اذهبي الى المحتوى

امانى يسرى محمد

العضوات
  • عدد المشاركات

    7661
  • تاريخ الانضمام

  • تاريخ آخر زيارة

  • الأيام التي فازت فيها

    60

مشاركات المكتوبهة بواسطة امانى يسرى محمد


  1. ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى:
    ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ﴾ [العلق: 6]

    يسَّر الله لي الاطلاع على عدد من كتب تفاسير القرآن الكريم؛ للتعرف على مدلولات تفسير الآية موضوع المقال، فشدَّني تفسير الشيخ ابن عثيمين رحمه الله؛ لِما عرضه من تفصيل شامل ودقيق للآية، جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

     
    وإليكم ما ذكره رحمه الله على النحو الآتي:

    1. إن "الإنسان" ليس شخصًا معينًا، بل المراد الجنس، كل إنسان من بني آدم إذا رأى نفسه استغنى، فإنه يطغى.

     

    2. معنى الطغيان: مجاوزة الحد، إذا رأى أنه استغنى عن رحمة الله، طغى ولم يبالِ، إذا رأى أنه استغنى عن الله عز وجل في كشف الكربات، وحصول المطلوبات، صار لا يلتفت إلى الله ولا يبالي، إذا رأى أنه استغنى بالصحة نسِيَ المرض، وإذا رأى أنه استغنى بالشبع نسِيَ الجوع، إذا رأى أنه استغنى بالكُسوة نسِيَ العُري... وهكذا.

     

    3. الإنسان من طبيعته الطغيان والتمرد، متى رأى نفسه في غنًى، ولكن هذا يخرج منه المؤمن؛ لأن المؤمن لا يرى أنه استغنى عن الله طرفة عين، فهو دائمًا مفتقر إلى الله سبحانه وتعالى، يسأل ربه كل حاجة، ويلجأ إليه عند كل مكروه، ويرى أنه إن وكله الله إلى نفسه، وكله إلى ضعف وعجز وعورة، وأنه لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، هذا هو المؤمن، لكن الإنسان من حيث هو إنسان من طبيعته الطغيان؛ وهذا كقوله تعالى: ﴿ وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72].

     

    والمتأمل لحياة الناس اليومية يرى بوضوح صورًا من طغيان الإنسان في مجالات شتى، وبجهد المقل سأعرض جملة من الملامح التربوية التي تضمنتها الآية موضوع المقال؛ لعلها تُسهِم في ضبط السلوك الإنساني من الطغيان، وبالله التوفيق، وعليه التُّكْلان:

    أولًا: إن التسلح بالإيمان الصادق، والالتزام بشرع الله تعالى بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، هو السبيل الأمثل للبعد عن الطغيان، وتجاوز الحدود، ونشر الخير والمحبة، والفضيلة والسلام بين الناس على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم.

     
    ♦♦ ♦♦ ♦♦

    ثانيًا: تختلف درجة طغيان الإنسان بحسب ما لديه من إيمان وتقوى، فكلما قَوِيَ الإيمان كان بعيدًا عن إيذاء من حوله، بخاصة أخوه الإنسان بأية صورة من صور الإيذاء؛ امتثالًا لقول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10].

     

    وقول نبينا صلى الله عليه وسلم: ((المسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده))؛ [صحيح البخاري: 10، صحيح مسلم: 40].

     

    وقوله أيضًا عليه الصلاة والسلام: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقِره ولا يخذُله))؛ [صحيح البخاري: 6064، صحيح مسلم: 2564].

     
    ♦♦ ♦♦ ♦♦

    ثالثًا: المؤمن المتقي في الغالب إن حصل منه طغيان وتعدٍّ على الآخرين، فسرعان ما يبادر بالاعتذار، وطلب الصفح؛ لأنه يخشى من جزاء الله تعالى وعقابه في الدنيا قبل الآخرة.

     

    وصدق الله العظيم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201]؛ قال السدي رحمه الله: "إن المتقي إذا أصابه نزغ من الشيطان تذكَّر وعَرَف أنه معصية، فأبصر فنزع عن مخالفة الله"؛ [البغوي، التفسير، الأعراف: 201].

     ♦♦ ♦♦ ♦♦

    رابعًا: من أهم بواعث الطغيان لدى الإنسان الغضبُ، وما يحصل معه من ظلم لأخيه الإنسان، وقد حذر نبينا صلى الله عليه وسلم منه أشد التحذير؛ كما ورد في الحديث الشريف: ((أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصِني، قال: لا تغضب، فردَّد مرارًا، قال: لا تغضب))؛ [صحيح البخاري: 6116].

    قال ابن حجر رحمه الله: "الغضب يجمع الشر كله"؛ [فتح الباري، 17/297].

     
    ♦♦ ♦♦ ♦♦

    خامسًا: إن الاستزادة من العلم الشرعي والعناية به، والمحافظة على أداء الفرائض المكتوبة، والإكثار من النوافل، ومداومة ذكر الله تعالى - حصنٌ حصين من تسلُّط النفس الأمَّارة بالسوء والشيطان على الإنسان، فيكون دائمًا على بصيرة من إيذاء نفسه أو الآخرين، وهو في حفظ الله تعالى، فالله يحفظ من يحفظه، ويتولى من اعتنى بعبادته وأخلص فيها؛ قال تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [يونس: 62].

     

    وصدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ((احفظ الله يحفظك))؛ [الألباني، صحيح الترمذي، 2516].

     

    قال ابن عثيمين رحمه الله: "جملة تدل على أن الإنسان كلما حفِظ دين الله حفِظه الله، ولكن حفِظه في ماذا؟ حفظه في بدنه، حفظه في ماله، في أهله، في دينه، وهذا أهم الأشياء أن الله يحفظك في دينك، يسلمك من الزيغ والضلال؛ لأن الإنسان كلما اهتدى زاده الله هدًى".

     
    ♦♦ ♦♦ ♦♦

    سادسًا: أورد القرآن الكريم ثلاث حالات تَعرِض للنفس الإنسانية: النفس الأمارة بالسوء؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ﴾ [يوسف: 53]، والنفس اللوامة؛ قال تعالى: ﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾ [القيامة: 1، 2]، والنفس المطمئنة؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر: 27 - 30].

     

    ولا شكَّ أن النفس المطمئنة هي نفس المؤمن التقيِّ النقيِّ الْمُمْتَثِل لشرع الله أمرًا ونهيًا، وهناك ارتباط وثيق بين كل نوع من هذه الأنفس ودرجة الطغيان، فعندما يكون الإنسان متلبِّسًا بالنفس الأمارة بالسوء، يعُمُّ أذاه ويقل خيره، أما النفس اللوامة، فهي على خير لِما يحصل من لوم صاحبها على الطغيان إن حصل، فيؤوب إلى رشده نادمًا على ما بدر منه، أما النفس المطمئنة، فهي في سلام دائم، فإذا لم يحصل منها خير للآخرين، لم يلحقهم منه ضرر ألبتة، ولعل هذه المراحل للنفس الإنسانية تتشابه إلى حد كبير مع قول الله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ [فاطر: 32].

     

    والإنسان العاقل الموفَّق أعرف بنفسه من غيره، فالواجب أن يرتقيَ بنفسه ويُربِّيها شيئًا فشيئًا على القيم والمبادئ، والأخلاق الإسلامية الفاضلة؛ حتى يلحَقَ بركب النفس المطمئنة؛ حيث يأمن الناس من طغيانه، ويعم خيره، ويقل ضرره.

     ♦♦ ♦♦ ♦♦

    سابعًا: من أقوى مسببات طغيان الإنسان على أخيه الإنسان التعصبُ الديني، أو المذهبي، أو القَبَلي، أو العرقي، وما شابه ذلك؛ ولذلك فالمهذب الأول والضابط لسلوك الناس في كل زمان ومكان هو الالتزام بشرع الله تعالى، ويعضُّد ذلك ويقويه ما تَضَعُه الدول والحكومات من أنظمة وقوانين لتنظيم الحياة الاجتماعية لسلامة أفراد المجتمع الواحد مما قد يحصل من إيذاء بعضهم بعضًا، ولضمان استتباب الأمن بين أفراد المجتمع للعيش بأمن وسلام وحياة كريمة، ولكن في كلا الحالين لضمان الالتزام بشرع الله، وتنفيذ أنظمة الجهات الرسمية يحتاج الأمر إلى جهات رسمية مخوَّلة بالمتابعة وتطبيق العقوبات المناسبة عند حدوث أية مخالفات، سواء كانت شرعية أو نظامية.

     

    ولله ولي التوفيق، والحمد لله رب العالمين.

    د عبد الرحمن الحزمي
    شبكة الالوكة


  2. قطرات على ظمأ

    (الجزء الأول)

     

    قال التلميذ لمعلمه:

    متى أَفِرُّ من صاحبي؟

    قال المعلم لتلميذه: إذا كان يظُن أنك تقصده في كل تنبيهٍ على عيبٍ، أو تعليقٍ على سلوك، فهذا لا نفع في صحبته، ولن تزداد بصحبته إلا شقاءً.

    ♦♦ ♦♦ ♦♦

    قال التلميذ لمعلمه:

    كيف يقوم غير المسلمين بجمعيات عالمية تقدِّم خدمات وإغاثات إنسانية للمنكوبين، فهل في قلوبهم الخير حقًّا؟

     

    قال المعلم لتلميذه:

    هؤلاء يرون الخير فكرة من الأفكار يضعونها حيث تراه أهواؤهم، ولهذا تراهم يغيثون أناسًا، ويبررون لأنفسهم قتل أناسٍ، وتراهم يجبرون الناس على ولائهم بعد إغاثتهم.

     

    ♦♦ ♦♦ ♦♦

     

    قال التلميذ لمعلمه:

    يقولون: (دموع التماسيح)

     

    فماذا يقصدون؟

    قال المعلم لتلميذه:

    يقصدون الكذب في المشاعر، كالذين يُمثلون الحزن أو الفرح لشأنك، فالتمساح ليست له غدة دمعية، وتتساقط بقايا المياه من عينه، فيظنها الناس دموعًا.

     

    قال التلميذ لمعلمه:

    إذًا نحن في عصر التماسيح، قال المعلم لتلميذه: إلا مَن رَحِمَ ربي.

    ♦♦ ♦♦ ♦♦

     

    قال التلميذ لمعلمه:

    ما لي أَقبلتُ على أناس فآذَوْني

    وأعرضتُ عن أناس وهم خيرٌ لي

     

    قال المعلم لتلميذه:

    الأولون أَوْهَموك أنك بلا عيوبٍ، فسهُل عليهم معرفةُ عيوبك فآذَوْك، والآخرون أحبُّوك فصارَحوك بعيوبك وعاتَبوك، فجاهِد نفسك وأصلِح عيبك.

    قال التلميذ لمعلمه:

    أريد أن تكون لي كرامات وبركات، يفعلها الله لي، فتمنحني قوة وثباتًا، فدُلَّني على طريقها.

     

    قال المعلم لتلميذه:

    لا تطلُبها ولا تتمناها واحذَرها، طلب الحواريون مائدة من السماء كرامة ومعجزةً، فقال الله لهم: ﴿ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ  [المائدة: 115].

    قال التلميذ لمعلمه:

    صفْ لي يا سيدي الفارس المسلم في زمن العزة، قال المعلم لتلميذه:

    كان مثل جواده له أربعُ ركائز:

    العقيدة، العلم، القوة، الأخلاق، فالعقيدة تحدِّد له الهدف وتدفَعه إليه بقوة، والعلم يحدِّد له الطريق ويجمع له الأسباب، والقوة تُرهب عدوَّه، وتَكسِر كبرياءَ خصومه، والأخلاق تفتح بابه للعائدين إليه والكافين عنه.

     

    قال المعلم لتلميذه:

    إن قوة المصلح في ثباته لا في انتصاره، إن الله سبحانه قال: ﴿ فَاثْبُتُوا  [الأنفال: 45]، أما النصر فقال فيه: ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ  [آل عمران: 126]، فينبغي ألا يتزعزع (الثبات) حتى لو تأخر (النصر).

     

    قال التلميذ لمعلمه:

    متى يَسهُل النيل من إنسان؟

    قال المعلم لتلميذه:

    إذا مدحته فصدَّق مدحَك إياه، فقد قصَمت ظهرَه، كالحجر إذا أردتَ تحطيمه فإنك تَرفَعه فوق رأسك بكل قوة، فإذا ألقيتَه تَحطَّم.

     

    قال التلميذ لمعلمه:

    من أين دخلت القسوة على بعض قلوب أهل الدِّين؟

    قال المعلم لتلميذه؟

    من بعد ما رأوا الآيات وذاقوا حلاوة القربات، ثم اطمأنَّت نفوسهم ووثَقوا من قَبولهم قبل أن تتمحَّص نفوسهم، وترتعد قلوبُهم، قال التلميذ لمعلمه: وكيف ذاك؟ قال المعلم لتلميذه:

    رأى بنو اسرائيل إحياء الميت ببعض بقرة، ثم قسَت قلوبهم، واصطفاهم على العالمين، وكانوا يقتلون كل يوم نبي، وألقوا أقلامهم أيُّهم يكفُل مريم، ثم قالوا عليها بهتانًا عظيمًا.

     

    قال التلميذ لمعلمه:

    لماذا أرى على وجهك آثار البكاء؟

    قال المعلم لتلميذه:

    اشتاقت نفسي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكى التلميذ مع معلمه.

     

    قال التلميذ لمعلمه:

    كيف صارت طاعة الزوجة لزوجها سببًا لدخول الجنة، وما هو إلا واحد من البشر؟

    قال المعلم لتلميذه: لأنه الشخص الوحيد الذي اتصل بها بالشرع، جاءت إلى الدنيا فوجدت أخاها وأباها وأقاربها، فعلى قدر تعظيمها للشرع يكون تعظيمها لأمر زوجها.

     

    قال التلميذ لمعلمه:

    ما علامة رضا الوالدين عن الولد؟

    قال المعلم لتلميذه:أن يُحب إخوته.

     

    قال التلميذ لمعلمه:

    وما الرابط بينهما؟

    قال المعلم لتلميذه:

    لأنه لَما أحب الأصل أحبَّ ما يتفرَّع منه، ومن أحب الأم والأب والرب، أحبُّوه.

     

    قال التلميذ لمعلمه:

    الناس تتصارع على الوظائف العامة، يقولون: راتب ومعاش وتأمين، وراحة ونوم.

    قال المعلم لتلميذه:ذلك لأنهم لا يعلمون أمانة العمل.

     

    قال التلميذ لمعلمه:

    وما أمانة العمل يا معلِّم؟

    قال المعلم لتلميذه:

    أن يرى نفسه خادمًا لكل مَن يَقصِده من الناس، وأن يعمل في مال الدولة كما يعمل في مال اليتيم، وبذلك يبذل طاقته، ويتعفَّف عن مالهم.

     

    قال التلميذ لمعلمه:

    لو يعلمون ذلك لزهِدوا في الوظائف العامة بدلًا من التقاتل عليها.

     

    شبكة الالوكة

     


  3. الدُّروسُ المُسْتفادَةُ مِنْ قِصَّةِ التَّحْرِيم

    ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ 

     

    الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد: جاء في سَبَبِ قِصَّةِ التَّحرِيمِ: عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: (دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمِّ وَلَدِهِ مَارِيَةَ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، فَوَجَدْتُهُ حَفْصَةُ مَعَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: تُدْخِلُهَا بَيْتِي؛ مَا صَنَعْتَ بِي هَذَا مِنْ بَيْنَ نِسَائِكَ إِلَّا مِنْ هَوَانِي عَلَيْكَ! فَقَالَ: «لَا تَذْكُرِي هَذَا لِعَائِشَةَ، فَهِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ إِنْ قَرَبْتُهَا»، قَالَتْ حَفْصَةُ رضي الله عنها: وَكَيْفَ تُحَرَّمُ عَلَيْكَ وَهِيَ جَارِيَتُكَ؟ فَحَلَفَ لَهَا لَا يَقْرَبُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَذْكُرِيهِ لِأَحَدٍ»، فَذَكَرَتْهُ لِعَائِشَةَ؛ فَآلَى لَا يَدْخُلُ عَلَى نِسَائِهِ شَهْرًا، فَاعْتَزَلَهُنَّ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ﴾ [التحريم: 1] الْآيَةَ) رواه النسائي، والحاكم، والدارقطني، وابن سعد.

     

    وفي روايةٍ للبخاري: «فَاعْتَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ، حِينَ أَفْشَتْهُ حَفْصَةُ إِلَى عَائِشَةَ، تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً. وَكَانَ قَالَ: "مَا أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا"؛ مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ حِينَ عَاتَبَهُ اللَّهُ» رواه البخاري.

     

    والرَّاجِحُ في سَبَبِ نُزولِ آياتِ التَّحريم: هو "تَحريمُه صلى الله عليه وسلم مَارِيَةَ"، وأمَّا حادِثَةُ "شُرْبَ العَسَلِ" ليست سببًا للنزول، وإنما ذُكِرَتْ فيها آيةُ التَّحريمِ على سبيل الاستشهاد. قال ابنُ حَجَرٍ رحمه الله: (وَالرَّاجِحُ مِنَ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا قِصَّةُ مَارِيَةَ؛ لِاخْتِصَاصِ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ بِهَا. بِخِلَافِ الْعَسَلِ؛ فَإِنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُنَّ).

     

    عباد الله.. قِصَّةُ التَّحريمِ من أهمِّ الحَوادِثِ التي حَدَثَتْ في بيت النُّبوة؛ لأنها تُبيِّنُ بِجلاءٍ حِكْمَةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في إدارةِ الأَزَمَات، وحَلِّ المُشْكِلاتِ الزوجية، فلا بد أنْ نَسْتفيدَ منها في مُعالجة مُشْكِلاتِنا الزوجية، وخِلافاتِنا الأُسرية

     

    . ومن أهمِّ الدُّروسِ المُستفادَة مِنْ قِصَّةِ التَّحرِيمِ:

    1- أهميَّةُ كِتْمانِ الأسرارِ في الحياةِ الزَّوجيةِ، وعدمُ إفشائِها، مهما كان حَجْمُ السِّرِّ، ومهما كان نوعُه. قال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [التحريم: 3]. فإنَّ حفصةَ أخطأتْ حينما أفْشَتْ السِّرَّ لِعائشةَ - رضي الله عنهما.

     

    2- لا يَنبغِي أَنْ يُحَرِّمَ المُسلِمُ على نفسِه حَلَالاً  ولو بالامتناعِ عنه - فلا يملك ذلك أحدٌ إلاَّ اللهُ تبارك وتعالى، ومن رحمةِ اللهِ تعالى شرعَ لنا التَّراجُعَ عن مِثْلِ هذا القرارِ الخطأ؛ فقال سبحانه: ﴿ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ﴾ [التحريم: 2]. ثم أكد النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك، وحثنا على التراجع فقال: «إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا؛ فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» رواه البخاري.

     

    3- لم يَستعملِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أُسلوبَ الضَّرْبِ لِحَلِّ هذه المُشكلَةِ الزَّوجيةِ، لكنه اتَّخذ قرارًا حازِمًا يَتَوافَقُ مع هذا الخطأ الذي يُهَدِّدُ الحياةَ الزوجية، ويَقْضِي على استقراها، فاستعملَ أُسلوبَ الهَجْرِ، وهو أُسلوبٌ تربويٌّ هادف، وهو أكثرُ أيلامًا في النَّفْسِ، وأشَدُّ وَقْعًا عليها.

     

    4-يجبُ على المُسلِمُ أنْ يَصونَ أُسرتَه ويُحافِظَ عليها، ولا يستخدم ألفاظَ التَّحريمِ، ولا يتلَفَّظ بأيمانٍ مُغَلَّظَةٍ أو غيرِ مُغَلَّظَةٍ تُؤدِّي إلى هدمِ بَيتِ الزوجية، أو تُشَتِّتُ الأُسرةَ؛ بسببِ الجهلِ بأحكامِ الشَّرع. فبعضُهم يُلزِمُ نفسَه بإِلزاماتٍ وألفاظٍ عجيبة؛ مِثْلُ قَولِ بعضِهم: "عليَّ الحرام كذا وكذا!" أو "عليَّ الطَّلاق كذا وكذا". ثم يَذهب ويَبحث عن مَخْرَجٍ عند أهل العلم، فيقع في الحَرَجِ الشَّرْعِي.

     

    5- سَماحةُ الإسلامِ، ويُسْرُ تعاليمِه، ورَفْعُ الحَرَجِ عن أتباعِه؛ فقد شرَعَ اللهُ لنا تَحِلَّةَ الأَيمان: ﴿ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ﴾ قال الْمُهَلَّبُ رحمه الله: (مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ - فِيمَا خَفَّفَ عَنْهُمْ: أَنَّ مَنْ قَبْلَهُمْ كَانُوا إِذَا حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ شَيْئًا حَرُمَ عَلَيْهِمْ؛ كَمَا وَقَعَ لِيَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَخَفَّفَ اللَّهُ ذَلِكَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَنَهَاهُمْ أَنْ يُحَرِّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ شَيْئًا مِمَّا أَحَلَّ لَهُمْ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ [المائدة: 87])

     

    6- مِنَ الأَدَبِ في التَّعامُلِ مع الخِلافاتِ الزَّوجيةِ الخاصَّة: السُّكوتُ عن أسبابِها، وعدمُ التَّصريحِ بها، ولا سيما إذا كانت تتعلَّقُ بِخُصوصِيَّاتِ الزَّوجين، والكِنَايةُ عنها بِلَفْظٍ عامٍّ دون الدُّخولِ في التَّفاصيل. ويدلُّ على ذلك: قولُه تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ﴾. فالآيةُ تَتَحدَّثُ عن شيءٍ مُعَيَّنٍ حَرَّمَه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولم تُحَدِّدْ أيَّ شيءٍ كان ذلك المُحَرَّم. وقال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا ﴾ [التحريم: 3]؛ هكذا بصيغة التَّنْكِيرِ، ولم يُحَدِّدْ نَوْعَ الحديثِ الذي أسَرَّهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى بعضِ أزواجِه.

     

    وقد تأدَّبَ الصَّحابةُ رضي الله عنهم بهذه الأدبِ الكريمِ؛ قال ابنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: (مَكَثْتُ سَنَةً وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ آيَةٍ؛ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ هَيْبَةً لَهُ) رواه البخاري ومسلم. فالذي مَنَعَه من السُّؤالِ هو أنَّ المُشْكِلَةَ أمرٌ خاصٌّ لا ينبغي التَّعَمُّقُ في البحثِ عن أسبابِه، وكَشْفِ أسرارِه.

     

    7- بعدَ هذا الهَجْرِ الذي دامَ شهرًا، أنزلَ اللهُ الوحيَ؛ لِيَضَعَ حدًّا لهذه المُشْكِلَةِ عن طريقِ التَّوبةِ الخالِصَةِ: ﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾ والخِطاب هنا: للزَّوجتين الكَرِيمتين؛ عائشةَ وحفصةَ رضي الله عنهما، فعلى كُلِّ زوجةٍ أخلَّتْ بأدبِ المُعاشرةِ مع زَوجِها أنْ تتوبَ إلى اللهِ مِنْ فِعْلِها؛ لِتَفْتَحَ بذلك صفحةً جديدةً في حياتِها الزوجية، قِوامُها الطاعَةُ والاحترامُ.

     

    الخطبة الثانية

    الحمد لله... أيها المسلمون.. ومن أهمِّ الدُّروسِ المُستفادَة:

    8- من آدابِ الحَياةِ الزَّوجيةِ: ألاَّ يستقصي الزَّوْجُ عُيوبَ زَوجَتِه، ولا يترصَّدَ أخطاءَها، ومَواطِنَ الضَّعْفِ عندها، فإنَّ ذلك يَبْعَثُ على السَّآمَةِ والمَلَلِ في نفسِها، مما يؤدي إلى فَسادِ الحياةِ الزوجية، قال تعالى – وهو يتحدَّثُ عن مَوقِفِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم من إِفْشَاءِ بعضِ نسائِه السِّرَّ: ﴿ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ ﴾ قال سفيانُ الثوريُّ رحمه الله: (مَا اسْتَقْصَى كَرِيمٌ قَطٌّ، وَمَا زَالَ التَّغَافُلُ مَنْ فِعْلِ الْكِرَامِ، عَرَّفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَفْصَةَ بَعْضَ مَا فَعَلَتْ، وَأعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ).

     

    9- مُخالفةُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أمْرٌ عظيمٌ لا ينبغي للمسلمِ أنْ يقعَ فيها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ﴾ [التحريم: 4] وفيه عِنايَةُ اللهِ برسولِه صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ هؤلاء جمعيًا هم أعوانٌ له، وفي هذا أكبرُ فضيلةٍ وشَرَفٍ لِسَيِّدِ المرسلين؛ حيث جعلَ اللهُ نفسَه الكريمةَ، وخَواصَّ خلقِه، أعوانًا له.

     

    10- فيه تَحذِيرٌ وتَخوِيفٌ يَشُقُّ على النِّساءِ غايةَ المَشَقَّةِ؛ وهو الطَّلاق؛ لقوله تعالى: ﴿ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ ﴾ [التحريم: 5]. فهذا شيءٌ شاقٌّ على النساء، وهو أداةُ رَدْعٍ مُهمة، ووسيلةٌ للتأديب، ولا يُتَوَسَّعُ فيه.

     

    11- لمَّا اختارَ اللهُ لرسولِه بَقاءَ نِسائِه المَذْكوراتِ معه؛ دلَّ على أنهنَّ خيرُ النِّساءِ وأكملَهُنَّ؛ فعندما سَمِعَتْ أُمَّهاتُ المؤمنين - رضي الله عنهنَّ - هذا التَّخويفَ والتَّأْدِيبَ؛ بادَرْنَ إلى رِضَا رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فكان هذا الوصفُ مُنْطَبِقًا عليهنَّ، فَصِرْنَ أفضلَ نِسَاءِ المؤمنين، وفي هذا دليلٌ على أنَّ اللهَ لا يَخْتارُ لرسولِه صلى الله عليه وسلم إلاَّ أكملَ الأحوال.

     

    12- الإِشَاعَةُ لها أثَرٌ ضَارٌّ في الأُسرةِ، وفي المُجتمع، ولا سيما فيما يَتَعَلَّقُ بالحياة الأُسرية، فعندما اعتزلَ النبيُّ نِساءَه - في حادثةِ التَّحريمِ – شاعَ في المدينةِ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم طَلَّقَ نِساءَه، فما كان من عُمَرَ رضي الله عنه إلاَّ أنْ ذهَبَ لِتَحَرِّي الخَبَرِ من مَصْدَرِه – رَغْمَ كَثْرَةِ ناقِلِيه، وانْتِشارِه بين الناس - يقول عُمَرُ رضي الله عنه: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَطَلَّقْتَهُنَّ؟ قَالَ: «لاَ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، وَالْمُسْلِمُونَ يَنْكُتُونَ بِالْحَصَى يَقُولُونَ: "طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُ"؛ أَفَأَنْزِلُ فَأُخْبِرَهُمْ أَنَّكَ لَمْ تُطَلِّقْهُنَّ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِنْ شِئْتَ» رواه مسلم.

     

    ومن فوائد الحديث - التي ذَكَرَها ابنُ حَجَرٍ - رحمه الله: (أَنَّ الْأَخْبَارَ الَّتِي تُشَاعُ وَلَوْ كَثُرَ نَاقِلُوهَا، إِنْ لَمْ يَكُنْ مَرْجِعُهَا إِلَى أَمْرٍ حِسِّيٍّ؛ مِنْ مُشَاهَدَةٍ أَوْ سَمَاعٍ، لَا تَسْتَلْزِمُ الصِّدْقَ).

     

     

    د.محمود الدوسرى

    شبكة الالوكة


  4. لا . . للسكوت

    يحيى بن موسى الزهراني

     
    الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ولي الصالحين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله نبي الأميين ، ورسول الثقلين ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الغر المحجلين ، ومن تبعه فإحسان إلى يوم الدين . . وبعد :
    الساكت على الحق شيطان أخرس ، والساكت على الباطل شيطان أخبث ،
    قال الله تعالى : { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [ النحل90 ] .
    وقال تعالى : { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } [ لقمان17 ] .
    وأخرج الإمام أحمد وغيره من حديث عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، أو ليبعثن عليكم قوماً ، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم " .
    كم هي المنكرات التي نراها عبر الشوارع والبيوتات ، وخلال الأزقة والطرقات ، خطف للأطفال والبنات وحتى الشباب والنساء ، انتهاك لحرمات المنازل وحتى المساجد وسرقة محتوياتها والعبث بالمصاحف والكتب الدينية ، انتشار أعظم فاحشتين [ اللواط والزنا ] ، وتفشي أم الخبائث [ الخمر والمخدرات ، والحبوب والمسكرات ] ، وظلم الأبناء والعمال والزوجات ، وأكل حقوق الخدم والأجراء ، والأيتام والفقراء ، تساهل في إنكار المنكر ، وتباطؤ في التواصي بالمعروف ، وتكاسل في النصيحة ، حتى هلك معظم الناس اليوم ، ووقعوا فيما لا تحمد عقباه ، وما لا تُرجى أخراه ، أصبح المنكر معروفاً ، والمعروف منكراً ، فلا للسكوت على المنكر أياً كان نوعه وحجمه ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا به ، فهو نعم المولى ونعم المعين .

    ------------

    لقد حذرنا المولى جل وعلا من ذلك تحذيراً بليغاً خشية أن يصيبنا ما أصاب من قبلنا من الأمم ، والمتأمل لواقع الأمة اليوم ربما يدرك خطورة الأمر فقد قال تعالى : { الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [ التوبة67 ] .
    فسبحان الله العظيم الجليل الحليم ، ما أحلمه على أذى خلقه ، وما أرأفه بعباده ، وما أرحمه بعبيده ، خيره إليهم نازل ، وشرهم إليه صاعد ، فوالله لو خسف بنا لكان عدلاً ، ولو زلزل الأرض تحت أقدامنا لكان قسطاً ، ولكنه أرحم بنا من الأم بولدها ، يصبر على الأذى ، وليس أحد أصبر على الأذى من الله .
    قال الله تعالى : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ } [ آل عمران110 ] .
    كثرت الجريمة ، وتعددت ألوانها ، واختلفت طرقها ، والسبب عدم إنكارها ، وعدم إنزال العقوبة الرادعة بمرتكبيها ، وكما قيل : من أمن العقوبة ، أساء الأدب ، فنخشى والله من عقوبة الله تعالى ، أن يفعل بنا كما فعل ببني إسرائيل من قبلنا ، عن عبدِ الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قالَ : قالَ رسولُ الله : " إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَـلَ النقصُ علـى بَنِـي اسرائيلَ، كانَ الرجلُ يَلْقَـى الرجلَ فـيقولُ : يا هَذَا اتَّقِ الله وَدَعْ مَا تَصْنَعُ، فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لكَ، ثم يَلْقَاهُ مِنَ الغدِ فَلاَ يَـمْنَعُهُ ذلكَ أَنْ يكونَ أَكِيلَهُ وشَرِيبَهُ وقَعِيدَهُ، فلـمَّا فَعَلُوا ذلكَ ضَرَبَ الله قلوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ "، ثم قالَ : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِـي إِسْرَآئِيلَ عَلَـى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابنِ مَرْيَـمَ ذَلِكَ بِـمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } ثم قالَ : " كَلاَّ والله، لَتَأْمُرُنَّ بالـمعروفِ ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ الـمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَـى يَدِ الظالـمِ ولَتَأْطِرُنَّهُ علـى الـحَقِّ أَطْراً وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَـى الـحَقِّ قَصْراً " [ أخرجه أبو داود والبيهقي وغيرهما ] ، فإذا أردنا النجاة فعلينا أن ننكر المنكر كل حسب قدرته وطاقته ، ولا للسكوت على المنكر .
     

    ------------

    كثير من الآباء لم تعد لديهم قدرة للتأثير على أبنائهم وبناتهم ، ففقدوا زمام الأمور ، وتركوا الحبل على الغارب ، تنصلوا من أوامر الكتاب والسنة ، فحدثت الجرائم ، وارتكبت العظائم ، فلا للسكوت على ذلك المنكر ، وذاك الشر ، بل الواجب مناصحة الأولياء والآباء حتى نخرج من هذه المآزق ، وتلكم الموبقات المهلكات ، وإلا عمنا الله بعقابه ، عن عائشةَ رضي الله عنها قالت : قلتُ : يا رسولَ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ إِذَا أنزلَ سطوتَهُ بأهلِ الأرضِ ، وفيهمُ الصالحونَ ، فَيَهْلِكُونَ بهلاكِهمْ ؟ فقالَ : " يا عائشةُ ، إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَنْزَلَ سَطْوَتَهُ بأهلِ نقمتِهِ وفيهمُ الصالحونَ ، فُيصابون معهمْ ثُمَّ يُبعثون على نياتِهِمْ وأعمالِهِمْ " [ أخرجه ابن حبان وقال الألباني صحيح لغيره ] ، وعن النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : " مَثَلُ الْقَائمِ عَلَى حُدُودِ الله ، وَالمُدْهِنِ ـ الواقع ـ فِيهَا ، كَمثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ في الْبَحْرِ ، فَأَصَابَ بَعْضِهُمْ أَعْلاَهَا ، وَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا ، فَكَانَ الَّذِينَ في أَسْفَلهَا يَصْعَدُونَ فَيَسْتَقُونَ الْمَاءَ فَيَصُبُّونَ عَلَى الَّذِينَ في أَعْلاَهَا، فَقَالَ الَّذِينَ في أَعْلاَهَا : لاَ نَدَعُكُمْ تَصْعَدُونَ فَتُؤْذُونَنَا ، فَقَالَ الَّذِينَ في أَسْفَلِهَا : فَإِنَّا نَنْقُبُهَا في أَسْفَلِهَا فَنَسْتَقِي ، فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ فَمَنَعُوهُمْ نَجَوْا جَمِيعاً ، وإنْ تَرَكُوهُمْ غَرِقُوا جَمِيعاً " [ أخرج البخاري والترمذي واللفظ له ] .
     

    ------------

    من أسباب انتشار الفوضى عبر الطرقات ، وكثرة السرقات ، وتفشي الجريمة ، ووجود شرذمة من الشباب الطائش بين تفحيط وتجديع ، ولعب بالسيارات ، أقول من أسباب ذلك : انفلات الأمن الذي أصبح ظاهرة لا ينكرها أحد ، بل هي حديث المجالس اليوم بين الرجال والنساء ، فمتى نرى الأمن قد طُبق على الصغير والكبير، على الشريف والوضيع ؟ أم نريد أن نعيد أيام الجاهلية الجهلاء ، والأثرة العمياء ، فلا يُطبق القضاء إلا بالضعفاء والوضعاء ، ويُستثنى منه الكبار والشرفاء ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ، أَنَّ قُرَيْشاً أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ ، فَقَالُوا : مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللّهِ ؟ فَقَالُوا : وَمَنْ يَجْتَرِىءُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، حِبُّ رَسُولِ اللّهِ ؟ فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ ، فَكَلَّمَهُ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ. فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللّه صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : " أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللّهِ ؟ " فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ : اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللّهِ ، فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَاخْتَطَبَ ، فَأَثْنَىٰ عَلَى اللّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، ثُمَّ قَالَ : " أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِم الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ ، وَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا " ثُمَّ أَمَر بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ يدُهَا.
    قَالَ يُونُسُ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدُ، وَتَزَوَّجَتْ، وَكَانَتْ تَأْتِينِي بَعْدَ ذٰلِكَ، فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إلَىٰ رَسُولِ اللّهِ " [ أخرجه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم ] .
    فإذا أردنا الطمأنينة والاستقرار ، والأمن في ربوع البلاد ، وراحة العباد ، فلابد من إقامة الحدود ، دون مراعاة لأحد ، بل دون النظر إلى ما تمليه علينا منظمة حقوق الإنسان المزعومة ، التي ترعى حقوق الكفار ، وتتغاضى عمداً عن حقوق المسلمين المنتهكة ، وتتجاهل قضاياهم العادلة ، ومنها قضيتي فلسطين والعراق ، والخروقات التي تقوم بها دول الكفر وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل من استهتار بأمر الإنسان المسلم الذي يُعد لديها من سفاسف الأمور وتوافهها ، بل لا يُعد أمراً ذا بال ، والله تعالى يقول : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً } [ النساء93 ] ، وعَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْروٍ رضي الله عنهما ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " لَزَوَالُ الدُّنْيَا أهْوَنُ عَلَى الله مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ " [ أخرجه الترمذي والنسائي والبيهقي وابن ماجة ] ، ويتشدق الغرب الكافر الفاجر برعايته لحقوق الإنسان ، وهي حقوق منتهكة منقوصة على مستوى الكرة الأرضية ، لا سيما حقوق المسلم المغتصبة في كل بلاد الإسلام ، وحقوق الأقليات المسلمة في شتى البقاع ، وإن المسلم الغيور ، والمؤمن الحق ليتساءل أين منظمة حقوق الإنسان عما يحصل في العراق وفلسطين وأفغانستان وكشمير والفلبين واندونيسيا والصومال بل وحتى في البلاد العربية المسلمة ؟ أين حقوق الإنسان عن سجن أبو غريب وجوانتناموا وغيرها من سجون الكفار ؟ وحتى سجون المسلمين في بلاد الإسلام ؟ أين حقوق الإنسان عما حصل في البوسنة والهرسك وكوسوفا وغيرها من بلاد الإسلام عندما قُتل الرجال ، ويُتم الأطفال ، ورمل النساء ، وانتهكت الأعراض ، وسلبت الأموال والديار ، وهدمت المنازل ، وشرد الآلاف من المسلمين ؟ أسئلة كثيرة وكثيرة تدور في المخيلة ، وتختلج في الصدور ، ولا جواب ، فلعنة الله على الكافرين .
    ونسي العالم أن أول من دعا إلى حقوق الإنسان وحفظها وصان كرامتها ، رسول الهدى صلى الله عليه وسلم الذي وضع أسس ذلك عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ، ولا تناجشوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخواناً ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يحقره ، التقوى ههنا ـ يشير إلى صدره ثلاث مرات ـ بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم ، على المسلم حرام ، دمه ، وماله ، وعرضه " [ أخرجه مسلم ] ، نعم للأمر بالمعروف ، وتصحيح الخطأ ، ولا للسكوت على المنكر والباطل .
     

    ------------

    لو طبق شرع الله تعالى دون محاباة ، ودون قبول لواسطة أو شفاعة تحول دون إقامة الحد ، لارتدع كثير من السفهاء والجهلاء عما يقومون به من انتهاك للحرمات ، نسمع كل يوم عن مآسٍ غريبة لا تمت للإسلام بصلة ، جرائم كثيرة كل يوم يرتكبها فئة الشباب والشابات ، فهلا من جزاء رادع ، وتنفيذ لأمر الله تعالى فيهم وفي أمثالهم ، سرقات بالإكراه ، خطف ونهب ، حرق للسيارات ، سطو على المنازل ، معاكسات للنساء ، مغازلة للفتيات ، تبرج كثير من المسلمات ، فواحش وعظائم ، منكرات وآثام ، والله لم تعهد هذه الدولة مثل هذه الأحداث الدامية ، وإني لغيور على دين الله ، متألم لما يحصل من كوارث وغيري آلاف وآلاف ، فلا للسكوت على المنكر ، بل الواجب الإنكار بكل الممكن والمستطاع ، حتى لا نستحق لعنة الله تعالى ، فنعيش أذلة صاغرين ، هلكى غريقين ، ويا للأسف هذا هو الواقع ، فقد تداعى الأكلة إلى قصعتها ، كل ينظر إلى هذه الدولة بعين حاسدة حاقدة ، كل ينتظر متى تغير هذه الدولة من ثوابتها ومعتقداتها ، حتى يحيق بها أمر الله ، فيتخلى الله عنها وعن أهلها ، ثم تصبح فريسة سهلة ، وصيداً سانحاً للأعداء ، ونسأل الله ألا تصل الأمور إلى ما يريده منها أعداؤها .
    لكن متى ما تمسكت الدولة حفظها الله بعقيدتها الصحيحة ، وتشبثت بثوابتها التي لا تقبل التغيير ولا المساومة ، ولم ترغ سمعاً للأعداء ، ولم تلق بالاً للعلمانيين المنافقين ، ولم تعط فرصة لأي فرقة من فرق الدين الباطلة لإظهار شعائرها فوق أرض التوحيد لاسيما الشيعة بشتى طوائفها ، ومختلف معتقداتها الباطلة ، عند ذلك سيصبح لنا قوة مستمدة من قوة الله تعالى ، لأننا نصرنا دين الله ، وأظهرنا شرع الله ، والله قد وعدنا بالنصر إذا نصرناه ، ونصرنا له سبحانه ، بنصر دينه ، ولنكن صابرين في البأساء والضراء وحين البأس ، فقد ابتليت الأمة في أزمنة مضت فصبرت وجاهدت الأعداء ولو كانت هناك قلة في العدد والعتاد ، وما غزوة بدر وغيرها من الغزوات إلا أعظم دليل على ذلك ، المهم أن تكون العقيدة راسخة في شغاف القلوب ، متمكنة من سويداء النفوس ، قال تعالى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ } [ البقرة214 ] .
    وقال تعالى : { إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ } [ آل عمران160 ] .
    ولا يتم ذلك إلا إذا أمرنا بعضنا بالمعروف ، ونهينا الظالم عن المنكر ، ولا للسكوت على الباطل ، لا للظلم والظالم ، قال تعالى : { وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } ] آل عمران104 ] .
     

    ------------

    هذه الأمة أمة مرحومة ، رحمها ربها لأنها تأتمر بأمره سبحانه ، وتصغي لأمر نبيه صلى الله عليه وسلم ، وتتمسك بسنته ، فيها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، رجال هذه الأمة المحمدية يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، لذلك رحم الله هذه الأمة وأكسبها الفلاح والنصر ، وأذاق عدوها مرارة الهزيمة ، وعلقم الخسارة ، قال تعالى : { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } [ الزمر18 ] ، كان صدرها الأول مضرب المثل في القوة والشجاعة ، والجرأة على قول الحق ، واسمع قول الصحابي الجليل عبادة بن الصامت رضي الله عنه عندما قال : " بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ ، وَالأَثَرَةِ عَلَيْنَا ، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ ، وَأَنْ نَقُولَ الْحَقَّ حَيْثُمَا كُنَّا ، لاَ نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِم " [ أخرجه ابن ماجة ] .
    واليوم عندما ضاع الحق ودرس ، ترى الأمور ليست على نصابها ، بل تولى زمامها من لا يخاف الله تعالى ، علمانيون فجار ، منافقون كفار ، لا هم لهم إلا زعزعة الأمن ، وخلخلة الأنظمة ، وتضييع أفراد الأمة وراء ترهات وخرافات وزخرف من القول ، أرهقوا الأمة بكلام فارغ لا يسمن ولا يغني من جوع ، دعوة لتبرج النساء ، دعوة لتحرير المرأة ، وأخرى لقيادتها للسيارة ، وثالثة بمخالطتها للرجال ، وكأن قضايا الأمة لم يعد يشغلها غير المرأة وحقوقها ، أيها المنصفون ! أيها العقلاء ! أين قضية وحدة الأمة ، ولم شملها ، واجتماع كلمتها ، واتحادها ضد عدوها ، ورعاية حقوق أهلها ورعاياها ؟ أين قضية احتلال لبلد مسلم وانتهاك حرماته ، والاستيلاء على ممتلكاته ، وهتك عرضه ، أين قضية فلسطين العادلة ، تلك البلد المسلمة ، مسرى الأنبياء ، ومصلى الرسل ، بلد ترزح تحت الاحتلال الغاشم منذ ما يقارب خمسة وخمسين عاماً ولا حل ولا ربط ؟ أين أولئك الداعون إلى الرذيلة ، ذئاب الشرف ، وقتلت العفة ، أين هم عن تلكم القضايا ؟ أين هم عما يحصل اليوم من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان ؟ متى يفيق أولئك الأذناب ، ومتى يصحو أولئك الأبواق ؟ والأمة ترضخ لكل ناعق وناهق من الكفار ، وتستسلم لما يُملى عليها دونما تنقيب أو تفتيش ، وهل يرضي الرحمن أم يغضبه ؟
    غُيرت المناهج ، ودمجت الوزارات ، وأُزيلت آيات بينات من المقررات ، بل حذفت بعض الدول سور من القرآن لأنها تأمر المرأة بالعفاف والحياء والقرار في البيوت ، والحجاب ولبس الجلباب ، ومعاداة الكفار ، وما خفي من الأمور أعظم .
    وهناك ثلة تطالب بحقوق المرأة ، وهل هناك أعظم من الإسلام كفل للمرأة حقوقها ، وأعلى شأنها ، وحفظ مكانتها ، وجعلها مساوية للرجل في كل شيء إلا ما جاء بد الشرع من التفريق ، كالقوامة للرجل ، والميراث ، والشهادة ، ومع ذلك لم يطلب من المرأة مهراً تقدمه للرجل ، بل هو الذي يقدمه لها ، حفظاً لحقها ، واستحلالاً لعفتها ، ولم يطلب من المرأة النفقة على زوجها وولدها ، بل الزوج هو المطالب بذلك ، لأنه المسؤول عن طلب العيش والكد والتعب للإنفاق على أهل بيته ، فأي حقوق يطالبون بها ؟ إن المتأمل لواقع الدول التي فشا فيها الاختلاط ، وسرى فيها التبرج ، ليدرك خطورة الواقع هناك ، من انتشار للزنا وما يتبعه من أمراض فتاكة مهلكة لا علاج لها ، ولا مخرج منها .
     

    ------------

    إن المستقرئ لأوضاع الشعوب التي نبذت شرع الله تعالى ، واستبدلته بقوانين وضعيه ، ليدرك هموم المرأة في تلك الشعوب ، بل كلهم الآن يطالبون بفصل الذكور عن الإناث ، وإيجاد مدارس خاصة لكل جنس عن الآخر ، ينادون ببقاء المرأة في بيتها ورعاية أسرتها .
    ثم تأتي شرذمة من المتردين على دينهم ليبدءوا من حيث انتهى الغرب والشرق ، يأخذون منهم أسوأ ما لديهم ، ويتركون الصناعات والطب والأمور التقدمية التي تفيد الأمة ضد عدوها وفي خاصة نفسها ، فلا للسكوت على الطغاة والبغاة الخاضعون للكفار ، الراضعون لأفكارهم الهدامة ، وسلبياتهم المقيتة .
    لقد صدق فيهم حديث أبي هريرة رضي الله عنه حيث قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنها ستأتي على الناس سنون خداعة ، يصدق فيها الكاذب ، ويكذب فيها الصادق ، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين ، وينطق فيها الرويبضة ، قيل : وما الرويبضة ؟ قال : السفيه يتكلم في أمر العامة " [ أخرجه أحمد وغيره ] ، فكم هم السفهاء اليوم الذين لا يعرفون من الدين إلا اسمه ، ولا من الإسلام إلا رسمه ، ثم يتشدقون ويتفيهقون في أمور الدين ، ويخوضون في الفتاوى وليسوا بأهل لها لا من قريب ولا من بعيد ، فهؤلاء يجب مناصحتهم فإن لم يستجيبوا وجب قتالهم ، لأن في بقائهم هلاك للأمة ، ودمار للمسلمين ، ولقد أخبرنا عنهم النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ قَالَ : " مَا مِنْ نَبِيَ بَعَثَهُ الله فِي أُمَّةٍ قَبْلِي، إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمِ خُلُوفٌ ، يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ ، وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذٰلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ " .
    فلا للسكوت على أولئك ، بل يجب إنكار المنكر ورد الظالم عن ظلمه ، والحجر على مرضى القلوب ، وهلكى التقدمية الزائفة ، الداعون إلى الرذيلة ، من العلمانيين المنافقين وأذناب الفجرة الكفرة ، وهم معروفون لا يخفون علينا ، فلم يبق إلا أن تستأصل شأفتهم ، وتجتث جرثومتهم ، وتزال رؤوسهم ، وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، لا كثرهم الله ، لا للسكوت على ذلك المنكر وأهله ، بل يجب نبذه ، وأخذ الحيطة منه ، كل حسب مكانته ومركزه ، الخطيب على منبره ، والداعية في مسجده ، والإمام في حيه ، والأب في بيته ، والرئيس في دائرته وهكذا حتى يرى الناس أن المنكر منكراً فينكرونه ، وينكرون على أهله والدعاة إليه ، ولقد امتدح الله هذه الأمة بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر ووعدها بالفلاح ، لاتباعها أمر نبيها صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فهو القدوة والأسوة ، قال تعالى : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [ الأعراف157 ] .
    إن الأمر بالحجاب ولباس الجلباب ، وقرار النساء في البيوت ، أمر بها الشرع المطهر حماية للأعراض ، وصيانة للعفة والحشمة والحياء ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [ الأحزاب59 ] ، وقال تعالى : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً } [ الأحزاب33 ] .
    وتحريم الخلطة بالرجال الأجانب ، والتبرج والسفور ، كلها أمور نهى عنها الدين القويم درءاً للمفاسد ، وبعداً عن اختلاط الأنساب ، وما قد يكون ذريعة للفساد والإفساد ، قال تعالى : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً } [ الأحزاب53 ] ، وعن عقبةَ بن عامر رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إيّاكم والدخولَ على النساء " فقال رجلٌ من الأنصار : يا رسولَ الله ، أفرأيتَ الحَمو ؟ قال : " الحَمو الموت " [ متفق عليه ] .
     

    ------------

    قال الله تعالى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ التوبة71 ] .
    نعم أيها الأخوة في الله ، لا تنال رحمة الله عز وجل إلا باتباع أمره ، واجتناب نهيه ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، فما نشاهده اليوم من جلوس كثير من الشباب أو الصبيان على عتبات الأبواب والناس في صلواتهم ، لهو أمر خطير ، ونذير شؤم على المجتمع خاصة ، والأمة عامة ، لأنه منكر لم يُنكره أحد ، والعجيب أن الناس كل يقول ( نفسي نفسي ) وما علموا أن المنكر إذا فشا بين الناس واشتهر ولم ينكره أحد عم الله الصالح والطالح بالعذاب والنكال ، عن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قال : " يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَأُونَ هَذِهِ الآيَةَ : { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ }، وإِنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ : " إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ الله بِعِقَابٍ مِنْهُ " [ أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجة وغيرهم وصححه الألباني رحمه الله ] ، نعم أيها الناس لا بد من إنكار المنكر ، ولا تأخذكم في الله لومة لائم ، فالله معكم ومن كان الله معه لم يضيعه ، أخي المسلم كيف تخشى غير الله ، وتخاف سوى الله ، كيف وأنت تأتمر بأمر الله ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم القائل : " الدِّينُ النَّصِيحَةُ " قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ : " لله وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ " [ أخرجه مسلم من حديث تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه ] .
    فأسدوا النصيحة لكل مسلم غافل ، لكل عبد لاهٍ ساهٍ ، فلن تستقيم الأمة ، ولن تمخر في بحر الأزمات ، وتصل بر الأمان ، لن تنجو الأمة إلا إذا أنكرت المنكر وأزالته ، ورفضت الشر ومنعته ، وإلا عم العقاب ، وساد العذاب ، عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ : " مَا مِنْ قومٍ يُعْمَلُ فِـيْهِمْ بِالـمَعَاصِي ، يَقْدِرُونَ علـى أَنْ يُغَيِّرُوا فَلاَ يُغَيِّرُوا ، إلاَّ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ الله منهُ بعقابٍ " [ أخرجه أبو داود وابن ماجة وصححه الألباني رحمه الله ] .
    سفهاء الشوارع من الشباب الضائع ، أليس لهم رادع ؟ والنساء الخراجات الولاجات ، أليس لهن ولي قامع ؟ إن من يرى الأسواق وحول المنازل والزقاق ، ليخشى على هذه الأمة من العقوبة وتسلط الأعداء ، ونهب الخيرات ، وظهور عدو من داخلها يفرق شملها ، ويشتت أهلها ، ويضعف أمنها ، ونحن الآن نجني البوادر ، احتباس الأمطار ، وبطالة بين الرجال ، وحقوق ضائعة ، والله يستر من القادم ، فما خفي كان أعظم ، فاللهم سترك سترك ، ورحماك رحماك .
    فنحن نطالب كل مسؤول أن يقوم بما أنيط به من مسؤولية على أكمل وجه وأحسنه ، لا سيما أمراء المناطق ، والرؤساء الأمنيون ، والقضاة الشرعيون ، فلو قاموا بواجبهم تجاه كل جريمة وكل حادثة ، وطبقوا شرع الله في مرتكبيها لتغير الحال ، ولتحسنت الأوضاع ، لكن التفريط موجود وبكثرة متنامية ، وبصورة متزايدة ، لم يعد يردع الناس قرآن ولا سنة ، ولا تخويف ولا تهديد ، بل المخيف لهم هو إقامة شرع الله ، وتطبيقه على الواقع ، فالناس لا تخاف الله تعالى بقدر خوفهم من الدولة ، وصدق فيهم قول عثمان رضي الله عنه : " إن الله ليزع بالسلطان ، ما لا يزع بالقرآن " .
    قال ابن كثير رحمه الله : " أي ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام مالا يمتنع كثير من الناس بالقرآن وما فيه من الوعيد الأكيد والتهديد الشديد ، وهذا هو الواقع " .
    قال الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان : " واعلم أن الدعوة إلى الله بطريقين : طريق لين ، وطريق قسوة ، أما طريق اللين فهي الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، وإيضاح الأدلة في أحسن أسلوب وألطفه ، فإن نجحت هذه الطريق فبها ونعمت ، وهو المطلوب ، وإن لم تنجح ، تعينت طريق القسوة بالسيف ، حتى يُعبد الله وحده ، وتُقام حدوده ، وتُمتثل أوامره ، وتُجتنب نواهيه ، وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَـٰتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِۖ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } .
     

    ------------

    عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : " أخْرَجَ مَرْوانُ المِنْبَر في يَوْمِ عِيدٍ، وَبَدَأَ بالخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلاةِ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا مَرْوَان، خَالَفْتَ السُّنَّةَ، أخْرَجْتَ المِنْبَرَ في يَوْمِ عِيدٍ، وَلَم يَكُنْ يُخْرَجُ، وَبَدَأْتَ بالخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلاةِ، وَلَمْ يَكُنْ يُبْدأ بِهَا، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: مَنْ هٰذَا؟ قَالُوا: فُلانُ بْنُ فُلان. قالَ أبو سَعيدٍ: أمَّا هٰذا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ ثم قال : سَمِعْتُ رسول اللَّهِ يقول : " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً، فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُغَيْرَهُ بِيَدِهِ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعُ فَبِقَلْبِهِ، وَذٰلِكَ أَضْعَفُ الإِيمانِ " [ أخرجه مسلم وأحمد وابن حبان واللفظ له وغيرهم ] .
    وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قالَ : قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : " أفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ ، أوْ أمِيرٍ جَائِرٍ " [ أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما وقال الألباني : صحيح لغيره ] .
    وعن جابر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سَيّدُ الشّهُداءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمطّلِبِ ، وَرَجُلٌ قامَ إِلى إِمامِ جائِزٍ ، فَأَمَرَهُ وَنَهاهُ فَقَتَلَهُ " [ أخرجه الحاكم وقال : صحيح الإسناد ] .
    هكذا فليكن الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ونبذ الباطل ، وإظهار الحق .
     

    ------------

    قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [ النور21 ] .
    وقال تعالى : { اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } [ العنكبوت45 ] .
    نسأل العفو والعافية ، والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة ، ونسأله سبحانه توبة صادقة ، وعودة لدين الله صحيحة حقيقة ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين

    صيد الفوائد


  5.  

    وصلتني مقارنة بديعة بين قصتي ( يوسف وموسى ) عليهما السلام


    ١- كلاهما بدأت قصته ( بمصر ).
    ٢- كلاهما كان( مفقودا ).

    ٣- كلاهما تم ( إلقاؤه ) :
    أحدهما في (الجب) ، واﻵخر في (اليم)
    - سيدنا (يوسف) أُلقي في الجب :
    (بيدٍ مبغضيه):  إخوته
    *﴿ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ﴾*
    - وسيدنا (موسى) أُلقي في (اليم) (بيدٍ محبه) : أمه بأمر ربها
    *﴿ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ﴾*
    بين كلمتي :
    ﴿ وَأَلْقُوهُ ﴾....و.....﴿ فَأَلْقِيهِ ﴾
    - الأولى: تحمل كمية كبيرة من الحقد والكره.
    - والثانية :  تحمل كمية كبيرة من (الحنان والرعاية).
    ﻷن: (اﻷولى) : من (تدبير البشر).. و(الثانية) : من (تدبير رب البشر)

    ٤- كلاهما( عاش ) في قصرٍ ذي شأن.

    ٥ -  (أم موسى)  كانت (حزينة عليه).. و(أبو يوسف) كان (حزينا عليه)..

    ٦. في القصر الذي سكن به موسى :
    ( *زوجة صاحب القصر* ) هي من طلبت أن يتربى موسى لديها.
    *﴿ وَقالَتِ امرَأَتُ فِرعَونَ قُرَّتُ عَينٍ لي وَلَكَ لا تَقتُلوهُ عَسى أَن يَنفَعَنا أَو نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُم لا يَشعُرونَ ﴾*
    في القصر الذي عاش فيه يوسف:
    *الزوج* هو من طلب أن يتربى يوسف لديه.
    *﴿ وَقالَ الَّذِي اشتَراهُ مِن مِصرَ لِامرَأَتِهِ أَكرِمي مَثواهُ عَسى أَن يَنفَعَنا أَو نَتَّخِذَهُ وَلَدًاَ ﴾*

    ٧- (زوجة) صاحب القصر الذي عاش به (موسى) : كانت مصدر أمان له .
    (زوجة) صاحب القصر الذي عاش به (يوسف): كانت مصدرأذى وقلق له .

    ٨- كلاهما تحدث القرآن عند بلوغه سن الرشد بصيغتين متشابهتين :
    الصيغة الخاصة (بيوسف) عليه السلام:
    *﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾*
    الصيغة الخاصة (بموسى) عليه السلام:
    *( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚوَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾*

    ٩- (أم موسى) حكى عن (حزنها) القرآن :
    *﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا ﴾*
    (أبو يوسف) حكى عن(حزنه) القرآن :
    *﴿ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ ﴾* .

    ١٠- إخوان يوسف هم من ألقوا أخاهم وآذوه .
    أخت موسى هي من بحثت عنه وساعدته .

    ١١- عند البحث عن موسى (أم موسى) هي من طلبت البحث عنه وأرسلت أخته
    *﴿ وَقالَت لِأُختِهِ قُصّيهَِ ﴾*
    وعند البحث عن يوسف (أبو يوسف) هو من طلب البحث عنه وأرسل إخوة يوسف:
    *﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ ﴾* .

    ١٢- بداية الفرج ﻷم موسى بلقاء ولدها:
    *﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ ﴾*
    بداية الفرج ﻷبي يوسف بلقاء ابنه:
    *﴿ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ﴾* .

    ١٣- رب العالمين أوحى ﻷم موسى أنه سيرد لها ابنها :
    *﴿ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾*
    رب العالمين أوحى ﻷبي يوسف أنه سيرد له ابنه :
    *﴿ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾.*

    ١٤- أصحاب القصر الذي عاش به (موسى) عندما كَبُر تصادم معهم وطاردوه:
    *﴿ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾*
    أصحاب القصر الذي عاش به (يوسف) عندماكَبُر تصالحوا معه وقرّبوه:
    *﴿ وَقالَ المَلِكُ ائتوني بِهِ أَستَخلِصهُ لِنَفسي فَلَمّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ اليَومَ لَدَينا مَكينٌ أَمينٌ ﴾*

    في قصة يوسف لم تذكر *أمه*
    وفي قصة موسى لم يذكر *أبوه


  6. ‏عندما يناديك أحدٌ قائلاً: "أريدك على إنفراد"!
    تتوقف عندها الأنفاس..
    وتدور في بالك عشرات التساؤلات!!..
    فما بالك عندما يقول خالقك :" وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا .."
    فبين كلِّ واحدٍ منا .. وبين الله جلَّ في علاه.. لقاءٌ خاص!!
    فهل تهيأنا لذاك اللقاء؟..
    راتب النابسى
    ////////

    . وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً (80)مريم

    1-  "ويأتينا فردا" هو الآن بمفرده عند الله الذي عصاه .. الله الذي جحد نعمه .. الله الذي قال له اعبدني  فقال له : لن أعبدك ! / علي الفيفي

    2-  [ سنكتب مايقول ونمد له من العذاب مدا ] خلف لسانك هلاكك ، فكل حرف مسجل عليك .. فلا شيء يوردك للمهالك كلسانك الذي تطلقه بدون رقيب /مها العنزي

          3- (ويأتينا فردا) كل من تجاملهم،لن يأتوا معك،أنت وحدك بين يديه،،/ وليد العاصمي

    4-  ﴿ويأتينا فردا﴾أين من أحبوكوفي الأزمات قد نصروكأين قوتك ومالكأين قبيلتك وجاهكقد هجروك وتركوكوبقيت وحدك مرتهن بعملك ./ إبراهيم العقيل

    //////////

    و كُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً (95)

    1-  {وكلهم آتيه يوم القيامة فردا} وحدك يا إنسان ستلقى الرحمن فـ أحسن العمل ,ولاتركن لمن لا يملك لنفسه نجاة ... ’’إلا برحمة رب البريات’’ / الآمل

    2-  [ وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ] لا تعتز بفئة ، ولا تعتز بجماعة وتتنبى أفعالهم فغدا ستكون امام الله وحيداً ولا احد سينفعك إلا عملك / مها العنزي

    3-  ( وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ) مَن تحرص على ثنائهم لن يأتوا معك . / وليد العاصمي

        4- (وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) سيقف كل عبد بين يدي ربه وحده ، كل من يجاملهم لن يأتوا معه. / وليد العاصمي

    5-  *{وكلهم آتيه يوم القيامة فردا} مادام أننا سنحضر للحساب بكياننا الفردي فيجب أن نتحمل نحن وحدنا المسؤولية الكاملة عن مصائرنا. / افياءالوحي

          6-    عَوّد نفسك أن ( تَعمل لهذا الدين ) ولو كنت وحدك !! { وكُلُّهُم آتيهِ يومَ القيامةِ فَرْدا{/ نايف الفيصل

    7-  *﴿وكلهم آتيه يوم القيامة فردا﴾ هيئ نفسك ليوم يتخلى عنك فيه أهلك وأصحابگ وتزول عنك فيه قوتك وجاهگ انه يوم لايقبل فيه الاتيان جماعة!! / تدبر

    8-  ﴿ وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ﴾ . الفردية هي الحقيقة التي نعيشها ، الكل منا يولد و يتألم ويموت ويحاسب وحده. / تأملات قرآنية

    9)وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا( مشهد مهيب رهيب، القلوب واجفة والأبصار خاشعة، الطرف قاصر، والرأس حاسر .. فردا فردا . اللهم هون علينا الموقف العظيم . / عبد الملك القاسم

    10-﴿وَكُلُّهُم آتيهِ يَومَ القِيامَةِ فَردًا﴾ فردًا لا يصحبه مجتمع ولا حزب و لا كيانات ولا مذاهب و لا عائلة .. وحده أمام المسؤولية الفردية لتاريخه في الأرض.. ./ روائع القرآن

    حصاد التدبر


  7.  

    ١. من عرف روعة ما طلب، هان عليه مشقة ما بذل.

    ٢. غمسةٌ واحدة في الجنة، تنسي عذاب العمر.

    ٣. لو كان عندك قنطار يقين؛ لهان عليك تعب السنين.

    ٤. محنة تصلك بالله، خيرٌ لك من نعمة تصرفك عنه.

    ٥. فتنة السراء والنعمة يفشل فيها أكثر الناس {وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف من الآية:17].

    ٦- فتنة الضراء -في الأغلب- تقرّب الخلق من الله؛ وتوردك ما يسعده ويرضيه.

    ٧. إمداد الله للعبد بالعون على قدر استعداده، فعون الله وغوثه طائرٌ يبحث عن عش القلب المنيب المستغيث، فمتى ما وجده نزل فيه ليستقر فيه. المشكلة في استعداد القلب لا في عون الرب.

    ٨. الله يختبر صبرك ويختبر شكرك، والدنيا من أولها لآخرها دار اختبار، والإجابات الصحيحة معلومة معروفة لدى الجميع، ومع هذا كثيرون يفشلون في هذا الاختبار!!

    ٩. المصيبة بحق هي مصيبة الدين، فهل تألمت للتقصير في دينك كما تألمت لضرر أصابك في دنياك. ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسًا إلا دعا فيه: «ولا تجعل مصيبتنا في ديننا» (صحيح الترمذي، خلاصة حكم المحدث (الألباني): حسن). فماذا تتعلمين من إصراره على هذا الدعاء ومداومته عليه؟!

    ١٠- وأخيرًا.. من رضي عن ربه في قضائه وقدره في كل الأحوال، فاز برضا الله عنه في كل الأحوال.

    تلك عشرة كاملة..جعلكِ الله بها عاملة..

    الكلم الطيب

    خالد الو شادى


  8. فوائد مختصرة من أقوال محمد بن عبداللطيف ومحمد بن إبراهيم وعبدالله بن حميد منتقاة من الدرر السنة

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

    فهذه فوائد مختصرة من أقوال العلامة محمد بن عبداللطيف آل الشيخ، والعلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والعلامة عبدالله بن محمد بن حميد، رحمهم الله، منتقاة من كتاب "الدرر السنية في الأجوبة النجدية" أسأل الله أن ينفع بها الجميع.

    //////////////

    العلامة محمد بن عبداللطيف آل الشيخ رحمه الله:

    التقوى:

    • أعظم ما نذكركم به ونوصيكم به تقوى الله سبحانه، فإنها وصية الله للأولين والآخرين، وهي السبب الموصل إلى مرضاة رب العالمين، ومجاورة النبيين والصديقين.. من لزمها وتمسك بها سعد سعادة لا شقاوة بعدها ومن ضيعها...خسر آخرته ودنياه.

    • ما استُجلِبت النِّعَم واستُدفِعت النقم بمثل تقوى الله عز وجل، قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96].

    من علامة محبة الله عز وجل:

    • من علامة محبة الله والصدق في معاملته والخوف منه الغيرة عند انتهاك حرماته بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...والأخذ على أيدي أهل البطر والسفه، وحملهم على طاعة الله، وكفهم عن معاصي الله سواء كانوا أقربين أو بعيدين أقوياء كانوا أو ضعفاء.

    من أسباب حلول العذاب ونزول العقاب:

    • ظهور المعاصي وعدم إنكارها والسكوت عن فاعلها والإغضاء عنه مما يوجب سخط الرب، وحلول عذابه ونزول عقابه.

    • لا نجاة عند حلول العقوبات إلا بالإنكار على أهل القبائح والسيئات.

    • عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: يوشك أن تخرب القرى وهي عامرة، قيل: يا أمير المؤمنين، كيف تخرب وهي عامرة؟ قال: إذا علا فجارها على أبرارها، وساد القبيلة منافقوها؛ يعني: إذا كانت الغلبة لأهل الشر والفساد.

    سؤال العلماء:

    • لا تسألوا كل من انتسب إلى العلم، وتزيَّا بزيِّه، فإن العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، فإنكم مسؤولون عن ذلك يوم القيامة.

    الغيرة على النساء:

    • الواجب عليكم معشر المسلمين الغيرة على نسائكم، ومنعهن من الدخول على الرجال الأجانب، ومباشرتهن للأضياف فإن غالب من لا غيرة له يرى أن من إكرام الضيف أن النساء تخدمه، وهذا من الفضائح التي تنكرها الفطر السليمة والعقول المستقيمة


    من ثمار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

    • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحصل به البركات وتُستدفَع به النقمات، وتُمحَى به الأمراض والآفات، فقوموا بواجباته، تتم لكم النعمة، وتكونوا به ملوكًا في الجنة.

    • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أوجب الواجبات وأهم المهمات، ومن أعظم ما يدفع الله به المحن والبليات، والقيام به سبب لظهور البركات.

    الدعوة إلى الله:

    • ليكن لك رغبة في تأليف الناس ودعوتهم برفق وتلطف في حال الدعوة، فإذا لم ينجع اللين واللطف، وكانت الغلبة لأهل الحق والقوة لهم، وأهل الشر قليلون، فالغلظة على المخالف في محلها.

    الفتنة بالدنيا وزينتها:

    • فهاتان الفتنتان بهما أصبح أكثر الناس متقاطعين متباغضين متنافسين متحاسدين بعد أن كانوا متحابين متواصلين، فتنة بعض الخلق بالدنيا وزينتها، فلها يطلبون، ولها يرضون ويسخطون، وعليها يوالون ويعادون.

    أمور تشرع قبل الخروج لصلاة الاستسقاء:

    • سنَّ صلى الله عليه وسلم للأمة إذا أبطأ عنهم المطر، أن يبرزوا إلى الصحراء، ويصلوا، ويسألوا الله أن يسقيهم، وليكن ذلك بعد توبة، وبرّ قلوب، وصدق لجأٍ، وخشوع وتذلل، وخروج من المظالم، وسلامة من الغل، والحسد والإقلاع عن الذنوب.

    من أسباب فساد العلماء والصالحين:

    • قال ابن النحاس: إذا نظرنا إلى فساد العلماء والصالحين وجدنا سببه ما استولى عليهم من حب المال والجاه، وانتشار الصيت ونفاذ الكلمة، ومداهنة المخلوقين، وفساد النيات والأقوال والأفعال.

    ثمار العدل:

    • قال بعض العلماء: العدل إذا كان شاملًا فهو أحد قواعد الدنيا والدين...وهو الداعي إلى الألفة، والباعث على الطاعة، وبه تعمر البلاد، وبه تنمو الأموال، ومعه يكثر النسل، وبه يأمن السلطان.

    الظلم وخراب الأرض:

    • قال بعض العلماء: ليس شيء أسرع في خراب الأرض، ولا أفسد لضمائر الخلق من الظلم والجور؛ لأنه ليس يقف على حد، ولا ينتهي إلى غاية، ولكل جزء منه قسط من الفساد حتى يستكمل.

    المبادرة إلى التوبة والاستغفار:

    • رحم الله امرأ أناب إلى ربه، واستغفر لذنبه، فقد بان كثير من أشراط الساعة.

    ستر المرأة لجسدها ووجهها:

    • المرأة عورة، لا يجوز لها كشف شيء من جسدها إلا الوجه في الصلاة.

    ////////////////

    العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله:

    الإكثار من الاستغفار بقلب حاضر يقظان:

    • أكثروا من الاستغفار بقلب يقظان حاضر، معترف بالذنوب، مقر بالتقصير والعيوب، وأديموا التضرع لرب الأرباب، يدرّ عليكم الرزق من السحاب.

    من آثار الذنوب والمعاصي:

    • رأيتم ما أصاب المسلمين من الآفات في الزروع، ونقص الثمرات، ونزع البركات، وتأخر الغيث عن كثير من البلاد والفلوات، وذلك بارتكاب المعاصي والأرجاس.

    • دلت النصوص على أن الربا من أعظم الكبائر والمحرمات، ومن أبلغ أسباب نزع البركات وحلول النقمات، والقلة والذلة، ومحاربة فاطر الأرض والسماوات.

    • كل فساد ونقص في العلوم والأعمال والعقول والسياسة والمعايش وغير ذلك فسببه المعاصي...فإن المعاصي هي أسباب كل نقص وشر وفساد في الأديان والبلاد والعباد.

    منكر فوق ما يخطر بالبال ويدور في الخيال:

    • ها هنا منكر فوق ما يخطر بالبال ويدور في الخيال وأعظم ما قدمناه من جميع المنكرات، وهو منكر عدم تغيير المنكرات، وعدم الغيرة لمحارم فاطر السماوات والأرض...والاغترار بهذه الزهرة الذاوية عن قرب مع القدرة على التغيير.

    التقوى:

    • كل صلاح وبركة وخير في الدنيا والآخرة واستقامة في العقائد ونزاهة في الأخلاق والحصول على كل خير والسلامة من كل شر وضير والخروج من كل ضيق وحصول الفرقان بين الحق والباطل وغير ذلك مما لا يحصى، كل ذلك سببه تقوى الله تعالى.

    • كل فساد ونقص في الاعتقاد والأخلاق والأعمال والعلوم والفهوم والقوى والإرادات والتصورات وغور الماء وحبس القطر من السماء ونقص الحروث والتجارات وغير ذلك، فسببه الإخلال بتقوى الله وعدم المبالاة بأوامره ونواهيه.

    العلوم التي تُطلَب:

    • علوم العقائد، والتوحيد بنوعيه، والعبادات، وعلوم الإيمان باليوم الآخر وعلوم الحلال والحرام هذا والله هو العلم، وما سواه من أنواع العلوم المباحة في ذاتها إن لم يكن معينًا ومؤيدًا لهذا العلم وموصلًا إلى اجتناء ثمراته...فإن الجهل به خير من العلم.

    مزاولة المرأة لأعمال الرجال:

    • المرأة...خروجها لمزاولة أعمال الرجال، فيه من ضياع الشرف والمروءة، والانحطاط الخلقي، ومعصية خالق السماوات والأرض ما لا يخفى.

    • من المعلوم الذي لا نزاع فيه أن جميع الأقطار التي صارت فيها النساء تزاول أعمال الرجال، انتشر فيها من الرذائل والانحطاط الخلقي، ما يعرق منه الجبين.

    الدعوة إلى مساواة المرأة بالرجل:

    • الذي يدعو إلى مساواة المرأة بالرجل في ميادين الحياة حقيقة دعوته المطابقة لما في نفس الأمر أنه يحاول بكل جهوده أن يُردي المرأة المسلمة في مهواة الفساد التي تردت فيها نساء البلاد الأخرى.


    خداع المرأة بالشعارات الزائفة:

    • الذين يخدعون المرأة المسلمة، بالشعارات الزائفة، والأساليب البرَّاقة الكاذبة، من حرية وتقدم، وكفاح، وممارسة حقوق في الحياة، ويخيلون لها أنها رجل في جميع الميادين، يريدون إيقاعها في المآسي...

    الغيرة على النساء:

    • العجب كل العجب ممن لا يغتر على حرمه مقبلة مدبرة في غير صيانة ولا ستر بين الفسقة، بدعم التقدم والحرية.

    //////////////////

    العلامة عبدالله بن محمد بن حميد رحمه الله:

    النصح لأئمة المسلمين:

    • النصح لأئمة المسلمين هو من دين الإسلام، ومعنى النصح لهم تنبيههم عند الغفلة وإرشادهم عند الهفوة، وغرس محبتهم في قلوب الرعية، ورد القلوب الشاردة إليهم.

    القومية العربية:

    • القومية العربية أو سواها من القوميات، متى فارقت الدين، ولم تلتزم بما يجب له، أنه ينبغي محاربتها، أو الابتعاد عنها حتى ترضخ للإسلام وتدين به.

    الصديق والمحب الصادق:

    • صديق الإنسان هو: من يسعى في عمارة آخرته، وإن أدى ذلك إلى نقصان دنياه.

    • المحب الصادق هو من يجرع صديقه المرّ، ليقيه من الوقوع في الضرِّ.

    تربية الأولاد:

    • الأولاد أمانة تحت أيديكم، وهم منكم ولكم، فإذا نشؤوا نشأة صالحة وربوا على الفضائل الإسلامية والآداب الدينية وعلى البر والوفاء والعلم النافع كان خيرهم لكم وصلاحهم صلاحكم.

    • متى نشأ الولد على الإهمال والانحلال وعدم التقيد بقيود الإسلام وتجرد من أخلاقه ودينه فرط الأمر من أيديكم، وانصبَّ بلاؤه عليكم.


    • فساد الأمة وصلاحها ناشئ عن حسن تربيتها لأولادها، وتعليمها لهم التربية الحسنة، والتعليم النافع، والعكس بالعكس، كما اتفق العقلاء على ذلك.

    • متى كانت التربية حسنة جارية على السنن المستقيمة، والآداب الشرعية، والتعليم نافعًا، حسب أوامر الدين وتعاليمه، أمرًا ونهيًا واعتقادًا، أنبتت تلك التربية والتعليم رجالًا ذوي نصح وأمانة، وخبرة ووفاء، وصدق وإخاء، واتحاد في الكلمة.

    • تعليم الولد في صغره عبارة عن تغذية روحه، بما تتهذَّب به أخلاقه، وتزكو شمائله، وتحسن مقاصده، بحيث يكون ميله إلى الخير ومحبته له، ونفرته من الشر، وبغضه له، ملكة في نفسه.

    مساواة النساء بالرجال:

    • بيننا اليوم أناس كثير يعتقدون مساواة النساء بالرجال، وأنه يجب لهن ما لهم، وعليهن ما عليهم، ولا فرق بين الصنفين في جميع الأحكام...ولا شك أن هذا الرأي رأي خبيث، بعيد عن مدلولات الكتاب والسنة.

    • كيف يقال بمساواة المرأة للرجل؟! هذا دعاية أوربية، قام بها أعداء الإسلام، حتى استفحل أمرها، وعظم خطرها، فدعا إليها الكثيرون ممن أظلمت قلوبهم، ولم يشموا رائحة الإيمان، من المنتمين إلى الدين الإسلامي.

    إصلاح النية عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

    • إن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر يجب عليهم إصلاح نيتهم في أمرهم ونهيهم، وأن يقصدوا بذلك وجه الله تعالى والدار الآخرة، وأن يوطنوا أنفسهم على تحمُّل الأذى من الخلق، فإن من وثق بالثواب من الله، لم يجد مسَّ الأذى.

    • من أخلص لله نيته أثر كلامه في القلوب القاسية فلينها، وفي الألسن الذربة فقيَّدها، وفي يد السلطة فعقلها، ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم.

    عدم التساهل في الأمر بالمعروف بسبب الصداقة:

    • ينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ألَّا يتساهل في ذلك لأجل صداقة له ومودة ومداهنة وطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة لديه فإن صداقته ومودته توجب له حرمةً وحقًّا، ومن حقه: أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته وينقذه من مضارها.

    النهي عن المنكر حفظ الدين وسياج الآداب:

    • النهي عن المنكر حفاظ الدين وسياج الآداب والفضائل، فإذا ترك الفساق على إظهار فسقهم وفجورهم ومتى صارت الدهماء يرون المنكرات بأعينهم ويسمعونها بآذانهم تزول وحشتها وفيحها من قلوبهم ثم يتجرأ الكثيرون أو الأكثرون على اقترافها.

    كثرة الخبث وعموم العقاب:

    • متى كثر الخبث عمَّ العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمَّهم الله بعقابه.

    الدين والملك:

    • الدين والملك أخوان، لا يستغني أحدهما عن الآخر


    فهد بن عبد الله الشويرخ
    شبكة الالوكة



  9. قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً (1)

    1-   فقالوا  إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد"لله در الجن كانوا متدبرين للقرآن من أول وهلة  /عبد الله بلقاسم

    2-  ( استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا)استماع القرآن كان كافيا في هداية هؤلاء الجن ؛ فما أحرى أن نحرص على إبلاغه واسماعه للعالم/ محمد الربيعة

    3-  قال سبحانه عن قوم مكثوا 309 أعوام نياما بلاطعام ولا ماء ، أنهم ليسوا عجبا من آياته، وأقر الجن على عجبهم لسورة أو بعض سورة...قرآنا عجبا. /عبد الله بلقاسم

    4-  "إنا سمعنا قرآنا عجبا " ........سمعوا سورة واحدة أو بعض سورة فانتفضت أرواحهم الطيبة، فكيف لو سمعوه كله. /عبد الله بلقاسم

    5-  إنا سمعنا قرآنا عجبا........مدحوا كتاب الله فخلد الله كلماتهم فيه .....هنيئا لهم. /عبد الله بلقاسم

    6-  إنا سمعنا قرآنا عجبا....كتبت عن هذه الآية غير مرة غير أنني لم ارتو بعد ، قرآنا عجبا تضج في أذني وروحي. /عبد الله بلقاسم

    7-   ‏" فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد" الاستماع للقرآن سبب لحصول هداية القلب..." / نوال العيد.

    8-  ( إنا سمعنا قرءانا عجبا ) يالفقههم علموا أن قومهم لن ينتفعوا بالقرآن حتى يعرفوا قدره فبدأوا بالتنويه بعظيم شأنه . / أفياء الوحي

    9-  "قل أوحي إلى أنه استمع نفر من الجن" لم يعلم باستماعهم إلا بعد أوحي إليه، فلا تحزن إن لم يستجب لك من حولك ، فقد يستجيب آخرون لاتعرفهم. / أ.د. ناصر العمر

    10-           قالت الجِن : ﴿إنّا سمِعنا قُرآناً عجباً يهدي إلى الرّشد فآمنّا به﴾؛ وقال بعض أبناء آدم ﴿إن هذا إلّا قول البشر﴾ ؛ العبرة في إيمانك لا بجنسك. /  فرائد قرآنية

    11-         "فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا" أي : من العجائب الغالية، والمطالب العالية. / تفسير السعدي

    12-                     "قرآنا عجبا" في القرآن وفي حزنك ستدهشك مواساة لا تشبه مواساة محبيك / د. عبد الله بلقاسم

    13-) قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا( لم يعلم النبي باستماعهم وإيمانهم إلا بعد أن أخبره الله بذلك مع كفر قومه.. فلا تحزن إن لم يستجب لك من حولك، فقد تصل كلمتك لآخرين لا تعرفهم فيستجيبوا لك! / أ. د. ناصر العمر
    .............

    2-              )يهدي إلى الرشد) أي هذا القرآن يهدي إلى كل قول وعمل رشيد...وفي الدعاء المأثور:" اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي".  /  د. بندر العبدلي

    3-              } إنا سمعنا قرآنًا عجبا - يهدي إلى الرشد { الرشد : اسم جامع لكل ما يرشد الناس إلى مصالح دينهم ودنياهم  تفسيرالسعدي

    .................

     وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً (3)

         1- حتى الجن أنكرت على النصارى نسبة الولد إلى الله...!!﴿ وأنه تعالىٰ جَدُّ ربنا ما اتخذ صاحبةً ولا ولدا﴾/ نايف الفيصل

    2-              قال" وأنه تعالى جد ربنا"    أي تعالت عظمة ربنا وجلاله وغناه ، لا كما يتبادر تنزّه الله وتقدس.   # تصحيح_التفسير"   / د.عبدالمحسن المطيري

    ...............

    وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً (4)


    "وَأَنَّهُ كانَ يَقولُ سَفيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا"  الحدية ومجاوزة الاعتدال في الأقوال والمواقف عادة السفهاء.. / عادل صالح السليم

    ...............

     وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً (5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً (6) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً (7) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً (8)

    1-(فوجدناها مُلئت حرسا شديدا وشهبا)  وذلك لحماية الوحي من استراق الشياطين، وهكذا يجب أن يحرس الحق من شياطين الإنس لخطورتهم ! / ناصر العمر


    ...............


     وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعْ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً (9)

    1-  وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع) من سنن الله :كل ما كان عامراً سيكون خراباً ، حتى السماء الدنيا كانت عامرة بالجن يستمعون ثم أصبحت  /عقيل الشمري

    ...............

     وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً (10)

    1- { وأنا لاندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا } كل مايحدث على الأرض يدبر من رب الأرض في السماء/مجالس القرآن / د.محمد الربيعة

    ...............

     وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً (11) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (12) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (13) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (14) 


    ‏( فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ تَحَرَّوۡا۟ رَشَدࣰا ) حينما تكثر خياراتك فتنزع إلى الأفضل والأنفع فقد وضعت قدمك على جادة التوفيق والرشد../  عادل صالح السليم       

    ...............

    وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (15)

    وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً (16)

    1-    ( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقا  وعد الله من استقام على أمره بغذاء البدن الحسي لأن الاستقامة غذاء النفس المعنوي   فإذا أقمت الدين أقام الله لك الدنيا وإذا الروح أقام الله لك البدن .  فلا تتعب كثيرا في أودية الدنيا الفسيحة عليك بلزوم الاستقامة .. /عبد الله المهيلان

    2-    " وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهـم ماءً غدقا " باستقامتك ... تبتلّ السماء والأرض ! / نايف الفيصل

    ...............

    وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (15)

    وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً (16)

    1-     ( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقا  وعد الله من استقام على أمره بغذاء البدن الحسي لأن الاستقامة غذاء النفس المعنوي   فإذا أقمت الدين أقام الله لك الدنيا وإذا الروح أقام الله لك البدن .  فلا تتعب كثيرا في أودية الدنيا الفسيحة عليك بلزوم الاستقامة .. /عبد الله المهيلان

    2-      " وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهـم ماءً غدقا " باستقامتك ... تبتلّ السماء والأرض ! / نايف الفيصل

    ...............

    لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً (17)

    1-  ذكر الله أمان من الفتن إذا نزلت، ووقاية من البلاء إذا حلّ (لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذاباً صعدا)/عبد العزيز الطريفي

    ...............

     وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18)

    1-[ وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ] نفسك يجب ان تكون معلقة بالله وحده لاشريك له  فهو وحده بيده تفريج الكرب

            2-)وأنَّ المساجد لله(لما كان السجود أشرف أفعال الصلاة، لقُرب العبد من ربِّه= اشتُقَّ اسم المكان منه، فقيل: مسجد، ولم

                يقولوا:مركع!  الزركشي] / د. عبدالمحسن المطيري .

    ...............

     وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19)

          1- (لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا) على أحد الأقوال : تدافعت الجن وتزاحمت لما سمعت النبي يقرأ القرآن تعجبا من كلامه/عقيل الشمري

    ...............

    قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22)

    -  "ولن تجد من دونه ملتحدا" مع الله : كهف بلا باب ولا حارس خير مأوى وملجأ .. وبدون الله : حصن حصين وحراسة مشددة لا تؤوي ولا تلجئ / علي الفيفي

           ...............

    إِلاَّ بَلاغاً مِنْ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً (23) حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً (24) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26)

    1- الجديد الذي جاء به الأنبياء هو الغيب عن الله فمعظم دعوة القرآن هي دعوة الغيب ﴿فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول﴾ / روائع القران   
    ...............

     إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً (28)

    1- تعلمني_سورة الجن وأنا أقرأ: {وأحاط بما لديهم}أن أراقب ربي في أفعالي وأقوالي، وأحذر من مخالفة أمره، فلن أعجز الله في الأرضِ، ولن أعجزه هربا. /  د.عمر المقبل

    حصاد التدبر


  10.  

    لأن الدنيا دار ابتلاء لا دار جزاء...


    تخيل أن كل ظالم أخذه الله في الدنيا وعجّل عقوبته، هل سيظلم من الناس أحد؟!
    أو يسيء أحد؟!
    لو كانت العقوبة فورية ما كان لامتحاننا جدِّية؟!
     

    قال تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} [الفرقان:20]، فقضى سبحانه أن يجعل بعض  العباد فتنةً لبعض. فالصحيح فتنة للمريض، والغني فتنة للفقير، والفقير فتنة للغني، ومعنى هذا أن كل واحدٍ مختبر بصاحبه، فالغني ممتحن بالفقير عليه أن يواسيه ولا يسخر منه، والفقير ممتحن بالغني؛ عليه ألا يحسده ولا يأخذ منه إلا ما أعطاه، وأن يصبر كل واحد منهما على الحق كما قال الضحاك في معنى: {أَتَصْبِرُونَ} أي على الحق.
     

    أصحاب البلايا يصيحون: لمَ لمْ نعاف؟ والأعمى يتبرّم: لمَ لمْ تجعلني بَصِيرا؟ وهكذا صاحب كل آفة.
    والفتنة بحق أن يحسد المبتلى المعافى، ويحقر المعافى المبتلى.
    والصبر الواجب: أن يحبس كلاهما نفسه... هذا عن البطر؛ وذاك عن الضجر.
     

    وقوله: {أَتَصْبِرُونَ} محذوف الجواب يعني: أم لا تصبرون؟!
    وهو سؤال موجه إلى كل مسلم؛ يحتاج منا جوابًا! لسانًا وأفعالًا وأحوالًا... أتصبرون؟!

     
    خالد ابو شادى

    الكلم الطيب


  11. تدبر (كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ .....)

    كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216)البقرة

    1 -قد تبدأ الحياة الزوجية بالحب فتشوبها بعدُ الكراهية أو العكس ، فلا تتعجلا الانفصال فقد يكون في البقاء الخير ( وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا)قاعدة في كل أمور حياتك ، فلا تقدم خيرتك فخيرة الله خير لك. /أبتسام الجابري

    2-  الذي أنزل ﴿كتب عليكم الصيام﴾ أنزل ﴿كتب عليكم القتال﴾ وترك القتال الواجب لدفع الظلم ظلم ﴿فلما كتب عليهم القتال تولوا.. والله عليم بالظالمين﴾./ حاكم المطيري

    3-  كم من مصيبة يحزن عليها العبد ويجزع .. لكن بعد زمن يتبين له أن كل الخير في وقوعها ! { وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم/نايف الفيصل .. {

    4-  {وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لاتعلمون} لو كُشِفَ لك الأمر فلن تتمنى إلا ما قدَّره الله لك.. / حجاج العجمي

    5-  (والله يعلم وأنتم ﻻ تعلمون) فليس أمامك إﻻ الصبر على أقداره والرضا باختياره /د. عقيل الشمري

    6-  [ والله يعلم وانتم لا تعلمون ] ارجع بذاكرتك لأمر اردته .. ولم يقسم لك وبعد فترة تبين لك الحكمة بمنعه عنك فهذا هو علم الله الذي خفي عنك

    7-  قد تستكثر اﻷمة ما أصابها،لكن الله ابتلاها لتدرك أن الخير بعد ابتلائها أكثر من الابتلاء نفسه(وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا). /سعود الشريم

    8-  كل اﻷقدار من لدن حكيم عليم،فقد تكون محنة فيها منحتك،وقد تكون منحة فيها محنتك(وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم). /سعود الشريم

    9-      ( وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُم )ربما خير لم تنالهُ كان شراً لو اتاك ،فلا تقلق ، وأحسن ظنك ب مولاك !! / عايض المطيري

    10-    ( وَعسَى أنْ تكرهُوا شيئاً وهو خيرٌ لكُم ) قد لا يستقيم دينك إلا بالبأساء والضراء ، فاحذر أن تشك في رحمة الله ، وحسن قضائه لك !! / عايض المطيري

    11-    عندما تُبحِر في قضاء الله تتيقّن بأن كله خير وهذا الخير يستلزم الصبر، فقد يدفع الله عنك سوء أعظم لو صبرت؛﴿عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم﴾./ فرائد قُرآنيّة 

    12-        ‏في طيّ المحن منح: كرهتْ صفية بنت حيي غزوة خيبر ،فكانت العاقبة أن تزوجت خير الرسل، وأفضل البشر ﷺ. صدق ربي: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم)."/ د:عمر المقبل

    13-       قالﷻ:(وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) ماأجمل استشعار مثل هذه الآية ... حين تُفاجئنا تقلبات الزمان ... / تأملات قرأنية

    14-      مصيبة تقبل بها على الله خير لك من نعمة تنسيك ذكر الله ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ) ابن تيمية. / نوال عيد

    15-    ﴿ وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم ﴾ ؛ نزلت في الجهاد، "وهذا عام في الأمور كلها فقد يحب المرء شيئاً وليس له فيه خيرة ولا مصلحة"./ ‏فرائد قرآنية

           16-  سلوى المكروب والمهموم " }لعله خير}" {لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم} {لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا} {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم{ ./ أبرار بنت فهد القاسم

    17-)وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ( كم من التسلية تضفيها على نفسك ؟ وكم من السكينة تغمر فؤادك وكم من القوة تجدها في جنانك عندما تتيقن هذا المعنى و تمضي به قدما في حياتك . /أبتسام الجابري

    18-﴿كُتب عليكم القتال وهو كره لكم، وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم ﴾ إذا علم العبد أن المكروه يأتي بالمحبوب انشرح صدره للمكروه. ابن_القيم /   فوائدالقرآن

    19-أراد النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر العير لكنه وجد النفير فكان خيرا ساقه الله للأمة . فلعل بين ثنايا المحن منحا ﴿وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا﴾/ إبراهيم العقيل

    20-﴿فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ كُل مكروه سيئ يُصيبك قدْ تراه بِبصيرتك المحدودة فاجعه وانقلابه لموازين أيّامك ولكن لو نظرت إلى الجانب الآخر أدركت أنّهُ ثُقب ومنفذ للضُوء سيمُر قريباً وتسعد . / ياسمين العنزي

    حصاد التدبر


  12.  

    أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم أُيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119].

     

    أَيُّهَا المُسلِمُونَ؛ المُؤمِنُ مَجبُولٌ عَلَى الخَيرِ، حُبًّا لَهُ وَبَحثًا عَنهُ، وَطَلَبًا لِمَا يُوصِلُهُ إِلَيهِ لِيَفعَلَهُ وَيَبذُلَهُ، قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيرٌ وَأَحَبُّ إِلى اللهِ مِنَ المُؤمِنِ الضَّعِيفِ، وَفي كُلٍّ خَيرٌ"؛ رَوَاهُ مُسلِمٌ.

     

    أَجَل أَيُّهَا المُسلِمُونَ؛ إِنَّ في قَلبِ كُلِّ مُؤمِنٍ نَصِيبًا مِنَ الخَيرِ، لَكِنَّ الفُرَصَ قَد لا تَتَهَيَّأُ لَهُ عَلَى الدَّوَامِ، وَقَد لا تُوَاتِيهِ قُدُرَاتُهُ وَيَعجِزُ، غَيرَ أَنَّ مِن رَحمَةِ اللهِ وَوَاسِعِ فَضلِهِ وَكَرِيمِ إِحسَانِهِ، أَنَّهُ مَتَى نَوَى المَرءُ الخَيرَ وَأَرادَهُ بِصِدقٍ وَقَصَدَهُ، ثم مَنَعَهُ مِنهُ مَانِعٌ، أَو حَالَ بَينَهُ وَبَينَهُ عُذرٌ قَاطِعٌ، فَإِنَّ نِيَّتَهُ تَبلُغُ بِهِ مَا يَبلُغُ عَمَلُهُ، عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِن غَزوَةِ تَبُوكَ، فَدَنَا مِنَ المَدِينَةِ فَقَالَ: "إِنَّ بِالمَدِينَةِ أَقوَامًا مَا سِرتُم مَسِيرًا وَلا قَطَعتُم وَادِيًا إِلاَّ كَانُوا مَعَكُم"، وَفي رِوَايَةٍ: "إِلاَّ شَرِكُوكُم في الأَجرِ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَهُم بِالمَدِينَةِ؟! قَالَ: "وَهُم بِالمَدِينَةِ، حَبَسَهُمُ العُذرُ"؛ رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

     

    وَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثم بَيَّنَ ذَلِكَ: فَمَن هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَم يَعمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ لَهُ عندَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ لَهُ عِندَهُ عَشرَ حَسَنَاتٍ إِلى سَبعِ مِئَةِ ضِعفٍ إِلى أَضعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَن هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَم يَعمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِندَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِعَمَلِهَا كَتَبَهَا اللهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً"؛ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

     

    وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "إِنَّمَا الدُّنيَا لأَربَعَةِ نَفَرٍ: عَبدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالًا وَعِلمًا، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعلَمُ للهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفضَلِ المَنَازِلِ، وَعَبدٍ رَزَقَهُ اللهُ عِلمًا وَلم يَرزُقْهُ مَالًا، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ: لَو أَنَّ لي مَالًا لَعَمِلتُ بِعَمَلِ فُلانٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالًا وَلم يَرزُقْهُ عِلمًا، فَهُوَ يَخبِطُ في مَالِهِ بِغَيرِ عِلمٍ، لا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَلا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلا يَعلَمُ للهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَخبَثِ المَنَازِلِ، وَعَبدٍ لم يَرزُقْهُ اللهُ مَالًا وَلا عِلمًا، فَهُوَ يَقُولُ: لَو أَنَّ لي مَالًا لَعَمِلتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلانٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزرُهُمَا سَوَاءٌ"؛ رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

     

    وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَن سَأَلَ اللهَ الشَّهَادَةَ بِصِدقٍ، بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ"؛ رَوَاهُ مُسلمٌ.

     

    وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "مَن أَتَى فِرَاشَهُ وَهُوَ يَنوِي أَن يَقُومَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيلِ فَغَلَبَتهُ عَينُهُ حَتى يُصبِحَ، كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى، وَكَانَ نَومُهُ صَدَقَةً عَلَيهِ مِن رَبِّهِ"؛ رَوَاهُ النَّسَائي وَابنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.

     

    اللهُ أَكبَرُ، أَيُّهَا المُسلِمُونَ؛ إِنَّهَا النِّيَّاتُ الطَّيِّبَةُ وَالمَقَاصِدُ الحَسَنَةُ، تَفتَحُ لِلخَيرِ أَبوَابًا، وَتَكُونُ لِلتَّوفِيقِ أَسبَابًا، وَيَحصُلُ بِهَا الأَجرُ وَإِنْ قَلَّ العَمَلُ، وَيُنَالُ بِهَا الثَّوَابُ وَإِنْ لم تُسعِفِ القُوَى، فَمَا أَجمَلَ النِّيَّةَ الطَّيِّبَةَ وَمَا أَعظَمَ أَثَرَهَا! وَمَا أَحرَى المُسلِمَ لِذَلِكَ أَن يُصلِحَ قَصدَهُ، وَأَن يَنوِيَ الخَيرَ جُهدَهُ، فَتِلكَ هِيَ بِدَايَةُ التَّوفِيقِ وَمِفتَاحُ الهِدَايَةِ، وَقَد قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ: "إِنَّمَا الأَعمَالُ بِالنِّيَّاتِ".

     

    نَعَم، أَيُّهَا المُسلِمُونَ، قَد يَعجِزُ المَرءُ عَن عَمَلِ الخَيرِ الَّذِي يَصبُو إِلَيهِ لاعتِلالِ صِحَّتِهِ، وَقَد يُحَالُ بَينَهُ وَبَينَ مَا يُرِيدُ لِقِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِ وَضَعفِ حِيلَتِهِ، لَكِنَّ العَلِيمَ الخَبِيرَ المُطَّلِعَ عَلَى خَبَايَا النُّفُوسِ وَخَفَايَا الصُّدُورِ، يَرفَعُ أَصحَابَ النِّيَّاتِ الصَّادِقَةِ إِلى مَا تَمَنَّوهُ تَبَعًا لِطِيبِ مَقَاصِدِهِم وَإِن ضَعُفَت وَسَائِلُهُم، فَيَلحَقُ الفَقِيرُ مِنهُم وَإِنْ لم يَكُنْ لَدَيهِ مَالٌ يَتَصَدَّقُ بِهِ بِالغَنِيِّ البَاذِلِ، وَيُدرِكُ المَعذُورُ القَاعِدُ مَنزِلَةَ المُجَاهِدِ وَإِن لم يَلحَقْ في الوَاقِعِ بِهِ، وَعَلَى قَدرِ النِّيَّاتِ تَكُونُ الأُعطِيَاتُ، وَمَن نَظَّفَ قَلبَهُ وَحَرِصَ عَلَى سَلامَةِ صَدرِهِ، وَصَفَّى نَيِّتَهُ وَأَصلَحَ قَصدَهُ، فُتِحَت لَهُ أَبوَابُ التَّيسِيرِ، وَلا وَاللهِ، لا يُغلَقُ بَابٌ عَلَى العَبدِ فَيَصدُقُ في نِيَّتِهِ وَيُحسِنُ الظَّنَّ بِرَبِّهِ، إِلاَّ فَتَحَ اللهُ لَهُ أَبوَابًا أَوسَعَ وَأَرحَبَ، قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ إِنْ يَعلَمِ اللهُ في قُلُوبِكُم خَيرًا يُؤتِكُم خَيرًا مِمَّا أُخِذَ مِنكُم وَيَغفِرْ لَكُم ﴾ [الأنفال: 70]، "وَإِذَا صَلَحَتِ نِيَّةُ العَبدِ وَسَلِمَ قَصدُهُ، أَنزَلَ اللهُ عَلَيهِ السَّكِينَةَ، وَفَتَحَ لَهُ أَبوَابَ الغَنَائِمِ، وَبَصَّرَهُ بِالحَقِّ وَوَفَّقَهُ إِلَيهِ وَأَعَانَهُ، قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا ﴾ [الفتح: 18، 19]، وَقَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ﴾ [الأنفال: 23]، وَقَالَ تَعَالى: ﴿ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 25].


    الخطبة الثانية

    أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2].

    أَيُّهَا المُسلِمُونَ؛ إِنَّ أَمرَ النِّيَّةِ عَظِيمٌ، حَتى إِنَّ الرَّجُلَينِ لَيَعمَلانِ عَمَلًا وَاحِدًا لا فَرقَ بَينَهُمَا فِيهِ في الظَّاهِرِ، لَكِنَّهُ يَكُونُ لأَحَدِهِمَا رِفعَةً وَأَجرًا، وَعَلَى الآخَرِ وَبَالًا وَوِزرًا، عَن أَبي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَرَأَيتَ رَجُلًا غَزَا يَلتَمِسُ الأَجرَ وَالذِّكرَ، مَا لَهُ؟ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "لا شَيءَ لَهُ" فَأَعَادَهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ وَالنَّبيُّ يَقُولُ: "لا شَيءَ لَهُ" ثم قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "إِنَّ اللهَ لا يَقبَلُ مِنَ العَمَلِ إِلاَّ مَا كَانَ خَالِصًا وَابتُغِيَ بِهِ وَجهُهُ"؛ رَوَاهُ النَّسَائيُّ وَقَالَ الأَلبَانيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

    وَفي الصَّحِيحَينِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِسَعدِ بنِ أَبي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: "إِنَّكَ لَن تُنفِقَ نَفَقَةً تَبتَغِي بِهَا وَجهَ اللهِ إِلاَّ أُجِرتَ عَلَيهَا، حَتى مَا تَجعَلُ في في امرَأَتِكَ" بَل وَأَعجَبُ مِن ذَلِكَ أَنَّهُ حَتى النَّومُ الَّذِي يَرتَاحُ فِيهِ الإِنسَانُ، هُوَ عِبَادَةٌ يُؤجَرُ عَلَيهَا إِذَا كَانَ قَد نَوَى بِهِ التَّقَوِّيَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ، وَلِهَذَا لَمَّا سَأَلَ أَبُو مُوسَى مُعَاذًا: كَيفَ تَقرَأُ أَنتَ؟! قَالَ مُعَاذٌ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: أَقرَأُ وَأَنَامُ ثُمَّ أَقُومُ، فَأَتَقَوَّى بِنَومَتي عَلَى قَومَتي، ثُمَّ أَحتَسِبُ نَومَتي بِمَا أَحتَسِبُ بِهِ قَومَتي.

    وَإِنَّهُ كَمَا تَزِيدُ النِّيَّةُ الصَّالِحَةُ صَاحِبَهَا خَيرًا، فَإِنَّ النِّيَّةَ السَّيِّئَةَ تَزِيدُ صَاحِبَهَا سُوءًا، قَالَ تَعَالى: ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ﴾ [البقرة: 10]، وَفي قِصَّةِ أَصحَابِ الجَنَّةِ الَّذِينَ أَضمَرُوا النِّيَّةَ بِحِرمَانِ المَسَاكِينِ، عَاقَبَهُمُ اللهُ فَتَحَوَّلَ بُستَانُهُم إِلى سَوَادٍ وَجَنَّتِهِم إِلى رَمَادٍ، قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾ [القلم: 17 - 20].

    أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ وَلْنُصلِحْ نِيَّاتِنَا؛ فَإِنَّمَا الأَعمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امرِئٍ مَا نَوَى، فَمَن نَوَى خَيرًا حَصَلَ لَهُ الخَيرُ، وَمَن نَوَى شَرًّا حَصَلَ لَهُ شَرٌّ وَكَانَ عَمَلُهُ وَبَالًا عَلَيهِ.


    شبكة الالوكة


  13. اترك السهر المحرَّم:

    سواء كان سهرًا في معصية أو سهرًا مفرطًا أدّى إلى عدم الاستيقاظ فجرًا، وبهذا تعلم لماذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يزجر الناس بعد صلاة العشاء بِدِرَّته قائلًا لهم: أسَمَرٌ أول الليل ونومٌ  آخره؟!

    توضَّأ قبل نومك:
    إن حسنة تبذلها قبل نومك هي أفضل ما يعينك على حسنة صلاة الفجر. في الحديث:
    «مَن بات طاهرًا بات في شِعارِه مَلَكٌ فلَمْ يستيقِظْ إلَّا قال المَلَكُ : اللَّهمَّ اغفِرْ لعبدِك فلانٍ فإنَّه بات طاهرًا» (السلسلة الصحيحة).

    حافظ على أذكار النوم:
    اجعل آخر ما تنطق به في يومك: آية الكرسي والمعوذتين، وتأكَّد أنها ستحفظك من الشيطان حتى  تستيقظ على صوت أذان الفجر بإذن الله.

    لا تنم على معصية:
    احفظ جوارحك عما لا يحل لها، فاصرف نظرك -سائر النهار وأثناء الليل- عن الحرام، وتحفَّظ منالغيبة والنميمة والسباب نطقًا بلسانك، أو سماعًا بأذنك، فقد سئل الحسن البصري: لم لا نستطيعقيام الليل؟ فقال: "قيَّدتكم خطاياكم".

    اقفز... اقفز
    وهي وصية والد الشيخ علي الطنطاوي له يوقظه بها كل يوم لصلاة الفجر، يقول الشيخ في كتابه (مع الناس): "وأنا أعض أصابعي الآن ندمًا لأني لم أسمع هذه الوصية: "اقفز قفزًا". ولو أني سمعتها وعملت بها، أو لو أنه أجبرني عليها، لتغيرت حياتي ولما فشلت في إعداد هذا الحديث، ولكنت في دنياي وفي ديني خيرًا مما أنا عليه اليوم. وأنا -إلى الآن- كلما أردت أن أقوم في الصباح أحسّ هذه الكلمة، كلمة أبي تدوي في أذني: "اقفز قفزًا، قم إلى لصلاة فالصلاة خير من النوم".
    ثم أسمع صوت الشيطان يقول لي: "نم دقيقة أخرى، فالوقت فسيح، والفراش دافئ والجو بارد".

    ولا أزال بين داعي الواجب وداعي اللذة، أفكر في ثواب الصلاة فأتحفز للقيام، وأتصوّر لذة المنام وبرد الماء فأسترخي وأتقلب من جنب إلى جنب. ولا تزال نفسي بينهما كنوّاس الساعة (الرقاص)، بين: "قم"، "نم". "قم"، نم". "قم"، "نم"... حتى تدركني رحمة الله فأقفز، أو تطلع الشمس وتفوت الصلاة وأقوم وقد مضى الوقت ودنا العمل، فآكل طعامي لقمة بالطول ولقمة بالعرض، ولقمة  تعترض في صدري فأغصّ بها، وألبس جوربًا على الوجه، وجوربًا على القفا، وأعقد العقدة مائلة، وأزرِّر زر القميص الأول في العروة الثانية، وأنسى -من عجلتي- الساعة أو النظارات، وأهرول في الطريق؛ فأسيء هضمي، وأُتعب معدتي، وأُضحك الناسَ عليّ. وكل ذلك لأني أطعت الشيطان لعنه الله فلم أقفز قفزًا إلى صلاة الصبح.

    اثأر من عدوك:
    إن فاتتك صلاة الفجر فانتقم من شيطانك انتقامًا يؤلمه، وخطة انتقامك هي في صوم اليوم الذي  أضعت الصلاة فيه، أو قراءة جزء من القرآن زائدًا عن وِردك، أو صدقة خفية، وكل هذا من باب إتباع السيئة بالحسنة، فإن الحسنات يذهبن السيئات، وليست الأحلام ولا الأحزان ولا الأمنيات.

    آثر الأجر العظيم على الحقير!
    يحافظ العبد على الخير إما رغبة أو رهبة، والنبي ﷺ ذكر إيثار المنافقين لمتاع الدنيا على روائع الأجر، فقال:
    «والذي نفسي بيدِه ، لو يعلمُ أحدُهم أنه يجدُ عرقًا سمينًا ، أو مرماتين حسنتين لشهدَ العِشاءَ» (صحيح البخاري).
    فإذا استشعرت ما ينتظرك في صلاة الفجر مع الجماعة من عظيم أجر ورحمة ورضوان؛ أعانك ذلك على ترك الفراش والمبادرة إلى الصلاة.

    والعَرْق هو العظم بما عليه من لحم، والمرماة هي ظِلْف الشاة، أو السهم الصغير الذي يُتَعلم به الرمي، وهو أحقر السهام وأرذلها، وبالجملة هو شيءٌ حقير لا قيمة له، أي: لو علم المنافق أنه يدرك الشيء الحقير والنزر اليسير من متاع الدنيا لبادر إلى حضور الجماعة إيثارًا لذلك على ما أعده الله له من الثواب العظيم لشهود الجماعة؛ وهذا دلالة على سفالة همته وقصورها على دنياه.

    والحديث أريد به المنافقون، وقيل بل الحديث عن المؤمنين، ولم يوبِّخ الله المنافقين، ولا عُنيَ بإخراجهم إلى الصلاة، بل أعرض عنهم لعلمه سوء طويتهم، كما لم يتعرَّضْ لهم حين تخلفوا عن الغزو، ولا عاتَبهم عليه كما عاتب كعب بن مالك وأصحابه من المؤمنين.

    تفقد أحبابك عند الغياب:
    رواد النوادي والمقاهي لا يهدأ لهم بال إذا غاب أحدهم حتى يستعلموا عن سر غيابه، ونحن أولى بذاك منهم، فقد كان رسولنا ﷺ يتفقد أصحابه في صلاة الصبح إن غاب أحدهم، ونحن على نفس الدرب نسير. هدية!
    من الدعوات العظيمة النافعة التي كان النَّبِيُّ ﷺ يحافظ عليها كلَّ صباح إذا سلَّم من صلاة الصبح ما ثَبت عند أحمد وابن ماجه من حديث أمِّ سلمة رضي الله عنها: أن النبي ﷺ كان يقول إذا صلى الصُّبح حين يُسَلِّمُ: «اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ عِلمًا نافعًا ورزقًا طيِّبًا وعملًا متقبَّلًا» (صحيح ابن ماجه).

    لأن الصبحَ بداية اليوم ومفتاحه، لذا كان تحديد هذه الأهداف العظيمة، ثم التضَرَّعُ إلى الله ليعينك على تحقيقها؛ من أفضل الأعمال وأشرف الأولويات.

    خالد ابو شادى

     

    الكلم الطيب


  14.  

    نموذج مقترح من ١٥ عمل في يوم واحد:  

    ١- سأنام على وضوء وأردد أذكار النوم ليكون نومي عبادة ويصحبني ملك كريم.  

    ٢- أضبط منبهي قبل الفجر لركعتي قيام مع الوتر والدعاء.  

    ٣- أصلي الفجر في المسجد بعد أن أوقظ أحد أصحابي للصلاة لأنال مثل أجره.  

    ٤- أردد أذكار الصباح في عودتي من المسجد.  

    ٥- أوقظ أهلي للصلاة بعد رجوعي.  

    ٦- أستريح قليلا قبل العمل لساعة أو ساعتين.  

    ٧- أذهب لعملي وأثناء ذهابي أقرأ وردي من القرآن من مصحفي أو من حفظي.  

    ٨- أعمل من ٨ صباحا إلى ٥٥ عصرا، وأحرص على صلاة الظهر والعصر جماعة مع دعوة زملائي للصلاة.  

    ٩- أثناء رجوعي أسمع سلسلة صوتية لمدة ساعة أو ساعتين (أقوم بتنزيلها الليلة السابقة).. استغلالا لوقت المواصلات.  

    ١٠- أرجع للبيت وألاطف أهلي وأبنائي، وأتفقد أخبارهم «خيركم خيركم لأهله» (سنن الترمذي: 3895) .  

    ١١- أصحب أبنائي لصلاتي المغرب والعشاء، وأحرص على التحدث معهم لتوصيل معنى تربوي إيماني أثناء ذلك (اتفقت عليه مع والدتهم).  

    ١٢- أقرأ كتابا بعد العشاء لمدة نصف ساعة أو ساعة (كتاب محدد سلفا في خطتي أن أختمه في شهر).  

    ١٣- صفحات التواصل لها ساعة يوميا، ما بين وضع كلمات وتوصيات، وتصفح صفحات محددة حتى لا تسرق الوقت.  

    ١٤- أصلي ركعتين خفيفتين فاقبل أن أنام أقرأ فيهما بسورة الملك (واقية من عذاب القبر).   ١٥- أذكار النوم.   ثم ١٠٠ دقائق لتخطيط يوم جديد.

    خالد ابو شادى

    الكلم الطيب


  15. {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]. إن من دقة الميزان يوم القيامة أنه لا يعتمد على عدد الحسنات والسيئات فقط بل يعتمد الكيف، فرب رجل له مئة حسنة وخمسون سيئة إلا أن ميزانه يخف ويهلك لخطورة ونوعية السيئات التي ارتكبها؛ ولهذا ورد عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان...» إلى آخر الحديث الذي رواه مسلم. ولتستشعر عظمة من تعبد وتحمد فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم: «أُذِن لي أن أُحدِّثَ عن مَلَكٍ قد مرَقَت رِجلاه الأرضَ السَّابعةَ والعرشُ على مَنْكِبِه وهو يقولُ سُبحانَك أين كُنْتُ وأين تكونُ» كما أخبر صلى الله عليه وسلم عن ملائكة البيت المعمور؛ فكل يوم يدخل البيت المعمور سبعين ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة... ولذا أغشى على النبي صلى الله عليه وسلم حينما رأى النبي جبريل لأول مرة.   

    {الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3]. مظاهر رحمة الله كثيرة، حتى إن خلق النار ذاتها هو من مظاهر رحمة الله فبها يخوف الله عباده حتى يستقيموا، وكذلك البلايا والمصائب فبها يطهر الله عباده... لذا قال ابن عطاء: عطاء الناس منع ومنع الله عطاء، وربنا سبحانه يعلم ما يصلح عباده فيقول ابن القيم: "إذا أراد الله بعبد خيرًا ألقاه في ذنب يكسره". وتحكى لنا السيرة موقف الصحابي أبو حذيفة فقد خالف أمر رسول الله كما روى لنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم بدر: «مَنْ لَقِيَ مِنْكُمُ الْعَبَّاسَ فَلْيَكُفَّ فَإِنَّهُ أُخْرِجَ مُسْتَكْرَهًا» قَالَ: فَقَالَ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ: أَيُقْتَلُ آبَاؤُنَا وَأَبْنَاؤُنَا وَإِخْوَانُنَا وَنَتْرُكُ الْعَبَّاسَ، وَاللَّهِ إِنْ لَقِيتُهُ لَأَلْجِمَنَّهُ السَّيْفَ -قَالَ: عَمَّارٌ: لَأَلْحِمَنَّهُ بِالْحَاءِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: بِالْجِيمِ- فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِعُمَرَ: «يَا أَبَا حَفْصٍ» -قَالَ: عُمَرُ: إِنَّهُ أَوَّلُ يَوْمٍ كَنَّانِي فِيهِ بِأَبِي حَفْصٍ- أَيُضْرَبُ وَجْهُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيْفِ؟»... والشاهد أن هذا الذنب وتلك المخالفة جعلت أبا حذيفة يعاهد نفسه أن يكفر عن ذنبه، وجاءت معركة اليمامة؛ ليكفر عن ذنبه فكان أبو حذيفة ومولاه سالم في أول صفوف الجيش الإسلامي المتجه إلى اليمامة لقتال مسيلمة الكذاب، وتحقق لأبي حذيفة ما كان يتمناه من الشهادة في سبيل الله فارتقى شهيدًا وعلى وجهه ابتسامة لما رأى من منزلته عند ربه.   

    {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4]. بعد حمد الله والثناء عليه يأتي هذا اللون الجديد من الثناء على الله فمضاعفة الحمد ثناء ومضاعفة الثناء تمجيد وهو ما لا يجوز إلا في حق الله. وحينما تقرأ هذه الآية تفكر في يوم القيامة، تفكر في طول ذلك اليوم وعطشه وترقبه ودنو الشمس من الرؤوس وغرق العباد في عرقهم وكذلك الميزان والعرض والصراط والقنطرة. بعد قراءة هذه الآيات الثلاث نخلص لعبرة مفادها أن نقدم التحلية قبل التخلية وأن الأمر بالمعرف ينهى المنكر تدريجيا من الحياة، لذا قال ابن القيم: "إن القلب إذا امتلأ بشيء لم يعد فيه متسع لسواه"، لذا قدم الله الثناء في هذه الآيات ثم ذكر بعد ذلك أصناف من ضل عن سبيله حتى يلفت أنظار المؤمنين إلى أن البعد عن هؤلاء وعن سبيلهم هو فقط بالتحلية التي أساسها معرفة الله ومعرفة أسمائه وصفاته. 

      {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]. هذه الآية مفصلية في السورة وهنا التفات في الخطاب لأنه بعد الثناء على الله يرتقي العبد فيكون أهلا لمخاطبة الله، ثم هو كذلك يدل على القرب من الله. {إِيَّاكَ} تقدمت الفعل للدلاة على إخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى... لذا يقول يحيى بن معاذ: "لا يكون مخلصًا حتى يكون مع الناس كالرضيع لا يضيره مدحه الناس أم ذموه".

     {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} جاءت بعد العبادة لتقديم حق الله أولا... ثم إن العبادة أشمل والاستعانة هي نوع من العبادة... والمؤمن لا يطلب الاختبار فلا يدري إن اختبر أيثبت أم لا... لذا يقول الله معلمًا عباده 

    {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ولذلك أكثر من شاهد في القرآن ومنها كذلك أواخر البقرة: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة من الآية:286] وهذا درس لنا في العبادة والاستعانة. والاستعانة بالله تقتضي التعامل مع النافلة على أنها علاج وبغيره لن يشفى قلبه؛ فلا بد من هذه الروح لعلاج الأثر التدميري للمعصية... لذا قال أحد السلف: "اجعلوا المعاصي كفرا واجعلوا النوافل فرائض". 

      الوصايا: أولًا: الاجتهاد خلال الاسبوع أن يؤذن كل منا في أقرب مسجد إلى بيته لينال ثواب المؤذنين. 
    ثانيًا: الاجتهاد في الاستيقاظ قبيل الفجر ولندع بالدعاء المأثور الذى يرويه عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ دَعَا؛ اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ» والحديث في صحيح البخاري وصلى اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

    خالد ابو شادي

    الكلم الطيب


  16. - تبقى طويلا فى البيت لكنها لا تنوي عبادة القرار.
    قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}

    - يجلب لأهله الأغراض لكنه لا ينوي عبادة النفقة.
    عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً".

    - يذهب للوظيفة لكنه لا يستحضر عبادة الكسب.
    عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "ما أكلَ أحدٌ طعامًا قطُّ، خيرًا من أنْ يأكلَ من عمَلِ يدِهِ وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ كان يأكلُ من عمَلِ يدِهِ".

    - يجلسون يوميا مع أرحامهم لكنهم أهملوا احتساب اللحظات فى ذات الله.
    عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَن سرَّه أن يُبسَط له في رزقه، وأن يُنسأ له في أثرِه، فليَصِل رَحِمَه".

    - لا أشد على المؤمن فى القيامة من أعمال تعب عليها لم يكتب له أجرها لهجران مقاصدها
     عليكم بإخلاص النوايا في الأعمال كلها..
    عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إنما الأعمالُ بالنياتِ، وإنما لكل امرئٍ ما نوى".



  17.  

    آية الكرسي هي أعظم آية في كتاب الله، وهي تشتمل على عشر جمل، نذكر تفسيرها باختصار فيما يلي: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾؛ أي: الله لا معبود بحق إلا هو سبحانه، فلا أحد كائنًا مَن كان يشاركه في استحقاق العبادة.

     

    ﴿ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾: اسمان من أسماء الله الحسنى، فهو الحي حياة كاملة لم يتقدمها عدم، ولا يلحقها موت، القيوم بمعنى القائم بنفسه، والمقيم لجميع خلقه بالإيجاد والرزق والتدبير، فهو الغني عن جميع خلقه، والخلق فقراء إليه، فلا يستغني أحد من الخلق عن الله؛ كما قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15]، وقال عز وجل: ﴿ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ﴾ [هود: 56]، وقال عز وجل: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ﴾ [الروم: 25].

     

    ﴿ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ﴾: الله سبحانه لا ينعس ولا ينام، لكمال حياته وكمال صفاته.

     

    ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾: هذا بيان سَعة ملك الله، فكل ما في السماوات وما في الأرض عبيد لله، مملوكون له، وهو المتصرف وحده في جميع خلقه بمشيئته وحكمته.

     

    ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾؛ أي: من هذا الذي يَملِك الشفاعة عند الله إلا بإذن الله؟ فلا يجرؤ أحد يوم القيامة أن يتكلم إلا بإذن الله، ولا يشفع الملائكة والأنبياء والصالحون إلا بإذن الله لمن يريد أن يرحمهم؛ كما قال تعالى: ﴿ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا * يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا ﴾ [النبأ: 37، 38]، وقال سبحانه: ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾ [النجم: 26]، وقال عز وجل: ﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ﴾ [الأنبياء: 28].

     

    ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾: هذا بيان سعة علم الله، فهو يعلم الحاضر والماضي والمستقبل لكل مخلوق بالتفصيل، فلا يخفى عليه شيء من أحوال خلقه في الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾ [آل عمران: 5]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هود: 6]، وقال عز وجل: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾ [محمد: 19]، فهو سبحانه يعلم مستقر كل مخلوق كبير أو صغير حال حياته، ويعلم مستودعَه في الأرض بعد موته، ويعلَم جميعَ أحوالنا التي نتقلب فيها في الدنيا، ويعلم مَثوى كل واحد منَّا في الآخرة في الجنة أو في النار، وكل ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ عنده؛ قال تعالى: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59].

     

    ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ﴾: هذا بيان قلة علم المخلوقين بالنسبة إلى علم الله؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85]، فالعباد لا يعلمون شيئًا من علم الله الواسع إلا بما شاء أن يُطلعَهم عليه، سواء من العلم الديني أو العلم الدنيوي، فمثلًا لا نعلم من أسماء الله الحسنى، ولا نعلم من قصص الأنبياء، إلا ما أطلعنا الله عليه؛ كما قال تعالى: ﴿ وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ﴾ [النساء: 164]، ولا نعلم من أسرار الطبيعة إلا ما شاء الله أن يُطلع العباد عليه في الوقت الذي يريده الله.

     

    ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾: هذا بيان عظمة الله سبحانه، فالكرسي مخلوق من مخلوقات الله، يسع السماوات السبع والأرض، فالسماء الدنيا التي زيَّنها الله بالنجوم تُحيط بالأرض من جميع جوانبها، والسماء الثانية تحيط بالسماء الأولى، وهكذا تحيط كل سماء بالسماء التي دونها، والكرسي فوق السماء السابعة، وفوقه العرش العظيم، وهو مستقر على ماء عظيم بقدرة الله؛ كما أخبرنا الله في قوله: ﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ﴾ [هود: 7]؛ أي: كان ولم يزل، وروى ابن خزيمة في كتاب التوحيد (1/ 242)، والطبراني في المعجم الكبير (8987)، والبيهقي في الأسماء والصفات (8987) بإسناد حسن عن الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: «ما بين السماء الدنيا التي تليها مسيرة خمسمائة عام، وما بين كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وما بين السماء السابعة والكرسي مسيرة خمسمائة عام، وما بين الكرسي والماء مسيرة خمسمائة عام، والعرش على الماء، والله عز وجل على العرش يعلم ما أنتم عليه»، ولا نعلم كيفية الكرسي ولا العرش، والذي نعلمه أنهما مخلوقان عظيمان، والعرش أعظم من الكرسي، وهو أعظم المخلوقات؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [التوبة: 129].

     

    ﴿ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ﴾؛ أي: ولا يُثقِل الله ولا يُتعِبه ولا يشق عليه حفظ السماوات السبع والأرض وما فيهما من الخلق؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾ [فاطر: 41]، وقال سبحانه: ﴿ يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ [الرحمن: 29]، فهو يحيي ويميت، ويُقدِّر الأرزاق، ويجيب الدعوات، ويُقلِّب الليل والنهار، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، وهو أحكم الحاكمين في تدبير خلقه.

     

    ﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾: اسمان من أسماء الله الحسنى، فالله هو العلي بذاته وقدْره وقهره، العظيم الذات والصفات، فهو أكبر من كل شيء، ولا شيء أعظم منه، فيجب على المسلم تعظيم الله، وتعظيم أمره ونهيه، وتعظيم شرعه، وطاعته والخوف من عقابه؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر: 67].

     

    ومثل اسم الله العلي الدال على عُلوِّ الله على خلقه اسمان آخران من الأسماء الحسنى، وهما: الأعلى والمتعال، والأدلة على علوِّ الله على خلقه علوًّا يليق بجلاله وعظمته كثيرة جدًّا، منها:

    قول الله تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، وقوله سبحانه: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ﴾ [الملك: 16]، وقوله عز وجل: ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ [فاطر: 10]، وقوله جل شأنه: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ [الأعلى: 1]، وقوله تبارك وتعالى: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ﴾ [الرعد: 9].

     

    وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء؟!))؛ رواه البخاري (4351)، ومسلم (1064).

     

    وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء))؛ رواه أبو داود (4941)، والترمذي (1924)، وصحَّحه هو والألباني.

     

    وعن معاوية بن الحكم السُّلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل جاريته التي لطَمها، فقال لها: ((أين الله؟))، قالت: في السماء، قال: ((من أنا؟))، قالت: أنت رسول الله، فقال له: ((أعتقها، فإنها مؤمنة))؛ رواه مسلم (537).

     

    قال الإمامان أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان رحمهما الله: (أدركنا العلماء في جميع الأمصار، حجازًا وعراقًا، وشامًا ويَمنًا، فكان من مذهبهم أن الله عز وجل على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بلا كيف، أحاط بكل شيء علمًا, ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11])؛ ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة))؛ للالكائي (1/ 198)
     

    وقال أبو الحسن الأشعري رحمه الله: (أجمعوا على أنه عز وجل فوق سماواته على عرشه دون أرضه، وقد دل على ذلك بقوله: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ﴾ [الملك: 16])؛ ((رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب)) (ص: 131).

     

    وقال علامة اليمن السيد محمد بن إبراهيم الوزير رحمه الله: (قوله تعالى: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ﴾ (في) هنا بمعنى فوق؛ كقوله: ﴿ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ﴾ [طه: 71]، ولا يحيط بالله شيء بالإجماع، وهي في الفوقية حقيقة لا مجاز، وآيات الاستواء توضح ذلك)؛ ((العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم)) (5/ 92).

     

    وقال ابن قدامة المقدسي رحمه الله: (الله تعالى وصف نفسه بالعُلوِّ في السماء، ووصفه بذلك محمد خاتم الأنبياء، وأجمع على ذلك جميع العلماء من الصحابة الأتقياء، والأئمة من الفقهاء، وتواترت الأخبار بذلك على وجهٍ حصل به اليقين، وجمع الله تعالى عليه قلوب المسلمين، وجعله مغروزًا في طباع الخلق أجمعين)؛ ((إثبات صفة العلو)) (ص: 63)، ويُنظر: ((الرد على الجهمية))؛ لأحمد بن حنبل (ص: 146)، ((التوحيد))؛ لابن خزيمة (1/ 254 - 289)، ((رسالة في إثبات الاستواء))؛ للجويني (ص: 33)، ((التمهيد))؛ لابن عبدالبر (7/ 129)، ((جزء فيه ذكر اعتقاد السلف)) للنووي (ص: 68)، ((الحموية))؛ لابن تيمية (ص: 201)، ((العلو))؛ للذهبي (ص: 596)، ((شرح الطحاوية))؛ لابن أبي العز الحنفي (2/ 375 - 394).


    د.محمد بن على المطرى
    شبكة الالوكة


  18. لا سقف لمغفرة الله للعبد مهما تكررت ذنوبه وكثرت، لكن هناك أربعة موانع للمغفرة:

     1- الشرك بالله: قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء من الآية: 48]. في حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الظلم ثلاثة، فظلم لا يتركه الله، وظلم يُغفر، وظلم لا يُغفر. فأما الظلم الذي لا يُغفر، فالشرك لا يغفره الله. وأما الظلم الذي يُغفر، فظلم العبد فيما بينه وبين ربه. وأما الظلم الذي لا يترك، فظلم العباد، فيقتص الله بعضهم من بعض». (السلسلة الصحيحة رقم: [1927]). 

    2- الخصومة والشحناء بين المسلمين: في صحيح مسلم من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تُفتَحُ أبوابُ الجنَّةِ يومَ الاثنينِ ويومَ الخميسِ، فيُغفَرُ لِكُلِّ عبدٍ لا يشرِكُ باللَّهِ شيئًا، إلَّا رجلًا كانت بينَهُ وبينَ أخيهِ شحناءُ، فيُقالُ: أنظِروا هذَينِ حتَّى يصطلِحا.. أنظِروا هذَينِ حتَّى يصطلِحا.. أنظِروا هذَينِ حتَّى يصطلِحا». (صحيح مسلم: [25655]). وظاهر الحديث أن المتخاصمين يحرمان من المغفرة التي ينالها كل مؤمن يوم الاثنين ويوم الخميس، وتؤجل المغفرة لهما حتى يصطلحا، زجرا لهما وحثا لهما على التصالح.

     3- أكل الحرام: فإذا دعا العبد بالمغفرة، وهو آكلٌ لأموال الناس بالباطل ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام، فجديرٌ أن لا يُستجاب له. 

    4- المجاهرة بالذنب: للمجاهرة بالذنوب أثر في عدم غفرانها، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلُّ أمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرينَ، وإنَّ منَ المُجاهرةِ أن يعمَلَ الرَّجلُ باللَّيلِ عملًا، ثُمَّ يصبِحَ وقد سترَه اللَّهُ، فيقولَ: يا فلانُ، عمِلتُ البارحةَ كذا وَكذا، وقد باتَ يسترُه ربُّهُ، ويصبِحُ يَكشِفُ سترَ اللَّهِ عنهُ». (صحيح البخاري: [6069]).

    الكلم الطيب


  19.  

    روت كتب السيرة أنه في غزوة الخندق حين تألب الأحزاب على المسلمين عرضت للنبي ^ وأصحابه صخرة حالت بينهم وبين الحفر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ المعول ووضع رداءه ناحية الخندق، وقال: «تمت كلمة ربك صدقا وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم»، فندر (سقط) ثلث الحجر، وبرق مع ضربة رسول الله صلى الله عليه وسلم برقة، ثم ضرب الثانية وقال: «تمت كلمة ربك صدقا وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم»، فندر الثلث الآخَر فبرقت برقة، ثم ضرب الثالثة وقال: «تمت كلمة ربك صدقا وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم»، فندر الثلث الباقي، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ رداءه وجلس.
    وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم سلمان الفارسي أنه رأى مع الضربة الأولى مدائن كسرى وما حولها، ومع الضربة الثانية مدائن قيصر وما حولها، ومع الثالثة مدائن الحبشة وما حولها، وبشر أصحابه بفتحها وغنمها.

    وأمامنا اليوم مثل هذه العقبة الكؤود، ولابد لنا من تحطيمها لفك حصارين اثنين خانقين، حصار إخواننا في غزة عن أسباب حياتهم، وحصارنا نحن معهم عن أسباب نصرتهم!! 

    واقتداء بنبينا وتبركا بضرباته .. 
    إليكم ضربات ثلاث لازمة لتحطيم صخرة اليوم وهي من جنس صخرة الأمس إن لم تكن أشد، فارفعوا معاولكم .. واحزموا أمركم .. وقولوا معي .. بسم الله .. مع ..

    الضربة الأولى .. أصلح نفسك:
    حبيبي .. أنا لا أشكِّك في ألمك إثر كل محنة تصيبنا أو حياة قلبك .. لكن .. إن كان كذب اللسان أن يقول ولا يفعل، فإن كذب القلب –وهو الأخطر- أن يبرم العقد مع ربه ثم لا يفي، وكثير ممن حولك جمع بين الكذبين، وأنا أخاف عليك وباءهم أن يُعدِيَك! 
    وهذه الضربة بمثابة عملية تغيير شاملة تجعل عالي النفس الباطل سافلها، وتهدم ما بنى الشيطان لتشيد على أنقاضه بناء شامخا يحوي الحق ويحميه، وسط عالم يموج بالتغيير كل لحظة، مما فرض على المؤمن أن يواكب عصره، ويوجِّه التغيير الواقع لا محالة نحو الأفضل، وإلا هوى به نحو الأسفل تحت تأثير غزو الباطل وحصار الحق، شعارك في معركة التغيير: إلى الأعلى وإلا هويتُ!! 
    إن التغيير الداخلي لنفوسنا هو الأساس اللازم لدخول التغيير الإلهي المُرتقب حيِّز التنفيذ، وهو تغيير شامل يتجاوز حروف كلمة «تغيير» الخمسة إلى ساحات خمسة أوسع:

    ساحة القناعات: الإيمان بأن تغيير العالم بأسره إنما يبدأ من الداخل .. من أعماق نفوسنا لا من خارجها، وأن مفتاح حل الورطة الحالية هي أنا وأنت، وأن عملية التغيير المرتقبة يرعاها ربنا من فوق سبع سماوات لذا ترتبط بحرفين اثنين: الكاف والنون، «كن» وينتهي الأمر.

    ساحة العبادات: عدم الرضا عن النفس أو القناعة بواقعها الإيماني الحالي، والطمع الدائم في طاعات أفضل ومقامات أرقى تُدني من المولى سبحانه، وهذه هي النفس اللوامة؛ تلوم نفسها في الحالين: حال المعصية أن وقعت فيها، وحال الطاعة أن لم تستزد منها ولم تحقق معانيها ومقاصدها بشكل أفضل.

    ساحة الهدايات: فتح ميادين للدعوة أوسع والابتكار والتجديد والإبداع والإفادة من تجارب الآخرين ولو كانوا كافرين، والبناء على العلوم البشرية والخبرات الإدارية المتلاحقة وتسخيرها من أجل إحداث أثر دعوي أقوى وأدوم.

    ساحة العادات: تغيير صفة قبيحة أو اكتساب أخرى حميدة، بل وتمتد رياح التغيير إلى أن تشمل عاداتنا الجميلة الموروثة، فنطوِّر منها ونرتقي بها لنجني منها شهدا أحلى وثمرا أطيب وغرسا أوفر، وهل النجاح في بعض معانيه إلا تغييرٌ يتم فيه تأدية المهام الاعتيادية بصورة غير اعتيادية. 

    ساحة المبادرات: تغيير بامتلاك زمام المبادرة بدلا من الرقود في مربع المتأثرين، والانتقال من رد الفعل إلى صناعة الفعل ذاته. 
    هذا التغيير بأضلاعه الخمسة هو التغييرالذي ننشده وتنتظره الأمة وترتقبه، وما تأخر نصرنا إلا لأننا لم نصل بعدُ إلى المستوى المطلوب من التغيير المنشود، وما النصر إلا من عند الله، فإنه سبحانه بيده أمرنا وأمر عدونا .. ولو اطلع على قلوبنا ورضي عنها ما سامنا ألوان الهوان وضروب العذاب على يد عدُوِّنا.

    وإلى الآن .. لم تنكسر الصخرة بعد .. انكسر ثلثها .. وبقي الثلثان .. فليست ضربة الصلاح وحدها كافية .. إلا أن تُتبِعها بضربة ثانية .. تساهم في إضعاف الصخرة وتُسهِّل تحطيمها .. هيا ارفع يديك عاليا .. واستعد لتوجيه .. 

    الضربة الثانية .. ادعُ غيرك:
    وهو بمثابة الترميم الأفقي بمعنى الانتشار بين الخلق: 
    أخذا بأيديهم إلى طريق الهداية .. 
    إنقاذا لهم من مهاوي الحرام ومراتع الشهوات .. 
    خلُقا نبيلا نتمثَّله غاب عنهم طويلا .. 
    تعاونا معهم على الخير نوصد به الباب في وجه الشر.. 
    انتشالا لهم من الطواف حول الذات والسعي على الملذات إلى الطواف على مصالح الآخرين.
    غرسا لحب الغير ابتداء من حدود الأسرة الضيقة إلى دائرة الجيرة الأوسع وصولا إلى أفراد الأمة بأسرها أينما وُجِد مسلم في أدنى الأرض أو أقصاها، لتسود قيمة الإيثار بعد أن طغت رذيلة الأثرة وأعيت.
    انتقالا من دائرة الصلاح السلبي إلى الإصلاح الإيجابي ..
    أما أنتم .. يا من حصرتم صلاحكم في دائرة نفوسكم فبخلتم عن غيركم وحبستم نوركم عن إخوانكم .. وظننتم أن دعاءكم للمعذَّبين وحده يُسقِط عنكم تبعة الحساب وهول العذاب..
    أقول لكم: الدعاء وحده لا يكفي ..
    فلابد معه من عمل صالح يرفعه وإلا فهو علينا مردود ومن الإجابة مسلوب، والبرهان أصدق كلام: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ 
    عرفتم الآن لماذا تكسرت سهام دعاء الكثيرين على أبواب الإجابة!!
    سقط إلى الآن ثلثا الصخرة، ومن أدام الضرب بلغ الهدف، فمع 

    الضربة الثالثة وهي الأهم .. فهيا .. على بركة الله إلى ..
    الضربة الثالثة .. ثبِّت قلبي رباه:
    رفاقي في نصرة الدين ..
    تريدون اختبار قوة نفوسكم ومقدار مروءتكم وصلابة إيمانكم؟! 
    إذا فاسألوها: 
    أتبكي عيوننا برهة من الزمن ثم سرعان ما ينقلب الدمع طربا، وتتغير حروف كلمة «ألم» لتصير «لذة»، وتتوارى مع مرور الأيام انكسارات الحزن خلف اهتزازات اللذة؟! 
    إننا إن أردنا بحق الخروج من هذه الورطة فلا مناص من ثبات الأداء حتى يتحوَّل حماسنا وغضبنا وعملنا من الطفرة العابرة إلى العادة الراسخة، كأنها أنفاس تتردد لو انقطعت عنا لمتنا، ويعود يؤرِّق منامنا كل ليلة سؤال واحد يبعثه كل منا لنفسه: 
    ماذا بذلت اليوم لديني وأمتي .. من وقتي .. من بدني .. من مالي .. أرق لا يهدأ إلا إذا كان الجواب حاضرا بالإيجاب!!
    هذا الدوام وطول النفس هو ما ميَّز عالي الهمة عن غيره، حتى جاء في وصفه أن نفسه تأبى إلا العلو، كالشعلة من النار يخفيها صاحبها وتأبى إلا ارتفاعا، أما قصر النفس والانقطاع بعد العمل والرقدة بعد الهبة فشيمة أكثر الناس.

    إخواني في حب الشهادة ..
    اغتنموا حزنكم .. لا تقتلوه عسى أن ينفعنا .. اجمعوا كل حسرة قلب .. كل زفرة ألم .. كل دمعة تحجرت في المآقي .. واجعلوها في جعبة واحدة ... ثم أوقدوا تحتها نار الكمد وجمرة الغضب حذار أن تنطفئ .. ثم .. 
    فجِّروها ثورة ..
    شعارها: 
    مضى عهد النوم .. كما صدح بها نبيكم أول مرة.
    وقودها:
    كيد أعدائكم المصبوب على رؤوسنا صباح مساء.
    جنودها:
    كل من آمن معكم بفرضية التغيير وحتمية الإصلاح.
    افعلوا هذا وأنتم ترفعون فوق رؤوسكم وتظلِّلون الناس من حولكم بمظلة حانية تكسر حرارة الشدة وقسوة المحنة .. إنها ..
    مظلة التفاؤل:
    فأووا إلى كهف المتفائلين .. 
    وما أراه اليوم في خضم المحنة ليس سوى فرصة ذهبية وضعها الله بين أيدينا لنزاحِم بها أكتاف الشهداء على أبواب الجنة.
    هي جولة من جولات الحق والباطل ولن تكون الأخيرة، وما نرجوه أن لا تمر كما مرَّ غيرها .. بل نريد أن نهتبلها لنقدِّم ساعة النصر، ونقطع نحو الهدف خطوات واسعات، ونرتقي بمن حولنا درجات عاليات نصبح بها أقرب إلى قطف ثمار النصر والخروج من بوتقة الذل. 

    أعلم أنها فترة زمنية عصيبة نعيشها، لكن هل رأيتم من تعلم في هذه الدنيا دون ألم، أو تربى دون شجن.
    أبشروا واستبشروا بما خاطب الله به نبيه:
    لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ
    طمأنة من الله لنبيه وورثة نبيه ..
    لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ
    تقريب نصر مستبعد وتسلية قلوب مرهقة ..
    لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ
    لا لمحمد ولا لمخلوق بعد محمد .. بل الأمر لي وحدي .. أنصر من شئت .. متى شئت .. وكيف شئت ..
    لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ
    أنت أجير وعليك عمل .. إن أدَّيته نلت أجرك كاملا لا يضرك من قصَّر ممن حولك أو فرَّط. 
    لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ

    لا تقل بعد اليوم: افعل ما عليك والباقي على الله، بل قوِّم لسانك وقل: افعل ما عليك وكِل الأمر لله (قل إن الأمر كله لله).
    أما أنتم أهلي في غزة .. يا أساتذتي في مادتي التضحية والفداء .. 
    أبشِّركم .. ما وصلت القافلة نعم .. لكن وصلنا الأهم .. وهو الدم .. 
    وصل لا إلى شاطئ غزة فحسب بل إلى كل مسلم ليشعل في قلوبنا نار الثأر المقدسة التي لن يخمد لهيبها بإذن الله دون نصر أو شهادة.
    وبقى الشرط الأخير لتنزل النصر والذي ما تحقق إلى اليوم رغم كثرة الخير في الأمة ووفرة الصالحين فيها، وهو ما يشكِّل في نظري آخر مسمار في نعش الباطل، ويصنع مفتاح أبوابنا المؤصدة الفاصلة بين عهدين .. عهد الذل والانهيار .. وعهد العز والفخار .. ألا وهو بذل ..
    آخر ذرة جهد!!
    ولم نبذلها بعد ..

    لا زال منا من يبخل بوقته .. يؤثر مصلحته على حساب دعوته ..
    من يتقطع قلبه كمدا على ما أصابنا لكنه لا يقوى على صلاة فجر .. إطلاق يد بنفقة .. تعليم جاهل .. دعوة غافل. 
    من أعطى الدنيا ومستقبله الوظيفي وعائلته أكبر مساحة في قلبه، ومن وراء قلبه وقته.
    من ادَّخر جهدا لم يبذله .. استبقى ذهنا لم يتعبه .. ونوما عميقا ما هجره .. 
    من أضاع حق ربه فأضاعنا الله وأضاعه، فردٌ أخَّر أمة، وعضوٌ مريض أعيا جسدا بأكمله.
    ولذا لم ننتصر..
    وأخيرا .. أخي .. وأنتِ أختاه .. 
    من أطال المنام لم ير غير الأحلام، فمتى تفتح عين عزمك لتعرف واجباتك بحق؟ 
    متى تسدِّد ضرباتك نحو العقبة الكؤود التي تعترض طريق نصرنا وعزة أمتنا؟!
    أما استنشقت عبير الشهداء ملوك الأسرة( ) سرى عبر البحار في أشرف الأوقات: الأسحار؟ 
    أما وجدت برد نسيم الجنة سبقونا إليه؟ 
    أما آلمك سبقهم وتخلفك .. فوزهم وخسارتك؟ 
    أما تغار أنهم غادروا وخلَّفوك!! وإلى الفردوس سبقوك؟! 
    اذكر آخر كلام ومسك الختام .. لا يمحوه من ذاكرتك تعاقب الليالي والأيام:

    إنه لا انتصار لأمة ولا انكشاف لغمة ولا نيل من عدو ماكر ولا إغاظة لكافر فاجر، ومن وراء ذلك وهو الأهم: لا رضا لربنا ولا قرةَ عينٍ لرسولنا إلا بعد أن نبذل .. آخر ذرة جهد!! 
    وعندها فحسب .. 
    ننتصر!! 
    كتبه مُوقنا بنصر ربه

    الكلم الطيب


  20. يقول الإمام ابن قيم في منزلة الرّجاء: "قال الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}. (الإسراء: 57)؛ فابتغاء الوسيلة إليه: طلب القرب منه بالعبودية والمحبَّة؛ فذكر مقامات الإيمان الثلاثة التي عليها بناؤه: الحبّ والخوف والرجاء، قال تعالى: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ}. (العنكبوت: 5). وقال: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}. (الكهف: 110)، وقال تعالى: {أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.(البقرة: 218)، وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث: ((لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظنّ بربّه))، وفي الصَّحيح عنه: ((يقول الله عزّ وجل: أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء))".

    ويعرّف ابن قيم الرّجاء بقوله: "الرجاء حاد يحدو القلوب إلى بلاد المحبوب وهو الله والدار الآخرة ويطيب لها السير. وقيل: هو الاستبشار بجود وفضل الربّ تبارك وتعالى والارتياح لمطالعة كرمه سبحانه. وقيل: هو الثقة بجود الرّب تعالى. والفرق بينه وبين التمني أنَّ التمنيَّ يكون مع الكسل ولا يسلك بصاحبه طريق الجد والاجتهاد، والرَّجاء يكون مع بذل الجهد وحسن التوكّل".

    ثمَّ إنَّ نتائج الرَّجاء تؤدّي دوماً إلى العمل والسعي لمرضات الله بالعبادات والطاعات وفعل الخيرات، قال تعالى في وصف أفعال الرّاجين :{إنَّ الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم}. (البقرة: 218).

     

    ومن الكتب المعاصرة التي تحدّثت عن خلق الرّجاء بأسلوب تربوي بديع، ما كتبه الدكتور خالد أبو شادي بعنوان (ينابيع الرّجاء)، فإلى التفاصيل:

    مع الكتاب:

    يقول المؤلف في مقدمة الكتاب: "في هذه المرحلة الحرجة التي تعيشها الأمَّة، وفي خضم التحوّلات الهائلة التي نتعرّض لها، فإنَّ كثيراً من الشباب استولى عليهم اليأس، وتمكَّن منهم الحزن، وهم يرون سلاسل الشهداء، وأنهار الدماء، وتصاعد المكر والدهاء، وتعثر مسيرة التحرّر من مكائد الأعداء، وقد سرت هذه الروح المعدية، فتملَّك التشاؤم بدلاً من التفاؤل، وفاضت الرّوح من عزائم الكثيرين، ممَّا يستدعي تدخلاً سريعاً وحلاً ناجعاً!".

    ويرى الكاتب أنَّ القضية الأهم، بل والهمُّ الأجلُّ الذي يجب أن تسائل عنه نفسك:
    - هل اخترتُ الطريق الصحيح؟
    - هل التحقتُ بالعاملين المصلحين أم كنتُ في الغافلين والمبطلين؟!
    - هل فترت همتي وانقطع نفَسي من طول المسير فقعدت واسترخيت؟!
    - هل تكاسلت أو قصَّرت في واجبي وما هو مفروض عليَّ وإن لم أبلغ؟!
    ثمَّ يؤكّد الكاتبُ أنَّ إجابة صادقة على هذه الأسئلة يحدّد أين أنت في نظر الله، وتخبرك عن درجتك في مدارج الإيمان اليوم، ثم درجات الجنة غدا، وإن الأحداث الجسام المحيطة بالأمَّة اليوم وعبر السنوات المقبلة تستدعي اليوم عزائم الأبطال، لأنَّ التاريخ الآن يُكتب، وما نقدِّمه اليوم من سعي وبذل سيشكِّل وجه المنطقة ويغيِّر مسار الأمَّة خلال العقود المقبلة.

     

    ويحدّد الكاتب أنَّ الهدف من كتاب (ينابيع الرّجاء):
    1. قطع الآمال الدنيوية بالتعلّق بنعيم الآخرة.
    2. إعطاء المجهود وأقصى الطاقة للصلاح الإصلاح، والاهتداء والهداية.
    3. خلع الرّاحة فلا نلقاها إلاّ عندما نحُطُّ رحال سفرنا في الجنّة.

     

    ويحوي الكتاب  الجزء الاول على ثلاثين (سنة ربانية وبشارة إلهية)،

    نذكر منها الينابيع الاتية:
     

    النبع الأول: {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}

    النبع الثاني: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}

    النبع الثالث: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}!

    النبع الرابع: «لأنصرنك ولو بعد حين»

    النبع الخامس: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ}

    النبع السادس: {أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا}

    النبع السابع: «أَنا عند ظن عبدي بي»

    النبع الثامن: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً}

    النبع التاسع: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا}

    النبع العاشر {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}

    النبع الحادي عشر: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ}

    النبع الثاني عشر: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ

    النبع الثالث عشر: {يدبِّر الأمر}

    النبع الرابع عشر: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}

    النبع الخامس عشر:{إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين}

    النبع السادس عشر: {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}

    النبع السابع عشر: {ومن يؤمن بالله يهد قلبه}

    النبع الثامن عشر: {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا}

    النبع التاسع عشر: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم}

    النبع العشرون: {وما النصر إلا من عند الله}

    النبع الحادي والعشرون: {قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ}

    النبع الثاني والعشرون: {فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس...}

    النبع الثالث والعشرون: {ولكنكم تستعجلون}

    النبع الرابع والعشرون: {إنا لله وإنا إليه راجعون}

    النبع الخامس والعشرون: {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}

    النبع السادس والعشرون: {فإن مع العسر يسرا}

    النبع السابع والعشرون: {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه}

    النبع الثامن والعشرون: {ادعوني أستجب لكم}

    النبع التاسع والعشرون: {ولينصرن الله من ينصره}

    النبع الثلاثون: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}

     

    وقد جمع المؤلف  الجزء الأول والثاني من كتاب (ينابيع الرجاء)، ليصبح كتاباً واحداً يحوي 60 سنة ربانية وبشارة إلهية.

    مع المؤلف:

    هو خالد أبو شادي.
    دكتور صيدلي وداعية إسلامي.
    من مواليد 18 مارس 1973 محافظة الغربية مركز زفتى قرية تفهنا العزب.
    درس في دولة الكويت وأكمل الدراسة الجامعية في كلية الصيدلة جامعة القاهرة.
    له كتب ومحاضرات توعوية، ويركز في دعوته على القلب ووسائل الخروج به من الظلمات.

     

    من مؤلفاته:
    - معاً نصنع الفجر القادم: هو كتاب يحمس الناس للجنة ويرهبهم من النار.
    - ونطق الحجاب: هو كتاب لمخاطبة الفتيات المسلمات ليدلها لطريق الحجاب.
    - صفقات رابحة: هو عبارة عن عشر صفقات متنوعة لحجز مقاعد في الجنة.
    - ليلى بين الجنة والنار: يتناول وصفا للجنة للشوق لها ووصفا للنار للحذر منها
    - بأي قلب نلقاه: يحاول تصحيح القلب للوصول القلب المناسب لملاقاة الله جل جلاله.
    - رحلة البحث عن اليقين: يبين معنى اليقين وكيف غرس النبي صلى الله عليه وسلم وما وصل إليه
    - هبي يا رياح الإيمان: هو كتاب يهدف إلى زيادة الرصيد الرباني
    - سباق نحو الجنان: كتاب أوصاف القلوب التي تتسابق نحو الجنة ورسوم وصولها وأشياء أخرى
    - يا صاحب الرّسالة: يخاطب من حملوا على عاتقهم هم الدين ونشره.

     

     

    لقراءة الجزء الاول بهذا الرابط

    https://ar.islamway.net/collection/10731/ينابيع-الرجاء

     

    موقع طريق الاسلام

     

    image.thumb.png.118a1890a57380f6837298d6b728c24a.png

     


  21. {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)}
     

    لم يقل الحق لرسوله: (إن تولوا وأعرضوا فاعتقد أن حسبك الله) لا، بل أعلنها للناس كافة؛ حتى يسمعوها، ولعل في إعلانك لها ما يلفتهم إلى الحقيقة؛ لأنك إن قلتها؛ فلن تقولها إلا وعندك رصيد إيماني بها، وإن فعل أحدهم شيئاً ضدك؛ فسوف يعاقبه الله.
    وحين تعلن: {حَسْبِيَ الله} بعد أن كذبوك، فالأحداث التي سوف تأتي بعد إعلانك {حَسْبِيَ الله} ستؤكد أن حسبك في مكانه الصحيح، ولله المثل الأعلى- أنت تقول: (حسبي نصرة فلان)؛ لأنك تثق في قدرة فلان هذا، ولكن القوة في الحياة أغيار، وحين تقول: {حَسْبِيَ الله} فلا إله غيره سبحانه، ولا إله آخر يعارضه في هذا أو في غيره.
    وقل {حَسْبِيَ الله} برصيد {لا إله إِلاَّ هُوَ} و{لا إله} نفي، و{إِلاَّ هُوَ} إثبات، إذن: ففي هذا القول: {لا إله إِلاَّ هُوَ} نفي منطقي مع سلب، وإثبات منطقي مع الإيجاب، وهنا نفي أيِّ ألوهية لغير الله، والاستثناء من ذلك هو الله، ورحم الله شيخنا عبد الرحمن عزام حين ترجم عن محمد إقبال شاعر باكستان الكبير، فقال:
    إنَّما التوحيد إيجابٌ وسلبٌ ** فيهما للنفسِ عزمٌ ومضاءُ

    إيجاب في {إِلاَّ هُوَ}، وسلب في {لا إله}، فيهما للنفس عزم ومضاء، أي: هما للنفس قطبا الكهرباء، فاسلب الألوهية من غير الله وأثبتها لله.
     

    والناس- كما نعلم- ثلاثة أقسام: قسم ينكر وجود إله للكون مطلقاً، وهم الملاحدة، وقسم ثان يقول: إن هناك الله الذي يوحده المسلمون؛ لكن له شركاء ينفعوننا عند الله. وقسم ثالث يقول بوحدانية الله.
    وساعة نقول {لا إله إِلاَّ هُوَ} نكون قد أثبتنا الألوهية لله، وأثبتنا أن لا شريك له، وأثبتنا ألا إله غيره، وسبحانه يقول: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ الله لا إله إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} وهذا أمر طبيعي، ويمكن أن نعرفه بالحساب؛ ولذلك جاء ب {حَسْبِيَ} من الحساب. واحسبها فلن تجد إلا الله. وما دام حسبك الله ولا إله إلا هو، فسبحانه يبسط عليك حمايته ونصرته لك، فمن العقل أن تضع نفسك بين يدي رسولك، الذي أبلغك البلاغ الكامل عن الله، وأن تتوكل عليه سبحانه.
    وما دام سبحانه هو حسبك ولا إله إلا هو، والواجب يفرض عليك أن تظل في مَعيَّته سبحانه، ومعيّة الله مرحلتان: الأولى بأخذ الأسباب التي أمدّ بها خلقه، ومعية إيمانك المطلق بأن الأسباب إن عجزت معك، فأنت تلجأ إلى مسبِّب الأسباب الموجود وهو رب الوجود.

     

    وترى- مثلاً- الناس وهي تحتاج إلى المياه؛ لأنها ضرورة للحياة؛ فيذهبون إلى البئر فلا يجدون الماء رغم وجود البئر؛ لأن المياه التي تأتي من جوف الأرض لم تعد تتسرب إليه، ولماذا؟ لأن المخزون من ماء المطر الذي كان يأتي من أعالي الجبال ويتسرب تحت الأرض قد نفد، ولهذا نحتاج إلى مدد من أمطار السماء؛ لتجري إلى المسارب تحت الأرض وتعود المياه إلى البئر.
    وإذا جفَّت الآبار المحيطة بنا، هل نيأس؟ لا؛ لأن ربنا بيَّن لنا: ارفعوا أيديكم لربكم. إذن: فنحن إذا استنفدنا الأسباب نطلب من المسبب، ولذلك أتحدى أن يستنفد واحد أسباب الله الممدودة إليه، ويلجأ إلى الله فيرده.
    إن يد الله ممدودة لنا بالأسباب ولا يصح أن يهمل إنسان ولا يأخذ بالأسباب، ويقول: أنا متوكل على الله، إن على الإنسان أن يأخذ أولاً بالأسباب وأن يستنفدها، وبعد ذلك يقول: ليس لي ملجأ إلا أنت سبحانك، واقرأ إن شئت قول الله سبحانه: {أَمَّن يُجِيبُ المضطر إِذَا دَعَاهُ} [النمل: 62].
    والمضطّر: هو من استنفد أسبابه، وليس له إلا الله. لكن أن يقول إنسان: أنا أدعو الله ليل نهار وأسبِّحُه سبحانه وأقرأ سورة يس مثلاً، ولا يستجيب الله لدعائي. ونقول لمثل هذا القائل: أنت لا تدعو عن اضطرار ولم تأخذ بالأسباب، خذ بالأسباب التي خلقها الله، أولاً، ثم ادْعُ بعد ذلك. ولا تدْعُ إلا إذا استنفدت الأسباب؛ فيجيبك المسبِّب، وبذلك لا تفتن بالأسباب، فحين تمتنع الأسباب؛ تلجأ إلى الله. ولو كانت الأسباب تعطي كلها لفُتِنَ الإنسان بالأسباب، والحق سبحانه يقول: {كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى أَن رَّآهُ استغنى} [العلق: 6-7].

     

    لذلك نجد الحق يبيّن دائماً أن كل الأسباب بيده، فنرى من يحرث ويبذر ويروي ويرعى، ثم يقترب الزرع من النضج، وبعد ذلك تأتي موجة حارة تميته، أو ينزل سيل يجرفه. إذن: خذ بالأسباب واجعل المسبب دائماً في بالك، وهنا يصح توكلك على الله.

     كان لفضيلة الشيخ الشعراوي تشبيه جميل يقرِّب به معنى التوكل: إذا كنت سائراً في الشارع ومعك جنيه واحد مثلاً ثم وقع منك أو سُرق، ولا تملك في البيت أو في البنك مليماً واحداً، هنا تغضب وتحزن، أما إن كان في البيت عشرة جنيهات؛ فنسبة الغضب والحزن ستكون قليلة، وإذا كان في البيت عشرة جنيهات وفي البنك مائة جنيه؛ فلن تحزن أو تغضب لضياع الجنيه الواحد.
    وهكذا تثق بالمثل عوضاً عن المثل، أفلا تثق بواهب هذا المثل عن عوض المثل؟
    إذن: فالتوكل هو أن تعمل الجوارح وتتوكل القلوب. والكسالى هم من يريدون أن يكون التوكل للجوارح وليس القلوب.

     

    وكان من الممكن أن يغيّر الحق الأسلوب في الآية فيقول: توكلت عليه. بدلاً من {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} ولكن إن وفقت الفهم عن قوله الحق، ستجد أن الإنسان إن قال: (أنا اعتمدت عليك) فقد تعطف قائلاً: (وعلى فلان وعلى فلان). لكن قولك: عليك توكلت لا يمكن أن تعطف من بعدها، وفيها تنزيه لله ولا أحد غيره يتوكل عليه الخلق، مثلما تقول في الفاتحة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} أي: لا نعبد غيرك، فتكون قد قصرت العبادة عليه سبحانه.
    وتوكلك على الله له رصيد؛ لأن ربك ورب الكون الذي استقبلك، ولا تصل قدرتك إليه، فأنت في الأرض تحرثها، وتبذرها، وترويها، ثم تأخذ من عطاء الله لك؛ فهو ربك، ورب الكون الذي استقبلك، وأًصبح هذا الكون مسخراً لك، وأنت لم تكن قادراً على تسخير الكون.

     

    صحيح أنك قد تُسخِّر الدابة وتربطها وتمتطيها وتحمل عليها السماد مثلاً وكل ذلك مسخر لك وفي قدرتك، وهذا من فضل الله عليك. ويزيد فضله سبحانه، وترى مخلوقات مُسخَّرة لك؛ تشرق كل يوم بالدفء وبالحرارة، وكذلك القمر، والغمام، وكل هذه مخلوقات ليس في قدرتك السيطرة عليها، بل سخرها الله لخدمتك.
    وربك رب الكون الذي استقبلك سخر لك ما ليس في يدك، وهو سبحانه رب الملكوت الذي يدير كل ذلك وأنت لا تراه، وهو الذي يدير كل هذه الأشياء. فلا تنظر إلى ظواهر العطاء فقط، بل انظر إلى مسبِّبات العطاء في ظواهر العطاء، ولا تلتفت إلى ظاهرة إلا لتعرف ما وراء هذه الظاهرة. وما وراء أي ظاهرة كثير.

     

    ويقول الحق سبحانه: {وَهُوَ رَبُّ العرش العظيم} نعم، هو رب الكون الذي استقبلك وسخر لك ما في يدك وما ليس في يدك، وما وراء المرئيات من عالم الملكوت؛ ليدير بكمال قدرته كل شيء، وكل ما في الكون ملك لله.
    وله سبحانه العرش العظيم، فما هو العرش؟ نعرف لأول وهلة أن العرش هو السقف، فحين تبني دوراً واحداً تصنع له السقف؛ ليحميك من وهج الشمس والمطر، وإن كانت الأرض رخوة فالمباني تهبط، وبنينا السقوف حتى تحمي الجدران من عوامل التعرية.
    وقول الله سبحانه: {العرش العظيم} معناها: استواء الأمر استواءً يدخل فيه كل مقدور؛ ولذلك عبر سبحانه عن الملك مثلاً في ملكة سبأ على لسان الهدهد فقال: {إِنِّي وَجَدتُّ امرأة تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 23].
    العرش، إذن، رمز السيطرة، وفي حياتنا- ولله المثل الأعلى- نجد أن الذي يأخذ الملك من واحد قبله يبدأ في تطهير الجيوب المحيطة به ويبحث عن الأنصار؛ ليعيد ترتيب الملك بما يراه مناسباً له؛ حتى تستقر له الأمور، ثم يجلس بعد ذلك على العرش.

     

    إذن: فالجلوس على العرش معناه استتباب الأمر استتباباً نهائياً للمالك الأعلى.
    وسبحانه يقول: {الذين يَحْمِلُونَ العرش وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ...} [غافر: 7].
    وساعة تسمع كلمة (العرش) خذها على أنها رمز لللاستتباب الأمر لله، وأن كل شيء دخل في حيِّز قدرته، وفي حيِّز {كن}، كما يستقر للملك المحَسِّ، فلا يجلس على العرش، ولا يهدأ، إلا إذا استقرت الأمور. هذا ما نراه في الأمور الدنيوية، فما بالنا باستقرار كل الكون من الأزل لله سبحانه وتعالى؟
    يقول الحق سبحانه: {إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذي خَلَقَ السموات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوى عَلَى العرش...} [الأعراف: 54].
    أي: أن الأمور قد استتبت له. وهكذا نجد أن كلمة (الْعَرْشِ) وردت في عروش الدنيا، وفي عرش الله سبحانه، فعروش الدنيا ترمز إلى استتباب الأمر لمن يجلس عليها، والعرش بالنسبة لله رمز للاستتباب أمر الكون كله له سبحانه لا ينغص عليه شيء ولا يخرج من ملكه شيء. والكون كله، بكل ما فيه مستتب لكلمة (كن) ومخلوق بها وخاضع لسلطان الحق سبحانه وتعالى.

     

    وهنا يقول الحق: {وَهُوَ رَبُّ العرش العظيم} ولا يوصف العرش بأنه عظيم إلا وفي أذهان الناس عروش الملوك التي نراها في حياتنا، مثلما قال الهدهد عن ملكة سبأ: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 23].
    أي: بمقاييس البشر.
    أما قوله تعالى هنا: {وَهُوَ رَبُّ العرش العظيم} [التوبة: 129].
    فهو بمقاييس رب البشر، إنه عرش الخالق العظيم سبحانه وهو فوق التصور البشري؛ لذلك نفهمه في إطار {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ...} [الشورى: 11].

     

    نداء الايمان


  22. {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)}
     

    ونلاحظ هنا أن الحق قد نسب المجيء هنا للرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يقل: جئتكم برسول. وكلنا يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأت من عند نفسه، ولم يدع هذا الأمر الجليل لنفسه، ولكن الشحنة الإيمانية تفيد أنه خلق بما يؤهله للرسالة، وبمجرد أن نزل عليه الوحي امتلك اندفاعاً ذاتيّاً لأداء الرسالة، ولم يحتج لمن يدفعه لأداء الرسالة؛ لذلك أراد الحق سبحانه أن يثبت للرسول صلى الله عليه وسلم المجيء ذاتيّاً، ولكن هذا المجيء الذاتي ليس من عند محمد صلى الله عليه وسلم في البداية، بل هو رسول من عند الله، فأتى الحق سبحانه هنا بكلمة (جاء).
     

    وكلمة {رَسُولٌ} تدل على أنه ليس من عنده، وكلمة (جاء) تدل على أن الشحنة الإيمانية جعلت لذاته عملاً، فهو صلى الله عليه وسلم يعشق الجهاد من أجل الرسالة، ويعشق الكفاح من أجل تحقيق هذه الرسالة.
    إذن: لا تنظروا إلى ما جاءكم به الرسول صلى الله عليه وسلم نظرتكم إلى الأمور الشاقة التي تتعبكم، ولكن انظروا ممن جاءت، إن كانت من الأصل الأصيل في إرسال الرسل، فالرب رحيم، خلقكم من عدم وأمدكم من عدم، ويوالي نعمة عليكم حتى وأنتم في معصيته. فأنت تعصاه ويحب الله سبحانه من يستر عليك، فلا تشك ولا تتشكك. وعليك أن تأخذ التكاليف على أنها من حبيب فلا تقل: إنها مشقة. فأنت- ولله المثل الأعلى- تطلب من ابنك أن يستذكر دروسه، وتراجعها معه قهراً عنه في بعض الأحيان، وأنت قد تمسك بيدي ابنك ليعطيع الطبيب حقنة من الدواء الذي جعله الله سبباً للشفاء.
    إذن: فلا تأخذ الأحوال بوارداتها عليك، ولكن خذها بوارداتها ممن قدرها وقضاها؛ وهو الحق سبحانه وتعالى.

     

    وهنا يقول الحق سبحانه: {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} أي: أن الحق سبحانه لم يأت بإنسان غريب عنكم، بل جاء بواحد منكم قادر على التفاهم معكم. ولقوله الحق: {مِّنْ أَنفُسِكُمْ} معان متعددة، فمرة يكون معناها ب (من جنسكم)، مثلما قال الحق عن حواء: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا...} [النساء: 1].
    أي: خلق حواء من نفس جنس آدم البشري، فلا يقولن أحد: كيف بعث الله لنا بشراً رسولاً؟ لأن الحق أراد الرسول من البشر رحمة بالناس؛ ولذلك يؤكد صلى الله عليه وسلم على بشريته أكثر من مرة وفي مواقع كثيرة. والقرآن يقول: {وَمَا مَنَعَ الناس أَن يؤمنوا إِذْ جَآءَهُمُ الهدى إِلاَّ أَن قالوا أَبَعَثَ الله بَشَراً رَّسُولاً} [الإسراء: 94].
    إذن: فبشرية رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تؤخذ على الله، ولكن تؤخذ لله؛ لأنه أرسل واحداً من نفس الجنس؛ ليكون قادراً على أن يتفاهم مع البشر، وتكون الأسوة به سهلة.
    ولذلك قال سبحانه: {قُل لَوْ كَانَ فِي الأرض ملائكة يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السمآء مَلَكاً رَّسُولاً} [الإسراء: 95].

     

    وقوله الحق: {مِّنْ أَنفُسِكُمْ} أي: من جنس العرب، ولم يأت به من الروم أو من فارس، لكن اختار لكم من هو أعلم بطبائعكم. أو أن معنى {مِّنْ أَنفُسِكُمْ} أي: من نفس القبيلة التي تنتمون إليها معشر قريش.
    أو أن {مِّنْ أَنفُسِكُمْ} تعني: أنكم تعلمون تاريخه، وتعرفون أنه أهل لتحمل أمانة السماء للأرض، كما تحمل أماناتكم من الأرض للأرض؛ ولأن هذا هو سلوكه، فهو قادر على أن يتحمل أمانة السماء للأرض. ولقد سميتموه الصادق الأمين، والوفي، وكلها مقدمات كانت توحي بضرورة الإيمان به كرسول من عند الله. وإن كانت سلسلة أعماله معكم تثير فخركم، فمجيئة كرسول إنما يرفع من ذكركم، ويعلي من شأنكم. فأنتم أهل قريش ومكة ولكم السيادة في البيت الحرام، وقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم؛ ليزيد من رقعة السيادة لكم، فإذا كنتم قبل بعثته صلى الله عليه وسلم سادة البيت، فأنتم بعد بعثته سوف تصيرون سادة العالم.
    ويقول الحق سبحانه: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف: 44].
    فهو نبي الله للعالم أجمع ومن العرب ومن قريش، وكان يجب أن يفرحوا برسالته وأن يؤيدوها، لكن الله لم يشأ ذلك؛ لأن قريشاً قبيلة قد ألفت السيادة على العرب، وهذا جعل العرب يعملون لها حساباً، وخافت منها كل قبائل العرب في أنحاء الجزيرة العربية، وكانت لها مهابة هائلة؛ لأن كل العرب مضطرون للحج إلى الكعبة، وأثناء الحج تكون القبائل كلها في أرض قريش؛ لذلك كانت كل القبائل ترعى قوافل قريش، ولا تتعرض أي قبيلة لقريش أبداً، فقوافلها تروح وتغدو، جنوباً وشمالاً، ولا تقدر قبيلة أن تقف في مواجهة قريش، أو أن تتعرض لها.

     

    وكل هذه المكانة وتلك المهابة أخذتها قريش من خدمتها لبيت الله الحرام؛ ولذلك شاء الحق ألا يمكن أبرهة من هدم البيت لتظل السيادة لقريش، فلو انهدم البيت الحرام وانصرف الحج إلى اليمن كما كان يريد أبرهة، فمن أين تأتي السيادة لقريش؟ لذلك قال الحق عن أبرهة وقومه: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ} [الفيل: 5].
    وأتبعها بقوله: {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشتآء والصيف} [قريش: 1-2].
    وما دام الحق سبحانه قد شاء هذا فيأتي أمره في الآية التالية: {فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هذا البيت الذي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [قريش: 3-4].

     

    وشاء الحق سبحانه أن يبعث بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً يدعو أولاً الصناديد، والقبيلة ذات المهابة والمكانة، وأن تكون الصيحة الإيمانية في آذان سادة الجزيرة الذي تهابهم كل القبائل، حتى لا يقال: إن محمداً قد استضعف قلة من الناس وأعلن دعوته بينهم، لا، بل جاءت دعوته في آذان الصناديد، والسادة، وسفه أحلامهم، وحين رفضوا دعوته هاجر، ثم جاءه الإذن بقتالهم، ولم تأت نصرة الإسلام من السادة، بل آمن به الضعاف أولاً، ثم هاجر إلى المدينة؛ لتأتي منها النصرة.
     

    فلو أن النصرة جاءت من السادة لقالوا: جاءت نصرة الإسلام من قوم ألفوا السيادة، ولما ظهر واحد منهم يقول: إنه رسول؛ أرادوا أن يسودوا به، لا الجزيرة العربية، بل الدنيا كلها، فتكون العصبية لمحمد هي التي خلقت الإيمان بمحمد، والله يريد أن تكون النصرة من الضعيف؛ حتى يفهم الجميع أن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم هو السبب في العصبية لمحمد.
     

    هكذا نفهم معنى: {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ} أي: مرسل من الله و{مِّنْ أَنفُسِكُمْ} بكل ما تعنيه مراحل النفس، وهو مبلغ عن الله، فلم يأت بشيء من عنده، بل كل البلاغ الذي جاء به من ربه، والرب بإقراركم هو الذي خلق لكم ما تنتفعون به من السموات والأرض. وسبحانه يقول: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله...} [الزخرف: 87].
    ويقول: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض لَيَقُولُنَّ الله...} [لقمان: 25].
    إذن: فالمخلوق هو الخليفة الإنسان، وما خلقه الله في الكون، إنما خلقه لخدمتكم كلكم، وأنتم تقرون ذلك، فإذا كان الرب قد سبق لكم بهذه النعم، وجاء الرسول الذي جاء لكم من عنده بما يسعدكم، وقد استقبلتم خيره قبل أن يأتي لكم بالتكاليف، واستقبلتم نعمته قبل أن تكونوا مخاطبين له، إذن: فالله الذي أرسل رسوله بالتكاليف والمنهج لكم، لابد أن يكون قد كلف من هو مؤتمن عليكم، وهو صلى الله عليه وسلم لم يأت من جنس الملائكة، بل هو بشر مثلكم، فإذا قال لكم: افعلوا كذا وكذا وأنا أسوة لكم في الفعل، فلا تتعجبوا، لكن غبار الكافرين بالله جعلهم يريدون أن يكون الرسول ملكاً، فقال الحق: {وَمَا مَنَعَ الناس أَن يؤمنوا إِذْ جَآءَهُمُ الهدى إِلاَّ أَن قالوا أَبَعَثَ الله بَشَراً رَّسُولاً قُل لَوْ كَانَ فِي الأرض ملائكة يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السمآء مَلَكاً رَّسُولاً} [الإسراء: 94-95].
    أي: إن كنتم تريدون مَلَكاً، فالملك له صورة لا ترونها، ولابد أن نجعله ملكاً في صورة بشر؛ ليخاطبكم، إذنك فهل المشكلة مشكلة هيئة وشكل؟ ثم إن الملائكة بحكم الخلق: {لاَّ يَعْصُونَ الله ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
    فإذا قال لكم الرسول الملك: أنا أسوة لكم في العمل الصالح، أكانت تصح الأسوة؟ من المؤكد أن بعضنا سيقول: لا، لن تنتفع الأسوة؛ لأنك مَلَك مطبوع على الخير، وليس لك شهوة بطن، ولا شهوة فرج، إذن: فأسوتنا بك لا تصلح.

     

    إذن: فمن رحمته سبحانه بكم أن جعل لكم رسولاً من أنفسكم، ومن قبيلتكم، ومن العرب، لا من فارس والروم، وهو يخاطبكم بلغتكم؛ لأنكم أنتم أول آذان تستقبل الدعوة؛ فلابد أن يأتي الرسول بلسانكم، وجاءكم محمد صلى الله عليه وسلم بالأنس والألفة؛ لأن من قريش التي لها بطون في كل الجزيرة ولها قرابات، وأنس وألفة بكل العرب، وأنس ثالث أنه من البشر، وجاء به الحق سبحانه فرداً من الأفراد، محكوم له بالصدق والأمانة قبل أن يبلغكم رسالته من الله.
    إذن: فإذا جاءكم الرسول بتكليف قد يشق عليكم، فاستصحبوا كل هذه الأشياء؛ لتردوا على أنفسكم: هو بشر وليس مَلَكاً. هو من العرب وليس من العجم. هو من قبيلتكم التي نشأ بينكم فيها. هو من تعرفون سلوكه قبل أن يبلغ عن الله، فما كذب على البشر في حق البشر. أفيكذب على البشر بحق الله؟
    وقرأ عبد الله بن قسيط المكي هذه الآية: {مِّنْ أَنفُسِكُمْ} أي: أنه صلى الله عليه وسلم بالمقياس البشري هو من أقدركم وأحسنكم. ولذلك حينما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة عن الله، هل انتظرت سيدتنا خديجة رضي الله عنها أن يأتي لها بمعجزة؟ هل انتظر أبو بكر أن يأتي له بمعجزة؟ لا، لم ينتظر أحدهما لأن كلاّ منهما أخذ المعجزة من ناحية تاريخه الماضي.
    وحينما قال لخديجة: (يأتيني ويأتيني ويأتيني) وكانت ناضجة التكوين والفكر والعقل، وعلمنا مما قالت لماذا اختار الله له أن يتزوجها وعمره خمسة وعشرون عاماً، وعمرها أربعون سنة، مع أن المألوف أن يحب الإنسان الزواج ممن هي دونه في العمر.
    لكن المسألة لم تكن زواجاً بالمعنى المعروف، لكنه زواج لمهمة أسمى مما نعرف، ففي فترة هذا الزواج ستكون الفترة الانتقالية بين البشرية العادية إلى البشرية التي تتلقى من السماء، وهذه فترة تحتاج إلى قلب أم، ووعاء أم تحتضنه وتُربِّت عليه.
    فلو كانت فتاة صغيرة وقال لها مثلما قال صلى الله عليه وسلم لخديجة لشكت في قواه العقلية، لكن خديجة العاقلة استعرضت القضية استعراضاً عقليّاً بحتاً. فحين قال لها: أنا أخاف أن يكون الذي يأتيني رئي من الجن. قالت له: (إنك لتصل الرحم، وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق، والله لا يخزيك الله أبداً).
    إذن: فقد أخذت من مقدمات حياته قبل البعثة ما يدل على صدقه بعد البعثة.
    وكذلك أبو بكر رضي الله عنه، حينما قالوا له: إن صاحبك يدعي أنه رسول. قال: أهو قالها؟ قالوا: نعم. قال: إنه رسول من الله لأنه لم يكذب طوال عمره.
    وبعد ذلك يقول الحق: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ}. وكلمة {عَزِيزٌ} أي: لا يُنال ولا يقدر عليه أحد، والشيء العزيز أي نادر الوجود. وقد تقول لإنسان: (قد تكن وزيراً)؛ فيصمت رجاء، لكن إن قلت له: (ستصبح رئيس وزراء) فيقول: هذه مسألة مستعصية وكبيرة عليَّ بعض الشيء.

     

    إذن: فالعزة تأتي لامتناع شيء إما لقدرته، أو عزيز بمعنى نادر، أو يستحيل. والعزيز- هو الأمر الذي يعز على الناس أن يتداولوه، فيقال: (عز عليّ أن أصل إلى قمة الجبل). {عَزِيزٌ عَلَيْهِ} أي: شاق عليه أن يعنتكم بحكم؛ فقلبه رحيم بكم، وهو لا يأتي لكم بالأحكام لكي تشق عليكم، بل تنزل الأحكام من الله لمصلحتكم، فهو نفسه يعز عليه أن يشق عليكم.
    ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مثلي كمثل رجل استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها. وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها. قال: فذلكم مثلي ومثلكم. أنا آخذ بحجزكم عن النار. هلم عن النار. هلم عن النار. فتغلبوني تقحمون فيها».
    فإذا كان الرسول صفته أنه من أنفسكم أو من أنفسَكم أو يحبكم حبّاً يعز عليه أن تكونوا في مشقة. إذن: فخذوا توجيهاته بحسن الظن وبحسن الرأي فيها، وذلك هو القانون التربوي الذي يجب أن يسود الدنيا كلها. فقد يقسو والد على ولده بأوامر ونواه: (افعل كذا) و(لا تفعل كذا) لا تذهب إلى المكان الفلاني، ولا تجلس إلى فلان، ولا تسهر خارج المنزل بعد الساعة كذا.
    كل هذه أوامر قد تشق على الولد فنقول له: مشقة التكليف ممن صدرت؟ لقد صدرت من أبيك الذي تعرف حبه لك، والذي يشقى ليوفر لك بناء المستقبل، ويتعب؛ لترتاح أنت، فكيف تسمح لنفسك أن تصادق صعاليك يخرجونك عن طاعة أبيك إلى اللهو وإلى الشر. وانظر إلى والدك الذي تحمل المشقة حتى لا تتحمل أنت المشقة، ويشق عليه أن تتعب فهو أولى بأن تسمع كلامه.

     

    ورسول الله صلى الله عليه وسلم عزيز عليه مشقتكم، والمشقات أنواع: مشقات في الدنيا تتمثل في التكاليف التي يتطلبها الإيمان، ولكنها تمنع مشقات أخلد في الآخرة؛ لذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم يحزن أن ينالكم في الآخرة تعب، وتعب الدنيا موقوت وينتهي، لكن تعب الآخرة هو الذي يرهق حقّاً ويتعب.
    ولذلك يقول الحق في تصوير هذه المسألة بقوله: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ على آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بهذا الحديث أَسَفاً} [الكهف: 6].
    لماذا؟ لأنك تعرف يا محمد أنهم إن لم ينتهوا فسوف يجدون العنت كله في الآخرة.
    أو أن مشقة الآخرة هي التي يجب أن نتلافاها، وأن نتحمل المشقات الزائلة العرضية التي تورد ثماراً.
    فنحن قد نجد الرجل يقول لابنه مثلاً: اخرج إلى الحقل، واحمل السباخ فوق الحمار واحرث وارْو، كل هذه مشقات ستجد لذتها يوم الحصاد، وتعطيك الأرض من خير الله كذا إردب قمحاً أو غير ذلك. ولو ترك الأب ابنه لكسله فهذه هي المشكلة الأكبر، وحث الأب لابنه على العمل هو دفع لمغبة الضياع.

     

    وقد يأخذ الأب ابنه للطبيب، ويجد الطبيب مشغولاً، ويرجوه الأب أن يجري للابن جراحة تنجيه وتنقذه من خطر رغم أن الأب يعلم أن الطبيب سيستخدم مع ابنه أدوات جراحية كالمشارط وغيرها، ولكن ليعلم الابن أن هذا المشرط سيمسُّ أباك قبل أن يمسَّك، وعلى ذلك إذا أُمرت بتكليف شاق فانظر مَنْ أمرك؟ أهو ممن تعز عليه ومن تحبه وممن يريد لك الخير؟ إن كان الأمر كذلك؛ فعليك أن تقبل ولا تسيء الظن، ولا تُرهق مَنْ يحبك.
    واعلم أن والدك حين يصرفك عن أصدقاء السوء- مثلاً- فهو يرد عنك مصارف الشر؛ لأنك إن اجتهدت في عملك؛ فسوف تحصد النتيجة الطيبة، أما إن اتجهت إلى مصارف الشر فسوف تُشَرّد وتجوع، وسوف تدق باب بيت أبيك. وعندئذ ستسمع مثلاً عاميّاً يلخص الحكمة التي تقول (من يأكل لقمتي فليسمع كلمتي).

     

    وهنا يقول الحق: {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} ومعنى الحرص: أن يحوطكم بالرعاية؛ حتى لا تقعوا في المشقة الأكبر. ولذلك قلنا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد صوَّر هذه المسألة بقوله صلى الله عليه وسلم: «مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها وأنا آخذ بحجزكم عن النار- أي أمسككم من خلفكم حتى لا تذهبوا إلى النار- وأنتم تفلتون من يدي».
    والحق يُسَرّي عن رسوله صلى الله عليه وسلم فيقول: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ على آثَارِهِمْ} [الكهف: 6].
    ويقول الحق أيضاً لرسوله: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 3].
    فالرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى إتقان العمل في الدنيا؛ ليصلوا إلى الجنة في الآخرة؛ لأن كل مؤمن عزيز عليه صلى الله عليه وسلم ويخشى أن يُرهَق إنسان واحد في الآخرة، ولذلك قال الحق: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السمآء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 3-4].
    أي: إياك أن تحزن أنك حريص على أن يؤمنوا؛ لأن الحق سبحانه يقدر أن ينزل عليهم آية تجعل رقابهم خاضعة، ولكن الرب لا يريد رقاباً تخضع؛ وإنما يريد قلوباً تخشع.
    {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بالمؤمنين رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}
    والرأفة والرحمة قد تلتقيان في المعنى العام، ولكن هناك أموراً تسلب مضرّة، وأموراً تجلب منافع. وسلب المضرّات- دائماً- مُقدّم على جلب المنافع، فحين نواجه عملاً يضر وعملاً ينفع؛ نُقدم على العمل لدرء ما يضر، ثم ننجز العمل النافع.
    وساعة يطرأ عليك أمر يضر، وأمر ينفع، وأنت في حال متساوية ولابد أن تدرأ عن نفسك الأمر الضار الذي يخرجك عن الاستواء، ثم تقبل على الأمر الذي يزيد من الارتقاء.
    وحتى نقرب هذه المسألة إلى الذهن، سأضرب هذا المثل الحسّي: هَبْ أن واحداً معه حجر يريد أن يضربك به، وآخر يريد أن يقذفك بتفاحة، فهل تنشغل بالتقاط التفاحة أو تنشغل برد الحجر؟ إنك تنشغل أولاً بدرء الضرر، ثم تقبل على جلب المنفعة.
    ومثال آخر: هب أنك ترى إنساناً يغرق أمامك في البحر، فهل توبخه؛ لأنه نزل البحر دون أن يتعلم العوم؟ أم تنقذه أولاً وتدفع الأذى عنه، ثم توبّخه وتعاقبه بعد ذلك جزاء إهماله؟
    إنك تنقذه أولاً، وبذلك تكون قد قدمت الإحسان بدفع المضرة أولاً، وحتى إن عاقبته فهو يتقبل منك العقاب أو النهر؛ لأن صنيعك أنقذه من الموت.
    والحق يقول: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَازَ...} [آل عمران: 185].
    إذن: فمراحل الفوز أن يُزْحزح الإنسان أولاً عن النار، ففي هذا سلب للمضرَّة، وجلب للمنفعة، وإن ظل الإنسان في موقعه لا هو في الجنة ولا هو في النار؛ فهذا هين أيضاً. وإن أدخل الجنة فهذا هو الخير كله.

     

    وإذا كانت هذه هي بعض من خصال الرسول صلى الله عليه وسلم: {رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ}، و{عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ}، و{حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ}، و{بالمؤمنين رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}، فهذه خصال إن استوعبها الإنسان فهو يندفع إلى اتباع هذا الرسول.
    وقوله الحق: {بالمؤمنين رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} نرى فيه الوصف ب (الرءوف) والرأفة هي سلب ما يضر من الابتلاء والمشقة، و(رحيم) هو الذي يجلب ما ينفع من النعيم والارتقاء.
    وحسبكم من هاتين الصفتين أن الله سبحانه وتعالى وصف رسوله بهذين الوصفين {رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} وقد ثبت أنه سبحانه قد وصف نفسه بقوله سبحانه: {إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [النحل: 7].
    إذن: فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يسلك بما عنده، بل يسلك برأفة مستمدة من رأفة العل الأعلى، وكذلك رحمته صلى الله عليه وسلم مستمدة من رحمة العلي الأعلى. وكأن الحق سبحانه يبيّن لنا أنه أعطى محمداً صلى الله عليه وسلم بعضاً من الصفات التي عنده، فكما يبلغكم المشقات في التكاليف، فهو يبلغكم السلامة من المشقات في الرأفة، وترقية المنعمات بالرحمة؛ ولذلك يقول الحق سبحانه: {وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82].
    ونعلم أن الشفاء إنما يكون من المرض، أي: أن القرآن يسلب المضرة أولاً، ثم يأتي لنا بالمنفعة بعد ذلك وهي الرحمة.

     

    وقوله الحق: {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بالمؤمنين رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} هذا القول خلاصته: إن استقبلتم مشقات التكليف من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فاعلموا ممن جاءت هذه المشقات، واعلموا أن مجيئه بها إنما هو ليرفع عنكم مشقات أكبر وأخلد؛ لأن مشقات التكليف تنتهي بانتهاء زمن التكليف وهو الدنيا، ثم يذهب المؤمن إلى الجنة ليحيا بلا تكليف، وما يخطر على باله من أشياء، يجده فوراً؛ بدءاً من الطعام والشراب وجميع ما خلقه الله لأهل الجنة من نعيم.
    وإن نظرنا إلى متع الدنيا نجد أن من اجتهدوا في حياتهم، يستأجرون من يقوم لهم بالأعمال التي كانوا يقومون بها لأنفسهم؛ فالثري الذي كان يطهو طعامه قبل الثراء، يستأجر طاهياً؛ ليعد له طعامه، والفلاح الذي كان يبني بيته لنفسه، ثم رزقه الله بالرزق الوفير فاستأجر من يبني له، وكل الأعمال التي تسعد الإنسان وكان يقوم بها بنفسه ولنفسه، صار يستأجر من يقوم له بها، فما بالنا بالآخرة حيث تعيش في رضا الله وبأسرار كلمة {كُن}.

     

    وهكذا نجد الحق سبحانه وتعالى قد جاء في هذه السورة بمشقات التكليف، والثواب عليها وطمأن المؤمنين بان الرسول صلى الله عليه وسلم يتميز بكل المواصفات الموحية: من أنه بشر، وأنه حريص عليهم، وأنه لا يكلفهم إلا بالمشقات التي تنجيهم من المشقات الأبدية، وأنه رءوف بهم ورحيم.
    فإن استعموا إلى هذه الحيثيات وآمنوا، فأهلاً بهم في معسكر الإيمان، وإن تولوا ولم يسمعوا لهذه الحيثيات ولم يدخل القرآن قلوبهم، فإياك أن تظن- يا رسول الله- أنك منصور بهم؛ لأنك منصور بالله، فإن تولوا عنك وأعرضوا عن الإيمان بالله، وأعرضوا عن الاستماع لك، فاعلم أن ركنك الشديد هو الله

     

    نداء الايمان

     


  23. مهما تعالت صرخات الثكالى وأنات الجرحى من المسلمين، ومهما تكالب أعداء الأمة على مقدساتها وحرماتها، وسيطروا على فلسطين وغيرها فإن العقبى للمسلمين والنصر للمجاهدين الصادقين، والتاريخ حافل بانتصارات المسلمين في مواقع كثيرة، وحافل بالعذاب النازل من الله على أعدائه في الدنيا والآخرة.

     

    الناظر إلى بلاد المسلمين يجد أن كثيراً من أبناء المسلمين قد أصابهم الإحباط من واقع المسلمين، ويئسوا من أن تقوم لأمة الإسلام قائمة من جديد، وقنطوا من أن يواجهوا عدواً صارخ العداء مثل اليهود ومن معهم.

     

    كثير من أبناء المسلمين يعتقدون أن سيادة المسلمين للعالم كانت تاريخاً، وأن المستقبل قد يكون للشرق أو للغرب، ولكن حتماً أو غالباً ليس للمسلمين، وأكثر هذه الطائفة تفاؤلاً يعتقد أنه لو كان الإسلام سيعود من جديد لصدارة الأمم فإن هذا سيكون بعد عمر مديد وأجل بعيد لا نراه نحن ولا أبناؤنا ولا حتى أحفادنا.

    في هذا الجو من الإحباط واليأس يستحيل على المسلمين أن يفكروا في قضية فلسطين فضلاً عن أن يسهموا في حلها، ومن ثم فإن حديثنا اليوم يتناول الوسيلة الثانية من وسائل حل قضية فلسطين ألا وهي: قتل الانهزامية والإحباط في نفوس المسلمين.

     

    وإنه لمن العجب حقاً أن تحبط أمة تملك كتاباً مثل القرآن! وسنة مثل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم! وإنه لمن العجب حقاً أن ييأس شعب له تاريخ مثل تاريخ المسلمين! وله رجال أمثال رجال المسلمين! وإنه لمن العجب حقاً أن قوماً يمتلكون مقدرات كمقدرات المسلمين! وكنوزاً مثل كنوز المسلمين! عجيب حقاً أن تقنط هذه الأمة، وقد قال ربها في كتابه: sQoos.gifوَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ eQoos.gif[الحجر:56]، لكنها حقيقة مشاهدة وواقع لا ينكر، والواقع أن غياب الأمل وضياع الحلم وانحطاط الهدف كارثة مروّعة حلّت على المسلمين، ومصيبة مهولة لا يرجى في وجودها نجاة، لا بد أن الذي زرع اليأس في قلوب بعض المسلمين هو أمر تعاظم في النفوس الواهنة، وحدث أكبرته القلوب الضعيفة فخضعت حصول خضوعاً مذلاً، وركعت حين كان يرجى لها القيام.

     

    وسائل معينة على تجاوز الإحباط والتخلص من الانهزامية

    الإيمان الصادق بموعود الله عز وجل لعباده المؤمنين

    نتيجة هذه الجرائم والمؤامرات أحبط كثير من المسلمين إحباطاً شديداً ورضخوا للواقع، وقنعوا بالسير في ذيل الحضارة الغربية.

    مع ضخامة المؤامرة وبشاعة الكيد فإني أعود من جديد وأتعجب: كيف يمكن أن تحبط أمة تمسك في يديها بكتاب القرآن؟!

    ألم تسمعوا إلى قوله سبحانه وتعالى: sQoos.gifوَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ eQoos.gif[الأنفال:30]، يا إخوتي وأحبابي! كل ما ذكرناه من جرائم ومكائد ومؤامرات وتزوير وتشويه وخيانات وعمالات ونفاق وكذب، كل هذا يدخل تحت كلمة: sQoos.gif ويمكرون eQoos.gif، خذ الجانب الآخر من المقابلة: sQoos.gifوَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ eQoos.gif[الأنفال:30]، فالله يا إخوة! يقابل مكرهم بمكره: sQoos.gifوَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ eQoos.gif[الزمر:67].

     

    أيها المسلمون! إن كان أصابكم شيء من الإحباط؛ فلكونكم لم تفهموا المعركة على حقيقتها، ولم تدركوا الصدام بكامل أبعاده، هي ليست حرباً بين المسلمين والكافرين وإن كان ظاهرها كذلك، إنما هي في حقيقتها حرب بين الله وبين من مرق عن طريقه وكفر بعبادته، وارتضى غيره حكماً وقبل غير كتابه شرعاً، هي حرب بين الله وبين طرف صغير حقير من مخلوقاته سبحانه، لكن الله من رحمته بالمؤمنين ومن كرمه عليهم منّ عليهم بأن جعلهم جنده وحزبه وأولياءه، فالمؤمنون يقفون أمام الكافرين ملتزمين بمنهج ربهم في وقوفهم، وكما أمرهم يفعلون لا يترددون ولا يفرون، واثقين بوعده راغبين في جنته، راهبين لناره، مخلصين له، معتمدين عليه، لاجئين إليه، إن فعلوا ذلك كان هو سبحانه جلت قدرته وتعاظمت أسماؤه المدافع عنهم، الحامي لهم المؤيد لقوتهم، الناصر لجيشهم، الناشر لفكرتهم، المنتقم من عدوهم.

    واسمعوا وأنصتوا لقوله سبحانه وتعالى حتى تفهموا حقيقة المعركة: sQoos.gifفَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى eQoos.gif[الأنفال:17]، sQoos.gifإِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا eQoos.gif[الطارق:15-16]، سبحانه وتعالى: sQoos.gifوَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ eQoos.gif[النمل:50-51].

     

    أيها المسلمون المعتزون بإسلامهم! هل تعلمون لمن تعملون؟ وإلى أي ركن تأوون؟ إنكم تعملون لله، وتأوون إلى ركن شديد سبحانه، إذا جلس المتآمرون في جنح الظلام يدبرون ويخططون هل هم بعيدون عن عينه سبحانه؟ sQoos.gifيَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ eQoos.gif[لقمان:16]، أو إذا أطلق المتآمرون صاروخاً أو رصاصة أتسقط بغير علمه سبحانه؟! إذا كان يعلم بسقوط أوراق الشجر عبر الزمان والمكان فكيف بسقوط الصواريخ؟! sQoos.gifوَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ * وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ * قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ * قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ * وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ * لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ eQoos.gif[الأنعام:59-67].

     

    أيها المسلمون المعتزون بربهم! هذا الإله العظيم الجليل الكبير، هذا الإله الرحيم الكريم الودود يبشركم في كتابه، يقول صاحب العزة والجبروت: sQoos.gifوَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ eQoos.gif[الروم:47]، هكذا بهذه الصياغة العجيبة المعجزة: sQoos.gifوَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ eQoos.gif[الروم:47]، والله لو لم تنزل من آيات البشرى غيرها لكفت، هذا الإله القادر المقتدر يتعهد بنصر المؤمنين ويجعله حقاً عليه سبحانه، وحتى لا يشط الخيال بأحدنا، فيظن أن هذا نصر في الآخرة فقط بدخول الجنة، أما الدنيا فليسدها الكافرون، قال سبحانه: sQoos.gifإِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ eQoos.gif[غافر:51]، هكذا الوعد نصر في الدارين في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، إن وجد المؤمنون فلا بد لهم من نصر، هكذا وعد، وهو سبحانه لا يخلف الميعاد.

     

    استمعوا إلى قوله تعالى: sQoos.gifوَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ eQoos.gif[النور:55]، فإذا توفر الإيمان والعمل الصالح والعبادة الخالصة دون الشرك به سبحانه؛ كان الاستخلاف في الأرض، وكان التمكين للدين، وكان الأمن بعد الخوف، من الذي وعد بذلك؟ إنه جبار السماوات والأرض مالك الملك ذو الجلال والإكرام سبحانه.

     

    التصديق بما جاء عن النبي من المبشرات لهذه الأمة

    انظروا إلى هذه الصورة الرائعة الجلية في غزوة بني النضير، يقول سبحانه وتعالى: sqoos.gifهُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا eqoos.gif[الحشر:2]، أنتم أيها المؤمنون المقاتلون المجاهدون! لما رأيتم مناعة الحصون وبأسها ظننتم أن اليهود لن يهزموا: sqoos.gifمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا eqoos.gif[الحشر:2]، أي: اليهود، sqoos.gifأَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ eqoos.gif[الحشر:2]، ماذا حدث؟ sqoos.gifفَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ eqoos.gif[الحشر:2]، ثم ما هي الغاية؟ sqoos.gifفَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ eqoos.gif[الحشر:2]، الغاية من القصة أن نعتبر، القرآن ليس تأريخاً لما سبق، القرآن كتاب عظيم ينبض بالحياة ويهدي إلى صراط مستقيم.

     

    أيها المسلمون المعتزون برسولهم صلى الله عليه وسلم! ألم تسمعوا إلى قول رسولكم وحبيبكم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو يقول في الحديث الذي رواه الإمام مسلم رحمه الله: عن ثوبان رضي الله عنه: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها)؟ نعم يا إخوة! سيبلغ ملك المسلمين مشارق الأرض ومغاربها بكل ما تحمله الكلمة من معاني.

     

    ألم تسمعوا إلى قول مرشدكم وقدوتكم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو يقول في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والطبراني وابن حبان وصححه الألباني : عن تميم الداري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليبلغن هذا الأمر - يعني: الإسلام - ما بلغ الليل والنهار) ، أي: كل الأرض؟ وأي جزء في الأرض لا يبلغه الليل والنهار؟ (ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين)، والمدر: الحجر أي: بيوت المدن، والوبر: هو الشعر أي: بيوت البادية، فكل بيوت الأرض مدناً وباديةً سيدخلها الإسلام: (إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر) ، وعود من الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: sqoos.gifوَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى eqoos.gif[النجم:3-4].

     

    بل اسمع وتأمل: روى الإمام أحمد وصححه الألباني : عن أبي قبيل رحمه الله قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وسئل: أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق. قال: فأخرج منه كتاباً. قال: فقال عبد الله : (بينما نحن حول رسول الله نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولاً قسطنطينية أو رومية؟ فقال: مدينة هرقل) ، أي: قسطنطينية تفتح أولاً، والقسطنطينية: هي عاصمة الدولة الرومانية الشرقية آنذاك وهي اسطنبول الآن، ورومية هي روما، وكانت عاصمة الدولة الرومانية الغربية، وكانت هاتان المدينتان معاقل النصرانية في العالم.

     

    ويفهم من الحديث: أن الصحابة كانوا يعلمون منه صلى الله عليه وسلم أن كلتا المدينتين ستفتحان، لكن يسألون أي المدينتين تفتح أولاً، فبشر صلى الله عليه وسلم بفتح القسطنطينية أولاً وقد كان، وتحققت البشارة النبوية بعد أكثر من 800 سنة، وبالضبط في 20 جمادى الأولى سنة (857هـ) على يد الفتى العثماني المجاهد: محمد الفاتح رحمه الله، وستحدث البشارة الثانية لا محالة، وسيدخل الإسلام روما عاصمة إيطاليا.

    ولي على هذا الأمر تعليقان:

    التعليق الأول: إن بعض العلماء يعتقد أن فتح رومية -أو روما- سيكون بالدعوة إلى الإسلام وبإنشاء المراكز الإسلامية والمساجد فقط، والحق أن الحديث لم يشر إلى ذلك، وأرى أن قصر تفسير فتح رومية على الدعوة دون الجهاد هو نوع من الهزيمة النفسية، إذ هو لا يتخيل أنه بالإمكان أن يحرك المسلمون جيشاً لإيطاليا، فلتكن الدعوة إذاً هي التفسير للحديث، لكن سياق الحديث يوحي بأن الفتح سيكون جهاداً، وسياق الواقع كذلك يوحي بذلك، فقد فتحت القسطنطينية بعد حلقات متتالية من الجهاد المضني المستمر، وقد تفتح رومية بطريقة مشابهة؛ ولذلك جمعت مع القسطنطينية في حديث واحد: sqoos.gifوَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ eqoos.gif[ص:88].

     

    التعليق الثاني: إن محمد الفاتح رحمه الله كان يعد العدة ويجهز الجيوش فعلاً لفتح رومية؛ وذلك لاستكمال تحقيق البشارة النبوية، لكنه لم يوفق لذلك، وقد تعجبون مني حين أقول: إنني قد سعدت وحمدت الله على أنه لم يتم له فتح رومية؛ وذلك حتى تبقى بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعث الأمل في نفوسنا؛ وحتى يبقى لنا شيء نفتحه، وإلا فأين دورنا؟ أم ليس لنا دور غير التصفيق لأجدادنا الفاتحين؟ أبداً نحن إن شاء الله على دربك يا رسول الله! سائرون، ولما بقي يا محمد الفاتح ! إن شاء الله فاتحون، وليس وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدينتين فقط، فقد وعد كما ذكرنا بفتح الأرض جميعاً، ووعد ربنا بنصر المؤمنين، ولقد رأينا ذلك في صفحات تاريخنا، لا أقول: أياماً أو شهوراً أو سنوات، بل رأيناه قروناً عديدة، وكان المسلمون دائماً أقل عدداً وعدة.

     

    رأينا المسلمين ينصرون على عدوهم في بدر مع فارق العدد والعدة، انظروا إلى وصفه سبحانه وتصويره: sqoos.gifوَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ eqoos.gif[آل عمران:123]، رأينا المسلمين ينصرون في اليمامة بـ 12.000 ضد 40.000 من المرتدين، رأينا خالد بن الوليد يفتح العراق بـ 18.000 ألفاً من الرجال، فيدك حصون الفرس في 15 موقعة متتالية دون هزيمة، وكانت أقل جيوش الفرس 60.000 ، رأينا المسلمين في القادسية ينصرون بـ 32.000 من الرجال على 240.000 ألفاً من الفرس، رأينا المسلمين في نهاوند ينصرون بـ 30.000 على 150.000 من الفرس، رأينا المسلمين في تستر ينصرون بـ 30.000 على 150.000 من الفرس، حدث ذلك في موقعة تستر 80 مرة دون هزيمة، يلتقي المسلمون فيها مع الفرس فيهزمونهم، رأينا المسلمين ينصرون في اليرموك بـ 39.000 على 200.000 من الروم، رأينا المسلمين ينصرون في وادي .... في فتح الأندلس بـ 12.000 على 100.000 قوطي أسباني، رأينا ذلك وأمثاله مئات بل الآلاف من المرات.

     

    اقرءوا التاريخ يا إخوة! والله الذي لا إله إلا هو لا يوجد تاريخ في الأرض مثل تاريخ المسلمين، ولا يوجد دين مثل دين المسلمين، ولا يوجد رجال مثل رجال المسلمين، حتى السقطات التي كانت في تاريخ المسلمين أتبعت بقيام أقوى وأشد.

     

    قراءة التاريخ تبعث الأمل في قلوب المسلمين

    وتعالوا نقلب صفحات قلائل، بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ارتد الجزيرة العربية بكاملها إلا ثلاث مدن وقرية: المدينة ومكة والطائف وقرية هجر بالبحرين، ولم تكن الردة كما يعتقد البعض بمنع الزكاة فقط، بل ارتد كثيرون عن الإسلام بالكلية، ومنهم من فتن المسلمين في دينهم، ومنهم من قتل المسلمين، بل إن منهم من ادعى النبوة وليسوا بالقليلين، وعم الكفر جزيرة العرب، وأيس بعض الصحابة، فكان الموقف أشد مما نحن فيه الآن ألف مرة، حتى قال بعضهم: يا خليفة رسول الله! لا طاقة لنا بحرب العرب جميعاً. الزم بيتك وأغلق بابك واعبد ربك حتى يأتيك اليقين. ظنوا أنه لا أمل في القيام، لكن الله منّ على المسلمين بـأبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي قام كالأسد الهصور يردد قولة لو قالها المسلمون لسادوا الدنيا جميعاً، قال: أينقص الدين وأنا حي؟! أينقص الدين وأنا حي؟! أقاتلهم وحدي حتى تنفرد سالفتي، وقام وقام معه المسلمون. فما هو إلا عام من الجهاد والقتال والنزال، حتى أشرقت الأرض من جديد بنور ربها، وأسلمت الجزيرة العربية بكاملها، بل وأخذ أبو بكر الصديق قرارً أحسب أنه أعجب القرارات في التاريخ وهو: إخراج جيشين من جزيرة العرب جيش لفتح بلاد فارس، وجيش لفتح بلاد الروم، عجباً عجباً لك أيها الجبل! دولتان تقتسمان العالم ودولة صغيرة خارجة من حرب أهلية مدمرة! لكنه يا إخوة! موعود صادق: sQoos.gifوَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ eQoos.gif[الروم:47]، ويفتح الله له الدولتين، وتكون انتصارات بلا هزائم، وتمكين بلا ضعف، وأمن بلا خوف.

     

    أسمعتم يا إخوتي! عن ملوك الطوائف؟ أرأيتم كيف قسمت بلاد الأندلس إلى أكثر من عشرين دويلة صغيرة متناحرة مع أختها؟ أرأيتم العمالة والخيانة والخزي والعار؟ أرأيتم السفه والمجون؟ ثم أرأيتم ما شابه ذلك في بلاد المغرب والجزائر والسنغال وموريتانيا في قبائل البربر؟ أرأيتم الزنا كيف فشا؟ والخمور كيف انتشرت؟ أرأيتم السلب والنهب كيف طغى على الأرض؟ ثم جاء رجل واحد يدعى الشيخ: عبد الله بن ياسين يدعو إلى الله على بصيرة، ويربي ويعلم ويجاهد ويصابر، فإذا الرجل رجلان، والرجلان أربعة، والأربعة ألف وألفان وعشرة آلاف، وإذا البلاد تفتح والإسلام ينتشر ودولة المرابطين تقوم، وإذا رجلين وكأنهما ملكان يوسف بن تاشفين وأبو بكر بن عمر يعلمان ويربيان ويجاهدان ويصابران، فإذا بالدولة تتسع، والخير يعم، ويدخل في الإسلام ثلث أفريقيا، ويصبح الجيش 100.000 فارس في الشمال، و500.000 جندي في الجنوب، وإذا بالجيوش تعبر إلى الأندلس فتعيد البسمة إلى شفاه المسلمين، وتشفي صدور قوم مؤمنين وتذهب غيظ قلوبهم، وتذل الشرك وأهله، وتعز الإسلام وحزبه، وتنصر في الزلاّقة بـ 30.000، يهلكون 60.000 من القوط الأسبان، أرأيتم كيف تكون طاقة الإسلام؟ أرأيتم كيف يكون رجال الإسلام؟ أرأيتم كيف يكون شرع الإسلام؟

     

    ولماذا نذهب بعيداً؟ هل أتاكم نبأ فلسطين؟ لماذا الجزع من احتلال دام 50 سنة؟ ألم تسمعوا عن حملات الصليبيين التسع البشعة؟ ألم تعلموا أنهم مكثوا في أرض فلسطين محتلين لها مائتين من السنين، وفي بيت المقدس 92 سنة، ألم تقرءوا أنهم قتلوا في بيت المقدس 70.000 من المسلمين؟ وكانوا يسيرون في دماء المسلمين إلى ركبهم، ثم ألم تر كيف فعل ربك بالصليبيين؟ دارت دورتهم في التاريخ وانتهت دولتهم البشعة القذرة، وقام رجال متوضئون متطهرون، قارئون لكتابهم، خاشعون في صلاتهم، حاملون لسيوفهم معتمدون على ربهم، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، قام رجال أمثال: عماد الدين زنكي ونور الدين محمود الشهيد وصلاح الدين الأيوبي ، قاموا يحرصون على الموت فوهبت لهم الحياة، قاموا يتزينون للجنة، فتزينت الجنة لهم، قاموا مع الله فكان الله معهم، صدقهم الله وعده، ونصر عباده، وأعز جنوده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا هو سبحانه فكانت حطين وكان ما بعد حطين، وكانت أياماً تشرف التاريخ بتدوينها.

     

    الصحوة الإسلامية المعاصرة وانتشار الإسلام في ربوع الأرض ودورهما في إزالة الإحباط

    ولماذا نقلب في التاريخ فقط؟ أليس في واقعنا ما يشهد لوعد ربنا بالتحقيق؟ نعم. والله1 رأينا وسمعنا ونحن على ذلك من الشاهدين، واعقدوا معي مقارنة بين واقعنا الآن وواقعنا منذ أربعين سنة، وهي ليست في عمر الأمم بشيء، أرأيتم الصلاة في المساجد؟ أرأيتم زوّار المساجد وعمارها من هم؟ وكيف أعدادهم؟ كنا في القديم لا نشاهد إلا أرباب المعاشات وقليل ما هم، أما الآن فالمساجد أكثر من أن تحصى، وعمارها كذلك جلهم من الشباب والأطفال، ألا ينبئ ذلك بمستقبل لهذا الدين؟ أرأيتم الحج والعمرة؟ ملايين! من المسلمين في كل عام من كل حدب وصوب؟ أعلمتم أنه أصبح من المستحيل أن تجد الكعبة خالية من الزوار والطوّاف، أرأيتم اشتياق الرجال والنساء والشيوخ والشباب إلى الحج والعمرة؟ أرأيتم الحجاب وانتشاره؟ في الستينات في الجامعة المصرية لم يكن هناك إلا فتاة واحدة محجبة فقط، ثم دارت الأيام فإذا دخلتم الجامعة الآن ونظرتم إلى النصف المملوء من الكوب بروح التفاؤل وجدتم الآلاف من الفتيات مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات، أما إذا نظرتم إلى نصف الكوب الفارغ فسيدخل في روعكم ما نحن بصدد دفعه، أرأيتم إلى الانتخابات في النقابات والاتحادات وغيرها؟ ألم تلمسوا تعاطفاً وحباً وتضامناً مع من رفع الإسلام شعاراً واتخذه منهجاً وإماماً؟ ألم تشاهدوا بأعينكم كيف يختار المسلمون المسلمين دون أن يعرفوا أشخاصهم لا لشيء إلا لأنهم فقط يعتزون بإسلامهم؟ أرأيتم معارض الكتاب؟ ألم تلحظوا أن أكثر الكتب مبيعاً هي الكتب الإسلامية؟ وأن أشد الأجنحة زحاماً هي الأجنحة الإسلامية؟ وأن أكبر الدور إنتاجاً هي الدور الإسلامية؟ بل أرأيتم كيف أن كل الفئات على اختلاف توجهاتها تحاول الآن أن تلعب بورقة الإسلام حتى وإن كانوا لا يرغبونه؟ وذلك لعلمهم بأن هوى الناس وميلهم أصبح للشرع والإسلام.

    نعم. والله! رأينا.. رأينا أحزاباً علمانية تعلن في برامجها أطروحات إسلامية، رأينا بنوكاً ربوية تفتح فروعاً للمعاملات الإسلامية، رأينا محلات لتصفيف الشعر للنساء تفتح أقساماً للمحجبات، رأينا برامج تلفزيونية ما كانت تحادث إلا فنانين وفنانات، وراقصين وراقصات، بدأت تروّج لبرامجها باستضافة علماء المسلمين، رأينا كل ذلك وغيره، وسوف تحمل الأيام المزيد.

     

    ثم تعال يا أخي! ندقق النظرة ونوسع المدارك ونخرج للساحة العالمية! ألم تسمع إلى نصر الأفغان على الروس: sQoos.gifفِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ eQoos.gif[الروم:4-6]؟

    إياك إياك أن تظن أن الروس هزموا لجبال أفغانستان الوعرة، بل هزموا لأن الله هزمهم، وردوا لأن الله ردهم عندما رأى من أهلها رجالاً أمثال الجبال أو أقوى من الجبال.

    ألم تشاهدوا جنود إسرائيل يرقصون طرباً ويهللون فرحاً؛ لأنهم فروا كالجرذان وهربوا كالقطيع بمقاومة شعبية قادها حزب الله في بلد صغير كلبنان خرج من حروب أهلية إلى أزمات اقتصادية؟ ألم تشاهدوا كيف احتلت جمهوريات إسلامية بقيصرية روسية ثم بشيوعية بلشفية ما يزيد على 300 عام، قهر وتعذيب وتشريد وتذبيح، حمل المصحف جريمة يعاقب عليها القانون، الإيمان بالله ينكرونه، والإيمان برسوله يجحدونه، ثم تمر السنوات ويولي الليل وتشرق الشمس، فإذا بشعوب ما زالت مسلمة، وبقلوب ما زالت مؤمنة، وبأيد ما زالت متوضئة، وجباه ما زالت ساجدة، فعل من هذا؟ إنه فعل الله الذي وعد: sQoos.gifوَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ eQoos.gif[الروم:47].

    ثم تعال معي يا أخي! أبعد من ذلك. أرأيت أمريكا كيف كان بها بضعة آلاف مسلم في الستينات، ثم هم الآن 8.000.000 مسلم؟! والله يا إخوة! رأيت في مدينة شقة كانت تستخدم مسجداً في السبعينات فإذا بالأيام تمر فرأيت في المدينة عشرة مساجد، أرأيت الجاليات الإسلامية في الغرب؟ أسمعت عن مدارسها؟ عن مساجدها؟ عن مراكزها؟ عن جرائدها؟ عن مؤتمراتها؟ عن شركاتها؟ أعلمت يا أخي! أن دين الإسلام هو أسرع الأديان نمواً في العالم الآن؟ أعلمت أن موقعاً إسلامياً على الإنترنت يدخله يومياً مليونان من الزائرين، منهم مليون في أمريكا وحدها؟ أليس هذا فتحاً ونصراً وعزاً وأملاً؟

     

    النظر في مصير أهل الكفر وما يصيبهم من عذاب الله الدنيوي

    يا إخواني ويا أحبابي! من تقاتلون وأي الأقوام تحاربون؟ أليسوا اليهود ومن عاونهم؟ أليسوا الذين قال عنهم ربنا: sQoos.gifضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا eQoos.gif[آل عمران:112]؟ أليسوا الذين قال عنهم ربنا: sQoos.gifلا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ eQoos.gif[الحشر:14]؟ أليسوا الذين قال عنهم ربنا: sQoos.gifوَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا eQoos.gif[البقرة:96]؟ هؤلاء هم اليهود: sQoos.gifأَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ eQoos.gif[التوبة:13-15]، إن كان اليهود أو كانت الأرض جميعاً معهم أتخشونهم؟ أتخشون كثرتهم وأحزابهم وتجمعهم؟ ألم يخاطبهم الله وأمثالهم بقوله: sQoos.gifوَلَنْ تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ eQoos.gif[الأنفال:19]؟ أتخشون عدتهم؟ ألم يقل ربنا: sQoos.gifقُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ eQoos.gif[آل عمران:12]؟ أتخشون أموالهم؟ ألم يقل ربنا: sQoos.gifإِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ eQoos.gif[الأنفال:36]؟ أتخشون عقولهم وجوارحهم؟ ألم يصفهم ربنا بقوله: sQoos.gifلَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ eQoos.gif[الأعراف:179].

    هل تظنون أيها الإخوة المسلمون! أن حياة هؤلاء نصر بلا هزيمة وعز بلا ذل؟ شاهدنا أمريكا المتكبرة تخرج مهرولة ومولولة من فيتنام التي لا ترى على الخارطة بـ 59.000 ألف قتيل.

     

    وشاهدناها مرة ثانية ومرة ثالثة تخرج بنفس الهرولة والولولة من الصومال ولبنان، شاهدنا مفاعل تشرنوبل المحكم ينفجر ويلوث الآلاف من الأفدنة، شاهدنا صاروخاً أسموه تشالنجر أو المتحدي قالوا عنه: إنهم بلغوا فيه حد الكمال، تعالى الله عما يشركون: sQoos.gifوَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ eQoos.gif[يونس:24]، انفجر الصاروخ الكامل بعد ثوان معدودات من إطلاقه وأمام أعينهم؛ ليزيد من حسرتهم.

     

    شاهدنا فيضاناً يغرق مدينة في ساعتين، مدينة نيوأورليانز في أمريكا في مايو سنة (1995م): sQoos.gifفَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ eQoos.gif[القمر:11-12]، شاهدنا عاصفة ثلجية تدفن السيارات تماماً وتغلق الشوارع وتوقف الحياة ثلاثة أيام متصلة في نيويورك المدينة العصرية الحديثة.

    شاهدنا إعصاراً يحمل سيارات النقل الضخمة ويقذف بها فوق المنازل، شاهدنا ريحاً صرصراً في يوم نحس مستمر تقلع الشجر في الغابات، وتمحو الحياة في لحظات، شاهدنا ذلك ولكن يا للحسرة! لم نشاهد هناك مدّكراً، شاهدنا مجتمعاً مهلهلاً مفككاً منحطاً يعيش على الرذيلة ولا يهتم بالفضيحة، أهواؤه تسيره ورغباته تحركه وشهواته تسيطر عليه وتدمره.

     

    انظروا معي إلى هذه الأرقام تصف حال المراهقين الأمريكان الذين لم يبلغوا بعد ثمانية عشر عاماً من العمر والذين سيحكمون بلادهم بعد عشر سنوات:

    55% من هؤلاء الشباب ارتكبوا جريمة الزنا، ترتفع النسبة إلى 80% في المدن الكبرى، وتنخفض إلى 33% في المناطق الريفية، أي: أن أشرف مناطق أمريكا يرتكب فيها الزنا بنسبة 33%، هذا تحت الثامنة عشرة من العمر. فإذا صعدنا فوق ذلك قاربت النسبة 90%، 350.000 حالة حمل بدون زواج كل عام لبنات أصغر من ثمانية عشر عاماً، وهذا عدد أقل بكثير من الحقيقي، وذلك لكثرة الإجهاض.

    24% من العائلات الأمريكية ليس فيها أب؛ إما لأن الأم لا تعرف الأب؛ لأنها ارتكبت الزنا مع أكثر من رجل؛ وإما بسبب الطلاق، و40% من الشباب المراهق يجربون المخدرات، أما الخمور فحدث ولا حرج، الرقم أكبر من أن يحصى، الجرائم زادت في مدينة دالاس الأمريكية بنسبة 70% في عام واحد.

    السبب الثالث للوفاة في المراهقين هو الانتحار، الانتحار هو السبب الثالث للوفاة في المراهقين الذين سيحكمون أمريكا بعد ذلك، أمريكا وحدها تسجل 32.000 حالة انتحار كل عام.

    المرض بالقمار الإجباري -أي: إدمان القمار- واحد من كل سبعة من المراهقين لا يستطيع أن يتخلى عن القمار.

    العنصرية في أمريكا على أشد ما تكون في داخل أمريكا، والتفرقة بين السود والبيض تلمس يومياً، وشتان بين منازل وشوارع ومدارس ومحال البيض ومثيلاتها عند السود، أمريكا تعيش على بركان من العنصريات، واذكروا ثورة السود في كاليفورنيا قبل عدة سنوات، هذه هي أمريكا يا إخوة! من الداخل، هذا هو مجتمع أمريكا المهلهل الذي نخشاه.

     

    استنشاق رياح النصر بصبر المسلمين وثباتهم

    أخي وحبيبي ورفيقي في طريق الله! أتشك في نصر على قوم كهؤلاء؟! أتشك في نصر على جيش غالبيته من الزناة والشواذ؟! أتشك في نصر على جيش أشرب في قلبه حب الخمور والمنكرات؟!

    أخي وحبيبي ورفيقي في طريق الله! sQoos.gifلا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ eQoos.gif[آل عمران:196-197]، sQoos.gifوَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ eQoos.gif[الأنفال:59].

     

    أخي! يا من تظن أن النصر قد تأخر. اعلم أن النصر لا يأتي إلا بعد أشد لحظات المجاهدة، ألم تسمع إلى قوله تعالى: sQoos.gifحَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا eQoos.gif[يوسف:110]، أي: ظن أقوامهم الكفار أن الرسل قد كذبوا: sQoos.gifجَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ eQoos.gif[يوسف:110]، في هذه اللحظة التي ظن فيها الجميع الرسول وقومه أن الأمر قد وصل إلى نهايته في التكذيب والظلم والإعراض والشك، في هذه اللحظة التي وصل فيها الأذى للدعاة مداه، وقد ثبت الدعاة على مبادئهم، هنا في هذه اللحظة فقط جاءهم نصرنا، اسمع أيضاً إلى قوله تعالى: sQoos.gifأَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ eQoos.gif[البقرة:214]، ماذا حدث للذين من قبلكم؟ sQoos.gifمَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ eQoos.gif[البقرة:214]، في هذه اللحظة التي بلغ فيها السيل الزبى، وبلغ الصبر نهايته، في هذه اللحظة المجيدة يقول سبحانه: sQoos.gifأَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ eQoos.gif[البقرة:214].

     

    نعم. sQoos.gifأَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ eQoos.gif[البقرة:214]، ألم تلاحظ في السيرة النبوية أن أشد لحظات الابتلاء للمؤمنين كانت في غزوة الأحزاب حيث وصفها ربنا بقوله: sQoos.gifوَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا eQoos.gif[الأحزاب:10-11]، ألم تلحظ أنه بعد غزوة الأحزاب دخل المسلمون في فتح يتلوه فتح؟ بعد أشد لحظات المجاهدة جاءت الحديبية ثم مكة ثم الطائف ثم جزيرة العرب بكاملها، أمجاد تعقبها أمجاد، وأيام نصر وفرح وتمكين.

    أخي! يا من تظن أن النصر قد تأخر. اعلم أن الأدب مع الله يقتضي عدم استعجاله، وأن حكمة الله البالغة اقتضت أن يختبر أحبابه وأصفياءه، وأن النصر يأتي في وقت يعلم الله فيه أن خير المؤمنين أصبح في النصر وليس في انتظار النصر.

    يروي البخاري : عن خباب بن الأرت رضي الله عنه أنه قال: (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟) ألم شديد وإيذاء عظيم، جلد وحرق وخنق وشنق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون) ، سبحان الله! تستعجلون بعد كل هذا التعذيب في مكة، كان خباب بن الأرت يستعجل؟ نعم. ما زال هناك أشياء أخرى، ما زال هناك ترك للمال وترك للأهل وترك للديار، ما زال هناك صراع ونزال، ما زال هناك جهاد وشهادة.

     

    أخي! يا من تظن أن النصر قد تأخر. اعلم أن النصر لا يأتي إلا بيقين لا يساوره شك ولا تخالطه ريبة: sQoos.gifمَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ eQoos.gif[الحج:15]، أرأيت صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كانوا في الأحزاب لا يأمنون على شيء؟ كيف كانوا محاصرين ومهددين؟ ثم هم يستمعون إلى بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمور تفوق الخيال، فإذا هم مصدقون وبالبشرى موقنون، انظروا كيف يحكي البراء رضي الله عنه: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يضرب الحجر ويقول: بسم الله، ثم ضرب ضربة وقال: الله أكبر! أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمراء الساعة، ثم ضرب الثانية فقطع آخر فقال: الله أكبر! أعطيت فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن، ثم ضرب الثالثة فقال: بسم الله، فقطع بقية الحجر فقال: الله أكبر! أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني) ، والصحابة في هذا الحصار يستمعون إلى بشرى فتح الشام وفارس واليمن، ويصدقون عن يقين، وكأنهم يرونه رأي العين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

     

    أخي! يا من تظن أن النصر قد تأخر. اعلم أن الأجر غير مرتبط بالنصر، ولكن بالعمل: sQoos.gifمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ eQoos.gif[النحل:97]، واعلم أنه كلما حسن عملك عظم أجرك، وكلما زاد جهدك كمل ثوابك، وأنك إن لم تر النصر بعينيك فسيراه أبناؤك وأحبابك.

     

    إخواني وأحبابي! أحمل لكم آية عجيبة وكل آيات الله عجيب، كنز من كنوز المنّان وعطية من عطايا الرحمن: sQoos.gifوَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ eQoos.gif[آل عمران:139]، أتعلمون أيها الإخوة! متى نزلت هذه الآية؟ نزلت بعد أحد، هل كان نزولها بعد هزيمة؟ نعم. ليعلم الله المؤمنين أن العزة والعلو لا يتأثران بهزيمة مرحلية ولا يرتبطان بنصر مرئي، ولا يعتمدان على تمكين مشاهد؛ ليعلم الله المؤمنين أن الأيام دول، وأن للتاريخ دورات، فلهذا دورة ولهذا دورة، أما الدورة الأخيرة فللمؤمنين.

    أيها المؤمنون عباد الله! أنتم الأعلون؛ لأن إلهكم الله الذي لا إله إلا هو سبحانه قال: sQoos.gifوَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا eQoos.gif[فاطر:44].

     

    أنتم الأعلون؛ لأنكم أتباع النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم خير الخلق وسيد الرسل، والماحي الذي يمحي الله به الكفر، والحاشر الذي يحشر الناس على قدمه، والعاقب الذي ليس بعده نبي صلى الله عليه وسلم.

     

    أنتم الأعلون؛ لأن كتابكم القرآن فيه نبأ من قبلكم ونبأ ما يأتي بعدكم، وحكم ما بينكم، من خالفه من الجبابرة قصمه الله عز وجل، ومن ابتغى العلم في غيره أضله الله عز وجل، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، وشفاؤه النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يعوجّ فيقوّم، ولا يزيغ فيستقيم، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق من كثرة الرد.

    أيها المؤمنون! أنتم الأعلون؛ لأن شريعتكم الإسلام ديناً ودنيا، جسداً وروحاً، عقلاً وقلباً، ما ترك الله في شريعته من شيء إلا وضحه وبينه: sQoos.gifالْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا eQoos.gif[المائدة:3].

    أنتم الأعلون؛ لأنكم الأكمل أخلاقاً: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ، أنتم الأعلون؛ لأنكم الأقوى رابطة: sQoos.gifلَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ eQoos.gif[الأنفال:63]، أنتم الأعلون؛ لأن الملائكة تثبتكم: sQoos.gifإِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا eQoos.gif[الأنفال:12]، أنتم الأعلون؛ لأن الطمأنينة في قلوبكم: sQoos.gifوَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ eQoos.gif[آل عمران:126].

    أيها المؤمنون! أنتم الأعلون؛ لأن الجنة موعدكم: sQoos.gifإِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ eQoos.gif[المؤمنون:109-111]، أنتم أيها المؤمنون! الفائزون.

     

    وختاماً: أخي وحبيبي ورفيقي في طريق الله! يا مسلم يا عبد الله! يا من سيناديك الحجر والشجر بلسان الحال أو بلسان المقال بكليهما نؤمن ونصدق، يا مسلم يا عبد الله! جفّف دمعك، واجبر كسرك، وارفع رأسك، واعلم أن الأيام القادمة لك لا عليك، وأن المستقبل لدينك لا لدين غيرك، وأن العاقبة للمتقين، واعلم أيضاً أن مع الصبر نصراً، وأن مع العسر يسراً، وأن أنوار الفجر لا تأتي إلا بعد أحلك ساعات الليل، وأن الله ناصرك ما دمت ناصره، ومعك ما دمت معه، وهاديك إلى سبيله ما دمت مجاهداً في سبيله: sQoos.gifوَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ eQoos.gif[العنكبوت:69].

    sQoos.gifفَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ eQoos.gif[غافر:44].

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم

     

    المكتبة الشاملة

    لقراءة الكتاب من هذا الرابط

    https://shamela.ws/book/37380

     


  24. مهما تعالت صرخات الثكالى وأنات الجرحى من المسلمين، ومهما تكالب أعداء الأمة على مقدساتها وحرماتها، وسيطروا على فلسطين وغيرها فإن العقبى للمسلمين والنصر للمجاهدين الصادقين، والتاريخ حافل بانتصارات المسلمين في مواقع كثيرة، وحافل بالعذاب النازل من الله على أعدائه في الدنيا والآخرة.

     

    الناظر إلى بلاد المسلمين يجد أن كثيراً من أبناء المسلمين قد أصابهم الإحباط من واقع المسلمين، ويئسوا من أن تقوم لأمة الإسلام قائمة من جديد، وقنطوا من أن يواجهوا عدواً صارخ العداء مثل اليهود ومن معهم.

     

    كثير من أبناء المسلمين يعتقدون أن سيادة المسلمين للعالم كانت تاريخاً، وأن المستقبل قد يكون للشرق أو للغرب، ولكن حتماً أو غالباً ليس للمسلمين، وأكثر هذه الطائفة تفاؤلاً يعتقد أنه لو كان الإسلام سيعود من جديد لصدارة الأمم فإن هذا سيكون بعد عمر مديد وأجل بعيد لا نراه نحن ولا أبناؤنا ولا حتى أحفادنا.

    في هذا الجو من الإحباط واليأس يستحيل على المسلمين أن يفكروا في قضية فلسطين فضلاً عن أن يسهموا في حلها، ومن ثم فإن حديثنا اليوم يتناول الوسيلة الثانية من وسائل حل قضية فلسطين ألا وهي: قتل الانهزامية والإحباط في نفوس المسلمين.

     

    وإنه لمن العجب حقاً أن تحبط أمة تملك كتاباً مثل القرآن! وسنة مثل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم! وإنه لمن العجب حقاً أن ييأس شعب له تاريخ مثل تاريخ المسلمين! وله رجال أمثال رجال المسلمين! وإنه لمن العجب حقاً أن قوماً يمتلكون مقدرات كمقدرات المسلمين! وكنوزاً مثل كنوز المسلمين! عجيب حقاً أن تقنط هذه الأمة، وقد قال ربها في كتابه: sQoos.gifوَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ eQoos.gif[الحجر:56]، لكنها حقيقة مشاهدة وواقع لا ينكر، والواقع أن غياب الأمل وضياع الحلم وانحطاط الهدف كارثة مروّعة حلّت على المسلمين، ومصيبة مهولة لا يرجى في وجودها نجاة، لا بد أن الذي زرع اليأس في قلوب بعض المسلمين هو أمر تعاظم في النفوس الواهنة، وحدث أكبرته القلوب الضعيفة فخضعت حصول خضوعاً مذلاً، وركعت حين كان يرجى لها القيام.

     

    وسائل معينة على تجاوز الإحباط والتخلص من الانهزامية

    الإيمان الصادق بموعود الله عز وجل لعباده المؤمنين

    نتيجة هذه الجرائم والمؤامرات أحبط كثير من المسلمين إحباطاً شديداً ورضخوا للواقع، وقنعوا بالسير في ذيل الحضارة الغربية.

    مع ضخامة المؤامرة وبشاعة الكيد فإني أعود من جديد وأتعجب: كيف يمكن أن تحبط أمة تمسك في يديها بكتاب القرآن؟!

    ألم تسمعوا إلى قوله سبحانه وتعالى: sQoos.gifوَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ eQoos.gif[الأنفال:30]، يا إخوتي وأحبابي! كل ما ذكرناه من جرائم ومكائد ومؤامرات وتزوير وتشويه وخيانات وعمالات ونفاق وكذب، كل هذا يدخل تحت كلمة: sQoos.gif ويمكرون eQoos.gif، خذ الجانب الآخر من المقابلة: sQoos.gifوَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ eQoos.gif[الأنفال:30]، فالله يا إخوة! يقابل مكرهم بمكره: sQoos.gifوَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ eQoos.gif[الزمر:67].

     

    أيها المسلمون! إن كان أصابكم شيء من الإحباط؛ فلكونكم لم تفهموا المعركة على حقيقتها، ولم تدركوا الصدام بكامل أبعاده، هي ليست حرباً بين المسلمين والكافرين وإن كان ظاهرها كذلك، إنما هي في حقيقتها حرب بين الله وبين من مرق عن طريقه وكفر بعبادته، وارتضى غيره حكماً وقبل غير كتابه شرعاً، هي حرب بين الله وبين طرف صغير حقير من مخلوقاته سبحانه، لكن الله من رحمته بالمؤمنين ومن كرمه عليهم منّ عليهم بأن جعلهم جنده وحزبه وأولياءه، فالمؤمنون يقفون أمام الكافرين ملتزمين بمنهج ربهم في وقوفهم، وكما أمرهم يفعلون لا يترددون ولا يفرون، واثقين بوعده راغبين في جنته، راهبين لناره، مخلصين له، معتمدين عليه، لاجئين إليه، إن فعلوا ذلك كان هو سبحانه جلت قدرته وتعاظمت أسماؤه المدافع عنهم، الحامي لهم المؤيد لقوتهم، الناصر لجيشهم، الناشر لفكرتهم، المنتقم من عدوهم.

    واسمعوا وأنصتوا لقوله سبحانه وتعالى حتى تفهموا حقيقة المعركة: sQoos.gifفَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى eQoos.gif[الأنفال:17]، sQoos.gifإِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا eQoos.gif[الطارق:15-16]، سبحانه وتعالى: sQoos.gifوَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ eQoos.gif[النمل:50-51].

     

    أيها المسلمون المعتزون بإسلامهم! هل تعلمون لمن تعملون؟ وإلى أي ركن تأوون؟ إنكم تعملون لله، وتأوون إلى ركن شديد سبحانه، إذا جلس المتآمرون في جنح الظلام يدبرون ويخططون هل هم بعيدون عن عينه سبحانه؟ sQoos.gifيَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ eQoos.gif[لقمان:16]، أو إذا أطلق المتآمرون صاروخاً أو رصاصة أتسقط بغير علمه سبحانه؟! إذا كان يعلم بسقوط أوراق الشجر عبر الزمان والمكان فكيف بسقوط الصواريخ؟! sQoos.gifوَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ * وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ * قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ * قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ * وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ * لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ eQoos.gif[الأنعام:59-67].

     

    أيها المسلمون المعتزون بربهم! هذا الإله العظيم الجليل الكبير، هذا الإله الرحيم الكريم الودود يبشركم في كتابه، يقول صاحب العزة والجبروت: sQoos.gifوَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ eQoos.gif[الروم:47]، هكذا بهذه الصياغة العجيبة المعجزة: sQoos.gifوَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ eQoos.gif[الروم:47]، والله لو لم تنزل من آيات البشرى غيرها لكفت، هذا الإله القادر المقتدر يتعهد بنصر المؤمنين ويجعله حقاً عليه سبحانه، وحتى لا يشط الخيال بأحدنا، فيظن أن هذا نصر في الآخرة فقط بدخول الجنة، أما الدنيا فليسدها الكافرون، قال سبحانه: sQoos.gifإِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ eQoos.gif[غافر:51]، هكذا الوعد نصر في الدارين في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، إن وجد المؤمنون فلا بد لهم من نصر، هكذا وعد، وهو سبحانه لا يخلف الميعاد.

     

    استمعوا إلى قوله تعالى: sQoos.gifوَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ eQoos.gif[النور:55]، فإذا توفر الإيمان والعمل الصالح والعبادة الخالصة دون الشرك به سبحانه؛ كان الاستخلاف في الأرض، وكان التمكين للدين، وكان الأمن بعد الخوف، من الذي وعد بذلك؟ إنه جبار السماوات والأرض مالك الملك ذو الجلال والإكرام سبحانه.

     

    التصديق بما جاء عن النبي من المبشرات لهذه الأمة

    انظروا إلى هذه الصورة الرائعة الجلية في غزوة بني النضير، يقول سبحانه وتعالى: sqoos.gifهُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا eqoos.gif[الحشر:2]، أنتم أيها المؤمنون المقاتلون المجاهدون! لما رأيتم مناعة الحصون وبأسها ظننتم أن اليهود لن يهزموا: sqoos.gifمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا eqoos.gif[الحشر:2]، أي: اليهود، sqoos.gifأَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ eqoos.gif[الحشر:2]، ماذا حدث؟ sqoos.gifفَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ eqoos.gif[الحشر:2]، ثم ما هي الغاية؟ sqoos.gifفَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ eqoos.gif[الحشر:2]، الغاية من القصة أن نعتبر، القرآن ليس تأريخاً لما سبق، القرآن كتاب عظيم ينبض بالحياة ويهدي إلى صراط مستقيم.

     

    أيها المسلمون المعتزون برسولهم صلى الله عليه وسلم! ألم تسمعوا إلى قول رسولكم وحبيبكم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو يقول في الحديث الذي رواه الإمام مسلم رحمه الله: عن ثوبان رضي الله عنه: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها)؟ نعم يا إخوة! سيبلغ ملك المسلمين مشارق الأرض ومغاربها بكل ما تحمله الكلمة من معاني.

     

    ألم تسمعوا إلى قول مرشدكم وقدوتكم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو يقول في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والطبراني وابن حبان وصححه الألباني : عن تميم الداري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليبلغن هذا الأمر - يعني: الإسلام - ما بلغ الليل والنهار) ، أي: كل الأرض؟ وأي جزء في الأرض لا يبلغه الليل والنهار؟ (ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين)، والمدر: الحجر أي: بيوت المدن، والوبر: هو الشعر أي: بيوت البادية، فكل بيوت الأرض مدناً وباديةً سيدخلها الإسلام: (إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر) ، وعود من الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: sqoos.gifوَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى eqoos.gif[النجم:3-4].

     

    بل اسمع وتأمل: روى الإمام أحمد وصححه الألباني : عن أبي قبيل رحمه الله قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وسئل: أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق. قال: فأخرج منه كتاباً. قال: فقال عبد الله : (بينما نحن حول رسول الله نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولاً قسطنطينية أو رومية؟ فقال: مدينة هرقل) ، أي: قسطنطينية تفتح أولاً، والقسطنطينية: هي عاصمة الدولة الرومانية الشرقية آنذاك وهي اسطنبول الآن، ورومية هي روما، وكانت عاصمة الدولة الرومانية الغربية، وكانت هاتان المدينتان معاقل النصرانية في العالم.

     

    ويفهم من الحديث: أن الصحابة كانوا يعلمون منه صلى الله عليه وسلم أن كلتا المدينتين ستفتحان، لكن يسألون أي المدينتين تفتح أولاً، فبشر صلى الله عليه وسلم بفتح القسطنطينية أولاً وقد كان، وتحققت البشارة النبوية بعد أكثر من 800 سنة، وبالضبط في 20 جمادى الأولى سنة (857هـ) على يد الفتى العثماني المجاهد: محمد الفاتح رحمه الله، وستحدث البشارة الثانية لا محالة، وسيدخل الإسلام روما عاصمة إيطاليا.

    ولي على هذا الأمر تعليقان:

    التعليق الأول: إن بعض العلماء يعتقد أن فتح رومية -أو روما- سيكون بالدعوة إلى الإسلام وبإنشاء المراكز الإسلامية والمساجد فقط، والحق أن الحديث لم يشر إلى ذلك، وأرى أن قصر تفسير فتح رومية على الدعوة دون الجهاد هو نوع من الهزيمة النفسية، إذ هو لا يتخيل أنه بالإمكان أن يحرك المسلمون جيشاً لإيطاليا، فلتكن الدعوة إذاً هي التفسير للحديث، لكن سياق الحديث يوحي بأن الفتح سيكون جهاداً، وسياق الواقع كذلك يوحي بذلك، فقد فتحت القسطنطينية بعد حلقات متتالية من الجهاد المضني المستمر، وقد تفتح رومية بطريقة مشابهة؛ ولذلك جمعت مع القسطنطينية في حديث واحد: sqoos.gifوَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ eqoos.gif[ص:88].

     

    التعليق الثاني: إن محمد الفاتح رحمه الله كان يعد العدة ويجهز الجيوش فعلاً لفتح رومية؛ وذلك لاستكمال تحقيق البشارة النبوية، لكنه لم يوفق لذلك، وقد تعجبون مني حين أقول: إنني قد سعدت وحمدت الله على أنه لم يتم له فتح رومية؛ وذلك حتى تبقى بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعث الأمل في نفوسنا؛ وحتى يبقى لنا شيء نفتحه، وإلا فأين دورنا؟ أم ليس لنا دور غير التصفيق لأجدادنا الفاتحين؟ أبداً نحن إن شاء الله على دربك يا رسول الله! سائرون، ولما بقي يا محمد الفاتح ! إن شاء الله فاتحون، وليس وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدينتين فقط، فقد وعد كما ذكرنا بفتح الأرض جميعاً، ووعد ربنا بنصر المؤمنين، ولقد رأينا ذلك في صفحات تاريخنا، لا أقول: أياماً أو شهوراً أو سنوات، بل رأيناه قروناً عديدة، وكان المسلمون دائماً أقل عدداً وعدة.

     

    رأينا المسلمين ينصرون على عدوهم في بدر مع فارق العدد والعدة، انظروا إلى وصفه سبحانه وتصويره: sqoos.gifوَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ eqoos.gif[آل عمران:123]، رأينا المسلمين ينصرون في اليمامة بـ 12.000 ضد 40.000 من المرتدين، رأينا خالد بن الوليد يفتح العراق بـ 18.000 ألفاً من الرجال، فيدك حصون الفرس في 15 موقعة متتالية دون هزيمة، وكانت أقل جيوش الفرس 60.000 ، رأينا المسلمين في القادسية ينصرون بـ 32.000 من الرجال على 240.000 ألفاً من الفرس، رأينا المسلمين في نهاوند ينصرون بـ 30.000 على 150.000 من الفرس، رأينا المسلمين في تستر ينصرون بـ 30.000 على 150.000 من الفرس، حدث ذلك في موقعة تستر 80 مرة دون هزيمة، يلتقي المسلمون فيها مع الفرس فيهزمونهم، رأينا المسلمين ينصرون في اليرموك بـ 39.000 على 200.000 من الروم، رأينا المسلمين ينصرون في وادي .... في فتح الأندلس بـ 12.000 على 100.000 قوطي أسباني، رأينا ذلك وأمثاله مئات بل الآلاف من المرات.

     

    اقرءوا التاريخ يا إخوة! والله الذي لا إله إلا هو لا يوجد تاريخ في الأرض مثل تاريخ المسلمين، ولا يوجد دين مثل دين المسلمين، ولا يوجد رجال مثل رجال المسلمين، حتى السقطات التي كانت في تاريخ المسلمين أتبعت بقيام أقوى وأشد.

     

    قراءة التاريخ تبعث الأمل في قلوب المسلمين

    وتعالوا نقلب صفحات قلائل، بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ارتد الجزيرة العربية بكاملها إلا ثلاث مدن وقرية: المدينة ومكة والطائف وقرية هجر بالبحرين، ولم تكن الردة كما يعتقد البعض بمنع الزكاة فقط، بل ارتد كثيرون عن الإسلام بالكلية، ومنهم من فتن المسلمين في دينهم، ومنهم من قتل المسلمين، بل إن منهم من ادعى النبوة وليسوا بالقليلين، وعم الكفر جزيرة العرب، وأيس بعض الصحابة، فكان الموقف أشد مما نحن فيه الآن ألف مرة، حتى قال بعضهم: يا خليفة رسول الله! لا طاقة لنا بحرب العرب جميعاً. الزم بيتك وأغلق بابك واعبد ربك حتى يأتيك اليقين. ظنوا أنه لا أمل في القيام، لكن الله منّ على المسلمين بـأبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي قام كالأسد الهصور يردد قولة لو قالها المسلمون لسادوا الدنيا جميعاً، قال: أينقص الدين وأنا حي؟! أينقص الدين وأنا حي؟! أقاتلهم وحدي حتى تنفرد سالفتي، وقام وقام معه المسلمون. فما هو إلا عام من الجهاد والقتال والنزال، حتى أشرقت الأرض من جديد بنور ربها، وأسلمت الجزيرة العربية بكاملها، بل وأخذ أبو بكر الصديق قرارً أحسب أنه أعجب القرارات في التاريخ وهو: إخراج جيشين من جزيرة العرب جيش لفتح بلاد فارس، وجيش لفتح بلاد الروم، عجباً عجباً لك أيها الجبل! دولتان تقتسمان العالم ودولة صغيرة خارجة من حرب أهلية مدمرة! لكنه يا إخوة! موعود صادق: sQoos.gifوَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ eQoos.gif[الروم:47]، ويفتح الله له الدولتين، وتكون انتصارات بلا هزائم، وتمكين بلا ضعف، وأمن بلا خوف.

     

    أسمعتم يا إخوتي! عن ملوك الطوائف؟ أرأيتم كيف قسمت بلاد الأندلس إلى أكثر من عشرين دويلة صغيرة متناحرة مع أختها؟ أرأيتم العمالة والخيانة والخزي والعار؟ أرأيتم السفه والمجون؟ ثم أرأيتم ما شابه ذلك في بلاد المغرب والجزائر والسنغال وموريتانيا في قبائل البربر؟ أرأيتم الزنا كيف فشا؟ والخمور كيف انتشرت؟ أرأيتم السلب والنهب كيف طغى على الأرض؟ ثم جاء رجل واحد يدعى الشيخ: عبد الله بن ياسين يدعو إلى الله على بصيرة، ويربي ويعلم ويجاهد ويصابر، فإذا الرجل رجلان، والرجلان أربعة، والأربعة ألف وألفان وعشرة آلاف، وإذا البلاد تفتح والإسلام ينتشر ودولة المرابطين تقوم، وإذا رجلين وكأنهما ملكان يوسف بن تاشفين وأبو بكر بن عمر يعلمان ويربيان ويجاهدان ويصابران، فإذا بالدولة تتسع، والخير يعم، ويدخل في الإسلام ثلث أفريقيا، ويصبح الجيش 100.000 فارس في الشمال، و500.000 جندي في الجنوب، وإذا بالجيوش تعبر إلى الأندلس فتعيد البسمة إلى شفاه المسلمين، وتشفي صدور قوم مؤمنين وتذهب غيظ قلوبهم، وتذل الشرك وأهله، وتعز الإسلام وحزبه، وتنصر في الزلاّقة بـ 30.000، يهلكون 60.000 من القوط الأسبان، أرأيتم كيف تكون طاقة الإسلام؟ أرأيتم كيف يكون رجال الإسلام؟ أرأيتم كيف يكون شرع الإسلام؟

     

    ولماذا نذهب بعيداً؟ هل أتاكم نبأ فلسطين؟ لماذا الجزع من احتلال دام 50 سنة؟ ألم تسمعوا عن حملات الصليبيين التسع البشعة؟ ألم تعلموا أنهم مكثوا في أرض فلسطين محتلين لها مائتين من السنين، وفي بيت المقدس 92 سنة، ألم تقرءوا أنهم قتلوا في بيت المقدس 70.000 من المسلمين؟ وكانوا يسيرون في دماء المسلمين إلى ركبهم، ثم ألم تر كيف فعل ربك بالصليبيين؟ دارت دورتهم في التاريخ وانتهت دولتهم البشعة القذرة، وقام رجال متوضئون متطهرون، قارئون لكتابهم، خاشعون في صلاتهم، حاملون لسيوفهم معتمدون على ربهم، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، قام رجال أمثال: عماد الدين زنكي ونور الدين محمود الشهيد وصلاح الدين الأيوبي ، قاموا يحرصون على الموت فوهبت لهم الحياة، قاموا يتزينون للجنة، فتزينت الجنة لهم، قاموا مع الله فكان الله معهم، صدقهم الله وعده، ونصر عباده، وأعز جنوده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا هو سبحانه فكانت حطين وكان ما بعد حطين، وكانت أياماً تشرف التاريخ بتدوينها.

     

    الصحوة الإسلامية المعاصرة وانتشار الإسلام في ربوع الأرض ودورهما في إزالة الإحباط

    ولماذا نقلب في التاريخ فقط؟ أليس في واقعنا ما يشهد لوعد ربنا بالتحقيق؟ نعم. والله1 رأينا وسمعنا ونحن على ذلك من الشاهدين، واعقدوا معي مقارنة بين واقعنا الآن وواقعنا منذ أربعين سنة، وهي ليست في عمر الأمم بشيء، أرأيتم الصلاة في المساجد؟ أرأيتم زوّار المساجد وعمارها من هم؟ وكيف أعدادهم؟ كنا في القديم لا نشاهد إلا أرباب المعاشات وقليل ما هم، أما الآن فالمساجد أكثر من أن تحصى، وعمارها كذلك جلهم من الشباب والأطفال، ألا ينبئ ذلك بمستقبل لهذا الدين؟ أرأيتم الحج والعمرة؟ ملايين! من المسلمين في كل عام من كل حدب وصوب؟ أعلمتم أنه أصبح من المستحيل أن تجد الكعبة خالية من الزوار والطوّاف، أرأيتم اشتياق الرجال والنساء والشيوخ والشباب إلى الحج والعمرة؟ أرأيتم الحجاب وانتشاره؟ في الستينات في الجامعة المصرية لم يكن هناك إلا فتاة واحدة محجبة فقط، ثم دارت الأيام فإذا دخلتم الجامعة الآن ونظرتم إلى النصف المملوء من الكوب بروح التفاؤل وجدتم الآلاف من الفتيات مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات، أما إذا نظرتم إلى نصف الكوب الفارغ فسيدخل في روعكم ما نحن بصدد دفعه، أرأيتم إلى الانتخابات في النقابات والاتحادات وغيرها؟ ألم تلمسوا تعاطفاً وحباً وتضامناً مع من رفع الإسلام شعاراً واتخذه منهجاً وإماماً؟ ألم تشاهدوا بأعينكم كيف يختار المسلمون المسلمين دون أن يعرفوا أشخاصهم لا لشيء إلا لأنهم فقط يعتزون بإسلامهم؟ أرأيتم معارض الكتاب؟ ألم تلحظوا أن أكثر الكتب مبيعاً هي الكتب الإسلامية؟ وأن أشد الأجنحة زحاماً هي الأجنحة الإسلامية؟ وأن أكبر الدور إنتاجاً هي الدور الإسلامية؟ بل أرأيتم كيف أن كل الفئات على اختلاف توجهاتها تحاول الآن أن تلعب بورقة الإسلام حتى وإن كانوا لا يرغبونه؟ وذلك لعلمهم بأن هوى الناس وميلهم أصبح للشرع والإسلام.

    نعم. والله! رأينا.. رأينا أحزاباً علمانية تعلن في برامجها أطروحات إسلامية، رأينا بنوكاً ربوية تفتح فروعاً للمعاملات الإسلامية، رأينا محلات لتصفيف الشعر للنساء تفتح أقساماً للمحجبات، رأينا برامج تلفزيونية ما كانت تحادث إلا فنانين وفنانات، وراقصين وراقصات، بدأت تروّج لبرامجها باستضافة علماء المسلمين، رأينا كل ذلك وغيره، وسوف تحمل الأيام المزيد.

     

    ثم تعال يا أخي! ندقق النظرة ونوسع المدارك ونخرج للساحة العالمية! ألم تسمع إلى نصر الأفغان على الروس: sQoos.gifفِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ eQoos.gif[الروم:4-6]؟

    إياك إياك أن تظن أن الروس هزموا لجبال أفغانستان الوعرة، بل هزموا لأن الله هزمهم، وردوا لأن الله ردهم عندما رأى من أهلها رجالاً أمثال الجبال أو أقوى من الجبال.

    ألم تشاهدوا جنود إسرائيل يرقصون طرباً ويهللون فرحاً؛ لأنهم فروا كالجرذان وهربوا كالقطيع بمقاومة شعبية قادها حزب الله في بلد صغير كلبنان خرج من حروب أهلية إلى أزمات اقتصادية؟ ألم تشاهدوا كيف احتلت جمهوريات إسلامية بقيصرية روسية ثم بشيوعية بلشفية ما يزيد على 300 عام، قهر وتعذيب وتشريد وتذبيح، حمل المصحف جريمة يعاقب عليها القانون، الإيمان بالله ينكرونه، والإيمان برسوله يجحدونه، ثم تمر السنوات ويولي الليل وتشرق الشمس، فإذا بشعوب ما زالت مسلمة، وبقلوب ما زالت مؤمنة، وبأيد ما زالت متوضئة، وجباه ما زالت ساجدة، فعل من هذا؟ إنه فعل الله الذي وعد: sQoos.gifوَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ eQoos.gif[الروم:47].

    ثم تعال معي يا أخي! أبعد من ذلك. أرأيت أمريكا كيف كان بها بضعة آلاف مسلم في الستينات، ثم هم الآن 8.000.000 مسلم؟! والله يا إخوة! رأيت في مدينة شقة كانت تستخدم مسجداً في السبعينات فإذا بالأيام تمر فرأيت في المدينة عشرة مساجد، أرأيت الجاليات الإسلامية في الغرب؟ أسمعت عن مدارسها؟ عن مساجدها؟ عن مراكزها؟ عن جرائدها؟ عن مؤتمراتها؟ عن شركاتها؟ أعلمت يا أخي! أن دين الإسلام هو أسرع الأديان نمواً في العالم الآن؟ أعلمت أن موقعاً إسلامياً على الإنترنت يدخله يومياً مليونان من الزائرين، منهم مليون في أمريكا وحدها؟ أليس هذا فتحاً ونصراً وعزاً وأملاً؟

     

    النظر في مصير أهل الكفر وما يصيبهم من عذاب الله الدنيوي

    يا إخواني ويا أحبابي! من تقاتلون وأي الأقوام تحاربون؟ أليسوا اليهود ومن عاونهم؟ أليسوا الذين قال عنهم ربنا: sQoos.gifضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا eQoos.gif[آل عمران:112]؟ أليسوا الذين قال عنهم ربنا: sQoos.gifلا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ eQoos.gif[الحشر:14]؟ أليسوا الذين قال عنهم ربنا: sQoos.gifوَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا eQoos.gif[البقرة:96]؟ هؤلاء هم اليهود: sQoos.gifأَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ eQoos.gif[التوبة:13-15]، إن كان اليهود أو كانت الأرض جميعاً معهم أتخشونهم؟ أتخشون كثرتهم وأحزابهم وتجمعهم؟ ألم يخاطبهم الله وأمثالهم بقوله: sQoos.gifوَلَنْ تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ eQoos.gif[الأنفال:19]؟ أتخشون عدتهم؟ ألم يقل ربنا: sQoos.gifقُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ eQoos.gif[آل عمران:12]؟ أتخشون أموالهم؟ ألم يقل ربنا: sQoos.gifإِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ eQoos.gif[الأنفال:36]؟ أتخشون عقولهم وجوارحهم؟ ألم يصفهم ربنا بقوله: sQoos.gifلَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ eQoos.gif[الأعراف:179].

    هل تظنون أيها الإخوة المسلمون! أن حياة هؤلاء نصر بلا هزيمة وعز بلا ذل؟ شاهدنا أمريكا المتكبرة تخرج مهرولة ومولولة من فيتنام التي لا ترى على الخارطة بـ 59.000 ألف قتيل.

     

    وشاهدناها مرة ثانية ومرة ثالثة تخرج بنفس الهرولة والولولة من الصومال ولبنان، شاهدنا مفاعل تشرنوبل المحكم ينفجر ويلوث الآلاف من الأفدنة، شاهدنا صاروخاً أسموه تشالنجر أو المتحدي قالوا عنه: إنهم بلغوا فيه حد الكمال، تعالى الله عما يشركون: sQoos.gifوَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ eQoos.gif[يونس:24]، انفجر الصاروخ الكامل بعد ثوان معدودات من إطلاقه وأمام أعينهم؛ ليزيد من حسرتهم.

     

    شاهدنا فيضاناً يغرق مدينة في ساعتين، مدينة نيوأورليانز في أمريكا في مايو سنة (1995م): sQoos.gifفَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ eQoos.gif[القمر:11-12]، شاهدنا عاصفة ثلجية تدفن السيارات تماماً وتغلق الشوارع وتوقف الحياة ثلاثة أيام متصلة في نيويورك المدينة العصرية الحديثة.

    شاهدنا إعصاراً يحمل سيارات النقل الضخمة ويقذف بها فوق المنازل، شاهدنا ريحاً صرصراً في يوم نحس مستمر تقلع الشجر في الغابات، وتمحو الحياة في لحظات، شاهدنا ذلك ولكن يا للحسرة! لم نشاهد هناك مدّكراً، شاهدنا مجتمعاً مهلهلاً مفككاً منحطاً يعيش على الرذيلة ولا يهتم بالفضيحة، أهواؤه تسيره ورغباته تحركه وشهواته تسيطر عليه وتدمره.

     

    انظروا معي إلى هذه الأرقام تصف حال المراهقين الأمريكان الذين لم يبلغوا بعد ثمانية عشر عاماً من العمر والذين سيحكمون بلادهم بعد عشر سنوات:

    55% من هؤلاء الشباب ارتكبوا جريمة الزنا، ترتفع النسبة إلى 80% في المدن الكبرى، وتنخفض إلى 33% في المناطق الريفية، أي: أن أشرف مناطق أمريكا يرتكب فيها الزنا بنسبة 33%، هذا تحت الثامنة عشرة من العمر. فإذا صعدنا فوق ذلك قاربت النسبة 90%، 350.000 حالة حمل بدون زواج كل عام لبنات أصغر من ثمانية عشر عاماً، وهذا عدد أقل بكثير من الحقيقي، وذلك لكثرة الإجهاض.

    24% من العائلات الأمريكية ليس فيها أب؛ إما لأن الأم لا تعرف الأب؛ لأنها ارتكبت الزنا مع أكثر من رجل؛ وإما بسبب الطلاق، و40% من الشباب المراهق يجربون المخدرات، أما الخمور فحدث ولا حرج، الرقم أكبر من أن يحصى، الجرائم زادت في مدينة دالاس الأمريكية بنسبة 70% في عام واحد.

    السبب الثالث للوفاة في المراهقين هو الانتحار، الانتحار هو السبب الثالث للوفاة في المراهقين الذين سيحكمون أمريكا بعد ذلك، أمريكا وحدها تسجل 32.000 حالة انتحار كل عام.

    المرض بالقمار الإجباري -أي: إدمان القمار- واحد من كل سبعة من المراهقين لا يستطيع أن يتخلى عن القمار.

    العنصرية في أمريكا على أشد ما تكون في داخل أمريكا، والتفرقة بين السود والبيض تلمس يومياً، وشتان بين منازل وشوارع ومدارس ومحال البيض ومثيلاتها عند السود، أمريكا تعيش على بركان من العنصريات، واذكروا ثورة السود في كاليفورنيا قبل عدة سنوات، هذه هي أمريكا يا إخوة! من الداخل، هذا هو مجتمع أمريكا المهلهل الذي نخشاه.

     

    استنشاق رياح النصر بصبر المسلمين وثباتهم

    أخي وحبيبي ورفيقي في طريق الله! أتشك في نصر على قوم كهؤلاء؟! أتشك في نصر على جيش غالبيته من الزناة والشواذ؟! أتشك في نصر على جيش أشرب في قلبه حب الخمور والمنكرات؟!

    أخي وحبيبي ورفيقي في طريق الله! sQoos.gifلا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ eQoos.gif[آل عمران:196-197]، sQoos.gifوَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ eQoos.gif[الأنفال:59].

     

    أخي! يا من تظن أن النصر قد تأخر. اعلم أن النصر لا يأتي إلا بعد أشد لحظات المجاهدة، ألم تسمع إلى قوله تعالى: sQoos.gifحَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا eQoos.gif[يوسف:110]، أي: ظن أقوامهم الكفار أن الرسل قد كذبوا: sQoos.gifجَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ eQoos.gif[يوسف:110]، في هذه اللحظة التي ظن فيها الجميع الرسول وقومه أن الأمر قد وصل إلى نهايته في التكذيب والظلم والإعراض والشك، في هذه اللحظة التي وصل فيها الأذى للدعاة مداه، وقد ثبت الدعاة على مبادئهم، هنا في هذه اللحظة فقط جاءهم نصرنا، اسمع أيضاً إلى قوله تعالى: sQoos.gifأَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ eQoos.gif[البقرة:214]، ماذا حدث للذين من قبلكم؟ sQoos.gifمَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ eQoos.gif[البقرة:214]، في هذه اللحظة التي بلغ فيها السيل الزبى، وبلغ الصبر نهايته، في هذه اللحظة المجيدة يقول سبحانه: sQoos.gifأَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ eQoos.gif[البقرة:214].

     

    نعم. sQoos.gifأَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ eQoos.gif[البقرة:214]، ألم تلاحظ في السيرة النبوية أن أشد لحظات الابتلاء للمؤمنين كانت في غزوة الأحزاب حيث وصفها ربنا بقوله: sQoos.gifوَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا eQoos.gif[الأحزاب:10-11]، ألم تلحظ أنه بعد غزوة الأحزاب دخل المسلمون في فتح يتلوه فتح؟ بعد أشد لحظات المجاهدة جاءت الحديبية ثم مكة ثم الطائف ثم جزيرة العرب بكاملها، أمجاد تعقبها أمجاد، وأيام نصر وفرح وتمكين.

    أخي! يا من تظن أن النصر قد تأخر. اعلم أن الأدب مع الله يقتضي عدم استعجاله، وأن حكمة الله البالغة اقتضت أن يختبر أحبابه وأصفياءه، وأن النصر يأتي في وقت يعلم الله فيه أن خير المؤمنين أصبح في النصر وليس في انتظار النصر.

    يروي البخاري : عن خباب بن الأرت رضي الله عنه أنه قال: (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟) ألم شديد وإيذاء عظيم، جلد وحرق وخنق وشنق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون) ، سبحان الله! تستعجلون بعد كل هذا التعذيب في مكة، كان خباب بن الأرت يستعجل؟ نعم. ما زال هناك أشياء أخرى، ما زال هناك ترك للمال وترك للأهل وترك للديار، ما زال هناك صراع ونزال، ما زال هناك جهاد وشهادة.

     

    أخي! يا من تظن أن النصر قد تأخر. اعلم أن النصر لا يأتي إلا بيقين لا يساوره شك ولا تخالطه ريبة: sQoos.gifمَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ eQoos.gif[الحج:15]، أرأيت صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كانوا في الأحزاب لا يأمنون على شيء؟ كيف كانوا محاصرين ومهددين؟ ثم هم يستمعون إلى بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمور تفوق الخيال، فإذا هم مصدقون وبالبشرى موقنون، انظروا كيف يحكي البراء رضي الله عنه: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يضرب الحجر ويقول: بسم الله، ثم ضرب ضربة وقال: الله أكبر! أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمراء الساعة، ثم ضرب الثانية فقطع آخر فقال: الله أكبر! أعطيت فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن، ثم ضرب الثالثة فقال: بسم الله، فقطع بقية الحجر فقال: الله أكبر! أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني) ، والصحابة في هذا الحصار يستمعون إلى بشرى فتح الشام وفارس واليمن، ويصدقون عن يقين، وكأنهم يرونه رأي العين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

     

    أخي! يا من تظن أن النصر قد تأخر. اعلم أن الأجر غير مرتبط بالنصر، ولكن بالعمل: sQoos.gifمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ eQoos.gif[النحل:97]، واعلم أنه كلما حسن عملك عظم أجرك، وكلما زاد جهدك كمل ثوابك، وأنك إن لم تر النصر بعينيك فسيراه أبناؤك وأحبابك.

     

    إخواني وأحبابي! أحمل لكم آية عجيبة وكل آيات الله عجيب، كنز من كنوز المنّان وعطية من عطايا الرحمن: sQoos.gifوَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ eQoos.gif[آل عمران:139]، أتعلمون أيها الإخوة! متى نزلت هذه الآية؟ نزلت بعد أحد، هل كان نزولها بعد هزيمة؟ نعم. ليعلم الله المؤمنين أن العزة والعلو لا يتأثران بهزيمة مرحلية ولا يرتبطان بنصر مرئي، ولا يعتمدان على تمكين مشاهد؛ ليعلم الله المؤمنين أن الأيام دول، وأن للتاريخ دورات، فلهذا دورة ولهذا دورة، أما الدورة الأخيرة فللمؤمنين.

    أيها المؤمنون عباد الله! أنتم الأعلون؛ لأن إلهكم الله الذي لا إله إلا هو سبحانه قال: sQoos.gifوَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا eQoos.gif[فاطر:44].

     

    أنتم الأعلون؛ لأنكم أتباع النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم خير الخلق وسيد الرسل، والماحي الذي يمحي الله به الكفر، والحاشر الذي يحشر الناس على قدمه، والعاقب الذي ليس بعده نبي صلى الله عليه وسلم.

     

    أنتم الأعلون؛ لأن كتابكم القرآن فيه نبأ من قبلكم ونبأ ما يأتي بعدكم، وحكم ما بينكم، من خالفه من الجبابرة قصمه الله عز وجل، ومن ابتغى العلم في غيره أضله الله عز وجل، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، وشفاؤه النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يعوجّ فيقوّم، ولا يزيغ فيستقيم، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق من كثرة الرد.

    أيها المؤمنون! أنتم الأعلون؛ لأن شريعتكم الإسلام ديناً ودنيا، جسداً وروحاً، عقلاً وقلباً، ما ترك الله في شريعته من شيء إلا وضحه وبينه: sQoos.gifالْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا eQoos.gif[المائدة:3].

    أنتم الأعلون؛ لأنكم الأكمل أخلاقاً: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ، أنتم الأعلون؛ لأنكم الأقوى رابطة: sQoos.gifلَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ eQoos.gif[الأنفال:63]، أنتم الأعلون؛ لأن الملائكة تثبتكم: sQoos.gifإِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا eQoos.gif[الأنفال:12]، أنتم الأعلون؛ لأن الطمأنينة في قلوبكم: sQoos.gifوَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ eQoos.gif[آل عمران:126].

    أيها المؤمنون! أنتم الأعلون؛ لأن الجنة موعدكم: sQoos.gifإِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ eQoos.gif[المؤمنون:109-111]، أنتم أيها المؤمنون! الفائزون.

     

    وختاماً: أخي وحبيبي ورفيقي في طريق الله! يا مسلم يا عبد الله! يا من سيناديك الحجر والشجر بلسان الحال أو بلسان المقال بكليهما نؤمن ونصدق، يا مسلم يا عبد الله! جفّف دمعك، واجبر كسرك، وارفع رأسك، واعلم أن الأيام القادمة لك لا عليك، وأن المستقبل لدينك لا لدين غيرك، وأن العاقبة للمتقين، واعلم أيضاً أن مع الصبر نصراً، وأن مع العسر يسراً، وأن أنوار الفجر لا تأتي إلا بعد أحلك ساعات الليل، وأن الله ناصرك ما دمت ناصره، ومعك ما دمت معه، وهاديك إلى سبيله ما دمت مجاهداً في سبيله: sQoos.gifوَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ eQoos.gif[العنكبوت:69].

    sQoos.gifفَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ eQoos.gif[غافر:44].

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم

     

    المكتبة الشاملة

    لقراءة الكتاب من هذا الرابط

    https://shamela.ws/book/37380

     


  25. روى مسلم عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، قَالَ: دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، فَقَعَدَ وَحْدَهُ، فَقَعَدْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ، يَا ابْنَ أَخِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ»[1].

     

     

     

    معاني المفردات:

     

    فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ: أي النصف الأول، يعني كإحيائه بالصلاة والذكر.

     

     

     

    فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ: أي بانضمام ذلك النصف، فكأنه أحيا نصف الليل الأخير، أو يكون إشارة إلى أن قيام صلاة الفجر أفضل من قيام صلاة العشاء، فإنه أشق وأصعب على النفس وأشد على الشيطان، فإن تَرْكَ النوم بعد الدخول فيه أشقُّ مِن إرادة الدخول فيه؛ إذ الكسل يستولي في الأول أكثر، فتكون مجاهدته على الشيطان أكبر.

     

     

     

     

     

    ما يستفاد من الحديث:

     

    1- فضل صلاتي الفجر، والعشاء في جماعة.

     

    2- من صلى العشاء في جماعة فله أجر قيام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة فله أجر قيام الليل كله.

     

     


    [1] صحيح: رواه مسلم (656).

     
    شبكة الالوكة

     

     

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×