اذهبي الى المحتوى
سليلة الغرباء

رؤيا ملك مصر في زمن يوسف عليه السلام

المشاركات التي تم ترشيحها

بســم الله الـرحمــن الرحيــم

 

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

 

السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،

 

رؤيا ملك مصر في زمن يوسف عليه السلام

 

د. زغلول النجار

 

 

"وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وآخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون" (يوسف‏:43)،‏ هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في بدايات الثلث الثاني من سورة يوسف‏، هي سورة مكية‏، وآياتها‏(111)‏ بعد البسملة‏)، وقد سبق لنا استعراض هذه السورة المباركة‏، وتلخيص ما جاء فيها من أسس العقيدة‏، والإشارات الكونية‏، ونركز هنا على الدلالات التاريخية والعلمية التي جاءت في الآية الثالثة والأربعين من سورة يوسف‏، وهي الآية التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال‏:‏

من الدلالات التاريخية والعلمية للآية الكريمة:

أولا‏:‏ في قوله تعإلى (‏:‏ وقال الملك‏...:‏

يعجب قارئ القرآن الكريم من وصف حاكم مصر في زمن نبي الله يوسف‏(‏ عليه السلام‏)‏ بلقب الملك الذي جاء في خمسة مواضع من سورة يوسف‏، بينما جاء وصفه في زمن موسي‏(‏ عليه السلام‏)‏ بلقب فرعون مصر أو الفرعون‏، وقد أورد القرآن الكريم لقب فرعون أربعا وسبعين‏(74)‏ مرة في عرض قصة نبي الله موسي‏(‏ عليه السلام‏)، والسبب في ذلك أن نبي الله يوسف‏(‏ عليه السلام‏)‏ عاش في مصر أيام حكم الهكسوس‏(‏ أي الملوك الرعاة‏)، وذلك في الفترة من‏(1730‏ ق‏.‏م‏)‏ إلى‏(1580‏ ق‏.‏م‏)، وكان حكام الهكسوس يلقبون بالملوك وليس بالفراعنة‏، بينما عاش نبي الله موسي‏(‏ عليه السلام‏)‏ في زمن رمسيس الثاني من الأسرة التاسعة عشرة المعروف باسم فرعون الاضطهاد‏، أو فرعون التسخير‏، الذي حكم مصر في الفترة من‏(1301‏ ق‏.‏م‏)‏ إلى‏(1234‏ ق‏.‏م‏)، ومات ونبي الله موسي في مدين عند أصهاره نبي الله شعيب‏(‏ عليه السلام‏)‏ وآله‏، وخلف رمسيس الثاني ولده الثالث عشر منفتاح‏(‏ أو منفتا‏)‏ المعروف باسم فرعون الخروج‏، وحكم مصر في الفترة من‏(1234‏ ق‏.‏م‏)‏ إلى‏(1224‏ ق‏.‏م‏)، ومات غارقا في أثناء مطاردته لنبي الله موسي‏(‏ عليه السلام‏)‏ كما أخبر القرآن الكريم‏.‏

ومع العلم بأن الذين خرجوا مع موسي من بني إسرائيل تاهوا أربعين سنة‏، وأن وفاة موسي‏(‏ عليه السلام‏)‏ جاءت بعد انتهاء فترة التيه بقليل‏، لأن من الثابت أنه لم يدخل أرض فلسطين‏، فإن وفاته كانت في حدود سنة‏(1184‏ ق‏.‏م‏)، وبما أنه عاش في مدين عشر سنوات‏، وعاش في بيت فرعون قرابة عشرين سنة‏، فإن مولده‏(‏ عليه السلام‏)‏ كان في حدود سنة‏(1264‏ ق‏.‏م‏)، أي أنه عاش نحو ثمانين سنة‏(1264‏ ق‏.‏م‏)‏ إلى‏(1184‏ ق‏.‏م‏)، وفي هذه الفترة كان يطلق على حكام مصر لقب الفراعنة‏، ومن هنا جاء ذكرهم في القرآن الكريم بهذا اللقب‏.‏

أما نبي الله يوسف‏(‏ عليه السلام‏)، فقد عاش في حدود الفترة من‏(1730‏ ق‏.‏م‏)‏ إلى‏(1580‏ ق‏.‏م‏)، وكان حاكم مصر ملكا من العمالقة يعرف باسم الريان بن الوليد‏، كما ذكره مؤرخو العرب‏، ووجد اسمه منقوشا على بعض الآثار المصرية القديمة‏(‏ انظر مؤتمر تفسير سورة يوسف للشيخ عبدالله العلمي‏)، وكان ذلك في الأسرة الخامسة عشرة‏، أو السادسة عشرة لدولة الهكسوس الرعاة في مصر‏، وكانت السلالة السابقة عليها في حكم مصر‏، وهي الأسرة الرابعة عشرة من الفراعنة المصريين‏، الذين حكموا في وادي النيل سنة‏(2000‏ ق‏.‏م‏)، بينما كانت السلالة الرعوية المعروفة باسم شاسو أو الهكسوس‏، أي البدو الرعاة‏، يتنقلون في شرقي مصر على حدود البادية فيما يعرف إليوم باسم محافظة الشرقية‏(‏ أرض جاسان في الكتب القديمة‏)،

وكانوا يتكلمون لغة سامية متفرعة عن اللغة العربية‏، وكانت قريبة جدا منها‏، وكان الهكسوس يترقبون ضعف الفراعنة ليغزوهم‏، وكان الفراعنة حريصين على مسالمتهم والاستعانة بهم في حروبهم لشجاعتهم‏، وشدتهم‏، وجلدهم‏، وقوة أبدانهم‏، شأن البدو في كل العصور‏، وظل الصراع بين ملوك الرعاة وفراعنة مصر حتى سنحت الفرصة لهؤلاء الرعاة بالانتصار عليهم‏، فاستولوا على دلتا مصر وحكموها باسم ملوك الهكسوس في أثناء فترة الاضطرابات والفتن في أواخر عهد الأسرة الرابعة عشرة‏، واستعمروا الوجه البحري كله وبعض أجزاء صعيد مصر‏، واستولوا على مدينة‏(‏ منف أو منفيس‏)‏ وولوا على الأراضي التي احتلوها ملكا من بينهم‏، وانحسر حكم الفراعنة إلى جنوب مصر‏، الذي كانت عاصمته مدينة طيبة الأقصر‏، وحكم الهكسوس أغلب شمال مصر‏، ودامت سيطرتهم عليه لنحو خمسة قرون‏، حتى قام الفراعنة بإسقاط ملكهم في أوائل القرن السادس عشر قبل الميلاد‏، وعاد الفراعنة لحكم كل من شمال وجنوب مصر من جديد‏، موحدين أرض مصر تحت حكمهم مرة ثانية‏.‏

وفي فترة دخول نبي الله يوسف‏(‏ عليه السلام‏)‏ إلى مصر كانت مملكة الهكسوس في دور انحسارها الذي تقلصت مساحتها فيه إلى مثلث تألفت رؤوسه من منيا القمح وبوبسطة القريبة من مدينة الزقازيق‏، وبلدة صان الحجر‏.‏

ولم يجد يوسف‏(‏ عليه السلام‏)‏ صعوبة في التحدث مع الهكسوس الذين كانوا يتكلمون لغة سامية قريبة من لغته‏، ومن هنا تأتي ومضة الإعجاز التاريخي في الآية الكريمة التي نحن بصددها في قول ربنا ـ تبارك وتعالى ـ‏:‏ وقال الملك‏...‏ ولم يقل‏:‏ وقال فرعون‏، لأن يوسف‏(‏ عليه السلام‏)‏ لم يعمل لدى أحد من فراعنة مصر‏، الذين كان ملكهم في زمن وجوده بمصر قد انحسر إلى جنوب البلاد‏، وكانت عاصمتهم طيبة الأقصر‏، وكانت لغتهم الهيروغليفية المصرية القديمة التي لم يكن يوسف‏(‏ عليه السلام‏)‏ يعرفها‏.‏

وهذه اللمحة المعجزة ـ على بساطتها ـ هي من جملة البراهين على أن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون صناعة بشرية‏، بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه على خاتم أنبيائه ورسله‏، وحفظه بعهده الذي قطعه على ذاته العلية‏، في نفس لغة وحيه‏(‏ اللغة العربية‏)، وتعهد بهذا الحفظ تعهدا مطلقا ليبقى القرآن الكريم شاهدا على الخلق أجمعين إلى يوم الدين بأنه كلام رب العالمين‏، وشاهدا للرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة‏.‏

وهذا الوصف الدقيق لحاكم مصر في زمن نبي الله يوسف ـ عليه السلام ـ بوصف الملك هو من الأدلة الناطقة على الدقة المطلقة لكل حرف‏، وكلمة‏، وآية أوردها القرآن الكريم‏، ولكل قاعدة عقدية‏، أو أمر تعبدي‏، أو دستور أخلاقي‏، أو تشريع سلوكي‏، أو خبر تاريخي‏، أو إشارة علمية‏، أو خطاب إلى النفس الإنسانية أو غير ذلك من القضايا المحكمة التي جاءت في ثنايا الآيات المتعلقة بركائز الدين الأساسية من العقيدة‏، والعبادة‏، والأخلاق‏، والمعاملات في هذا الكتاب العزيز‏.‏

ومن الثابت أن رسول الله‏(‏ صلى الله عليه وسلم‏)‏ بعث خاتما للأنبياء والمرسلين في سنة‏(610‏ م‏)، أي بعد أكثر من‏(2200‏ سنة‏)‏ من وفاة أخيه يوسف بن يعقوب‏(‏ عليهما السلام‏)، فمن غير الله الخالق ـ سبحانه وتعالى يمكن أن يكون قد أخبره بتفاصيل قصة يوسف‏(‏ عليه السلام‏)‏ بهذه الدقة والشمول‏، والإيجاز المعجز دون ترك شيء من التفاصيل ؟ وإن قيل إنه كان لليهود بعض الجيوب في الجزيرة العربية على عهده‏(‏ صلى الله عليه وسلم‏)‏ فإن التاريخ يثبت أن غالبية هؤلاء اليهود كانوا من البدو الذين لم يكونوا على قدر كاف من الثقافة الدينية أو الدنيوية‏، وكانت صحفهم قد تعرضت للكثير من التغيير‏، وإن بقيت بها بعض بقايا الحق القديم‏.‏

ثانيا‏:‏ في قوله ـ تعالى ـ على لسان ملك مصر‏:..

‏ إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات‏:‏

هذه الرؤيا المنامية رآها ملك مصر على عهد نبي الله يوسف‏(‏ عليه السلام‏)‏ في زمن حكم الهكسوس الرعاة العماليق لشمال مصر‏، وانحسار حكم الفراعنة إلى الجنوب‏، وكانت عاصمتهم طيبة الأقصر‏.‏

ولكون المصطفى‏(‏ صلى الله عليه وسلم‏)‏ لم يكن يحسن القراءة أو الكتابة‏، وكان ذلك لحكمة يعلمها الله ـ سبحانه وتعالى ـ منها ألا يصدق على هذا الرسول الخاتم دعاوى النقل عن كتب السابقين‏، وفي ذلك يقول له ربنا ـ تبارك وتعالى ـ‏:‏ وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون‏(‏ العنكبوت‏:48).‏

والمتتبع لقصة نبي الله يوسف‏(‏ عليه السلام‏)، كما جاءت في القرآن الكريم يدرك بوضوح وحدة رسالة السماء المنطلقة من وحدانية الخالق ـ سبحانه وتعالى ـ‏، كما يدرك دقة حفظ الوحي السماوي في صورته الخاتمة كما جاءت في القرآن الكريم الذي تعهد ربنا ـ تبارك وتعالى ـ بحفظه فحفظ على مدى يزيد على أربعة عشر قرنا في نفس لغة وحيه‏(‏ اللغة العربية‏)، وسيظل محفوظا كذلك إلى ما شاء الله تحقيقا لوعده الذي قطعه على ذاته العلية‏.‏ فقال ـ عز من قائل ـ‏:‏ "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون‏"(‏الحجر‏:9).‏

ثالثا‏:‏ في قوله ـ تعالى ـ‏:"... ‏يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون‏" من المسلمات أنه لا يوجد ملك بدون حاشية له‏، وقد عبّر القرآن الكريم عن هذه الحاشية بتعبير الملأ‏، أي الجماعة‏، وجمعه أملاء‏، والملأ جماعة يجتمعون على رأي فيملأون العيون بمجرد الاستماع إليهم‏، أو هم على قدر من الهيبة بحيث يملأون العيون بمجرد النظر إليهم‏، وعلى ذلك يكون ملأ بمعني مالئ أو مليء أو مملوء‏، لأن لفظة ملأ لا تطلق إلا على النخبة المختارة من مثل الحاشية التي تختار لبلاط الملوك من العلماء‏، والحكماء‏، والأدباء‏، وأهل الرأي في كل أمر من الأمور‏.‏

ومن المنطقي أن يتوجه الملك أول ما يتوجه بالسؤال إلى خاصته وحاشيته في كل أمر من الأمور التي تعرض له‏، ولذلك قال ـ تعالى ـ على لسان ملك مصر‏:"...‏ يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون" ‏(‏يوسف‏:43).‏

فالحمد لله على نعمة الإسلام العظيم‏، والحمد لله على نعمة القرآن الكريم‏، والحمد لله على بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين‏)، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏..‏

 

 

عن موقع وكالة أنباء الرابطة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،

 

جزاكِ الله خيراً اختي سليلة الغرباء علي الطرح القيم ،،

 

الحمــــــد لله علي نعمه الاسلام ونعمه القرآن ،،

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،

 

بارك الله فيكي

 

الحمد لله على نعمة الاسلام

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

مشكوره كثييييييييير اخيه على النقل الرااااااااااااائع

تعجبني كثيرا قصه يوسف عليه السلام لما فيها من العبر الشيئ الكثير

وقصه موسى لما فيها من تجلي قدره الله تعالى

بس اول مره ااااااااخذ بالي من هذه المعلومه

سلمت يمناك

تقبلي مروري

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاكِ الله خيرا يا حبيبة

إن إعجاز كتاب الله لا ينتهي أبدا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاك الله خيرا يا حبيبة

أحب قصة سيدنا يوسف عليه السلام جدااااااا

رفع الله بما قدمت من درجاتك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،

بارك الله فيك,,

تم تعديل بواسطة ** أم يحيى **

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×