اذهبي الى المحتوى
أمّ عبد الله

شروط الترجيح وقرائنه

المشاركات التي تم ترشيحها

شروط الترجيح وقرائنه

 

الترجيح لغة: "رجح الشيء (يرجح) إذا زاد وزنه، وتعدى بالألف فيقال: (أرجحته) ورجَّحت الشيء بالتثقيل: فضَّلته وقوَّيته"[1].

اصطلاحًا: قال الجرجاني: "ثبات مرتبة في أحد الدليلين على الآخر"[2]، وقد تعددت تعريفات الأصوليين لمصطلح الترجيح، وقد خلص أحد المعاصرين إلى تعريف الترجيح بقوله: "تقديم المجتهد أحد الطريقين المتعارضين لِما فيه من مزية معتبرة تجعل العمل به أولى من الآخر"[3].

 

شروط الترجيح:

وضع العلماء شروطًا يجب توفرها في الترجيح حتى يؤدي مقصده الذي وضع من أجله، ومن تلك الشروط:

• أن يكون الحديثانِ المتعارضان مستويين في الثبوت والحجية.

• عدم إمكان الجمع بين الحديثين أو الأحاديث المتعارضة بوجه مقبول.

• ألا يكون أحد الدليلين ناسخًا للآخر.

• أن يتفق الدليلان المتعارضان في الحكم مع اتحاد الوقت والمحل والجهة[4].

ويفهم هذا ضمنًا من قول الخطابي - رحمه الله -: "وإذا صح الحديث وجب القول به، إذا لم يكن منسوخًا أو معارضًا بما هو أولى منه"[5].

 

قرائن الترجيح.

وليس الترجيح بالأمر الهين؛ إذ يحتاج الناظر في مشكل الحديث إلى سَعة في علوم الشريعة، واطلاع واسع في علوم الآلة التي تمكنه بعد توفيق الله من إيجاد مخرج لحل التعارض بقرينة يعتمد عليها عند الترجيح، على أن تكون تلك القرينة متسقة مع باقي نصوص الشريعة، ومؤدية لمعنى يقبله النظر الصحيح، ومن القرائن التي استخدمها الإمام الخطابي رحمه الله.

أ- ترجيح الحديث.

ب- الأصح إسنادًا.

 

فلأن الأحاديث الشريفة تتفاوت من حيث الصحة فهناك صحيح وهناك أصح، حيث تتفاوت مراتب الأحاديث بسبب تفاوت مراتب رواتها من حيث الضبط، وحين يتعارض حديثان أحدهما أصح من معارضه فإنه يقدم عليه؛ لأن فيه زيادة ضبط لرواته.

مثل قوله - رحمه الله -: قلت: في إسناد هذا الحديث مقال، ولا أعلم أحدًا من العلماء حرم الصلاة في أرض بابل، وقد عارضه ما هو أصح منه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((جُعلت لي الأرض مسجدًا وطَهورًا))"[6] [7].

وقال: "وأما حديث الفضل بن عباس ففي إسناده مقال.....فبقي خبر أبي ذر في الكلب الأسود لا معارض له، فالقول به واجب؛ لثبوته، وصحة إسناده"[8].

 

ت- ترجيح الحديث لجودته.

وقد لا يكون التعارض بين حديثين من باب الصحيح والأصح، ولكن أحدهما أقل رتبة من حيث القبول، فإذا تعارض حديثان أحدهما حسن، والآخر حسن لغيره، فيقدم الحسن لجودته.

قال - رحمه الله -: "وإسناد حديث عائشة في الإباحة أجود من إسناد خبر النهي"[9].

وقال - رحمه الله -: "وإسناد هذا الحديث إسناد لا مزيد عليه في الجودة من إسناد أهل الكوفة"[10].

 

ث- الترجيح بعدالة أحد الراويين.

فحين يرد حديثان متعارضان في أحدهما راوٍ متفق على ضبطه، والآخر دونه في الضبط، فترجح رواية المتفق على ضبطه على غيره ممن هو دونه في الضبط.

مثل قوله - رحمه الله -: "والحديث الأول أصح، وصالح مولى التوءمة ضعفوه، وكان قد نسي حديثه في آخر عمره"[11].

 

ج- ترجيح رواية من عُرف بالاختصاص وطول الملازمة.

فقد اهتم العلماء بترتيب تلاميذ الأئمة من رواة الحديث من حيث طول الملازمة والقرب من الراوي، وجعلوهم على طبقات، فإذا تعارض حديثان في أحدهما من عرف بطول الملازمة للراوي أو القرب والاختصاص به، فإن روايته تقدم على غيره؛ لأنه أكثر خبرة ومعرفة بحديث الشيخ، فيحصل بذلك زيادة اطمئنان إلى رجحان روايته.

قال - رحمه الله -: "كانت رواية أهل الحجاز أولى؛ لأن عائشة رضي الله عنها عمة القاسم وخالة عروة، وكانا يدخلان عليها بلا حجاب، والأسود يسمع كلامها من وراء حجاب"[12].

 

ح- ترجيح الحديث الذي سلم من الاختلاف.

فإذا تعارض حديثان، وكان أحد الحديثين قد وقع في إسناده اختلاف بين رواته في سنده أو متنه، فإنه يعتبر مرجوحًا في مقابل الحديث الذي سلم من الاختلاف؛ وذلك لأن رواته قد ضبطوه، وأدَّوْه من غير اختلاف.

مثل الإشكال الحاصل من تعارض الأحاديث الصحيحة في تحريم لحوم الحُمُر الأهلية، وورود حديث يعارضه، قال - رحمه الله -: "فأما حديث ابن أبجر فقد اختلف في إسناده"[13].

 

خ- الترجيح بتقديم المثبِت على النافي.

التعارض بين المثبت والنافي مسألة مختلف فيها، وكأن الخطابي يميل إلى القول بتقديم المثبِت؛ لأنه يخبر عن حقيقة، والنافي اعتمد على الظاهر، فيكون قول المثبِت راجحًا على قول النافي؛ لاشتماله على زيادة علم[14].

قال - رحمه الله -: "والأحاديث الصحيحة التي جاءت بإثبات رفع اليدين عند الركوع وبعد رفع الرأس منه أولى من حديث ابن مسعود، والإثبات أولى من النفي"[15].

وقال: "وقول المثبِت أولى من قول النافي؛ لأنه حفظ زيادة لم يحفظها النافي"[16].

 

د- الترجيح بموافقة أحد الحديثين لظاهر القرآن.

وهذه قرينة خارجية، فحين يوافق أحد الحديثين المختلفين ظاهر القرآن يكون أرجح من غيره؛ لأن العلم الحاصل من دليلين أقوى من العلم الحاصل من دليل واحد، قال الشافعي رحمه الله في قرائن الترجيح بين الأحاديث المختلفة: "أن يكون أحد الحديثين أشبه بكتاب الله، فإذا أشبه كتاب الله كانت فيه الحجة"[17].

قال - رحمه الله -: "وهذا حديث جيد الإسناد، إلا أن حديث صالح بن خوات أشدُّ موافقة لظاهر القرآن"[18].

 

ذ- الترجيح بعمل الصحابة بأحد الحديثين.

إذا تعارض حديثان أحدهما قد ثبت عمل الصحابة به، فإنه يرجح على غيره؛ وذلك لأن الصحابة لم يتركوا العمل بالآخر إلا لحجة عندهم.

ففي الحديثين المختلفين في الصلاة على الجنازة قال: "وقد ثبت أن أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - صُلي عليهما في المسجد، ومعلوم أن عامة المهاجرين والأنصار شهدوا الصلاة عليهما، ففي تركهم إنكاره دليل على جوازه"[19].

 

ر- الترجيح برواية أخرى لأحد الحديثين.

وهذا من المفاضلة بين أوجه الحديث الواحد إذا تعارضت، فينظر في الوجه الذي اشتمل على ما يزيل الإشكال، ويوضح المقصود من الحديث، فيكون ما فيه قرينة لترجيح أحد الوجهين المختلفين.

ففي توجيه الإشكال الوارد في حديث: ((ما ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى))[20]، قال - رحمه الله -: "قلت: وهذا أولى الوجهين وأشبههما بمعنى الحديث؛ فقد جاء من غير هذا الطريق أنه قال صلى الله عليه وسلم: ((ما ينبغي لنبي أن يقول: إني خير من يونس بن متى))، فعم به الأنبياء كلهم، فدخل هو في جملتهم"[21].

 

ز- ترجيح رواية صاحب القصة على رواية غيره.

إذا تعارض حديثان، وكان راوي أحدهما صاحبَ القصة الواردة في الحديث، فيكون حديثه مقدمًا على غيره، وتكون قرينة لترجيح خبره على غيره؛ لأنه أعلم بما جاء في الحديث، وأكثر التصاقًا به.

في الإشكال الوارد بين حديث ابن عباس وحديث ميمونة، قال - رحمه الله -: "قلت: وميمونة أعلم بشأنها من غيرها، وأخبرت بحالها وبكيفية الأمر في ذلك العقد، وهو من أدل الدليل على وهم ابن عباس"[22].

 

س- ترجيح الموصول على المرسل.

وهذه مسألة خلافية بين المحدثين في أيهما يقدم: الموصول أم المرسل؟ والصحيح ألا يحكم بحكم عام في هذه المسألة، إنما ينظر في حال كل حديث على حدة، وإنما يكون الترجيح بما يتوافر من قرائن في ذلك، لكن إذا ثبت أن أحد الحديثين مرسل، فهنا لا يصح أن يعارض الموصول إذا صح؛ لأن المرسل من الضعيف.

قال - رحمه الله -: "لأن عبدالله بن عكيم لم يلقَ النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو حكاية عن كتاب أتاهم، فقد يحتمل لو ثبت الحديث أن يكون النهي إنما جاء عن الانتفاع به قبل الدباغ"[23].

 

ش- ترجيح الرواية الزائدة على ما يضادها.

وهذه أيضًا مسألة خلافية بين المحدِّثين في أيهما يقدم: الحديث الذي تضمن زيادة على غيره، والصحيح ألا يحكم بحكم عام في هذه المسألة، إنما ينظر في حال كل حديث على حدة، وإنما يكون الترجيح بما يتوافر من قرائن في ذلك، ما عدا ما زاده الصحابة في الحديث، وثبتت تلك الزيادة، فإنها تأخذ حكم الحديث المستقل بذاته؛ فالصحابة كلهم عدولٌ.

قال - رحمه الله -: "وهذه فصول في الزيادات حفظها أبو سعيد الخدري دون غيره من الصحابة، وقبول الزيادات واجب، فكان المصير إلى حديثه أولى"[24].

 

ص- ترجيح المفسر على المجمل.

فحين يتعارض حديثان أحدهما ورد فيه تفسير لعلة الحكم الوارد في الحديث مع آخر لم يذكر العلة، فإن المفسر يقدم على المجمل؛ لاشتمال المفسر على إيضاح وبيان للحكم، ولأنه أقوى في تأكيد الاستدلال به.

قال - رحمه الله -: "قلت: قد يحتمل أن يكون الأمر في هذا على ما ذهبت إليه عائشة؛ لأنها قد روت أن ذلك إنما كان في شأن يهودي، والخبر المفسر أولى من المجمل"[25].

ولم أقف في كتاب المعالم على توقف الإمام الخطابي عن العمل بالحديث في حال عدم إمكانية الجمع أو الترجيح، أو القول بالنسخ؛ لذا لم أجعل للتوقف فصلًا مستقلًّا بالتوقف في الحديث.

 

[1] المصباح المنير ص 219.

[2] التعريفات ص 17.

[3] التعارض والترجيح ص 228.

[4] مختلف الحديث بين الفقهاء والمحدِّثين، ص 222 - 226.

[5] معالم السنن 4/ 37.

[6] معالم السنن 1/ 148.

[7] جزء من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أُعطيتُ خمسًا ...، أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: التيمم، باب 1، حديث 335.

[8] معالم السنن 1/ 192.

[9] معالم السنن 1/ 61.

[10] معالم السنن 1/ 236.

[11] معالم السنن 1/ 302.

[12] معالم السنن 3/ 250.

[13] معالم السنن 4/ 239.

[14] ينظر: التعارض والترجيح 299 - 301.

[15] معالم السنن 1/ 194.

[16] معالم السنن 1/ 253.

[17] الرسالة ص 284.

[18] معالم السنن 1/ 264.

[19] معالم السنن 1/ 302.

[20] سبق تخريجه ص 13.

[21] معالم السنن 4/ 310.

[22] معالم السنن 2/ 183.

[23] معالم السنن 4/ 192.

[24] معالم السنن 1/ 239.

[25] معالم السنن 1/ 303.

 

 

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/117753/#ixzz4mhFE1GpB

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

ما شاء الله!!

نقل جميل جدًا وقيّم.. جزاكِ الله خيرًا

 

كل هذه الأصول والشروط التي ترجح كفة حديث على آخر ثم يأتي رويبضة هذا العصر ويتشدقون بملء فيهم بما لم يحيطوا به علمًا.. سبحان الله!

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

ما شاء الله تبارك الله

 

نقلٌ قيّم

 

جعله الله فى ميزان حسناتِك حبيبتى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×