اذهبي الى المحتوى

المشاركات التي تم ترشيحها

 

أين نحن من نساء السلف؟! (1)

د خاطر الشافعي

 

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

وبعد:

فالمتأمِّل لما كتبناه سابقًا من مقالات ( أين نحن من أطفالالسلف ؟!)، تحاصره تساؤلاتٌ شتى عن تلك النماذج المضيئة، التي أثْرَت تراثنا الأخلاقي، ويأخذه شغفٌ كبير لمعرفة أي بطونٍ حملت بتلك النماذج الفريدة، التي أهدت للإنسانية قِيَمًا نبيلة، وتُلح عليه رغبة عارمة لمعرفة أي بيوتٍ أخرجت هؤلاء العظام رغم حداثتهم، وأي أمهاتٍ أرضعنهم الصلاحَ والتقوى قبل اللبن، ويجد المتأمل لذلك الفرقَ الشاسع بين ما كُنَّ عليه، وما هو كائنٌ من كثيراتٍ من أمهات اليوم.

 

إن تاريخنا الإسلامي مليءٌ بقصص نساء يَعجِز عن أفعالهن - للأسف - كثيرٌ من رجالات اليوم! وليس هذا مجال حديثنا، ولكن غايتنا الآن الإبحار في سيرة هؤلاء النسوة، وساعتها لن نجد غرابةً ولا دهشةً من معرفة (لماذا تميز أطفال السلف؟)، (ولماذا تعثَّر أطفال الخلف؟).

 

ولنبدأ رحلتنا مع (امرأة من أهل الجنة) شاهدَها الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم!

 

إنها امرأة من أهل الجنة تمشي على الأرض.

 

يا ألله! فما أروع أن يُبشر رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى إنسانًا بالجنة، فيعيش مطمئنًّا أنه حين يلاقى ربه يوم لا ينفع مال ولا بنون، سيكون مأواه جنة عرضُها كعرض السموات والأرض أعدت للمتقين!

 

إنها إحدى نساء الأنصار، بايعت رسول الله فأوفت البيعة، إنها من أوائل من أدرك وأقر أنه "لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله" على وجه البسيطة، إنها صحابية جليلة، قد لا يعرفها ولا يعرف قدْرَها الكثيرون على الرغم مما في سيرتها من عبرةٍ وقدوة.

 

إنها امرأة تركت زوجها من أجل الإسلام!

 

أسلمَتْ كغيرها من السابقين عندما سمعت عن دين الحق في يثرب قبل هجرة الرسول، وكان من أوائل من وقف في وجهها زوجها مالكٌ، الذي غضب وثار عندما رجع من سفره وعلم بإسلامها، ولما سمع مالك بن النضر زوجته تُردد بعزيمة أقوى من الصخر: "أشهد أنْ لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمدًا رسول الله"، خرج من البيت غاضبًا؛ بل خرج من المدينة كلها؛ لأنها أصبحت أرض إسلام لا مكان لكافر مثله بها، ومات بالشام، ضحت هذه المؤمنة بحياتها الزوجية، وبزوجها، وولدها الوحيد "أنس"؛ من أجل دينها وثباتها على مبدئها، ولم تتردد أو تتراجع!

 

حينما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، كانت الأنصار ومن كان فيها من المهاجرين مشغولين باستقبال النبي - صلى الله عليه وسلم - فرحين مستبشرين بمقدَمِه - صلى الله عليه وسلم - فأقبلت الأفواج لزيارته - صلى الله عليه وسلم - فخرجت من بين هذه الجموع، ومعها ابنها أنس - رضي الله عنهما - فقالت:

"يا رسول الله، إنه لم يبقَ رجل ولا امرأة من الأنصار، إلا وقد أتحفتك بتحفة، وإني لا أقدر على ما أُتحفك به إلا ابني هذا، فخذه فليخدُمْك ما بدا لك".

 

فكان ولدها هذا "أنس بن مالك" الذي اشتهر بخادم رسول الله، الذي لازم الرسول، وتعلم على يده، وروى عنه من الحديث الكثيرَ.

 

تقدم لخطبتها بعد وفاة زوجها الأول "أبو طلحة زيد بن سهل"، وكان لا يزال مشركًا، وعرض عليها مهرًا كبيرًا، فترده؛ لأنها لا تتزوج مشركًا تقول: إنه لا ينبغي أن أتزوج مشركًا، أمَا تعلم يا أبا طلحة أن آلهتكم ينحتها آل فلان،وأنكم لو أشعلتم فيها نارًا لاحترقت؟ فعندما عاود لخطبتها قالت: "يا أبا طلحة، ما مثلك يُرَدُّ، ولكنك امرؤ كافر، وأنا امرأة مسلمة، فإن تسلم، فذاك مهري، لا أسأل غيره"، فانطلق أبو طلحة يريد النبي - صلى الله عليه وسلم - ليسلم ويتشهد بين يدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - فتزوجت منه - وهكذا دخل أبو طلحة الإسلام، وحسُن إسلامه على يد زوجته تلك الصحابية الرائعة.

 

خرج زوجها أبو طلحة، وترك ولده وولدها مريضًا، فمات الولد في غياب والده، وعندما عاد أبو طلحة سأل عن ابنه المريض، لم تخبره بوفاته! بل تزيَّنت، وقدَّمت له العَشاء، ونال منها ما ينال الرجل من امرأته، وبعدها أخبرتْه بوفاة فِلْذَة كبدها وكبده، قالت: يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قومًا أعاروا عاريتَهم أهل بيت، فطلبوا عاريتَهم، ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، قالت: فاحتسِب ابنك!

 

فغضب، وعجب كيف تُمَكِّنه من نفسها، وولدُها ميت؟! وخرج يشكوها لأهلها ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستقبله النبي باسمًا، وقال: ((لقد بارك الله لكما في ليلتكما))، فحملت بولدها (عبدالله بن أبي طلحة) من كبار التابعين، وكان له عشرة بنين كلُّهم قد ختم القرآن، وكلهم حمل منه العلم!

 

جاهَدَت مع الرسول في غزواته، ففي صحيح مسلم، وابن سعد في "الطبقات" بسند صحيح أن أم سليم اتخذت خَنجرًا يوم حُنين، فقال أبو طلحة: يا رسول الله، هذه أم سليم معها خنجر، فقالت: يا رسول الله، إن دنا مني مشرك بَقَرْتُ به بطنه! ويقول أنس - رضي الله عنه -: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقين الماء، ويداوين الجرحى".

 

قال رسول الله عنها: ((دخلْتُ الجنة، فسمعت خشفة "حركة"، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذه الرُّمَيْصَاءُ بنت ملحان أمُّ أنس بن مالك)).

 

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أُرِيت أني دخلت الجنة، فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة)).

 

لنرى كيف كانت تضحيتها بزوجها وولدها في سبيل إسلامها، ولنرى حجم تقصيرنا، ولنجبر عيوبنا، قبل أن يأتي يومٌ لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون، فهل نحن فاعلون؟!

  • معجبة 2

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

 

جزاكِ الله خيرًا وبارك في الكاتب

سبحان الله!

لها في كل جانب من جوانب الحياة بصمة

رضي الله عنها

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بارك الله فيك يا حبيبة

وجزاك كل خير

ما أجملها من سيرة طيبة!

رضي الله عنها وجمعنا بها في الجنة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

رضي الله عنها وأرضاها وجمعنا بها في أعالي جنته .

 

جزاكنّ الله خيرا يا غاليات .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

سيرة عطرة تثلج الصدر

رضي الله عنها وأرضاها

جوزيتِ خيراً يا حبيبة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته ،،

 

رضي الله عنها وأرضاها وجمعنا بها وبجميع أمهاتنا في أعالي جناته

 

بارك الرحمن تعالى فيك ياغالية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

رضي الله عنهاوأرضاها

أم سليم الصحابية الجليلة كانت حياتها مليئة بالتضحيات و بالكفاح في سبيل الله.

جمعنا الله بها في الجنة

جزيت خيرا ام عبد الله الحبيبة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

لله درها .. رضي الله عنها وأرضاها

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيكم وجزاكم خيرا على هذا النشر الرائع

أسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتكم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إن تاريخنا الإسلامي مليءٌ بقصص نساء يَعجِز عن أفعالهن - للأسف - كثيرٌ من رجالات اليوم! وليس هذا مجال حديثنا، ولكن غايتنا الآن الإبحار في سيرة هؤلاء النسوة، وساعتها لن نجد غرابةً ولا دهشةً من معرفة (لماذا تميز أطفال السلف؟)، (ولماذا تعثَّر أطفال الخلف؟)

 

جزيت خيرًا يا حبيبة

 

لله درها

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

رضي الله عنها وارضاها وجمعنا بها في الجنة

 

بارك الله فيك ياحبيبة ونفع بكِ

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

  • محتوي مشابه

    • بواسطة أمّ عبد الله
      أين نحن من نساء السلف ؟! (9)




      الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على البشير النذير، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد:


       

      فموعدنا اليوم مع الشامخة القوية، الطاهرة الزكية، المؤمنة المحتسبة، الصابرة التقية، السميراءُ بنت قيس، التي أسلمت فشمخت بإسلامها، وشمخ بها الإسلام، فإذا هي نموذج فريد متحرِّك لما تنبغي أن تكون عليه المرأة المسلمة.


       
       

      فحين نفر المسلمون إلى أُحُدٍ، سارعت السميراءُ تُحرِّضُ ولدَيْها، النعمان بن عبدعمرو، وسليم بن الحارث، على النُّفرة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم تمضي من خلف الرَّكب النبوي مع نفرٍ من نساء المسلمين تستطلع أخبار القتال، واحتدم القتال، والسميراء ورهطها يُراقِبْنَ عن بعدٍ مجرى المعركة، حتى إذا لاح لها فارس يقترب، نهضت إليه تستوقفه، وتسأله عن أخبار المعركة، فعرَفها الفارس، فنعى إليها ولديها النعمان وسليمًا، فما زادت على أن قالت: (إنا لله وإنا إليه راجعون)!


       
       

      وعادت إلى الرجل تقول: يا أخا الإسلام، ما عنهما سألتُك، أخبرني ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ قال الرجل: خيرًا إن شاء الله، هو بحمد الله على خير ما تحبين، قالت: أَرِنيه أنظر إليه، فأشار إليه، فقالت: وقد تهلَّل وجهُها، ونسيَتْ مصيبتها بولديها: "كل مصيبة بعدَك جللٌ يا رسول الله".


       
       

      وما هي إلا سويعات، حتى جيء لها بولديها الشهيدين، فقبَّلَتهما وحملتهما على ناقتها، ورجعت بهما إلى المدينة، وفي الطريق، قابلتها عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها.


       

      فقالت: ما وراءك يا سميراء؟ قالت: أما رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - فهو بحمد الله بخير، وأما المسلمون فقد اتخذ الله منهم شهداء..


       
       

      حتى قالت عائشة - رضي الله عنها -: فمَن هؤلاء الذين فوق الناقة يا سميراء؟ قالت: هما ولداي، النعمان وسليم، قد شرفني الله باستشهادهما، وإني لأرجو الله أن يلحقني بهما في الجنة!


       
       

      يا الله!


       

      ما هذه القوة الإيمانية؟!


       

      وما هذا الثبات المنقطع النظير؟!


       

      رحم الله السميراء بنت قيس، وأسكنها الله فسيح جناته، وجمعها بولديها الشهيدين في الجنة؛ فقد أهدت لنا دروسًا في الثبات والصبر ورباطة الجأش، فهل نحنُ على خطاها سائرون؟


    • بواسطة أمّ عبد الله
      أين نحن من نساء السلف؟! (8)




      الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على خير المرسلين, سيدنا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد:



      فموعدنا اليوم مع الصابرة المحتسبة (أم الشهداء) أم عمرو تُماضِر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد السُّلَمِيَّة الملقبة بالخنساء، من أشهر شاعرات العرب، وقد أجمع علماء الشعر أنه لم تكن امرأةٌ أشعرَ منها، وشِعرُها كلُّه في رثاء أخوَيْها معاوية وصخر، اشتهر رثاؤها في أخويها، وعظم مصابها.


       

      قدِمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع قومِها من بني سليم، وأعلنت إسلامَها إيمانها بعقيدة التوحيد، وحسُن إسلامها حتى أصبحت رمزًا متألقًا من رموز البسالة، وعزة النفس، وعنوانًا للأمومة المسلمة المشرفة.


       

      كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستنشدها ويُعجِبه شعرها، وكانت تنشده، وهو يقول: ((هيه يا خناس))، ويومئ بيده.


       

      وعندما أخذ المسلمون يحشدون جندهم ويعدُّون عدَّتهم زحفًا إلى القادسية، كل قبيلة تزحف تحت علمها مسارعةً إلى تلبية الجهاد، كانت الخنساء مع أبنائها الأربعة تزحف مع الزاحفين للقاء الفُرْس، وفي خيمةٍ من آلاف الخيام جمعت الخنساء بَنِيها الأربعة لتُلقِي إليهم بوصيتها, فقالت: "يا بَنِيَّ، أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة، ما خُنْتُ أباكم، ولا فضَحْتُ خالكم، ولا هجنت حسبَكم، ولا غيَّرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعدَّه الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أنَّ الدار الباقية خيرٌ من الدار الفانية، يقول الله -تعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200]، فإذا أصبحتم غدًا إن شاء الله سالِمين فاغدُوا إلى قتال عدوِّكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحربَ قد شمَّرَت عن ساقها، واضطرب لظًى على سياقها، وجلجلت نارًا على أوراقها، فتيمَّموا وطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها، تظفروا بالمَغْنَم والكرامة، في دار الخلد والمقامة.


       

      فلما أشرق الصبح، واصطفت الكتائب، وتلاقى الفريقان، باشروا القتال واحدًا بعد واحد، حتى قُتِلوا، وكان منهم إنشادٌ قبل أن يستشهدوا رجزًا:


       

      فقال الأول:


       

      يا إخوتي، إنَّ العجوز الناصحة



      قد نصحتنا إذ دعتنا البارحة



      مقالة ذات بيانٍ واضحة



      فبادروا الحرب الضروس الكالحة



      وإنما تلقون عند الصائحة



      من آل ساسان كلابًا نابحة



      قد أيقنوا منكم بوقع الجائحة



      وأنتم بين حياةٍ صالحة



      أو ميتةٍ تورث غنمًا صالحة


       

      وتقدم فقاتل حتى استشهد - رحمه الله تعالى.



      ثم تقدم الثاني وهو يقول:


       
       

      إنَّ العجوز ذات حزمٍ وجَلَد



      والنظر الأوفق والرأي الأَسَد



      قد أمرتنا بالسداد والرَّشَدْ



      نصيحة منها وبرًّا بالولد



      فباكروا الحرب حماةً في العددْ



      إما لفوزٍ باردٍ على الكَبِد



      أو ميتة تُورِثُكم غُنْمَ الأبدْ



      في جنة الفردوس والعيش الرَّغَدْ


       

      فقاتل حتى استشهد - رحمه الله تعالى.


       

      ثم تقدم الثالث وهو يقول:


       

      والله لا نعصي العجوز حرفَا



      قد أمرتنا حدبًا وعطفَا



      نصحًا وبرًّا صادقًا ولُطْفَا



      فبادروا الحرب الضروسَ زحفَا



      حتى تلفُّوا آلَ كسرى لفَّا



      وتكشفوهم عن حماكم كشفَا


       

      فقاتل حتى استشهد - رحمه الله تعالى.


       

      وحمل الرابع وهو يقول:


       

      لستُ لخنساءَ ولا للأخرمِ



      ولا لعمرٍو ذي السناءِ الأقدمِ



      إن لم أَرِدْ في الجيش جيشِ العجمِ



      ماضٍ على المهول خضم خضرمِ



      إما لفوزٍ عاجلٍ ومَغْنَمِ



      أو لوفاةٍ في السبيل الأكرمِ


       

      فقاتل حتى استشهد - رحمه الله.


       

      فبلغ خبرُهم الخنساءَ أمَّهم، فقالت: الحمد لله الذي شرَّفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته).



      يا الله!


       

      ما هذا الثبات؟!



      لم تلطم خدًّا، ولم تشقَّ جيبًا، ولكن صبرت واحتسبت، فما أحوجنا لصبرها، وما أحوجنا لثباتها، فهل نحن على درب الصبر سائرون؟!


    • بواسطة أمّ عبد الله
      أين نحن من نساء السلف؟! (6)
       
       

      الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف المرسلين, سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين, وبعد:


       

      فوسط السيل الجارف من مظاهر التقصير والإهمال، والركون إلى الدنيا الفانية، تُهدِينا السيرةُ أمثلةً لا تُقارَن لمن آثروا الباقية على الفانية، فكان إعزازُ الدين هو محورَ حياتهم، في حركاتهم وسكناتهم، فتشرَّبت قلوبهم قوَّة الإيمان، وهو ما نحتاجُه اليوم وسط أمواج الفتن.


       

      فها هي (صفية بنت عبدالمطلب) عمَّةُ رسول الله - صلي الله عليه وسلَّم - تُهدِينا أروع القِيَم، فقد جاء عنها كما في (الإصابة) أنها قالت: "إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا خرج إلى الخندق جعل النساء في أُطُمٍ - أي الحصن - يقال له: فارع، وجعل معهن حسان بن ثابت، قالت: فجاء إنسان من اليهود فرقى في الحصن حتى أطلَّ علينا، فقلت لحسان: قُمْ فاقتله، فقال: لو كان ذلك فيَّ كنت مع رسول الله (لأنه كان شيخًا فانيًا)، قالت: فاعتجرتُ وأخذت عمودًا، ونزلت من الحصن إليه فضربتُه بالعمود حتى قتلته وقطعت رأسه، وقلت لحسان: قم فاطرح رأسه على اليهود وهم أسفل الحصن، فقال: والله ما ذاك، قالت: فأخذت رأسه فرميتُ به عليهم، فقالوا: قد علمنا أنَّ هذا لم يكن ليترك أهله خلوفًا ليس معهم أحد فتفرَّقوا.


       

      وهي أول امرأة قتلت رجلاً من المشركين.



      أما حثّها للرجال على القتال، فلم يقتصر على لسانها فقط, ولم تحث القاعدين، بل حثت الغزاة الذين لم يظفروا بعدوِّهم، وكان ذلك الحث بجوارحها.



      قال في (الإصابة): وجاء من طريق حماد عن هشام عن أبيه أن صفية جاءت يوم أُحُدٍ، وقد انهزم الناس وبيدها رمح تضرب في وجوههم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((يا زبيرُ، المرأةَ))!



      أما عن صبرها على المصيبة واحتسابها، فهي جبل أشم!



      قال في (الإصابة): "قُتِل حمزة، فأقبلت صفية بنت عبدالمطلب لتنظرَ إلى أخيها، فلقيها الزبير، فقال: أي أُمَّه، إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرك أن ترجعي، قالت: ولِم وقد بلغني أنه مُثِّل بأخي، وذلك في الله فما أرضانا بما كان من ذلك، لأصبرن وأحتسبن إن شاء الله، فجاء الزبير فأخبره، فقال: ((خلِّ سبيلها))، فأتت إليه واستغفرت له ثم أمر به ودفن...".



      وهذا النموذج فيه من قوة القلب والإيمان ما نحتاج لمثله اليومَ في نسائنا, ولا نظن أنَّ رجلاً يعلم أنَّ وراءه مثل صفية فينكصُ عن الجهاد والإقدام!


       

      فلنقارِنْ ما هو كائنٌ بما كان، ولنُغيِّر من أنفسنا، فنظرةٌ بسيطة لما كان كفيلة لأن نخجل من تقصيرنا، وأن نعود إلى رُشدِنا، فلا نجزع ولا نيئس، فإنه ﴿ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]، فهل نحنُ مُقتدون؟!


       




    • بواسطة أمّ عبد الله
      أين نحن من نساء السلف؟! (7)
       
       

      الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المُرسلين، سيدنا محمدٍ الأمين، وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.


       

      وبعد:



      فموعدنا اليوم مع قصة الصحابية أم شريك القرشية (المرأة الداعية)، واسمها غزية بنت جابر بن حكيم، وهي إحدى نساء قريش، ثم إحدى بني عامر بن لُؤَي، وكانت تحت أبي العكر الدوسي، وقد وقع في قلبِ أم شريك الإسلام وهي بمكة، وما إن تمكَّن الإيمان من قلبها وفهِمت ما يتوجَّب عليها تجاه هذا الدين الحنيف، حتى أوقفت حياتها لنشرِ دعوة التوحيد وإعلاء كلمة الله ورفع راية لا إله إلا الله، محمد رسول الله.


       

      وبدأت أم شريك تتحرَّك في دعوتها، وتدخلُ على نساء قريش سرًّا فتدعوهنَّ وترغِّبُهن في الإسلام دون كللٍ أو ملل، وهي تُدرِك ما ينتظرها من تضحيات وآلام، وما ينتظرها من أذى وبلاء في الأنفس والأموال، فالإيمان ليس كلمةً تقال باللسان، وإنما هو حقيقة ذات تكاليف، وأمانة ذات أعباء، وجهاد يحتاج إلى صبر!


       

      وشاء الله بعد فترةٍ من الزمن أن تبدأ فترةُ الامتحان والتعرُّض للفتنة، فظهر أمر أم شريك لأهل مكة، فأخذوها وقالوا لها: لولا قومك لفعلنا بك وفعلنا، ولكنا سنردُّك إليهم.


       

      قالت أم شريك: فجاءني أهل أبي العكر - أهلُ زوجها - فقالوا: لعلك على دينه؟! فقلت: إي والله، إني لعلي دينه، قالوا: لا جرم، واللهِ، لنعذبنَّك عذابًا شديدًا، ثم ارتحلوا بنا من دارنا - ونحن كنا بذي الخلصة، وهو من صنعاء - فساروا يريدون منزلاً، وحملوني على جمل ثَفالٍ، شر رِكابهم وأغلظه، يطعموني الخبز والعسل، ولا يسقوني قطرةً من ماء، حتى إذا انتصف النهار وسخنت الشمس نزلوا فضربوا أخبيتهم وتركوني في الشمس، حتى ذهب عقلي وسمعي وبصري، فعلوا بي ذلك ثلاثة أيام.


       

      فقالوا لي في اليوم الثالث: اترُكي ما أنتِ عليه، قالت: ما دريت ما يقولون إلا الكلمة بعد الكلمة وأشير بإصبعي إلى السماء بالتوحيد.


       

      قالت: فوالله، إني لعلى ذلك، وقد بلغني الجهد؛ إذ وجدت برد دلوٍ على صدري، فأخذته فشربت منه نفسًا واحدًا، ثم انتزعَ مني، فذهبت أنظر فإذا هو معلقٌ بين السماء والأرض، فلم أقدر عليه، ثم أُدلي إليَّ ثانيةً فشربت منه نفسًا، ثم رُفع فذهبت أنظر فإذا هو بين السماء والأرض، ثم أُدلي إلي الثالثةَ فشربت منه حتي رويت وأهرقت على رأسي ووجهي وثيابي!



      قالت: فخرجوا فنظروا، وقالوا: من أين ذلك هذا يا عدوة الله؟!


       

      فقلت لهم: إن عدو الله غيري من خالف دينه، وأما قولكم من أين هذا؟ فمن عند الله رزقًا رزقنيه الله.


       

      قالت: فانطلقوا سراعًا إلى قِرَبِهم وأداويهم فوجدوها موكوءةً لم تُحَل، فقالوا: نشهد أنَّ ربك هو ربنا، وأنَّ الذي رزقك ما رزقك في هذا الموضع بعد أن فعلنا بك ما فعلنا، هو الذي شرع الإسلام فأسلموا وهاجروا جميعًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانوا يعرفون فضلي عليهم وما صنع الله لي.


       

      فرحم الله أم شريك، فقد ضربت أروع الأمثلة في الدعوة إلى الله، وفي الثبات على الايمان والعقيدة، صابرةً على الابتلاء، معتصمةً بالله، وما خطر لها على بالٍ أن تلين أو تضعف فتتنازل ولو قليلاً لتُنقِذَ نفسها من الموت والهلاك، بل كانت نتيجة الثبات أن أكرمَها الله وأقرَّ عينَها بإسلام قومها، وهذا غاية ما يقصده المسلم من جهاده، ((فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حمر النَّعم)).


       

      فهل نحنُ إلى الله حقًّا وصدقًا داعون؟!


    • بواسطة أمّ عبد الله
      أين نحن من نساء السلف؟! (5)
       
       
      الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
       
      وبعد:
      فما زلنا نعيش في رحاب الطُّهر والنقاء، فما نكاد نغوص في سيرة الطاهرات، حتى تهدينا دررًا ناصعات، ترسُم بكل فخرٍ واعتزاز، الصورةَ المثالية لنساء المسلمين، وموعدنا اليوم مع المجاهِدة الذكية، الطاهرة النقية، التي لم ترض بالدنيا، بل تشوقت لتكون ممن يركب ذِروة سَنَام الإسلام، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو لها لتكون من الغزاة في سبيل الله، وما كان هذا السؤال منها إلا لأن قلبها قد امتلأ بحب الله ورسوله، والجهاد في سبيله، فاسترخصت النفس في مقابل ذلك، فرحمها الله، وأسكنها فسيح جناته.
       
      إنها (شهيدة البحر)!
      أُمُّ حَرَام بنت مِلحَان بن خالد بن زيد بن حَرَام الأنصاريةُ، من بني النجَّار، أخت أم سُلَيم وخالةُ أنس بن مالك.
       
      كانت تحت عُبَادة بن الصامت سيد الخزرج، وأحد النقباء الاثني عشر الذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخلَتِ الإسلام، وما تركَتْ غزوة إلا وخرجَتْ مع الجنود تسقي الظمأى، وتداوي الجرحى.
       
      وكان بيتها من أحسن البيوت، وأحبها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذات يوم أخذتْهُ سِنةٌ من النوم، ثم قام وهو يضحك فسألَتْه، فقال: ((أناس من أمتي يركبون البحر كالملوك على الأسِرَّة))، فقالت: يا رسول الله، ادعُ الله أن أكون منهم! فقال: ((أنتِ مع الأوَّلين))، فلما كان زمن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - سنة اثنتين وأربعين من الهجرة، ركبت أم حرام بنت ملحان البحر، وركب معها زوجها عُبادة بن الصامت، فلما قدمت إليها البغلة حين خرجت من البحر وقعت أم حرام، فاندقَّ عنقها، وماتت ونالت الشهادة، ودُفِنت في قبرص - رضي الله عنها وأرضاها.
       
      لقد آثرت ما عند الله، فما ركنت لطيب عيش، ولكنها جاهدت فركبت البحر؛ ابتغاء مرضاة الله، فصار لها البحر عرشًا، فما بالنا اليوم بمن يركبون البحر حبًّا في الدنيا، فلا يزالون يشربون ويشربون، حتى يصير البحر لهم نعشًا!
       
      حَرِيٌّ بنا الاقتداء بها وسط أمواج الفتن، فهل نحنُ فاعلون؟!

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×