اذهبي الى المحتوى
...ياسمين...

صفحة مادة مقاصد الشريعة - حَلَقَة رِياضُ الدُرّ

المشاركات التي تم ترشيحها



p_571mx63c1.png

p_571x45px2.gif



درة أنا بحجابي


إسراء حمام


أم عبد الله


راضية


سندس واستبرق


محبة الزهراوين


(وأي أخت تحب الانضمام لنا)




حيّاكنّ الله طالبات العلم وطالبات مادّة مقاصد الشريعة


أسأل الله أن يرزقكنّ مرادكنّ ويرفعكنّ بالعلم ويجعله حجة لكنّ لا عليكنّ



مادة مقاصد الشريعة يا حبيبات هي مادة ندرس فيها الحِكَم التي من أجلها أنزل اللهُ الأحكام الشرعية، وهذه الحِكَم مُستنبطة من كتابِ الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم.



وقبل أن نبدأ دروسنا غالياتي أحبّ أن أذكركنّ بأن هذا علمٌ بُذلت فيه النفوس وأُفنيت فيه الأعمار، وكَتَبَ فيه العلماء كتب ومجلدات حوت بين دفتيها سهر الليالي والجوع والإيثار، وما سنأخذ نحن منه في هذه الأربعة أسابيع لا يتعدى أن يكون نبذةً وقطرةً من بحر، ولعلّكنّ بعدها تُواصلنَ لمدارسة هذا العلم على أيدي دروس أهل العلم والشيوخ الموثوقين لتكتسبنَ وتُبحرن أكثر في مقاصد ربّنا سبحانه وتعالى في إنزال هذه الشريعة المُطهرة.



وبعد هذه المُقدمة البسيطة نبدأ بحول الله وقوته أول دروسنا في الرد التالي بعنوان: لماذا علمُ المقاصد؟، فجددن النية يا غاليات وتفضّلنَ تحت، وفقنا الله وإياكنّ لما يحبّ ويرضى.




p_571d6ogf3.gif



  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الدرس الأول من مادة مقاصد الشريعة

بعنوان: لماذا علم المقاصد؟

 

نبدأ حديثنا عن مقاصد الشريعة بالحديث عن الثقافة الإسلامية، وقد وردت بعض المُشتقَّات في العربية لمعاني الكلمة، منها: ما ورد في القرآن بمعنى اللِّحاق: {إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً} [الممتحنة: 2].

والثقافة تتصف بصفتي: الثَّبات، والانفتاح.

 

تتسع هذه الثقافة الإسلامية لتستوعب الإنسانية جمعاء، متى أمكن تحقق الفَهم الواضح الجَلِي، وتطبيقه السَّليم السَّوي لأسس ومصادر الوحي الصَّحيح للثقافة الإسلامية: القرآن الكريم، والسُّنة النبوية الشَّريفة، وما استُمدَّ منهما من أحكامٍ وحِكَمٍ وَفْقَ المناهج العلمية السَّليمة، وبدون هذا الفهم الواضح الجلي والتَّطبيق السَّليم السَّوي لا يمكن أن تتحقق الثَّقافة على الوجه الأمثل الجامع المانع، وأن تكون لها المصداقية المُقنعة التي أمر بها الإسلامُ، وعرفها التاريخُ لقرونٍ طِوالٍ، ونحن نعرف كيف سادت الثقافة الإسلامية وانتفع بها الناسُ في كثيرٍ من القارات الأرضية شرقًا وغربًا، وجنوبًا وشمالًا.

 

لقد جاء الإسلامُ بدعوةٍ عامَّةٍ لكلِّ البشرية، لا تخصُّ أهلَ مكة ولا أهلَ الجزيرة العربية كما يزعم بعضُ المستشرقين، ولا تخصُّ زمانًا ولا مكانًا محدَّدًا، فهي دعوةٌ عالميةٌ كونيَّةٌ بحقٍّ، خالدة في أحكامها وحِكَمِها وآدابها وقِيَمها.

قال محمد بن إقبال رحمه الله: "زمزم فينا، غير أنَّه مَن يُعَرِّفُنَا كيف نشرب زمزم؟"، إشارةً إلى: كيف نعرف السُّنن الكونيَّة ذات الأبعاد العالمية في الثقافة الإسلامية كما عَرفها أسلافنا من قبل، حتى ينتفع الناسُ في الحال وفي الاستقبال بها.

قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لّلْعَالَمِينَ * لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ} [التكوير: 28، 29] وجاء في سورة سبأ قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سبأ: 28]، وفي سورة الأنبياء جاء قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، وجاء في سورة الأنعام قوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} [الأنعام: 19].

 

وهذه الآيات كلها مكيَّة مما يدلُّ على أنَّ عالمية الرسالة قد تقرَّرت منذ نزول القرآن، وفي العهد المكي الذي تعرَّض فيه الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- وَصَحَابَتُهُ إلى الأذى الشَّديد من أهل مكة الذين كان أغلبهم يُعارضون الرِّسالة حتى لو خُصُّوا هم بها دون غيرهم.

ولم تنزل بالمدينة المنورة سوى آية واحدة من سورة الأحزاب، وهي قوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40]، وهذه الآية تُصرِّح بختم النبوة لكلِّ أهل الأرض جميعًا، وسيظل كتابُ الله وسُنَّةُ رسوله الدُّستور الأشمل والأعم للناس كافَّةً لمَن شاء منهم أن يستقيم.

 

هكذا نرى أنَّ مفهوم العالمية والكونيَّة بكلِّ معانيها من الشُّمول والعموم قد تقرَّر في الرسالة الإسلامية، وتقرَّر فيها مبدأ الحرية أيضًا، ومبدأ رفض الإكراه وحقّ الاختيار، ومبدأ تَحَمُّلِ المسئولية: {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29]، {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38]، وهكذا أسفر الصُّبح لذي عينين.

 

وبحسب ما تقدَّم يُمكننا تعريف الثقافة الإسلامية بأنَّها: المعرفة الجامعة لأصول النُّظُم العقدية والتَّشريعية، والقِيَم الخُلُقيَّة التي جاء بها الإسلامُ، وعمل الرسولُ -صلى الله عليه وسلم-على نشرها وتجسيمها، وتابعه الصَّحابة من بعده، ودرج الخلفُ من بعدهم عليها، وخاصَّةً كبار الأئمة والمجتهدين ممن توافرت فيهم شروط الاجتهاد؛ فعملوا على تعميق وإبراز المفاهيم الكليَّة الكبرى؛ لتكون علامات مُضيئة على طريق السَّالكين من أبناء الأمَّة جيلًا بعد جيلٍ إلى أيام الناس هذه.

والأمة الإسلامية رُغْم سِعة ميادين حياتها وعمرها الطويل عبر الأمكنة والأزمنة قد استطاعت أن تجمع وتُوحِّد بين مختلف الأجناس في مختلف الأَصْقَاع.

أليس في هذا ردٌّ على مَن يدَّعي أنَّ العالمية في الثَّقافة للعَولمة الغربية؟!

أليس في هذا ردٌّ على الذين يستنسخون الثَّقافة الأجنبية من أبنائنا ويُسقِطونها علينا إسقاطًا؛ لتحويل مجرى تاريخنا الذي عرفناه طويلًا؟

 

إذن ما مُقَوِّمات الثقافة الإسلامية والثقافة الوطنية؟

أولًا: ما ورد في أصول الإسلام من الثَّوابت، ثم ما استنبطه كبارُ المجتهدين من الأحكام والحِكَم من أجل رفض الخلاف والتَّناقض بين الأمم؛ لأنَّ غياب المعرفة العلميَّة بين الشباب ينتج عنه التَّناقضات، وينتج عنه المُعارضات، وينتج عنه التَّضارب.

علينا أن نلتفت إلى الثقافة الإسلامية، ولن نصل إلى الثقافة الإسلامية ما لم نتعلم العلوم الإسلامية، خاصَّةً القرآن الكريم وعلومه، والسُّنة النبوية وعلومها، وما استُمد منهما من العلوم والمعارف الأخرى؛ كي نصعد إلى الوعي الذي يقودنا إلى محبَّة بعضنا بعضًا، ألا يدعونا الإسلامُ إلى المحبَّة فيما بيننا، بل إلى محبَّة الآخرين؟!

الإسلام يدعونا إلى الانفتاح على غيرنا، وإنما ينهانا الله سبحانه وتعالى-عن الذين اعتدوا علينا: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة: 8].

 

 

 

p_57188txt4.gif

 

 

 

وننتقل بذلك إلى حديثنا عن مقاصد الشَّريعة، ومقاصد الشَّريعة من الأمور التي لم تُدرج في عهد رسول الله بهذا الاسم، وإن كانت معلومةً في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو الذي أرسى قواعدها، وهو الذي بناها، وهو الذي بيَّنها وبيَّن أنَّ هذه الشَّريعة إنما أُنزلت لجلب المصالح للناس وتكميلها، ودرء المفاسد عنهم وتقليلها.

 

هذه الشَّريعة جاءت لحكمةٍ، جاءت لمقصدٍ، جاءت لغايةٍ، هذه الغايات وهذه المقاصد وهذه المعاني وهذه الحِكَم جاء بها وبيَّنها الله -سبحانه وتعالى- إمَّا في كتابه، أو بيَّنها رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في سنَّته المُطهرة، أو استنبطها فيما بعد سادتنا العلماء -رحمهم الله تعالى.

فمقاصد الشَّريعة اليوم نحتاج إليها كثيرًا، ونحتاج إلى معرفتها وفهمها حتى نعيشها، وحتى نُطبِّقها في حياتنا، فكثيرٌ من المشاكل، وكثيرٌ من المآسي، وكثيرٌ من الاختلافات إنما سببها البعد عن فهم مقاصد هذا الدَّين، وعن الحِكَم والغايات التي من أجلها أُنزل.

 

الإمام العِزُّ المتوفى سنة ستين بعد ستمئةٍ للهجرة كتب كتابه "قواعد الأحكام في مصالح الأنام"، وهذا الكتاب يُعتبر هو اللَّبنة الأولى في علم مقاصد الشَّريعة، جاء بعده تقريبًا بـ130 سنة الإمام الشَّاطبي، المتوفى 790 للهجرة، وكتب كتابه "الموافقات"، ومن بين ما ذكره -رحمه الله- في هذا الكتاب: أنَّ سبب الخلاف القائم بين الفقهاء يرجع في كثيرٍ من الأحيان إلى الغفلة عن مقاصد هذا الدين.

الغفلة عن مقاصد هذا الدِّين تسببت في ماذا؟

في بُعْد الناس عن بعضها، وتسببت في الاختلافات، فصرنا نفهم الدينَ فهمًا كأنَّه فهمًا حرفيًّا، أو كأننا نأخذ حديثًا أو نأخذ آيةً مبتورةً عن سياقها أو بعيدةً عن موقعها، وبعيدةً عن النُّصوص الأخرى، ثم نحكم بذلك الحكم.

لذلك كتب الإمام الشَّاطبي أيضا كتابه "المقاصد" في محاولةٍ لجمع شتات هذه الأمَّة، وتوحيد صفِّ المسلمين؛ يقول -سبحانه وتعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46].

ويقول رسولنا -صلى الله عليه وآله وسلم: «الْمُسْلِمُ لِلْمُسْلِمِ كَالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا»، ثم شبَّك -صلى الله عليه وسلم- بين أصابعه، أي أنَّ المسلمين ينبغي أن يكونوا مُترابطين فيما بينهم، مُتوحِّدين مُتآخين بروح الله، مُتحابِّين في الله، لا يضرُّهم مَن خالفهم، ولا يهمهم مَن يتكلم فيهم، والمسلمون أمة واحدة: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء: 92].

فالمسلم من شرق الأرض إلى غربها، ومن جنوبها إلى شمالها هو أخو المسلم: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ» كما بيَّن -صلى الله عليه وآله وسلم- «لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يُسْلِمُهُ».

فالمسلم أخو المسلم، وهذه هي الأخوة التي نفتقدها في يومنا هذا.

 

قد نختلف، ولا ضير في الاختلاف، ولا خوفَ من الاختلاف، فقد كان أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يختلفون، وكانوا في بعض الأحيان تختلف آراؤهم وتختلف فتاويهم، ولكن هذا الاختلاف لم يُذهِب أخوتهم، ولم يُذهِب حبَّ بعضهم لبعض، وقد اختلفوا في كثيرٍ من المسائل الفقهيَّة، والمجال ليس مجال سردها، خالف بعضُهم بعضًا، ومع ذلك ظلَّ صفُّهم واحدًا، وظلوا متماسكين مُترابطين مُتآخين بروح هذا الدين، ومُتحابين في الله -عز وجل- وما ضرَّهم الاختلاف.

قد نختلف؛ لأنَّ الله -سبحانه وتعالى- عندما خلق الناسَ خلق الناسَ لهم عقول، وبهذا تميز الإنسانُ عن سائر الكائنات، بعقولنا ميَّزنا الله -سبحانه وتعالى- وبعقولنا شرَّفنا الله -سبحانه وتعالى- وبعقولنا فضَّلنا الله -عز وجل: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70].

فضَّلنا بماذا؟

فُضِّلنا بالعقل، والعقل جعله الله -سبحانه وتعالى- مناط التَّكليف.

ما معنى "مناط"؟

أي مُتعلَّق التَّكليف، أي أنَّ الإنسان لا يكون مُكلَّفًا إلا إذا كان له عقلٌ، وإذا ذهب العقلُ فيُرفَع القلم، فلا تكليفَ.

وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في كتابه القيِّم -وهو كتيب صغير كتبه- الموسوم بـ"رفع المَلَام عن الأئمَّة الأعلام"، ذكر أن من الأسباب التي يُعتذر فيها للعلماء ولاختلافاتهم اختلافَ العقول واختلاف الناس في الفهم، وقد كان الأمرُ كذلك في عهد سلفنا -رحمهم الله-، في عهد أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما أرسل مجموعةً إلى بني قُريظة فقال كما في رواية مسلم: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمُ الظُّهْرَ -وَالرِّواية المعروفة: الْعَصْرَ- إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» فلمَّا حان وقتُ الصلاة ماذا حدث؟

اختلفوا، فمجموعة صلَّت، والمجموعة الثانية ما صلَّت.

المجموعة الأولى صلَّت لماذا؟ هل أخذت بحرفيَّة النَّص؟

لا، وإنما أخذت بمعنى النَّص، عندما قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمُ الظُّهْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» قالوا: إنما كان يعني رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أن نُسرع إلى درجة أن نصل إلى بني قُريظة قبل العصر فنُصلي هناك، وبما أننا امتثلنا للأمر وأسرعنا وأدركتنا الصلاة: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، إذن وقفوا وصلوا.

الفريق الثاني: أخذوا بظاهر وحرفية النَّص، قالوا: "لا تصلوا إلا في بني قريظة"، حتى وإنَّ صليناها بعد صلاة العشاء، هؤلاء امتثلوا للأمر أم لم يمتثلوا؟

بل امتثلوا للأمر، والفريق الأول امتثلوا أم لم يمتثلوا؟

بل امتثلوا، فلمَّا رجعوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وأخبروه الخبر ماذا فعل؟

أقرَّ الطَّائفتين.

ما معنى أقرَّ الطَّائفتين؟

معناها: لم يُخطِّئ أيَّ فريقٍ.

ما معناها؟

معناها: أنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- أقرَّ الاجتهادَ أم لم يقرَّه؟

أقرَّ الاجتهاد.

 

عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما تولى الخلافةَ جاءه المُؤلَّفة قلوبهم، والمؤلفة قلوبهم هم الذين تكون قلوبهم ما زالت تُحبِّذ الدنيا على الآخرة، ما زالت الأموال تغلبهم، لسان حالهم ومقالهم يقول: تحب أن نُسلم معك نُسلِم لكن أعطنا أموالًا، نُسلِم بالإيجار، فكان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يتألَّفهم، إمَّا ترسيخًا للدين في قلوبهم، أو يتألفهم خوفًا من شرِّهم.

فلمَّا تولى عمر جاء بعضُ هؤلاء وطلبوا الزَّكاة، والزكاة حقٌّ من حقوقهم في كتاب الله.

{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 60].

فقالوا له: يا أمير المؤمنين، أعطنا حقَّنا.

أمير المؤمنين -رضي الله عنه- بثاقب نظره وفهمه لشرع ربِّه، وهو الْمُبَشَّرُ بالجنةِ، وهو الصَّحابي الجليل الذي يقول عنه رسولُنا -صلى الله عليه وسلم: «مَا سَارَ عُمَرُ فِي طَرِيقٍ إِلَّا وَسَلَكَ الشَّيْطَانُ طَرِيقًا آخَرَ».

فهذا عمر لما جاءه هؤلاء القوم قال: "لا حقَّ لكم في الزَّكاة"، إذا كنتم تحبون أن تُسلِموا لله فأهلًا وسهلًا بكم؛ أسلِمُوا، وإذا كنتم تُسلِمون لكي نُعطيكم أموالًا أو نُكَثِّرَ بكم عددَ المسلمين وسوادَ المسلمين؛ فالمسلمون اليوم عددهم كثير، وإذا كانوا سابقا يُعطونكم المال خوفا منكم؛ فالإسلام اليوم قويٌّ ولا نخاف منكم.

 

فعمر -رضي الله عنه- فهم هذا الشَّرع وأنَّ للدين مقاصد، وأنَّ الدين له معانٍ، ليس مجرد حرفيَّات، أحيانا نتمسك بحرفيَّة النَّص، وأحيانًا، خصوصًا في خِضَمِّ هذه الأحداث، وفي خِضَمِّ القضايا المُستجدة، وفي خِضَمِّ ما يتعرَّض له الناس اليوم من مشاكل ومن مُستَجَدَّات؛ نحتاج إلى ماذا؟

تحتاج إلى حلولٍ، تحتاج إلى أحكامٍ، هذه الأحكام نستعين بعد الله -سبحانه وتعالى- على معرفة حِكَمِها بفهمنا لمقاصد شرعنا، وبفهمنا لمقاصد ديننا وغاياته وأهدافه. فهذه الحلول والأحكام لا نجدها إلا في كتاب الله، أو في سنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو بفهمنا لمقاصد شرعنا ومقاصد ديننا، فهذا يُساعدنا كثيرًا على حلِّ قضايانا، وعلى توحيدنا، وعلى السَّير في الصِّراط المستقيم كما أمرنا ربُّنا -سبحانه وتعالى- وهو ما نُردد في كلِّ صلاةٍ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم} [الفاتحة: 6].

أي صراط هذا الصِّراط؟

الذي قال عنه ربُّنا -سبحانه وتعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]، وفي الآية الثانية: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69].

 

 

 

وبهذا يكون انتهى درسنا لهذا الأسبوع، ونلقاكنّ في الدرس الثاني السبت القادم إن أذن الله سبحانه

 

 

 

p_57188txt4.gif

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

درسٌ قيّم ( )

بورك فيك ياسمين الحبيبة وجزاك خيرًا .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

جميل يا سمين الحبيبة

جزاك الله خيرا ولا حرمك الأجر والمثوبة .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

درس قيم ،،

بورك فيكِ معلمتى الغالية وجزاكِ الله خيرًا .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

@...ياسمين...

بجد الدرس جميل وممتع

 

جزاك الله خيرا معلمتي الحبيبة

 

ولكن سؤال

هل ممكن وضع بعض الاسئله علي كل درس للتدريب

 

بارك الله فيك ونفع بك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

@@سُندس واستبرق

 

@@أم عبد الله

 

@@درة أنا بحجابى

 

@@إسراء حمام

 

@@محبه الزهراوين

 

 

بارك الله فيكنّ أخواتي الغاليات وعلّمنا الله وإياكنّ ما ينفعنا

أختي محبة الزهراوين بإذن الله أضع أسئلة في نهاية الدروس القادمة لما أراه أهم المقاطع

الدرس الثاني في الرد القادم بإذن الله غالياتي

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الدرس الثاني من مادة مقاصد الشريعة

بعنوان: المصلحة، ما هي، من يحددها وما ضوابط النظر فيها

 

تحدثنا الأسبوع الماضي عن أنَّ هذا الدِّين له مقاصد، وأنَّ ربنا -سبحانه وتعالى- ما أنزل هذه الشَّريعة عبثًا، وإنما أنزلها لحكمةٍ وغايةٍ، وبيَّن هذه الغاية في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، ونتحدث في هذا الأسبوع -بإذن الله تبارك وتعالى- عن المقصد الأول من مقاصد هذا الدين، وهو: جلب المصلحة ودَرْء المفسدة، وعبَّر عنه ابنُ عاشور -رحمه الله- بحفظ نظام الأمَّة، واستِدَامة صلاحه بصلاح المُهَيمِن عليه، وهو الإنسان، أي أنَّ هذا النظام في هذا الكون لا يصلح إلا بصلاح الإنسان، فنقف إذن مع المصلحة.

 

إذا رجعت إلى المعاجم وجدت أصحابها يقولون: المصلحة ضدّ المفسدة، والمفسدة ضدّ المصلحة، والمصلحة هي: النَّفع، وهي الخير، وهي ما يُحبه الإنسانُ ويلتذُّ به، فكلُّ إنسانٍ في هذا الكون إنما يتحرَّك بناءً على تحقيق مصالحه، المنافقون فيما حكاه لنا ربُّنا -سبحانه وتعالى- ماذا يقولون؟ {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة: 11]، فالمُفسِد والمنافق يعتبر نفسَه مُصلِحًا، فكلُّ إنسانٍ في هذا الكون يتحرَّك بناءً على المصلحة.

 

لكن هل كلُّ مصلحةٍ هي مصلحة؟ لا، المصلحة المُعتَبرة هي ما بيَّنها ووضَّحها ربُّنا -سبحانه وتعالى، لهذا عندما تحدَّث عن الخمر والميسر قال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} [البقرة: 219]، هذا معناه أنَّ الخمر فيها منفعة، فيها مصلحة، والقمار فيه مصلحة، لكن هل هذه المصلحة مُعتَبرة عند ربنا؟ لا، ولهذا فإنَّ الله -سبحانه وتعالى- بعد ذلك بيَّن أنَّ الخمر رغم ما فيها من مصلحةٍ، ورغم ما فيها من منفعةٍ إلا أنَّها في شرع الله حرام، مَفسدة ينبغي تجنُّبها، لماذا؟ لأنَّ العبرة بالغالب، فالعمل إذا امتزجت فيه المصلحة مع المفسدة فالعبرة كما قال الشَّاطبي بالغالب، فننظر إلى الجانب الغالب؛ وقد قال الشَّاطبي: "قلَّ أن تجد في هذه الدنيا مصلحةً محضةً" أي مصلحة خالصة ليس فيها مفسدة، حتى إذا جئنا للأكل؛ مصلحة أم ليس مصلحة؟ مصلحة، ولكن فيه شيءٌ من المفسدة، فأنت حتى تأتي بالأكل يلزمك أن تتعب حتى تأتي مثلا بالخبز والخضار، وتحضر، وتصنع، وتتعب، ففيه نوعٌ من المفسدة، ولكن الغالب عليه المصلحة، ولهذا قال الله -سبحانه وتعالى-: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} [الأعراف: 31]، لماذا لا تسرفوا؟ لأنَّ الإسراف فيه مفسدة، سيدنا -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: «بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، وَإِنْ كَانَ وَلَابُدَّ فَاعِلًا فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ».

 

فكلُّ إنسانٍ إذن يتحرَّك في إطار هذه المصلحة، لكن ربنا -سبحانه وتعالى- بيَّن أنَّه ليس كلُّ مصلحةٍ مصلحةً، وإلا فالرِّبا فيه مصلحة أم ليس فيه؟ نعم فيه مصلحة، أعطيك مئة دينار وترجع لي مئة وعشرون، ولكن هل الله -سبحانه وتعالى- اعتبر هذه المصلحة مصلحة أم اعتبرها حربًا على الله؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ} [البقرة: 278، 279]، إعلان الحرب -والعياذ بالله، يقول شيخُ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله: "ليس العاقلُ مَن يعرف الخيرَ من الشر، وإنما العاقلُ مَن يعرف خيرَ الخيرين وشرَّ الشَّرين" يعني: مسألة الخير والشَّر هذه يعرفها أيُّ إنسانٍ، حتى القطة تعرف المصلحة من المفسدة، فحين تضع طعامك ويأتي القط ويأخذ لحمًا من غير أن تُعطيه، ماذا يفعل؟ يهرب فورًا، لماذا؟ لأنَّه يعرف أنَّه عمل خطأ، لكن حين تُعطِيه أنت لحمًا ماذا يفعل؟ يقعد بجانبك ويأكل، معنى هذا أنَّ القط يعرف أنَّه عمل مصلحة أو عمل مفسدةً، ولهذا قال شيخ الإسلام: "العاقل هو الذي يعرف خيرَ الخيرين وشرَّ الشَّرين" فإذا كانت هناك خيارات كثيرة ومصالح كثيرة فاختر الأحسن، كما قال ربي -سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 18]، فأنت أيها المُستمع دورك ومسئوليتك أن تختار ما فيه الحُسنى، بل ما هو أحسن وأفضل، وهكذا في حياتنا على المسلم أن يختار، وهذا الاختيار حتى نعرف المصلحة من المفسدة كما يقول ابنُ القيِّم الجوزية -رحمه الله: "هو مذلَّة أقدام، ومضلَّة أفهام".أي قد تزل القدمُ فينحرف عن المصلحة، أو يضل عقله؛ فلا يختار الأصوبَ والأصلح، أو لا يختار المصلحة، فمن توفيق الله -سبحانه وتعالى- أن يختار المسلم المصلحة دون غيرها.

 

لكن قد يُخطئ الإنسان، قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»، فكلُّ إنسانٍ يُخطئ، فبعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في غزوة أُحُدٍ أخطؤوا عندما أمر الرُّماة ألَّا يُغادروا المكان -الجبل- مهما كانت الظُّروف ولو تخطَّفتهم الطير، لكن لما انتصر المسلمون وبدأ المسلمون المجاهدون في جمع الغنائم إذ بإخواننا الذين كانوا في أعلى الجبل بعيدين عن متاع الدنيا وحُطام الدنيا، وبعيدين عن الغنيمة؛ يخافون أن تضيع منهم، فما كان منهم إلا أن نزلوا وغادروا المكانَ ظنًّا منهم أنَّ ذلك الفعل هو مصلحة، وإلا لو كانوا يعلمون الغيبَ لما نزلوا مهما كانت الظروف، ولكنَّهم لما نزلوا ولما لم يستجيبوا لله -سبحانه وتعالى- ولرسوله حصل ما حصل في تلك الغزوة، وأُصيب فيها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي- وكذلك استشهد فيها حمزةُ وغيره من الشُّهداء -رضي الله عنهم أجمعين، فالله -سبحانه وتعالى- ليُبيِّن لعباده المصلحة بيَّنها لنا في كتابه أو في سنَّة نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم-.

 

لكن قد تكون في زماننا مصالح لا نجد لها ذِكرًا في كتاب الله ولا في سُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنجتهد، فواجب المسلم اليوم أن يجتهد ليعلم المصلحة من المفسدة، وأن يتثبَّت ويتروى في المسألة كما قال الله -سبحانه وتعالى: {فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} [الحجرات: 6]، الشاهد: قوله {فَتَبَيَّنُوا} وفي آيةٍ أخرى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]، وفي قراءة: {فَتَثَبَّتُوا}، فلا بد من التَّروي والتَّثبت، ثم الأمر الآخر: الحذر من الوَهْم، فالإنسان أحيانًا قد يتوهم أنَّ هذا الفعل مصلحةٌ، ولهذا ربنا -سبحانه وتعالى- في كتابه عندما تحدَّث عن مثل هذه المسألة قال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: 39] والأمر الثالث: الحذر من الهوى، فحتى نتبين أنَّ هذا الفعل وهذا الأمر مصلحة أو ليس بمصلحةٍ فلابُد من الحذر من الهوى، والهوى ما ذُكِر في كتاب الله إلا مقرونًا بالذَّم، فربي لا يُحِب الهوى، فالهوى مذموم، والإنسان أحيانًا كما قيل: "النفس طمَّاعة فعوِّدها القناعة"، فالنفس تميل إلى الشَّهوات، فمن الممكن أن يلعب الهوى في النفس، فينحرف الإنسانُ عن الحقِّ، وينحرف عن المصلحة -والعياذ بالله، فلابُد من الحذر من الهوى، والشريعة إنما أُنزِلت لإخراج الناس عن دواعي أهوائهم.

 

 

 

p_57188txt4.gif

 

 

 

إذن حديثنا إلى الآن كان عن ما هي المصالح؟ ومَن الذي يُحدد المصالح؟ ووصل بنا الحديثُ إلى وجوب ضبط النَّاظر في تحديد المصالح، وأنَّ الذي يريد أن يُحدد هذا الفعل مصلحة أو ليس بمصلحةٍ لا بُد أن تتوافر فيه جملةٌ من الشُّروط، ذكرنا منها:

- الاجتهاد: أن يكون على علمٍ.

- إطالة التَّأمُّل والتَّثبت والتَّروي.

- الحذر من الوهم، والحذر من الهوى.

بقي لنا في هذه النقطة كذلك: أنَّه إذا التبس الأمرُ على الإنسان ولم يَسْتَبِنْ هل هذه مصلحة أو ليس بمصلحةٍ؛ فالواجب عليه في هذه الحالة الاستشارة.

وتعلمون أنَّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ومن قبله أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- كانا إذا نزلت بهما نازلةٌ نظرا في كتاب الله، فإن وجدا فالحمد لله قضيا به، وإن لم يجدا نظرا في سُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فإن وجدا عملا به، وإلا سألا الناسَ: هل منكم أحدٌ سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذه المسألة شيئًا؟

فليس بالضَّرورة أنَّ كلَّ صحابيٍّ يحفظ الحديثَ، وقد كان أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعضهم يحفظ بعضَ الأحاديث، والآخر يحفظ أحاديثَ أُخرى، حتى إذا جُمِعت الأحاديثُ ودُوِّنت كانت لنا رحمة من الله ونعمة أن نجد أحاديثَ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- اليوم مُدوَّنةً جميعًا، ويكفي بضغطة زرٍّ أو بكلمةٍ تكتبها على الشبكة العنكبوتيَّة لتعطيك جميع الأحاديث التي وردت فيها تلك الكلمة، وهذا فضلٌ من الله عظيم ونعمة، ونُقابلها بشكر الله -سبحانه وتعالى- وأن نستفيد من هذه الأحاديث ونعمل بها.

فكانا يسألان، فإذا بلغهما حديثُ الرسول -صلى الله عليه وسلم- عملا به، وإلا اجتهدا وجمعا الناس، فكان أبو بكر يجمع الناس وكذلك عمر للاستشارة.

الشاهد: أنَّ الطريق الآخر من طرق معرفة المصلحة هي: المشاورة.

 

والمشاورة في شرعنا أمرٌ مهمٌّ، يقول الله -سبحانه وتعالى- بالنسبة للمسلمين: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38].

وكذلك في آيةٍ أخرى قال لنبيه -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو المعصوم الذي يتنزل عليه الوحي: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159].

حتى في المسائل العائليَّة، وفي مسائل الحلِّ والرَّبط، ففي مسألة الطلاق ماذا قال ربي -سبحانه وتعالى؟

{فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35].

وفي آيةٍ أخرى للتَّشاور: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ} [البقرة: 233] يعني المسألة كلها تحتاج إلى تشاورٍ، فحياتنا مبنية على الشُّورى، والاستبداد في شرع الله مرفوضٌ.

ولهذا قالوا في الأمثال: "ما خاب مَن استخار، وما ندم مَن استشار".

ما معنى استخار؟

معناه: يستخير الله -سبحانه وتعالى.

والطريق الآخر كذلك في هذه المسألة من طرق الكشف عن المصالح هو الطريق الأول والطريق الأخير، وهو: الاستعانة بالله -سبحانه وتعالى: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ} [هود: 88].

فالتَّوفيق بيد الله، والله -سبحانه وتعالى- يُعين مَن استعان به: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69]، فالله -سبحانه وتعالى- يهديك السَّبيل إن توكَّلتَ عليه واستعنتَ به: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] توكَّل على الله وقل: يا ربِّ، إن شاء الله هذا خير أو كذا، فالله -سبحانه وتعالى- كما أخبر فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال: 29].

فالشَّاهد: {يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا}، هذا الفُرقان الذي تستطيعون أن تُفرِّقوا به بين الحقِّ والباطل، بين المصلحة والمفسدة، فاتَّقِ الله، والله -سبحانه وتعالى- يُنير لك السَّبيل.

 

هذه تقريبًا جملةٌ من الضَّوابط لمَن أراد أن ينظر في الفعل أمصلحة هو أم لا، وهذا لا يكفي كذلك؛ بل لا بُد من النظر إلى هذا الفعل، حتى إذا كان مصلحةً فقد يكون مصلحةً آنيَّةً، ولكن في عاقبة أمره قد يكون مفسدةً ويجر الويلَ على الأمة، وقد يجرُّ الدَّمار على الأمة، فإذا بنا اليوم نستدين، ونستدين، ونستدين؛ فهو مصلحة، لكن بعد هذا الدَّين تتراكم عليَّ ديونٌ أخرى؛ فتكون مفسدةً.

فلا بُد من النظر كما قال الإمام الشَّاطبي: "لا بُد من النظر في مآلات ذلك الفعل"، النظر في مآلات الأفعال، ما معنى مآلات الأفعال؟

أي ما ستئول إليه هذه الأفعال من مصلحةٍ أو مفسدةٍ، فيمكن أن يكون هو في ظاهره مصلحة، ولكنَّه يجرُّ مفسدةً.

مثال على ذلك، يقول الحقُّ -تبارك وتعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]

هذه الأصنام التي يدعونها من دون الله ليست لها قيمة، لو سببتها لا مشكلة، لكن هذا السَّب إلى ماذا سيؤول؟

أنَّك إن سببت آلهتهم فإنَّهم سيسُبُّون الله -سبحانه وتعالى.

ولهذا قال الله: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108].

كذلك عندما قال الله -سبحانه وتعالى- لعباده: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا} [البقرة: 104] هذا توجيهٌ من الله -سبحانه وتعالى- لعباده، لماذا؟

لأنَّ اليهود كانوا يستعملون هذه الكلمة "راعنا" من الرُّعونة، راعنا يا محمد، أي أنت أرعن -حاشاه صلى الله عليه وسلم- ومعناه: أحمق.

فكانوا يستعملونها كسُبَّةٍ يسبُّون بها النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فلمَّا علم الله -سبحانه وتعالى- مكرَهم وخُبثَهم نهى عبادَه أن يقولوا هذه الكلمة؛ حتى لا يُسب الرسول -صلى الله عليه وسلم- من اليهود ومن المنافقين، فمَن يقولها معروفٌ بكفره؛ لأنَّه لا يلتزم شرعَ الله -سبحانه وتعالى: {لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا} [البقرة: 104].

وكذلك من المآلات عندما قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، أي المآل، أي أنَّ هذا الصيام يؤول بكم إلى التَّقوى.

وكذلك الصلاة: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت: 45] فإذا صلاتك لم تنهك عن المنكر؛ فراجع حساباتك، فمعنى ذلك أنَّ صلاتك فيها مرضٌ، وأنَّها غير كاملةٍ، وأنَّها صلاة ناقصة.

 

فإذن لابُد عندما ننظر في الفعل أمصلحة هو أم لا؟ لا يكفي أن ننظر إليه نظرةً آنيَّةً؛ وإنما لابُد أن ننظر إليه نظرةً مآليَّةً، أي ما سيئول إليه هذا الفعل من بعد.

وقد فعل هذا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- كذلك في سنَّته عندما أراد أن يهدم الكعبةَ ويبنيها على قواعدَ إبراهيم، ولكنَّه لم يفعل، لماذا؟

لأنَّهم كانوا حديثي عهدٍ بإسلامٍ، وما زال إسلامُهم ضعيفًا، فخاف أن يرتدوا فترك ذلك.

وطُلِب منه -صلى الله عليه وسلم- أن يقتل المنافقين، فأبى -صلى الله عليه وسلم- لماذا؟

قال: «حَتَّى لَا يُقَالَ إِنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ».

وبهذا نكون قد انتهينا من ضوابط النَّظر في المصلحة ولله الحمد.

 

 

 

p_57188txt4.gif

 

 

أسئلة للمراجعة، الإجابة عليها اختيارية:

 

(1) ما هو أول مقصد من مقاصد الدين؟

(2) من يحدّد أن شيئا ما هو مصلحة أو ليس بمصلحة؟

(3) ماذا يفعل المرء منّا إذا تعدّدت أمامه المصالح؟

(4) ما هي الشروط التي يجب أن تتوافر فيمن يريد أن ينظر في المصلحة؟

(5) ماذا يفعل الإنسان الذي التبس عليه أمر ولم يعرف أهو مصلحة أم لا؟

(6) هل تكفي النظرة الآنية في تحديد المصلحة؟ لمَ لا؟

 

 

وأحبّ أن أنبّه على شيء أخواتي

غالبًا النظر في المصلحة وتحديدها يكون لأهل العلم والاجتهاد، ولذلك الشروط التي تكلّمنا عنها والتي يجب أن تتوفر فيمن ينظر في المصلحة، مثل العلم والتروّي والحذر من الهوى إلى آخره، هي شروط تتوفّر في أهل العلم

وأما عوامّ المسلمين مثلنا نحن فالواجب علينا هو سؤال أهل العلم إذا التبس علينا شيء، لقوله تعالى: {... فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]

فهذه نقطة مهمّة يجب وضعها في عين الاعتبار

وفقكنّ الله لما يحبّ ويرضى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاك الله خيرا يا غالية ونفع بك

 

قمت بالرد على الأسئلة وبضغطة زر حذف كل شيء!

قدر الله وماشاء فعل

ربي ييسر وأعود لأرد ثانية

 

هذا ما احتفظت به

 

1_اول مقاصد هذا الدين هو جلب المصلحة ودرء المفسدة

2_المصلحة المعتبرة هي التي بينها ربنا سبحانه وتعالى في كتابه ونبينا صلى الله عليه وسلم وإن لم نجد لبعض المصالح ذكرا في الوحي يجتهد فيها العلماء الربانيون المؤهلون للاجتهاد .

3_ان تعدد المصالح أمام المكلف عليه أن يختار أحسنها وأقربها في نظره إلى رضا المولى قال سبحانه وتعالى:

{

الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك يا حبيبة وجزاك خيرًا.

 

 

(1) ما هو أول مقصد من مقاصد الدين؟

 

إنما أُنزلت لجلب المصالح للناس وتكميلها، ودرء المفاسد عنهم وتقليلها.

 

(2) من يحدّد أن شيئا ما هو مصلحة أو ليس بمصلحة؟

وأنَّ الذي يريد أن يُحدد هذا الفعل مصلحة أو ليس بمصلحةٍ لا بُد أن تتوافر فيه جملةٌ من الشُّروط، ذكرنا منها:

- الاجتهاد: أن يكون على علمٍ.

- إطالة التَّأمُّل والتَّثبت والتَّروي.

- الحذر من الوهم، والحذر من الهوى.

(3) ماذا يفعل المرء منّا إذا تعدّدت أمامه المصالح؟

 

أن يختار أفضلها وأحسنها.

 

(4) ما هي الشروط التي يجب أن تتوافر فيمن يريد أن ينظر في المصلحة؟

_ أن يستخير الله لنيل التوفيق.

-أن يكون مجتهدًا فطنا.

-أن يتأنى ويتمهل.

 

(5) ماذا يفعل الإنسان الذي التبس عليه أمر ولم يعرف أهو مصلحة أم لا؟

أنَّه إذا التبس الأمرُ على الإنسان ولم يَسْتَبِنْ هل هذه مصلحة أو ليس بمصلحةٍ؛ فالواجب عليه في هذه الحالة الاستشارة.

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

(1) ما هو أول مقصد من مقاصد الدين؟

 

المقصد الأول من مقاصد هذا الدين، وهو: جلب المصلحة ودَرْء المفسدة

 

(2) من يحدّد أن شيئا ما هو مصلحة أو ليس بمصلحة؟

 

غالبًا النظر في المصلحة وتحديدها يكون لأهل العلم والاجتهاد

 

 

 

(3) ماذا يفعل المرء منّا إذا تعدّدت أمامه المصالح؟

 

ان يختار ما هو أحسن وأفضل

 

(4) ما هي الشروط التي يجب أن تتوافر فيمن يريد أن ينظر في المصلحة؟

يجب علي من يحدد شيئا ما هو مصلحه او ليس مصلحه انت تتوافر فيه شروط وهي الاجتهاد واطالة التامل والتثبت والتروي والحذرمن الوهم، والحذر من الهوى.

 

 

(5) ماذا يفعل الإنسان الذي التبس عليه أمر ولم يعرف أهو مصلحة أم لا؟

في هذه الحاله وجب عليه الاستشارة

(6) هل تكفي النظرة الآنية في تحديد المصلحة؟ لمَ لا؟

لا

 

لانه حتى نتبين أنَّ هذا الفعل وهذا الأمر مصلحة أو ليس بمصلحةٍ فلابُد من الحذر من الهوى،لان الهوي يلعب في النفس، فينحرف الإنسانُ عن الحقِّ، وينحرف عن المصلحة والهوى ما ذُكِر في كتاب الله إلا مقرونًا بالذَّم،

 

ايضا يجب الحذر من الوَهْم، فالإنسان أحيانًا قد يتوهم أنَّ هذا الفعل مصلحةٌ،

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بارك الله فيكنّ يا حبيبات

 

 

@@أمّ عبد الله

قدر الله وما شاء فعل يا غالية

أسأل الله أن يجعل جهدك في ميزان حسناتك

إجابات ممتازة زادك الله من فضله

 

 

@@سُندس واستبرق

وفيك بارك الله وجزاك خيرا يا حبيبة

إجابات ممتازة

بالنسبة للسؤال الثاني: من يحدّد أن شيئا ما هو مصلحة أو ليس بمصلحة؟

فالإجابة الأمثل عليه هي أن المصلحة ما حدّدها الله في كتابه، ورسوله في سنّته صلى الله عليه وسلم، ثمّ ما استنبط العلماء منهما بعد ذلك

 

 

@@محبه الزهراوين

حياكِ الله حبيبتي

إجابات ممتازة زادك الله من فضله

بالنسبة للسؤال الثاني: من يحدّد أن شيئا ما هو مصلحة أو ليس بمصلحة؟

فالإجابة الأمثل عليه هي أن المصلحة ما حدّدها الله في كتابه، ورسوله في سنّته صلى الله عليه وسلم، ثمّ ما استنبط العلماء منهما بعد ذلك

وأما بالنسبة للسؤال السادس: هل تكفي النظرة الآنية في تحديد المصلحة؟ لمَ لا؟

فالإجابة الأمثل عليها هي أن النظرة الآنية لا تكفي لأنه يجب أن ننظر في مآلات الفعل، أي ما سيؤول إليه في المستقبل، فقد يكون مفسدة وبذلك لا تنفعنا المصلحة الآنية

 

 

أعلى الله قدركنّ غالياتي وعلّمنا وإياكنّ ما ينفعنا

الدرس الثالث في الرد القادم إن شاء الله

  • معجبة 2

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الدرس الثالث من مادة مقاصد الشريعة

بعنوان: مراتب المصلحة وضوابطها

 

نتحدث اليوم -إن شاء الله- عن مراتب المصلحة وضوابطها.

المصلحة كما حددها العلماءُ ثلاث مراتب:

المرتبة الأولى: أعلاها، وهي ما يُسمُّونها: الضَّروريَّات.

والمرتبة الثانية: أوسطها، وهي الحاجِيَّات.

والثالثة: الكماليَّات أو التحسينيات.

هذه المراتب تختلف في الدَّرجات، وعندما قسَّمها العلماءُ هكذا قسَّموها لهدفٍ، وهو أنَّك في حياتك عندما تعترضك بعضُ المصالح لابُد أن تنظر في هذه المصالح، فتُقَدِّم الأعلى على الأدنى، فلا يُعقَل أن نهتم بالحاجيَّات ونُضيع الضَّروريات، فلابُد أن نبدأ بالضَّروريات، ثم بعد ذلك ننتقل إلى الحاجيَّات، ثم إلى التَّحسينيات.

 

ما الضَّروريات؟

يقول الإمامُ الشَّاطبي -رحمه الله: "هي ما لابُد منه من قيام مصالح الدَّارين"، أي الشَّيء الذي يُحتاج إليه للقيام بمصلحة الدنيا وبمصلحة الآخرة، وبدون هذه المصالح قد تُفقَد الحياة، وقد يُفقَد كذلك النعيم في الآخرة، فإذا ضيَّعت الضَّروريات في الدنيا قد لا تتنعَّم في الآخرة.

وسُمِّيت بالضَّروريات من عكسها؛ لأنَّ بفقدها يحصل الضَّرر، وبعض هذه الضَّروريات يُسميها العلماء: المقاصد، لماذا؟

لأنَّ جميع أحكام الشَّريعة تخدم هذه المقاصد، أو هذه الضَّروريات.

وبعضهم كذلك سمَّاها: الكُليَّات، لماذا؟

لأنَّ جميع أحكام الشَّريعة مندرجة تحت هذه الضَّروريات.

إذن فما هي هذه الضَّروريات؟

1- حفظ الدِّين.

2- حفظ النَّفس.

3- حفظ العقل.

4- حفظ المال.

5- حفظ النَّسْل.

وبعضهم زاد: حفظ العِرْض.

وبعضهم قال: العِرْض يندرج في النَّسْل.

وهناك خلافٍ بين العلماء في ترتيب هذه المصالح.

 

شيخ الإسلام ابنُ تيمية في حديثه عن هذه الضروريات، وكذلك الإمامُ العِزُّ ابن عبد السلام -سلطان العلماء وبائع الملوك- كأنَّهما عابا على مَن تقدَّم من العلماء حصر المقاصد الشَّرعية -أو الكُليَّات أو الضَّروريات- في خمسٍ، فأضافا ما يتعلَّق بأحوال القلوب، وما يتعلَّق بتزكية النُّفوس.

لكن البعض قال أنَّ الأحوال وأفعال القلوب وتزكية النُّفوس في حقيقة الأمر ترجع إلى حفظ الدِّين.

فما معنى أن يكون قلبُ إنسانٍ قد خَرِب وهو يُصلي أو يصوم؟

معناه كما قال الرسولُ -صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ».

فالقضية هي تزكية، والدِّين هذا جاء لتزكية نفوسنا، ولهذا ربي قال: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [الشمس: 7- 10].

فتزكية النفس هي في حقيقة الأمر ترجع إلى مصلحة الدِّين.

وبعض علمائنا المُحْدَثِين اليوم -المعاصرين- تكلَّموا كذلك في جملةٍ من المقاصد وقالوا: هذه مقاصد جديدة، فمن بين هذه المقاصد مثلًا ما كتبه الدكتور عبد المجيد النَّجار في كتابه: "مقاصد الشَّريعة بأبعاد جديدةٍ"، وكتب قبله جمال عطية كتابًا بعنوان: "نحو تفعيل المقاصد"، فأشار إلى جملةٍ من المقاصد: كالحُرية، والكرامة، وعمارة الأرض، وحفظ البيئة.

هذه مقاصد بالفعل، ولكن عندما نُمْعِن النَّظر نجد أنَّ هذه المقاصد ترجع إلى ماذا؟

إذا قلنا المحافظة على البيئة فإنَّها ترجع إلى الحفاظ على النَّفس؛ لأنَّه إذا كان هناك تلوث، وإذا كان هناك خرابٌ في البيئة، فمعناه أنَّ نفس الإنسان مُعرَّضةٌ للخطر، وربي -سبحانه وتعالى- يقول: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، وفي آيةٍ أخرى قال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [النساء: 29].

ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ ووجد -حاشا قدركم- نُخَامةً -وهو ما يخرجه الإنسان من صدره خاصَّةً في أيام الزَّكمة، أو البلغم- فماذا فعل؟

دفنها، وبيَّن أنَّ كفَّارة النُّخامة في المسجد دفنها.

فكانت في القديم تُدْفَن،

فهذا عناية بماذا؟

عناية بالبيئة؛ لأنَّ هذه قد يكون فيها جراثيمُ قد تُؤثر على الغير، فلابُد من الحفاظ على البيئة.

كذلك مقصد عمارة الأرض يرجع إلى ماذا؟

إلى حفظ المال، فمعنى عمارة الأرض أن نُحافِظ على أموالنا.

ولهذا قال الرسولُ -صلى الله عليه وسلم: «إِذَا قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا قَبْلَ أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ السَّاعَةُ»،

انظروا إلى ديننا وإسلامنا كيف يحُثُّ على العمل!

قد قيل: زرعوا فأكلنا، ونزرع فيأكلون.

واحد من الخلفاء مرَّ برجلٍ كبيرٍ فوجده يزرع نخلًا، فقال له: أنت تزرع! أنت تأكل منها؟!

قال: ما ضرَّني إذا غرستها وأكل منها غيري فجاءني أجرُها؟

الحرية كذلك إلامَ ترجع؟

والله أعلم ترجع إلى حفظ العقل، وترجع إلى حفظ النَّفس؛ لأنَّ الإنسان بدون حريةٍ هو عبد، هو ميت، ومعنى ذلك أنَّه لا يقدر أن يتكلم، ولا يقدر أن يتحرك، ولا يقدر أن يخرج أو يدخل، ولا يقدر أن يقول ما يشاء.

فحفظ النَّفْسِ حفظ حياة الإنسان بما فيها من كرامةٍ، وبما فيها من حُريَّةٍ، وقد قال عمرُ -رضي الله عنه: "متى استعبدتم الناسَ، وقد ولدتهم أمهاتُهم أحرارًا".

فديننا دينٌ يشمل هذه المقاصد كلها.

 

 

 

p_57188txt4.gif

 

 

لكن الضَّروريات اليوم تنوَّعت، وأصبحت ضروريات متنوعة: فيُقال أن السيارة ضروريَّة، ويُقال أن كذا ضروري، كلُّ حاجةٍ كأنها أصبحت من الضَّروريات اليوم.

نحن عندنا في القواعد الفقهية: الضَّرورات تُبِيح المحظُورات.

فهل معنى ذلك أنَّه قد يأتي الرِّبا فيُبيح المحظورَ؛ بحجّة أنه شيء ضروري وهو ليس كذلك؟

فهنا ننبه إلى أمرٍ هو: أنَّ الضَّرورات نوعان:

- إمَّا ضرورة شرعيَّة.

- أو ضرورة عُرفيَّة.

ما معنى: "عُرفيَّة"؟

أي في أعراف الناس، فأعراف الناس تتغير بتغير الأزمان والأماكن، فبتغير الزَّمان والمكان تتغير الأعراف، وكلُّ واحدٍ وعُرفه.

كذلك الضَّروريات تختلف بأعراف الناس، والأحكام تجري بحسب الحقائق الشَّرعية، وليس الحقائق العُرفية.

ففي أعراف الناس اليوم أصبحت السيارة ضروريَّةً، لكن لا نقول له هنا: الضَّرورات تُبيح المحظورات؛ لأنَّه إذا عاش بدون سيارةٍ لن يموت، لكنه قد يدخل في حرجٍ، فهذه من الحاجيَّات، وهي المرتبة الثانية.

 

إذن الحاجيات هي المرتبة الثانية من مراتب المصلحة، ما هي؟

الحاجيَّات هي ما لابُد منها حتى يعيش الناسُ في بَحْبُوحَةٍ ويبعدون عن الحرج، يقول الإمام الشَّاطبي: "هي ما يدور على التَّوسعة والتَّيسير ورفع الحرج والتَّخفيف على الناس"، ففي معناها تيسير.

يقول -رحمه الله: "هي ما يدور على التَّوسعة والتَّيسير ورفع الضِّيق المُؤدِّي في الغالب إلى المشقة والحرج".

معنى ذلك: أنَّ الإنسان قد يعيش بدون سيارةٍ، لكن يتعب ويقف في المحطة وينتظر سيارة أجرة حتى يركبها،

فقد يصل الإنسان إلى بُغْيَتِه، ولكن بمشقَّةٍ، ورغم هذه المشقة يعيش.

وأما المرتبة الأخيرة من مراتب المصلحة فهي: التَّحسينيات:

ومقولة ابن عاشور مهمَّة هنا، وتشرح ما هي التحسينيات، قال: "ما كان بها كمال حال الأمَّة في نظامها حتى تعيش آمنةً مُطمئنَّةً، ولها بهجة منظر المجتمع في مرئى بقية الأمم، حتى تكون الأمة الإسلامية مرغوبا في الاندامج فيها أو التقرب إليها”، أي بقية الأمم ترى أن هذه الأمَّة لها وزنها، ولها قيمتها، ويتمنى الناسُ أن يندمجوا فيها.

 

 

 

p_57188txt4.gif

 

 

نأخذ مثالًا: فلو قلنا حفظ الدِّين، ما الضَّروري فيه؟ وما الحاجي؟ وما التَّحسيني؟

الضَّروري هو: ما فرضه الله -سبحانه وتعالى- من فروضٍ وشعائر تَعبُّديَّة، فهذه ضروريَّة ولا جدالَ فيها.

بعدها: الحاجيَّات:

الحاجيَّات تأتي في هذه العبادات الزَّائدة التي زادها الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- فلو أخذنا الصلاة مثالًا: فإنَّ السُّنن التي نُسميها السُّنن الرَّواتب، وهي اثنا عشرة ركعة في اليوم غير الفريضة، فهذه سُنن رواتب حاجيَّة.

أما التحسينيات فقد تكون صلاة الضُّحى، وصلاة ركعتين تحية المسجد، وتُصلي ركعتين قيام ليلٍ، ومثل هذا.

فهذه المراتب الثلاث تخدم بعضُها بعضًا، وهي مُترابطة، فالحاجيَّات تخدم الضَّروريات، والتَّحسينيات تخدم الحاجيَّات، وكلها في خدمة الضَّروريات.

وفي هذا يقول الرسولُ -صلى الله عليه وآله وسلم- فيما يرويه عن ربِّه: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ»، أو كما قال -صلى الله عليه وآله وسلم.

ولو جئنا لحفظ النَّفْسِ في الأكل مثلًا:

ما الضَّروري فيه؟

«بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ»، هذه ضروريَّة.

والحاجي: الثُّلث: «وَإِنْ كَانَ لَابُدَّ فَاعِلًا فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ».

والتَّحسيني: قد تكون المُقبِّلات -أو المُفتِّحات- وكذلك الحلويات، كلها تدخل في إطار التَّحسينيات.

 

ونختم حديثنا بضوابط المصلحة،

1- أن تكون المصلحة كليَّةً:

ما معنى كليَّة؟

أي أن تجمع أكثر عددٍ ممكنٍ من الناس، فالإسلام مثلما يُراعِي المصلحة الخاصة فإنَّه يُراعي المصلحة العامة.

2- أن تكون قطعيَّةً:

ما معنى قطعية؟

أي أن تكون هذه المصلحة مصلحةً مُؤكدةً، وليست بمصلحةٍ موهومةٍ.

فالرسول -صلى الله عليه وسلم- جاءه الأعمى عبدُ الله ابن أم مكتوم يسأله، وجاءه في نفس الوقت رجالُ قريشٍ وساداتها، فماذا فعل -صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي؟

قدَّم سادةَ قريشٍ على هذا الأعمى، فهذه مصلحة موهومة، ظنًّا منه -صلى الله عليه وسلم- أنَّ في إسلامهم خيرًا كثيرًا، ولكنَّ الله -سبحانه وتعالى- أنزل عتابًا وأنزل سورةً.

فلابد أن تكون قطعيَّةً وليست بموهومةٍ.

3- أن تكون ضروريَّةً:

ما معنى ضروريَّة؟

أي تخدم ضرورةً من الضَّروريات الخمس، فإذا كانت كذلك فهي مصلحة، أمَّا إذا كانت خارجةً فلا تُعتبر مصلحةً.

4- ألا تُخالِف نصًّا من النُّصوص الشَّرعية:

فإذا خالفت نصًّا فاضرب بالمصلحة عَرْض الحائط واتَّبع كلام ربك.

5- ألا تفوت مصلحةٌ أكبر منها:

فإذا تعارضت مصلحةٌ مع مصلحةٍ فالتفت إلى المصلحة الأعلى ولا تلتفت إلى الأدنى.

 

 

 

p_57188txt4.gif

 

 

 

أنهينا درسنا بحمد الله

أسئلة للمراجعة، الإجابة عليها اختيارية:

 

 

 

(1) ما هي مراتب المصلحة؟ اذكريها وعرّفي كلّ واحدة منها بشكل مُختصر.

(2) ما هي الضروريات الخمس؟

(3) تُسمّى الضروريات أيضا بالمقاصد، لماذا؟

(4) الضرورة في الاصطلاح الشرعيّ، هل تدخل فيها الضروريات العُرفيّة؟ علّلي جوابكِ.

(5) ما هي ضوابط المصلحة؟ اذكريها وعرّفي كلّ واحدة منها بشكل مُختصر.


  •  

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

@...ياسمين...

 

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

دي اجابه الاسئله

 

بصراحه عشان اجاوب علي الاسئله لازم اقرا الدرس كويس وافهمه هي مهمه اوي بس ياريت توضحي لي اجابه السؤال الثالث لانها مش ثابته معايا اوي

جزاكم الله خيرا معلمتنا الحبيبيه جعله الله في ميزان حسناتك

(1) ما هي مراتب المصلحة؟ اذكريها وعرّفي كلّ واحدة منها بشكل مُختصر.

مراتب المصلحه ثلاث اعلاها وهي الضروريات وهي لازمه لاقامه امر الدنيا وامر الدين والاخرة

اذا فاتت الضروريات تختل الحياة ويؤثر علي كل الناس

اوسطها الحاجيات ويقصد منها رفع الحرج والضيق والمشقه عن المكلفه وهي درجه اقل من الضروريات

فاذا فاتت الحاجيات يحصل مشقه وحرج علي بعض الناس

المرتبه الثالثة التحسينات هي كماليات

(2) ما هي الضروريات الخمس؟

 

حفظ الدين حفظ النفس حفظ العقل حفظ النسل حفظ المال

(3) تُسمّى الضروريات أيضا بالمقاصد، لماذا؟

لأنَّ جميع أحكام الشَّريعة تخدم هذه المقاصد،

 

(4) الضرورة في الاصطلاح الشرعيّ، هل تدخل فيها الضروريات العُرفيّة؟ علّلي جوابكِ.

طبعا لا لان الضروريات العرفيه تختلف باختلاف الزمان والمكان وقد لا تكون ضرورة من الناحيه الشرعيه مثل امتلاك سيارة من عدمه او امتلاك جهاز كهربائي في المنزل من عدمه الاحكام تجري بحسب الحقائق الشرعيه وليست الحقائق العرفيه

(5) ما هي ضوابط المصلحة؟ اذكريها وعرّفي كلّ واحدة منها بشكل مُختصر.

ضوابط المصلحه

1ان تكون كليه اي تخدم اكبر عدد ممكن من الناس

2 ان تكون قطعيه مؤكدة وليست موهومه

3الا تكون مخالفه لنص شرعي فاذا خالفت نص شرعي فلا يؤخذ بها

4 ان تكون ضرورية اي تخدم الضروريات الخمس

5 الا تفوت مصلح اعلي منها

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

@@محبه الزهراوين

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

اللهم بارك حبيبتي إجابات ممتازة، زادكِ الله علمًا وفهمًا

بالنسبة للسؤال الثالث:

هذه الضروريات الخمس (حفظ النفس، حفظ الدين، حفظ العقل، حفظ النسل وحفظ المال) تُسمّى أيضا بالمقاصد، لماذا؟

الجواب هو أن جميع مقاصد الشريعة تخدمها، بمعنى: الشريعة التي أنزلها الله سبحانه وتعالى، بكل ما فيها من أحكام، المقصد منها هو خدمة هذه الضروريات الخمس

فأحكام ربنا سبحانه وتعالى القصد منها هي خدمة الدين وعلاقة المرء بربه، والقصد منها أيضا حفظ النفس وعدم تعريضها لضرر، والقصد منها أيضا حفظ العقل، وحفظ النسل من الانقطاع وحفظ المال من الضياع وهكذا..

فهي تُسمى بالمقاصد أيضا لأن مقصد شريعة الله تعالى تعود في النهاية إلى حفظ هذا كله

أتمنى أن تكون الإجابة واضحة حبيبتي

 

 

الدرس الرابع والأخير في الرد القادم إن شاء الله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الدرس الرابع من دروس مقاصد الشريعة

بعنوان: مقاصد المكلفين

 

إمامنا الشَّاطبي -رحمه الله- ذكر قصد الشَّارع أو مقاصد الشَّريعة وحصرها في أربعة، وهي:

- قصد الشَّارع في وضع الشَّريعة ابتداءً: وهذا ما يعني به المصلحة، وما يتعلَّق بالمصلحة.

- ثم بعد ذلك قال: قصد الشَّارع في وضع الشَّريعة للإفهام: أي أنَّ الشَّارع ما وضع هذه الشَّريعة إلا ليفهمها الناس.

وهذا كما قال الله -سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [القمر: 17]، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4].

فهذه الشَّريعة جاءت لتُفْهَم، ولهذا جاءت باللغة العربية، وهي مفهومة، والقرآن حمَّالُ أوجهٍ، فمن الممكن أن تفهم من هذه الآية شيئًا، والآخر يفهم منها شيئًا آخر، ولا حرجَ.

ولهذا عندما ننظر في تفسير سادتنا العلماء -رحمهم الله- نجد أشياء كثيرةً، وكلُّ واحدٍ يُفسِّر بما أوصله الله إليه.

- القصد الثالث، قال: وضع الشَّريعة للتَّكليف بمُقتضاها.

- والقصد الرابع قال: وضع الشَّريعة لإخراج المُكَلَّف -هذا فيما معناه- عن داعية أهوائه: أي أنَّ هذه الشَّريعة إنما جاءت لتُخرِج المُكَلَّفين عن أهوائهم؛ لأنَّ النفس كما قال الله -سبحانه وتعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53]، وكما يُقال في الأمثال: "النفس طمَّاعة، فعَوِّدها القناعة".

ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ ذَهَبٍ لَتَمَنَّى ثَالِثًا، وَمَا يَمْلَأُ بَطْنَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَابَ».

فهذه هي المقاصد الأربعة التي ذكرها الإمام الشَّاطبي في كتابه "المُوافَقات".

واليوم -بإذن الله- سنتحدَّث عن قصد المُكَلَّف، أي مقاصد المُكَلَّفِين.

 

 

 

p_57188txt4.gif

 

 

 

لماذا نتحدث عن مقاصد المُكَلَّفين؟

لأنَّ مقاصد الشَّريعة تظل مجرد شعارات ومجرد نظريات إذا لم يكن قصدُ المُكلَّف مُوافقًا لقصد الشَّارع، فلابُد أن نُحسِن قصدنا، ولابُد أن يكون قصدنا حسنًا، وأن يكون قصدنا صالحًا؛ حتى يتوافق قصدُنا مع قصد الشَّارع، فالذي يهمنا في هذا الكلام أنَّ قصد المُكَلَّف ينبغي أن يكون مُوافقًا لقصد الشَّارع، وإذا لم يكن مُوافقًا لقصد الشارع فمعنى هذا أننا لا نستطيع أن نُحقق من قصد الشَّارع شيئًا.

يقول الإمامُ الشَّاطبي -رحمه الله: "لا ينبغي للمُكَلَّف أن يُخالِف ما قصده الشَّارعُ".

وقصد الشَّارع ما هو؟

قصد الشَّارع هو: تحصيل الضَّروريات وما يُكمِّلها.

ماذا يُقصَد بـ"ما يُكمِّلها؟؟

الحاجيَّات والتَّحسينيَّات.

فقصد الشَّارع هو المحافظة على هذه الضَّروريات وما يُكمِّلها.

وكلُّ مَن ابتغى في تكاليف الشَّريعة ما يُناقضها فهو يُناقض الشَّريعة.

وربي أمر بالصلاة، وقد بيَّن القرآنُ المقصد منها وهو: النَّهي عن الفحشاء والمنكر، كما قال: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت: 45].

فإذا كان قصد المُكَلَّف من هذه الصَّلاة ليس هذا القصد، وليس هذا الهدف، وليست هذه الغاية؛ وإنما قصده أن يُقال فلانٌ مُصلٍّ ما شاء الله عليه!

فهناك أناس هدفهم الرِّياء -والعياذ بالله.

ولذا حذَّرنا منه نبينا -صلى الله عليه وسلم- فقال: «إِيَّاكُمْ وَالشِّرْكَ الْأَصْغَرَ».

قالوا: وما الشِّرك الأصغر؟

قال: «الرِّيَاءُ».

فلهذا لابُد أن يكون قصدُ المُكَلَّف مُوافقًا لقصد الشارع.

ما الدليل على أنَّ الشارع اهتمَّ بقصد المُكلَّفين؟

الدليل في القرآن والسُّنة، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5]، وقال في آيةٍ ثانيةٍ: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162، 163].

أي حياتي كلها لله، فقصد الإنسان لابُد من الاهتمام به، فحياتك كلها ينبغي أن تتوجه لله -سبحانه وتعالى.

يقول معاذٌ في جلسةٍ مع أبي موسى الأشعري -والحديث في البخاري- يقول له: "إني أحتسب نومَتي كما أحتسب قَومَتي".

ما معنى: أحتَسِب نومتي؟

أي أحتسب أجرَها عند الله -سبحانه وتعالى.

النوم من المباحات، وهذا المباح يقول عنه الإمامُ الشَّاطبي: "قد يتحوَّل المباحُ بصالح القصد إلى عبادةٍ وقُربةٍ"، أي أنَّ هذا المباح تحوَّل من شيءٍ لا يُؤجَر عليه الإنسانُ إلى شيءٍ يُؤجَر عليه ويُثاب، بماذا؟

بالنية، بالقصد الحسن، بالقصد الصَّالح.

ولذا يقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ».

ما معنى "قومتي"؟

أي قيام الليل.

فمعناه: أعتبر هذه النَّومة التي أرقدها -وهي مُباحة- أعتبر أجرها كاعتبار أجر صلاة ركعات في الليل.

فأنت أيُّها المسلم إذا حَسُنَ وَصَلُحَ قصدُك فهذه الأعمال المُباحة تتحوَّل إلى ماذا؟

إلى عبادةٍ.

فحين تأتي لتأكل لابُد أن تنوي: أنا آكل لماذا؟ آكل حتى أتقوى على طاعة الله. أنا سأنام، سأنام لماذا؟ لأتقوى على العبادة.

وحين نشتري لعبة، أو نشتري حلوى، أو نشتري حاجةً؛ نقول: حتى أُدخِل السُّرور على إخوتي، أو على أولادي، أو على أحفادي، أو على أبناء إخواني، أو نحو ذلك؛ فتكون هذه هدية، ولكنَّها مصحوبة بنيةٍ وبقصدٍ صالحٍ، فتُثاب على ذلك.

فهذا قصدٌ مهمٌّ بالنسبة للإنسان، والإمام العِزُّ على ذكر هذا يقول: "كلُّ تصرُّفٍ لم يُحصِّل مقصودَه فهو باطلٌ”، أي كلُّ عملٍ ليس فيه تحقيقٌ لقصد الشَّرع فهو باطلٌ.

ولهذا قال الله -سبحانه وتعالى- عن الكفَّار -لأنَّ قصدهم لم يكن قصدًا صالحًا: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا} [الفرقان: 23].

 

 

 

p_57188txt4.gif

 

 

 

ننتقل الآن إلى علاقة قصد المُكَلَّف بالأفعال التي يقوم بها:

قد يقصد المُكلَّف المُوافقةَ، ما معنى المُوافقة؟

أي مُوافقة الشَّرع، فيأتي الفعلُ مُوافقًا، فهذا لا خلافَ في صحته، فنحن نحكم بصحته، وبعض الناس يأتي الشيخ فيسأل ويقول: يا شيخ، صلاتي مقبولة إذا صليتُ كذا وكذا؟

فيقول له: القبول عند الله، وإنما أنا أقول لك أنَّ صلاتك صحيحة أو باطلة، فإن كان الفعل موافقا للشريعة فالصلاة صحيحة، والقبول عند الله.

طيب، إنسانٌ يقصد المخالفةَ فجاء فعله مخالفًا؛ فهذا لا خلافَ في بُطلانه، فهو من البداية نواها للشَّر فجاء الشَّر -والعياذ بالله- ونواها مفسدةً فجاءت مفسدة.

الثالث: نوى المُوافقة فجاء فعله مخالفًا.

خرج ليصطاد، فرأى سوادًا أمامه فظنَّه غزالةً أو حيوانًا أو شيئًا؛ فرماه وإذا به إنسان.

هو نوى ماذا؟ قصده صالح أم غير صالح؟

صالح، لكن جاء الفعلُ مخالفًا.

فنقول باختصارٍ: إنَّ هذا يُعامَل على قصده ونيته، المُخطئ الذي قصد النيةَ الحسنةَ لا يُحاسَب.

هنا عندنا سؤال: الله يقول: {وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: 92]؟

حسب القاعدة إذن هو لا يُحاسَب لأنَّه قتله خطأً، لكن مع ذلك يدفع الدية، لماذا؟

لأن الدِّية حقٌّ للعباد، ودائمًا خذوا هذه القاعدة: "حقوق العباد مبنيةٌ على المُشاحة، وحقوق الله مبينةٌ على المُسامحة".

فالله سامح في حقِّه؛ لأنَّه قتله خطأً ولم يقصد قتلَه، لكن حتى لا يذهب دمُ المؤمن هدرًا أوجب فيه الدِّية.

الرابع: نوى المُخالفة فجاء الفعلُ موافقًا.

يعني مثلًا شابٌّ من الشَّباب يُغازل امرأةً، وإذا بها زوجته.

فهذا يُعامَل على ماذا؟

هل اعتدى على حقوق الناس؟

ما اعتدى على حقِّ أحدٍ، ولكن كان قصدُه المخالفة، فلا يُحاسَب على الفعل، وإنما يُحاسَب على القصد، يُحاسب على قصده لأنَّ الأصل في المؤمن ألا يهمَّ ولا يُفكِّر إلا فيما فيه خير، وفيما أمر الشَّرع به.

ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ هَمَّ -أي مَن فكَّر، مَن قصد- بِحَسَنَةٍ فَفَعَلَهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ إِلَى عَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ وَلَمْ يَفْعَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ وَفَعَلَهَا كُتِبَتْ لَهُ سَيِّئَةٌ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ وَلَمْ يَفْعَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ»، لكن لا تكتب له الحسنة إلا إذا همَّ بسيئةٍ أو بمفسدةٍ ولم يفعلها بإرادته، فهذا تُكتَب له حسنة، وإلا فإذا لم يكن بإرادته فيُحاسب على قصده.

ولعلكم تذكرون القصة التي رواها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عن الثلاثة نفر الذين آواهم المبيتُ إلى غارٍ، فمن بينهم رجلٌ له ابنة عمٍّ راودها عن نفسها فأبت، حتى جاءت سَنَةٌ من السَّنوات العِجَاف فاحتاجت إلى مالٍ، فطلبت منه المالَ فراودها عن نفسها، فقال: ما أُعطيكِ المالَ إلا بكذا، فاستجابت، حتى إذا جلس منها مجلس الرجل من زوجته قالت له: يا فلان، اتَّقِ الله، ولا تَفُضَّ الخاتمَ إلا بحقِّه -أي بالزواج.

قال: فقمتُ عنها وتركتُ لها المال، وقال: اللَّهمَّ إن كنتُ فعلتُ ذلك من أجلك ففرِّج عنَّا ما نحن فيه، فتزحزحت الصَّخرة.

فهذا الرجل لما ترك المعصيةَ تركها لماذا؟

لأنَّه لم يقدر عليها أم أنَّه كان أقدر ما يكون عليها؟

كان أقدر ما يكون عليها، ولكنَّه تركها لله -عز وجل، فهذا الذي تُكتب له حسنة، أما من قصد المخالفة ولم يستطع فعلها (ولم يكن ذلك بإرادته) فهذا يُحاسب على قصده.


  •  

p_57188txt4.gif

 

 

 

تمّت الدروس بحمد الله

أسئلة للمراجعة (الإجابة عليها اختيارية):

 

(1) ذكر الإمام الشاطبي أربع مقاصد للشارع في إنزال الشريعة، وهذه تُسمّى قصد المُكَلِّف، ما هي هذه الأربع مقاصد؟

(2) كما أن هناك قصد المُكَلِّف (وهو الشارع) فهنالك أيضًا قصد المُكَلَّف (وهو المأمور باتباع الشريعة)، كيف يجب أن يكون قصد المُكَلَّف بالنسبة إلى قصد الشّارع؟

(3) هل نؤجر على فعل المُباحات مثل النوم والأكل؟ علّلي الجواب.

(4) ما هي الأربع حالات التي يظهر فيها قصد المُكَلَّف نسبةً إلى قصد الشّارع وما حكم كل واحدة من حيث صحة العمل؟

(5) ما الفرق بين صحة العمل وبين قبول العمل؟

(6) القاعدة تقول أن من نوى عملا موافقا للشرع فجاء خطأ فلا حساب عليه، مع ذلك أمر ربنا بدفع الدية على من قتل خطأً، لماذا؟

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

درس رائع بكل ما تحمله الكلمة من معنى

بارك الله فيكِ وجزاك الله كل خير .

 

أجابات الدرس الثالث:

 

(1) ما هي مراتب المصلحة؟ اذكريها وعرّفي كلّ واحدة منها بشكل مُختصر.

 

هي ثلاثة :

1- الضروريات: التي لا بد منها

2- الحاجيات : التي نحتاجها لتيسير الأمور .

3- التحسينيّات: لاستكمال البهجة والتأمل فيها .

 

(2) ما هي الضروريات الخمس؟

 

1- حفظ الدين.

2- حفظ النفس.

3- حفظ النسل [العرض].

4- حفظ العقل .

5- حفظ المال .

 

(3) تُسمّى الضروريات أيضا بالمقاصد، لماذا؟

 

لأنه يدور عليها الدين، كالفرائض .

 

(4) الضرورة في الاصطلاح الشرعيّ، هل تدخل فيها الضروريات العُرفيّة؟ علّلي جوابكِ.

 

نعم، فهناك قاعدة فقهية تقول : "الضروريات تُبيح المحظورات " .

 

(5) ما هي ضوابط المصلحة؟ اذكريها وعرّفي كلّ واحدة منها بشكل مُختصر.

 

1- مصلحة كليّة: تجمع ععد أكبر ممكن من الناس .

2- مصلحة قطعية أي مؤكدة .

3- مصلحة ضرورية .

4- مصلحة لا تُخالف الكتاب والسنة .

5- مصلحة أن نُفوّت ما هو أفضل منها .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×