس فهم خطأً من قول كعب: (أسارقه النظر) وأن كعباً التفت في الصلاة، فأقول: ليس معنى مسارقة النظر أنك تلتفت؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الالتفات في الصلاة، وقال: (إن الله تبارك وتعالى ينصب وجهه في وجه العبد، فإذا التفت العبد التفت الله عنه، وإذا أقبل على الله تبارك وتعالى أقبل الله عليه) ومعنى مسارقة النظر أي: خطف النظر، ليس معناها أنه يلتفت فهذا لا يقتضي.

قال: (حتى إذا مرت أربعون ليلة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليَّ أن اعتزل امرأتك، قلت: أطلِّقها؟) فهل فهم كعب أن كلمة (اعتزل) تعني أنه يطلق؟ لا، ليس بالضرورة أن كلمة اعتزل تعني ذلك، فكيف فهم كعب منها الطلاق؟ لأنها كانت قديماً تعتبر طلاقاً، ولذلك في حديث ابن عباس في الصحيحين، وفي أوله: (حججت مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلما قضى حاجته أتيته بماء فتوضأ، فقلت له: يا أمير المؤمنين! من المرأتان اللتان قال الله فيهما: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم:4]) الحديث) فيه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يتناوب النزول على الرسول صلى الله عليه وسلم هو وجار له من الأنصار، فإذا نزل عمر بن الخطاب يأتي صاحبه بخبر الوحي وغيره، وإذا نزل صاحبه فعل مثل ذلك.

ففي يوم من الأيام كان الدور على الأنصاري، فجاء الأنصاري إلى بيت عمر عشاءً وطرق الباب طرقاً شديداً، وقال: (أثم هو؟ -أي: أهو موجود؟ - قال عمر: فخرجت إليه فزعاً، قلت: أجاء غسان)؟ وملك غسان كان يريد أن يغزو المدينة، فالصحابة كانوا مستعدين للدفاع عن المدينة، فالطرق الشديد هذا معناه أن مصيبة كبيرة حدثت، فقال له: (أجاء غسان؟ قال: بل ما هو أهول من ذلك وأعظم، طلق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه) والرسول عليه الصلاة والسلام لم يطلق، بل اعتزل فقط، ودخل في المشربة واعتزلهن تسعة وعشرين يوماً، فكلمة (اعتزل) كانت تعتبر طلاقاً في عرفهم، ككلمة: (الحقي بأهلك) فتبادر إلى كعب أن الاعتزال يساوي الطلاق، لذلك قال: (أفأطلقها؟) ولو قيل له: نعم لطلقها، ولما تردد لحظة في طلاقها.

قال له: (لا، ولكن لا تقربها).

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

هلال بن أمية واستئذان امرأته النبي صلى الله عليه وسلم في خدمته

وقد جاءت امرأة هلال بن أمية -وهلال رجل عجوز شيخ كبير- إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا رسول الله! إن هلالاً شيخ ضائع -ضائع أي: وهى عظمه- فهل تأذن لي أن أخدمه؟ قال: نعم، ولكن لا يقربك، قالت: والله يا رسول الله! ما به من حركة إلى شيء، ووالله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا).

هنا يظهر أنموذج المرأة الصالحة، تقول: (هل تأذن لي أن أخدمه)؛ لأن العشرة الطويلة التي كانت بين هذا الرجل وهذه المرأة لا بد أن يكون لها رصيد، وقصص الغدر التي تحدث الآن بين الناس، عندما تقابلها بقصص الوفاء التي كانت في جيل الصحابة تندهش! ولكن يزول عجبك إذا عرفت الفرق.

فالمرأة لما كانت تذل لزوجها وتصبر على الإهانة، كانت محتسبة، وتعلم أنها تؤجر، وأنا أرجو أن نقف قليلاً عند هذه المسألة لنبصِّر إخواننا وأخواتنا المتزوجين، حتى يقفوا عند حدود الشرع، فما يحدث الآن بين كثير من المسلمين والمسلمات في بيوتهم يدل على أن هؤلاء لا يعرفون شيئاً من الشرع يقفون عند حدوده، وليس المقصود جهل النص بل إنهم يعرفون النص لكنهم ليسوا وقافين عند حدوده.

فامرأة هلال بن أمية عندما قالت هذا دل على أنها وفية مع زوجها مع أن هناك قصة ولا أدري هل هي

 

المرأة المقصودة بها، أم لا؟ فإن كانت هي المقصودة بها يكون تم الذي أريد.

وهي: أن هلال بن أمية الواقفي رضي الله عنه جاء مرة وقال: (يا رسول الله! رأيت رجلاً مع امرأتي، فقال: يا هلال! أربعة شهود وإلا حد في ظهرك)، وذلك قبل أن تنزل آيات الملاعنة بين الرجل والمرأة وهلال ليس عنده أربعة شهود، وإنما رأى ذلك فأتى فأخبر الرسول عليه الصلاة والسلام فقال له: (أربعة شهود أو حد في ظهرك، فلما سمع سعد بن عبادة هذا قال: أدعه معها وألتمس أربعة شهداء، والله لا أعطيه إلا السيف غير مصفِح، فقال عليه الصلاة والسلام: انظروا ما يقول سيدكم)؛ فنزلت الآيات في الملاعنة، فلو ثبت أن هذه المرأة ظلت مع هلال بن أمية الواقفي، رغم الذي حدث فانظر إلى وفائها، فكيف إذا كانت المرأة عفيفة طاهرة تحفظ زوجها، لكن يدركها ما يدرك بنات آدم من الاعوجاج والنشوز، قال النبي صلى الله عليه وسلم للنساء جميعاً: (يا معشر النساء! تصدّقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: لأنكن تكثرن الشكاية وتكفرن، فقالت امرأة: نكفر بالله؟ قال: لا، تكفرن العشير والإحسان -العشير: أي الزوج- ولو أحسن الرجل إلى إحداكن الدهر، ثم رأت منه شيئاً لقالت: ما رأيت منك خيراً قط) فالمرأة هكذا، في لحظات الغضب تنسى الإحسان كله، فإذا كنت تعرف أن هذا من الاعوجاج الذي جبلت عليه بنات آدم فأحسن إلى المرأة لأنها خلقت من ضلع أعوج، وأعوج ما في الضلع أعلاه، فأنت إذا علمت هذه الحقيقة واحتسبت ما يحدث من المرأة من نشوز فإن ذلك لن يضيع عند الله تبارك وتعالى، فالمرأة كذلك يجب أن تتقي الله في

 

زوجها.

الرسول صلى الله عليه وسلم قال لهن: (لعل إحداكن تطول أيمتها في بيت أبيها، فإذا رزقها الله بزوج صالح يتقي الله فيه) أي: يطول انتظارها للزوج الصالح في بيت أبيها، فإذا رزقها الله الزوج الصالح بعد ذلك تبدأ تنشز عليه وتعصه.

فامرأة هلال بن أمية الواقفي أرادت أن تخدم زوجها ولا تعتزله وتتركه، فاشترط عليها النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يقربها، فقالت: (والله ما به من حاجة إلى شيء) فهو يبكي أربعين يوماً لغضب الرسول عليه

 

الصلاة والسلام؛ لأنه يخشى أن يحبط عمله.

قال: (فقال لي بعض من أهلي: ألا تستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك كما أذن لامرأة هلال أن تخدمه أيضاً) لاحظ الذين لا يتركون الناس في حالهم، فعندما قال الصدق ظلوا وراءه حتى قال: (هممت أن أرجع فأكذب نفسي)، وهم نفس الجماعة الذين قالوا له: (ألا تستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في

 

امرأتك أيضاً).

مداخلة: ألا يكون هلال بن أمية من المعذورين لكبر سنه؟

 

الجواب

لا؛ لأن الجهاد كان فرض عين ولا يعذر من يتخلف عن الجهاد إلا من لا يستطيع أن يجاهد، وليس بالضرورة أن كل المجاهدين يقاتلون لا، فقد يكون في الساقة، يسقي ويخدم ويداوي الجريح، والمهم أنه لم يكن به مرض أو علة تمنعه من الخروج والنفير في سبيل الله عز وجل، لذلك لم يكن ممن عذر الله، وإلا لو كان ممن عذر الله لما حصل له ما حصل، وسياق الحديث يدل على أنه خرج من هؤلاء الذين عذرهم الله

 

تبارك وتعالى.

مداخلة: هل معنى ذلك أنه كان مريضاً؟ الجواب: لا، ونحن ما نقول إنه مريض وعندما قالت امرأته: (شيخ ضائع) فلا تعني أنه مريض، لا، ومعنى ضائع: رجل كبير، وقد يكون الرجل كبير السن ولكنه صحيح، فقال كعب لما قيل له: (ألا تستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك كما أذن لامرأة هلال أن تخدمه؟ فقال والله لا أستأذنه، وماذا أقول له وأنا رجل شاب) يعني: لا يملك إربه كما يملك الشيخ الكبير إربه، قال كعب: (فمرت علينا خمسون ليلة، وبينا أنا أصلي على ظهر بيت من بيوتنا) واستدل بهذا بعض الناس على عدم وجوب صلاة الجماعة، بدليل: أن كعب بن مالك لم يشهد الجماعة في المسجد، وكان يصلي على ظهر بيته،

 

ولا حجة لهم في هذا، والمسألة أمرها يطول.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

 

كعب وفرحته بتوبة الله عليه

قال: (فبينا أنا أصلي الفجر على ظهر بيت من بيوتنا؛ إذ سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع بأعلى صوته) أوفى أي: اقترب من جبل سلع، (يا كعب بن مالك! أبشر، قال: فخررت ساجداً، وعلمت أنه جاء فرج) في هذا دليل على مشروعية سجود الشكر، وأن الإنسان إذا جاءه خبر سار، أو رأى ما يسره أن يخر ساجداً لله تبارك وتعالى، وهذا الموضع دليل على هذا الحكم.

وأيضاً في واقعة أخرى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لما قتل ذا الثدية، فلما قتل قال علي بن أبي طالب: (التمسوه فوالله ما كذبت ولا كُذِّبت، فالتمسوه فوجدوه مقتولاً بين القتلى، فخر ساجداً شكراً لله تبارك وتعالى).

قال: (فعلمت أنه جاء فرج) وفي بعض الروايات الأخرى قال: (فأرسلت لي أم سلمة من يهنئني، وكانت بي بارة) أي: أن أم سلمة كانت تبر كعب بن مالك، فأول ما عرفت بنزول الوحي أرسلت رجلاً إلى كعب بن مالك يبشره، ولكن هذا الصارخ على جبل سلع كان أول من وصل إلى كعب، وفي هذا دليل على استحباب المبادرة والمسارعة إلى تبشير المسلم فهذا يدل على الحب، كوننا نتسابق أن نبشره، هذا يدل على أن هناك نوعاً من والمحبةالمودة بيننا.

(قال: فجاءني الرجل، وكان الصوت أسرع من الفرس) فهذا الرجل لشدة فرحته صوته كان أسرع من الفرس، وهذا يدل على مدى شفقة المسلمين وحبهم لبعضهم، كما قال الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] أي: لا يتتبعون عثرات بعض، ويعذروا بعضهم، ويلتمسون لإخوانهم العذر، كما قال الحسن البصري رحمه الله: (إذا جاءك عن أخيك ما تكرهه فقل: له عذر) جزماً وقطعاً معه عذر، (فإن لم تجد له عذراً فقل: لعل له عذراً) وأجل محاكمة أخيك إلى أن تلتقي به، ولكن مجرد أن تلقاه لا تتهمه أيضاً، ولا تبادر بالاتهام، لكن قل: بلغني عنك كذا وكذا وأنا استبعدته، فهل ذلك صحيح؟ فقد يقول لك: نعم هذا صحيح، وأنا تورطت فسامحني، أو يقول لك: أنا لم أقل.

المهم أنه سيجلِّي لك الأمر فأنت بعد أن يحصل عندك نوع من المواجهة بينك وبينه تقيِّم خطأه، وتقول بينك وبين نفسك: كلامه مقنع أو غير مقنع، ثم تبدأ تقيِّم جرمه، ولكن أذكرك دائماً بقول من قال من سلفنا: (إن من النبل أن يكون عفوك أوسع من ذنب أخيك)، وهذا النبل إنما يحرزه كرام الناس، يقول: الشاعر: والعذر عند كرام الناس مقبول.

سوء الظن تكسب به سيئات، وحسن الظن تكسب به حسنات، وسوء الظن إما أن يكون في محله أو في غير محله، وحسن الظن إما أن يكون في محله أو في غير محله، فإن أسأت الظن فكان في محله لم يكن لك ولا عليك، فإن لم يكن في محله أثمت، حسن الظن إن كان في محله أُجرت، وإن لم يكن في محله ازددت أجراً، فسوء الظن يدور ما بين عدم الأجر والإثم، وحسن الظن يدور ما بين الأجر وزيادته، فتعبّد الله بحسن ظنك بأخيك؛ لأن هذا نابع من المحبة الصادقة، وأولى الناس أن تجد له عذراً أخوك الذي تحبه ويحبك، وقد كان بين الصحابة قصص كثيرة جداً في هذا الباب، بعضها يستجلب دمعك ولو لم يكن في محجريك قطرة من الدمع، للصورة الباهرة التي كانت بين الصحابة رضوان الله عليهم.

قال كعب: (فجاءني الرجل فهنأني، فخلعت عليه ثوبيَّ، والله ما أملك غيرهما يومئذ) وفي هذا دليل على استحباب إعطاء البشير، عندما يأتي يبشرك ببشرى شيئاً لهذه البشرى، وكعب بن مالك أعطاه كل ما يملك من الثياب آنذاك، وكانوا يلبسون إزاراً ورداءً، وهذا معنى ثوبيه،و ليس معناه أنه خلع الذي عليه ودخل وأحضر الذي في الداخل، لا، فالصحابة كانوا فقراء، وكان الواحد منهم يلبس إزاراً وقد لا يكون عنده رداء، قال: (واستعرت ثوبين).

وهذا يدل على أنه ليس في البيت أي ثياب أخرى.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

النبي صلى الله عليه وسلم وفرحه بتوبة كعب

قال كعب: (ثم جئت النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون حوله، فقال لي: وهو يبرق وجهه من السرور) هنا أيضاً يلتحق بنفس المعنى الأول، وكعب عبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم بتعبيرين، قال: (يبرق وجهه من السرور) فشعر كعب أنه مسرورٌ له أكثر منه، فازداد له حباً، وفي الوصف الثاني في نفس الحديث قال كعب: (وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر) وهذا شيء يُحسد عليه الصحابة كونهم عايشوا النبي صلى الله عليه وسلم ورأوه بالأعين، وفي الأدب المفرد قال رجل للمقداد بن

الأسود: (طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم).

وأحد الصحابة -وأظنه جابر بن سمرة - قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة أضحيان) أي: القمر كان بدراً ليلة أربعة عشر أو خمسة عشر من الليالي القمرية قال: (فجعلت أنظر إلى البدر تارة وإلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم تارة، والله! لكان في عيني أجمل من البدر) المحب هكذا يرى كل شيء فيمن

 

يحب جميلاً، ولا يرى في المحبوب سيئة أبداً.

جاء رجل إلى الحسن البصري وكلمه بكلام لم يتوقعه الحسن، كأنه طعن في الحسن - الحسن كلامه يشبه كلام الأنبياء، ويقال في بعض الأخبار: أنه رضع من أم سلمة رضي الله عنها- فعاتب الناس الرجل، فقال

 

الحسن (لله دره إنه أحسن إليَّ إذ لم يذكر أكثر من ذلك).

فقال له: أنت لم تقل شيئاً، والذي تركت ذكره تفضلاً أعظم من الذي ذكرته، فأرجع المسألة إلى إحسان، لذلك إذا أردت أن تأسر إنساناً أحسن إليه، ولا تبادله السيئة بالسيئة أبداً، {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ} [الرحمن:60].

قال كعب: (فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك، فقلت: يا رسول الله! أمن عند الله، أم من عندك؟ قال: بل من عند الله)، وقد يستشكل هنا ويقال ما الفرق؟ وهل الرسول عليه الصلاة والسلام يأتي بشيءٍ من عنده؟ وهو لا ينطق عن الهوى، فما الداعي للسؤال؟ ولماذا فرّق؟ قبل أن أجيب أذكر واقعة شبيهة بهذا ففي حادثة الإفك لما تكلم المرجفون في المدينة على عائشة رضي الله عنها واتهموها أنها أتت الفاحشة مع صفوان بن المعطل السلمي، وخاضوا في عرضها، والنبي عليه الصلاة والسلام جفاها قليلاً، وهي كانت مستشعرة بجفاء الرسول عليه الصلاة والسلام، لكنها لا تدري ما السبب، بالذات وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يزداد حنانه لها عندما تكون مريضة، فهي مرضت في حادثة الإفك، والناس كلهم يعرفون الخبر وهي لا تعرف شيئاً، حتى علمت عائشة رضي الله عنها بعد مضي فترة من الزمن من أم مسطح، قالت: (فازددت مرضاً على مرضي) وبعد أن علمت فهمت لماذا الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن بذاك كما عهدته، فكان يدخل عليها وأمها عندها وأبوها أبو بكر الصديق عندها ويسلم ويقول: (كيف تيكم؟) تيكم: اسم إشارة، أي كيف حال هذه؟ وعائشة لم تعتد على هذا الكلام، وقبل أن تنزل براءتها مباشرة جاء الرسول عليه الصلاة والسلام إليها وهذه أول مرة يجلس عندها من حين خاض الناس في حديث الإفك، جلس على طرف السرير وأبو بكر جالس وأم رومان أمها زوجة أبي بكر الصديق جالسة، فتشهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: (أما بعد -وأما بعد هذه فصل الخطاب كما يقال- يا عائشة! إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله، فإن العبد إذا أذنب فاعترف بذنبه وتاب تاب الله عليه) ما معنى هذه الكلمة؟ فيها كأنه اتهام ضمني لـ عائشة أنها فعلت الذنب، لما يقول لها: (يا عائشة! إن كنت ألممت بذنب فاستغفري) بمجرد أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال هذه الكلمة، قالت: (فقلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة -جفت الدموع تماماً- ثم قالت: وكنت جارية لا أقرأ كثيراً من القرآن -لا تحفظ كثيراً- والله لو قلت لكم: إني فعلت والله يعلم أني ما فعلت لتصدقنني، ولو قلت لكم: إنني ما فعلت والله يعلم أنني ما فعلت لا تصدقونني، والله ما أجد لي معكم مثلاً إلا قول أبي يوسف: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف:18]، قالت عائشة: وتاه عني اسم يعقوب -من الحزن، ولم أستطع استحضاره، قالت: ثم تحوّلت فنزلت البراءة من السماء مباشرة -فـ أم رومان أول ما نزلت البراءة ذهبت إلى عائشة وقالت لها: قومي إليه فاحمديه) وفي بعض الروايات قالت: (يا رسول الله! أمنك، أم من الله؟ قال: بل من الله -نفس كلام كعب - فقامت أم رومان فقالت لها: قومي إليه فاحمديه، قالت: والله لا أحمده ولا أحمد إلا الله عز وجل) إلى آخر

 

الحديث، وهو حديث طويل وجيد.

فهنا كعب بن مالك يقول للرسول عليه الصلاة والسلام: (أمن الله، أم من عندك؟) مع أنه يستوي عند كعب وعند غير كعب أن يكون الرسول عليه الصلاة والسلام هو القائل حتى يكون من عند الله، لقوله تبارك وتعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا} [النجم:3 - 4] إن: نافية {إِنْ هُوَ إِلَّا} [النجم:4] أي: ما هو إلا {وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:4]، فالصحابي حين يقول هذا فهو نوع من تأكيد القول وليس للشك أو التفريق، ونوع من تأكيد البشارة، ولو قال النبي عليه الصلاة والسلام له: أبشر وعفا عنه، لعلم كعب بن مالك أنه معفو عنه، فما كانوا يرتابون في ذلك، ولكن إذا قال: مني مثلاً، فقد يردفه كعب بسؤالٍ آخر، وهل الله راض؟ إذاً فهو لما قال: (أمن عند الله أم من عندك؟) ليس شكاً أبداً، إنما يقصد لكي يستقر قلبه تماماً، ويعلم أن الله تبارك وتعالى راضٍ عنه.

فلما سمع كعب بن مالك هذا (قال: يا رسول الله! إن من تمام توبتي أن أنخلع من مالي صدقة لله) انظر الاستعداد الموجود عند الصحابة، فهو يريد أن ينخلع من ماله كله، شكراً لله تبارك وتعالى؛ لأنه تفضل عليه بالتوبة، فقال عليه الصلاة والسلام: (أمسك عليك بعض مالك فهو خيرٌ لك) يوضح هذا قوله عليه الصلاة والسلام لـ سعد بن أبي وقاص: (إنك إن تذر ورثتك أغنياء، خير لك من أن تذرهم عالة يتكففون الناس).

والحديث فيه فوائد أخرى، لكن الوقت ذهب.

فنسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا وإياكم بالعلم، وأن يوفقنا إلى العمل بما سمعنا، وأن يجعله حجة لنا لا

 

حجة علينا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×