اذهبي الى المحتوى
رجاء محمد الجاهوش

صَـدَى ـ قصة قصيرة (متميز)

المشاركات التي تم ترشيحها

bullet_star.pngbullet_star.pngbullet_star.pngbullet_star.pngbullet_star.png

صَـدَى

رجـاء محمد الجاهوش

-1-

تَعوّدت أن تستقبل يومها بصلاة وتسبيح ثم تتجه نحو ذلك الفنجان الذي تبتسم كلما تراه !

إنه رفيق درب وصديق عمر ، فنجان من الفخار الأبيض ، زيّنته رسمة طفوليّة مُتقنَة لدبٍّ قويٍّ يرتدي سترةً حمراءَ ويندفع بكلِّ قوّتهِ نحوَ شجرةِ تفاح يهزُّها فتتناثر ثمارُها غنيمةً شهيّة .

فنجانٌ له قيمة خاصة ، فهو أول فنجانٍ تقتنيه بعدما مَلَكَت أمرَها !

تبتسم والابتسامة ترسمُ هالاتٍ من العَجب على محيّاها كلما تذكرت كيف كان اقتناء فنجان كهذا من الممنوعات

في لائحة أسرتها ؟!

وإذا سألت نفسها عن السبب تاهت في دروب الإجابات !

أَلا يُسمى هذا قهراً ؟ ...

عندما يختار لنا الآخرون نوع الآنية التي نأكل أو نشرب بها !

أليسَ من القسوةِ أن يُحرمَ طفل من أن يقلّد غيره من الأطفالِ في أمر مُباح ؟!

" أما زلتِ تستنكرين ؟! كُفّي عن هذا الصَّياح " تنهر نفسها بلطف ثم تمضي لإعداد فطور الصَّباح .

snow0mp5.jpg

 

 

 

-2-

تحتضن فنجانها بين كفّيها وهي جالسة تتأمّل تلك اللوحةِ المعلّقةِ أمامها على الحائطِ : طريق طويل تكسوه

الثلوج ، والأشجار على حافتيه عارية !

ارْتَشَفَت رشفة شاي وبصرها لا يفارق تلك اللوحة ...

" لا أرغبُ بفعل شيء ، ليكن يوم تمرد !

لن أذهب إلى جامعتي ، أعتقد أنه يحقّ لطالبات الدراسات العليا ما لا يحق لغيرهن !

سأجلس في المنزل ، وأمارس دور ربة البيت "

تضحك ملء فِيها وتحملها الذكرى إلى توجيهات أمّها الصارمة عندما كانت تقصّر في واجباتها المنزلية منادية بحقوق المرأة وأنّها لم تُخلق فقط لتكون في خدمة الزوج والولد !

فها هي الآن تحنُّ وتعود إلى فطرتها !

ارتشفت رشفة أخرى ثم شمّرت عن ساعديها وهمّت بتنظيف المنزل وترتيبه ، وإعداد ما تيسر من طعام لوجبة الغداء لها ولأخيها ، يصاحبها في أداء مهامها تلك صوت الحادي وهو يتغنّى بالأناشيد العذبة .

" النظافة والترتيب من أجلّ نعم الله التي أنعم بها على عباده "

هذا ما كانت تسمعه من والدتها الحبيبة بشكل يومي ...

" صدقتِ يا أمي .. كم أشتاق إليك وإلى والدي الحبيب وإخوتي الأعزاء وإلى عشّنا الدافئ بل لأقل إلى حديقتنا الغنّاء " ! أما زلتِ ـ يا أماه ـ تعتنين بورودك أكثر منّا ؟! "

هَمَى الدمع فاستسلمت له .

يرتفع صوت المؤذن مُناديا إلى صلاة الظهر ، تجيب المؤذنَ بخشوع ثم تتوضأ وتستقبل القبلة ..

بين يديّ الله تصغر مساحات الكون الشاسعة ، وتتضاءل لتصبح بحجم تلك البقعة التي تستقبل جبهتكَ لحظةَ السجود لا أكبر !

بين يدي الله تنحني الجباه بينما الأرواح تحلّق في علو !

بين يديّ الله تتنزّل السّكينة وتوأد بنات الصدر وأحزانه تحت تراب مناجاة صادقة : " رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ "

دقائق غاليات ، ونفحات ربّانية تمرّ على القلبِ فتسمو به ويسمو بها .

 

-3-

جلست أمام مكتبها تنوي مراجعة بعض الدروس ، فلاحت منها التفاتة نحو تلك القصاصة الملتصقة على رفّ المكتب ...

" كَثيرةٌ هي الأسئلة التي نَنْسَى أن نطرحَها على أنفسِنا أو ربما نَتناسَى ، فيمر اليوم تلو اليوم وهي في تَراكُم ..! "

عَلَت وَجْهَها علامات شُرود وهي تتخيّل ذلك الكم من الأسئلة المتراكمة ماثلا أمامها كَتلّ مِن وَرق !

مدّت يَدها لتنتشل سؤالا وتطرحه على نفسها : " هل يومي يشبه أمسي ؟!

أم أنني تعلمتُ من تجارب أمسي فغدا يومي أنضج ..! "

أطْرَقت ...

بالأمس .. كنتُ أحتاج إلى من يقف بجانبي مادّا يدَ العون كي أخطو .. ولو خطوة !

بالأمس .. كنتُ أنتظر وجودهم لأحلم ..!

بالأمسِ .. كانت الحيرة تكتنفني كلما هممتُ بالمسير : من أين سأبدأ ؟ وإلى أين أريد الوصول ؟!

بالأمسِ .. كانت الأحلام والآمال كثيرة متشعبة ، والعزمُ في شتات !

بالأمسِ .. كان القلب غضا لا يعرف إلا البياض !

أما اليوم ... فما أجمل اليومَ وما أقساه !

اليوم .. حصاد أمس وبذرة غد

اليوم .. سعة فهم ، زيادة خبرة ، ورحابة صدر

اليوم .. أمل وعمل وحلم ممتد

اليوم .. قلب بين الطفولة والكهولة يترنم !

اليوم .. رحلة أعرف موعدها وأخشى فواتها .

طَرق على الباب أيْقظَها من شُرودِها ، فَطَوَت سُؤالَها وأعادَتْه إلى ذلك الكم المتراكم من الأسئلة ...

" سأحتاجك ثانية " همستْ لنفسِها ؛ ثم رَنَت نحو البابِ لتجيبَ الطَّارق ..

- السلام عليكم

- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

- عدتِ مبكرة ! هل أنتِ بخير ؟

- نعم يا أخي أنا بخير الحمد لله ، فلا تقلق .

- الحمد لله .

يتقدّمُ بضعَ خطواتٍ فيلمحُ حلّة البيت الجديدة ، يسأل بدهشة :

- ما الأمر ؟

- لا شيء ؛ لا شيء سِوَى رَجع صَدَى !

تم تعديل بواسطة الوفاء و الإخلاص
  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

رااااااااااااااااااائع ماشاء الله تبراك الرحمن

 

سلمت أناملكِ على تلك القصة الأكثر من رائعة

 

في إنتظار المزيد من كتاباتكِ وإبداعاتكِ الرائعة..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

مـــاشاء الله .. اللهم بـــارك

أحسنتِ جهداً أختي الحبيبة

قصــة بها كـثير من الهمسات المتداخله

بأحداث مشوقة ماشاء الله

لاتنقطعي عن مثل تلكَ الكتابات عنا

دام قلمكِ لخدمة الدين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

صَدَى !

 

" صدقتِ يا أمي .. كم أشتاق إليك وإلى والدي الحبيب وإخوتي الأعزاء وإلى عشّنا الدافئ بل لأقل إلى حديقتنا الغنّاء " ! أما زلتِ ـ يا أماه ـ تعتنين بورودك أكثر منّا ؟! "
وَإِن أَرَاد شَخصٌ التَّمَرُّد عَلَى أَهلِـﮧ، وَإِكمَال مَشَارِيعِـﮧ بَعِــيــدَاً عَنهُم ..

فَلا بُدّ لِلقَلب مِن حَنِينٍ وَشَوق !

 

" كَثيرةٌ هي الأسئلة التي نَنْسَى أن نطرحَها على أنفسِنا أو ربما نَتناسَى ، فيمر اليوم تلو اليوم وهي في تَراكُم ..! "
يَبدُو أَن عَلَي الوُقُوف كَثِيرَاً أَمَام هَذِي الجُملَۃ !

كَمَا أَن هُنَاڪ الكَثِير وَالكَثِير مِن المَشَارِيع التِي نُفَكِّر فِيهَا فَلا يَبقَى إِلا الخُطوَة الأُولَى !

فَتَضطَّرُّنَا الظُرُوف لِنُؤَجِّل، أَو يُؤَجِّلُهَا كَسَلُنَا إِلَى أَجَلٍ غَيرِ مُسَمَّى ..

 

قِصَّۃٌ جَمِيلَۃ ..

تَحمِل فِي طَيَّاتِهَا مَعَانِي ::

الجِد، الوَاقِعِيَّۃ فِي التَّفكِير، وَمَا لا يَقدِر قَلَمِي عَلَى تَلخِيصِـﮧ فِي كَلِمَتَين !

بَارَڪ اللَّـﮧ فِيڪِ وَفِي قَلَمِڪِ أُختِي رَجَاء ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

أخواتي العزيزات

ღ الأمل المشرق ღ يارب سامحني ღ الجمانة ღ

حضور زاخر بكل الطيب والكرم ...

جزاكن الله خيرًا ، وبارك فيكن وفي مدادكن

دمتن بخير وعطاء

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

رااااااااااااااااااائع ماشاء الله تبراك الرحمن

 

سلمت أناملكِ على تلك القصة الأكثر من رائعة

 

في إنتظار المزيد من كتاباتكِ وإبداعاتكِ الرائعة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،،

 

أقف حائرة أختي الحبيبة

لجمال كتاباتك ِ , وأقول جزاك ِ الله خيرًا يا حبيبة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكمورحمة الله وبركاته

 

صدقتِ يا أمي .. كم أشتاق إليك وإلى والدي الحبيب وإخوتي الأعزاء وإلى عشّنا الدافئ بل لأقل إلى حديقتنا الغنّاء " ! أما زلتِ ـ يا أماه ـ تعتنين بورودك أكثر منّا ؟! "

 

" كَثيرةٌ هي الأسئلة التي نَنْسَى أن نطرحَها على أنفسِنا أو ربما نَتناسَى ، فيمر اليوم تلو اليوم وهي في تَراكُم ..!

نعم وما اكثرها !!!

نسأل الله ان يفك قيد انفسنا

ما اكثر معاني هذه الكلمات

جعلتيني ان اقف حائرة امامك

فباااارك الله فيك يا غاليه

وجزاك المولى خير الجزاء

تقبلي روري اختاه

عبااارات

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

أختي العزيزة \* جُويرية *\

وجزاك خير الجزاء على حضورك العذب وتشجيعك الكريم .

 

|

 

أختي العزيزة طفلة من أطفال فلسطين

وعليكِ السلام ورحمة الله وبركاته

حيّاك الله ، وجزاك خير الجزاء على حضورك العذب وتشجيعك الكريم .

 

دمتما بخير

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

بوركتِ يا حبيبة على ما خطته اناملكِ

لا تحرمينا من ابداع قلمكِ

رائع

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

أختي العزيزة راماس

وعليكِ السلام ورحمة الله وبركاته

وفيكِ بارك الله ، وجزاك خيرا على حضورك العذب وتشجيعك الكريم .

دمتِ بخير

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×