اذهبي الى المحتوى

امانى يسرى محمد

العضوات
  • عدد المشاركات

    7601
  • تاريخ الانضمام

  • تاريخ آخر زيارة

  • الأيام التي فازت فيها

    60

مشاركات المكتوبهة بواسطة امانى يسرى محمد


  1. مُلَخَّص المَنْهِيَّات في الصلاة[1]


    (1) النَهْي عن الاختصار في الصلاة (يعني أن يضع يديه على جَنْبِه وهو يصلي):

    فقد نهى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يُصلِّي الرجل مختَصِرًا[2]، والمقصود: النَهْي عن وضع اليد على الخاصرة (والخاصرة هي جَنْب الإنسان فوق عظمة الورك)، وقد تقدَّم أن السُّنة وضْعُ اليدَيْن على الصَّدر.


    والحكمة من النَهْي عن الاختصار:

    1 - أنَّ فيه تشبُّهًا باليهود: فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تَكْره أن يَجْعل المصلِّي يدَه في خاصرته، وتقول: إنَّ اليهود تفعله[3].


    2 - أنه راحَةُ أهل النار؛ فقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((الاخْتِصار في الصلاة راحة أهلِ النَّار))[4].


    ♦ وأمَّا حُكْم الاختِصار في الصَّلاة، فقد ذهبَ ابنُ عبَّاس وابن عمر وعائشةُ ومالِكٌ والشَّافعي وأهل الكوفة إلى أنَّه مكروه، وذهب أهل الظَّاهر إلى حُرْمَتِه، ورجَّحَ الشوكاني ذلك.



    (2) النَهْي عن العَقْص في الصَّلاة (يعني أن يربط الرجل شعره بخيط أو غير ذلك وهو يصلي)، وكذلك النَهْي عن تشمير الثوب في الصلاة:

    فقد نَهى النبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يُصلِّي الرجل ورأسه مَعْقوص - (يعني نهى أن يكون شعره ذو ضفائر أو أن يربطه بخيط في الصلاة)"[5] ، وقد أمرَ النبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يسجد على سبعةِ آراب - (يعني سبعة أعضاء) - ، ونَهى أن يَكِفَّ شعره وثوبَه - (يعني نهى أن يضم شعره ويربطه بشيء، أو أن يشمر ثوبه أو كمه أو نحو ذلك في الصلاة)[6].


    ♦ والحِكْمة من ذلك أنَّ الشعر يَسْجد معه إذا سجَد؛ فعن عبد الله بن مَسْعودٍ رضي الله عنه أنَّه دخلَ المسجد، فرَأى فيه رجلاً يُصلِّي عاقصًا شعره - (يعني شعره ذو ضفائر) - ، فلمَّا انصرفَ قال عبدالله بن مَسْعودٍ للرجل: إذا صلَّيت فلا تعقصَنَّ شعرك - (يعني لا تضفره) - ؛ فإنَّ شعرك يَسْجد معك، ولك بكلِّ شعرةٍ أَجْر، فقال الرَّجلُ: إنِّي أخافُ أن يتترب، قال: تَتْريبُه خيرٌ لك[7]، وثبت نحوه أيضًا عن ابن عمر.


    ♦ ومن الحِكْمة كذلك أنْ لا يكون شبيهًا بالمكتوف الَّذي ربطَت يده خلْفه؛ فإنَّه إذا سجدَ لا تسجد يَداه معه، فعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما أنه رأى عبدالله بن الحارث يصلِّي ورأسه معقوص إلى ورائه، فجعل يحلُّه - (يعني أخذ يفك له ضفائره وهو يصلي) - وأقرَّ له الآخر - (يعني لم يمنعه) - ، ثُم أقبل على ابن عبَّاس - (بعد أن انتهى من صلاته) - ، فقال له: ما لكَ ورأسي؟ فقال ابن عباس: إنِّي سمعتُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((إنَّما مثَلُ هذا كمثل الَّذي يُصلِّي وهو مكتوف))[8].


    قال النوويُّ: "وقد اتَّفقَ العُلماء على النَهْي عن الصَّلاةِ وثوبُه مشمر، أو كمُّه أو نحوه، أو رأسه معقوصٌ، أو مردود شعره تحت عمامته، أو نحو ذلك، فكلُّ هذا مكروهٌ باتِّفاق العلماء" [9]، واعلم أنَّ النَهْي مختصٌّ بالرِّجال دون النِّساء.


    ♦ ولكنْ يُلاحَظ أنه إذا دخل رجلٌ المسجد، وكانَ مُسْبِلاً إزاره (يعني كان الثوب الذي يغطي الجزء الأسفل من جسده طويلاً يزيدُ على الكعب)، ثم أراد أن يشمر هذا الإزار حتى لا يصلي وهو مُسبل، فإنه يجوز له ذلك مِن باب أقلّ الضررين، لأنه قد تعارض هنا أمْرٌ حرام (وهو الإسبال)، مع أمْرٌ مكروه (وهو تشمير الثوب)، فيُقدَّم فِعل المكروه.



    (3) النَهْي عن البَصق تجاه القِبْلة، أو عن يمينه وهو يصلي:

    وقد تقدَّم بيانُ ذلك في باب المُباحات في الصَّلاة.


    (4) النَهْي عن تشبيك الأصابع:

    فقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا توضَّأ أحَدُكم ثم خرجَ عامدًا إلى الصَّلاة، فلا يشبكنَّ بين يديه؛ فإنَّه في صلاة))[10] ، ففي الحديث كراهيةُ التَّشبيك من وقتِ خروجه إلى المسجد للصَّلاة، ويكون ذلك أشدَّ كراهةً في الصَّلاة من باب أولى.


    ملحوظة: وردَ في بعض الأحاديث أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم شَبك بين أصابعه في المسجد؛ كحديث: ((المُؤْمن للمؤمن كالبُنْيان يشدُّ بعضه بعضًا))، وشبك بين أصابعِه[11].


    ولا تَعارُضَ بين هذه الأحاديث وبين نَهْيِه صلَّى الله عليه وسلَّم عن تَشْبيك الأصابع في المسجد؛ لأنَّه يُمْكن الجمع بينهما أنَّ تشبيك الأصابع إذا كان لِتَعليم أو ضَرْب مثَلا، أو تشبيه، أو نحوه، فذلك جائز، والنَهْي: إذا كان بلا فائدة، أو كان التَّشبيك على سبيل العبَث، فإنَّه لا يجوز.



    (5) النَهْي عن مسح الحصى وهو في الصلاة:

    فقد قال النبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الرَّجل يسوِّي التراب حيث يسجد: ((إن كنتَ فاعلاً، فواحدة))[12] ، (يعني إن كنتَ سَتُسَوِّي التراب حين تسجد فافعل ذلك مرة واحدة فقط في صلاتك كلها).


    ففي هذا الحديث دليلٌ على كراهية مَسْح الحصى وهو في الصَّلاة، فإن احتاج إلى ذلك فمَرَّة واحدة فقط؛ حتَّى لا يخرج ذلك إلى العبَث والانشغال عن حقيقة الصَّلاة، والظَّاهر أنَّ هذا النَهْي وهو في الصَّلاة، أمَّا لو سوَّى ذلك قبل دخولِه الصَّلاة، فلا بأس بذلك، والله أعلم.



    (6، 7) النَهْي عن تغطية الفم في الصلاة، وكذلك النَهْي عن السَدْل في الصلاة:

    فقد نَهى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن السَّدْل في الصلاة، ونَهى أن يُغطِّي الرَّجل فاه[13]، والمقصود بالسدل: إخفاء اليدين داخل الثوب أثناء الصلاة، وأمَّا عن تغطية الفَم، فالمقصود به التلَثُّم بعمامته أو نحوها.


    قال الخطَّابِي رحمه الله: "مِن عادة العرب التلَثُّم بالعمائم على الأفواه، فنُهوا عن ذلك، إلاَّ أن يَعْرِض للمصلِّي التَّثاؤبُ، فيغطي فاه عند ذلك؛ للحديث الذي جاء فيه"[14]، قال الشيخ عادل العزّازي: يُشير إلى حديث أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إذا تثَاءب أحَدُكم، فلْيَضع يدَه على فيه؛ فإنَّ الشيطان يدخل))[15].



    (8) كراهة نظر المصلي إلى ما يشغله عن الصلاة:

    فعن عائشة رضي الله عنها قالت: صلَّى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في خميصةٍ لها أعلام - (يعني صلى في كِساءٌ مُربَّع من صوفٍ فيه خُطوطٌ أو نُقوش) - ، فقال: ((شغلَتْني أعلامُ هذه، اذهبوا بها إلى أبي جَهْم، وأتوني بأنبجانيَّتِه))[16] ، و"الأنبجانيَّة" كِساءٌ لا علَمَ له (يعني ليس فيه خُطوطٌ أو نُقوش).


    (9) النَهْي عن رَفْع البصر إلى السماء:

    فعن أنسِ بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما بالُ أقوامٍ يَرْفعون أبصارهم إلى السَّماء في صلاتهم؟)) - فاشتدَّ قولُه في ذلك حتى قال - : ((ليَنْتهُنَّ عن ذلك أو لَتُخَطَّفنَّ أبصارُهم))[17].


    قال ابن بطَّال: "أجمعوا على كراهة رَفْع البصَر في الصَّلاة"، هذا وقد ذهَب الشيخ ابن عثيمين إلى حُرْمة ذلك.



    (10) كراهة الاعتماد على اليدين:

    فقد نَهى النبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يَجْلس الرَّجلُ في الصَّلاة وهو معتمِد على يده[18] .


    فهذا الحديث نهى عن الاعتِماد على اليد أثناء جلوسه في الصَّلاة ، لكنَّه إن احتاج إلى الاعتماد على عصا ونحوه؛ لِعُذر، فإنَّ ذلك جائز؛ فعن أمِّ قيس بنت محصن رضي الله عنها "أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لَمَّا أسَنَّ وحمَلَ اللَّحم - (يعني كَثُرَ لحم جسده) - ، اتَّخذَ عمودًا في مُصلاَّه يَعْتمد عليه"[19] .


    قال الشوكانِيُّ: "....وحديث أم قيْس - وهو الحديث السابق - يدلُّ على جواز الاعتماد على العمود والعصا ونحوهما، لكن مقيَّدًا بالعذر المذكور، وهو الكِبَر وكَثْرة اللَّحم، ويلحق به الضَّعف والمرض ونحوهما، فيكون النَهْي محمولاً على عدم العُذْر"[20].



    "التلخيص على مسؤولية الكاتب"


    [1] مُختَصَرَة من كتاب (تمام المِنّة في فِقه الكتاب وصحيح السُنّة) لفضيلة الشيخ عادل العزّازي أثابه الله لمن أراد الرجوع للأدلة والترجيح، وأما الكلام الذي تحته خط أثناء الشرح من توضيح أو تعليق أو إضافة أو غير ذلك فهو من كلامي (أبو أحمد المصري).

    [2] البخاري (1220)، ومسلم (545)، وأبو داود (947)، والترمذي (383)، والنسائي (2/ 127).

    [3] البخاري (3458).

    [4] ابن خزيمة (909)، وابن حبان (2286)، وفي إسناده مقال.

    [5] حسن صحيح: رواه أبو داود (646)، والترمذي (384)، وابن ماجه (1042) - واللفظ له - وصحَّحه الترمذي.

    [6] البخاري (809، 810، 815)، ومسلم (490)، وأبو داود (889)، والترمذي (273)، والنسائي (2/ 216).

    [7] صحيح: رواه عبدالرزاق (2/ 185)، والطبراني في "الكبير" (9/ 267)، وابن أبي شيبة (2/ 194).

    [8] مسلم (492)، وأبو داود (647)، والنسائي (2/ 215 - 216).

    [9] "المجموع" للنووي (4/ 98).

    [10] حسن لغيره: أبو داود (562)، والترمذي (386)، وأحمد (4/ 241).

    [11] البخاري (481)، ومسلم (2585)، وليس عنده قوله: "وشبك بين أصابعه".

    [12] البخاري (1207)، ومسلم (546)، وأبو داود (946)، والترمذي (380)، والنسائي (3/ 7)، وابن ماجه (1026).

    [13] حسن لغيره: رواه أبو داود (643)، والترمذي (378)، وابن خزيمة (772)، والحاكم (1/ 253)، وصححه على شرطهما ووافقه الذهبي، وقد رجح الشيخ أحمد شاكر تصحيحه أو تحسينه على الأقل، واللَّه أعلم، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (6883).

    [14] "معالم السُّنن" (1/ 433 - من هامش أبي داود).

    [15] مسلم (2995)، وأبو داود (5026).

    [16] البخاري (373)، (5817)، ومسلم (556)، وأبو داود (914)، والنسائي (2/ 72)، وابن ماجه (3550).

    [17] البخاري (750)، وأبو داود (913)، والنسائي (3/ 7)، وابن ماجه (1044).

    [18] صحيح: أبو داود (992)، وأحمد (2/ 147).

    [19] صحيح: أبو داود (948)، والحاكم (1/ 397)، وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألبانِيُّ (انظر الصحيحة 319).

    [20] نيل الأوطار (2/ 384).


    رامي حنفي محمود

    شبكة الالوكة


     

     

  2. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } :
    لماذا ناداهم ولم ينادِ غيرهم؟ حين يكون في الأمر شرع ونظام للمسلمين ينادّون وحدهم لانهم المكلفون بالتنفيذ ، وقد ورد النداء { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } في القرآن تسعاً وثمانين مرة ، وحين يكون الدعاء للدعوة والإيمان بالله نسمع : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ }.

    إطاعة الله والرسول فرض :
    وهذا ما رأيناه في جوابه للرسول صلى الله عليه وسلم حين أرسله إلى اليمن حاكماً :
    ( بم تحكم يا معاذ؟ )
    فقدم القرآن ثم سنة النبي ثم يقول برأيه الذي لا يخالف الشرع والسنة .
    ولا يرأي لاحدٍ خلاف السنّة ولا يُقال بين يديه صلى الله عليه وسلم قبل كلامه.

    الإدلاء بالرأي بعد الإذن :
    / نحن أتباعه ونصدر عن سنته وشرعه/ فلا يتكلم أحد من أصحابه صلى الله عليه وسلم إلا بإذن رسول الله ، ومن بعده لا رأي إلا بما يوافق سنته.
    التقوى من سمات المسلم، وقد كرر ذكر التقوى في هذه السورة دلالة على التحلي بها.

    مراقبة الله تعالى :
    فهو سبحانه يرانا، ومن الإحسان أن نعبد الله كأننا نراه فإن لم نكن نراه فإنه سبحانه يرانا.

    عدم رفع الصوت أمام النبي وفي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم:
    عمر يكاد يضرب غريبين علا صوتهما في المسجد.

    احترام العلماء والكبار ، وخاصة الآباء والأمهات ومن فوقهم.
    من فعل ذلك نال الأجر الكبير.

    علا صوت الصديق والفاروق في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم حين جاء بنو تميم فاقترح الصديق أن يكون القعقاع بن معبد أميرهم وقال الفاروق بل الأقرع بن حابس ، فنزل قوله سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)} فكان الصديق لا يتحدث إلا كأخي السرار وكان الفاروق يهمس حتى يستبين الرسول كلامه مرات ومرات.
    والأنصاري ثابت بن قيس (صوته جهوري) : هو من أهل الجنة قتل يوم اليمامة ،ترك مجلس النبي صلى الله عليه وسلم خوف أن يحبط عمله ، فلما افتقده رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرف السبب أدناه وقال له:
    ( تعيش حميدا وتموت شهيداً ).

    قد يحبط العمل دون الإحساس به :
    { .. أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)} فعلى المرء أن يكون حذراً في انتظار العالم للاستفادة منه والصبر عليه أجر كبير، وهذا ما رأيناه في قوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5)}

    البحث عن الحقيقة ووضوحها :
    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)}
    – هذا مانراه في عودة الوليد بن عقبة الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق يجبي زكواتهم وصدقاتهم فعاد خائفاً منهم يقول غير الحق فقدم ضرار بن الحارث والد أم المؤمنين جويرية وزعيم بني المصطلق يحمل الزكاة ، ويوضح خطأ الوليد ، فمن حكم دون دليل قد يندم إذ يقع في الخطأ، ويقدم صورة غير حقيقية لما يجري.

    طاعة المسؤول المسلم واجبة فما يصدر منه بعد الاستشارة إلى الحكم الأقرب للصواب :
    { وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ (71)} [المؤمنون]
    وعلى المرءوس أن يطيع الحاكم المسلم فتقوم الحياة بالقسط والراحة والأمان.
    عن أبي رفاعة الزرقي عن أبيه قال لما كان يوم أحد وانكفأ المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    ( استووا حتى أثني على ربي عز وجل )
    فصاروا خلفه صفوفا فقال صلى الله عليه وسلم :
    ( اللهم لك الحمد كله
    اللهم لا قابض لما بسطت ولا باسط لما قبضتَ ولا هادي لمن أضللت ولا مضل لمن هديت ولا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت ولا مقرب لما باعدت ولا مباعد لما قربت
    اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك
    اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول
    اللهم إني أسألك النعيم يوم العيلة ،والأمن يوم الخوف ا
    للهم إنى عائذ بك من شر ما أعطيتنا ومن شر ما منعتنا ،
    اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ،
    اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين
    اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدون عن سبيلك واجعل عليهم رجزك وعذابك
    اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتابَ، إله الحق
    ) رواه النسائي.

    كل الخير من الله ، وهو سبحانه يعلم الهداة من الضالين :
    { فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8)}.
    ومن اطاع ربه نال الخير في الدارين.

    قد تتخاصم فئتان من المسلمين فيجب الإصلاح بينهما، فإن فجرت إحداهما فإنه ينبغي قتالها لتعود إلى الحق وتخضع له، ولا بدّ من العدل والعمل به فالله يحب العدل وأهله." قال صلى الله عليه وسلم :
    ( إنَّ المقسطينَ في الدُّنيا علَى منابرَ من لؤلؤٍ بين يدَيْ الرَّحمنِ بما أقسَطوا في الدُّنيا ) ولا ينبغي للحاكم أن يحابي في الحق أحداً .

    ( لا تحاسَدوا ، ولا تَناجَشوا (الزيادة في ثمن السلعة لا يُريد شراءها)، ولا تباغَضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبِعْ بعضُكُم علَى بيعِ بعضٍ ، وَكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا المسلمُ أخو المسلمِ ، لا يظلِمُهُ ولا يخذلُهُ ، ولا يحقِرُهُ التَّقوَى ههُنا ويشيرُ إلى صدرِهِ ثلاثَ مرَّاتٍ بحسبِ امرئٍ منَ الشَّرِّ أن يحقِرَ أخاهُ المُسلمَ ، كلُّ المسلمِ علَى المسلمِ حرامٌ ، دمُهُ ، ومالُهُ ، وَعِرْضُهُ وفي روايةٍ :
    قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ : فذَكَرَ نحوَ حديثِ داودَ ، وزادَ ، ونقصَ وممَّا زادَ فيهِ :
    إنَّ اللَّهَ لا ينظرُ إلى أجسادِكُم ، ولا إلى صورِكُم ، ولَكِن ينظرُ إلى قلوبِكُم وأشارَ بأصابعِهِ إلى صدرِهِ.)إنها تعاليم الحق التي تبني مجتمعاً مسلماً منظماً متآلفاً.

    النهي عن السخرية :
    السخرية بالناس وهو احتقارهم والاستهزاء بهم كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
    " الكبر بطر الحق وغمص الناس - ويروى - وغمط الناس " والمراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم وهذا حرام فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند الله تعالى وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له ; ولهذا قال تعالى:
    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ } فنص على نهي الرجال وعطف بنهي النساء
    وقوله تبارك وتعالى { وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ } أي لا تلمزوا الناس والهماز اللماز من الرجال مذموم ملعون كما قال تعالى: { وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1)} [الهمزة] ، والهمز بالفعل واللمز بالقول كما قال عز وجل: { هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ (11)} [القلم] ، أي يحتقر الناس ويهمزهم طاغيا عليهم ويمشي بينهم بالنميمة وهي اللمز بالمقال ولهذا قال ههنا:
    { وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ }

    البعد عن اللمز من سمات المسلم :
    { وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ } أي لا يطعن بعضكم على بعض وقوله تعالى : { وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ } أي لا تداعوا بالألقاب وهي التي يسوء الشخص سماعها
    قال الإمام أحمد حدثنا إسماعيل حدثنا داود بن أبي هند عن الشعبي قال حدثني أبو جبيرة بن الضحاك قال فينا نزلت في بني سلمة { وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ } قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وليس فينا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة فكان إذا دعا أحدا منهم باسم من تلك الأسماء قالوا يا رسول الله إنه يغضب من هذا فنزلت {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ }
    وهناك تهديد ووعيد من الله تعالى : {بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)} وينبغي للمرء أن ينادي أخاه بما يحب ويرضى، وهذا يقرب النفوس ويُذهب الأحقاد والضغائن.

    الظن وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله لأن بعض ذلك يكون إثما محضا فليُجتنبْ كثير منه احتياطا .
    قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه "ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرا وأنت تجد لها في الخير محملا ،وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول :
    ( ما أطيبَكِ وأطيبَ ريحَكِ ما أعظمَكِ وأعظمَ حُرمتَكِ والذي نفسُ محمدٍ بيدِهِ لحرمةُ المؤمنِ أعظمُ عندَ اللَّهِ حرمةً منكِ مالُهُ ودمُهُ وأن يُظنَّ بهِ إلا خيرًا ) الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : الكافي الشاف وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    ( إيَّاكم والظَّنَّ . فإنَّ الظَّنَّ أَكْذبُ الحديثِ ولا تحسَّسوا ، ولا تجسَّسوا ، ولا تَنافسوا ، ولا تحاسَدوا ، ولا تباغَضوا ، ولا تدابَروا ، وَكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا )
    الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم
    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    ( ثلاثٌ لازماتٌ أمَّتي الطِّيَرةُ والحسدُ وسوءُ الظَّنِّ )
    فقال رجلٌ ما يُذهِبُهنَّ يا رسولَ اللهِ ممَّن هنَّ فيه قال :
    إذا حسَدْتَ فاستغفِرِ اللهَ وإذا ظنَنْتَ فلا تتحقَّقْ وإذا تطيَّرْتَ فامضِ" ويقول عليه الصلاة والسلام:
    ( إنَّك إنِ اتَّبَعْتَ عوراتِ النَّاسِ أفسَدْتَهم أو كِدْتَ أنْ تُفسِدَهم )
    الراوي : معاوية بن أبي سفيان | المحدث : ابن حبان "
    ما أروع هذه الكلمات المضيئة.

    { وَلَا تَجَسَّسُوا } على بعضكم بعضا، والتجسس غالبا يطلق في الشر ومنه الجاسوس وأما التحسس فيكون غالبا في الخير كما قال عز وجل إخبارا عن يعقوب أنه قال :
    { يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)} [يوسف] وقد يستعمل كل منهما في الشر كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
    ( ولا تحسَّسوا ، ولا تجسَّسوا ، ولا تَنافسوا ، ولا تحاسَدوا ، ولا تباغَضوا ، ولا تدابَروا ، وَكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا ) وقال الأوزاعي التجسس البحث عن الشيء والتحسس الاستماع إلى حديث القوم وهم له كارهون أو يتسمع على أبوابهم

    وفي السورة النهي عن التدابر : وهو الصرم .
    رواه ابن أبي حاتم عنه وقوله تعالى : { وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ) فيه نهي عن الغيبة. قيل يا رسول الله ما الغيبة ؟
    قال : صلى الله عليه وسلم : (ذكرك أخاك بما يكره )
    قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟
    قال صلى الله عليه وسلم: ( إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ) والبهتان : الكذب الشديد.
    عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا قال غير مسدد تعني قصيرة
    فقال صلى الله عليه وسلم : ( لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته )
    فكم نقع هذه الأيام في بحار الغيبة ؟!
    قالت وحكيت له إنسانا ( قلّدتُه)فقال صلى الله عليه وسلم :
    ( ما أحب أني حكيت إنسانا وأن لي كذا وكذا ) ، وكم نفعل هذا قصداً ومن غير قصد حتى صارت فينا والعياذ بالله عادة.
    والغيبة محرمة بالإجماع لا يستثنى من ذلك إلا ما رجحت مصلحته كما في الجرح والتعديل والنصيحة كقوله صلى الله عليه وسلم لما استأذن عليه ذلك الرجل الفاجر :
    ( ائذنوا له بئس أخو العشيرة ) وكقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس رضي الله عنها وقد خطبها معاوية وأبو الجهم :
    " أما معاوية فصعلوك، وأما أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه " وكذا ما جرى مجرى ذلك ، ثم بقيتها على التحريم الشديد وقد ورد فيها الزجر الأكيد ;
    ولهذا شبهها تبارك وتعالى بأكل اللحم من الإنسان الميت كما قال عز وجل:
    { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ } ، فكما تكرهون هذا طبعا فاكْرهوا ذاك شرعا فإن عقوبته أشد من هذا. وهذا من التنفير عنها والتحذير منها كما قال صلى الله عليه وسلم في العائد في هبته :
    ( كالكلب يقيء ثم يرجع في قيئه ) وقد قال :
    ( ليس لنا مثل السوء )

    قال صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع :
    ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    ( كل المسلم على المسلم حرام ماله وعرضه ودمه حسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) ورواه الترمذي ،وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    ( يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين , ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته )
    قال النبي صلى الله عليه وسلم :
    ( من أكل برجُلٍ مسلم أكلة فإن الله يطعمه مثلها في جهنم ومن كسا ثوبا برَجُلٍ مسلمٍ فإن الله يكسوه مثله في جهنم ومن قام برَجُلٍ مقام سمعة ورياء فإن الله تعالى يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة )
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    ( لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم قلت من هؤلاء يا جبرائيل ؟ قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم )

    حدَّث عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امرأتين صامتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن ههنا امرأتين صامتا وإنهما كادتا تموتان من العطش أراه قال بالهاجرة فأعرض عنه أو سكت عنه فقال يا نبي الله إنهما والله قد ماتتا أو كادتا تموتان
    فقال " ادعهما " فجاءتا قال فجيء بقدح أو عس فقال لإحداهما " قيئي " فقاءت من قيح ودم وصديد حتى قاءت نصف القدح ثم قال للأخرى" قيئي " فقاءت قيحا ودما وصديدا ولحما ودما عبيطا وغيره حتى ملأت القدح ثم قال :
    ( إن هاتين صامتا عما أحل الله تعالى لهما وأفطرتا على ما حرم الله عليهما جلست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا تأكلان لحوم الناس ) وهكذا رواه الإمام أحمد عن يزيد بن هارون وابن أبي عدي كلاهما عن سليمان بن صوعان التيمي به مثله أو نحوه ثم رواه أيضا من حديث مسدد عن يحيى القطان عن عثمان بن غياث حدثني رجل أظنه في حلقة أبي عثمان عن سعد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم أمروا بصيام فجاء رجل في نصف النهار فقال يا رسول الله فلانة وفلانة قد بلغتا الجهد فأعرض عنه مرتين أو ثلاثا ثم قال " ادعهما " فجاء بعس أو قدح فقال لإحداهما : قيئي فقاءت لحما ودما عبيطا وقيحا وقال للأخرى مثل ذلك ثم قال :
    ( إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما وأفطرتا على ما حرم الله عليهما أتت إحداهما للأخرى فلم تزالا تأكلان لحوم الناس حتى امتلأت أجوافهما قيحا ) قال البيهقي كذا قال

    وعن سعد كنا مع النبي الله فارتفعت ريح جيفة منتنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    أتدرون ما هذه الريح ؟ هذه ريح الذين يغتابون الناس ؟ "
    " طريق أخرى " قال عبد بن حميد في مسنده حدثنا إبراهيم بن الأشعث حدثنا الفضيل بن عياض عن سليمان عن أبي سفيان وهو طلحة بن نافع عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فهاجت ريح منتنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
    ( إن نفرا من المنافقين اغتابوا أناسا من المسلمين فلذلك بعثت هذه الريح ) وربما قال :
    ( فلذلك هاجت هذه الريح )

    قال الجمهور من العلماء طريق المغتاب للناس في توبته أن يقلع عن ذلك ويعزم على أن لا يعود وهل يشترط الندم على ما فات ؟ فيه نزاع وأن يتحلل من الذي اغتابه , وقال آخرون : لا يشترط أن يتحلله فإنه إذا أعلمه بذلك ربما تأذى أشد مما إذا لم يعلم بما كان منه فطريقه إذا أن يثني عليه بما فيه في المجالس التي كان يذمه فيها وأن يرد عنه الغيبة بحسبه وطاقته لتكون تلك بتلك

    عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
    ( من حمى مؤمنا من منافق يغتابه بعث الله تعالى إليه ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم ومن رمى مؤمنا بشيء يريد سبه حبسه الله تعالى على جسر جهنم حتى يخرج مما قال ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    ( ما من امرىء يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله تعالى في مواطن يحب فيها نصرته وما من امرىء ينصر امرأ مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله عز وجل في مواطن يحب فيها نصرته ) . وهذا ما ينبغي فعله ليرتدع الفاسق أن يذكر أخاه بسوء.

    وقد خلقنا الله تعالى من ذكر وأنثى :
    من رجل وامرأة فكلكم لآدم وآدم من تراب قعلام التكبر؟. وعلام التعاظم على الآخرين؟!

    الادّعاء والامتنان مذمومان:
    { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ..} فعلّمهم التواضع والوقوف على الحق، يكون الإسلام أولاً ، فإن التزم المسلم أمر الله وعمل بما يُرضيه صار مؤمناً ، وإن اجتهد في الخير والتزمه صار محسناً . إنه التدرُّج في الارتقاء ولعلنا نذكر الحديث الثاني في الأربعين النووية الذي رواه الفاروق رضي الله عنه حين جاء جبريل يعلم الصحابة دينهم، فسأل عن الإسلام ثم الإيمان ثم الإحسان.

    لا ينقص الله من ثوابنا شيئاً ، قال تعالى:
    { وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا }، أي لا ينقصكم من أجوركم شيئا ولعلنا نذكر قوله تعالى يؤكد هذا في سورة الطور حين قال عز مِن قائل:
    { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)}.

    من هم المؤمنون الصادقون؟
    { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)} الإيمان الصادق والثبات عليه ثم الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس .إذ ذاك يستحق المرء صفة ( الصادق).

    ما ينبغي لأحد أن يتعالم بشيء لا يحسنه ولا يعلمه
    إنما يحيل العلم لصاحبه والأمر لذويه ، والله تعالى الذي نزّل الكتاب هو العالم بالأمور يعلم نبيه وهو صلى الله عليه وسلم يعلمنا ، والدين دين الله وهو صاحب الأمر والنهي { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16)} ، وقال عز وجل : { ... لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (61)} [يونس] ، { وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }.

    { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (17)}
    منَّ الأعراب بإسلامهم ومتابعتهم ونصرتهم على الرسول صلى الله عليه وسلم ،فردَّ الله تعالى عليهم: { قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم } فإن نفع ذلك إنما يعود عليكم ،ولله المنة عليكم فيه { بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } في دعواكم ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار يوم حنين :
    ( يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي ؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ؟ وكنتم عالة فأغناكم الله بي ؟ )
    " كلما قال شيئا قالوا : الله ورسولُه أمنُّ. فالمنُّ لله ولرسوله.

    جاءت بنو أسد إلى رسول الله الله فقالوا يا رسول الله أسلمنا وقاتلتك العرب ولم نقاتلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    ( إن فقههم قليل وإن الشيطان ينطق على ألسنتهم ) ونزلت هذه الآية : { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (17)}.


    موقع الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب


     


  3. القاعدة التاسعة : { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى }
     
    هذه قاعدة من القواعد القرآنية العظيمة، التي هي أثر من آثار كمال علم الله وحكمته وقدرته في خلقه عز وجل، تلكم هي ما دل عليها قوله تعالى: { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى }[آل عمران: 36].

    وهذه الآية جاءت في سياق قصة امرأة عمران، والدة مريم -عليهما السلام -يقول تعالى: { إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم (36)}[آل عمران].

    وخلاصة القصة:أن امرأة عمران قد نذرت أن يكون مولودها القادم خادما لبيت المقدس، فلما وضعت مولودها، قالت معتذرة: { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى }؛لأن قدرة الذكر على خدمة بيت المقدس، والقيام بأعباء ذلك أكثر من الأنثى التي جبلها الله تعالى على الضعف البدني، وما يلحقها من العوارض الطبيعية التي تزيدها ضعفاً: كالحيض والنفاس ومن اللطائف في تركيب هذه القاعدة: أن الله تعالى قال: { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى } مع أنه لو قيل: "وليست الأنثى كالذكر" لحصل المقصود،ولكن لما كان الذكر هو المقصود قُدّم في الذكر هنا،ولأنه هو المرجو المأمول؛فهو أسبق إلى لفظ المتكلم. ينظر: التحرير و التنوير: (3/87)..

    ولقد بين القرآن هذا التفاوت بين الجنسين في مواضع كثيرة، منها:
    قوله تعالى: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ } وهم الرجال { عَلَى بَعْضٍ } وهن النساء، ومنها:
    قوله تعالى: { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ }(البقرة: 228)، وذلك لأن الذكورة كمال خلقي، وقوة طبيعية، وشرف وجمال، والأنوثة نقص خَلْقي، وضعف طبيعي، كما هو محسوس مشاهد لجميع العقلاء، لا يكاد ينكره إلا مكابر في المحسوس، وقد أشار جل وعلا إلى ذلك بقوله:
    { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)}[الزخرف]؛ فالأنثى تنشأ في الحلية، أي: الزينة -من أنواع الحلي والحلل -لتجبر بذلك نقصها الخَلْقي (أضواء البيان (3/498) ط.الراجحي).

    بل يقال: إن بعض ما جبل الله عليه الأنثى هو نوع من الكمال في حقها، وإن كان نقصاً في حق الرجال، "ألا ترى أن الضعف الخَلْقي والعجز عن الإبانة في الخصام عيب ناقص في الرجال، مع أنه يعد من جملة محاسن النساء التي تجذب إليها القلوب"(أضواء البيان: (3/501)).

    هذا هو حكم الله القدري:أن الذكر ليس كالأنثى،
    وهذا حكم الأعلم بالحِكَمِ والمصالح سبحانه وتعالى، هذا كلام الذي خلق الخلق، وعَلِمَ ما بينهم من التفاوت والاختلاف:
    { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)}[الملك]، وقد تفرع على ذلك:اختلاف بين الذكر والأنثى في جملة من الأحكام الشرعية -وإن كانا في الأصل سواء-.

    وهذا الاختلاف في الأحكام الشرعية بين الذكر والأنثى راجع إلى مراعاة طبيعة المرأة من حيث خلقتها، وتركيبها العقلي، والنفسي، وغير ذلك من صور الاختلاف التي لا ينكرها العقلاء والمنصفون من أي دين، وليعلم المؤمن ههنا قاعدة تنفعه في هذا الموضع وفي مواضع كثيرة، وهي: أن الشرع لا يمكن أن يفرق بين متماثلين، ولا يجمع بين متناقضين، وشأن المؤمن الحق أن لا يعارض الشرع بعقله القاصر، بل شأنه أن يتلمس الحكم من وراء ذلك التفريق، أو هذا الجمع.
    ومن توهم أنهما سواء فقد أبطل دلالة القرآن والسنة على ذلك:

    أما القرآن فإن القاعدة التي نحن بصدد الحديث عنها دليل واضح على هذا.

    وأما السنة: فإن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال (البخاري ح(5885) من حديث ابن عباس رضي الله عنه)، فلو كانا متساويين لكان اللعنُ باطلاً.

    ولنتأمل شيئاً من حِكَمِ الله تعالى في التفريق بين الذكر والأنثى في بعض الأحكام الشرعية، ومن ذلك:

    1 -التفريق في الميراث:
    اقتضت سنة الله أن يكون الرجل هو الذي يكدح ويتعب في تحصيل الرزق، وهو الذي يطلب منه دفع الميراث، والمشاركة في دفع الدية -عند قيام المقتضي لذلك -فالذكر مترقب دوماً للنقص من ماله، بعكس الأنثى فهي دوماً تترقب الزيادة في مالها: حينما يدفع لها المهر، وحينما ينفق عليها من قبل وليها.

    يقول العلامة الشنقيطي: "وإيثارُ مترقب النقص دائماً على مترقب الزيادة دائماً -لجبر بعض نقصه المترقب -حكمتُه ظاهرة واضحة، لا ينكرها إلا من أعمى الله بصيرته بالكفر والمعاصي"(أضواءالبيان: (3/500)).

    2 -التفريق في الشهادة:

    وهذا نصت عليه آية الدين:
    { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى...(282)}[البقرة]، كما دلت عليه السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم،وبين أن سبب هذا هو نقصٌ في عقلها.

    وهذا التفريق -لمن تأمله -عين العدل، يقول الشيخ السيد رشيد رضا- مبيناً هذا المعنى-: "إن المرأة ليس من شأنها الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات، فلذلك تكون ذاكرتها فيها ضعيفة، ولا تكون كذلك في الأمور المنزلية -التي هي شغلها -فإنها فيها أقوى ذاكرة من الرجل، يعني أن طبع البشر ذكراناً وإناثاً أن يقوى تذكرهم للأمور التي تهمهم ويكثر اشتغالهم بها، ولا ينافي ذلك اشتغال بعض النساء الأجانب في هذا العصر الأعمال المالية فإنه قليل لا يعول عليه، والأحكام العامة إنما تناط بالأكثر في الأشياء وبالأصل فيها"(تفسيرالمنار: (3/104).انتهى.

    ولا يظنن أحدٌ أن في ذلك انتقاصاً لقدرها، بل هو تنزيهٌ لها عن ترك مهمتها الأساسية في التربية والقرار في البيت، إلى مهمة أقل شأناً وسمواً، وهي ممارسة التجارة والمعاملات المالية!

    وقد أشار فريق من الباحثين إلى أن المرأة الحامل ينكمش عندها حجم الدماغ، ولا يعود لحجمه الطبيعي إلا بعد أشهر من وضعها.

    وليُ علم أن هذا الحكم -أعني كون شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل -ليس مطرداً في جميع الأبواب، بل إنها مثل الرجل في بعض الأحكام، كشهادتها في دخول شهر رمضان، وفي باب الرضاع، والحيض، والولادة، واللعان وغير ذلك من الأحكام.

    ونحن بحمد الله مؤمنون بحكم الله وقدره، ولا تزيدنا البحوث الحديثة إلا يقيناً، ونقطع بأن أي بحث يخالف صريح القرآن فنتيجته غلط، وإنما أتي صاحبها من سوء فهمه.

    وليس هذا التفريق بين الذكر والأنثى كله في صالح الرجل، بل جاءت أحكام تفرق بينهما تفريقاً لصالح المرأة -إن صحّت العبارة -، ومن ذلك: أن الجهاد لا يجب على النساء لطبيعة أجسادهن، فسبحان العليم الحكيم الخبير.

    إذا تبين هذا؛ فعلى المؤمن أن يحذر من كلمة راجت على كثير من الكتاب والمثقفين، وهي كلمة "المساواة" في مقام الحديث عن موضوع المرأة، وهي كلمةٌ لم ترد في القرآن بهذا المعنى الذي يورده أولئك الكتاب، كقوله تعالى:
    { لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ...(10)}[الحديد]، وكقوله تعالى:
    { لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ...(95)}[النساء]، وكقوله تعالى:
    { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ...(16)}[الرعد] ،
    والصواب أن يعبر عن ذلك بالعدل؛ لأن الله تعالى يقول:
    { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ...(90)}[النحل]، ولم يقل: يأمر بالمساواة! لأن في كلمة المساواة إجمالاً ولبساً بخلاف العدل، فإنها كلمة واضحة بينه صريحة في أن المراد أن يعطى كل ذي حق حقه.

    إن دلالة العدل تقتضي أن يتولى الرجل ما يناسبه من أعمال، وأن تتولى المرأة ما يناسبها من أعمال، بينما كلمة مساواة: تعني أن يعمل كلٌ من الجنسين في أعمال الآخر!

    ومدلول كلمة العدل: أن تعمل المرأة عدداً من الساعات يناسب بدنها وتكوينها الجسمي والنفسي، بينما مقتضى المساواة: أن تعمل المرأة نفس ساعات الرجل، مهما اختلفت طبيعتهما!

    وهذا كلّه عين المضادة للفطرة التي فطر الله عليها كلاً من الرجل والمرأة!

    ولهذا لما أصرت بعض المجتمعات الغربية على هذه المصادمة للفطرة، وبدأت تساوي المرأة بالرجل في كل شيء ذاقت ويلاتها ونتائجها المرة، حتى صرخ العقلاء منهم -رجالاً ونساء -وكتبَوا الكتب والرسائل التي تحذر مجتمعاتهم من الاستمرار وراء هذه المصادمة، ومن ذلك:

    1 -ما قالته دافيسون - زعيمة حركة كل نساء العالم -: "هناك بعض النساء حطمن حياتهن الزوجية عن طريق إصرارهن على المساواة بالرجل، إن الرجل هو السيد المطاع، ويجب على المرأة أن تعيش في بيت الزوجية، وأن تنسى كل أفكارها حول المساواة"(العدوان على المرأة (ص102) فؤاد بن عبد الكريم).

    2 -وهذه هيلين أندلين - وهي خبيرة في شؤون الأسرة الأمريكية - تقول: "إن فكرة المساواة- التماثل- بين الرجل والمرأة غير عملية أو منطقية، وإنها ألحقت أضراراً جسمية بالمرأة والأسرة والمجتمع"ا.هـ.(قضايا المرأة في المؤتمرات الدولية. فؤاد بن عبدالكريم: (ص278).

    3 -أما رئيسة الجمعية النسائية الفرنسية - رينيه ماري - فتقول: "إن المطالبة بالمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة تصل بهما إلى مرحلة الضياع، حيث لا يحصل أحد من الطرفين على حقوقه"ا.هـ (السابق (ص269)، ولو رجعنا إلى لغة الأرقام التي أجريت في بلاد الغرب لطال بنا المقام.

    4- وهذه كلمات قالتها امرأة من أشهر دعاة الحرية والمساواة بين الرجل والمرأة في منطقة الخليج (الكاتبة ليلى العثمان):
    "سأعترف اليوم بأنني أقف في كثير من الأشياء ضد ما يسمى بـ(حرية المرأة)، تلك الحرية التي تكون على حساب أنوثتها، على حساب كرامتها، وعلى حساب بيتها وأولادها، سأقول: إنني لن أحمّل نفسي– كما تفعل كثيرات – مشقة رفع شعار المساواة بينها وبين الرجل، نعم أنا امرأة!
    ثم تقول: هل يعني هذا أن أنظر إلى البيت -الذي هو جنة المرأة -على أنه السجن المؤبد، وأن الأولاد ما هم إلا حبل من مسد يشد على عنقي؟
    وأن الزوج ما هو إلا السجان القاهر الذي يكبّل قدمي خشية أن تسبقه خطوتي؟
    لا، أنا أنثى وأعتز بأنوثتي، وأنا امرأة أعتز بما وهبني الله، وأنا ربة بيت، ولا بأس بعد ذلك أن أكون عاملة أخدم خارج البيت نطاق الأسرة، ولكن-ويا رب أشهد-!: بيتي أولاً، ثم بيتي، ثم بيتي، ثم العالم الآخر"(رسائل إلى حواء (3/85)) ،انتهى.

    وبعد هذا كله: فماذا يقال عمن سوّى بين الذكر والأنثى، والذي خلقهما يقول: { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى

    إنك لا تتعجب أن يقع الرد لهذا الحكم القدري من كفار أو ملاحدة، وإنما تستغرب أن يقع هذا من بعض المنتسبين لهذا الدين، والذين يصرحون في مقالاتهم وكتاباتهم بأن هذا الحكم كان في فترة نزول الوحي يوم كانت المرأة جاهلة لم تتعلم! أما اليوم فقد تعلمت المرأة، وحصلت على أعلى الشهادات!
    وهذا الكلام خطير جداً،وقد يكون رِدّةً عن الدين؛ لأنه ردٌّ على الله تعالى، فإنه هو الذي قدَّر هذا الحكم، وهو الذي يعلم ما ستؤول إليه المرأة إلى يوم القيامة.

    ثم إن التاريخ والواقع يُكذِب هذه المقولة من جهتين:
    الأولى:
    أن تكوين المرأة النفسي والبدني (الفسيولوجي) لم يتغير منذ خلق الله تعالى،فأمُنا حواء من ضلع أبينا آدم، وإلى أن يرث الله ومن عليها! ولم يربط الله تعالى ذلك بعلمٍ تتعلمه، أو بشهادة تحصل عليها.

    والجهة الثانية لبيان خطأ هذه المقولة:
    أن هذا الحكم يدخل فيه أمهات المؤمنين -رضوان الله عليهن -، وهن -بلا ريب -أعلم نساء هذه الأمة، وأتقاهن، ومن هي التي تبلغ عشر علمهن؟!
    ومع ذلك لم تتعرض واحدة منهن على هذه الأحكام الشرعية التي سمعنها مباشرة من زوجهن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم،بل قابلن ذلك بالانقياد والتسليم، والرضى والقبول، وجرى على هذا الهدي من سار على نهجهن من نساء المؤمنين إلى يومنا هذا.

    ولعلي أختم هذه القاعدة بهذه القصة الطريفة-التي سمعتها من أحد الباحثين، وهو يتكلم عن زيف الدعوى التي تطالب بفتح الباب للنساء؛ لكي يمارسن الرياضة كما يمارسها الرجال -يقول هذا الباحث وفقه الله:
    إن أحد العدَّائين الغربيين المشهورين تعرّف إلى امرأة تمارس نفس رياض العدو، فرغب أن يتزوجها، وتمّ له ما أراد، لكن لم يمض سوى شهرين على زواجهما حتى انتهى الزواج إلى طلاق! فسئل هذا العدّاء: لماذا طلقتها بهذه السرعة؟! فقال: لقد تزوجت رجلاً ولم أتزوج امرأة!! في إشارة منه إلى القسوة في التمارين -التي تتطلبها رياضة العدو -أفقدتها أنوثتها، فأصبحت في جسم يضاهي أجسام الرجال، وصدق الله العظيم، العليم الخبير: { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى
    فهل من مُدَّكر؟
     

  4. القاعدة الثامنة : { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }
     
    أما بعد:
     
    فالمسطور يبدئ ويعيد، في ثوب جديد، ويسفر بادي الحُسن وحروفه زكية، وسيماه: (قواعد قرآنية)، نقف فيه مع قاعدة من القواعد القرآنية العظيمة، التي تؤسس مبدأً شريف القدر، سامي الذرى، إنه مبدأ العدل، وهذه قاعدة طالما استشهد بها العلماء والحكماء والأدباء، لعظيم أثرها في باب العدل والإنصاف، تلكم هي ما دل عليها قوله تعالى: { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } [الزمر: 7].
     
    والمعنى: أن المكلفين إنما يجازون بأعمالهم إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، وأنه لا يحمل أحدٌ خطيئةَ أحد ولا جريرتَه، ما لم يكن له يدٌ فيها، وهذا من كمال عدل الله تبارك وتعالى وحكمته، ولعل الحكمة من التعبير عن الإثم بالوزر، لأن الوزر هو الحمل ـ وهو ما يحمله المرء على ظهره ـ فعبر عن الإثم بالوزر لأنه يُتَخّيَلُ ثقيلاً على نفس المؤمن [التحرير والتنوير لابن عاشور:5/293].
     
    هذه القاعدة القرآنية تكرر تقريرها في كتاب الله تعالى خمس مرات، وهذا ـ بلا شك ـ له دلالته ومغزاه.
     
    وإن هذا المعنى الذي دلت عليه القاعدة ليس من خصائص هذه الأمة المحمدية، بل هو عام في جميع الشرائع، تأمل قوله تعالى:
     
    { أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (35) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)} [النجم].
     
    وهذا المعنى الذي قررته القاعدة لا يعارض ما دلّ عليه قوله تعالى:
     
    { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } [العنكبوت:13]، وقوله سبحانه:
     
    { وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ } [النحل:25]، لأن هذه النصوص تدل على أن الإنسان يتحمل إثم ما ارتكب من ذنوب، وإثم الذين أضلهم بقوله وفعله، كما أن الدعاة إلى الهدى يثيبهم الله على عملهم وعمل من اهتدى بهديهم، واستفاد من علمهم.
     
    ولهذا لما اجتهد جماعة من صناديد الكفر في إبقاء بعض الناس على ما هم عليه من الكفر، أو حث من كان مؤمناً لينتقل من الإيمان إلى الكفر، أغروهم بخلاف هذه القاعدة تماماً، فقالوا ـ كما حكى الله عنهم ـ:
     
    { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)} [العنكبوت].
     
    وإنك أخي المتوسم إذا تأملت في كلام العلماء في كتب التفسير والحديث والعقائد، والفقه، وغيرها رأيت عجباً من كثرة الاستدلال بهذه القاعدة في مواطن كثيرة، فكم من رأي نقضه فقيه بهذه الآية، بل كم مسألة عقدية صار الصواب فيها مع المستدل بهذه الآية، والمقام ليس مقام عرض لهذه المسائل، بل المقصود التنبيه على عظيم موقعها.
     
    وإذا أردنا أن نبحث عن أمثلة تطبيقية لهذه القاعدة في كتاب الله، فإن من أشهر الأمثلة وأظهرها تطبيق نبي الله يوسف صلى الله عليه وسلم لها، وذلك أنه حينما احتال على أخذ أخيه بنيامين، بوضع السقاية في رحل أخيه ـ في القصة المعروفة ـ جاء إخوته يقولون كما قال عز وجل:
     
    { يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) } [يوسف]،
     
    فأجابهم يوسف قائلاً: { مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79)} [يوسف].
     
    قارن هذا ـ بارك الله فيك ـ بقول فرعون حينما قال له كَهَنته: إنه سيولد من بني إسرائيل غلامٌ ستكون نهاية ملكك على يده! لقد أصدر مرسومه الظالم الآثم بقتل جميع من يولد من بني إسرائيل ـ وهم آلاف وربما أضعاف ذلك بعشرات ـ من أجل طفلٍ واحد فقط!! ولكن الذي كان يقول للناس: أنا ربكم الأعلى لا يستغرب منه هذا الأمر الخُسْر!
     
    وفي الواقع ثمة أناس ساروا على هدي يوسف،،فتراهم لا يؤاخذون إلا من أخطأ أو تسبب في الخطأ، ولا يوسعون دائرة اللوم على من ليس له صلة بالخطأ، بحجة القرابة أو الصداقة أو الزمالة ما لم يتبين خلاف ذلك!
     
    وفي المقابل فمن الناس من يأخذ المحسنين أو البرءاء بذنب المسيئين.
     
    وإليك هذه الصورة التي قد تكرر كثيراً في واقع بيوتنا:
     
    يعود الرجل من عمله متعباً، فيدخل البيت فيجد ما لا يعجبه من بعض أطفاله: إما من إتلاف تحفة، أو تحطيم زجاجة، أو يرى ما لا يعجبه من قِبَلِ زوجته: كتأخرها في إعداد الطعام، أو زيادة ملوحة أو نقصها، أو غير ذلك من الأمور التي قد تستثير بعض الناس، فإذا افترضنا أن هذه المواقف مما تستثير الغضب، أو أن هناك خطأً يستحق التنبيه، أو التوبيخ، فما ذنب بقية الأولاد الذين لم يشاركوا في كسر تلك التحفة مثلاً؟!
     
    وما ذنب الأولاد أن يَصُبَّ عليهم جام غضبه إذا قصرت الزوجة في شيء من أمر الطعام؟!
     
    وما ذنب الزوجة ـ مثلاً ـ حينما يكون المخطئ هم الأولاد؟!
     
    ومثله يقال في علاقة المعلم والمعلمة مع طلابهم، أو المسؤول في عمله، بحيث لا ينقلوا مشاكلهم إلى أماكن عملهم، فيكون من تحت أيديهم من الطلاب والطالبات أو الموظفين ضحية لمشاكل ليس لهم فيها ناقة ولا جمل!!
     
    هنا يستحضر المؤمن أموراً، من أهمها تذكر هذه القاعدة القرآنية العظيمة: { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } فإن هذا خيرٌ مآلاً وأحسن تأويلاً، وأقرب إلى العدل والقسط الذي قامت عليه السماوات والأرض.
     
    وثمة فهمٌ خاطئ لهذه القاعدة القرآنية، وهو أن بعض الناس يظن أن هذه القاعدة مخالفة لما يراه من العقوبات الإلهية التي تعم مجتمعاً من المجتمعات، أو بلداً من البلاد، حينما تفشو المنكرات والفواحش والمعاصي، وسَبَبُ خطأ هذا الفهم، أن المنكر إذا استعلن به الناس، ولم يوجد من ينكره، فإن هذا ذنب عظيمٌ اشترك فيه كلُّ من كان قادراً على الإنكار ولم ينكر، سواءٌ كان الإنكار باليد أو باللسان أو بالقلب وذلك أضعف الإيمان، ولا عذر لأحد بترك إنكار القلب، فإذا خلا المجتمع من هذه الأصناف الثلاثة ـ عياذاً بالله ـ مع قدرة أهلها عليها استحقوا العقوبة، وإن وجد فيهم بعض الصالحين.
     
    تأمل معي قول الله تعالى:
     
    { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)} [الأنفال]، يقول العلامة السعدي في تفسير هذه الآية: { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً }: "بل تصيب فاعل الظلم وغيره، وذلك إذا ظهر الظلم فلم يغير، فإن عقوبته تعم الفاعل وغيره، وتقوى هذه الفتنة بالنهي عن المنكر، وقمع أهل الشر والفساد، وأن لا يمكنوا من المعاصي والظلم مهما أمكن" [تفسير السعدي:318].
     
    ويوضح معنى هذه الآية الكريمة ما رواه الإمام أحمد: بسند حسن ـ كما يقول الحافظ ابن حجر [فتح الباري:13/4] ـ من حديث عدي بن عميرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عيه وسلم يقول: « إن الله عز وجل لا يعذب العامة بعمل الخاصة، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم ـ وهم قادرون على أن ينكروه ـ فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة » [المسند:29/258/7720].
     
    وروى الإمام أحمد: في مسنده [1/178] بسند جيد عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه خطب فقال: "يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير ما وضعها الله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } [المائدة:105] سمعت رسول الله صلى الله عيه وسلم يقول: « إن الناس إذا رأوا المنكر بينهم فلم ينكروه يوشك أن يعمهم الله بعقابه »".
     
    وفي صحيح مسلم عن زينب بنت جحش رضي الله عنها أنها سألت رسول الله - صلى الله عيه وسلم - فقالت له: يا رسول الله، "أنهلك وفينا الصالحون؟"
     
    قال: « نعم إذا كثر الخبث ».
     
    والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وفيرة، يضيق المقام بذكرها وعرضها، والمقصود إزالة هذا الإشكال الذي قد يعرض لبعض القارئين في فهم هذه القاعدة القرآنية، والله سبحانه وتعالى أعلم.
     
    و قبيل أن أضع شباة القلم، أجره إلى قول المؤمل المحاربي:
     
    قَد بَيَّنَ الله في الكتاب * فلا وازِرَةٌ غَيرَ وِزرِها تزرُ

     


  5. اعلمْ - أيها المبتلَى بكورونا أو غيره من الأمراض-: أن المرَض (كورونا، وغيره) واقع بإذن الله تعالى الرحيم الرحمن العليم الحكيم جل جلاله، ووقوعه لحِكَم جليلة؛ قد تظهر لبعض الخلق وقد لا تظهر؛ فمَن ظهرَت له بعضها ازداد تسليمًا وانقيادًا وإذعانًا لحُكم الله تعالى الكوني والشرعي، ومن لم تظهر له فعليه أن يعلم ويتيقن أن الله تعالى لا يقدِّر ما قدره عبثًا، وإنما قدَّره لمصالح عظيمة وحِكَم جَليلة؛ فمن بعض الحِكَم في ذلك:

    1- شعور العبد بضعفه، وفقره، وحاجته إلى ربه، وانكساره، وذله له سبحانه؛ فإذا حصل ذل العبد لربِّه، دعا ذلك إلى دعاء ربه، والتضرع إليه، والتوبة إليه من الذنوب، وسؤاله تكفيرَ الخطايا، فيرق بالمرَض قلبُه، ويذهب عنه الكبرياءُ والعظمةُ والعدوان، فقد لا يحصل له مع الصحة بعض هذه المصالح!
    2- ابتلاء العباد أيهم يحسن ظنه بربه، ويصدق في توكله عليه، ويصبر، ويرضى بما قدره الله تعالى عليه، ويحتسب الأجر، وأيهم يجزع ويسخط.
    3- رحمة الله تعالى بعبادِه المؤمنين بتكفير الخطايا والسيئات، ورفع الدرجات.
    4- إذاقة الناس بعض ما عملوا؛ لعلهم يرجعون إلى الله تعالى.
    5- العلم بأنَّ تقدير أسباب الشفاء من الرقى والأطباء ونحو ذلك هو من أعظم مظاهر رحمة الله بعباده؛ فمن حكمة الله في تقدير هذه الأسباب للشفاء أن يري العباد لُطفه وبره بهم، وإحسانه إليهم، وأنه إذا قدر الداء قرَن به أسباب الدواء والتعافي منه، ولو شاء لحال بينهم وبين ذلك..


    وغير ذلك من الحِكم الكثيرة، التي يقصر المقام عن تعدادها.. وبالجملة فإنَّ انتفاع القلب والروح بالآلام والأمراض أمرٌ لا يحس به إلا من فيه حياة؛ فصحة القلوب والأرواح موقوفة على آلام الأبدان ومشاقها، وهذه الآلام والأمراض والمشاق من أعظم النعم إذ هي أسباب النعم! كما يقول طبيب القلوب ابن القيم رحمه الله في كتابه شفاء العليل، وقال: (وقد أحصيت فوائد الأمراض فزادت على مائة فائدة)!

    ثم اعلم أن الله الرحيم الرحمن سبحانَه هو وحده الذي يكشف الضر، ويدفع البلاء سبحانه، ويشفي من المرض بفضله سبحانه، وأنه ما أنزل داء إلا وأنزل له الدواء؛ عَلِمه من عَلِمه وجَهِله مَن جَهِله؛ فقد قال جل وعلا عن نبيه إبراهيم الخليل عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [الشعراء: 80].

    وقال سُبحانه لنبيه محمد صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنعام: 17]!

    وقال تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62]!

    فالشفاء إنما هو من عنده سبحانه؛ فخذ بكل الأسباب الشرعية كالرقى والأدعية، والكونية كالتداوي منه والذهاب للأطباء، وعلِّق قلبك بربك تبارك وتعالى؛ لأن الله تعالى شرَع لنا ذلك وأمرنا به، فلا تكن متواكلًا بترك الأخذ بالأسباب، ولا تكن مُعلِّقًا قلبك بالأسباب فقط معتمدًا عليها.

    فاجتهد في الدعاء، وعلِّق القلب بالله، وردِّد كثيرًا ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51].

     
    *وعليك برُقية نفْسك بالأذكار، والدعوات الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ففيها نفع كثير، وكذا الرقية بالقرآن العظيم، وخصوصًا بفاتحة الكِتاب، وتكرار ذلك؛ ففي الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضِيَ اللهُ عنه: أنه لما لُدغ سيِّد بعضِ الأحياء، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط، إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه؛ فهل عند أحدٍ منكم شيء؟ فقال بعضهم: نعمْ والله إني لأرقي... فانطلق يتْفُل عليه، وهو يقرأ ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، فكأنما نشِط من عقال، فانطلق يمشي وما به قَلَبَةٌ [أي: عِلَّة]... فلمَّا ذكروا للنبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلك، فقال: (ما يدريك إنها رقية؟ ثم قال: قد أصبتم...)!

    قال ابن القيم رحمه الله تعليقًا على هذا الحديث: (فقد أثَّر هذا الدواء في هذا الداء وأزاله حتى كأن لم يكن، وهذا أسهل دواء وأيسره. ولو أحسن العبد التداوي بالفاتحة لرأى لها تأثيرًا عجيبًا في الشفاء. ولبثت في مكة تعتريني أدواء ولا أجد طبيبًا ولا دواء فكنت أعالج نفسي بالفاتحة فأرى لها تأثيرًا عجيبًا، فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألمًا وكان كثيرًا منهم يبرأ سريعًا).

     

    وقال كذلك: (إذا ثبت أن لبعض الكلام خواص ومنافع؛ فما الظن بكلام رب العالمين، ثم بالفاتحة التي لم ينزل في القرآن ولا غيره من الكُتب مثلها؛ لتضمنها جميع معاني الكتاب...)!

    وفي الأخير: اعلمْ أنَّ من أهم أسباب الشفاء حسْنَ نفسيتك وقوة عزيمتك؛ فقوِّ تعلقك بالله تعالى، وبإذن الله تعالى تشفى وتعافى ويُكتب لك الأجر كاملًا!


    فهوِّن على نفسِك هوَّن الله عليك، وأتمَّ شفاءك، ولا تحزن، وأبشِر؛ فإنَّ مرَض المسلم كفَّارة له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها قالتْ: قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «ما من مصيبة تصيب المسلِمَ إلَّا كفَّر الله بها عنه، حتى الشوكة يُشاكها» رواه البخاري، في باب: ما جاء في كفارة المرض، ومسلم في باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض، أو حزن، أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها، ولفظ مسلم: «لا يُصيب المؤمنَ من مُصيبةٍ، حتى الشوكةِ، إلا قُصَّ بها من خطاياه، أو كُفِّر بها من خطاياه».


    وأخرج مسلم أيضًا عن أبي سعيد، وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «ما يُصيب المؤمنَ من وصَبٍ، ولا نصَب، ولا سَقَم، ولا حَزَن، حتى الهمِّ يُهمُّه، إلا كُفِّر به مِن سيِّئاته»!

    فالله يكفِّر عنك ذنوبك وخطاياك بهذا البلاء، ويرفعُك يُعلي درجتَك عنده؛ فاستبشر خيرًا..

    وقد ورد عن أحد السلف أنَّه مرِضَ في قدمه، فلم يتوجع ولم يتأوه، بل ابتسم واسترجَع؛ فقيل له: يُصيبك هذا ولا تتوجع؟! فقال: إنَّ حلاوة ثوابِه أنستني مرارة وجعه!

    ومع ذلك فلا يَنبغي للمؤمن أن يتمنَّى البلاء، ولا أن يسأل الله أن ينزل به المرضَ؛ فقد قال النبيُّ الله صلى الله عليه وسلم: «سلوا الله العفو والعافية؛ فإنَّ أحدًا لم يُعطَ بعدَ اليقينِ خيرًا من العافية» رواه النسائي وابن ماجه.

    فاللهم ارزقنا العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، وعافِ مرضى المسلمين أجمعين، واكتب أجرهم، وكفِّر عنهم، وارفع درجتهم، وارزقْهُم الصبر والرضا، وأنزل عليهم برْدَ اليقين الذي يهوّن عليهم ما يلاقونه من آلام.


    أ. رضا جمال
    شبكة الالوكة

  6. مُلَخَّص حُكم الصلاة إذا نامَ عنها أو نَسِيَها
    من المختصر البسيط لكتاب تمام المنة
    في فقه الكتاب وصحيح السنة
    لفضيلة الشيخ عادل العزازي أثابه الله[1]

     

    قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن نسِيَ صلاةً، فلْيُصلِّها إذا ذكرَها، لا كَفَّارة لها إلا ذلك))[2]، وفي رِواية: ((إذا رقَدَ أحدُكم عن الصلاةِ أو غفَلَ عنها، فلْيُصلِّها إذا ذكَرَها))[3].

     

    دَلَّتْ هذه الأحاديثُ وغيرها على وجوبِ أداء الصلاةِ إذا فاتتْ بنومٍ أو نِسيان، وأنه يجب أداؤها على الفَوْر، وسواء كانَ ذلك في وقتِ نهْي أو غيره، وأنَّه إذا أدَّاها مباشرةً وقعَتْ أداءً لا قضاءً، ولا إثمَ عليه؛ لأنَّه غير مُفرِّط.



    تنبيهات:

    1- اعلم أنه ليسَ في النَّومِ تَفْريط، لكنَّه إنْ تعمَّدَ النوْم مُتسببًا به لترْك الصلاة أو تأخيرها، فلا شكَّ في عِصيانِه، وكذلك مَن نامَ بعدَ أنْ ضاقَ الوقتُ لأداء الصلاة.

     

    2- يَنبغي للمكلّف أنْ يُراعِي الأسبابَ التي تُعينُهُ على اليَقظة للصلاة، فقد ثَبَتَ في الحديث أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين رجَعَ مِن غزوةِ خَيْبر أمَرَ بلالاً رضي الله عنه أنْ يَحرُسَ لهم الليل ليوقظَهم للصلاة[4]، فأينَ هذا ممَّن يَسْمُرُ لَيْلَُهُ فيما لا فائدةَ فيه، ولم يَحتطْ لنفسِهِ بمَن يُوقِظه للصلاة؟!
     

    3- مَن فاتتْه الصلاةُ لنوْم أو نِسيان فقامَ لأدائِها، فإنَّه يُشرَع له أنْ يؤذِّن للصلاة، ويُصلِّي السُنَن الراتِبة كما يُصلِّيها للوقت، ويُقيم الصلاة.
     

    4- إذا فاتتْه أكثرُ مِن صلاة لنوْمٍ أو نِسيان، فإنَّه يقضيها مرتَّبة كما يُصلِّيها للوقت، ويُقيم لكلِّ صلاة، وإنْ كانوا جماعةً صلَّوْها جماعة، وما كانَ مِن الصلاة الجهرية صلاَّها جهريةً، حتى لو كان في وقتِ السِّريَّة، وكذلك السرية يُسِرُّ بها حتى لو كان في وقت الجهرية.
     

    5- إذا فاتتْه صلاة الظهر مثلاً، فدخَلَ المسجدَ فوجدَ صلاة العصر قد أُقيمت، فإنَّه يُصلِّي العصر مع الإمام؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا أُقِيمتِ الصلاة فلا صَلاةَ إلا المكتوبة))[5]، وفي رواية: ((إذا أُقيمتِ الصلاة فلا صَلاةَ إلا التي أُقِيمت))[6]، والمفهومُ مِن الرواية الأولى أنه لا يُصلِّي العبدُ نافلةً أو فريضةً إلا التي أُقيم مِن أجلها والله أعلم، ثم بعد ذلك يُصلِّي الظهر، ولا يجب عليه أنْ يصلي العصر مرة أخرى طلبًا للترتيبِ؛ إذ لا دليلَ على ذلك.
     

    • وكذلك إذا فاتتهُ صلاة الظهر مثلاً، وقد تَضايقَ الوقتُ لأدائها بحيث إنَّه لو صلَّى الظهر خرَج وقتُ العصر، فالراجِح: أنَّه يُصلِّي العصر أولاً، ثم بعد ذلك يُصلِّي الظهر، ولا يجب عليه إعادةُ العصر طلبًا للترتيبِ، وكذلك الحُكم لو فاتتْهُ صلاة الصُبح وخاف إنْ صَلاَّها أنْ تفوته صلاةِ الجُمُعة فإنه يبدأ بصلاة الجمعة ثم بعدَ ذلك يُصلِّي الصُبح، ولا يجب عليه إعادةُ الصُبح والله أعلم[7]، وأما إنْ تذكَّرَ أثناءَ الخُطْبة أنه لم يصلي الصُبح، فعليه أنْ يُصلِّيها، ولو أدَّى ذلك إلى عدمِ سَمَاعِ الخُطبة، بشرط ألا تفوتَه صلاةُ الجُمُعة.
     

    6- ما تقدَّمَ مِن هذه الأحكام والتنبيهات هِيَ في حقِّ النائم والناسي؛ إذ لا تفريطَ عليهما، وأمَّا المتعمِّد لترْك الصلاة، فقد اختلفَ العلماءُ في وجوبِ قضاء هذه الصلوات التي تركَهَا؟!

     

    فذهبَ فريقٌ منهم إلى عدمِ قضاءها بل تلزَمُهُ التوبة، ولا تصِحُّ منه الصلاة إذا قضاها؛ لأنَّ اللهَ تعالى يقول: ﴿ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103]، فكما لا تصِحُّ منه قبلَ الوقت، كذلك لا تصِحُّ منه بعده.

     
    واحتجَّ الآخَرون الذين أوْجَبوا القضاءَ بقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فدَيْنُ الله أحقُّ بالقضاء))[8]، قالوا: والصلاةُ دَينٌ لا يَسقطُ إلاَّ بأدائه.
     

    7- قال ابن تَيْمِيَّة رحمه الله: "والمسافِر العادِم للماءِ - (أي الذي لا يجد الماء، أو يَصعُبُ عليه الوصول إليه، أو تعَذرَ عليه استخدامُه) - إذا عَلِم - (يعني إذا تيَقنَ) - أنه - سوف - يَجِد الماء بعدَ الوقت - (يعني بعد خروج وقت الصلاة) -، فلا يَجُوز له التأخيرُ إلى ما بعدَ الوقت، بل يُصلِّي بالتيمم في الوقت بلا نِزاع - (يعني بلا خلاف) -، وكذلك العاجِز عن الرُّكوع والسجود والقراءة إذا عَلِم - (يعني إذا تيَقنَ) - أنه يمكنه أن يُصلِّي بعد الوقت بإتمام الركوع والسجود والقراءة، كانَ الواجبُ أنْ يُصلِّي في الوقت بحسبِ إمكانه"[9].
     

    قال الشيخ عادل العزازي: (كَرَاكِبِ الطائرة أو القِطار - إذا كانَ وقتُ الصلاة سيخرج -، وكان لا يتمكَّن مِن أنْ يصلي قائماً، صلَّى حسبَ حالِهِ بالانحناء).
     

    ومِن ذلك أيضًا: مَن لم يجدْ إلا ثوبًا نجِسًا وخشي خروج الوقت، فإنه يصلَّى فيه ولا إعادةَ عليه، وكذلك إذا كان على ثوبه نجاسةٌ لا يستطيع إزالتَها قبلَ الوقت فإنه يصلَّى بها ولا إعادةَ عليه، وكذلك الحائض والجُنُب إذا لم يستطعِ الحصولَ على الماء قبْلَ خروج الوقتِ، تيمَّم وصلَّى ولا إعادةَ عليه.
     

    لكنْ إنِ استيقظ آخِرَ وقت الصبح (يعني قبل شروق الشمس بقليل) - والماء موجود - وهو يعلَم أنَّه إنِ اغتسلَ طلعَتِ الشمس، فالصحيحُ أنَّه يغتسل ويُصلِّي ولو طلعتِ الشمس، وهذا مذهبُ الشافعي وأحمد وأبي حنيفة، واختاره شيخُ الإسلام ابن تَيْمِيَّة رحمه الله[10]، لكنْ يُلاحَظ أنه لا ينشغل بشيءٍ إلا بالاغتسالِ والصلاة، فإنِ انشغل بشيءٍ آخَر أثِم.
     

    8- إنْ نسِيَ صلاةً ولم يعرفْ عينَها - (يعني لم يتذكرْ أيُّ صلاةٍ هذه التي نسِيَها) - فعَلَى أقوال:

    القول الأول: عليهِ أنْ يَقضِيَ خمسَ صلوات.

    والقول الثاني: عليه أنْ يَقْضي صلاةً ثُنائية، وصلاةً ثُلاثيَّة، وصلاة رُباعيَّة (يعني يصلي ركعتين، ثم يصلي ثلاث ركعات، ثم يصلي أربع ركعات) على اعتبار أنه يَنوي فرْض الوقت، ومعلومٌ أنَّ الرباعية فرْض لثلاثة أوقات، فإنْ كانتِ المَنسية ظُهرًا أو عصرًا أو عِشاءً، كانتْ تلك الصلاةُ الرُّباعيَّة فَرْضَها (يعني نيابة عنها)، وتكون الثنائية للصُّبح، والثلاثية للمغرِب، والله أعلم.
     


    "التلخيص على مسؤولية الكاتب"

    [1] مُختَصَرَة من كتاب (تمام المِنّة في فِقه الكتاب وصحيح السُنّة) لفضيلة الشيخ عادل العزّازي أثابه الله لمن أراد الرجوع للأدلة والترجيح، وأما الكلام الذي تحته خط أثناء الشرح من توضيحٍ أو تعليقٍ أو إضافةٍ أو غير ذلك فهو من كلامي (أبو أحمد المصري)، وقد تمَّ مراجعة المُلَخَّص من أحد تلاميذ الشيخ عادل.

    [2] البخاري (597)، ومسلم (684)، وأبو داود (442)، والترمذي (178)، والنسائي (1/ 293)، وابن ماجه (695).

    [3] وهي الرواية الآتية.

    [4] انظر صحيح مسلم (680)، وأبو داود (435)، والترمذي (3163)، والنسائي (2/ 296)، وابن ماجه (697).

    [5] مسلم (710)، وأبو داود (1266)، والترمذي (421)، وابن ماجه (1151)، والنسائي (2/ 116).

    [6] حسن: وهو بهذا اللفظ عند أحمد (2/ 352)، والطبراني في الأوسط (8/ 286)، والطحاوي في معاني الآثار (1/ 372).

    [7] انظر "الشرح الممتع" (139/ 142)، وانظر الملاحظة رقم (9).

    [8] البخاري (1953)، ومسلم (1148).

    [9] " الاختيارات الفقهية" (ص: 64).

    [10] مختصر الفتاوى المصرية (ص43).


    رامي حنفي محمود

    شبكة الالوكة


  7. القاعدة السابعة : { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ }

     

    الحمد لله، وبعد:
    فهذا مَناخ ظليل بين أفنان وخمائل موضوعنا المحجّل، ذي الغرة البهية: (قواعد قرآنية)، نتفيأ فيه ظلال قاعدة من قواعد التعامل الإنساني، تلكم القاعدة هي ما دل عليها قوله تعالى: { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ } [التوبة:91].

    لقد وردت هذه القاعدة في سياق الحديث عن موقفٍ سجله القرآن لبيان أصناف المعتذرين عن غزوة تبوك ـ والتي وقعت في شهر رجب من السنة التاسعة من الهجرة ـ ومَنْ هم الذين يُعذرون والذين لا يُعذرون؟! يقول سبحانه وتعالى:
    { وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90) لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93)} [التوبة].

    والمعنى: "ليس على أهل الأعذار الصحيحة من ضعف أبدان أو مرض أو زَمَانة، أو عدم نفقةٍ إثمٌ، بشرط لا بد منه، وهو: { إِذَا نَصَحُوا } أي: بنياتهم وأقوالهم سراً وجهراً، بحيث لم يرجفوا بالناس، ولم يثبطوهم، وهم محسنون في حالهم هذا، ثم أكد الرجاء بقوله: { وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [المحرر الوجيز ـ موافق للمطبوع:3/78، تفسير ابن كثير - دار الفكر:2/464].
    وبما أن القاعدة المقررة عند أكثر أهل العلم هي: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهذا يعني توسيع دلالة هذه القاعدة القرآنية التي دل عليها قوله سبحانه: { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ }، وهذا يدل على أن الأصل هو سلامة المسلم من أن يلزم بأي تكليف سوى تكليف الشرع، كما أن الآية تدل بعمومها أن الأصل براءة الذمة من إلزام الإنسان بأي شيء فيما بينه وبين الناس حتى يثبت ذلك بأي وسيلة من وسائل الإثبات المعتبرة شرعاً.

    أيها المحب لكتاب ربه:
    لقد كانت هذه الآية ـ ولا زالت ـ دليلاً يفزع إليه العلماء في الاستدلال بها في أبواب كثيرة في الفقه، خلاصته يعود إلى أنه "من أحسن على غيره، في نفسه أو في ماله، ونحو ذلك، ثم ترتب على إحسانه نقص أو تلف، أنه غير ضامن لأنه محسن، ولا سبيل على المحسنين، كما أنه يدل على أن غير المحسن - وهو المسيء - كالمفرط عليه الضمان" [تفسير السعدي:347].
    وإذا تجاوزنا الجانب الفقهي الذي أشرتُ إليه بإجمال، فلنتلفت قليلاً إلى ميدان من الميادين التي نحتاج فيها إلى هذه القاعدة، ذلك أن حياتنا تحفلُ بمواقف كثيرة يُفْتَحُ فيها باب الإحسان، وتتاح لآخرين أن يحسنوا على غيرهم فيبادروا بتقديم خدمة ما، وأول هؤلاء هم أهل بيت الإنسان من زوجة أو زوج أو ولد، فمن المؤسف أن يتجانف البعض هداية هذه القاعدة القرآنية، فيلحقوا غيرهم اللوم والعذل، والعتاب الشديد، مع أنهم محسنون متبرعون، فيساهمون ـ بذلك ـ شعروا أم لم يشعروا بإغلاق باب الإحسان أو تضييق دائرته بين العباد.

    أخي الموفق: تأمل هذا الصورة:
    يسعى أحد الناس في محاولة إتقان عملٍ دعوي بناء، أو اجتماعي مصلح، أو عائلي مثمر، ويبذل فيه جهده، وربما يبذل ماله، ويسير بعزمات ووثبات، وهو في هذا الأثناء يطلب من غيره أن يساعده ويعينه على العمل فلا يجد مواسيا، ولا رفدا، ولا ساعدا مساعدا، فيمضي وحده، ويجتهد مثابراً لينجح العمل ويبدوا وضاح المحيا، متألق الطلعة، فإذا جاء موعد الإفادة من هذا العمل، وظهرت بعض الثغرات، وبعض النقص الذي لا يسلم منه عمل البشر، فإذا به ـ بدلاً من أن يقابل بالشكر والتقدير مع التنبيه على الأخطاء بأسلوب لطيف ـ يقابل بعاصفة من اللوم والعتاب، هي أشبه برمي الشرر، أو وخز الإبر، مع أن هذا الشخص قد يكون استنجد بغيره للمساعدة فلم يجد، فواصل العمل وحده، فلما حان أوان قطف الثمرة، لم يجد إلا اللوم والعتاب والسباب، بسبب قلة حيلته، وضعف قدرته، أليس هذا من أحق الناس بقوله تعالى: { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ }؟!؟، ثم أو ليس أولئك خليقون أن يقال لهم:

    أقلوا عليهم لا أبا لأبيكمُ * من اللوم، أو سدوا المكان الذي سدوا


    وأمثال هذه الصورة تتكرر في مواقف أخر، في البيت، في المدرسة، في المؤسسة، وفي الشركة، في الدائرة الحكومية، وفي العمل الإعلامي، مع العلماء والدعاة، والمحتسبين، ومع غيرهم، فما أحوجنا إلى استشعار هذه القاعدة، وطريقة التعامل مع أوهام أو أخطاء المحسنين؛ لكي لا ينقطع باب الإحسان، فإنه إذا كثر اللوم على المحسنين والمتبرعين، وتقاعس من يفترض منهم العمل، فمن يبقى للأمة، ومن يوردها على العذب الزلال؟!

    وهذا كلّه ـ بلا ريب ـ لا يعني عدم التنبيه على الأخطاء أو التذكير بمواضع الصواب التي يفترض أن ينبه عليها، ولكن المهم أن يكون ذلك بأسلوب يحفظ جهد المحسن، ولا يفوت فرصة التنبيه على الخطأ، ليرتقي العمل، ويزداد جودة وجمالاً، ونضرة ورواءً.
    ومن المهم أيضاً ونحن نتحدث عن هذه القاعدة القرآنية، ألا نخلط بين ما تقدم وبين أن يلتزم الإنسان بشيءٍ ما، ثم يتخلى عنه، بحجة أنه محسن، فإن هذا من الفهم المغلوط لهذه القاعدة، ذلك أن الإنسان قبل أن يلتزم بوعد لطرف آخر فهو في دائرة الفضل والإحسان، لكن إن التزم بتنفيذ شيءٍ، والقيام به، فقد انتقل إلى دائرة الوجوب الذي يستحق صاحبه الحساب والعتاب، ولعل مما يقرب تصور هذا المعنى: النذر، فإن النذر إلزام المكلف نفسه بشيءٍ لم يكن واجباً عليه بأصل الشرع، كمن ينذر أن يتصدق بألف ريال، فهذا قبل نذره لا يلزمه أن يتصدق ولو بريال واحد، لكنه لما نذر، فقد التزم، فوجب عليه الوفاء، وهكذا ما نحن بصدده، وإنما نبهت على هذا لأن من الناس من أساء فهم هذه القاعدة، وطردها في غير موضعها، فصار ذلك سبباً في وجود النفرة بين بعض الناس، لأن أحد الطرفين اعتقد التزام الطرف الآخر، فاعتمد عليه ـ بعد الله ـ ثم تخلى ذلك الطرف عما التزم بحجة أنه محسن فوقع خلاف المقصود من باب الإحسان.

    وبما تقدم من هذا الإيضاح، يتبين لك ـ أيها المؤمن الموقر لكلام ربه ـ عظمةُ هذا الكتاب العزيز، حيث تأتي الآية موجزة المبنى، معدودة اللفظ، ثم هي تزخر بمعانٍ آسرة، كبيرة المضمون، كثيرة الدلالة، غزيرة النبع، فيفيد منها العلماء الأجلاء، والمربون الأكفاء، وأمم من الناس تسقي من عيونها المتفجرة إشراقة وجزالة، وجلالة وفخامة، وإيجازا في إعجاز، { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا (82)} [النساء].

    وصدق حسان - رضي الله عنه - حين قال:

    لقد كان في القرآن لو كنت عالما * به مجدنا في محكمات البصائر


  8. {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} [النحل : 58]

    ما أروع البشارة عندما تأتيك من الله جل جلاله .. وما اروع البشارة بالانثى !
    ولكن العجب كل العجب أن نقابل بشارة الله بعدم الرضى !

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما جاءته ابنته فاطمة ( ريحانه أضمها وعلى الله رزقها ) وكان يقف عندما تدخل عليه حباً لها ...
    ابنتك ياعزيزي هديتك الثمينة من الله ... زهرة بيتك وبسمته ، هي نبع من الحنان لوالديها واخوتها .. لن ترى مثيلا للهفتها وشوقها لك ورغبتها في خدمتك ورعايتك وكما قال رسولنا الكريم ( انهن المؤنسات الغاليات)
    أتحزن يوم قدومها ؟؟!!!
    سترى انها كلما كبرت كلما احتاج لها بيتك ..ولن ترتاح وهي بعيدة عنك ....

    الحذر الحذر أن يَظلم أحدنا ابنته فيفضل عليها الولد ، أو تُظلم في حقها من الميراث ..
    ولنتذكر قوله تعالى( وقفوهم انهم مسؤولون) إن أحسنت تربيتها  أدخلتك الجنة ..
    هنيئا لمن له ابنة ... وهنيئا لمن له أخت ...
    اللهم لك الحمد على ما أعطيت 

    فضل تربية البنات في السنة النبوية

    عن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( مَن عال ابنتينِ أو ثلاثًا، أو أختينِ أو ثلاثًا، حتَّى يَبِنَّ (ينفصلن عنه بتزويج أو موت)، أو يموتَ عنهنَّ كُنْتُ أنا وهو في الجنَّةِ كهاتينِ - وأشار بأُصبُعِه الوسطى والَّتي تليها ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني .
    وعن عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( مَنْ كان له ثلاث بنات فصبَرَ علَيْهِنَّ، وأطعَمَهُنَّ وسقاهُنّ، وكساهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ (سعته وطاقته)، كُنَّ لَهُ حجاباً مِن النارِ يومَ القيامة )، وفي رواية الترمذي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ لم يحدد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عددا من البنات، فقال: ( مَن ابتُلي بِشَيءٍ من البناتِ فصبرَ عليهِنَّ كُنَّ له حجاباً من النَّار ) .
     
     وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله ـ صلى الله علي وسلم ـ: ( ليسَ أَحَدٌ من أمتي يعولُ ثلاثَ بنات، أو ثلاثَ أخوات، فيُحْسِنَ إليهنَّ إلا كُنَّ لهُ سِترًا من النارِ ) رواه الطبراني وصححه الألباني .
    قال المباركفوري: " واختُلِفَ في المراد بالإحسان هل يقتصر به على قدر الواجب، أو بما زاد عليه؟، والظاهر الثاني، وشرط الإحسان أن يوافق الشرع لا ما خالفه، والظاهر أن الثواب المذكور إنما يحصل لفاعله إذا استمر إلى أن يحصل استغناؤهن بزوج أو غيره " .
     
    المصدر
    تأملات قرآنيه
    واسلام ويب
    46299346_305316153404546_2042134942112022528_n.jpg?_nc_cat=104&_nc_sid=8bfeb9&_nc_ohc=Lm7gHjZJNDIAX9BUqUs&_nc_ht=scontent.fcai2-1.fna&oh=be7b01b77845655c00564c331a4e2cda&oe=5F035C34


  9. إن من حكمة الله تعالى أن يبتلي عبده المؤمن بأنواع البلاء، ومن هذا الابتلاء الذي يُبتلى به المرض، قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [ص: 41، 44].


    قال ابن كثير - رحمه الله -: «هذه تذكرة لمن ابتلي في جسده، أو ماله، أو ولده، فله أسوة بنبي الله أيوب؛ حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك فصبر واحتسب، حتى فرج الله عنه»[1]. اهـ.


    وقد يبتلى المؤمن بالمرض لتقصيره ببعض ما أمر الله به فيكون المرض تكفيرًا لسيئاته، قال تعالى: ﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾ [النساء: 123].


    روى الإمام أحمد في مسنده من حديث زهير قال: أُخبرت أن أبا بكر- رضي الله عنه - قال: يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية: ﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾ [النساء: 123] فكل سُوءٍ عملنا جُزِيْنَا به؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا أَبَا بَكرٍ، أَلَستَ تَمرَضُ؟ أَلَستَ تَنصَبُ؟ أَلَستَ تَحزَنُ؟ أَلَستَ تُصِيبُكَ اللَّأْوَاءُ[2]؟» قَالَ: بَلَى، قَالَ: «فَهُوَ مَا تُجزَونَ بِهِ»[3].


    وقال تعالى: ﴿ إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [الشورى: 33].


    روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ، وَلَا حُزْنٍ، وَلَا أَذًى، وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ»[4].


    وروى الترمذي في سننه من حديث أنس- رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[5].


    قال بعض السلف: لولا المصائب لوردنا يوم القيامة مفاليس، وكان السلف يفرح أحدهم بالبلاء، كما يفرح أحدنا بالرخاء.


    ومنها أن يكونَ المرض سببًا لرفع منزلة المريض في الآخرة، روى ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِنَّّ الرَّجُلَ تَكُونُ لَهُ المَنزِلَةُ عِندَ اللهِ فَمَا يَبلُغُهَا بِعَمَلٍ، فَلَا يَزَالُ يَبتَلِيهِ بِمَا يَكرَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ ذَلِكَ»[6].


    وروى الترمذي في سننه من حديث جابر- رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلَاءِ الثَّوَابَ، لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ»[7].


    ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- سيد الأولين والآخرين، والمغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ابتلي بالمرض رِفعَةً لدرجاته، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، فَمَسَسْتُهُ بيَديِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ»، فَقُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَجَلْ»[8].


    بل إن النبي-صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي مات فيه أُغمي عليه ثلاث مرات، قالت عائشة - رضي الله عنهما - كما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشَدَّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-»[9].


    وقد يُجمَعُ للمريض الأمران، فيكون المرض تكفيرًا لسيئاته، ورفعة لدرجاته، وينبغي للمريض أن يتنبه لأمرين إذا تأملهما هانت عليه مصيبته وخفَّ همه وغمه:


    1- أن هذه المصيبة لم تكن في دينه؛ لأن المصيبة في الدين يجني صاحبها الآثام والعقوبات.


    2- أن مصيبته أخفُّ وأهون من مصيبة غيره، فلو سأل أو نظر إلى من حوله من المرضى لرأى من هو أشد منه ألمًا.


    قال شريح: ما أصابتني مصيبة إلا حمدت الله تعالى عليها لأربع:

    1- أن الله رزقني الصبر عليها.

    2- أن الله رزقني الاسترجاع عندها.

    3- أن الله لم يجعلها أكبر منها.

    4- أن الله لم يجعلها في ديني.


    روى مسلم في صحيحه من حديث أم سلمة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا»، قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا، فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-[10].



    ومن الوصايا التي يُوصى بها المريض:

    أولًا: إحسان الظن بالله تعالى: وأن من أحسن ظنه بالله رزقه الله الراحة النفسية، وطمأنينة القلب، روى ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلَا يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، إِنْ خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ شَرًّا فَلَهُ»[11].


    ثانيًا: الإكثار من ذكر الله ودعائه والإلحاح عليه في الدعاء، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]. وقال تعالى: ﴿ أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].


    قال ابن حجر: إن علاج الأمراض كلها بالدعاء والالتجاء إلى الله أنجع وأنفع من العقاقير الطبية، وأن تأثير ذلك وانفصال البدن عنه أعظم من تأثير الأدوية البدنية، ولكن إنما ينجح بأمرين: أحدهما من جهة العليل وهو صدق القصد، والآخر من جهة المداوي وهو قوة توجهه وقوة قلبه بالتقوى والتوكل[12]. اهـ.


    ثالثًا: أن على المريض ألا يتعلق بالأسباب كالمستشفيات والأطباء، والواجب أن يكون تعلق القلب بالذي أنزل الداء ولا يرفعه إلا هو، فإنه سبحانه هو الشافي لا شفاء إلا شفاؤه، ولا يرفع المرض إلا هو، سواء كان مرضًا بدنيًا أو نفسيًا، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنعام: 17]. وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [الشعراء: 80]. وقال تعالى عن نبي الله أيوب - عليه السلام -: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 83، 84].


    رابعًا: الصبر والاحتساب، وعدم الجزع والسخط، فإنه على قدر إيمان المؤمن يكون ابتلاؤه، روى الترمذي في سننه من حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ»[13].


    خامسًا: على المريض أن يرقي نفسه بالرقية الشرعية، كالفاتحة والمعوذتين وآية الكرسي، ومن الأدعية المأثورة قوله -صلى الله عليه وسلم-: «اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أَذْهِبِ الْبَاسَ، اشْفِهِ وأَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا»[14]. ومنها قوله -صلى الله عليه وسلم- للمريض: «ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ وَقُلْ: بِاسْمِ اللَّهِ ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ»[15].


    سادسًا: على المريض ألا ييأس من الشفاء، فالله على كل شيء قدير، قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87] وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82]. وأيوب - عليه السلام - مكث في البلاء ثماني عشرة سنة ثم كشف الله عنه وشفاه[16].


    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


    [1] البداية والنهاية (1/513).

    [2] اللَّْأواء: الشدة وضيق المعيشة.

    [3] (1/230) برقم 68 وقال محققوه حديث صحيح بطرقه وشواهده.

    [4] برقم 5642 وصحيح مسلم برقم 2573.

    [5] برقم 2396 وقال الألباني- رحمه الله - في صحيح الترمذي (2/285) برقم 1953 حديث حسن صحيح.

    [6] صحيح ابن حبان برقم 2897 والحاكم(1/664) برقم 1314 وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 1599.

    [7] برقم 2402 وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2/287) برقم 1960.

    [8] برقم 5667 وصحيح مسلم برقم 2571 واللفظ له.

    [9] برقم 5646 وصحيح مسلم برقم 2570.

    [10] برقم 918.

    [11] صحيح ابن حبان برقم 638 وأصله في الصحيحين.

    [12] فتح الباري (10/115).

    [13] برقم 2398 وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.

    [14] صحيح البخاري برقم 5743 وصحيح مسلم برقم 2191.

    [15] صحيح مسلم برقم 2202.

    [16] انظر كتاب لا بأس طهور إن شاء الله للشيخ عبدالعزيز السدحان.

    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
    شبكة الالوكة




     


  10. مُلَخَّص مُبطِلات الصلاة [1]

    (1) الكلام عَمْدًا:

    عن زَيْد بن أرقم رضي الله عنه قال: "كنَّا نتكلَّم في الصلاة؛ يُكلِّم الرَّجل منَّا صاحبَه، وهو إلى جنبه في الصَّلاة، حتَّى نزلَتْ : ﴿ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238]، فأُمِرْنا بالسُّكوت، ونُهِينا عن الكلام"[2].


    فهذا الحديث دليلٌ على تَحْريم الكلام في الصَّلاة، ولا خِلافَ بين أهل العلم أنَّ من تكلَّم في صلاته عامدًا عالِمًا، فسدَتْ صلاته، واختلَفوا في حُكْم الجاهل والنَّاسي، فقد ذهبَ بعضُ أهل العِلْم إلى تَسْوية الجاهل والنَّاسي بالمتعمِّد، ولكن الأرجَح التَّفرقة بين النَّاسي والجاهل وبين العامد، فالنَّاسي والجاهل لا تَبْطل صَلاته بالكلام، بخلاف العامد، والدَّليل على ذلك:

    (1) قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "إنَّ الله تجاوز عن أمَّتِي الخطأَ والنِّسيان وما استُكْرِهوا عليه"[3].


    (2) حديثُ معاوية بن الحكَم السُّلَمي رضي الله عنه قال: بينما أنا أُصلِّي مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذْ عطس رجلٌ من القوم، فقلتُ: يرحَمُك الله، فرَماني القومُ بأبصارهم، فقلت: واثُكْل أُمّيَاه! - (يعني فقدتني أمي) - ما شأنكم تَنْظرون إلَيَّ؟ فجعَلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلمَّا رأيتُهم يُصَمِّتونني، لكنِّي سكَتُّ، فلما صلَّى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فبأبي هو وأمِّي، ما رأيتُ مُعلِّمًا قبله ولا بعده أحسنَ تعليمًا منه، فوالله ما كَهَرني - (يعني ما نَهَرَني أو زجَرَني) - ولا ضربَني ولا شتَمني، قال: "إنَّ هذه الصَّلاة لا يَصْلح فيها شيءٌ مِن كلام النَّاس، إنَّما هو التَّسبيح والتكبير وقراءة القرآن[4]".


    ففي هذا الحديث دليلٌ على تَحْريم الكلام في الصلاة مطلقًا، سواء كان لحاجةٍ أو لغير حاجة، وسواء كان لإصلاحِ الصَّلاة، أو لغيرها، وأمَّا مَن ذهب إلى جواز الكلامِ للمَصْلحة مستدِلاًّ بحديث ذي اليدَيْن - (الذي سيأتي في أبواب سجود السَّهو) - فلا تقوم به الحُجَّة على ما ذهَبوا إليه، ولكن يُستفاد من حديث ذي اليدين أنَّه إذا تكلَّم وهو يظنُّ أنَّ صلاته قد انتهَتْ - أنَّ ذلك لا يُبْطل صلاتَه.


    • واعلم أنه لَم يثبت دليلٌ على أنَّ خروج حرفٍ أو حرفين لِبُكاء أو نَفْخ أو نَحْوه مُبْطِل للصلاة؛ لأنَّ هذا لا يكون كلامًا، بل هو مِثْل البصاق، وقد اتَّفقوا على أنَّ البصاق لا يُبطل الصلاة، بل ثبتَ خِلافُ ذلك؛ فعَنْ عبدالله بن عمرٍو رضي الله عنهما أنَّ النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "نفَخَ في صلاة الكسوف"[5].



    (2، 3) الأكل والشرب عمدًا:

    قال ابن المنذر: "أجمعَ أهل العلم على أنَّ مَن أكل أو شرب في صلاة الفَرْض عامدًا - أنَّ عليه الإعادة"[6]، وكذلك في صلاة النافلة عند الجمهور؛ لأنَّ ما أبطلَ الفرض يُبْطِل النَفل.


    والرَّاجح أنَّ الأكل يبطل الصَّلاة، سواء كان قليلاً أو كثيرًا، حتَّى لو كان بين أسنانِه شيءٌ فابتلعَه عمدًا، بطلَتْ صلاته، فإنِ ابتلع شيئًا مغلوبًا، أو كان ناسيًا، لَم تبطل صلاته[7]، ولذلك ينبغي أن يحرص العبد على المضمضة واستعمال السواك قبل الصلاة قدر ما يستطيع، والله المُستَعَان.



    (4، 5) مَن تَرك شرطاً أو رُكناً أو واجباً:

    فأما الشُّروط (كالطهارة واستقبال القبلة وغير ذلك) فمتَى أخَلَّ بأحدها، لم تَصِحَّ صلاتُه كما تقدم في تعريف معنى الشرط، وأما بُطلان الصلاة بسبب تَرْك الرُكن عَمْداً: فالدَّليل على ذلك حديثُ المُسِيءِ صلاتَه، لأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال للأعرابِيِّ - لَمَّا ترك الاطمئنان، وهو ركن من أركان الصلاة -: "ارجِعْ فصَلِّ؛ فإنك لم تُصلِّ"، فهذا يدلُّ على أنَّه لو تركَ رُكنًا عمدًا بطلَتْ صلاتُه في الحال، "وأمَّا إنْ ترَكَ الرُكن سهوًا: فإنه إنْ تذَكَّرهُ وهو في الصلاة: فإنه يعود ليأتي به (فمثلاً: لو أنَّه نَسِيَ الركوع، ونزل إلى السجود مباشرة، فإنْ تذكَّرَ قبل أن يصل إلى الركوع الذي في الركعة التالية، فإنه يعود ليأتي بالركوع المَنْسِي، ثم يُكمِل باقي الصلاة بدءاً مِن هذا الركوع، وأما إن كان قد وصل إلى مَوْضِع الركوع الذي في الركعة التالية فإنه يعتبر الركعة التي نَسِيَ ركوعها لاغية، وعليه أن يأتي بركعة أخرى مكانها، ثم يسجد للسهو).


    وأما إن لَم يذكُرْ هذا الركن حتَّى فرغَ من الصلاة، فإنْ طالَ الفَصْل (كأن يَمرُّ أكثر من خمس دقائق تقريباً): فإنه يُعيد الصَّلاة مِن أوَّلِها، وإن لم يَطُل الفصل فإنه يبني عليها (يعني يُكَبِّر، ثم يأتي بركعة مكان الركعة التي نَسِيَ رُكنُها، ثم يسجد للسهو)، ويُرْجَع في طول الفصل وقِصَره إلى العادة والعُرْف"[8].

    والحُكم في الواجبات أنه إنْ ترَكَها عمدًا، بطلَتْ صلاته كذلك، وأمَّا إنْ ترَكَها سهوًا، سجد للسَّهو، ولا يَلْزمه الإتيانُ بها[9].



    (6) العمل الكثير عمدًا:

    والمقصود به أعمالٌ ليست من جِنْس الصَّلاة.


    قال النوويُّ رحمه الله: "إنَّ الفعل الذي ليس من جِنْس الصَّلاة إن كان كثيرًا، أبطَلَها بلا خلاف، وإن كان قليلاً، لَم يُبطِلْها بلا خلاف، وهذا هو الضَّابط.. . قال: والجُمْهور أنَّ الرُّجوع فيه إلى العادة؛ فلا يضرُّ ما يعدُّه الناس قليلاً كالإشارة بِرَدِّ السَّلام، وخَلْع النَّعل، ورَفْع العمامة ووَضْعها، وَلِبْس ثَوْبٍ خفيف ونَزْعه، وحَمْل صغير وَوَضْعِه، ودَفْع مارٍّ، ودَلْك البُصاق في ثوبه، وأشباه ذلك"[10]، ثُمَّ ذكرَ مثالاً للعمل الكثير، وهو الخطوات المُتَتالية، بخلافِ ما إذا خطا خُطْوة، ثم وقف، ثم أخرى، ثم وقَف.


    قال الشيخ عادل العزازي تعليقاً على هذا الكلام: (ليس في الخُطوات المتتالية دليلٌ على بطلان الصَّلاة).. إلى أن قال: (فالأَوْلى أن يُقال: كلُّ عملٍ يَنْشغل به - أي: المُصَلِّي - ولَم يُبِحْه له الشَّرع في الصلاة، يكون مُبطِلاً لِصَلاته، وأمَّا ما أذِنَ له فيه الشَّرع، أو كان فيه إصلاحًا للصَّلاة، فلا يُعَدُّ مبطلاً).



    (7) الضحك في الصَّلاة:

    قال ابن المنذر: "الإِجْماع على بُطْلان الصَّلاة بالضَّحِك"[11].. وقال أكثرُ أهل العلم: لا بأسَ بالتبَسُّم؛ أيْ: إنَّ التبسُّم لا يُبْطِل الصلاة.


    قال الشيخ عادل العزازي: (وليس معنى ذلك إباحةَ التبسُّم في الصلاة؛ لأنَّ ذلك يُنافي حال الخشوع والإقبال على صلاته، لكنَّه لو تبسَّم، فلا تَبْطل صلاته).



    "التلخيص على مسؤولية الكاتب"

    [1] مُختَصَرَة من كتاب (تمام المِنّة في فِقه الكتاب وصحيح السُنّة) لفضيلة الشيخ عادل العزّازي أثابه الله لمن أراد الرجوع للأدلة والترجيح، وأما الكلام الذي تحته خط أثناء الشرح من توضيحٍ أو تعليقٍ أو إضافةٍ أو غير ذلك فهو من كلامي (أبو أحمد المصري).

    [2] البخاري (1200، 4534)، ومسلم (539)، وأبو داود (949)، والترمذي (405).

    [3] صحيح: رواه ابن ماجَهْ (2045)، والحاكم (198) من حديث ابن عبَّاس، وصحَّحه على شرطهما، ووافقَه الذهبي، وله شواهِدُ من حديث ابن عمر، وعُقْبة بن عامر، وأبي الدَّرداء، وثوبان.

    [4] مسلم (537)، ورواه أبو داود (930)، والنَّسائي (3/ 14)، وأحمد (5/ 447).

    [5] حسَنٌ: رواه أحمد (2/ 188)، وأبو داود (1194)، والنَّسائي (3/ 57).

    [6] "الإجماع" (ص 8).

    [7] راجع في ذلك "المجموع" (4/ 89 - 90).

    [8] انظر: المغني" (2/ 4).

    [9] وسيأتي تفصيلُ ذلك في أبواب سجود السهو..

    [10] "المجموع" للنووي (4/ 92 - 93).

    [11] نقلاً من كتاب "المجموع" للنووي (4/ 89).

    رامي حنفي محمود

    شبكة الالوكة

     

  11. من المختصر البسيط لكتاب تمام المنة
    في فقه الكتاب وصحيح السنة
    لفضيلة الشيخ عادل العزازي أثابه الله [1]


    21 - فإذا صلَّى ركعتَيْن جلس للتشهد الأول:

    وحكم هذا الجلوس: أنه واجب على مذهب الإمام أحمد - وهو الراجح -، وذهب بقيَّةُ المذاهب إلى أنه سُنَّة.


    وصفة هذا الجلوس:

    (الافتِراش) كما تقدَّم في صفة الجلوس بين السجدتَيْن (وذلك بأن يفترش قدمَه اليُسْرى جالسًا عليها، وينصب قدمه اليُمْنى موجِّهًا أصابعَها إلى القبلة (يعني يثني أصابع رجله اليمنى أثناء جلوسه قدر ما يستطيع، وإن لم يستطع أن يثنيها فلا شيئ عليه)، ويكون الجلوس بهذه الهيئة عندما يتشهد في الركعة الثانية للصَّلاة الثُّنائية (يعني إذا كانت الصَّلاة ركعتَيْن (كالصُّبْح وصلاة النَّفل)، وكذلك في التشهُّد الأول في الصلاة الثُّلاثية والرباعية.


    وأما وضْع اليدين في هذا الجلوس، فهو كالتالي:

    (أ) بالنسبة لأصابع اليد اليسرى: تكون مبسوطة على الفخذ (إذا كانت أصابع اليد اليمنى على الفخذ)، أو تكون على الرُّكبة (إذا كانت أصابع اليد اليمنى على الركبة).


    (ب) بالنسبة لأصابع اليد اليمنى: تكون بأحد الأوضاع التالية:

    الوضع الأول: أن يَقْبض الأصابع كلها ويشير بالسبابة.


    الوضع الثاني: أن يقبض الخنصر والبنصر، ويمسك الوسطى بالإبهام (كأنها حلقة)، ويشير بالمسبِّحة (السبابة).


    الوضع الثالث: أن يَعْقد ثلاثةً وخمسين؛ وذلك بأنْ يَضُمَّ ثلاثة أصابع (الخِنْصر والبنصر والوُسطى)، ويشير بالمُسَبِّحة (وهي السبابة)، ويَجْعل الإبهام أسفل السبابة على حرف راحة اليَد (يعني تكون فوق الوسطى وملاصقة للسبابة، كأنها تشير معها)، ويُلاحظ في وضع اليد اليمنى أن عظمة المرفق الأيمن تكون على فخذه اليمنى[2].


    ملاحظات وتنبيهات:

    (1) يجوز تَحْريك الأصبع في التشهد، كما يجوز تثبيته؛ والأفضل التحريك، لما ثبت في حديث وائل بن حُجر: "ثم رفع أصبعه، فرأيتُه يُحرِّكها؛ يدعو بها"[3]، (ولكن لا ننكر على من يقول بتثبيت الإصبع) لحديث ابن الزُّبَيْر عند أبي داود: "كان يشير بأصبعه إذا دعا لا يُحرِّكها"[4] وهو حديث مختلف في صحته، واعلم أن التحريك - أو التثبيت - يكون من بداية الشُّروع في التشُّهد (يعني من أول ما يقول: التحيات لله) حتَّى السلام.


    (2) تكون الإشارة بالأصبع في اتجاه القِبْلة، ويرمي بِبَصره إليها.


    (3) الحكمة من الإشارة بالأصبع ما ورد في الحديث من قولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لَهِيَ - (أي:السبَّابة) - أشَدُّ على الشيطان من الحديد))[5].


    (4) لا يجوز الإشارة بالسبَّابتَيْن (اليمنى واليسرى معا)، وإنَّما الإشارة تكون بسبَّابةِ اليمنى فقط؛ فقد رأى النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -رجلاً يُشير بأصبعَيْه فقال له: ((أَحِّدْ، أَحِّد))، وأشار بالسبَّابة - (يعني أمره أن يشير بسبابة واحدة فقط وهي  سبابة اليمنى) [6].


    وأيضًا فإنَّ السُّنة في اليد اليسرى أن تُبْسَط فيها الأصابع (بدون إشارة)، وعلى هذا فلو كانت اليمنى مقطوعةً سقطَتْ عنه سُنَّة الإشارة، فلا يُشِرْ بغيرها[7].


    22 – ويتشهد (يعني يقول التشهد بإحدى الصيغ الواردة والتي ستأتي بعد قليل):

    وقد ورد الأمرُ بِهذا التشهُّد في إحدى روايات المسيء صلاته، ولفظه: ((إذا قُمْتَ في صلاتك فكبِّر، ثم اقرأ ما تيسَّر معك من القرآن، فإذا جلَسْت في وسط الصلاة، فاطمَئِنَّ وافترش فخذك اليسرى، وتشهَّد))[8].


    حكمه: في هذا الأمر الوارد في الحديث السابق دليلٌ لِمَن قال بوجوب هذه الجلسة والتشهُّدِ فيها، وهو مذهب أحمدَ، واللَّيثِ، وإسحاقَ، وداود، وأبي ثور، ورواه النَّوويُّ عن جمهور المُحَدِّثين.


    صِيَغ التشهُّد: وردَتْ أكثر من صيغة للتشهد:

    (1) تشهُّد ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنَّا إذا جلَسْنا خلْفَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -في الصلاة نقول: السلام على الله، السَّلام على جبريل، السلام على ميكائيل، السَّلام على فلان، السلام على فلان، فالتفَتَ إلينا النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -فقال: ((إنَّ الله هو السَّلام، فقولوا: التحيَّات لله، والصَّلَوات والطيِّبات، السَّلام عليك أيُّها النبِيُّ ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله؛ فإنكم إذا فعَلْتُم ذلك فقد سلَّمْتُم على كلِّ عبدٍ صالحٍ في السموات والأرض))[9].


    قال الترمذيُّ رحمه الله:"حديث ابن مسعود أصحُّ حديث في التشهُّد، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم"[10].


    (2) تشهُّد ابنِ عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -يعلِّمُنا التشهُّدَ كما يُعَلِّمنا السُّورةَ من القرآن، فكان يقول: ((التحيَّات المباركات الصَّلَوات الطيِّبات لله، السلام عليك أيها النبِيُّ ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا رسول الله))[11]؛ رواه أبو داود والترمذي وصحَّحه، ورواه ابن ماجه وفيه: ((وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله)).


    (3) تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كان عمر يعلِّم الناس التشهُّد وهو على المنبر، يقول: قولوا: "التحيَّات لله، الزاكيات لله، الطيِّبات الصلوات لله، السلام عليك أيُّها النبي..." بِمِثل حديث ابن مسعود[12].


    (4) تشهُّد أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((.. إذا كان عند القعدة، فلْيَكن أوَّل قولِ أحَدِكم: التحيات الطيِّبات الصلوات لله، السلام عليك أيُّها النبِيُّ ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أنْ لا إله إلا الله - وفي روايةٍ: وحْدَه لا شريك له - وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله))[13].


    (5) تشهد ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -في التشهُّد: ((التحيات لله، الصلوات الطيِّبات، السلام عليك أيُّها النبِيُّ ورحمة الله وبركاته - قال: قال ابن عمر: زِدْت فيها: ((وبركاته)) - السَّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله - قال ابن عمر: زدت فيها: ((وحده لا شريك له)) - وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله))[14].


    ملاحظات:

    (1) اختلف العلماءُ في أفضل هذه الصِّيَغ، والأكثر على تفضيل صيغة ابن مسعود، واختار الشافعيُّ صيغة ابن عباس، والأرجح في هذا أن لا يَكْتفي بصيغة واحدة؛ مُحافَظةً على السُّنة، وحضورًا للقلب.


    (2) ورد في حديث ابن مسعود: "كُنَّا نقول ورسولُ الله حيٌّ: السَّلام عليك أيُّها النبِيُّ، فلما مات قلنا: السلام على النبِيِّ"[15].


    قال الحافظ رحمه الله:"هذه الزيادة ظاهِرُها أنَّهم كانوا يقولون: ((السلام عليك أيُّها النبي)) بكاف الخطاب في حياة النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -فلما مات النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -تركوا الخطاب، وذكروه بلفظ الغَيْبة، فصاروا يقولون: السَّلام على النبي"[16].


    وقد ثبت عن ابن الزبير، وعن ابن عمر، وعن عائشة (رضي الله عنهم) أنَّهم كانوا يقولون: السَّلام على النبي.


    قال الشيخ عادل العزازي:

    (فعلى هذا تكون هذه الصيغة ((السلام على النبيِّ)) هي الأَوْلَى بالإتيان بها؛ لِفِعْل الصحابة رضي الله عنهم) - (مع عدم الإنكار على من يقول: (السلام عليك أيُّها النبي)).


    (3) السُّنة إخفاء التشهُّد يعني لا نجهر به.


    23 - ثم يصلي على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -بعد أن يقول التشهد:

    ذهب الشافعيُّ إلى مشروعية الصلاة على النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -بعد التشهُّد الأول وأنه سُنَّة، والجمهور على أنه لا يشرع، وما ذهب إليه الشافعي أرْجَح، وسيأتي ذِكْر صِيَغ الصَّلاة على النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -بعد ذِكْر التشهُّد الأخير.


    24 - ثم يقوم إلى الركعة الثالثة مكبِّرًا رافعًا يديه:

    فقد ثبت في الحديث أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "كان إذا قام من الركعتين، كبَّر ورفع يدَيْه حتى يُحاذي بهما منكبيه، كما كبَّر عند افتتاح الصلاة".


    والظاهر أنه يجوز أن يكون التكبير (يعني قول كلمة: الله أكبر) قبل القيام من التشهد، كما يجوز أن يكون بعد القيام منه، وإن كان الأَصْرَح في ذلك أن يكبِّر أوَّلاً قبل القيام؛ لأن قوله في الرِّواية السابقة: "وإذا قام" يحتمل: إذا أراد القيام؛ كقوله تعالى: ﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ﴾؛ أي: إذا أردتم القيام، وكذلك لِمَا ثبت أن النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -"كان إذا أراد أن يسجد، كبَّر ثم يسجد، وإذا قام من القعدة، كبَّر ثم قام"[17].


    وأما موضع رفع اليدَيْن في هذا الموطن، فظاهِرُ الأحاديث أنه يرفعهما بعد قيامه كما تقدَّم، وكذلك في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -إذا قام من الركعتين، كبَّر ورفع يديه"[18].


    قال الشيخ عادل العزازي:

    وقد رأيت شيخَنا الألباني رحمه الله يرفع يديه في هذا الموطن قبل القيام مع التكبير، ويبدو أنه حَمَل الحديث على معنى: (إذا أراد القيام)، فإنِّي لم أقف على توجيهه لِمَعنى الحديث، فإن كان كذلك، فهو توجيه قويٌّ، كتوجيه التكبير وأنه قبل القيام، وهذا الذي يترجَّح عندي الآن، والله أعلم، (إذن يجوز أن يكون رفع اليدَيْن قبل القيام من التشهد، كما يجوز أن يكون بعد القيام منه، فلا ينكر أحد على أحد)، واعلم أنه يكون قيامه معتمدًا على يديه كما تقدم في قيامه من جلسة الاستراحة.


    25 - فإذا صلى الثالثة (في المغرب) أو الرابعة (في الصلوات الرباعية) جلس متورِّكًا:

    وهذا الجلوس ركنٌ من أركان الصلاة، وهذه الجلسة تكون إذا كانت الصلاة فيها أكثر من تشهُّد، فتكون جلسة التورُّك في التشهد الأخير، وأمَّا إذا كانت الصلاة ثنائيَّة، فيكون الجلوس بالافتراش كما تقدَّم، وأما هذه الجلسة فتُسمَّى: التورُّكَ، ولَها أكثر من صفة[19]:

    الصفة الأولى: أن يُخْرِج رجله اليسرى من الجانب الأيمن مفروشةً، ويَجْلس على مقعدته (يعني يلصق مقعدته بالأرض مباشرة دون أن يجلس على قدمه)، وتكون رجلُه اليمنى منصوبةً[20].


    الصفة الثانية: أن يَفْرِش القدمَيْن جميعًا، ويُخْرِجهما من الجانب الأيمن، ويَجْلس على مقعدته.


    الصفة الثالثة: أن يفرش قدمَه اليمنى، ويَجْعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه، ويَجْلس على مقعدته[21]


    وأما  موضع اليدين أثناء التشهد الأخير فهو على النحو السابق ذِكْرُه في التشهُّد الأول.


    ملحوظة:

    يرى الإمام أحمد أنَّ المسبوق (أي الذي فاتته ركعة مع إمامه على الأقل) إن شاء تورَّك في الجلسة الأخيرة مع الإمام، وإن شاء افترش، ثُم يتورَّك في تشهُّده بعدما يقضي ما عليه، ولكنه صرَّح فيمن أدرك من صلاة الظهر ركعتَيْن: لا يتورَّك إلا في الأخيرتَيْن[22]، قال الشيخ عادل العزازي: (وهذا الأرجح عندي والله أعلم - (يعني أن الراجح أنه لا يتورك إلا بعد أن يقضي ما عليه من ركعات) -  لِعُموم حديث ابن عمر المتقدِّم، فالأصل في الجلوس الافتراش، وإنَّما التورُّك يكون في التشهُّد الأخير الذي يعقبه السَّلام في صلاة بِها أكثر من تشهُّد، والله أعلم).


    26- ثم يتشهد (يعني يقول التشهد بإحدى الصيغ السابقة).


    27- ويصلِّي على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:

    (والتشهد الأخير، والصلاة على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -فيه) واجبان في هذا الجلوس، وقد تقدَّم في التشهُّد الأول دليلُ وصِيَغُ التشهد، وأما الصلاة على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -فقد تقدَّم أن ذكرها في التشهُّد الأول سُنَّة، ولكن ذكرها في الجلوس الأخير واجب، وهذا مذهب الشافعيِّ وإسحاقَ، وظاهرُ مذهبِ أحمد، وذهب مالكٌ والثوريُّ إلى أنه ليس بواجب، والدليل على وجوبه ما ثبت أنَّ النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -سمع رجلاً يدعو في صلاته لم يُمَجِّد ربَّه، ولم يُصَلِّ على النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -فقال: ((عَجِلَ هذا))، ثم دعاه النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -فقال: ((إذا صلَّى أحدُكم، فليبدأ بتمجيد ربِّه والثناء عليه، ثم ليُصلِّ على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -ثم ليَدْع بعْدُ بِما شاء))[23]، والظاهر أن ذلك في الجلسة الأخيرة.


    صِيَغ الصلاة على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:

    (1) عن أبي مسعود البدريِّ رضي الله عنه: قال: قال بشير بن سعد: أمَرَنا اللهُ أن نصلِّي عليك يا رسول الله، فكيف نصلِّي عليك؟ فسكَتَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -حتَّى تَمنَّيْنا أنه لَم يسأله، ثم قال: ((قولوا: اللهم صلِّ على مُحمَّد وعلى آل محمَّد، كما صلَّيْتَ على آل إبراهيم، وبارك على محمَّد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، في العالَمِين إنك حميد مَجِيد، والسلام كما قد علمْتُم))[24].


    (2) عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله، قد عَلِمْنا كيف نسلِّم عليك - (يقصد قوله في التشهد: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) -، فكيف نصلِّي عليك؟ قال: ((قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مَجيد، اللهم بارك على محمَّد وعلى آل محمدٍ، كما بارَكْتَ على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد))[25].


    وفي لفظٍ للبخاري وأبي داود: ((كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم) مكان (كما صليت على آل إبراهيم)، وكما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم) مكان (كما باركت على آل إبراهيم))، ورواه ابن حبَّان بهذا اللفظ (912).


    (3) عن أبي حُمَيد الساعديِّ رضي الله عنه أنَّهم قالوا: يا رسول الله، كيف نصلِّي عليك؟ قال: ((قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما صلَّيْتَ على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد))[26].


    (4) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: قال: قلنا: يا رسول الله، هذا السلام عليك، فكيف نصلِّي عليك؟ قال: ((قولوا: اللهم صلِّ على محمد عبدك ورسولك، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم))[27].


    28 - ثم يتعوَّذ بالله من أربع:

    فقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير، فلْيَتعوَّذ بالله من أربع: من عذاب جهنَّم، ومن عذاب القَبْر، ومن فِتْنة المَحيا والممات، ومن شرِّ المسيح الدجَّال))[28].


    وقد استَدلَّ بهذا الحديث مَن يقول بوجوب الاستعاذة من هذه الأربع بعد التشهُّد الأخير، وهو الراجح.


    فصلٌ: في أدعية الصَّلاة:

    (1) عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم: علِّمْنِي دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: ((قل: اللَّهم إنِّي ظلَمْتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحَمْني إنك أنت الغفور الرحيم))[29].


    (2) عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -كان يدعو في الصَّلاة: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، اللهم إني أعوذ بك من المَغْرَم والمأثم))[30]، ومعنى ((الْمَأثم)): الأمر الذي يَأْثَم به الإنسان، و((المَغْرَم)): الدَّيْن.


    (3) عن عمَّار بن ياسر رضي الله عنهما أنه صلَّى صلاة، فأوجز فيها، فأنكروا ذلك، فقال: "ألَمْ أُتِمَّ الرُّكوع والسُّجود؟"، فقالوا: بلى، قال: أما إنِّي دعَوْتُ فيها بدُعاء كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -يدعو به: (اللهم بعِلْمِك الغيبَ، وقدرتِك على الخلْقِ، أحْيِنِي ما عَلِمْتَ الحياة خيرًا لي، وتوفَّنِي إذا كانت الوفاة خيرًا لي، اللهم إنِّي أسألُك خشيتَك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحقِّ في الغضب والرِّضا، وأسألك القَصْد في الفقر والغِنَى، وأسألك نعيمًا لا يَنْفَد، وأسألك قرَّة عينٍ لا تنقطع، وأسألك الرِّضا بعد القضاء، وأسألك بَرْد العيش بعد الموت، وأسألك لذَّةَ النظر إلى وجهك، وأسألك الشَّوق إلى لقائك، في غير ضرَّاء مُضِرَّة، ولا فتنة مُضِلَّة، اللهم زيِّنَّا بزينة الإيمان، واجعلنا هُداة مهتدين))[31].


    (4) وكان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -إذا قام إلى الصلاة يكون آخر ما يقول بين التشهُّد والتسليم: (اللهم اغفر لي ما قدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسررْتُ وما أعلنت، وما أسرَفْت وما أنت أعلم به منِّي، أنت المقدِّم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت))[32].


    (5) وقد قال النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -لرجل: ((كيف تقول في الصلاة؟)) قال: أتشهَّد، ثم أقول: اللهم إنِّي أسألك الجنة وأعوذ بك من النار، أما إنِّي لا أحسن دَنْدنَتَك ولا دَنْدنة مُعاذٍ، فقال النبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((حولَهما نُدَندِن))[33]، ومعنى "الدَّندنة": أن يتكلَّم الرَّجُل بكلام تُسمع نغمته ولا يُفهَم[34].


    (6) وعن أنس رضي الله عنه قال: كنتُ مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -جالسًا، ورجُلٌ قائم يصلِّي، فلما ركع وتشهَّد، قال في دعائه: الله إنِّي أسألك بأنَّ لك الحمْدَ، لا إله إلا أنت الْمنَّان، بديع السَّموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حيُّ يا قيُّوم، إنِّي أسألك الجنة وأعوذ بك من النار، فقال النبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((تدرون بما دعا؟))، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((والذي نفسي بيده، لقد دعا اللهَ باسْمِه العظيم - وفي رواية: الأعظم - الذي إذا دُعِي به أجاب، وإذا سُئِل به أعطى))[35].


    (7) وقد دخل رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -المسجد، فإذا هو بِرَجُل قد قضى صلاته، وهو يتشهد ويقول: اللهم إنِّي أسألك يا ألله الواحد الأحد الصَّمَد، الذي لم يَلِد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحدٌ، أن تغفر لي ذنوبي إنَّك أنت الغفور الرحيم، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((قد غُفِر له، قد غفر له))[36].


    (8) وكان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -يقول في بعض صلاته: ((اللهم حاسِبْنِي حسابًا يسيرًا))[37].


    هل يجوز أن يدعو بغَيْرِ ما ذُكِر في الأحاديث المأثورة؟ الصحيح أنه يجوز ذلك لعموم الأحاديث السابقة، وكذلك لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ثم يدعو لنفسه ما بدا له))[38]؛ ولأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -دعا لأُناس: ((اللَّهم أَنْجِ الوليد بن الوليد...))[39]، ودعا على أناس: ((اللهم الْعَن رعلاً وذكوان...))[40].


    29- ثم يسلم:

    والتسليم رُكْن؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مِفْتاح الصلاة الطُّهور، وتَحْريمها التكبير، وتَحْليلها التسليم))[41].


    صفته:

    المشروع في التسليم أن يسلِّم تسليمتين؛ إحداهُما عن يَمينه، والأُخْرى عن يساره، ويَجوز أن يسلِّم تسليمة واحدة تلقاء وجهه؛ فعن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -كان يسلِّم تسليمة واحدة تلقاء وجهه"[42]، وثبت عنها أنَّها كانت تسلِّم تسليمة واحدة قبالة وجهها[43].


    ألفاظ السلام:

    (1) أن يقول عن يَمينه: السَّلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله.


    (2) قال الشيخ الألبانِيُّ رحمه الله:"وكان أحيانًا يزيد في التَّسليمة الأولى ((وبركاته))، وكان إذا قال عن يمينه: ((السلام عليكم ورحمة الله)) اقتصر - أحيانًا - على قوله عن يساره: ((السَّلام عليكم))"[44].


    حكم السلام:

    تقدَّم أنه رُكْن في الصلاة، وإنَّما الواجب في ذلك التَّسليمة الأولى فقط، أما التسليمة الثانية فهي مُستَحَبّة، وهذا رأي الجمهور، ومعنى ذلك أن مَن اقتصر على تسليمة واحدة أجزأته، خلافًا للحنفية الذين يرَوْن أن التسليم كلَّه مُستَحَبّ.


    ملاحظات:

    (1) إذا سلَّم المصلِّي تكون يداه مستقرتين على فخذيه، ولا يشير بِهما يمينا وشمالا مع التسليم.


    (2) بالنسبة للنِّية في التسليم: يَجتمع في التسليمِ بعضُ النَّوايا مثل:

    (أ) الخروج من الصَّلاة؛ لِما تقدَّم: ((وتحليلها التسليم)).

    (ب) أن ينوي السَّلام على الملائكة المقرَّبين ومن تَبِعَهم من المسلمين والمؤمنين.

    (جـ) أن ينوي السَّلام على أخيه مِن على يَمينه وشماله.


    (3) يُستَحَبّ للمأموم أن لا يبتدئ السَّلام حتَّى يفرغ الإمامُ من التسليمتَيْن، ويجوز له أن يسلِّم بعد فراغه من التسليمة الأولى.


    (4) كذلك يُستَحَبّ للمسبوق ألاَّ يقوم ليأتي بِما فاته إلاَّ بعد أن يسلِّم الإمام التسليمتين، ويجوز له أن يقوم بعد فراغه من التسليمة الأولى، فإن قام قبل شروع الإمام في التسليمة الأولى بطلت صلاتُه.


    (5) قال الشافعيُّ رحمه الله: "إذا اقتصر الإمام على تسليمة يُسَنُّ للمأموم تسليمتان؛ لأنَّه خرج عن متابعته  بـ - التسليمة - الأولى، بِخلاف التشهُّد الأول لو تركه - (الإمام) - لزم المأمومَ تركُه؛ لأن المتابعة واجبة عليه قبل السَّلام"[45].


    (6) لو بقي على المأموم إتْمام التشهُّد والصلاة على النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -بعد فراغ الإمام من التسليم، فله أن يُتِمَّه، ولا يخرجه ذلك عن المتابعة؛ لأنَّ المتابعة انتهَتْ بتسليم الإمام.


    (7) قال النوويُّ رحمه الله:"قال أصحابنا: ولو سلَّم التسليمتَيْن - معا - عن يَمينه أو عن يساره أو تلقاء وجهه، أجْزَأه وكان تاركًا للسُّنة، وقال البغويُّ: لو بدأ باليسار كره وأجزأه"[46].

    ويُستَحَبّ الذِّكر بعد الصلاة:

    يُستَحَبّ ذِكْر الله عزَّ وجلَّ بعد السلام، وذلك للإمام والمأموم والمنفرد، والرَّجل والمرأة، والمقيم والمسافر، وغيرهم، وورد في ذلك أحاديثُ، منها:

    (1) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -بالتكبير"[47]، وفي روايةٍ له: أن رفع الصوت بالذِّكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سَمِعته.


    قال الشيخ عادل العزَّازي: وظاهر الحديث يدلُّ على رفع الصوت بالتكبير - (كل واحد بمفرده) - كما لا يَخْفى، وهذا هو الرَّاجح، والله أعلم.


    (2) وكان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -إذا انصرف من صلاته، استغفر ثلاثًا، وقال: ((اللهم أنت السَّلام ومنك السلام، تبارَكْتَ يا ذا الجلال والإكرام))[48].


    (3) وعن عبدالله بن الزُّبَير رضي الله عنه  أنه كان يقول في دبر كلِّ صلاة حين يُسَلِّم: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله - وفي رواية: ((العلي العظيم)) - لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إيَّاه، لا إله إلا الله له النعمة وله الفَضْل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مُخْلِصين له الدِّينَ ولو كره الكافرون))، وقال: كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -يُهَلِّل بِهنَّ دبُرَ كل صلاة[49].


    (4) وكان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، اللهم لا مانع لِما أعطيتَ ولا مُعْطِيَ لما منعت، ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجدُّ))[50].


    (5) وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه  قال: "أمرَنِي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -أن أقرأ بالمعوذتين دبُرَ كلِّ صلاة"[51].


    (6) وتقدم حديث معاذ رضي الله عنه  أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -أخذ بيده يومًا، ثم قال: ((يا معاذ، إنِّي لأحبُّك))، فقال له معاذ: بأبي أنت وأمِّي يا رسول الله، وأنا أحبُّك، قال: ((أوصيك يا معاذ، لا تدعَنَّ في دبر كلِّ صلاة أن تقول: اللَّهم أعنِّي على ذِكْرِك وشكرك وحُسْنِ عبادتك))[52].


    (7) وقال النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((من سبَّحَ الله دبر كلِّ صلاة ثلاثًا وثلاثين، وحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبَّر الله ثلاثًا وثلاثين، تلك تسع وتسعون، ثم قال تَمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قديرٌ، غُفِرت له خطاياه وإن كانت مثل زبَدِ البحر))[53].


    (8) وعن سالِمِ بن أبي بكرة قال: كان أبي يقول في دبر كلِّ صلاة: ((اللهم إنِّي أعوذ بك من الكفر والفقر، وعذاب القَبْر))، فكنت أقولُهنَّ، فقال: أيْ بني، عمَّن أخَذْت هذا؟ قلت: عنك، قال: "إنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -كان يقولهن دبر الصلاة"[54].


    (9) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه  أنه كان يُعَلِّم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلِّم المعلِّمُ الغلمانَ الكتابة، ويقول: إنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -كان يتعوَّذ بِهنَّ دبر الصلاة: ((اللهم إنِّي أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أُرَدَّ إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدُّنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر))[55].


    (10) وعن أبي هريرة رضي الله عنه  مرفوعًا إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، بعدما يصلِّي الغداةَ - (يعني صلاة الصبح) - عشر مرات، كتَبَ الله عزَّ وجلَّ له عشر حسنات، ومَحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكُنَّ له بعِدْل عتق رقبتَيْن من ولد إسماعيل، فإنْ قالها حين يمسي كان له مثل ذلك، وكُنَّ له حجابًا من الشيطان حتَّى يصبح))[56].


    (11) وكان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -يقول إذا صلَّى الصبح حين يسلِّم: ((اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وعملاً متقبَّلاً))[57].


    (12) وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((خصلتان - أو خَلَّتان - لا يُحْصيهما رجلٌ مسلم إلاَّ دخل الجنة، وهُما يسير، ومن يعمل بِهن قليل؛ يُسبِّح في دبر كلِّ صلاة عشرًا، ويَحْمد عشرًا، ويكبِّر عشرًا، فذلك خمسون ومائة باللِّسان، وألف وخمسمائة في الميزان، ويكبِّر أربعًا وثلاثين إذا أخذ مضجعه، ويحمد ثلاثًا وثلاثين، ويسبح ثلاثًا وثلاثين، فذلك مائة باللسان، وألْفٌ في الميزان))، فلقد رأيتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -يعقدها بيده، قالوا: يا رسول الله، كيف هُما يسير، ومن يعمل بِهما قليل؟ قال: ((يأتي أحدَكم - يعني الشيطان - في منامه فينومه قبل أن يقول، ويأتيه في صلاته فيذكِّره حاجته قبل أن يقولها))[58].


    ملاحظات:

    (1) ما يفعله كثيرٌ من المصلِّين بعد الصلاة بقراءة أحدهم آيةَ الكرسيِّ جهرا، ثم يقول: سبحان الله فيسبحون... إلخ، هذه من البدع؛ لأنَّ هذه الهيئة ليس عليها دليلٌ من الشرع.


    (2) ما ورد من آثار في استعمال السبحة للذِّكْر كلها ضعيفة لا يُحتج بها، والأولى العَقْد على الأنامل (يعني أطراف الأصابع)؛ لأنَّهن مستنطَقات يوم القيامة، وقد قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -لبعض النِّسوة:((... واعْقِدْن بالأنامل؛ فإنَّهن مسؤولات مستنطَقات))[59]؛ ولِما ثبت عن ابن عمرو رضي الله عنهما: رأيت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -يعقد التسبيح - زاد في رواية - بيمينه[60]، ولكن لا ننكر على من يستعمل السبحة في غير أذكار الصلاة، لأن الأمر محل خلاف بين العلماء في مشروعيتها.


    (3) لا يشرع مسح الوجه بعد الدُّعاء والذِّكر.


    (4) ما يفعله كثير من المصلين من مُصافحة بعضهم بعضًا بعد كل صلاة، يقول أحدهم "حرَمًا"، والآخَر: "جمعًا"، أو نحو ذلك - لا أصل له من الشَّرع، بل هو من البدع المُحْدثة التي ينبغي أن تُمْحى، ولو كان ذلك مشروعًا لكان الأولى به النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -وأصحابَه.


    (5) من البِدَع كذلك ما يفعله بعض المصلِّين من السجود بعد الصلاة للدُّعاء أو للشُّكر ونحوه، ولو كان ذلك مشروعًا لكان الأولى به النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -وأصحابَه.


    (6) قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "لم يصح عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -أنه كان يرفع يديه بعد صلاة الفريضة، ولم يصحَّ ذلك أيضًا عن أصحابه رضي الله عنهم...، وما يفعله بعض الناس من رفع أيديهم بعد صلاة الفريضة - (مباشرة) - بدعة لا أصل لها"[61].


    قال الشيخ عادل العزازي:

    وأما حديث أبي أمامة رضي الله عنه  قيل لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أي الدعاء أسمع؟ قال: ((جوف الليل الآخِر، ودبر الصلوات المكتوبات))، فإسناده ضعيف، وعلى فرضيَّة صحته فليس فيه رفع الأيدي في هذا الدُّعاء، فهو مَحْمول على الأدعية السالف ذِكْرُها؛ أيْ: عقب التشهد وقبل السلام.


    تنبيهات عامَّة:

    (1) إذا انتهت الصلاة، فإنْ كان خلف الصُّفوف نساءٌ، استُحِبَّ للإمام أن يَلْبث قليلاً قبل أن يلتفت للمأمومين حتَّى ينصرف النساء، فإن لم يكن معهم نساء، فلا يُستَحَبّ له إطالة الجلوس، بل ينبغي أن يلتفت مباشرة بعد أن يقول:   ((اللهم أنت السَّلام ومنك السلام، تبارَكْتَ يا ذا الجلال والإكرام))، لِما ثبت أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -كان إذا سلم لم يَقْعد إلاَّ مقدار ما يقول: ((اللهم أنت السَّلام ومنك السلام، تبارَكْتَ يا ذا الجلال والإكرام))[62].


    (2) يجوز للإمام أن ينصرف - يعني يلتفت للمأمومين - عن يمينه أو عن شماله، ومن السنة أن يفعل هذا تارة، وهذا تارة، لأنه ثبت أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -كان ينصرف عن يمينه، كما ثبت أنه كان ينصرف عن شماله.


    (3) الأفضل أن يصلِّي النافلة في بيته، لكنَّه إن صلاَّها في المسجد، فلا يَصِل صلاة النافلة بالفريضة مباشرة حتَّى يفصل بينهما بكلام، أو تسبيح، أو يتحوَّل عن مكانه الذي صلى فيه الفريضة.


    (4) المرأة كالرَّجُل في جَميع أحكام الصلاة، وهذا هو الراجح، وأما ما استحبَّه بعضُ العلماء بأن تضمَّ نفسها في السُّجود ونحو هذا، فمِمَّا لا دليل عليه.


    (5) وينبغي للمأموم ألاَّ ينصرف قبل أن يلتفت الإمام للمأمومين؛ لِما ثبت أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -قال:(إنِّي إمامُكم، فلا تبادروني بالرُّكوع ولا بالسُّجود، ولا بالقيام ولا بالانصراف))[63]، قال ابن قدامة رحمه الله: "فإنْ خالف الإمامُ السُّنةَ في إطالة الْجُلوس مستقبل القِبْلة أو انْحَرف، فلا بأس أن يقوم ويدَعَه"[64].


    (6) إذا عرض عارضٌ لأحد المأمومين يقتضي خروجه من الصلاة فإنه يُستَحَبّ للإمام أن يُخفِّف؛ لِما ثبت في الحديث أن النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -قال: ((إنِّي لأَقُوم في الصلاة، وأنا أريد أن أطوِّل فيها، فأَسْمع بكاء الصَّبِي، فأتجوَّز؛ كراهيةَ أن أشُقَّ على أمِّه))[65].


    قال الخطَّابي:

    "فيه دليلٌ على أنَّ الإمام وهو راكعٌ إذا أحسَّ بِرَجُل يريد الصلاة معه، كان له أن ينتظره راكعًا؛ لِيُدرك فضيلة الرَّكعة في الجماعة؛ لأنه إذا كان له أن يحذف من طول الصَّلاة؛ لِحاجة الإنسان في بعض أمور الدنيا، كان له أن يزيد فيها؛ لعبادة الله، بل هو أحقُّ بذلك وأولى، وقد كَرِهَه بعض العلماء..."[66].


    (7) يُستَحَبّ أن يكون شروع المأموم في أفعال الصلاة من الرَّفع والوضع بعد فراغ الإمام منه، ويُكْرَه أن يفعله معه في قول أكثر أهل العلم (يعني تكره مساواة المأموم للإمام في أفعال الصلاة من الخفض والرفع).


    واعلم أنه لا يجوز للمأموم أن يسبق إمامه؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا تسبقوني بالرُّكوع ولا بالسجود، ولا بالقيام ولا بالانصراف))[67]، ولقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -أيضا: ((أمَا يَخْشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يَجْعل الله صورته صورةَ حمار؟))[68]، والظاهر من كلام الإمام أحمد أنَّه إنْ سبَق إمامه عمدًا، بطلَتْ صلاتُه، وثبت ذلك عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما وقد تقدَّم قولُ الجمهور: إنَّه أساء، وصلاته صحيحة.


    (8) إن سَبَق الإمامُ المأموم بِرُكن كامل، مثل أن يركع الإمام ويرفع قبل أن يركع المأموم (لِعُذر من نُعاس أو زحام أو عجلةِ الإمام)، فإنَّه - أيِ: المأموم - يأتي بالركن الذي سُبِق به، ثم يدرك إمامه ولا شيء عليه.


    وأما إن سبقه بأكثر من ركن وأقلَّ من ركعة (لِعُذر أيضًا)، فالمنصوص عن الإمام أحمد أنَّه يتبع إمامه (يعني لا يأتي بالأركان التي سبقه بها الأمام، بل يتابع الإمام على آخر وضع يجده عليه)، ولا يعتد بتلك الرَّكعة (يعني يقضي ركعةً كاملة بعد انتهاء الصَّلاة)، وأمَّا عند الشافعي: يأتي بِما فاته من أركان ثم يكمل متابعة الإمام، واستدلَّ على ذلك بصلاته - صلَّى الله عليه وسلَّم -بأصحابه صلاة الخوف، وهذا ما رجَّحَه ابن قدامة في "الْمُغني".


    وأما إن سبقه بركعة كاملة، فإنَّه يتبع إمامه (يعني لا يأتي بالأركان التي سبقه بها الأمام، بل يتابع الإمام على آخر وضع يجده عليه)، ويقضي ركعةً كاملة بعد انتهاء الصَّلاة، هذا كلُّه إذا كان لِعُذر، وأمَّا إن كان لِغَيْر عذر بطلَتْ صلاته.


    (9) ينبغي متابعة الإمام، بِحيث لا يتأخَّر المأموم عن إمامه لتطويل السجود مثلاً كما يفعله بعضُ العوام عند السَّجدة الأخيرة، فهذا من قلَّة الفقهِ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


    (10) نسوق الآن بيان بالشروط والأركان والواجبات والسُّنن، وهو إعادة مُختصرة لِما سبق، لكنَّها مجموعة:

    الشروط:

    دخول الوقت، وسَتْر العورة، واستقبال القِبْلة، والطهارة من الحدَث الأصغر والأكبر، وطهارة الثَّوب والبدن والمكان).


    الأركان:

    النيَّة، والقيام أثناء الصلاة، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والرُّكوع، والاعتدال، والسُّجود على الأعضاء السَّبعة، والجلوس بين السَّجدتَيْن، والطُّمَأنينة في جَميع الأركان، والجلوس الأخير، والتشهُّد الأخير، والصَّلاة على النبِيِّ صلى الله عليه وسلم فيه، وترتيب الأركان، والتسليم.


    الواجبات:

    (وهي التي يَجْبرها سجودُ السَّهو، وتسقط بالنِّسيان): تكبيرات الانتقال، وقَوْل: "سَمِع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد"، وتسبيحات الرُّكوع والسجود، والتشهُّد الأول، والجلوس فيه.


    وأما ما عدا ما ذُكِر من الأركان والواجبات والشُّروط  فهو من السنن (يعني من المُستَحَبّات، التي ليس عليها سجود للسهو سواء تركها ناسيا أو متعمدا).


    تنبيه:

    في بعض هذا التَّقسيم خلافٌ بين العلماء، وما ذكَرْتُه هو المعتمد من مذهب الحنابلة، إلاَّ النية فإنَّها عندهم من الشُّروط، والله أعلم.


    "التلخيص على مسؤولية الكاتب"


    [1] مُختَصَرَة من كتاب (تمام المِنّة في فِقه الكتاب وصحيح السُنّة) لفضيلة الشيخ عادل العزّازي أثابه الله لمن أراد الرجوع للأدلة والترجيح، وأما الكلام الذي تحته خط أثناء الشرح من توضيحٍ أو تعليقٍ أو إضافةٍ أو غير ذلك فهو من كلامي (أبو أحمد المصري)، وقد تمَّ مراجعة المُلَخَّص من أحد تلاميذ الشيخ عادل.

    [2] "تَلْخيص الْحَبير" (1/ 262).

    [3] رواه النَّسائي (2/ 126، 3/ 135)، وأحمد (4/ 318)، بسند صحيح، وهذه الزيادة انفرد بِها "زائدةُ بن قدامة، أبو الصَّلْت الثقفي" أحَدُ رواة الحديث؛ لذا يرى البعض أنَّها شاذَّة؛ لتفرُّده بها، ويرى البعض أنه لا مُنافاة؛ لأنَّ الحركة لا تُنافي الإشارة، بل إنَّ الإشارة تكون بِمَعنى الحركة أيضًا، كما يقولون عن الأخرس: يُفْهَم منه بالإشارة، ومعلوم أنَّ الإشارة المقصود بِها الحركة، وكما ثبت في الحديث أنه -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا قام إلى الثالثة فسبَّحوا له، أشار إليهم أنْ قُوموا، وهذه إشارة بِحَركة لا شكَّ، والعلمُ عند الله.

    [4] صحيح: ابن خزيمة (719)، والنَّسائي (2/ 236)، وابن حبان (1947).

    [5] رواه أحمد (2/ 119)، والبزار بإسناد حسن، وحسَّنه الشيخ الألباني في "المشكاة" (917).

    [6] صحيح: رواه أبو داود (1499)، والترمذي (3557)، والنَّسائي (3/ 38).

    [7] انظر "المجموع" للنووي (3/ 455).

    [8] رواه أبو داود (860)، والبيهقي (2/ 133) بسند جيد.

    [9] البخاري (831)، (1202)، (7381)، ومسلم (402)، وأبو داود (968)، والترمذي (289)، والنَّسائي (3/ 41)، وابن ماجَهْ (899).

    [10] مسلم (403)، وأبو داود (974)، والترمذي (290)، والنَّسائي (3/ 41)، وابن ماجَهْ (900).

    [11] "سُنن الترمذي" (2/ 81) تعليقًا على الحديث (289).

    [12] رواه مالك (1/ 90)، والبيهقي (2/ 144)، وابن أبي شيبة (1/ 261) بسند صحيح.

    [13] مسلم (404)، وأبو داود (972)، وابن ماجَهْ (901)، وهذه الزيادة عند أبي داود (973).

    [14] صحيح: رواه أبو داود (971)

    [15] البخاري (6265).

    [16] "فَتْح الباري" (11/ 56).

    [17] حسن: رواه أبو يعلى (6029)، وصحَّحه الشيخ الألباني في "الصحيحة" (604)، وله شاهد من حديث أبي حميد عند ابن حبان (1865).

    [18] رواه أبو داود (743)، وابن أبي شيبة (1/ 213) بسند صحيح.

    [19] انظر "الشرح الممتع" في بيان هذه الصفات (3/ 300).

    [20] الرواية الأولى عند البخاري (267)، والثانية عند أبي داود (963)، وسنده صحيح.

    [21] مسلم (579)، من حديث عبدالله بن الزُّبَيْر.

    [22] انظر "المُغْني" (1/ 451).

    [23] صحيح: رواه أبو داود (1481)، والترمذي (3477)، والنَّسائي (3/ 44).

    [24] مسلم (405)، وأبو داود (980)، والترمذي (3220)، والنَّسائي (3/ 47).

    [25] البخاري (3370)، (6357)، ومسلم (406)، وأبو داود (976)، وابن ماجَهْ (904).

    [26] البخاري (6360)، ومسلم (407).

    [27] البخاري (4798)، في كتاب الدعوات، وأبو داود (979).

    [28] مسلم (588)، وأبو داود (983)، والنَّسائي (3/ 58)، وابن ماجَهْ (909).

    [29] البخاري (834)، (3626)، ومسلم (2705)، والترمذي (3531)، والنَّسائي (3/ 53)، وابن ماجَهْ (3835).

    [30] البخاري (832)، (2397)، ومسلم (589)، وأبو داود (880)، والترمذي (3495)، وابن ماجَهْ (3838).

    [31] صحيح: رواه النَّسائي (3/ 54)، والحاكم (1/ 524)، وصحَّحه ووافقه الذهبي، وصحَّحه الشيخ الألباني في "صحيح الجامع" (1301).

    [32] مسلم (771)، وأبو داود (760)، والنَّسائي (2/ 132).

    [33] صحيح: رواه أحمد (3/ 474)، وأبو داود (792)، وابن ماجَهْ (910).

    [34] انظر "النهاية في غريب الحديث والأثر" (2/ 137).

    [35] صحيح: رواه أبو داود (1495)، وأحمد (3/ 245)، والبخاري في "الأدب المفرد" (705).

    [36] صحيح: رواه أبو داود (985)، والنَّسائي (3/ 52)، وأحمد (4/ 338)، وابن خزيمة (724).

    [37] حسن: رواه أحمد (6/ 48، 185)، وابن خزيمة (849)، والحاكم (1/ 57)، وصحَّحه ووافقه الذهبي، وفي "مِشْكاة المصابيح" (5562).

    [38] رواه النَّسائي (3/ 58) بسند صحيح.

    [39] البخاري (804)، (4560)، ومسلم (677).

    [40] البخاري (1003)، ومسلم (677)، وأبو داود (1070).

    [41] حسن: رواه أبو داود (61، 618)، والترمذي (3)، وابن ماجَهْ (275).

    [42] حسن لغيره: رواه الترمذي (296)، وابن ماجَهْ (919)، وابن خزيمة (729)، والحاكم (1/ 131)، وقال: صحيح على شرطهما، ووافقه الذهبي، وله شاهد من حديث أنس: رواه الطبراني في "الأوسط" (7/ 25)، والبيهقي في "السُّنَن" (2/ 179). وشاهد آخر عن سهل بن سعد، رواه ابن ماجَهْ (918)، والدارقطني (1/ 359). وعن سلمة بن الأكوع عند ابن ماجَهْ (920)، وعن سمرة عند الدارقطني (1/ 358)، ولا يَخْلو كلٌّ منها من مقال، لكنها تقوى بمجموعها.

    [43] صحيح: رواه ابن خزيمة (730)، والحاكم (1/ 231)، والبيهقي (2/ 179).

    [44] انظر "صفة صلاة النبي - صلَّى الله عليه وسلم" للألباني - رحمه الله - (ص168)

    [45] انظر: "المجموع" للنووي (3/ 484).

    [46] "الْمَجموع" (3/ 478).

    [47] البخاري (841، 842)، ومسلم (583).

    [48] مسلم (591)، وأبو داود (1513)، والترمذي (300)، والنَّسائي (3/ 68)، وابن ماجَهْ (928).

    [49] مسلم (594)، وأبو داود (1507)، والنَّسائي (3/ 70)، وأحمد (4/ 4).

    [50] البخاري (6330)، ومسلم (593)، وأبو داود (1505)، والنَّسائي (3/ 71).

    [51] صحيح: رواه أبو داود (1523)، والترمذي (2903)، والنَّسائي (3/ 68)، وفي لفظ عند أبي داود: "بالمعوذات"

    [52] صحيح: رواه أبو داود (1522)، والنَّسائي (3/ 53)، وابن خزيمة (751)، وابن حبان (2020)، والحاكم (1/ 273)، وصحَّحه على شرطهما ووافقه الذهبي.

    [53] مسلم (597)، والنَّسائي في "عمل اليوم والليلة" (143)، وأحمد (2/ 371).

    [54] صحيح: النَّسائي (3/ 73)، وأحمد (5/ 44)، والحاكم وصحَّحه على شرط مسلم (1/ 252)، ووافقه الذهبي.

    [55] البخاري (2822)، (6365)، (6390)، والترمذي (3567)، والنَّسائي (8/ 256).

    [56] صحيح: رواه الخطيب (12/ 389) من حديث أبي هريرة، ورواه أحمد (5/ 415) من حديث أبي أيوب، وفيه: ((أربع رقاب))، وفيه: ((وإذا قالَها بعد المغرب مثل ذلك))، والحديث رواه أحمد والترمذي من حديث عبدالرحمن بن غُنْم، وفيه: "قبل أن يثني رجليه"، لكنه فيه شهر بن حَوْشب، وقد اضطرب فيه، وانظر "السلسلة الصحيحة" (113).

    [57] رواه ابن ماجَهْ (925)، والطبراني في "الصغير" (2/ 36)، بإسناد جيد، ورواه أحمد (6/ 294)، وابن أبي شيبة (6/ 33).

    [58] صحيح: رواه الترمذي (3410)، وأبو داود (5065)، وابن ماجَهْ (926).

    [59] صحيح: أبو داود (1501)، والترمذي (3582)، وصحَّحه الحاكم، والذهبي، وحسَّنه النووي، وله شاهِدٌ عن عائشة موقوف.

    [60] صحيح: رواه أبو داود (1502)، والترمذي (3411)، والنَّسائي (3/ 79)، وقد رجح الشيخ أبو زيد أن هذه اللفظة شاذة، والرواية الأخرى "بيديه"، وبناء على ذلك فقد ذهب إلى شرعية التسبيح عليها.

    [61] "الفتاوى" (1/ 74).

    [62] مسلم (592)، وأبو داود (1512)، والترمذي (298)، وابن ماجَهْ (924).

    [63] مسلم (426)، والنَّسائي (3/ 83)، وأحمد (3/ 102).

    [64] "المُغْني" (1/ 561).

    [65] البخاري (707)، (868)، ورواه أبو داود (789)، والنَّسائي (2/ 59)، من حديث أبي قتادة، ورواه البخاري (709)، ومسلم (740)، من حديث أنس.

    [66] "مَعالم السنن" (1/ 499 - هامش أبي داود).

    [67] مسلم (426)، والنَّسائي (3/ 83).

    [68] البخاري (691)، ومسلم (427)، وأبو داود (623)، والترمذي (582)، والنَّسائي (2/ 96)، وابن ماجَهْ (961).


    رامي حنفي محمود
    شبكة الالوكة

  12. إِذا ما أظلَمَتْ حياتُكَ فاعلَم أنَّ النّورَ بينَ يديه...فَـعُدْ إليه.
    (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ)

     

    في طلب الرزق قال الله ( فامشوا ) وفي الذهاب للصلاة ( فاسعوا ) وفي طلب الجنة ( سابقوا ) وفي تحقيق التوحيد ( ففروا )   فبقدر الهدف يعظم المسير/ عايض المطيري

     

    ( ففروا إلى الله )

      "من فرَّ إلى الله آواه الله، ومن تكفل الله بأمره حماه ووقاه

    أجعلها شعارك وقرارك فيما بقى من عمرك وتذكر كثرة الساعين إذا وهن عزمك ، فلا ترض من عملك بالقليل .

     

        " ففروا إلى الله "

    سمى الله الرجوع إليه فراراً لأن في الرجوع لغيره أنواع المخاوف والمكاره , وفي الرجوع إليه أنواع المحاب والأمن. السعدي / فوائد القرآن

     

    فَالفَرَارُ إلى اللهِ تعالى وَاللُّجُوءُ إِلَيْهِ في كُلِّ حَالٍ وَفي كُلِّ كَرْبٍ وَفي كُلِّ هَمٍّ وَغَمٍّ هُوَ السَّبِيلُ للتَّخَلُّصِ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَمٍّ وَغَمٍّ وَكَرْبٍ وَبَلَاءٍ وَغَلَاءٍ وَتَسَلُّطٍ مِنَ الأَعْدَاءِ.

    الفَرَارُ إلى اللهِ تعالى هو السَّبِيلُ الوَحِيدُ للتَّخَلُّصِ مِنَ الضَّعْفِ، وَالفُتُورِ وَالذُّلِّ وَالهَوَانِ.

     

     

    يَا صَاحِبَ المَصَائِبِ والمِحَنِ وَالبَلَايَا، فِرَّ إلى اللهِ تعالى.

    يَا صَاحِبَ العَيْنِ البَاكِيَةِ وَالقَلْبِ الحَزِينِ، فِرَّ إلى اللهِ تعالى.

    أَيْنَ إِيمَانُنَا بِاللهِ تعالى الفَعَّالِ لِمَا يُرِيدُ، الذي يَقُولُ للشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ، وَالذي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ، وَالذي لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ في الأَرْضِ وَلَا في السَّمَاءِ؟

    أَيْنَ تَوَكُّلُنَا عَلَى اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾.

    وَالقَائِلِ: ﴿وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾؟

    أَيْنَ يَقِينُنَا بِاللهِ تعالى الذي مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ؟

     


    قُولُوا لِكُلِّ مَرِيضٍ: وَلِكُلِّ مَدِينٍ: وَلِكُلِّ مَكْرُوبٍ، وَلِكُلِّ مَظْلُومٍ، وَلِكُلِّ مُعْسِرٍ، وَلِكُلِّ فَقِيرٍ، وَلِكُلِّ مَحْرُومٍ، وَلِكُلِّ صَاحِبِ حَاجَةٍ، وَلِكُلِّ مَنْ ضَاقَتْ عَلَيْهِ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، اشْكُ أَمْرَكَ إلى مَنْ قَالَ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾.

    اشْكُ أَمْرَكَ إلى مَنْ قَالَ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.

    قَوِّ صِلَتَكَ مَعَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامَاً﴾.

    قَوِّ صِلَتَكَ مَعَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾.

     

    خَاطِبْ مَوْلَاكَ عَزَّ وَجَلَّ قَائِلَاً لَهُ:

    أَنْـتَ المَلَاذُ إِذَا مَا أَزْمَةٌ شَمِلَتْ *** وَأَنْتَ مَلْجَأُ مَـنْ ضَاقَتْ بِهِ الْحِيَلُ

    أَنْـتَ المُنَادَى بِهِ فِي كُــلِّ حَادِثَةٍ *** أَنْتَ الْإِلَهُ وَأَنْــتَ الذُّخْرُ وَالأَمَلُ

    أَنْتَ الغِيَاثُ لِمَنْ سُدَّتْ مَذَاهِبُهُ *** أَنْتَ الدَّلِيلُ لِمَنْ ضَـلَّـتْ بِهِ السُّبُلُ

    إِنَّـا قَـصَـدْنَـاكَ وَالآمَالُ وَاقِعَةٌ *** عَـلَـيْـكَ وَالكُلُّ مَلْهُوفٌ وَمُبْتَهِلُ

    وَرَحِمَ اللهُ تعالى مَنْ قَالَ:

    كَـمْ حَارَبَتْنِي شِدَّةٌ بِجَيْشِهَا *** فَضَاقَ صَدْرِي مِنْ لِقَاهَا وَانْزَعَجْ

    حَـتَّى إِذَا أَيِسْتُ مِـنْ زَوَالِهَا *** جَـاءَتْنِي الأَلْطَافُ تَسْعَى بِالفَـرَجْ

    يَا رَبِّ، عَجِّلْ بِالفَرَجِ عَنِ الأُمَّةِ كُلِّهَا. آمين.

    أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    ** ** **

     

    موقع
    احمد شريف النعسان

    وحصاد التدبر


  13.  
     
     
    القاعدة السادسة : { وَالصُّلْحُ خَيْرٌ }
     
    الحمد لله، وبعد:
    فهذه نسمة عنبرية، وزهرة عبهرية مع موضوعنا المرقوم بـ (قواعد قرآنية)، نقف فيها مع قاعدة من القواعد المهمة في بناء المجتمع، وربط أواصره، وإصلاحه، وتدارك أسباب تفككه، إنها قول ربنا العليم الخبير: { وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } [النساء:128].
    وهذه القاعدة القرآنية الكريمة، وردت مشرقة المعنى، مسفرة المبنى، في سياق الحديث عما قد يقع بين الأزواج من أحوال ربما تؤدي إلى الاختلاف والتفرق، وأن الصلح بينهما على أي شيء يرضيانه خير من تفرقهما، يقول سبحانه:
    { وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128)} [النساء].

    ويمكننا القول: إن جميع الآيات التي ورد فيها ذكر الإصلاح بين الناس هي من التفسير العملي لهذه القاعدة القرآنية المتينة.
    ومن المناسبات اللطيفة أن ترد هذه الآية في سورة النساء ، وهي نفس السورة التي ورد فيها قوله تعالى:
    { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)} [النساء].
    يقول ابن عطية مؤكداً اطّراد هذه القاعدة: "وقوله تعالى: { وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } لفظٌ عام مطلق، يقتضي أن الصلح الحقيقي ـ الذي تسكن إليه النفوس ويزول به الخلاف ـ خيرٌ على الإطلاق، ويندرج تحت هذا العموم أن صلح الزوجين على ما ذكرنا خير من الفرقة" [المحرر الوجيز ـ موافق للمطبوع:2/141].

    ومعنى الآية باختصار [مختصر من كلام العلامة السعدي]:
    "أن المرأة إذا خافت المرأة نشوز زوجها أي: تَرّفَعه عنها، وعدمِ رغبتِه فيها وإعراضه عنها، فالأحسن ـ في هذه الحالة ـ أن يصلحا بينهما صلحا، بأن تسمح وتتنازل المرأة عن بعض حقوقها اللازمة لزوجها على وجه تبقى مع زوجها، إما أن ترضى بأقل من الواجب لها من النفقة أو الكسوة أو المسكن، أو القسم بأن تسقط حقها منه، أو تهب يومها وليلتها لزوجها أو لضرتها، فإذا اتفقا على هذه الحالة فلا جناح ولا بأس عليهما فيها، لا عليها ولا على الزوج ، فيجوز حينئذ لزوجها البقاء معها على هذه الحال، وهي خير من الفرقة، ولهذا قال: { وَالصُّلْحُ خَيْرٌ }".
    يقول العلامة السعدي: "ويؤخذ من عموم هذا اللفظ والمعنى: أن الصلح بين من بينهما حقٌ أو منازعة ـ في جميع الأشياء ـ أنه خيرٌ من استقصاء كل منهما على كل حقه، لما فيها من الإصلاح وبقاء الألفة والاتصاف بصفة السماح.
    وهو ـ أي الصلح ـ جائزٌ في جميع الأشياء إلا إذا أحل حراماً أو حرم حلالاً، فإنه لا يكون صلحاً، وإنما يكون جوراً.
    واعلم أن كل حكم من الأحكام لا يتم ولا يكمل إلا بوجود مقتضيه وانتفاء موانعه، فمن ذلك هذا الحكم الكبير الذي هو الصلح، فذكر تعالى المقتضي لذلك ونبه على أنه خير، والخيرُ كلُّ عاقلٍ يطلبه ويرغب فيه، فإن كان - مع ذلك - قد أمر الله به وحث عليه ازداد المؤمن طلبا له ورغبة فيه.
    وذكر المانع بقوله: { وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ } أي: جبلت النفوس على الشح، وهو عدم الرغبة في بذل ما على الإنسان، والحرص على الحق الذي له، فالنفوس مجبولة على ذلك طبعاً، أي فينبغي لكم أن تحرصوا على قلع هذا الخلق الدنيء من نفوسكم، وتستبدلوا به ضده وهو السماحة، وهو بذل الحق الذي عليك، والاقتناع ببعض الحق الذي لك.
    فمتى وفق الإنسان لهذا الخلق الحسن، سهل حينئذ عليه الصلح بينه وبين خصمه ومعامله، وتسهلت الطريق للوصول إلى المطلوب، بخلاف من لم يجتهد في إزالة الشح من نفسه، فإنه يعسر عليه الصلح والموافقة، لأنه لا يرضيه إلا جميع ماله، ولا يرضى أن يؤدي ما عليه، فإن كان خصمه مثله اشتد الأمر" [تفسير السعدي].

    ومن تأمل القرآن، وأجال فيه ناظريه، رأى سعة هذه القاعدة من جهة التطبيق، فبالإضافة إلى ما سبق ذكره من الإصلاح بين الأزواج، فإننا نجد في القرآن الحث على الإصلاح بين الفئتين المتقاتلتين، ونجده يثني ثناء ظاهراً على الساعين في الإصلاح بين الناس:
    { لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } [النساء:114].

    بل تأمل ـ أخي القارئ ـ في افتتاح سورة الأنفال، فإنك مبصرٌ عجباً، فإن الله تعالى افتتح هذه السورة بقوله:
    { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين (1)} [الأنفال] فلم يأت الجوابُ عن الأنفال مباشرة، بل جاء الأمر بالتقوى وإصلاحِ ذاتِ البين، وطاعةِ الله ورسوله، لأن إغفال هذه الأصول الكبار سببٌ عظيم في شر عريض، ولعل من أسرار إرجاء الجواب عن هذا التساؤل بيان أن التقاتل على الدنيا ـ ومنها الأنفال (وهي الغنائم) ـ سببٌ في فسادِ ذات البين، ولهذا جاء الجواب عن سؤال الأنفال بعد أربعين آية من هذا السؤال.
    ولأهمية هذا الموضوع ـ أعني الإصلاح ـ أجازت الشريعة أخذ الزكاة لمن غرم بسبب الإصلاح بين الناس.

    إذا تقرر هذا المعنى المتين والشامل لهذه الآية الكريمة { وَالصُّلْحُ خَيْرٌ }، فمن المهم ـ حتى نفيد من هذه القاعدة القرآنية ـ أن نسعى لتوسيع مفهومها في حياتنا العملية، وأصدق شاهد على ذلك سيرة نبينا - صلى الله عيه وسلم - الذي طبق هذه القاعدة في حياته، وهل كانت حياته إلا صلاحاً وإصلاحا؟

    وكما قال شوقي:
     
    المصلحون أصابعٌ جمعت يداً * هي أنت، بل أنت اليدُ البيضاءُ
     

    وبخصوص هذا الموضع الذي وردت فيه هذه القاعدة القرآنية العظيمة، طبق النبي - صلى الله عيه وسلم - هذه القاعدة وأجراها حينما كبرت زوجه أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضي الله عنها، وقع في نفسه أن يفارقها، فكانت تلك المرأة عاقلة رشيدة، فصالحته على أن يمسكها وتترك يومها لعائشة، فقبل ذلك منها، وأبقاها على ذلك.

    وإذا برحنا مطوفين إلى ميدان سيرته الفسيح - صلى الله عيه وسلم - فإنا واجدون جملةً من الأمثلة السامقة الرائقة، منها:

    1- نموذج آخر في قصة بريرة ـ وهي أَمَةٌ قد أعتقتها عائشة رضي الله عنها ـ فكرهت أن تبقى مع زوجها، وكان زوجها شديد التعلق بها، حتى قال ابن عباس - رضي الله عنهما ـ كما في الترمذي ـ وهو يصف حب مغيث لبريرة: وكان يحبها، وكان يمشي في طرق المدينة ـ وهو يبكي ـ واستشفع إليها برسول الله صلى الله عيه وسلم، فقالت: أتأمر؟
    قال: لا بل أشفع،
    قالت: لا أريده.

    فانظر كيف حاول صلى الله عيه وسلم أن يكون واسطة خير بين زوجين انفصلا، وشفع لأحد الطرفين لعله يقبل، فلم يشأ أن يجبر، لأن من أركان الحياة الزوجية الحب، والرغبة.

    2ـ خرج مرة صلى الله عيه وسلم ـ كما في الصحيحين ـ من حديث سهل بن سعد: أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة، فأُخْبِرَ رسول الله صلى الله عيه وسلم بذلك، فقال: « اذهبوا بنا نصلح بينهم ».

    وعلى هذه الجادة النبوية سار تلاميذه النجباء من أصحابه الكرام وغيرهم ممن سار على نهجهم، ومن ذلك:

    3ـ خروج ابن عباس رضي الله عنه لمناظرة الخوارج ـ الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ـ فرجع منهم عدد كبير.
    ومن قلّب كتب السير وتنقل بين ردهاتها ألفى نماذج مشرقة لجهود فردية في الإصلاح بين الناس على مستويات شتى، ولعل مما يبشر بخير ما نراه من لجان إصلاح ذات البين، والتي هي في الحقيقة ترجمة عملية لهذه القاعدة القرآنية العظيمة: { وَالصُّلْحُ خَيْرٌ }.

    فهنيئاً لمن جعله الله من خيار الناس، الساعين في الإصلاح بينهم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
    ثم الصلاة على المختار سيدنا * وأفضل القول قول هكذا ختما
     
     
     
     
    الشيخ عمر المقبل
     
    موقع الكلم الطيب
     
     

  14. ملخص صفة الصلاة (الجزء الثاني)
    من المختصر البسيط لكتاب تمام المنة
    في فقه الكتاب وصحيح السنة
    لفضيلة الشيخ عادل العزازي أثابه الله [1]



    11- ثم يُكبِّر للركوع رافعًا يديه:

    ويتعلق بذلك بعض المسائل:

    (أ) ما المقصود بتكبيرات الانتقال؟

    تكبيرات الانتقال: هي التكبيرات التي ننتقل بها من حركة إلى أخرى أثناء الصلاة مثل تكبيرة النزول للركوع وتكبيرة النزول للسجود وغير ذلك.

     

    واعلم أن الثابت مِن فِعْله - صلَّى الله عليه وسلَّم - التكبيرُ (يعني قول كلمة: الله أكبر) في كلِّ خَفْض ورفْع، وهذا مُجْمَع عليه إلاَّ في الرفع من الرُّكوع، فيقول: سمع الله لمن حمده.

    وحكم هذه التَّكبيرات عند الجمهور الاستحباب، وقال أحمد في رواية له، وبعضُ أهل الظاهر: إنَّه يَجِب كلُّه[2]، وهو الرَّاجح[3].

     

    (ب)متى يبدأ التكبير - (يعني متى يبدأ في قول كلمة: الله أكبر)؟

    الرَّاجح أنه يبدأ التكبير قبل النزول إلى الرُّكن؛ والدليل على ذلك أنَّه ورَدَ في بعض روايات المسيء صلاتَه: ((ثم يقول: الله أكبر، ثم يركع...)).

     

    ولذلك فالراجح أنه لا يمدُّ كلمة: (الله أكبر) حتَّى ينتهي إلى آخِر الرُّكن، بل يقول: (الله أكبر)، ثم ينزل إلى الركوع مسرعا، وكذلك عند النزول إلى السجود فإنه يقول: (الله أكبر)، ثم ينزل إلى السجود مسرعا، وذلك حتى لا يسبقه أحد من المأمومين، أما إذا كان الإمام بطيئ الحركة لِكِبَرٍ في السِن أو لِسِمنَةٍ أو غير ذلك فلهُ أنْ يأخذ بالرأي الآخر وهو أنْ يَمُدّ كلمة (الله أكبر) حتَّى ينتهي إلى آخِر الرُّكن حتى لا يسبقه أحد، ولكن الخطأ هو أنْ يصل إلى نهاية الركن أولا ثم يكبر، مثل مَن يُمكِّن جبهته للسُّجود أولاً ثم يكبِّر، وهذا خطأ، والأوْلَى أنْ يُعَلِّمَ الناسَ السُنّة حتى ينتظروا نزوله ولا يتعجلوا النزول قبله، ومع ذلك فالصَّلاة صحيحة، لكنه خالَف السُّنة.

     

    ويُستَحَبّ للإمام الجَهْر بالتكبير؛ لِيُسمع المأمومين، فإن لم يَبْلُغْهم صوتُه استُحِبَّ لبعض المأمومين رَفْعُ صوته ليسمعهم، كفِعْل أبي بكر رضي الله عنه حين صلَّى النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بِهم في مرضه قاعدًا، وأبو بكر إلى جنبه يقتدي به، والناس يقتدون بأبي بَكْر[4].

     

    (ج) ما هيالمواضع التي تُرْفَع فيها اليدان أثناء الصلاة؟

    أ- عند تكبيرة الإحرام.                    ب- عند تكبيرة الرُّكوع.

    جـ- عند القيام من الرُّكوع.             د- عند القيام بعد التشهُّد الأول.

     

    12 - ثم يركع:

    والرُّكوع ركْن من أركان الصلاة، وهيئة الركوع الثَّابتة عن النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن ينحنِيَ ويضع يدَيْه على ركبتَيْه، ويفرِّج بين أصابعه كالقابض علَيْهما، وأن يقيم صلْبَه بحيث يكون مستويًا، حتَّى لو صُبَّ عليه الماءُ لاستقَرَّ ، وكذلك لا يرفع رأسه وهو راكع، ولا يخفضها خفضا كبيرا، ولكن بين هذا وذاك.

     


    ملاحظات:

    (1) إن لم يقدر على أقل الرُّكوع انْحنَى قدر ما يستطيع بجسده أو برأسه، فإنْ عجز عن الانْحِناء بجسده ورأسه أومأ بعينه وهو قائم.

     

    (2) يشترط في الركوع النزول له بنيَّة الرُّكوع، فلو سقط على الأرض مثَلاً، أو سجد مُخْطئًا فتذكَّر، ثم قام إلى حدِّ الركوع لا يجزئه، بل عليه أن يقف تَمامًا ثم يركع[5].

     

    (3) يُكْرَه التطبيق في الرُّكوع، وذلك بأن يضع يدَيْه بين فخذَيْه، وكذلك يراعي المصلي ألا يثني ركبتيه أثناء الركوع بل ينصبهما قدر المستطاع.

     

    (4) يَحْرُم قراءة القرآن في الرُّكوع؛ لِما ثبت أنَّ رسول الله - - صلَّى الله عليه وسلَّم - - قال: (ألاَ إنِّي نُهِيتُ أن أقرأ راكعًا أو ساجدًا، فأمَّا الرُّكوع فعَظِّموا فيه الربَّ عزَّ وجلَّ وأما السُّجود فاجتهدوا في الدُّعاء، فَقَمِنٌ - (يعني: حريٌّ أو جدير) - أن يُستجاب لكم))[6].

     

    (5) إذا أدرك الإمامَ وهو راكعٌ، اعتدَّ بِهذه الركعة، وهو قول جُمهور العلماء، والأحوط أن يدرك معه تسبيحة واحدة على الأقل بتمهل على قول بعض العلماء حتى يطمئن في ركوعه، ويجب أن يكبِّر تكبيرة الإحرام وهو قائم كامل الاعتدال، ثم يركع مع الإمام، وأمَّا إن نزل للركوع مباشرة، ثم كبَّر تكبيرة الإحرام وهو راكع فإنَّ صلاته لا تنعقد (يعني تبطل صلاته)، وهذه من الأخطاء التي يقع فيه كثيرٌ من المصلِّين.

     

    (6) يُستَحَبّ لِمن أدرك الإمامَ على حالة معينة أن يتابعه فيها، وإن لم يعتدَّ بالرَّكعة؛ كمَنْ يُدرِك الإمامَ وهو ساجد أو وهو قاعد (للتشهد أو بين السجدتين)؛ لِما ثبت في الحديث أن النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا جِئْتُم إلى الصَّلاة ونحن سجود فاسْجُدوا، ولا تعدُّوها شيئًا، ومن أدرك الرَّكعة فقد أدرك الصلاة))[7].

     

    ويُلاحَظ أنَّ بعض المُصَلِّين إذا أدركوا الإمامَ وهو في التشهد الأخير وقفوا ولَم يدخلوا الصَّلاة مع الإمام؛ لكي يُصلُّوا جماعة أخرى، وهذا الصنيع مُخالف للحديث المذكور، بل الأَوْلَى بِهم متابعةُ الإمام وإدراك الجماعة الأولى.

     

    13 - ويَطمئِنَّ في ركوعه:

    والاطمئنان في الرُّكوع ركن عند جُمهور أهل العلم، وخالف في ذلك الحنفيَّةُ، واعلم أن أقلُّ الطمأنينة: أن يَمْكُث في هيئة الرُّكوع حتَّى تستقرَّ أعضاؤه، ويرى بعض العلماء أن أقل الطمأنينة أن يسبح تسبيحة واحدة بتمهل.

     

    • وقد تقدم أمْر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - للمسيء صلاتَه بالاطمئنان في الأركان، وقد ورَدَ في بعض روايات الحديث: ((ثُمَّ يقول: الله أكبر، ثم يرفع حتَّى تطمئنَّ مفاصِلُه، ثم يقول: سمع الله لمن حمده، حتَّى يستوي قائمًا، ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد، حتى تطمئنَّ مفاصله، ثم يقول: الله أكبر، ويرفع رأسه حتَّى يستوي قاعدًا، ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئنَّ مفاصله، ثم يرفع رأسه فيكبِّر، فإذا فعل ذلك، فقد تَمَّت صلاته[8].

     

    • وقد ثبت أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - رأى رجلاً لا يتم ركوعه، وينقر في سجوده وهو يصلِّي، فقال: ((لو مات هذا على حاله هذه، مات على غَيْر ملَّة مُحمَّد، مَثَلُ الذي لا يُتِمُّ ركوعَه وينقر في سجوده مثَلُ الجائع الذي يأكل التَّمرة والتمرتَيْن، لا يُغْنيان عنه شيئًا))[9].

     

    وقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تُجْزِئ صلاة الرَّجل حتَّى يُقِيم ظهْرَه في الرُّكوع والسُّجود))[10].

     

    قال التِّرمذيُّ رحمه الله: "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومن بعدهم، يرَوْن أن يقيم الرَّجل صلبه في الرُّكوع والسُّجود، وقال الشافعيُّ وأحمد وإسحاق: مَن لم يُقِم صلبه في الرُّكوع والسجود، فصلاته فاسدة"[11].


    تنبيه:

    سيأتي ذِكْر أذكار الرُّكوع مع أذكار السجود في مَحلِّه.

     
    14- ثم يرفع رأسه من الركوع، قائلاً: سمع الله لِمَن حَمِده ويقول بعدما يرفع رأسه: (ربَّنا لك الحمد)، أو (ربَّنا ولك الحمد) أو (اللهم ربَّنا لك الحمد)، أو (اللهم ربَّنا ولك الحمد) (وقد وردت هذه الألفاظ كلها)، واعلم أن صفة الاعتدال: أن يقوم حتَّى يعود كلُّ عظْمٍ إلى موضعه ويستقرَّ[12].

     

    والرَّاجح عموم التسميع (يعني قول: سمع الله لِمَن حَمِده)، والتحميد (يعني قول: ربَّنا ولك الحمد) لكلِّ مُصلٍّ؛ لا فرق بين الإمام والمأمومِ والمنفرد (بمعنى أن المأموم يقول مثل الإمام: سمع الله لِمَن حَمِده، ربَّنا ولك الحمد)، وهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم، وذهب آخرون إلى أن المأمومِ في حقِّه التحميد فقط دون التسميع (يعني لا يقول: سمع الله لمن حمده، ولكن يقول فقط: (ربنا ولك الحمد).

     

    الأذكار الواردة في الاعتدال:

    (1) عن رفاعة بن رافع  - رضي الله عنه - قال: كنا نصلِّي يومًا وراء رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلمَّا رفع رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - رأسه من الرَّكعة وقال: ((سمع الله لمن حمده))، قال رجلٌ مِن ورائه: ربَّنا لك الحمد حَمْدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيه، فلمَّا انصرف رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((من المتكلِّم آنِفًا؟))، قال الرجل: أنا يا رسول الله، قال:((لقد رأيتُ بضعًا وثلاثين ملَكًا يبتدرونَها أيُّهم يكتبها أوَّلاً))[13].

     

    (2) كان النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا رفع رأسه من الركوع، قال: ((اللهم ربَّنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما، وملء ما شئتَ من شيءٍ بَعْدُ، أهلَ الثَّناء والمَجْد، لا مانع لما أعطَيْتَ، ولا مُعْطِيَ لما منعتَ، ولا يَنفعُ ذا الجَدِّ منك الْجَدُّ))[14] ، ومعنى ((ولا يَنفعُ ذا الجَدِّ منك الْجَدُّ)): يعني صاحب السُّلطان والغِنَى لا ينفعه سلطانه عندك شيئا.

     

    (3) وثبت هذا الحديثُ من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ولفظُه: ((اللهم ربنا لك الحمد ملء السَّموات وملء الأرض، وملء ما شئْتَ من شيءٍ بعدُ، أهل الثناء والمجد، أحقُّ ما قال العبدُ، وكلُّنا لك عَبْد، لا مانع لِما أعطيْتَ، ولا معطي لِما منعت، ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجدُّ))[15].

     

    (4) وثبت أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يقول: ((لِرَبِّي الحمد، لربي الحمد))، يكرِّرها، حتَّى كان قيامُه نَحْوًا - (يعني قريبا) - من ركوعه[16].

     


    ملاحظات:

    (1) الاعتدال الواجب أن يعود بعد الرُّكوع إلى الهيئة التي كان عليها قبل الرُّكوع، سواء كان قائمًا أو قاعدًا.

     

    (2) لو رفع رأسه ثُمَّ سجد وشكَّ هل تمَّ اعتدالُه أم لا؟ لزمه أن يعود إلى الاعتدال، ثم يسجد؛ لأنَّ الأصل عدَمُ الاعتدال.

     

    (3) يَجِب أن لا يقصد بِرَفْعه من الرُّكوع شيئًا غير الاعتدال، فلو رأى في ركوعه شيئًا فرفع فزعًا منه، لم يعتدَّ به، ووجب عليه أن يرجع إلى الرُّكوع، ثم يرفع.

     

    (4) لو أتى بالركوع الواجب فعرَضَتْ له علَّةٌ منعَتْه من القيام، سقط عنه الاعتدال؛ لتعذُّره، ونواه بقلبه.

     

    (5) إذا نَسِي التَّسبيح في الرُّكوع، ثم اعتدل فإنه لا يعود إلى الركوع مرة أخرى؛ لأنَّ التسبيح سقط برفْعه، وقد قال ابن قُدامة رحمه الله: "فإنْ فعَلَه - أيْ: إنْ عاد إلى الرُّكوع عمدًا - بطلَتْ صلاته... وإن فعله جاهلاً أو ناسًيا، لم تبطل".

     

    15 - ثم يطمئن في اعتداله:

    ففي الحديث: ((لا ينظر الله عزَّ وجلَّ إلى صلاة عبدٍ لا يُقيم صلبه بين ركوعِها وسجودها))[17]، وفي حديث المسيء صلاته: ((وإذا رفَعْتَ فأَقِم صلْبَك، وارفع رأسك حتَّى ترجع العظامُ إلى مفاصلها)).

     

    قال الشوكانِيُّ رحمه الله: "والأحاديث المذكورة في الباب تدلُّ على وجوب الطُّمأنينة في الاعتدال من الرُّكوع"[18].

     

    أما عن طريقة وضع اليدين أثناء الاعتدال (بمعنى هل يضع اليمنى على اليسرى أم يرسلهما؟) لَم يثبت في ذلك سُنَّة صريحة، ولو كان لِوَضْع اليدَيْن في هذا الرُّكن هيئةٌ خاصَّة لَنُقل إلينا في الأحاديث؛ ولذلك قال الإمام أحمد رحمه الله: "هو مُخيَّر بين إرسالِهما وبين وَضْع اليُمنى على اليسرى"، فالأمر في ذلك واسعٌ، والله أعلم (يعني لا ينكر أحد على أحد).

     

    16 - ثم يُكبِّر (تكبيرة النزول للسجود)، ثم يَهْوي إلى السجود ويسجد، ويلاحظ الآتي:

    (أ) تقدَّم أن الصحيح أنه يكبِّر أولاً ثم يهوي للسُّجود (يعني ينزل إليه مسرعا).

    (ب) بالنسبة لرفع اليدينى عند تكبيرة النزول إلى السجود:فقد أشار الشيخ الألبانِيُّ إلى أنه ثابتٌ أحيانًا في هذا الرُّكن، وكان يفعله عشرةٌ من أصحاب النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -، والظَّاهر أن هذا لم يكن مشهورًا مثل الرفع في المواضع السابقة، بل كان يفعل ذلك أحيانًا (ولذلك فينبغي ألا ننكر على من يفعل ذلك).

     

    (ج) وأما بالنسبةلطريقة النزول للسجود: فالراجح أنه يضع يديه قبل ركبتَيْه؛ لِما ثبت في الحديث: ((إذا سجد أحدُكم، فلا يبرك كما يبرك البعير، ولْيَضع يدَيْه قبل ركبتَيْه))[19] ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يضع يدَيْه قبل ركبتيه، وقال: كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يفعل ذلك[20]، وسواء نزل على قبضته أو نزل على كفيه، ولكن لا ننكر على من ينزل بركبتيه أولا، لأن الأمر محل خلاف بين العلماء.

     

    (د) وأما عن حكم السُّجود: فهو ركن من أركان الصلاة وكذلك الطُّمَأنينة في السجود ركن من أركان الصلاة أيضا، ودليل ذلك ما تقدَّم من حديث المسيء صلاته: ((ثم اسجْدُ حتَّى تطمئنَّ ساجدًا)).

     

    • والسُّجود يكون على سبعة أعْظُم (يعني سبعة أعضاء)؛ فقد قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا سجد العبْدُ سجد معه سبعةُ آراب - (يعني سبعة أعْظُم) -: وجْهه، وكفَّاه، ورُكْبتاه، وقدَماه))[21] . فهذا دليلٌ على وجوب السُّجود على هذه الأعضاء، لكنْ وقَعَ الخلاف في السُّجود على الجبهة والأنف، هل يَجِب السجود عليهما جميعا، أم يكفي السُّجود على أحدِهما فقط؟ والراجح أنه لا يصح السجود حتَّى يسجد عليهما جميعا.

     

    • وهيئة السُّجود: أن يُمكِّن هذه الأعضاءَ السبعة من الأرض، ويضمَّ أصابع يدَيْه ويوجِّههما إلى القِبْلة، ويجعل كفَّيْه على الأرض بحيث تكون بحذاء (يعني توازي) كتفيه (كما هو الحال في صفة رفع اليدين عند التكبير)، ويجعل أطراف أصابع رجلَيْه مستقبلة القبلة (يعني يثني أصابع رجليه وهو ساجد) ، ويضم عَقِبَيْه (يعني يلصق عقبي رجليه ببعضهما) (والعقب هو مؤخر القدم، وهو الذي يعرف عند كثير من الناس بـ (الكعب) وهذا خطأ، والصواب أن الكعبان هما العظمتان البارزتان على جانبي الرجل عند التقاء كف القدم بالساق)، ويَرْفع ذراعيه عن الأرض (يعني لا يلصقهما بالأرض)، وكذلك يباعدهما عن جنبَيْه (يعني لا يلصق ذراعيه بجنبيه)، فقد قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اعتَدِلوا في السُّجود، ولا يبسط أحدُكم ذراعيه انبساط الكلب))[22].

     


    ملاحظات:

    (1) إذا كان قادرا على السجود على هذه الأعضاء جميعا، ثم أخلَّ في السُّجود بِعُضو منها، لم تَصِحَّ صلاتُه، أما إن كان عاجزا عن السُّجود على بعض هذه الأعضاء، فإنه يسجد على بقيَّتِها وصلاته صحيحة.

     

    (2) لا يجب مباشرة المصلِّي بشيءٍ من هذه الأعضاء الأرضَ، فإذا سجد مثلا على كَوْر العِمامة (وهو الجزء الذي يكون على الجبهة) أو سجد بيده على كُمِّه أو سجد بأصابع قدمه على ثيابه، فالصَّلاة صحيحة على الرَّاجح، وهذا مذهب مالكٍ وأبي حنيفة وأحمد، واشترط الشافعيُّ أن يضَع الجبهة على الأرض وذلك بأن يحسر العمامة عن جبْهَتِه (يعني يرفعها عن جبهته أثناء السجود)، واعلم أن هذا الخلاف من حيث الوجوب؛ ولذلك قال ابن قدامة رحمه الله في كتابه "المُغْنِي":    "والمُستَحَبّ مباشرة المصلِّي بالجبهة واليدَيْن؛ ليخرج من الخلاف، ويأخذ بالعزيمة"[23].

     

    (3) التنكُّس في السجود شرط صحَّتِه، ومعناه: أن تكون أسافِلُه (يعني مقعدته) أرفع من أعاليه (يعني أعلى من مستوى رأسه)، فإذا كان العكس لم يصحَّ (كأن يَسْجد بجبهته مثلا على مكانٍ مرتفع عن الأرض)، أما إن استوَيا ففيه خلاف، والأرجح أنَّها لا تصح، فإن كان له عذْرٌ لا يستطيع السُّجود إلاَّ كذلك، فالأصَحُّ أنه يصلِّي بالخفض؛ أيْ: بالانْحِناء (يعني لا يسجد على الأرض بل يومئ كما لو كان على الراحلة)، وكذلك لا يصحُّ سجود المنبَطِح (وهو النائم أو المستوي على الأرض)، حتى ولو كانت هذه الأعضاء السبعة على الأرض.

     

    (4) يحرم قراءة القرآن حال السُّجود كما تقدَّم في الرُّكوع.

     

    (5) يلاحظ أن المعذور (الذي يرخص له القعود في الصلاة)، إذا كان يصلي على مِقعَد (كرسي) وكان قادرا على السجود على هذه الأعضاء السبعة فإنه ينزل من على الكرسي وقت السجود ويسجد، وإن كان يستطيع السجود على بعضها أتى بما يقدر عليه (فإن كان هناك جرح في الجبهة مثلا ولا يستطيع مباشرة الجبهة بالأرض، فإنه يجلس بركبتيه على الأرض، ويضع يديه على الأرض قريباً من ركبتيه ويسجد بالانحناء وهو على الأرض)، أما إن كان لا يستطيع الجلوس بركبتيه أو قدميه على الأرض فإنه يسجد مكانه على الكرسي بالانحناء.



    أذكار الرُّكوع والسجود:

    (1) كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول في ركوعه وسجوده: ((سُبُّوحٌ قُدُّوس، ربُّ الملائكة والرُّوح))[24]، ومعنى ((سُبُّوح))؛ أي: الذي يُنـزَّه عن كل سوء، و((قُدُّوس)): الطاهر، وقيل: المبارك.

     

    (2) وكان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: ))سبحانك اللَّهم ربَّنا وبِحَمدك، اللهم اغفر لي))[25].

     

    (3) وعن حذيفة رضي الله عنه"أنه صلى مع النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فكان يقول في ركوعه: ((سبحان ربي العظيم))، وفي سجوده: ((سبحان ربي الأعلى))، وما مرَّ بآية رحمة إلا وقف عندها فسأل، ولا بآية عذاب إلاَّ وقف عندها فتعوَّذ"[26].

     

    وفي بعض الروايات أنه كان يقول ذلك - أي: ((سبحان ربي العظيم)) في الركوع، و((سبحان ربي الأعلى)) في السجود - (ثلاثًا((يعني ثلاث مرات)[27].

     

    (4) وقد قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنه لم يَبْق من مُبَشِّرات النُّبوة إلا الرُّؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له، وإنِّي نُهِيت أن أقرأ راكعًا أو ساجدًا، فأما الرُّكوع فعَظِّموا فيه الربَّ، وأما السُّجود فاجتَهِدوا في الدُّعاء فقَمِنٌ - (أي: حريٌّ أو جدير) - أن يستجاب لكم))[28].

     

    (5) وكان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا ركع قال: ((اللهم لك ركعت وبك آمَنْتُ، ولك أسلمت، أنت ربِّي، خشع سَمْعِي وبصري ومُخِّي وعَظْمي وعصَبِي، وما استقلَّت به قدَمِي لله ربِّ العالمين))، وكان يقول إذا سجد: ((اللهم لك سجَدْتُ، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلَقَه فصوَّرَه فأحسن صُوَرَه، فشقَّ سمعه وبصرَه، فتبارك الله أحسن الخالقين))[29].

     

    (6) وكان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول في سجوده: ((اللهم اغفر لي ذنبي كلَّه، دِقَّه وجُلَّهُ - (يعني: صغيرَهُ وعظيمه) - ، وأوَّلَه وآخِرَه، وعلانيته وسِرَّه))[30].

     

    وغير ذلك من الأذكار المذكورة في تصانيفها.

     

    17 - ثم يكبر ويجلس (أي: بين السجدتين)، ويطمئن في جلسته:

    واعلم أن الطُّمأنينة في هذه الجلسة واجبة، وأما عن صفة هذا الجلوس: فذلك بأن يفترش قدمَه اليُسْرى جالسًا عليها، وينصب قدمه اليُمْنى موجِّهًا أصابعَها إلى القبلة (يعني يثني أصابع رجله اليمنى أثناء جلوسه قدر ما يستطيع، وإن لم يستطع أن يثنيها فلا شيئ عليه).

     

    • واعلم أنه يجوز الإقْعاء في هذه الجلسة، وذلك بأن يضع ركبتَيْه على الأرض، ويضع أليتَيْه (يعني مقعدته) على عقبيه (يعني على مؤخر قدمه كما تقدم)، ويضع أطراف أصابع رجلَيْه على الأرض (يعني يثني أصابع رجليه أثناء جلوسه عليهما) ".

     


    تنبيهات:

    (1) ثبت في بعض الآثار عن جَماعةٍ من الصحابة كراهيةُ الإقعاء، وكَرِهَه النَّخَعيُّ ومالكٌ والشافعيُّ وأحمدُ وإسحاق وأهلُ الرَّأي؛ وذلك لِما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نَهاني خليلي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن إقعاءٍ كإقعاء الكلب"[31]، وثبت عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - "أنَّه كان ينْهَى عن عُقبة الشَّيطان"[32]، و)عقبة الشيطان): كما قال أبو عبيدة وغيره: هو الإقعاء المنهيُّ عنه.

     

    قال ابن الصَّلاح رحمه الله: "هذا الإقعاء - (المنهي عنه) - مَحْمول على أن يضع أليتَيْه - (يعني مقعدته) - على الأرض، وينصب ساقَيْه، ويضع يديه على الأرض، وهذا الإقعاء غيْرُ ما صحَّ عن ابن عباس وابنِ عُمَر أنه سُنَّة - وذلك بأن يضع ركبتَيْه على الأرض، ويضع أليتَيْه (يعني مقعدته) على عقبيه، ويضع أطراف أصابع رجلَيْه على الأرض (يعني يثني أصابع رجليه أثناء جلوسه عليهما) كما تقدم)"[33].

     

    (2) لم يَأْت في الأحاديث نصٌّ صريح في موضع اليدَيْن في هذه الجلسة، والذي رآه الفقهاء أن اليدَيْن تكونان مبسوطتَيْن على الفخذين، لكنْ ورد في صفة الجلوس في الصلاة وَصْفانِ لوضع اليدَيْن، ذكرتا عمومًا في الصلاة، فحَمَلها البعض على الجلوس بين السَّجدتَيْن وجلوس التشهُّد، وفيها الإشارة بالسبَّابة ومسك الوسطى بالإبهام، وهذا ما ذهب إليه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وابن القَيِّم رحمه الله [34]والله أعلم، وسيأتي بيانٌ لِهذَيْن الوصفين عند ذِكْر التشهد الأوسط.

     

    والراجح ما ذهب إليه جُمهور الفقهاء من أنَّ اليدين تكونان مبسوطتَيْن على الفخذين في هذا الموطن[35]، وأما الصفة المذكورة، فهي في الجلوس للتشهُّد كما ورد في روايات أخرى.

     

    الأذكار الواردة بين السَّجدتَيْن:

    (1) كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول بين السجدتين: ((رَبِّ اغفر لي، رب اغفر لي))[36].

     

    (2) وكان النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول بين السجدتين: ((اللهم اغفر لي وارحَمْني، واجْبُرني واهدِنِي وارزُقْنِي))[37] ، وعند أبي داود: ((وعافني)) مكان: ((واجبرني))، (والأفضل أن يأتي بهذا مرة وهذا مرة).

     

    18 - ثم يكبِّر، ويسجد السجدة الثانية:

    وذلك بأن يكبِّر، ثم يسجد على نَفْس صِفَة السجدة الأولى.

     

    19 - ثم يرفع رأسه من السجود مكبِّرًا، ويجلس جلسة خفيفة قبل القيام للركعة الثانية:

    وهذه الجلسة تسمَّى جلسة الاستراحة، وقد اختلف العلماءُ في مشروعيَّة هذه الجلسة، وأرجَحُ هذه الأقوال مشروعيَّتُها، وأنَّها سُنَّة (يعني مُستَحَبّة).

     

    قال الشيخ الألبانِيُّ رحمه الله: "فيَجِب الاهتمام بِهذه الجلسة، والمواظبة عليها رجالاً ونساء، وعدم الالتفات إلى من يدَّعي أنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فعَلَها لِمَرَض أو سنٍّ؛ لأنَّ ذلك يعني أنَّ الصحابة ما كانوا يُفرِّقون بين ما يَفْعله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تعَبُّدًا، وما يفعله لِحاجة، وهذا باطلٌ بداهة"[38].

     


    ملاحظات:

    (1) الصَّحيح أنه يكبِّر مع قيامه من السُّجود، ثم ينهض من غير تكبير آخَر (سواء جلس للاستراحة أو لا).

     

    (2) إذا سجد المصلِّي للتلاوة فلا يشرع في حقِّه جلسة الاستراحة عند قيامه لتكملة الركعة.

     

    (3) إذا لم يَجْلس الإمام جلسة الاستراحة فهل يُسنُّ للمأموم الجلوس لها، أم متابعة الإمام أفضل؟

     

    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "متابعة الإمام أفضل؛ ولِهذا يُتْرَك الواجب وهو التشهُّد الأول.. بل يُتْرَك الرُّكن من أجل متابعة الإمام؛ فقد قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ))إذا صلَّى قاعدًا فصلوا قعودًا))"[39].

     

    (4) كيف يقوم للرَّكعة الثانية ويقف؟

    الجواب: يقوم مُعْتمدًا على يدَيْه (سواء اعتمد على قبضته أو على كفه) ؛ لحديث مالك بن الحويرث عند ابن خزيمة بلفظ: "ثم قام واعتمد على الأرض[40]"، وهذا مذهب الشافعيِّ ومالكٍ وأحمد[41].

     

    20 - ثُم يقوم للثانية، ويصلِّي الركعة الثانية كالأولى:

    ولكن يلاحظ أن بقيَّة الركعات تختلف عن الأولى بأنه فليس فيها تكبيرةُ الإحرام ولا دعاءُ استفتاح، واختلفوا في الاستعاذة على ما تقدَّم، ويلاحظ أيضا أنَّه مِن السُّنَّة أن تكون الركعة الثانية أقصر من الأولى كما تقدَّم.

     

    • • • •

    (فـصل) فيما كان يقرؤه النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الصلوات
    أَذكُر في هذا الفصل ما ثبت من قراءته - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الصلواتِ مَجْموعةً، يعني دون ذِكْر لفظ الروايات، ولا أذكر إلاَّ ما صح عنه - صلَّى الله عليه وسلَّم -.

     

    أوَّلاً -صلاة الفجر:

    كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقرأ في الفجر من الستِّين إلى مائة آية[42]، وثبَتَ عنه أنه كان يقرأ بطوال المفصَّل(يعني السور الطويلة في المفصل، والمفصل يبدأ من سورة (الحجرات) وينتهي بسورة (الناس) على الصحيح)[43] ، وصلاها بالواقعة[44]، وصلاَّها بسورة (ق)[45] ، وقرأ من سورة الطور في حجَّة الوداع[46]، وصلاها بالرُّوم[47]، وصلاها بـ (يس)[48]، وصلاها بـ (الصَّافات)[49] ، وصلَّى مرَّة فاستفتح سورة (المؤمنون) حتَّى إذا جاء ذِكْر موسى وهارون أخذَتْه سعلةٌ، فركع[50]، وصلاَّها بقصار المفصَّل بسورة (التكوير)[51]، وصلاَّها مرة في السفر فقرأ (المعوِّذتَيْن[52](، وصلاَّها مرة بسورة (الزلزلة) في الركعتَيْن[53]، وكان يصلِّي يوم الجمعة بسورة السجدة في الركعة الأولى، و سورة الإنسان في الركعة الثانية[54].

     

    ثانيًا - صلاة الظهر:

    كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُطيل الرَّكعة الأولى من الظهر، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كنا نَحْزِر - (يعني نقدر) - قيامَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الظهر والعصر، فحزَرْنا- (يعني قدرنا) - قيامه في الركعتين الأوليَيْن من الظُّهر قدْرَ قراءة ﴿ الم * تَنْزِيلُ ﴾ السجدة، وحزَرْنا قيامه في الأُخْريَيْن قدْرَ نصف ذلك، وحزَرْنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظُّهر، وفي الأُخْريين من العصر على النصف من ذلك"[55]، وفي رواية: "ثلاثين آية" بدلاً من قوله: ﴿ الم * تَنْزِيلُ ﴾، وكانوا يقدرون قراءته في الأولى والثانية قدر ثلاثين آية.

     

    وكان يقرأ بـ ﴿ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ﴾ ، و﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾، ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾ ، ونحوها[56]،       وقرأ: ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ﴾ ، ونَحْوها[57]، وكان أحيانًا يقرأ في الأُخْريَيْن على النِّصف من الأوليين قدر خَمْس عشرة آيةً أحيانًا[58]، وأحيانًا يقتصر على قراءة الفاتحة.

     

    ثالثًا - صلاة العصر:

    كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُطيل في الأولى ما لا يطيل في الثانية، وكان يقرأ في كلٍّ منهما قدْرَ خمس عشرة آية، وكان يجعل الأخيرتَيْن على النصف من ذلك، وقرأ فيهما بالسُّوَر التي قرأ بها في الظهر.

     

    رابعًا -صلاة المغرب:

    كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقرأ في المغرب بقصار المفصَّل[59]، وقرأ فيها بـ (الطُّورِ)[60] ، وقرأ بـ (المرسلات)[61]، قرأ بها في آخر صلاة صلاَّها، وقرأ فيها (بالأعراف) فرَّقَها في الركعتين[62]، وقرأ بـ (الأنفال) في الركعتين[63]، وقرأ بـ ﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ﴾[64].

     

    خامسًا -صلاة العشاء:

    كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقرأ في الأوليَيْن من وسط المفصَّل[65]، وقرأ بـ ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾ ، وأشباهها من السُّور[66]، وقرأ بـ ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ﴾[67]، وقرأ في سفَر بـ ﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ﴾[68]، وقال لمعاذ: ((إذا أمَمْت الناس فاقْرَأ بـ ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾ و﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ ، و﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾ ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾[69].

     

    سادسًا - صلاة الجمعة:

    كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقرأ في صلاة الجمعة بسورتَي (الجُمُعَةِ) (والمُنَافِقُونَ) [70]، وتارة يقرأ بـ ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾، و﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ﴾[71].

     

    سابعًا -صلاة العيدَيْن:

    قرأ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيهما بسورة ﴿ الْأَعْلَى ﴾ في الأولى، وسورة ﴿الغاشية﴾ في الثانية[72]، وأحيانًا كان يقرأ بسورة: ﴿ ق ) في الأولى، وسورة ﴿ القمر ﴾ في الثانية[73].

     

    "التلخيص على مسؤولية الكاتب"



    [1] مُختَصَرَة من كتاب (تمام المِنّة في فِقه الكتاب وصحيح السُنّة) لفضيلة الشيخ عادل العزّازي أثابه الله لمن أراد الرجوع للأدلة والترجيح، وأما الكلام الذي تحته خط أثناء الشرح من توضيحٍ أو تعليقٍ أو إضافةٍ أو غير ذلك فهو من كلامي (أبو أحمد المصري)، وقد تمَّ مراجعة المُلَخَّص من أحد تلاميذ الشيخ عادل.

    [2] وأما تكبيرة الإحرام، فهي "ركن" عند الجميع كما تقدَّم.

    [3] نقلاً من "تُحْفة الأَحْوَذِي" (2/ 87)

    [4] مسلم (413)، وأبو داود (606)، وابن ماجَهْ (1232)، من حديث جابر، وثبت نَحْوُه في الصحيحَيْن من حديث عائشة وغيرها.

    [5] انظر "المَجْموع" (3/ 308).

    [6] مسلم (479)، وأبو داود (876)، والنَّسائي (2/ 217).

    [7] أبو داود (893) بإسناد حسن، والحاكم (1/ 336)، والدارقطني (1/ 347).

    [8] البخاري (789)، ومسلم (392).

    [9] حسن: رواه أبو يعلى (7184)، وابن خزيمة (665)، والطبراني في "الكبير" (4/ 115/ 3840)، وحسَّنَه الهيثميُّ في "مَجْمع الزوائد" (2/ 121).

    [10] أبو داود (855)، والترمذي (265)، وقال: حديث حسن صحيح.

    [11] "سنن الترمذي" (2/ 52).

    [12] راجع حديث المسيء صلاته في أول الباب.

    [13] البخاري (799)، وأبو داود (70)، والنَّسائي (2/ 196).

    [14] مسلم (478)، والنَّسائي (2/ 198).

    [15] مسلم (477)، وأبو داود (847)، والنَّسائي (2/ 198 ).

    [16] أبو داود (874)، والنَّسائي (2/ 199)، بسند صحيح، وأحمد (5/ 398).

    [17] أحمد (4/ 22)، والطبراني في الأوسط (6/ 124) بسند صحيح.

    [18] "نَيل الأوطار" (2/ 280).

    [19] صحيح: رواه أبو داود (840)، والنَّسائي (2/ 207). وللشيخ أبي إسحاق الحويني رسالة في ذلك بعنوان: "نَهْي الصُّحْبة عن النُّـزول بالرُّكبة".

    [20] صحيح: رواه ابن خزيمة (627)، والحاكم (1/ 226)، والبيهقي (2/ 100)، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم و وافقه الذهبي.

    [21] البخاري (810)، ومسلم (490) وأبو داود (889)، والترمذي (273)، والنَّسائي (2/ 208).

    [22] البخاري (822)، ومسلم (493)، وأبو داود (897)، والترمذي (276)، والنَّسائي (2/ 213).

    [23] "المُغْنِي" (1/ 518).

    [24] مسلم (487)، وأبو داود (872)، والنَّسائي (2/ 190).

    [25] البخاري (817)، (4967)، ومسلم (484)، وأبو داود (877)، والنَّسائي (2/ 219)، وابن ماجَهْ (889).

    [26] مسلم (772)، وأبو داود (871)، والنَّسائي (2/ 190).

    [27] حسن لغيره: وهذه الزيادة رواها ابن خزيمة (604)، ولها شاهد عند أبي داود (886)، والترمذي (261)، من حديث ابن مسعود، وشاهد عند أبي داود (870)، من حديث عقبة بن عامر، وكل منها لا تَسْلَم من مقال، لكنها تحسن بِمَجموع طرقها.

    [28] مسلم (479)، وأبو داود (876)، والنَّسائي (2/ 217)، وابن ماجَهْ (3899).

    [29] مسلم (771)، وأبو داود (760)، والترمذي (3422)، والنَّسائي (2/ 129).

    [30] مسلم (483)، وأبو داود (878).

    [31] حسن لغيره: رواه أحمد (2/ 311)، والطيالسي، وابن أبي شيبة، وحسَّنَه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب" (555).

    [32] مسلم (498)، وأبو داود (783)، وابن أبي شيبة (1/ 255)، وأحمد (6/ 31)، وابن حبان (1768).

    [33] نقله النووي في "المجموع" (3/ 439).

    [34] "زاد الْمَعاد" (1/ 238)، و"الشرح الممتع" (3/ 177).

    [35] وانظر في ذلك رسالة: "لا جديد في أحكام الصلاة" للشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله - (ص55 - 68).

    [36] صحيح: رواه أبو داود (874)، والنَّسائي (2/ 199)، وأحمد (5/ 398).

    [37] حسن: رواه الترمذي (284)، وأبو داود (850)، وابن ماجَهْ (897)، والحاكم (898).

    [38] انظر "تَمام في المِنَّة في التعليق على فقه السُّنة" (ص212).

    [39] "الشرح الممتع" (3/ 192).

    [40] ابن خزيمة (687)، والطبراني (19/ 289)، والبيهقي (2/ 124).

    [41] انظر المجموع للنووي (3/ 444)، وفي المسألة حديث: "كان يعجن في الصلاة" ضعفه غير واحد، وقال الألباني: إسناده صالح. قال النووي: "ولو صحَّ كان معناه: قائم معتمد ببطن يدَيْه كما يعتمد العاجز، وهو الكبير، وليس المراد عاجن العجين"، قلت: وربَّما حَمَله على ذلك ادِّعاء بعضهم أنَّ الحديث تصحَّفَ، وأن أصْلَه كالعاجز، وهذا تكلُّف في توجيه الحديث، والصحيح أن يُحمَل الحديث على ظاهره "كالعاجن"، والله أعلم.

    [42] البخاري (541)، ومسلم (461)، وأبو داود (398)، والنَّسائي (2/ 157)، وابن ماجَهْ (818).

    [43] صحيح: رواه النَّسائي (2/ 167)، وأحمد (2/ 329)، وابن حبان (1837).

    [44] صحيح: رواه أحمد (5/ 104)، والحاكم (1/ 240)، وصحَّحه على شرط مسلم و وافقه الذهبي.

    [45] مسلم (458)، وأحمد (4/ 34، 5/ 102)، وابن حبان (1816).

    [46] البخاري (1619)، ومسلم (1276)، وأبو داود (1882).

    [47] النَّسائي (2/ 156)، وأحمد (3/ 471).

    [48] أحمد (4/ 34) بسند صحيح، والطبراني في "الكبير" (2/ 251).

    [49] حسن: أحمد (2/ 40)، والنَّسائي (2/ 95) بدون ذكر: ((في الصُّبح))، وابن حبان (1817).

    [50] مسلم (455)، وأبو داود (649)، والنَّسائي (2/ 176)، وابن ماجَهْ (820).

    [51] مسلم (456)، وأبو داود (817)، والنَّسائي (2/ 157)، وابن ماجَهْ (817).

    [52] حسن: رواه النَّسائي (2/ 158)، وأحمد (5/ 129)، وابن خزيمة (536)، والحاكم (1/ 240)، وصحَّحه على شرط الشيخين و وافقه الذهبي.

    [53] حسن: رواه أبو داود (816)، والبيهقي (2/ 390).

    [54] البخاري (891)، ومسلم (879)، وأبو داود (1074)، والترمذي (520)، والنَّسائي (2/ 159)، وابن ماجَهْ (821).

    [55] مسلم (452)، والنَّسائي (1/ 237).

    [56] صحيح: رواه أبو داود (805، 806)، والترمذي (307)، وانظر "صحيح مسلم" (459).

    [57] صحيح: رواه ابن خزيمة (512).

    [58] تقدَّم تخريجه.

    [59] البخاري (764)، أبو داود (812)، والنَّسائي (2/ 170).

    [60] البخاري (765)، ومسلم (463)، وأبو داود (811)، والنَّسائي (2/ 169)، وابن ماجَهْ (832)

    [61] البخاري (763)، ومسلم (462)، وأبو داود (810).

    [62] البخاري مختصرًا (764)، وأبو داود (812)، والنَّسائي (2/ 170).

    [63] قال الألبانِيُّ رحمه الله: رواه الطبراني بسند صحيح، وانظر "صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم"، (ص97).

    [64] أحمد (4/ 286)، وعزَاه الألبانِيُّ - رحمه الله - إلى الطيالسي (1/ 99) بسند صحيح؛ انظر: "صفة صلاة النبي - صلَّى الله عليه وسلم"، (ص96).

    [65] صحيح: النَّسائي (2/ 167)، وابن خزيمة (520)، وابن حبان (1837)، وأحمد (2/ 329).

    [66] صحيح: رواه أحمد (35415)، والترمذي (309).

    [67] البخاري (766)، ومسلم (465)، والنَّسائي (2/ 168).

    [68] البخاري (767)، ومسلم (464)، وأبو داود (1221)، والترمذي (310)، والنَّسائي (2/ 173)، وابن ماجَهْ (834).

    [69] البخاري (705)، ومسلم (465)، وابن ماجَهْ (836).

    [70] مسلم (877)، وأبو داود (1124).

    [71] مسلم (878)، وأبو داود (1125)، والترمذي (533).

    [72] انظر التعليق السابق.

    [73] مسلم (891)، وأبو داود (1154)، والترمذي (534).


    رامي حنفي محمود

    شبكة الالوكة

  15. شَرُّ الخَلْقِ عَلَى الإِطْلَاقِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ هُمُ الذينَ يَسْتَغِلُّونَ نِعْمَةَ اللهِ تعالى، وَيَخُونُونَهَا، وَيَسْتَخْدِمُونَهَا في مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، هَؤُلَاءِ يُعَذِّبُونَ أَنْفُسَهُمْ بِعُقُوبَةِ اللهِ تعالى في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكَاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَـشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرَاً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾.

    يَا عِبَادَ اللهِ: نِعَمُ اللهِ تعالى تَسْتَوْجِبُ الشُّكْرَ، فَمَنْ شَكَرَ اللهَ تعالى عَلَى نِعَمِهِ رَأَيْتَهُ عَبْدَاً مُطْمَئِنَّ القَلْبِ، قَرِيرَ العَيْنِ، رَاضِيَاً عَنْ رَبِّهِ أَتَمَّ الرِّضَا، مَلَأَ قَلْبَهُ حُبَّاً للهِ تعالى، وَرَجَاءً فِيهِ، وَيَقِينَاً في رَحْمَتِهِ، وَاسْتَبْشَرَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾. لِأَنَّ الشُّكْرَ للهِ تعالى يَعْقِلُ النِّعْمَةَ المَوْجُودَةَ، وَيَسْتَجْلِبُ النِّعْمَةَ المَفْقُودَةَ،

    أَمَّا الجَاحِدُ لِنِعَمِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالمُسْتَغِلُّهَا في مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، لَا يَهْدَأُ لَهُ بَالٌ، وَلَا يَرْتَاحُ لَهُ قَلْبٌ، يَشْعُرُ بِأَلَمِ المَعْصِيَةِ، وَعُقْدَةِ الذَّنْبِ، مِمَّا يَجْعَلُ حَيَاتَهُ شَقَاءً وَضَنْكَاً.

    انْهِيَارُ البُيُوتِ بِسَبَبِ أَجْهِزَةِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ:

    أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ جُمْلَةِ نِعَمِ اللهِ تعالى عَلَيْنَا نِعْمَةُ أَجْهِزَةِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ، وَكُلُّ نِعْمَةٍ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا اخْتِبَارٌ وَابْتِلَاءٌ ﴿لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾. وَأَجْهِزَةُ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ بِحَدِّ ذَاتِهَا نِعْمَةٌ، وَلَكِنَّهَا وَبِكُلِّ أَسَفٍ انْقَلَبَتْ إلى نِقْمٍ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ، حَيْثُ سَهَّلَتْ عَلَيْهِمْ مَعْصِيَةَ اللهِ تعالى، بِسَبَبِ الغَفْلَةِ عَنْهُ تَبَارَكَ وتعالى، حَتَّى صَارَتْ سَبَبَاً في انْهِيَارِ البُيُوتِ، وَمِنْ خِلَالِهَا فَاحَتْ رَوَائِحُ الفَضَائِحِ، وَهُتِكَتِ الأَعْرَاضُ، وَاخْتُرِقَتِ الحُرُمَاتُ، وَتَحَوَّلَتْ أَجْهِزَةُ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ إلى نِقْمَةٍ وَأَيِّ نِقْمَةٍ.

    يَا عِبَادَ اللهِ: بِنِعْمَةِ أَجْهِزَةِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ التي اسْتُخْدِمَتْ في مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، بَكَتْ عُيُونَ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ، وَفُرِّقَ بَيْنَ الأَزْوَاجِ، وَجُرَّ العَارُ عَلَى الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ، وَقُهِرَتِ الزَّوْجَاتِ وَالأَزْوَاجَ، وَنُـشِرَتِ الخَبَائِثَ، وَطُلِّقَتِ الكَثِيرُ مِنَ الزَّوْجَاتِ، وَطَلَبَتِ الكَثِيرُ مِنَ النِّسَاءِ الطَّلَاقَ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ.

    يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ صَارَتْ وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ أَقْرَبَ وَأَقْصَرَ الطُّرُقِ إلى الطَّلَاقِ وَالانْفِصَالِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَصَارَتْ أَسْهَلَ طَرِيقٍ لاتِّصَالِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَارْتِفَاعِ نِسْبِ خِيَانَةِ الأَزْوَاجِ لِزَوْجَاتِهِمْ، وَخِيَانَةِ الزَّوْجَاتِ لِأَزْوَاجِهِنَّ.

    لَقَدْ صَارَتْ وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ سَبَبَاً لانْشِغَالِ الزَّوْجِ عَنْ زَوْجَتِهِ، وَالزَّوْجَةِ عَنْ زَوْجِهَا، وَالأَبْنَاءِ عَنْ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، وَالإِخْوَةِ عَنْ أَخَوَاتِهِمْ، بَلْ صَارَ كِبَارُ السِّنِّ يَشْعُرُونَ بِالعُزْلَةِ عَنْ فُرُوعِهِمْ وَأَقَارِبِهِمْ.

    اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ تعالى حَقَّ الحَيَاءِ:

    يَا عِبَادَ اللهِ: يَا أَصْحَابَ الجَوالَاتِ، رَاقِبُوا اللهَ تعالى القَائِلَ: ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبَاً﴾. وَالقَائِلَ: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى﴾. وَالقَائِلَ: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾. وَالقَائِلَ: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾.

    يَا أَصْحَابَ هَذِهِ النِّعْمَةِ، لَا تَجْعَلُوا اللهَ أَهْوَنَ النَّاظِرِينَ إِلَيْكُمْ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾. وَاسْمَعُوا حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ».

    قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالحَمْدُ للهِ.

    قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ المَوْتَ وَالبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ» رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

    فَلْنَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، لِنَحْفَظِ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَاللِّسَانَ، فَكُلُّ أُولَئِكَ سَنُسْأَلُ عَنْهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ.

    خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

    يَا عِبَادَ اللهِ: قُولُوا لِكُلِّ مَنْ أَسَاءَ اسْتِعْمَالَ هَذِهِ النِّعْمَةِ، فَكَانَ سَبَبَاً في انْحِرَافِ النِّسَاءِ، وَسَبَبَاً في الطَّلَاقِ، وَسَبَبَاً في إِفْسَادِ الحَيَاةِ وَالحَيَاءِ، وَسَبَبَاً في انْحِرَافِ الرِّجَالِ، وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْ بُيُوتِهِمْ وَعَمَّا أَحَلَّ اللهُ تعالى لَهُمْ، تَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾. تَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولَاً﴾. تَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانَاً وَشَفَتَيْنِ﴾.

    يَا عَبْدَ اللهِ: أَمَا تَعْلَمُ بِأَنَّ اللهَ تعالى قَادِرٌ على سَلْبِ نِعْمَةِ البَصَرِ، وَالنُّطْقِ، وَالسَّمْعِ؟

    أَمَا تَعْلَمُ أَنَّكَ سَتُسْأَلُ عَنْ هَذِهِ النِّعْمَةِ التي جَعَلْتَهَا نِقْمَةً وَوَبَالَاً عَلَيْكَ يَوْمَ القِيَامَةِ، قَالَ تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾.

    مَا أَنْتَ قَائِلٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا دَخَلْتَ قَبْرَكَ؟

    مَا أَنْتَ قَائِلٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْتَ تَرَى تَحْقِيقَ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْـمَلَكُ صَفَّاً صَفَّاً * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾.

    يَا صَاحِبَ الجَوَّالِ، يَا صَاحِبَةَ الجَوَّالِ، لِنَتَّقِ اللهَ تعالى فِيمَا أَسْبَغَ عَلَيْنَا مِنْ نِعَمٍ، وَلْنَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْنَذْكُرِ المَوْتَ وَالبِلَى، قَبْلَ أَنْ نَنْدَمَ وَلَا يَنْفَعُنَا النَّدَمُ، وَلْنَتَذَكَّرْ قَوْلَ النَّادِمِ: ﴿قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحَاً فِيمَا تَرَكْتُ﴾.

    يَا عِبَادَ اللهِ: سَنَمُوتُ، وَبَعْدَ المَوْتِ سَنُبْعَثُ، وَبَعْدَ البَعْثِ سَنُحْشَرُ، وَبَعْدَ الحَشْرِ سَنُسْأَلُ، وَبَعْدَ السُّؤَالِ إِمَّا إلى جَنَّةٍ وَإِمَّا إلى نَارٍ، فَمِنْ أَيِّ الفَرِيقَيْنِ نَحْنُ؟ لَا تَجْعَلُوا نِعَمَ اللهِ تعالى عَلَيْكُمْ سَبَبَاً لِسَخَطِ اللهِ عَلَيْكُمْ، بُيُوتُنَا صَارَتْ في خَطَرٍ عَظِيمٍ بِسَبَبِ هَذِهِ الوَسَائِلِ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ، لَقَدْ صَارَ التَّوَاصُلُ المُحَرَّمُ عِوَضَاً عَنِ التَّوَاصُلِ المَشْرُوعِ، لَقَدْ صَارَ التَّوَاصُلُ الذي يُدَمِّرُ وَلَا يُعَمِّرُ، دُمِّرَتِ البُيُوتُ، وَطُلِّقَتِ النِّسَاءُ، وَضَاعَ الأَطْفَالُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

    اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

    أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    احمد شريف النعسان


  16. ملخص صفة الصلاة (الجزء الأول)
    من المختصر البسيط لكتاب تمام المنة
    في فقه الكتاب وصحيح السنة
    لفضيلة الشيخ عادل العزازي أثابه الله[1]
     
    دخل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم المسجد - (ذات يوم) -، فدخل رجلٌ فصلَّى، ثم جاء فسلَّم على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فرد النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - السَّلامَ عليه، فقال: ((ارجع فصلِّ؛ فإنَّك لم تُصَلِّ))، ثم جاء، فسلم على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ارجع فصلِّ؛ فإنك لم تصلِّ)) (ثلاثًا)، فقال: والذي بعثك بالحقِّ، فما أُحْسِن غيره؛ فعلِّمْنِي، قال: ((إذا قُمْتَ إلى الصلاة فكبِّر، ثم اقرأ ما تيسَّر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتَّى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجُدْ حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلِّها))[2].
    وهذا الحديث يُسمَّى حديثَ المسيء صلاتَه، وهو أصْلٌ في بيان أركان الصَّلاة، وله ألفاظ كثيرة، نذكُرها في مواطنها.
     
    • فإذا أراد العبدُ الصَّلاة، فعليه ابتداءً أن يتحقَّق من شروط صحَّتِها؛ من الطهارة، واستقبال القِبْلة وغير ذلك من شروط صحة الصلاة، ثم بعد ذلك يبدأ في الصلاة.
     
    • أما عن صفة الصلاة، فقد قال النبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي))[3]، وإليك الآن تفصيلَ صفة صَّلاة النبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كاملةً مرتَّبة، مع ذِكْر الأحكام والملاحظات في كل موضع:
     
    1 - القيام للصلاة (يعني يصلي قائماً):
     
    قال تعالى: ﴿ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238]، وعن عمران بن حُصَين رضي الله عنه قال: كانت بِي بواسيرُ، فسألت النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن الصلاة؟ فقال: ((صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جَنْب))[4].
     
     
     
    فيجوز للمريض فقط أن يصلِّي الفريضة قاعدًا، فإن لم يستطع فعلى جَنْب، ولا تصِحُّ صلاة القادر على القيام إذا صلَّى قاعدًا في الفريضة، أمَّا النافلة فيجوز له أن يصلِّيَ قاعدًا مع قدرته على القيام، ويكون له نِصْفُ أجر القائم، كما يجوز أيضًا صلاة النافلة على الراحلة.
     
     
     
    ملاحظات وتنبيهات:
     
    (1) يجوز في الخوف الشَّديد الصلاة قيامًا وركبانًا، مستقبِلَ القِبْلة وغير مستقبلها، وتقدَّم ذلك في شروط صحَّة الصلاة.
     
     
     
    (2) إذا كان معذورًا وصلى قاعدًا، فإن أجره يكون كاملاً؛ فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه رفعه إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا مرض العبد أو سافر، كُتِب له ما كان يعمل وهو صحيح مُقيم))[5].
     
     
     
    (3) قال الشافعي رحمه الله: (لا ينتقل المريض إلى القعود إلاَّ بعد عدم القدرة على القيام)، وعن مالك وأحمد وإسحاق أنهم قالوا: (لا يُشْتَرَط العدم - (يعني لا يُشْتَرَط عدم القدرة) - بل - (يكفي) - وجود المشقَّة)، والمعروف عند الشافعية أنَّ المراد بعدم الاستطاعة: (وجودُ المشقَّة الشديدة بالقيام، أو خوف زيادة المرض، أو الهلاك، ولا يُكتفى بأدْنَى مشقَّة)، واعلم أنَّ مِن المشقة الشديدة دورانَ الرأس في حقِّ راكب السَّفينة وخوف الغرق لو صلى قائمًا"[6] ويلاحظ أنه مما يدل على وجود المشقة انصراف التركيز عن الصلاة إلى ما يؤلمه أثناء القيام.
     
     
     
    (4) إذا صلى الإمام قاعدًا، صلى المأمومون قعودًا كذلك، ولو كانوا قادرين على القيام، أما إذا أتى الإمام بتكبيرة الإحرام قائما ثم قعد فإنهم يصلون قياما، وسيأتي بيان ذلك في صلاة الجماعة.
     
     
     
    (5) قال النوويُّ رحمه الله: "لو قام على إحدى رجلَيْه، صحَّت - صلاته - مع الكراهة، فإن كان معذورًا فلا كراهة، ويُكْرَه أن يلصق القدمَيْن، بل يُستَحَبّ التفريق بينهما، ويُكْرَه أن يقدِّم إحداهما على الأخرى، ويُستَحَبّ أن يوجِّه أصابعهما إلى القبلة"[7]، قال الشيخ عادل العزّازي: وقوله: يُستَحَبّ التفريق بينهما لا يَعْنِي المبالغة في تفريقهما، بل يكونانِ بصورة معتدلة، فهو لا يُلْصِقهما، ولا يفتحهما فتحًا يزيد عن حدِّه.
     
     
     
    (6) يشترط في القيام: انتصابُ الجسد، فليس له أن يقف مائلاً إلى أحد جانبيه، أو منحنيًا إلى حدِّ الراكعين، فإنِ انْحنى - بلا عذر - إلى حدٍّ قريب من حدِّ الركوع بطلَتْ صلاته، وأمَّا إطراق الرأس فلا يضرُّ.
     
     
     
    (7) إذا كان قادراً على القيام لكنه عجز عن الرُّكوع والسجود لعلَّة بظهره تَمنعه من الانحناء، لَزِمَه القيام، ويأتي بالرُّكوع والسجود بحسب طاقته (يعني يومئ عند الركوع والسجود قدر ما يستطيع).
     
     
     
    (8) الصحيح أنه لو اعتمد مَن به عذر على عصًا أو حائطٍ صحَّت صلاتُه، سواء سقط هو بزوال العصا أم لم يسقط .
     
     
     
    (9) الأرجح في صفة القعود أن يَجْلس مفترشًا على قدَمِه اليسرى وينصب رجله اليُمْنَى؛ لِمَا ثبت في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "سُنَّة الصلاة أن تنصب رجلك اليُمْنَى، وتَثْنِي رجلك اليسرى"[8]، فقوله: (سنَّة الصلاة) هذا على العموم، مع جواز الجلوس متربِّعًا؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "رأيتُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يصلي متربعًا"[9].
     
     
     
    ولا شكَّ أن المريض إذا لم يَقْوَ على هذه الجِلْسة جلَس على أيِّ صفة يستطيعها؛ لِعُموم الحديث: ((فإن لم تستطع فقاعدًا))، ولقوله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16].
     
     
     
    (10) إذا لم يستطع الصلاة من قعود، صلَّى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه، ويومئ إيماءً في الركوع والسجود... [10].
     
     
     
    (11) إن عجز عن الصلاة مضطجعًا، اختلف العلماء؛ فمنهم مَن يرى أنه لا ينتقل إلى حالة أخرى، بل تسقط الصلاة عنه؛ لأنه لم يَذْكُر في الحديث شيئًا بعد الاضطجاع، ومنهم من يرى الانتقال إلى الإيماء بالرأس، ثم الإيماء بالطَّرْف - يعني بالعين - ثم بإجراء القرآن على قلبه، ودليلهم قول الله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16]، قالوا: (فإن الصلاة أفعال وأقوال، فإذا لم يستطع - أن يأتي بـ - الأفعال أتى بالأقوال، وينوي الفعل بقلبه)، ويرى شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله أنَّه متَى عجز المريض عن الإيماء برأسه، سقطَتْ عنه الصَّلاة، ولا يلزمه الإيماء بطَرْفه[11].
     
     
     
    (12) السُّنَّة حالَ القيام أن يرمي ببصره إلى موضع سجوده؛ لِما ثبت في الحديث "أنه صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا صلى طأطأ رأسه، ورمى ببصره إلى الأرض"[12].
     
     
     
    2 - ثم ينوي الصلاة:
     
    والنِّية ركن؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5]، ولقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنما الأعمال بالنيَّات))[13]، وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنَّها شرط لصحَّة الصلاة (يعني اعتبروها مثل الطهارة، واستقبال القبلة وغير ذلك)، والفرق بين القولين أن من جعلها شرطًا استلزم تذَكُّرَها حتَّى ينتهي من الصلاة، ومن جعلها ركنًا، فالواجب الإتيان بها في أول الصلاة فقط حتَّى لو ذهل عنها أثناء الصلاة لا يضرُّه .
     
     
     
    واعلم أن النيَّة مَحلُّها القلب، ولا يشرع التلفُّظ بِها، بل التلفُّظ بها يُعدُّ من البِدَع، ومعنى النية: القصد والعزم، فمتى عزم وقصد الصلاة، فقد تحقَّقت النية.
     
     
     
    ملاحظات:
     
    (1) هل يجب أثناء النية تعيين - (يعني تحديد عين) - الصلاة التي سيصلِّيها؟
     
    الجواب: إن كانت الصلاة نفلاً مطلقًا، فيكفي أن ينوي نية الصلاة، وإن كانت نفلاً مُعَيَّنًا - أي: محدداً - كسُنَّة الظهر مثلاً، فلا يشترط أن ينوي معها أنه سيصليها نفلاً، بل يكفي نية: سُنَّة الظهر، أما إن كانت الصلاة فرضًا؛ فقد اختلف العلماء هل يشترط تعيينها كالظهر مثلاً أو العصر أو نحو ذلك؟ فمنهم مَن يرى أنه يجب ذلك، ومنهم من يرى أنه يَكْفيه نيَّة الصلاة، وتتعيَّن هي إذًا بوقتها، فإن توضَّأ لصلاة الظُّهر مثلاً، ثم نوى الصلاة وصلَّى، ثم غاب عن ذهنه أنَّها ظهرٌ أو عصرٌ أو غيرها، صحَّت صلاته، ووقعت ظهرًا؛ لأنها صلاة الوقت.
     
     
     
    قال الشيخ ابن عُثَيْمِين رحمه الله: "والذي يترجَّح عندي القول بأنَّه لا يشترط التَّعيين - (يعني لا يشترط تحديد عين الصلاة التي سيصلِّيها) -، وأن الوقت هو الذي يعيِّن الصلاة"[14]، وكذلك لا يشترط تعيينُ كونِها فرضًا، أو أداءً، أو قضاء، أو مُعادة.
     
     
     
    (2) يجب أن تكون النية جزمًا، بمعنى أنه لو عزم على قطع النية أثناء الصلاة، بطلَتْ صلاتهُ، وهذا مذهب الشافعية والمالكية والحنابلة، ولكنه لو تردَّد في قطعها كأنْ يسمع مَن يُناديه فيتردَّد في الخروج من الصلاة، فصلاته صحيحة على الرَّاجح، ولا تبطل إلاَّ بالعَزْم على قطعها.
     
     
     
    (3) إذا عزم على فِعْل مُبْطِل للصلاة؛ كأَكْل، أو كلام أو غير ذلك، أو علَّق خروجه من الصلاة على شرط (كأن يقول في نفسه مثلاً: إذا نادى عليّ فلان سأخرج من الصلاة)؛ فالصَّواب أن الصلاة لا تبطل بِمُجرَّد ذلك؛ لأن البُطْلان متعلِّق بفِعْل هذه المبطلات، لا بالعزم على فعلها.
     
     
     
    والفرق بين هذه الملاحظة والتي قبلها: أنَّ هذه متعلِّقة بأفعال الصلاة، بِخِلاف السابقة، فإنَّها متعلقة بالنيَّة (يعني في هذه الملاحظة عزم على أن يفعل فِعْلا مُبْطِلا للصلاة، لكن في الملاحظة السابقة عزم على قطع الصلاة نفسها).
     
     
     
    (4) بالنسبة لتحويل النيَّة: (وذلك بأن يُحوِّل النية من صلاة لأخرى أثناء الصلاة)؛ فهذه لها حالات:
     
    الأولى: أن يُحوِّلَها من فريضة إلى فريضة؛ كأن يكون نوى العصر، ثم تذكر أنه لم يصل الظهر لنوم أو نسيان، فيصرفها إلى الظهر، ففي هذه الحالة بطلت الأولى؛ لأنه قطعها، والثانية لم تنعقد (يعني لم تبدأ أصلاً) لأنَّه لم يأتِ بالنية في أوَّلها.
     
     
     
    الثانية: أن يُحوَّلَها من نفل معيَّن إلى نفل معين؛ كأن ينوي سنَّة العشاء ثم ينقلها إلى الوتر؛ فلا يصحُّ ذلك أيضًا، لكن يلاحظ أنه إذا نوى أن يصلي الوتر ركعة واحدة ثم صلاها ثلاث ركعات صحت صلاته لأنه لم يحول النية إلى نفل آخر. الثالثة: أن يحولها من فرض معيَّن أو نفل معين إلى نفل مُطْلَق، فقد رجَّح الشيخ ابن عُثَيْمِين صحَّة ذلك.
     
     
     
    3 - ويبدأ بتكبيرة الإحرام:
     
    تكبيرة الإحرام ركنٌ من أركان الصلاة، لا تنعقد الصلاة إلا بها، وهذا ما ذهب إليه جُمهور العلماء.
     
     
     
    ملاحظات:
     
    (1) يجب أن يأتي بتكبيرة الإحرام وهو قائمٌ كامِلَ الاعتدال، وقد قال النووي رحمه الله: "فإن أتى بِحَرف منها في غير حال القيام، لم تَنْعقد صلاته فرضًا بلا خلاف"[15]، ثم ذكر الخلاف في وقوعها نفلاً.
     
     
     
    ولذلك يجب على المأموم - إذا أتى المسجد ووجد الإمام راكعا - أن يأتي بتكبيرة الإحرام وهو قائمٌ كامِلَ الاعتدال (وذلك حتى لا تبطل صلاته)، ثم يأتي بتكبيرة الانتقال إلى الركوع ويركع، حتى وإن أدى ذلك إلى عدم إدراك الركوع مع الإمام، المهم ألا تبطل صلاته.
     
     
     
    (2) يلزم تعيين - يعني تحديد - لفظ (الله أكبر)، ولا يجزئ غيره حتى وإن قام مقامه، مثل (الله أعظم، الله أجَلُّ)،   وفي قوله: (الله الأكبر) خلاف[16]، فإن كان لا يُحْسِن العربية فيُجْزِئ أن يأتي بالتكبير بِلُغته.
     
     
     
    (3) يتعيَّن عليه التلفُّظ بالتكبير: والمقصود حركة الشفتين بالنُّطق بها، ولا يكفي إمرارُ كلمة (الله أكبر) على القلب، فإن كان منفردًا أو مأمومًا لا يشترط الجهر بها، ولا إسماع نفسه على الصَّحيح، بل يكفي حركة الشفتين سرًّا، وإن كان إمامًا وجب عليه أن يسمع مَن وراءه، فإن كان صوتُه ضعيفًا استعان بمن يبلِّغٍ عنه التكبير بصوت عال.
     
     
     
    (4) ينبغي أن يأتي بالتَّكبير على الوَجْه الأكمل، ولْيَحْذر من المخالفات، كقوله: "الله وأكبر" بزيادة "واو"، أو "الله أكبار"، أو "الله أجبر" بالجيم، ويُكْرَه التَّمطيط بأن يمدَّ لفظ الجلالة (الله) مدًّا زائدًا، وذلك حتى لا يسبقه المأمومون أثناء حركات الانتقال في الصلاة بسبب هذا التمطيط، والله أعلم.
     
     
     
    (5) لا يكبِّر المأموم حتَّى يفرغ الإمام من تكبيره.
     
     
     
    قال ابن قُدَامة رحمه الله: "فإنْ كبَّر - أي المأموم - قبل إمامه لم ينعقد تكبيرُه، وعليه استئنافُ التكبير - (يعني إعادة التكبير مرة أخرى) - بعد تكبير الإمام"[17]، ودليل ذلك قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّما جُعِل الإمام لِيُؤتَمَّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا..))[18].
     
     
     
    4 - ويرفع يديه مع التكبير:
     
    وأما صفة الرَّفع، فذلك بأنْ يمدَّ أصابعه، ولا يفرِّج بينهما، ويكون رفع اليدين بمحاذاة - يعني موازيا - المنكبَيْن (وهُما الكتفان) وليس ملامسا لهما، أو حيال - (يعني بمحاذاة)- الأذنَيْن وليس ملامسا لهما، وقد ذهَبَ بعضُ أهل العلم إلى أنَّه مُخيَّر بين هذا وذاك، وقال آخرون: (يَجْعل أطراف الأصابع إلى فروع أذنيه، وكفَّيْه إلى منكبيه)، والقول الأوَّل أرجح، والله أعلم.
     
     
     
    ملاحظات:
     
    (1) وقت رفع اليدين: له أكثر من صفة، كما وردْتَ بذلك الأحاديث، كالآتي:
     
    (أ) يَجُوز رفعهما مع التَّكبير.
     
    (ب) ويَجوز أن يرفع يدَيْه أوَّلاً، ثم يكبِّر وهُما ما زالتا مرفوعتين قبل أن يُنْزِلَهما
     
    (جـ) ويجوز أن يكبِّر أولاً ثم يرفع يديه
     
     
     
    (2) إذا لم يستطع رفع اليدين إلى الموضع المُستَحَبّ، أتى بما يَقْدر عليه؛ لقوله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾.
     
     
     
    (3) ما تقدَّم من استِحْباب رفع اليدَيْن: يستوي فيه الإمامُ والمأموم والمنفرِد، وسواء كانت الصَّلاة فرضًا أو نفلاً، وسواء كان المصلِّي رجلاً أو امرأة على الأصحِّ؛ لأنَّه لم يأتِ دليل بالتَّفريق.
     
     
     
    (4) إن كانت يداه في ثوبه بسبب بَرْد ونحوه، جاز له رفْعُهما بِقَدْر إمكانه.
     
     
     
    (5) لَم يثبت في حديث صحيح رَفْعُ اليدَيْن في صلاة الجنازة والعيدين مع التكبيرات، والراجح رفْعُهما فقط مع تكبيرة الإحرام، لكن ثبت رفع اليدين مع التكبيرات من فِعْل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما فقط[19].
     
     
     
    إذن ينبغي ألاّ ننكر على من يفعل فعل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما لأن الصحابة رضي الله عنهم لم ينكروا عليه.
     
     
     
    5 - ثم يضع يده اليمنى على اليسرى على صدره:
     
    وهذه الهيئة من سُنَن الصلاة (يعني من مُستَحَبّات الصلاة)، ولها وضعَيْن ثابتين في السُّنة:
     
    الوضع الأول: (القبض)، وذلك أن يقبض بيمينه على شماله.
     
     
     
    الوضع الثاني: (الوضع)، وذلك أن يضع يده اليمنى على كفِّه اليسرى والرسغ والسَّاعد من غير قبض، (يعني يضع الجزء الأسفل من كفه الأيمن على كفه الأيسر والجزء الأعلى على الرسغ والساعد)، أو وضعها على ذراعه اليسرى فقط (يعني على الساعد فقط)، أما أن يقبض بيده اليمنى على مرفقه - كما يفعل البعض - فهذا لا أصل له.
     
     
     
    وأمَّا موضع اليدَيْن حال القيام، فالصَّحيح وضعهما على الصَّدر، وأما الأحاديث الواردة في موضع اليدين تحت السُّرة، فهي أحاديث ضعيفة، وكذلك فقد نهى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عن الاختصار في الصلاة؛ وهو أن يضع يده على خاصرته كما يفعل البعض (والخاصرة هي جنب الإنسان فوق عظمة الورك).
     
     
     
    6 - ثُم يستفتح:
     
    والمراد بذلك: أن يدعو دعاء الاستفتاح، وهو سُنَّة (يعني مُستَحَبّ) في قول أكثر أهل العلم، وذلك قَبْل قراءة الفاتحة، وقد ورد في ذلك رواياتٌ، نَذْكر منها:
     
    (1) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إذا كَبَّر للصلاة سكت هُنَيهة - (يعني قليلا من الوقت) -، فقلتُ: بأبي أنت وأمِّي يا رسول الله، أرأيت سكوتَك بين التكبير والقراءة، ما تقول؟ قال: ((أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدْتَ بين المشرق والمغرب، اللهم نقِّنِي من خطاياي كما يُنَقَّى الثوب الأبيض من الدَّنَس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثَّلْج والبَرَد))[20].
     
     
     
    (2) وعن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول بعد تكبيرة الإحرام: ((سبحانك اللَّهم وبِحَمدك، وتبارك اسْمُك، وتعالى جَدُّك، ولا إله غيْرُك))[21].
     
     
     
    (3) كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا قام إلى الصلاة كبَّر، ثم قال: ((وجَّهْتُ وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إنَّ صلاتي ونسكي ومَحْياي ومماتي لله ربِّ العالمين، لا شريك له، وبذلك أُمِرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربِّي وأنا عبدك، ظلَمْتُ نفسي، واعترفتُ بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا؛ إنَّه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهْدِني لأحسن الأخلاق؛ لا يهدي لأحسَنِها إلا أنت، واصرف عنِّي سيِّئَها؛ لا يصرف عنِّي سيِّئَها إلا أنت، لبَّيْك وسعدَيْك، والخير كلُّه في يديك، والشرُّ ليس إليك، أنا بِك وإليك، تبارَكْتَ وتعاليْتَ، أستغفرك وأتوب إليك))[22].
     
     
     
    (4) وعن عاصم بن حُمَيد قال: سألتُ عائشة: بأيِّ شيء كان يفتتح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قيامَ الليل؟ فقالت: لقد سألتَنِي عن شيءٍ ما سألَنِي عنه أحدٌ قبلك، كان إذا قام كبَّر عشرًا، وحمد الله عشرًا، وسبَّح الله عشرًا، وهلَّل عشرًا، واستغفر عشرًا، وقال: ((اللهم اغفر لي واهدني، وارزقني وعافني))، ويتعوَّذ من ضيق المقام يوم القيامة[23].
     
     
     
    (5) كان النبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا قام من الليل افتتح صلاته: ((اللهم ربَّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السَّموات والأرض، عالِمَ الغيب والشهادة، أنت تَحْكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهْدِني لما اختُلِف فيه من الحقِّ بإذنك، إنك تَهْدي من تشاء إلى صراط مستقيم))[24].
     
     
     
    (6) كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا قام من الليل يتهجَّد يقول بعد تكبيرة الإحرام: ((اللهم لك الحمد، أنت قيِّم السموات والأرض ومن فيهنَّ، ولك الحمد؛ أنت نور السموات والأرض ومَن فيهن، ولك الحمد؛ أنت مالكُ السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد؛ أنت الحقُّ، ووعدك الحقُّ، ولقاؤك حقٌّ، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيُّون حق، ومحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم حقٌّ، والساعة حق، اللهم لك أسلمْتُ، وبك آمنت، وعليك توكَّلْت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدِّم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، ولا إله غيرك، ولا حول ولا قوة إلا بالله))[25].
     
     
     
    (7) كان النبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول عندما يصلِّي من الليل: ((الله أكبر - ثلاثًا - ذو الملكوت والجبروت، والكبرياء والعظمة))[26].
     
     
     
    ملاحظات:
     
    (1) قال الشيخ ابن عُثَيْمِين رحمه الله: "وينبغي للإنسان أن يستفتح بِهذا مرَّة، وبهذا مرَّة؛ ليأتي بالسُّنن كلِّها، وليكون ذلك إحياء للسُّنة، ولأنَّه أحضَرُ للقلب؛ لأنَّ الإنسان إذا التزم شيئًا معيَّنًا صار عادة له"[27].
     
     
     
    (2) اختلف العلماء هل يستفتح في صلاة الجنازة أم لا؟ والأرجح أنه لا يستفتح.
     
     
     
    (3) إذا شرع المأموم في دعاء الاستفتاح فوجد الإمام قد بدأ في قراءة الفاتحة فإنه يقطع دعاء الاستفتاح وينصت.
     
     
     
    7 - ثم يستعيذ:
     
    والاستعاذة سُنَّة (يعني مُستَحَبّة)، وهي تقال لأجْل القراءة؛ لقول الله تعالى: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [النحل: 98]، والاستعاذة تكون سرًّا.
     
     
     
    • وصفة الاستعاذة أن يقول: ((أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، من هَمْزِه ونفخه ونَفْثه))، أو ((أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفْخه ونفثه))[28]، ومعنى ((هَمْزه)): الجنون، و((نفخه)): الكِبْر، و((نفثه)): الشِّعر، وتأتي أيضا بمعنى السحر، مثل قول الله تعالى: (ومن شر النفاثات في العقد)، ويلاحظ أنه إذا قال: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) فقط أجزأه.
     
     
     
    • وقت الاستعاذة: ذهَب فريقٌ من أهل العلم أنَّها تكون في الركعة الأولى فقط، أمَّا باقي الركعات فيبدؤها بقراءة الفاتحة مباشرة دون استعاذة، وذهب فريقٌ آخر من أهل العلم إلى قراءتها في كلِّ ركعة.
     
     
     
    8 - ثم يقرأ الفاتحة:
     
    وهي رُكْن من أركان الصَّلاة، لا تصحُّ الصلاة إلاَّ بها؛ لقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا صلاة لِمَن لم يقرأ بفاتحة الكتاب))[29]، فلا يقوم غيْرُها مقامها، ويستوي في ذلك جميع الصَّلوات فرْضُها ونَفْلها، وسواء كانت جهرًا أو سرًّا، ويستوي في ذلك الرَّجل والمرأة، والمسافر والحاضر، والصَّبِي والكبير، والقائم والقاعد والمضطَجِع، وفي شدة الخوف وغيرها، وسواء في ذلك الإمامُ، والمنفرد (الذي يصلي وحده).
     
     
     
    وأمَّا بالنسبة للمأموم فهل تجب عليه قراءَة الفاتحة؟
     
    فيه خلافٌ، والراجح وجوبُها أيضًا عليه في الصلاة، سواء كانت سرية أو جهريَّة؛ وذلك لعموم الحديث السابق، وقد ثبت في بعض رواياته أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم صلَّى ذات يوم الفجر، فلما انصرف قال: ((لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟))، قالوا: نعم، قال: ((لا تفعلوا إلاَّ بأُمِّ القرآن؛ فإنَّه لا صلاة لمن لم يقرأ بها))[30].
     
     
     
    قال النوويُّ رحمه الله: "والذي عليه جمهور المسلمين القراءة خلف الإمام في السِّرِّية والجهريَّة، قال البيهقي: وهو أصحُّ الأقوال على السُّنة وأحوَطها"[31].
     
     
     
    ملاحظات:
     
    (1) قال النوويُّ رحمه الله: "إنْ ترَكَ الفاتحة ناسيًا لا تُجْزئ صلاته على الأصحِّ، فإنْ تَذَكَّر في الصلاة قبل القيام للركعة التي بعدها، عاد للقيام وقرأ الفاتحة، وأتَمَّ الصلاة، وإنْ تذكَّر بعد القيام للركعة الثانية ألغى الرَّكعة الأُولى، وأتم صلاته، وإنْ تذكَّر بعد الصلاة ولَم يَطُل الفَصْل - (يعني لم يمر أكثر من خمس دقائق تقريباً) - صلَّى ركعة كاملة، وإنْ طال الفَصْلُ أعاد الصلاة"[32]، وسيأتي بيان ذلك في أبواب سجود السَّهو إن شاء الله تعالى.
     
     
     
    (2) يجب قراءةُ الفاتحة في كلِّ ركعة.
     
     
     
    قال الشيخ ابن عُثَيْمِين رحمه الله: "ولا تسقط - (أي: الفاتحة) - إلاَّ عن مسبوقٍ أدركَ الإمامَ راكعًا، أو - أدركه - قائمًا ثم شَرَع فيها وخاف أن يفوته الرُّكوع قبل أن يُتِمَّها، فإنَّها في هذه الحالة تسقط"[33].
     
     
     
    قال الشيخ عادل العزّازي: ويرى بعض أهل العلم أنه لو أدرك بعضَ القيام وجب عليه إتمامُها، وهو الأحوط والله أعلم.
     
     
     
    (3) ينبغي أن يأتي بالفاتحة مرتَّبةً بِحُروفها وآياتها وتشديداتِها (مثل كلمة: إيَّاك)، فإنْ خالَفَ في ذلك لم تصحَّ.
     
     
     
    (4) من السُّنة الوقوفُ عند رأس كلِّ آية، وهذا هو الثابت عنه صلَّى الله عليه وسلَّم ويَجِب مراعاةُ الموالاة بألاَّ يطول الفَصْل بين الآيات، فإنْ قطع الموالاة عامدًا بحيث يشعر بقطْع القراءة، وجب استئناف القراءة، وإن كان ناسيًا أو معذورًا لإعياء ونحوه، فلا شيءَ عليه، ولْيُكْمِل قراءته، وكذلك لو قطَعَ المأموم القراءة لتأمينه، أو سجودِه مع الإمام للتِّلاوة، أو لِفَتْحه عليه أو تَسْبيح، أو عطس، فقال: الحمد لله - الصَّحيح لا تنقطع قراءته، وعليه أن يُتمَّها، سواءٌ كان فِعْلُه السابق ساهيًا أو جاهلاً، وفي المتعمِّد خلافٌ، والرَّاجح أنه لا تنقطع صلاته أيضًا.
     
     
     
    (5) إذا لم يُحْسِن قراءة الفاتحة: قال الخطَّابِيُّ رحمه الله: "الأصل أنَّ الصلاة لا تُجْزِئ إلاَّ بقراءة فاتحة الكتاب، ومعقول أن قراءة فاتحة الكتاب على مَن أحسنها دون من لا يحسنها، فإذا كان المصلِّي لا يُحْسِنها ويُحسن غيرها من القرآن، كان عليه أن يقرأ منه قدر سبع آيات؛ لأنَّ أَوْلى الذِّكْرِ بعد الفاتحة ما كان مثلها من القرآن، وإن كان رجلاً ليس في وسعه أن يتعلَّم شيئًا من القرآن؛ لِعَجْز في طبْعه، أو سوءٍ في حفظه، أو عُجْمة في لسانه، أو عاهةٍ تَعْرِض له، كان أولى الذِّكر بعد القرآن ما علَّمه النبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من التسبيح والتحميد والتهليل"[34].
     
     
     
    قال الشيخ عادل العزّازي: ومِمَّا استدلَّ به العلماءُ على ذلك ما ثبت أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم علَّم رجلاً الصلاة، فقال: ((إن كان معك قرآنٌ فاقرأ به، وإلاَّ فاحْمَده وكبِّره وهلِّله، ثم ارْكُع))[35]، لكن لم يثبت في تَحْديد الآيات بِكَونها سبْعَ آياتٍ دليلٌ.
     
     
     
    وورَدَ بيانُ صفة ذلك الذِّكر لما ثبت في الحديث أنه جاء رجلٌ إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: إنِّي لا أستطيع أن آخُذَ من القرآن شيئًا فعلِّمْنِي ما يُجْزِئني منه، قال: ((قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حَوْل ولا قوَّة إلا بالله العليِّ العظيم))[36].
     
     
     
    (6) من الأخطاء دُعاء البعض له ولوالديه بالمغفرة عند قول الإمام: ﴿ وَلا الضَّالِّينَ ﴾ قبل التَّأمين - (ظناً منه أن الناس عندما يقولون: (آمين) سيؤمنون على دعائه) - والصَّحيح أنه يَسْتمع للفاتحة إلى آخِرِها، ثم يؤمِّن مع إمامه فقط، وأمَّا هذه الأدعية في هذا المَوْطن فبِدْعة.
     
     
     
    فصل: في حكم البسملة: يتعلَّق بحكم البسملة مسائل:
     
    المسألة الأولى: هل هي آيةٌ من الفاتحة أوْ لا؟
     
    اختلف العلماء في ذلك على أقوال:
     
    القول الأول: قالوا: هي آيةٌ من الفاتحة؛ لِتَرقيمها في المصحف على أنَّها آية من الفاتحة، وهذا مذهب الشافعية، قالوا: وهي آية من كلِّ سورةٍ عدا سورة ((براءة))، على الرَّاجح في مذهبهم.
     
     
     
    القول الثاني: ليسَتِ البسملةُ في أوائل السُّور بآية، لا من الفاتحة، ولا من غيرها، وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة وداودَ الظاهريِّ.
     
     
     
    القول الثالث: قال أحمد: هي آيةٌ في أول الفاتحة، وليست بقرآنٍ في أوائل السُّوَر، وفي رواية عنه أنَّها ليست من الفاتحة، قال ابن قدامة: "وهي - (أي هذه الرواية هي) - المنصورة عند أصحابه، وقول أبي حنيفة ومالكٍ والأوزاعي"[37].
     
     
     
    ورجَّحَ الشيخ ابنُ عُثَيْمِين القول الثاني، واستدلَّ القائلون بذلك بحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عن ربِّ العالمين قال: ((قسَمْتُ الصَّلاة بيْنِي وبين عبدي نصفَيْن، فإذا قال العبد: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ قال الله: حَمِدَني عبْدي، فإذا قال: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾، قال الله: أثنى عليَّ عبدي، فإذا قال: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾، قال الله: مجَّدني عبدي، فإذا قال: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾، قال الله: هذا بيني وبين عبدي، ولِعَبْدي ما سأل، فإذا قال: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾، قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل))[38]، فلم يذْكر في الحديث البَسْملة، وكانت آيةُ ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ في وسط القِسْمة، وعلى هذا فتَكون الآية السَّادسة: ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾، والسابعة: ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾.
     
     
     
    وأمَّا حديث أُمِّ سلمة رضي الله عنها: "أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قرأ في الصلاة: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ وعدَّها آيةً"[39]، فهو حديث لا يصحُّ؛ لأنَّ فيه ابنَ جريج، وهو مدلِّس.
     
     
     
    تنبيه:
     
    قال النووي: "أجْمَعَت الأمَّةُ على أنَّه لا يكفر مَن أثبتَها - (أي أثبت أنها آية من القرآن) - ولا مَن نفاها؛ لاخْتِلاف العلماء فيها، بِخِلاف ما لو نفى حَرْفًا مُجْمَعًا عليه، أو أثبت ما لم يَقُل به أحد، فإنَّه يكفر بالإجماع"[40].
     
     
     
    المسألة الثانية: هل تجب قراءتها مع الفاتحة؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين:
     
    القول الأول: تجب قراءتها، وإلى ذلك ذهب كلُّ من يرى أنَّها آيةٌ من الفاتحة.
     
    القول الثاني: أن قراءتها سُنَّة، وليست بواجب، وهذا رأي الآخَرين الذين يرون أنَّ البسملة ليست آيةً من الفاتحة.
     
     
     
    المسألة الثالثة: هل يُجْهَر بها أم لا؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين:
     
    القول الأول: يرَوْن الجهر بِها في الركعات الجهرية.
     
    والقول الثاني: يرَوْن أنه لا يُجْهَر بها الركعات الجهرية.
     
     
     
    قال ابنُ القيِّم: "كان النبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) تارة، ويُخفيها أكثر مِمَّا يَجْهر بها، ولا ريب أنَّه لم يَجْهَر بها دائمًا في كلِّ يوم وليلة خَمْس مرَّات حضرًا وسفرًا، ويَخْفَى ذلك على خلفائه الرَّاشدين، وعلى جُمهور أصحابه، وأهل بلده في الأعصار الفاضلة"[41]، يعني لو لم يجهر بها مطلقا لأخبرنا الصحابة بذلك.
     
     
     
    9- ثم يقول: "آمين":
     
    والتأمين بعد الفراغ من الفاتِحَة سُنَّة لكلِّ مُصلٍّ، سواء الإمام والمأموم والمنفرد، والمفترض والمتنفِّل، في الصلاة السرِّية والجهرية.
     
     
     
    ملاحظات:
     
    (1) إذا كانت الصلاة سرِّية أسَرَّ بالتأمين، وإن كانت جهرية استُحِبَّ الجَهْرُ بالتَّأمين.
     
     
     
    (2) لو ترك الإمامُ التأمينَ عمدًا أو سهوًا، لا يتركه المأموم؛ لِما ثبت في الحديث أن النبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إذا قال الإمام: ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾، فقولوا: آمين))[42].
     
     
     
    (3) هل يَجْهر المأموم بالتأمين أم يُسِرُّ؟
     
    الراجح أنه يَجْهر بالتأمين في الجهرية؛ لعموم قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي))، وقد ثبت عنه صلَّى الله عليه وسلَّم رفْعُ الصَّوت بالتأمين كما تقدَّم، وعن عطاء قال: "كنتُ أَسْمَع الأئمة - وذكر ابنَ الزَّبَيْر ومَن بعده - يقولون: آمين، ويقول مَن خلفه: آمين، حتَّى إنَّ للمسجد لَلَجَّةً"[43]، "اللَّجَّةُ": ارتفاع الصوت.
     
     
     
    (4) يُستَحَبّ أن يقع تأمين المأموم مع تأمين الإمام، لا قبله ولا بعده - قدر ما يستطيع - ودليل ذلك قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا قال الإمام: ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾، فقولوا: آمين؛ فإنَّ الملائكة تقول: آمين، والإمام يقول: آمين، فمن وافقَ تأمينُه تأمينَ الملائكة، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه))[44].
     
     
     
    (5) اعْلَم أن التأمين ليس من الفاتحة كما قد يتوهَّم بعض الناس، بل هو تأمينٌ على دعاء: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُستَقِيمَ ﴾ ومعنى كلمة آمين: "اللهم استَجِب".
     
     
     
    (6) أفاد النوويُّ رحمه الله أنه لا يَصِل كلمة: ﴿ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ بكلمة: (آمين)، بل يقف عند نِهاية الآية ثم يؤمِّن.
     
     
     
    (7) الْمُختار في نطق كلمة "آمِين" أن المقطع: (مِين) (الذي في آخر الكلمة) يمد حسب مد الإمام لخواتيم الآيات، أما المقطع: (آم) (الذي في أول الكلمة) فيقصر حركتين فقط، ولا يمد مدا زائدا عن الحد كما يفعل أكثر الناس، ويراعى كذلك تخفيف الميم، فلا يجوز تشديدها بأن نقول:(آمِّين)؛ لأنه يغيِّر المعنى فيكون معناه: (قاصِدين) كقول الله تعالى: ﴿ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ﴾ [المائدة: 2]
     
     
     
    10 - ثم يقرأ سورةً بعدها:
     
    وقراءة السُّورة سُنَّة (يعني مُستَحَبّة)، والدليل على ذلك ما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال في وصف صلاة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "في كلِّ صلاة يقرأ، فما أسْمَعَنا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أسمَعْناكم، وما أخفى عنا أخفَيْنا، وإن لم تَزِد على أُمِّ القرآن - (أي: الفاتحة) - أجزَأت - (يعني صحت صلاتك) -، وإن زدْتَ فهو خير لك"[45].
     
     
     
    قال ابن قُدَامة رحمه الله: "لا نَعْلَم بين أهل العلم خلافًا في أنه يُسَنُّ - (يعني يُستَحَبّ) - قراءة سورة مع الفاتحة في الرَّكعتَيْن الأُوليَيْن من كلِّ صلاة، ويَجْهر بها فيما يَجهر فيه بالفاتحة، ويُسِرُّ فيما يسرُّ بِها فيه"[46].
     
     
     
    ملاحظات:
     
    (1) إذا نسي وقرأ السُّورة قبل الفاتحة، أعادها بعد الفاتحة؛ لأنَّه ذِكْرٌ قاله في غير موضعه، فلم يُجْزِئ.
     
     
     
    (2) الثابت من هَدْيِه صلَّى الله عليه وسلَّم أنه كان يقرأ في الفرائض السُّورة كاملة - على ما سيأتي تفصيله - لذا كان هذا هو الأفضل، لكن يجوز أن يقرأ آيات من أثناء السورة كما سيأتي.
     
     
     
    قال الشيخ عادل العزّازي: ثبت أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم قرأ في ركعتي سُنَّة الفجر بعض آيات من السُّور، فهل يجوز ذلك في الفرض أيضاً قياسًا على النَّفل؟
     
     
     
    قال الشيخ ابن عُثَيْمِين رحمه الله: "والأصل: أنَّ ما ثبت في النَّفْل ثبت في الفرض إلاَّ لدليل - (يعني إلاَّ لدليل يفرق بين النافلة والفريضة) -، ويدلُّ لِهذه القاعدة أنَّ الصحابة رضي الله عنهم لَما حكَوْا أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يُوتِرُ على الراحلة، قالوا: "غير أنه لا يصلِّي عليها المكتوبة"، دلَّ ذلك على أنَّ المعلوم أن ما ثبت في النَّفل ثبت في الفرض"[47].
     
     
     
    ثم قال: "لكن السنة والأفضل أن يقرأ سورة، والأفضل أن تكون كاملة في كلِّ ركعة، فإن شقَّ فلا حرج عليه أن يَقْسِم السُّورة بين الرَّكعتين؛ لأن النبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قرأ ذات يومٍ سورة "المؤمنون"، فلمَّا وصل إلى قصة موسى وهارون، أخذَتْه سَعْلَةٌ فركع"[48].
     
     
     
    قال الشيخ عادل العزّازي: ويدلُّ على ذلك قراءتُه سورة الأعراف في صلاة المغرب، فرَّقَها على الركعتين.
     
     
     
    ومِمَّا يدلُّ على جواز قراءة بعض السُّورة: ما ثبت أن النبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يقرأ في الفجر من الستِّين إلى مائة آية[49] قال ابن قدامة رحمه الله تعليقًا على ذلك: "دليلٌ على أنه لم يكن يقتصر على قراءة سورة ".
     
     
     
    وقرأ عُمَر في الرَّكعة الأولى بِمائة وعشرين آية من البقرة، والثانية بسورة المائدة، وقرأ ابن مسعود بأربعين آيةً من الأنفال، وفي الثانية بسورةٍ من المُفَصَّل (والمفصل يبدأ بسورة (الحجرات) وينتهي بسورة (الناس)على الصحيح).
     
     
     
    (3) إذا بدأ قراءته مِن وسط السُّورة فإنه لا يقرأ البسملة (يعني يستعيذ ثم يقرأ مباشرة)، وأمَّا إذا بدأ قراءته مِن أوَّلِ السورة ففيه خلافٌ بناءً على ما سبق تفصيله في حكم البسملة، والصحيح أنه لا يُستَحَبّ كذلك؛ لما تقدَّم من أنَّ القول الراجح أنَّ البسملة ليست آيةً من السورة.
     
     
     
    (4) لَم يثبت في السُّنة سكتة بين قراءة الفاتحة وقراءة السُّورة، والثابت سكتة بين التَّكبيرة والقراءة؛ لأجْل دعاء الاستفتاح، وسكتة بعد الانتهاء من القراءة قبل الرُّكوع[50]، وعلى هذا فإذا لم يسكت الإمام بعد قراءته للفاتحة وشرع في قراءة السورة التي بعدها مباشرة، فإن المأموم يقرأ الفاتحة ثم ينصت لما تبقى من قراءة الإمام.
     
     
     
    (5) هل يَجْوز أن يقرأ أكثرَ من سورة في نفس الركعة الواحدة؟
     
    أمَّا بالنِّسبة للنَّافلة، فجائز؛ لأنَّه ثبت أن النبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قرأ سورةَ البقرة والنِّساءِ وآل عمران في ركعةٍ في صلاة اللَّيل، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "لقد عرفْتُ النَّظائر التي كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يَقْرن بينهنَّ - (يعني يجمع بينهن) - فذكَر عشرين سورةً من المفصَّل، سورتَيْن في ركعة"[51].
     
     
     
    وأمَّا بالنِّسبة للفريضة، فهناك خلاف بين أهل العلم، فيَرى بعض أهل العلم الاقتصارَ على سورةٍ واحدة؛ لأنَّه الثَّابتُ مِن فِعْله صلَّى الله عليه وسلَّم في الفرائض، ولأنه أمر مُعاذًا رضي الله عنه في صلاته بذلك، ويرى آخَرون جواز ذلك؛ لِعُموم حديث ابن مسعود السابق، ولأنَّ ما يجوز في النافلة يَجوز في الفريضة إلا بدليل يفرق بينهما؛ "راجع كلام الشيخ ابن عُثَيْمِين السابق".
     
     
     
    (6) الثابت من هَدْيِه صلَّى الله عليه وسلَّم إطالةُ الرَّكعة الأولى على الثَّانية، وثبَتَ أنَّ الثانية تكون على النِّصف من الأُولى في بعض الصَّلوات، وثبت أيضًا إطالةُ الأُوليَيْن، وأنَّهما متساويتان في القراءة، وأن الأُخْريَيْن على النِّصف منهما؛ لِما ثبَت في حديث أبي قتادة رضي الله عنه "أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليَيْن بفاتحة الكتاب وسورةٍ في كلِّ ركعة، وكان يُسْمِعنا الآية أحيانًا، وكان يطيل في الأولى ما لا يطيل في الثانية، وكان يقرأ في الرَّكعتَيْن الأخيرتَيْن بفاتحة الكتاب"[52].
     
     
     
    وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: "حزَرْنا - (يعني قدّرنا) - قيامَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الظُّهر والعصر، فحزرنا قيامه في الرَّكعتَيْن الأوليَيْن من الظُّهر بقَدْر ثلاثين آيةً قَدْر (ألم تنـزيل) السَّجدة، وحزرنا قيامه في الأُخْريين على النِّصف من ذلك، وحزرنا قيامه في الأوليين من العصر على قَدْر الأخريين من الظُّهر، وحزرنا قيامه في الأخريين من العصر على النصف من ذلك"[53].
     
     
     
    (7) المأموم لا يقرأ خلف إمامه في الجهريَّة إلاَّ فاتحة الكتاب فقط، وقد تقدَّم دليل ذلك، لكنْ إن كانت الصلاة سرِّية، أو كان لا يَسْمع قراءة الإمام في الجهرية، قرأ بعد الفاتحة.
     
     
     
    (8) الصحيح أنه يجوز قراءةِ سورة بعد الفاتحة في الركعتين الأخيرتين من الظهر والعصر فقط؛ لِما تقدَّم من حديث أبي سعيد الخدري السابق.
     
     
     
    (9) بالنسبة للمسبوق هل يقرأ سورةً بعد الفاتِحة فيما يقضيه من ركعات بعد تسليم الإمام، وكذلك هل يجهر إنْ فاتَتْه الركعات الجهريَّة مع الإمام وقام ليقضيها؟ فيه خلاف بين العلماء، والمسألة اجتهادية، فلا مانع من الأخْذ بأيٍّ من الرَّأيَيْن، والله أعلم.
     
     
     
    والراجح عندي أنَّ ما أدركه مع الإمام هي الركعات الأولى له، فإذا سلَّم الإمامُ أتَمَّ صلاته؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((فما أدرَكْتُم فصلُّوا، وما فاتكم فأتِمُّوا)).
     
     
     
    (10) إذا فاتَتْه الصلاة وأراد قضاءها، فهل يُسِرُّ أم يَجْهَر؟
     
    الجواب:
     
    أنَّ العِبْرة بوقت الصلاة التي سيقضيها (هل هي سرية أم جهرية)، وليست العبرة بالوقت الذي سيقضيها فيه، وعلى هذا فلو قضى الصَّلاة الجهريَّة نَهارًا جهَر، ولو قضى الصلاة السِّرِّية ليلاً أسرَّ، وقد تقدَّم دليلُ ذلك في مواقيت الصلاة.
     
     
     
    (11) السُّنة الإسرارُ في النوافل، إلاَّ ما ورد فيه دليلٌ بالجهر، كالاستسقاء والتَّراويح والخسوف ونحوها، وصلاة العيد عند مَن يرى أنَّها سُنَّة، ولكن إذا كان أحد الأشخاص يصلي النافلة، ثم جاء شخص آخر فوقف يصلي خلفه فهل يجهر - هذا الذي يصلي النافلة - بالقراءة أم لا؟
     
     
     
    الجواب: إذا كان يصلي النافلة الراتبة لصلاة سرية (كسنة الظهر أو العصر) فإنه لا يجهر بالقراءة، أما إذا كان يصلي النافلة الراتبة لصلاة جهرية (كسنة المغرب أو العشاء أو الفجر) فله أن يجهر وله أن يسر، ويلاحظ أنه إذا جهر بالقراءة فإنه يجهر من حيث انتهت قراءته لحظة وقوف الشخص الآخر وراءه، فلا يعيد قراءة الفاتحة مرة أخرى.
     
     
     
    (12) اعْلَم أنَّ الإسرار بالقراءة لا يتحقَّق إلاَّ مع تَحْريك اللسان والشَّفتَيْن بالحروف، ويرى بعضُهم أن أقلَّه إسْماع نفسه، وفي حديث خبَّاب رضي الله عنه أنه سُئِل: كيف كنتم تعرفون قراءة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في السرِّية؟ قال: باضْطِراب لحيته"[54] يعني بتحرك لحيته، وهذا دليل على أنه كان يحرك لسانه وشفتيه أثناء القراءة.
     
     
     
    وعلى هذا؛ فما يفعله بعض المصلِّين من الوقوف صامتين مُطْبقي الشِّفاه لا يحرِّكونها، لا يصحُّ، ولا تصحُّ قراءتهم فيما يُجْرونَها على قلوبِهم!
     
     
     
    (13) يُستَحَبّ ترتيل القراءة وتدبُّرها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ﴾ [المزمل: 4] ولقوله: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24]، كما يُستَحَبّ تَحْسين الصوت.
     
     
     
    (14) يجوز تكرير نفس السُّورة في الركعتين؛ لما ثبت عن رجلٍ من جُهَينة أنَّه "سَمِع النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقرأ في الصبح: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ﴾ [الزلزلة: 1] في الركعتين كلتَيْهما"، قال: "فلا أدري أنَسِي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أم قرأ ذلك عمدًا"[55].
     
     
     
    (15) السُّنة الوقوف عند كلِّ آية، ويمدُّ بها صوتَه[56] (يعني لا يقتصر على مد نهاية الآية حركتين فقط بل يمدها أكثر من ذلك (4 أو 6 حركات))، وثبَت عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنه كان إذا قرأ ﴿ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ﴾ [القيامة: 40] قال: "سبحانك، فبَلى"[57]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا قرأ ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ [الأعلى: 1] قال: "سبحان ربي الأعلى"[58]، وسواءٌ في ذلك الفريضة والنافلة، وقد روى ابنُ أبي شيبة أنَّ أبا موسى الأشعري والمغيرة كانا يقولون ذلك في الفريضة.
     
     
     
    وأما قول: (سبحانك فبلى) بعد قول الله تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِين ﴾، وكذلك قول: (لا إله إلا الله) بعد قول الله تعالى: (أَءِلَهٌ مع اللهٌ)، وكذلك أيضا قول: (صلَّى الله عليه وسلَّم) بعد قول الله تعالى: (محمد رسول الله)، وغير ذلك فكل هذا ليس عليه دليل.
     
     
     
    ولكن ثبث أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما صلى صلاة الليل كان إذا مر بآية فيها سؤال سأل (كأن يمر المصلي بآية فيها ذكر الجنة أو ما شابه ذلك من طلب الرحمة والمغفرة فيقول: اللهم إني أسألك الجنة)، وكان إذا مر بآية فيها تعوذ استعاذ (كأن يمر المصلي بآية فيها ذكر النار أو ما شابه ذلك من العذاب فيقول: اللهم إني أعوذ بك من النار)، وإذا مر بآية فيها تنزيه لله تعالى سبح، كأن يمر المصلي مثلا بقول الله تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ﴾ فإنه يقول: (سبحان الله)[59]، وقد تقدم أنه ما يجوز في النافلة يَجوز في الفريضة إلا بدليل يفرق بينهما، والله أعلم.
     
     
     
    "التلخيص على مسؤولية الكاتب"
     
     
    [1] مُختَصَرَة من كتاب (تمام المِنّة في فِقه الكتاب وصحيح السُنّة) لفضيلة الشيخ عادل العزّازي أثابه الله لمن أراد الرجوع للأدلة والترجيح، وأما الكلام الذي تحته خط أثناء الشرح من توضيحٍ أو تعليقٍ أو إضافةٍ أوغير ذلك فهو من كلامي (أبو أحمد المصري)، وقد تمَّ مراجعة المُلَخَّص من أحد تلاميذ الشيخ عادل.
     
    [2] البخاري (793)، ومسلم (397)، وأبو داود (856)، والترمذي (303)، والنَّسائي (1/ 141)، وابن ماجه (1060)، وأحمد (2/ 437)، وله شاهد من حديث رفاعة بن رافع البدري، رواه أبو داود (859)، والترمذي (302)، والنسائي (1/ 161)، والحاكم (1/ 242)، وأحمد (4/ 340)، وسنَدُه صحيح.
     
    [3] متفق عليه
     
    [4] البخاري (1117)، وأبو داود (952)، والترمذي (372)، وابن ماجه (1223).
     
    [5] البخاري (2996)، وأبو داود (3091).
     
    [6] "انظر فتح الباري"، (2/ 588) بتصرف.
     
    [7] "المجموع"، (3/ 266).
     
    [8] البخاري (827)، وأبو داود (958)، ومالك في الموطأ (1/ 89)، والبيهقي (2/ 129).
     
    [9] صحيح: رواه النسائي (3/ 224)، والحاكم (1/ 275)، والبيهقي (2/ 305)، وابن خزيمة (1238)، وابن حبان (2512).
     
    [10] قال الحافظ في "الفتح"، (2/ 588): "ووقع في حديث علي أن حالة الاستلقاء تكون عند العَجْز عن حالة الاضطجاع"؛ اهـ، قال الشيخ عادل العزّازي: رواه: الدارقطنِيُّ (2/ 43)، والبيهقي (2/ 307)، وفيه حسين بن زيد العرني، قال ابن عدي: يروي أحاديثَ مناكير، ولا يشبه حديثُه حديثَ الثِّقات، وقال ابن حبان: يروي المقلوبات، والحديث ضعَّفَه عبدالحق في "أحكامه"، وانظر لذلك "نصب الراية" (2/ 176).
     
    [11] "الاختيارات الفقهية"، (ص133).
     
    [12] رواه الحاكم (2/ 393)، والبيهقي (2/ 283)، والراجح أنه مرسل، لكن له ما يعضده؛ انظر "الإرواء" للشيخ الألباني (354).
     
    [13] البخاري (1)، ومسلم (1907)، وأبو داود (2201)، والترمذي (1647)، والنسائي (1/ 58).
     
    [14] "الشرح الممتع" (2/ 287).
     
    [15] "المجموع"، (3/ 296).
     
    [16] والأفضل أن لا يأتي إلاَّ بلفظ "الله أكبر"؛ لوروده هكذا في الحديث: ((ثم قل: الله أكبر)).
     
    [17] "المغني"، (1/ 464).
     
    [18] البخاري (805)، ومسلم (411)، والنسائي (361)، وابن ماجه (1238)، من حديث أنس.
     
    [19] صحيح: رواه البخاري تعليقًا (3/ 189)، ووصله في جزء رفع اليدين (6005)، ووصله ابن أبي شيبة (3/ 296).
     
    [20] البخاري (744)، ومسلم (598) وأبو داود (781)، والنسائي (1/ 50)، وابن ماجَهْ (805).
     
    [21] مسلم (399)، والحاكم (1/ 361)، والدارقطني (1/ 299).
     
    [22] مسلم (771)، وأبو داود (760)، والترمذي (266)، (3422)، والنسائي (2/ 129)، وابن حبَّان (1772).
     
    [23] حسن: أبو داود (766)، وابن ماجه (1356)، والنسائي (3/ 208).
     
    [24] مسلم (770)، وأبو داود (767)، والترمذي (3420)، والنسائي (3/ 212)، وابن ماجه (1357).
     
    [25] البخاري (1120)، ومسلم (769)، وأبو داود (771)، والترمذي (3418)، والنسائي (3/ 309)، وابن ماجه (1355).
     
    [26] صحيح: أبو داود (874)، والنسائي (2/ 199)، وأصله في صحيح مسلم (772).
     
    [27] "الشرح المُمْتِع" (3/ 62).
     
    [28] هاتان الرِّوايتان ثابتتان من طرُقٍ جَمَعها الشيخ الألباني وصحَّح الحديث؛ انظر "إرواء الغليل" (342)، وانظر أبا داود (764)، وابن ماجه (807).
     
    [29] البخاري (756)، ومسلم (394)، وأبو داود (822)، والترمذي (247، 311)، والنَّسائي (2/ 137)، وابن ماجه (837).
     
    [30] أبو داود (823)، والترمذي (311)، والدارقطني (1/ 318)، وابن حبان (1785)، وحسَّنَه الترمذي، والدارقطني، وقال الخطاَّبي: إسناده جيِّد، لا طعن فيه.
     
    [31] "المجموع" (3/ 365).
     
    [32] انظر "المجموع" للنووي (3/ 332) بتصرف.
     
    [33] "الشرح الممتع" (3/ 85).
     
    [34] "عون المعبود" (3/ 44) شرح سنن أبي داود.
     
    [35] صحيح: رواه أبو داود (861)، والترمذي (302)، وحسنه، وابن خزيمة (545).
     
    [36] حسن: رواه أبو داود (832)، والنسائي (2/ 143).
     
    [37] "المغني" (1/ 480).
     
    [38] مسلم (395)، وأبو داود (821)، والترمذي (2953)، والنسائي (2/ 135).
     
    [39] أبو داود (4001)، والترمذي (2928)، وللحديث متابعة عند الإمام أحمد (6/ 288)، بها يتقوَّى الحديث دون ذكر البسملة؛ لأنَّها لم تَرِد في المتابعة.
     
    [40] "المجموع" (3/ 334).
     
    [41] "زاد المعاد" (1/ 206 - 207).
     
    [42] البخاري (782)، ومسلم (415)، وأبو داود (935) والترمذي (250)، والنسائي (2/ 57)، وابن ماجه (852).
     
    [43] البخاري تعليقًا (2/ 262)، ووصله الشافعي في "مسنده" (1/ 76)، والبيهقي (2/ 59)، وعبد الرزاق (2640)، وإسناده صحيح.
     
    [44] تقدَّم تخريجه ؛ انظر التعليق قبل السابق.
     
    [45] البخاري (772)، ومسلم (396)، والنسائي (2/ 163).
     
    [46] "المغني" (1/ 491).
     
    [47] "الشرح الممتع" (3/ 103)، وأما الحديث فرواه مسلم (455)، وأبو داود (649)، وابن ماجه (820)، والنسائي (2/ 176)، وعلقه البخاري في "صحيحه".
     
    [48] المصدر السابق (3/ 104).
     
    [49] البخاري (541)، ومسلم (461)، وأبو داود (398)، والنسائي (2/ 157).
     
    [50] أبو داود (780)، والترمذي (251)، وابن ماجه (844).
     
    [51] البخاري (775)، ومسلم (822)، والترمذي (602)، والنسائي (2/ 174).
     
    [52] البخاري (776)، ومسلم (451)، وأبو داود (798)، والنسائي (2/ 166).
     
    [53] مسلم (452)، وأبو داود (804)، والنسائي (1/ 237).
     
    [54] البخاري (746)، وأبو داود (801)، وابن ماجه (826).
     
    [55] حسن: أبو داود (816)، صححه الشيخ الألباني في "مشكاة المصابيح" (862).
     
    [56] في صحيح البخاري باب فضائل القرآن (5046)، قال: سئل أنس: كيف كانت قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم ؟ قال: "كانت مدًّا، ثم قرأ: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ يمدُّ ﴿ بِسْمِ اللَّهِ ﴾، ويمد ﴿ الرَّحْمَنِ ﴾، ويمد ﴿ الرَّحِيمِ ﴾، وأخرجه أحمد (6/ 302)، وأبو داود (4001)، والترمذي (2927)، من حديث أم سلمة قالت: "كانت قراءة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾، ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾، ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ يُقَطِّع قراءته آيةً آية، وصحَّحه الدارقطني، والحاكم (1/ 232)، ووافقه الذهبي. قال الشيخ عادل العزّازي: فيه ابن جريج، وهو مدلِّس، لكنه توبع في رواية عند الإمام أحمد (6/ 288)، بدون ذكر البسملة.
     
    [57] صحيح: أبو داود (884)، والبيهقي (2/ 310)، وصححه الألباني في "تَمام المنَّة في التعليق على فقه السنة" (186).
     
    [58] صحيح: أبو داود (883)، والحاكم (1/ 395) وصحَّحه، والطبراني في "الكبير" (12/ 16)، والبيهقي (2/ 310)
     
    [59] انظر حديث رقم 1850 صحيح مسلم.
     
     
     
    رامي حنفي محمود
     
    شبكة الالوكة
     

  17. لاتحزن ... إنها سنة الله تعالى في خلقه


    قال تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) البقرة : 214.

    قال السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره :
    ( يخبر تبارك وتعالى أنه لا بد أن يمتحن عباده بالسراء والضراء والمشقة كما فعل بمن قبلهم, فهي سنته الجارية, التي لا تتغير ولا تتبدل, أن من قام بدينه وشرعه, لا بد أن يبتليه، فإن صبر على أمر الله, ولم يبال بالمكاره الواقفة في سبيله, فهو الصادق الذي قد نال من السعادة كمالها, ومن السيادة آلتها. ومن جعل فتنة الناس كعذاب الله, بأن صدته المكاره عما هو بصدده، وثنته المحن عن مقصده, فهو الكاذب في دعوى الإيمان، فإنه ليس الإيمان بالتحلي والتمني, ومجرد الدعاوى, حتى تصدقه الأعمال أو تكذبه.
    فقد جرى على الأمم الأقدمين ما ذكر الله عنهم ( مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ ) أي: الفقر ( وَالضَّرَّاءُ ) أي: الأمراض في أبدانهم ( وَزُلْزِلُوا ) بأنواع المخاوف من التهديد بالقتل, والنفي, وأخذ الأموال, وقتل الأحبة, وأنواع المضار حتى وصلت بهم الحال, وآل بهم الزلزال, إلى أن استبطأوا نصر الله مع يقينهم به.
    ولكن لشدة الأمر وضيقه قال ( الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ ).
    فلما كان الفرج عند الشدة, وكلما ضاق الأمر اتسع، قال تعالى: ( أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) فهكذا كل من قام بالحق فإنه يمتحن.
    فكلما اشتدت عليه وصعبت، إذا صابر وثابر على ما هو عليه انقلبت المحنة في حقه منحة, والمشقات راحات, وأعقبه ذلك, الانتصار على الأعداء وشفاء ما في قلبه من الداء، وهذه الآية نظير قوله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ .

    وقوله [ تعالى: ] الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ فعند الامتحان, يكرم المرء أو يهان) . انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
    والمتأمل لحال كثير من الناس يجد اختلافا وتنوعا في مصابهم وابتلاءاتهم، اختلافا في آلامهم وأحزانهم.

    منهم من يحزن لمرض أصابه وأقض مضجعه، يأن من الألم قد يكون طريح الفراش لا أنيس ولا قريب يشاركه همومه وآلامه، قد يكون في سرير المستشفى بين الأجهزة والأبر المغذية يفكر في حاله ومآله !!!
    وأقول له إن لك أسوة فيمن خلا من الزمان ممن هم صفوة الخلق أجمعين، الأنبياء والمرسلين.

    ألا تتأمل أخي المبتلى بنبي الله تعالى أيوب عليه الصلاة والسلام، أصابه المرض وعافه الجليس والأنيس هجره الناس بقي في فراشه ليس له في الدنيا إلا زوجته تخفف عليه ما أصابه، من هو نبي من أنبياء الله تعالى.
    صبر واحتسب ... صبر على المرض وآلامه وأوجاعه ... صبر على وحدته لا أنيس ولاجليس سوى زوجته المؤمنة الصابرة. زكاه الله تعالى في قرآن يتلى إلى يوم القيامة تسلية للمؤمنين الصابرين وذكرى للمحزونين
    قال تعالى : ( إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) ص : 44.
    يقول الشيخ ابن باز رحمه الله :
    " الله عز وجل يبتلي عباده بالسراء والضراء وبالشدة والرخاء ، وقد يبتليهم بها لرفع درجاتهم وإعلاء ذكرهم ومضاعفة حسناتهم كما يفعل بالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام والصلحاء من عباد الله ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ) – رواه الترمذي ... فإذا ابتلي أحد من عباد الله الصالحين بشيء من الأمراض أو نحوها فإن هذا يكون من جنس ابتلاء الأنبياء والرسل ، رفعا في الدرجات ، وتعظيما للأجور ، وليكون قدوة لغيره في الصبر والاحتساب ". انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " .

    والله تعالى له الحكمة البالغة والأمر النافذ لاراد لقضاءه سبحانه وتعالى. والله تعالى شفى أيوب عليه الصلاة والسلام من المرض وفقد الولد والمال، فعوضه خيرا عظيما صحة ومالا وولدا وجاها وهو الكريم الرزاق الحكيم سبحانه وتعالى لامعبود بحق سواه.
    قال تعالى : ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ) الأنبياء : 84.
    قال السعدي رحمه الله تعالى :
    { وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ } أي: جعلناه عبرة للعابدين، الذين ينتفعون بالعبر، فإذا رأوا ما أصابه من البلاء، ثم ما أثابه الله بعد زواله، ونظروا السبب، وجدوه الصبر، ولهذا أثنى الله عليه به في قوله: { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } فجعلوه أسوة وقدوة عندما يصيبهم الضر.

    وقال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير القرآن العظيم :
    وقوله : ( رحمة من عندنا ) أي : فعلنا به ذلك رحمة من الله به ، ( وذكرى للعابدين ) أي : وجعلناه في ذلك قدوة ، لئلا يظن أهل البلاء أنما فعلنا بهم ذلك لهوانهم علينا ، وليتأسوا به في الصبر على مقدورات الله وابتلائه لعباده بما يشاء ، وله الحكمة البالغة في ذلك . انتهى كلامه رحمه الله تعالى.

    لذلك لاتحزن أيها المريض، لاتحزن أيها المتألم من هجران الأقرباء والأصحاب فإن الله تعالى كتب لك الأجر والثواب وجنة عرضها الأرض والسموات فابتسم رغم المرض رغم الألم رغم الوحدة فإن الله تعالى معك ومن كان الله معه فماذا فقد.
    واعلم يا أخي المبتلى أن الصبر عاقبته حميدة وفضائله عظيمة لايعطيه الله تعالى إلا لعبد كريم عنده فأنعم بها من خصلة وكفى بها فضيلة أن تكون كريما أيها الصابر عن الله تعالى.

    قال الحسن البصري رحمه الله تعالى : ( الصبر كنز من كنوز الخير لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده ) ذخيرة الشاكرين وعدة الصابرين.
    ومن الناس من يحزن ويتألم لفقدان حبيب أحبه وملأ قلبه احتراما واعتزازا وتقديرا، ربما اباه وأمه أو أحد اخوته أو أصحابه، أوكان بينهما مودة ورحمة كزوج او زوجة، ربما فلذة كبده، كان يتأمل فيه الخير العميم والفضل الكريم والرحمة والشفقة في أرذل العمر، بعيدا عن منة الآخرين وذل السؤال الذي أقض مضجع الكرماء وأصحاب الحياء الجميل.
    اقول لكم ... إن لكم أسوة حسنة في رسول الله تعالى كما قال تعالى : ( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا الأحزاب) :(21)

    النبي صلى الله عليه زسلم بكى على موت ابنه إبراهيم ، وقال : ( إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا ، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ ) رواه البخاري، ومسلم.
    يامن فقدت حبيب أو قريب، لا أحد يلومك على حزنك ودموعك ... لكن لتجعل الحزن بدون تسخط بل رضا بقضاء الله وقدره، وادع للميت بالرحمة والمغفرة.

    واعلم أن البكاء رحمة من الله تعالى يجعلها في عباده، فسبحان الخالق الباريء سبحان الله البر الرحيم الرؤوف هو أرحم بنا من أنفسنا ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون) يوسف : 21.
    وفي تفسير السعدي رحمه الله تعالى : { وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ } أي: أمره تعالى نافذ، لا يبطله مبطل، ولا يغلبه مغالب، { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } فلذلك يجري منهم ويصدر ما يصدر، في مغالبة أحكام الله القدرية، وهم أعجز وأضعف من ذلك. انتهى كلامه رحمه الله.
    والنبي عليه الصلاة والسلام لما مات أحد أحفاده وهو في حجره صلى الله عليه وسلم ، بكى ودمعت عيناه ، فقال له سعد بن عبادة رضي الله عنه وقد ظن أن أي بكاء على الميت ممنوع : " مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : (هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ) رواه البخاري ، ومسلم.

    وتذكر أنك لاتملك لنفسك الضعيفة شيئا والدنيا تذكرة وعبرة فهل تأملت احداثها وتصاريفها واعتبرت بما يحدث لك ولغيرك فإنها واعظ ومزدجر لمن تأمل واعتبر.
    ومن الناس من ألم به الحزن وأخذ به مبلغا، عاداه القريب الأهل والأصدقاء وأبناء العمومة، لأنه سائر على منهج النبوة، كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بفهم سلف الأمة، ينصح لهم فيستهزؤون به، يتلطف بهم فيغلظون عليه بالقول، يريدون تنفيره من صلاحه واستقامته، يريدون انحرافه عن السنة للوقوع في البدعة واهلها، وهو صابر محتسب يتألم ممن قد أحبهم وعاش بينهم سنين، جمعته بهم الذكريات الجميلة والقرابة الحميمة.

    لك أسوة يا أخي لاتحزن ... فالانبياء والمرسلون عليهم الصلاة والسلام تعرضوا لأقسى من ذلك فصبروا لله تعالى وفي الله.
    وإن المتأمل والمتدبر لكتاب الله تعالى سيجد سعادة حقيقية وانشراح لصدره وانفراجا لهمومه وغمومه، لكن أين المتفكرون والعاملون بكتاب الله تعالى، ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاء) فصلت : 44
    قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى :
    (هدىً لقلوبهم للحق ، وشفاء لقلوبهم من أمراض الشرك والمعاصي والبدع والانحرافات عن الحق ، وشفاء للأبدان من كثير من الأمراض) . من الوصية بكتاب الله تعالى القرآن الكريم من فتاوى ابن باز (الجزء رقم : 9، الصفحة رقم: 34).

    فلا تحزن إن رأيت تغيرا في أخلاق بعض من عرفت إلا الحزن على حالهم وتمني الخير لهم، فالعبرة بمن كان على الصراط المستقيم، لاتتألم حينما تصدع بالحق وتريد مرضاة الله تعالى ويأتيك أقرب الناس ويطعن في أخلاقك ويتهمك في دينك، ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ) الأحزاب : 21.
    ( صح في مسند أحمد .. أنه عليه السلام .. كان يقبل على القبيلة منهم .. فيقول لهم : يا غطفان .. هل لكم في عز الدهر .. قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا .. هذه رسالة ربي .. فمن يؤويني لأبلغ رسالة ربي .. فما يكاد ينتهي من كلامه .. حتى يقبل عليهم أبو جهل مسرعاً .. فيصيح بهم : لا تصدقوه .. هذا ساحر .. هذا كاهن .. هذا مجنون .. أنا عمه وأدرى الناس به ..
    فيتركهم النبي عليه السلام .. ويمضي حزيناً مهموماً .. حتى يختفي عن أبي جهل .. ثم يقف عند آخرين فيقول .. يا بني سلمة .. قولوا لا إله إلا الله تفلحوا .. فإذا بأبي جهل يقبل عليهم .. ويقول لهم هذا مجنون ..) انتهى.
    والأنبياء والمرسلون عليهم الصلاة والسلام كم عانوا من أقوامهم أشد المعاناة فدعوهم لدين الله تعالى دعوهم لتوحيد الله تعالى ونبذ الشرك. قال تعالى مخبرا عن نوح عليه الصلاة والسلام :
    ( رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا * فلم يزدهم دعائي إلا فرارا * وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ) نوح 5- 7 ، .. واستمر في دعوة قومه رغم كل هذا البلاء والصدود منهم.
    وهذا نموذج للمؤمنين الصادقين المتوكلين على رب العالمين، وهو مؤمن آل فرعون، ناصر دعوة موسى عليه الصلاة والسلام ونصح لقومه باتباع رسول الله تعالى وحذرهم من عقوبة الله تعالى كما في سورة غافر :
    ۞ وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ 44).
    توكل على الله تعالى ومن يتوكل على الله تعالى فهو حسبه وناصره ومعينه ... قال تعالى :
    ( فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ۖ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا  ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ 46).
    وهذا نبينا وقرة أعيننا محمد بن عبد الله عليه افضل الصلاة وأزكى التسليم، كان يسليه ربه عندما كان يضايقه المشركون ...
    قال تعالى : ( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين ) الحجر : 97.
    قال ابن كثير رحمه الله تعالى :
    أي : وإنا لنعلم يا محمد أنك يحصل لك من أذاهم لك انقباض وضيق صدر ، فلا يهيدنك ذلك ، ولا يثنينك عن إبلاغك رسالة الله ، وتوكل على الله فإنه كافيك وناصرك عليهم ، فاشتغل بذكر الله وتحميده وتسبيحه وعبادته التي هي الصلاة. ولهذا قال : ( وكن من الساجدين ). تفسير القرآن العظيم.

    وإلى كل من يتألم ويحزن ... من مرض أصابه وألم به وأسهره ... إلى كل من يرى من يحبه متألما حزينا طريح فراشه ... إلا كل من يجد في نفسه ضيقة وحزنا على فراق محبوب وقريب، إلا كل من يجد غربة في زمانه من جفاء قريب وعداوة صديق بعد أن كانوا أحباب وأخلاء.

    ستنسكب دموعكم الغالية ... ستحزن نفوسكم الراقية ..

    لكن أذكركم بمن ملؤوا الدنيا أخلاقا وحلما ورحمة وعفوا ... أذكركم بصفوة خلق الله تعالى ... أذكركم بالصالحين من عباده، فهم لما أسوة حسنة ومنهاجا تربويا ونبراسا مضيئا نسير عليه في دياجي الظلم وملمات الفتن.

    وكتبت لكم ذلك تذكيرا لنفسي الضعيفة وعبرة وتسلية لكم أحبتي ... تسلية وذكرى لقلب يظن أنه في شقاء ... ولعين اغرورغت من طول العناء ... ولايعلم أنه في سعادة وهناء شعارها طاعة الرحمن والفوز برضاه، صبرا واحتسابا ... في زمن شح كثير من الناس فيه بالعطاء وانشغلوا بالدنيا عن الآخرة فأصبح المؤمن الصادق غريبا في بيته غريبا بين اهله، غريبا بين أصدقاءه، غريبا بين زملاءه في العمل، غريبا بين أبناء عمومته، بأبي وأمي يارسول الله حينما قلت هذه الوصية العظيمة تسلية لمن سار على الصراط المستقيم والحبل المتين

    فطوبى للغرباء.

    فإلى الله المشتكى وعليه التكلان أن يجعلنا من السعداء في الدنيا والآخرة وأن يكفر عنا سيئاتنا وأن يثقل موازيننا وان يتوفنا وهو راض عنا وأن يختم بالصالحات أعمالنا وأن يحيينا على التوحيد والسنة وأن يميتنا على التوحيد والسنة إنه سميع قريب مجيب هو حسبنا ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير.
     
    والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
     
     
    فواز بن لوفان الظفيري
    صيد الفوائد


     


  18. الإِنْسَانُ بِشَكْلٍ عَامٍّ يُحِبُّ المَالَ بِفِطْرَتِهِ، قَالَ تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾.
     وَالإِنْسَانُ بِفِطْرَتِهِ لَا يُحِبُّ وَلَا يَرْضَى أَنْ يَتَعَدَّى أَحَدٌ على مَالِهِ، وَلَا يُحِبُّ أَنْ تُبْخَسَ حُقُوقُهُ، وَلِهَذَا جَاءَ الإِسْلَامُ بِتَشْرِيعٍ لِيَصُونَ فِيهِ أَمْوَالَ النَّاسِ، فَخَاطَبَ أَتْبَاعَهُ، خَاطَبَ المُؤْمِنِينَ الذينَ آمَنُوا بِاللهِ تعالى وَاليَوْمِ الآخِرِ بِقَوْلِهِ:
     ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمَاً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانَاً وَظُلْمَاً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارَاً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرَاً﴾.
    وَقَالَ تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالَاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
    وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا» رواه الشيخان عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
    وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: 
    «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» رواه البيهقي عَنْ أَبِي حَرَّةَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ عَمِّهِ.


    أَسْمِعُوا مَنْ سَوَّلَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ:

     عَلَيْنَا أَنْ نُذَكِّرَ هَؤُلَاءِ الذينَ اجْتَرَأُوا على أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ

    أولاً: تُوبُوا إلى اللهِ تعالى قَبْلَ مَوْتِكُمْ:

     أُخَاطِبُ هَؤُلَاءِ الذينَ سَوَّلَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، بِأَيِّ صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ، مُخَاطَبَةَ عَبْدٍ شَفُوقٍ عَلَيْهِمْ، مُخَاطَبَةَ عَبْدٍ حَرِيصٍ عَلَيْهِمْ مِنْ ضَيَاعِ مُسْتَقْبَلِهِمْ في الآخِرَةِ، فَأَقُولُ لَهُمْ:
    تُوبُوا إلى اللهِ تعالى قَبْلَ مَوْتِكُمْ، لِأَنَّ المَوْتَ آتٍ لَا مَحَالَةَ ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْـمَوْتِ﴾. ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾. تُوبُوا إلى اللهِ تعالى قَبْلَ مَوْتِكُمْ، وَأَعِيدُوا الحُقُوقَ لِأَصْحَابِهَا، وَأُذَكِّرُكُمْ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَـضَرَ أَحَدَهُمُ الْـمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَاً أَلِيمَاً﴾. وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْـمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحَاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾.
    تُوبُوا إلى اللهِ تعالى، وَاصْدُقُوا في تَوْبَتِكُمْ، ثمَّ أَبْـشِرُوا بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْـمُتَطَهِّرِينَ﴾.


    ثانياً: احْذَرُوا الفَضِيحَةَ يَوْمَ القِيَامَةِ:

    احْذَرُوا الفَضِيحَةَ يَوْمَ القِيَامَةِ، ذَاكَ اليَوْمُ الذي يَقِفُ فِيهِ أَصْحَابُ اليَمِينِ فَيَقُولُونَ على رُؤوسِ الأَشْهَادِ: ﴿هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئَاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾.
    أَمَّا أَنْتُمْ إذَا لَمْ تَتُوبُوا إلى اللهِ تعالى فَسَوْفَ يَقُولُ أَحَدُكُمْ عِنْدَمَا يَأْخُذُ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ: ﴿يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ﴾. أَبِاللهِ عَلَيْكَ، أَتَرْضَى أَنْ تَكُونَ وَاحِدَاً مِنْ هَؤُلَاءِ؟

    وَعِنْدَهَا تَلْتَفِتُ يُمْنَةً وَيُسْرَةً، مَنْ سَيَشْفَعُ لَكَ في يَوْمٍ غَضِبَ فِيهِ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ غَضَبَاً مَا غَضِبَ مِثْلَهُ قَبْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ مِثْلَهُ بَعْدَهُ، فَلَنْ تَجِدَ شَفِيعَاً لَكَ في أَرْضِ المَحْشَرِ إِلَّا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَتَأْتِيْهِ لِتَسْأَلَهُ الشَّفَاعَةَ، وَلَكِنْ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، لِأَنَّهُ هُوَ الذي حَذَّرَكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ؛ روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الغُلُولَ (السَّرِقَةَ وَالخِيَانَةَ) فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ (أَيْ: شَدَّدَ في الإِنْكَارِ على فاعِلِهِ).
    قَالَ: «لَا أُلْفِيَنَّ (لَا أَجِدَنَّ) أَحَدَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ (صَوْتُ الشَّاةِ) عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ (صَوْتُ الفَرَسِ إِذَا طَلَبَ العَلَفَ) يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئَاً، قَدْ أَبْلَغْتُكَ؛ وَعَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ (صَوْتُ البَعِيرِ) يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئَاً، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، وَعَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ (أَيْ: الذَّهَبُ وَالفِضَّةُ؛ وَقِيلَ: مَا لَا رُوحَ فِيهِ مِنْ أَصْنَافِ المَالِ) فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئَاً، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، أَوْ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ (أَيْ:تَتَحَرَّكُ وَتَهْتَزُّ) فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئَاً، قَدْ أَبْلَغْتُكَ».


    ثالثاً: احْذَرُوا نَارَ جَهَنَّمَ:

    احْذَرُوا نَارَ جَهَنَّمَ التي قَالَ اللهُ تعالى عَنْهَا: ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾. وَقَدْ قَالَ تعالى في حَقِّ الوَاحِدِ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ: ﴿لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾. وَقَالَ تعالى في حَقِّهِمْ: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾. وَقَالَ تعالى حِكَايَةً عَنْهُمْ: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ﴾. وَقَالَ تعالى حِكَايَةً عَنْهُمْ: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمَاً مِنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾.
    لَا تَكُونُوا مِنْ أَهْلِ النَّارِ بِسَبَبِ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ» رواه الترمذي عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.


    خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:
    يَا عِبَادَ اللهِ: أُخَاطِبُ هَؤُلَاءِ الذينَ سَوَّلَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، بِأَيِّ صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ، مُخَاطَبَةَ عَبْدٍ شَفُوقٍ عَلَيْهِمْ، مُخَاطَبَةَ عَبْدٍ حَرِيصٍ عَلَيْهِمْ مِنْ ضَيَاعِ مُسْتَقْبَلِهِمْ في الآخِرَةِ، فَأَقُولُ لَهُمْ:
    وَاللهِ أَنْتُمُ الخَاسِرُونَ إِذَا لَمْ تَتُوبُوا إلى اللهِ تعالى، تَذَكَّرُوا المَقْتُولَ عِنْدَمَا خَاطَبَ قَاتِلَهُ: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾. فَالقَاتِلُ بِغَيْرِ حَقٍّ هُوَ الخَاسِرُ، وَآكِلُ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ هُوَ الخَاسِرُ.
    يَا هَؤُلَاءِ، وَاللهِ لَا أُرِيدُ لَكُمْ أَنْ تُحْرَمُوا مِنْ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
    وَاللهِ لَا أَرْضَى لَكُمُ خِسَّةَ النَّفْسِ وَدَنَاءَتَهَا بِأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ.

    وَاللهِ لَا أَرْضَى لَكُمُ أَنْ تَسْلُكُوا طَرِيقَاً يُوصِلُكُمْ إلى غَضَبِ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ، وَمِنْ ثَمَّ إلى نَارِ جَهَنَّمَ.
    وَاللهِ لَا أَرْضَى لَكُمُ أَنْ تَكُونُوا بَعِيدِينَ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا أَرْضَى لَكُمْ مَقْتَ النَّاسِ لَكُمْ، وَدُعَاءَ المَظْلُومِينَ عَلَيْكُمْ في جَوْفِ اللَّيْلِ، وَدُعَاؤُهُمْ لَا يُرَدُّ.
    أَسْأَلُ اللهَ تعالى لَنَا وَلَكُمْ شَرْحَ الصَّدْرِ للتَّوْبَةِ وَالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ. آمين.
    أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


    خطبه

    الشيخ أحمد شريف النعسان

     


  19. مُلَخَّص أحكام الوضوء من
    المختصر البسيط لكتاب تمام المنة
    في فقه الكتاب وصحيح السنة
    لفضيلة الشيخ عادل العزازي أثابه الله·
     
     
    أولاً: دليل مَشروعِيته (أي الدليل على أنه من الشَرع):
    ثبتَتْ مَشروعيَّةُ الوضوء بالكتاب والسُنّة والإِجْماع.

     
     
    ثانياً: فضل الوضوء:
    وَرَدَ في فضل الوضوء وفضل إسباغه أحاديثُ كثيرة؛ ولكنْ سوف أقتصر هنا على بعضها:
     
     
    1 - قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما مِنكُم رَجُل يُقرِّبُ وَضُوءَه، فيُمَضمِض، ويَستنشِق فينتثر - (يعني فيُخرج الماء مِن أنْفه) - إلاَّ خَرََّت خطايا وجهه مِن فِيه وخياشيمه - (أي مِن فَمِهِ وأنفِه) - ثُمَّ إذا غسل وجهه كما أمره الله إلاَّ خَرََّت خطايا وجهه مِن أطراف لِحيَتِهِ مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المِرفقيْن إلاَّ خرَّت خطايا يدَيْه مِن أنامله - (أي مِن أطراف أصابعه) - مع الماء، ثم يمسح رأسه إلاَّ خَرََّت خطايا شعرِه مع الماء، ثم يغسل رجلَيْه إلى الكعبين إلاَّ خرَّت خطايا رجليه من أنامله مع الماء، فإنْ هو قام فصَلَّى فحَمِدَ الله تعالى وأثْنَى عليه، ومَجَّدَه بالذي هو له أهْلٌ - (أي بالذي يستحقه سبحانه) - ، وفرَّغَ قلْبَه لله تعالى، إلاَّ انصرَف من خطيئته كهيئته يومَ ولدَتْه أمُّه ))[1].
     
     
    • (ومعنَى الوَضوء - بفتح الواو- : هو الماء الذي يُتَوضَّأ به)، (أما الوُضوء - بضَّم الواو - :     هو فِعلُ الوضوء نفسُه).
     
     
    2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أتى المَقْبرَة، فقال:  ((السَّلام عليكم دارَ قومٍ مؤمنين، وإنَّا إنْ شاء الله بِكُم لاحِقون، وَدِدْتُ أنَّا قد رأَيْنا إخوانَنا))، قالوا: أوَلَسْنا إخوانَك يا رسول الله؟ قال: ((أنتم أصحابي، وإخوانُنا الذين لَم يأتوا بَعْدُ))، قالوا: كيف تعرف مَن لم يأتِ بَعدُ مِن أُمَّتِك يا رسول الله؟ قال: ((أرأيتَ لو أنَّ رَجُلاً له خَيل غُرٌّ مَُحَجَّلة - (يعني يوجد بَيَاضٌ في جَبهتهم وفي ثلاث قوائِمَ من قوائمِهم)- بين ظهرَي خَيلٍ دُهْم بُهْم - (يعني في وَسَطِ خيول سَوداء) - ألاَ يَعرف خيله؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((فإنَّهم يأتون غُرًّا مُحَجَّلين من الوضوء، وأنا فرَطُهُم على الحَوض - (أي أسبقهم على الحَوض) - ألا ليُذَادَنَّ رجالٌ عن حَوضي - (يعني يُطرَدُوا عن الحَوض)- كما يُذَاد البَعير الضالُّ، أناديهم: ألاَ هَلُمَّ؛    فيُقال: إنَّهم قد بَدَّلوا بعدَك، فأقول: سُحقًا سُحقًا - (أي: بُعداً بُعدا) [2].
     
    وفي هذا الحديث دلالة على خطورة التفريط  في اتباع سُنة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم .

     
     
    ثالثاً: فرائض الوضوء:
     
    1 - النِّيَّة: ومَعنَى النِّية : القَصْد والعَزم على فِعل الشيء، ومَحِلُّها: القلب، فلا يجوز التلفُّظ بها.
     
    قال ابن القيِّم رحمه الله: "... ، ومَن قعَدَ ليتوضَّأ فقد نوَى الوضوء".[3]
     
     
     
    واعلم أن التلفُّظ بالنِّية بِدْعة؛ إذْ لَم يثبت التلفُّظ بِها عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولا عن أصحابه، ولا عن الخُلَفاء، ولا عن الأئمَّة.
     
     
     
    2 - المضمضة والاستنشاق: وقد أفادَتِ الأحاديثُ وجوب المضمضة والاستنشاق والاستِنْثار، وهو الرَّاجح من أقوال أهل العلم.
     
     
     
    ومعنى المضمضة: أنْ يَجْعل الماء في فَمِه، ثم يُدِيره فيه، ثم يَمُجُّه ، والاستنشاق: هو جَذْب الماء في الأَنْف، فإذا أخرجه بعد ذلك سُمِّيَ استنثارًا .
     
     
     
    3 - غسل الوَجه:
     
    وَحُدود الوَجه هي: ما بين مَنْبَت الشَّعر المعتاد إلى مُنتهَى الذَّقن طُولاً، وما بين شحْمَتَيِ الأذُن عَرْضًا، ويدخل في ذلك ظاهِرُ اللِّحية الكثيفة (وهي التي لا يظهر الجلد من تحتها)، وأمَّا اللِّحية الخفيفة (وهي التي يظهر الجلد من تحتها)، فإنَّه يجب غسلها حتى يصل الماء إلى الجِلْد من تحتها.
     
     
     
    4 - غَسْل اليَدَيْن إلى المِرفقيْن:
     
    وتُغسَل اليَدَان بدءًا من رؤوس الأصابع إلى المِرْفقَيْن، (والمِرفق هو المِفصَل الذي بين العَضُد والسَاعِد)، وقد اتَّفَق العلماءُ على وُجوب غسل المِرفقيْن مع اليدَيْن ، فإنْ كان مقطوعَ اليَد غسَل ما تبَقَّى مِن الجزء المفروض عليه غَسْله، فإنْ كان القَطْع عند المِرْفَق غَسَلَ مِرْفَقه فقط، فإنْ كان فوق المِرفق فلا شيء عليه في هذه اليَدِ المقطوعة، ونفس الحُكم السابق يُقال عند غسل الرِّجْلين.
     
     
     
    5 - مَسْح الرأس: وقد اختلف العلماءُ في عدد مرَّات مَسْح الرأس؛ فذهب أكثر العلماء بأنَّ مَسْح الرأس مرَّة واحدة، وهذا هو الأرجح، واختلفوا أيضًا في القَدْر الواجب في مَسح الرأس؛ فمِنهم مَن يَرَى وُجُوب مَسْح جَميع الرأس، ومنهم مَن يرى وجوبَ مَسْح بعضها، والأرجح ألاّ يقتصر على مَسْح بعض الرأس إلاَّ إنْ كان سَيُكمِل المَسْح على العِِمامة كما سيأتي، ولكنْ لا نُنكِر على مَنْ يمسح على بعض الرأس.
     
     
     
    وعلى ذلك يُمْكِننا أنْ نُقَسِّم طريقة المَسْح على الرأس إلى ثلاثة أقسام - (كما هو ثابتٌ من فِعْل النبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم) - على النَّحو الآتي:
     
    أولاً: المَسْح على جميع الرأس، وله صُورَتان:
     
    الصُّورة الأولى: أنْ يضع يَدَيْهِ عند مُقدِّمة رأسه، ثُمَّ يَرجع بِهما إلى قفاه، ثُم يَرُدُّهُما مِن حَيثُ بَدَأ .
     
     
     
    الصُّورة الثانية: أنْ يضع يَدَيْهِ في أعلى رأسه عند مِفرَق الشعر، ثم يُمَرِّر يَدَيْه حسب اتِّجاه الشعر بحيث لا يُحَرِّك الشَّعر عن هيئتِه .
     
     
     
    ثانيًا: المَسْح على العِمامة وَحْدَها :وكذلك يجوز للمرأة أنْ تَمسح على الخمار، وقد ثبت ذلك عن أمِّ سَلمَة رضي الله عنها[4].
     
     
     
    ثالثًا: المَسْح على النَّاصية (وهي مقدمة الرأس) ثم يُكمِل المَسح على العِمامة .
     
     
     
    ملحوظة: لا يُشترَط في المَسْح على العمامة أنْ تكون لُبِست على طهارة، وكذلك لا يُقيَّد المَسح عليها بوقت كما هو الحال بالنِّسبة للمَسح على الخُفَّيْن.
     
     
     
     
    6 - مَسْح الأذنين:
     
    وقد اختلف العلماءُ في مَسح الأذنَيْن هل هو واجبٌ  أم مُستحَب؟ والصَّواب القول بأنه واجب . والسُنّة أنْ يَمْسَح ظاهِرَهُما وباطِنَهما (أي من الخارج والداخل)، (فمن الداخل بالمُسَبِحَتَيْن (يعني السَبّابتيْن)، ومن الخارج بالإبهامَيْن) ، ولا يُشترَط لِمَسحِهِما ماءٌ جديد، بل يَكفي مَسْحُهما مع الرأس (أي بنفس الماء الذي تَمَّ مَسح الرأس به).
     
     
     
    7 - غَسْل الرِّجلَيْن إلى الكَعبيْن:
     
    فقد ثبَتَ عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم الأَمْرُ بغَسْلِ الرِّجلَيْن ، بل إنَّه عنَّف الذين اكتَفَوا بالمَسح عليهما؛ فقال لهم: ((ويْلٌ للأعقاب من النار))[5] .
     
     
     
    والأعقاب: جَمْع عَقِب، (والعقب هو مُؤخَّر القدم، وهو الذي يُعرَف عند العَوَام بـ (الكعب) وهذا خطأ، والصواب أنَّ الكعبان هما العظمتان البارزتان على جانِبَي الرِّجل عند التقاء كَف القدم بالساق)، وقد وقعَ الخِلاف أيضًا بين العلماء: هل يَجِب غَسْل الكَعْبيْن مع الرِّجل أم لا؟ والراجح: وُجُوب غَسْلِهما، كما بيََّنْتُ ذلك في وُجُوب غَسْْل المِرْفقَيْن.
     
     
     
    8 - المُوَالاَة: والمقصود بالمُوَالاَة أنْ لا يُؤخِّر غَسْل عُضْوٍ حتى يَجفّ ما قبْلَه بِزَمَن معتدل.
     
     
     
    9 – الترتيب (يعني ترتيب غسل الأعضاء أثناء الوضوء):
     
    لأنَّه هو الثابت مِن فِعْلِه صلَّى الله عليه وسلَّم، إذ أنَّ فِعْلَه صلَّى الله عليه وسلَّم هو بيانُ القرآن .
     
     
    • • • •
     
    رابعاً: سُنن الوضوء:
     
    1 - التَسمِيَة قبل الوُضوء[6]:
     
    اختلفَ العلماءُ في حُكم التَّسمِيَة؛ فبعضهم يَرَى الوُجُوب، ويَرَى جُمهور العلماء أنَّها مُستحبَّة، ومَن قال بالوُجُوب اختلفوا أيضًا في التَّفريق بين الناسِي والذَّاكر.
     
     
     
    قال الشيخ عادل العزّازي: والذي يَتبيََّنُ لي أنَّ قَوْل الجُمهور هو الأرجَح، وأن التَّسمية سُنَّة؛ وذلك لأنَّ الذين وَصَفُوا وضوء النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يَذْكُرُوا التَّسمية .
     
     
     
    2 - السِّواك قبل الوضوء:
     
    وقد وَرَدَ في السواك وفضْلِه عِدّة أحاديث نذكر منها قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: (السواك مَطهَرَة للفم، مَرضَاة للرَب) [7] .
     
     
     
    3 - غَسْل الكَفَّيْن في أوَّل الوضوء:
     
    ويَزْداد غَسْل الكفَّيْن تأكيدًا إذا كان الوضوء بعد النَّوم، فقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا استيقظ أحدُكم مِن نوْمِه فلا يَغمس يَدَهُ حتَّى يَغسِلها ثلاثًا؛ فإنَّه لا يدري أين باتتْ يَدُه))[7]. [8] - وقد استحبَّ الجمهورُ غَسْل الكفَّيْن بعد كلِّ نوم، وخصَّه الإمام أحمدُ بِنَوم اللَّيل؛ لقوله في آخِر الحديث: (أين باتَتْ)، وفي رواية لمسلم: (فإذا قام أحدكم من الليل)؛ ولذلك ذهب الإمام أحمد إلى الوجوب عند القيام من نوم الليل خاصَّة.
     
     
     
    4 - تثليث غَسْل الأعضاء (يعني غسل الأعضاء ثلاث مرات):
     
    ولا يَزيد في غسل الأعضاء عن ثلاث غسلات؛ لأنَّه أكثر ما وردَتْ به الرِّوايات في صِفَة وضوء النبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
     
     
     
    قال ابن المُبَارَك رَحِمَهُ الله: "لا آمَنُ إذا زاد في الوضوء على الثَّلاث أنْ يَأثَم"[9]، وقال أحمد وإسحاق: "لا يَزيد على الثلاث إلاَّ رَجُل مُبتلًى - (يعني عنده وسواس)" [10].
     
     
     
    ولكنْ يُلاحَظ أنه يجوز لمن احتاجَ أنْ يغسل أنفه فوق الثلاث مرات(لِسُعال أو رَشح أو غير ذلك) أنْ يزيد على الثلاث، وذلك لعموم قوْل النبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (وبالِغ في الاستنشاق إلا أنْ تكونَ صائماً)··، أما إذا كان على وجهه ويديه تراب مثلاً فالأفضل أنْ يغسل وجهه ويديه أولاً قبل أنْ يتوضأ، ثم بعد ذلك يتوضأ، وذلك حتى لا يزيد على الثلاث أثناء وضوئه فيُخالف السُنَّة.
     
     
     
    قال الشيخ عادل العزّازي: ويجوز أنْ يتوضَّأ مَرَّة مَرَّة (أي يَغسِل كل عُضو مرة واحدة فقط)، ومَرتَيْن مرتين (أي يَغسِل كل عُضو مرتين باستثناء الأذن والرأس فيتم مسحهما مرة واحدة في جميع الحالات على الأرجَح)، فقد توضَّأ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مَرَّة مَرَّة[11]، وتوضأ مرَّتَين مرتين [12].
     
     
     
    قال النوويُّ رحمه الله: "وقد أجْمَع المسلمون على أنَّ الواجب في غَسْل الأعضاء مرَّة مرة، وعلى أن الثلاثة سُنَّة، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بغَسْل الأعضاء مرَّة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثًا ثلاثًا، وبعض الأعضاء ثلاثًا، وبعضها مرَّتين، وبعضها مرَّة، قال العلماء: فاختلافها دليلٌ على جواز ذلك كلِّه، وأن الثَّلاث هي الكَمَال، والواحدة تُجْزِئ"[13] .
     
     
    5 - التَّيَامُن (يعني البدء بغسل العُضو الأيمَن قبل الأيسَر):
     
    فقد كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يحبُّ التيامُن في تنعُّلِه، وتَرَجُّلِه، وطهوره، وفي شأنه كلِّه"[14]، ومعنى تنعُّله: أي لِبْسُ النَّعل (وكذلك الجَورَب)، ومعنى ترجُّلِه :أي تَسْريح الشَعر (فيبدأ بتسريح الجانب الأيمن من الشَعر).
     
     
     
    قال النوويُّ رحمه الله: "وقاعدة الشَّرع المُستمِرَّة استحبابُ البداءة باليمين في كلِّ ما كان من باب التكريم والتزيُّن، وما كان بضدها استُحِبَّ فيه التَّياسُر"، قال: "وأجمَعَ العلماء على أن تقديم اليمين في الوضوء سُنَّة، ومن خالفها فاتَهُ الفَضْل، وتَمَّ وُضوءُه".[15]
     
     
     
    6 - تخليل اللحية:
     
    فقد كان النبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا توضَّأ أخذ كفًّا من ماء، فأدخله تحت حَنَكِه، فخلَّل به لِحْيتَه، وقال: ((هكذا أمرَنِي ربِّي عزَّ وجلّ))[16]
     
     
     
    وقد اختلف العلماءُ في حُكم تَخْليل اللِّحية، فذهَب بعضُهم إلى الوجوب، والأكثر على أنَّها سُنَّة، وهو الرَّاجح .
     
     
     
    7 - إطالة الغُرَّة والتَحْجِيل:
     
    والغُرَّة: (غَسل شيءٍ من مُقدّمة الرأس أثناء غسل الوجه)، والتَّحْجِيل: (غَسْل ما فوق المِرْفقيْن والكَعبَيْن أثناء غسل اليَدَيْن والرِّجلَيْن)، وقد قال العلماء: (يُسمَّى النُّور الذي يكون على مَوَاضِع الوضوء يوم القيامة غُرَّة وتَحجيلاً؛ تشبيهًا بغُرة الفرس وتحجيله) .
     
     
     
    8 - دَلك الأعضاء:
     
    قال النوويُّ رحمه الله: "واتَّفَق الجمهور على أنه يكفي غَسْل الأعضاء في الوضوء - (يعني لا يشترطون دَلك الأعضاء) - ، والغَسْل: جَريانُ الماء على الأعضاء، ولا يُشترَط الدَلك، وانفرد مالكٌ والمُزَنِي باشتراطه - (أي باشترَاط الدَلك)".[17]
     
     
     
    9 - الاقتِصاد في الماء (يَعني عدم الإسراف في الماء أثناء الوضوء):
     
    فقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((سيكون في هذه الأمة قومٌ يَعتدُون في الدعاء والطهور)).[18]
     
     
    10 - ومن السُنَّة بعد الفراغ من الوضوء:
     
    1 - الدعاء بعده:
     
    فقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما منكم من أحدٍ يتوضَّأ فيُسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أنْ لا إله إلا الله وَحْدَهُ لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، إلاَّ فُتِحَتْ له أبوابُ الجنة الثمانية، يَدْخلُ من أيِّها شاء)).[19]
     
     
     
    زاد التِرمِذِي في روايةٍ: ((اللَّهم اجعلْنِي من التوَّابين، واجعلني من المتطهِّرين)).[20]
     
     
     
    وقال النبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أيضاً: ((مَنْ توضَّأ فقال: سبحانك اللَّهم وَبِِحَمْدِك، أشهد أنْ لا إله إلاَّ أنت، أستغفِرُكَ وأتوبُ إليك، كُتِب له في رق - (يعني في صحيفة) - ، ثم جُعل في طابع، فلم يُكْسَر إلى يوم القيامة))[21]، والطابع: الخاتم، يريد أنه يُخْتَم عليه.
     
     
     
    2 - صلاة ركعتين بعد الوضوء:
     
    عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال لبلال: ((يا بلال، حَدِّثْنِي بأَرْجَى عمَلٍ عملْتَه في الإسلام؛ إنِّي سَمِعتُ دَفَّ نعلَيْك بين يدَيَّ في الجنَّة))، قال: ما عَمِلتُ عملاً أرجَى عِندي من أنِّي لم أتطهَّر طهورًا في ساعةٍ من ليل أو نَهار إلاَّ صلَّيْتُ بذلك الطهور ما كُتِب لي أنْ أصلِّي.[22]
     
     
     
    وقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن توضَّأ نحوَ وُضُوئِي هذا، ثم قام فَرَكَعَ ركعتَيْن لا يُحدِّثُ فيهما نفسَه، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه)).[23]
     
     
     
    وسواء صَلَّى (بعد ذلك الوُضوء) فريضة أو نافلة (راتبة - (مثل سُنَّة الفجر أو الظهر أو سُنَّة الوضوء والضحى وقيام الليل وغير ذلك) -  أو تطوُّعًا) حَصَلتْ له هذه الفضيلة، كما تَحْصُل تحيَّة المسجد بذلك، وأمَّا قوْله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا يُحدِّثُ فيهما نفسه))، فقد قال النوويُّ رحمه الله: "فالمراد لا يُحدِّثُ بشيء من أمور الدُّنيا، وما لا يتعلَّق بالصلاة، ولو عرض له حديث فأعرضَ عنه بمجرَّد عروضه، عُفِيَ عن ذلك وحصلت له هذه الفضيلة إنْ شاء الله تعالى؛ لأن هذا ليس مِن فِعلِه، وقد عُفِيَ لهذه الأمَّة عن الخواطر التي تعرض ولا تستقر".[24]
     
     
    خامساً: نواقض الوضوء:
     
    أولاً: كل ما خرج من السَبيليْن (القبُل والدّبُر):
     
    قال ابن المنذِر رحمه الله: "أجْمَع أهل العلم على أن خروج الغائط من الدّبُر، وخروج البول من ذَكَر الرَّجل وقبُلِ المرأة، وخروج المَذي، وخروج الرِّيح من الدّبُر، وزوالَ العقل - بأيِّ وجه زال عقْلُه - أحداثٌ يَنقُضُ كلُّ واحدٍ منها الطَّهارة، ويُوجِبُ الوضوء". [25]
     
     
     
    قال ابن عبَّاس رضي الله عنهما: "المَنِيُّ والوَدْي والمَذي؛ أمَّا المَنِيُّ ففيه الغُسل، وأما المَذي والوَدْي ففيهما إسباغ الوضوء، ويَغْسل ذَكَرَهُ". [26]
     
     
     
    ثانيًا: النوم: والنوم الناقضَ للوضوء هو النَّوم المستغرَق الذي لا يبقى معه إدراك، وأمَّا مَبادئ النَّوم قبل الاستغراق، فهذا لا يَنقُضُ الوضوء.
     
     
     
    تنبيهات:
     
    أ- قال النوويُّ رحمه الله: "واتَّفَقوا على أنَّ زوال العقل بالجنون، والإغماء، والسَُّكْر بالخمر، أو النِبيذ، أو البِنْج، أو الدَّواء - يَنقُضُ الوضوء، سواء قلَّ أو كَثُر، وسواء كان مُمكّنَ المقعدة، أو غير مُمكّنِها".[27]
     
     
     
    ب - قال النَّووي رحمه الله: "قال أصحابُنا: وكان من خصائص رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه لا يُنتقَضُ وضوءه بالنَّوم مضطجعًا؛ للحديث الصَّحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى سَمِعتُ غطيطه، ثم صلَّى ولم يتوضَّأ"[28].[29]
     
     
     
    ثالثًا: مَسُّ الفَرْج:
     
    يجب الوضوء مِن مَسِّ الفرْج؛ سواء في ذلك الرَّجل والمرأة، وسواء كان المَسُّ بباطن الكفِّ أو بظاهره، إلاَّ أنْ يكون بينه وبينه حائل، وقد قال بعض العلماء في تلك المسألة كلاماً (مُختَصَرُه): (أنّ مَسَّ الفرج يَنقُضُ الوضوء لِمَن قصَدَ الشَّهوة بالمَسِّ، أما مَنْ لم يَقصِد الشهوة فلا يُنتقَضُ وضوءه) ، وهو قوْل حَسَن، لا بأسَ به، وإنْ كان الأَوْلى والأحْوَط أنْ يتوضأ إذا مَسّ فرجه سواء قصَدَ الشَّهوة أو لم يَقصِدها ، والله أعلم .
     
     
     
    وأما مَسُّ الأُنثيَيْن (الخِصيَتَيْن) أو حَلقة الدّبُر، فلا يَنقُضُ الوضوء .

     
     
    رابعًا: أكْل لحم الإبل:
     
    سواء كان نيئًا، أو مَطْبوخًا، أو مَشويًّا، أو على أيّ صفة أخرى ، فعن جابِر بن سَمُرَة رضي الله عنه أنَّ رجلاً سأل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أأتوَضَّأ من لحوم الغنم؟ قال: ((إنْ شئتَ فتوضَّأ، وإنْ شئتَ فلا تتوضَّأ))، قال: أتوضَّأ من لحوم الإبل؟ قال: ((نعم، فتوضَّأ من لحوم الإبل)) [30]، والظاهر من قوله: (لُحوم الإبل): جُمْلة البَعير؛ فعلى هذا يَجِب الوضوء إذا أكل كَبِدَهُ أو سَنامَهُ أو كِرشَهُ ونحو ذلك، وأمَّا اللَّبَن فلا يَدخُل فيه؛ لأنَّه ليس لحمًا، فالنَصُّ لا يشمله.
     
     
     
    خامسًا: لَمْس المرأة:
     
    الصحيح أن لَمْس المرأة لا يَنقُضُ الوضوء، سواء كانت من ذوات المَحارم، أو أجنبيَّة ،   ولكنْ هناكَ تنبيهٌ هامٌّ وهو أن القوْل بعدم نَقْضِ الوضوء مِن لَمْسِ المرأة، لا يَعْنِي جَوازَ مُصافحة الرَّجُل للمرأة الأجنبيَّة، فمصافَحتُها حرام؛ لقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((اليدانِ تَزْنِيان، وزِناهُما البَطْش)) ،[31] ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم أيضاً: ((لأَنْ يُطعَنَ في رأس أحَدِكم بِمِخيَطٍ مِن حديد خيرٌ له مِن أنْ يَمَسَّ امرأةً لا تَحِلُّ له)).[32]
     
     
     
    ملاحظات متعلِّقة بنواقض الوضوء:
     
    1 - الدَّم لا يَنقُضُ الوضوء، سواء كان قليلاً أم كثيرًا.
     
    2 – القيْء، والقلس (وهو ما يَخْرج من الجوف عند امتلاء البَطْن) لا يَنقُضان الوضوء .
     
    3 - ما يَدْفعه رَحِم المرأة من قَصَّة بيضاء (أيْ إفرازات بيضاء)، أو صُفْرة (أيْ إفرازات صفراء)، أو كُدرة (أيْ لون يَمِيل إلى السَوَاد)، أو كَغُسالة اللَّحم (أيْ لون أحمر يشبه الذي ينزل عند غسل اللحم)، أو دم أَحْمر - إذا كان ذلك في غير زمَنِ الحيض - فلا يجب عليها وضوءٌ ولا غُسْل.[33]

    رأى اخر منقول من اسلام ويب
    الإفرازات الخارجة من فرج المرأة على أقسام، فمنها: المذي وهو كما عرفه العلماء سائل أبيض رقيق يخرج عند الشهوة ولا يعقب خروجه فتور، ولا يكاد يشعر به غالباً وهو عند النساء أكثر منه عند الرجال، ويخرج عادة عند الملاعبة أو التفكير في أمر الجماع، وهو نجس اتفاقاً، ويجب الوضوء منه اتفاقاً، ويجب غسل ما أصاب البدن والثياب منه..

    ومنها: الودي وهو سائل ثخين يخرج عقب البول وهو نجس يجب الوضوء منه اتفاقاً، ومنها المني: وهو سائل أبيض يخرج عند اشتداد الشهوة، وهو يخرج من الرجال والنساء؛ لما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن سألته عن غسل المرأة إذا احتلمت:  إذا رأت الماء وجب الغسل. واختلف العلماء هل هو نجس أو طاهر؟ والراجح طهارته، ويجب الغسل منه اتفاقاً.

    ومنها: ما يخرج من فرج المرأة لا لسبب وهو المعروف عند الفقهاء برطوبات فرج المرأة، واختلف العلماء هل هي نجسة أو طاهرة؟ فذهب الحنفية إلى طهارتها، ونقل ابن عابدين في حاشيته اتفاقهم عليه، وهو كذلك الصحيح عند الشافعية واختاره جماعة من كبارهم منهم البغوي والرافعي والنووي كما في المجموع، وهو كذلك الصحيح عند الحنابلة، قال المرداوي في الإنصاف: وفي رطوبة فرج المرأة روايتان: إحداهما هو طاهر وهو الصحيح من المذهب مطلقاً. انتهى بتصرف يسير.

    وعليه؛ فلا يجب غسل ما أصاب البدن ولا الثياب منها، وأما الوضوء فإنه ينتقض بخروجها، والظاهر أن ما ترينه من الإفرازات ليس مذياً ولا منياً بل هو من هذه الرطوبات التي ذكرنا أنها طاهرة ولكنها ناقضة للوضوء، وليس لهذه الإفرازات حكم إلا إذا خرجت من الفرج سواء أوصلت إلى الملابس أم لا، وإذا كانت المرأة مبتلاة بكثرة خروج هذه الإفرازات فيلزمها ما يلزم المستحاضة من الوضوء لكل صلاة، ولا تفتحي على نفسك باب الشك والوسوسة، فإذا لم تتيقني أنه قد خرج منك مني أو مذي فلا شيء عليك.

     
     
    4 - القهقهة لا توجب الوضوء، سواء كانت القهقهة في الصَّلاة، أو خارجها - علمًا بأنَّها تُبْطِل الصلاة - والقهقهة مذمومة، وهي في الصلاة أشدُّ وأقبح؛ لِما في ذلك من سوء الأدب، وعدم التعظيم لشعائر الله.
     
     
     
    5 - إذا شكَّ أو خُيِّل إليه أنه خرَجَ منه شيءٌ - بِمَعنى أنه شكَّ هل أَحْدَثَ، أمْ لا؟ - فلا يَضرُّه ذلك، ولا يُنتقَضُ وضوءه إلاَّ إذا تَيَقنَ أنه أحْدَث؛ وذلك لِمَا ثبت عن عَبَّاد بن تَميم عن عمِّه أنه شكا إلى النبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الرَّجُلَ يُخيَّل إليه أنَّه يَجِد الشيء في الصلاة، فقال: ((لا يَنْفتل - (يعني لا يخرج من صلاته) - حتَّى يَسمعَ صَوتًا، أو يَجدُ ريحًا)) [34]
     
     
     
    قال النوويُّ رحمه الله:" معناه: يعلم وجودَ أحدِهما، ولا يُشترط السَّماع والشمُّ بإِجْماع المسلمين" [35]
     
     
     
    قال الشيخ عادل العزّازي: وكذلك إذا سمع صوتًا داخل بطنِه، فإنَّه لا يُنتقَضُ الوضوء إلاَّ بخروج الريح من الدّبُر.
     
     
     
    6 - قال ابن قدامة رحمه الله: "إذا عَلِم أنه توضَّأ (يعني تَيَقنَ أنه توضأ) وشكَّ هل أحْدَثَ أم لا؟ بنَى على أنَّه متطهِّر، وإنْ كان مُحْدِثًا (يعني تَيَقنَ أنه أحْدَثَ) فشكَّ هل توضأ أم لا؟ فهو مُحْدِث، يبني في الحالتَيْن على ما عَلِمَه قبل الشَكِّ، ويلغي الشَكَّ".[36]
     
     
     
    7 - إذا أكل أو شرب فلا يجب عليه الوضوء، وإنَّما يَكْفيه أنْ يتمضمض إذا كان الطَّعام دَسِمًا ، وذلك على سبيل الاستحباب بحيث إنه إذا لم يتمضمض فالصلاة صحيحة .
     
     
     
    8 - لَمْس فرج الصَّغير لا يَنقُضُ الوضوء - على الراجح - وعلى هذا فإنَّ مَن يقومون بتنظيف الأطفال، وَمَسُّوا فروجَهم فإنَّ وضوءهم لا يُنتقَضُ.[37]
     
     
     
    9 - اعلم أنَّ سقوط النَّجاسة على بدن الإنسان لا يَنقُضُ الوضوء، وإنَّما عليه فقط أنْ يُزيل هذه النجاسة، وهو على حاله إنْ كان متوضِّئًا.
     
     
     
    سادساً: ما يَجِب له الوضوء وما يُستحَب:
     
    هناك بعض الحالات توجب الوضوء، وبعضها لا توجبه، بل يستحبُّ من أجْلِها الوضوء ، فالذي يجب له الوضوء شيئان:
     
    1 - الصلاة:
     
    حيث يُشترَط الوضوء لصِحَّة الصلاة إذا كان مُحْدِثًا حدثًا أصْغَر ، وأما غير المُحْدِث فلا يجب عليه الوضوء لكلِّ صلاة، فيجوز له أنْ يصلِّي أكثر من صلاة ما دام أنَّه لم يأتِ بِما يَنقُضُ وضوءه.
     
     
     
    2- الطواف:
     
    ينبغي لمن يطوف بالبيت الحرام أنْ يكون على طهارة كاملة، كطهارة الصَّلاة.
     
    وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن الطَّواف يُشترَط فيه ما يُشترَط في الصَّلاة، لكن أُبيحَ فيه الكلام ، ورَأى بعض العلماء أنَّه لا تشترط الطَّهارة للطَّواف، وهذا ما رجَّحه ابن تَيْمِيَة في "مَجموع الفتاوى"، وابن عُثَيْمِين  في "الشَّرح المُمْتِع[38]"، وسيأتي ذِكْر ذلك في كتاب الحجِّ.
     
     
     
    وأمَّا ما يُستحَب له الوضوء:
     
    1 - تجديد الوضوء لكل صلاة: تقدَّم أنه يُجْزِئ للمتوضِّئ أنْ يصلِّي بالوضوء الواحد أكثرَ من صلاة، لكن يُستحبُّ له تجديدُ الوضوء لكل صلاة .
     
     
     
    2 - الوضوء لذِكْر الله عزَّ وجَلَّ: يَجوز لمن أراد أنْ يَذْكر الله تعالى أنْ يذكره على كلِّ أحواله، سواء كان مُتطهِّرًا، أو مُحْدِثًا حدثًا أصغر، أو جُنبًا، وسواء كان قاعدًا، أو ماشيًا، أو مضطجعًا؛ لِما ثبت في الحديث "أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان يَذكُرُ الله على كلِّ أحيانه[39]" ،   (هذا من حيث الجَواز، إلاَّ أنه يُستحبُّ أنْ يكون الذَّاكر متوضِّئًا) ، ومن هذا الباب أيضاً جوازُ قراءة القرآن ومسِّ المصحف للمُحْدِث حدثًا أصغر؛ لعدم وجود دليلٍ صحيح صريح يَمنعه من ذلك، وإنْ كان المستحَبُّ له الوضوء.
     
     
     
    3- الوضوء للدعاء: لِما ثَبَتَ عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه توضأ واستقبل القِبلة ثم دَعَا[40]
     
     
     
    4 - الوضوء عند النوم: فعن البَراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذا أتيتَ مَضجعَك فتوضَّأ وضوءَك للصلاة، ثم اضطجع على شقِّك الأيمن، ثُم قل: اللَّهم أسلمْتُ نفسي إليك، ووجَّهْتُ وَجهي إليك، وفوَّضْت أمري إليك، وألْجَأت ظهري إليك، رغبةً ورهبة إليك، لا ملجأ ولا مَنجَى منك إلاَّ إليك، آمنتُ بكتابك الذي أنزلْتَ، ونبيِّك الذي أرسلْتَ، فإنْ مِتَّ مِن ليلتك فأنت على الفِطرة، واجْعلهُنَّ آخِرَ ما تتكلَّم به)).[41]
     
     
     
    5 - الوضوء للجُنُب: إذا أراد الجنُبُ النومَ، أو الأكل، أو أراد أنْ يُعاود الجِماع، فيُستحبُّ له الوضوء فإنَّه أنشَطُ للعَود.
     
     
     
    6 - الوضوء بعد أيِّ حَدَثٍ ولو لم يُرِد الصلاة: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:  ((استقيموا ولن تُحْصُوا، واعلَموا أن خَيْر أعمالكم الصلاة، ولن يُحافِظ على الوضوء إلا مؤمنٌ(([42]، وقد أصبح رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يومًا، فدعا بلالاً، فقال: ((يا بلال، بِمَ سبقتَنِي إلى الجنة؟ إنِّي دخلْتُ البارحَة الجنَّة، فسمعْتُ خشخشتَك أمامي؟))، فقال بلال: يا رسول الله ما أَذَّنْتُ قط إلاَّ صلَّيتُ ركعتين، وما أصابني حدَثٌ قطُّ إلاَّ توضَّأت عندها، ورأيتُ أنَّ لِلهِ عليَّ ركعتَيْن، فقال رسول الله عليه وسلم: ((بهما[43])) والخشخشة: هي صوت النَّعل.
     
     
     
    7 - الوضوء من حَمْل الميت: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن غَسَّل ميتًا فلْيَغتسل، ومَن حَمَلَهُ فليتوضَّأ[44]))، والأمر بالغُسْل والوضوء في هذا الحديث مَحمولٌ على الاستحباب؛ وذلك لما ثبت أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ليس عليكم في غسل ميتِكم غُسْل إذا غسَّلتموه؛ فإنَّ ميتكم ليس بنجس، فحَسْبُكم أنْ تَغْسِلوا أيدِيَكم)).[45]
     
     
     
    صفة الوُضوء كامِلة:
     
    ذكَرْنا فيما سبق فرائضَ وسُننَ الوضوء، وإتْمامًا للفائدة نذكُرُ هنا صفة الوضوء مُرَتَّبة كالآتي:
     
    1 - استحضار النيَّة في القلب، ثم البَدْء بالسِّواك.
     
    2 - التسمِيَة عند البَدْء بالوضوء وذلك بأنْ يقول "بسم الله".
     
    3 - غَسْل الكَفَّيْن ( ثلاث مرات).
     
    4 - المضمضة والاستنشاق (ثلاث مرات بثلاث غرَفات) ؛ في كلِّ غرْفة يتمضمض ويستنشق على الأصَحّ، (ويَجوز أنْ يتمضمض ثلاث مرات، ثم يستنشق ثلاث مرات).
     
    5 - غَسْل الوجه (ثلاث مرات) مع تخليل اللحية (ويُستَحَبُّ غسل شيئ مِن مقدمة الرأس مع الوجه حتى تأتي يوم القيامة وعليها نُور).
     
    6 - غسْل اليدَيْن من رؤوس الأصابع إلى المرفقين (ثلاث مرات) على أنْ يبدأ بيده اليمنى قبل اليُسرى (ويُستَحَبُّ غسل ما فوق المِرفقيْن حتى تأتي يوم القيامة وعليها نُور).
     
    7 - مَسْح الرأس (مرة واحدة) على ما تقدَّم تفصيلُه.
     
    8 - مَسْح الأذنَيْن من الداخل والخارج مرَّة واحدة مع الرأس(بنفس الماء الذي مَسحَ به الرأس).
     
    9 - غسْل رِجلَيْه إلى الكَعبيْن (ثلاث مرات) على أنْ يبدأ برجله اليمنى (ويُستَحَبُّ غسل ما فوق الكَعبَيْن حتى تأتي يوم القيامة وعليها نُور).
     
    10 - يقول بعد فراغه من الوضوء: "أشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله اللَّهم اجعلْنِي من التوَّابين، واجعلني من المتطهِّرين" ، ويقول أيضاً: (سبحانك اللَّهم وَبِِحَمْدِك، أشهد أنْ لا إله إلاَّ أنت، أستغفِرُكَ وأتوبُ إليك).
     
     
     
    ملاحظات عامّة على الوضوء:
     
    1- يَجوز الكلام أثناء الوضوء؛ إذ لا دليل يَمْنع من ذلك.
     
     
     
    2- ليس هناك أذكارٌ تُقال أثناء الوضوء، وما ورد في ذلك ضعيف لا يَصِحُّ.
     
     
     
    3 - إذا قلَّم أظفاره أو حلَق شعره بعد الوضوء، فلا يلزمه غسل ما ظَهَر من الأظفار بعد تقليمها، وكذلك الشعر.
     
     
     
    4 - ليس هناك دليلٌ على وضع أُصْبعِه في فمه عند المضمضة، وإنَّما يَكفِي تحريك الماء بِحَركة الفم، ثم مَجِّه.
     
     
     
    5 - لو كان شعره كثيفًا ومَسَحَ عليه، ولم يَصِل إلى بشرته (يعني جلد الرأس)، فالوضوء صحيح ولا يضرُّ ذلك، لكنه لا يَمْسح على المسترسل منه فقط، بل لا بدَّ أنْ يَمسح ما فوق الرأس.
     
     
     
    6 - يجوز أنْ يلبس العمامة متعمِّدًا عند الوضوء من أَجْل المسح عليها، وكذلك يجوز للمرأة أنْ تَمسح على الخمار.
     
     
     
    7 - إذا كان على أعضاء الوضوء مادة عازلة تَمْنع وُصول الماء إلى البشرة كالشمع والدهانات والجمالَكّا - (وهو دِهَان يُدهَن به الخشب) - والمونيكير وغير ذلك، فالواجب إزالة هذه المواد، وإلاَّ فالوضوء غير صحيح.
     
     
     
    8 - أمَّا إذا كانت هناك أصباغ كالحِنّاء وصبغة اليُود - (مثل الميكروكروم) - ونحوهما مما ليس له كثافة، ولكنه يصبغ الجلد فقط، فهذا لا يؤثِّر في صِحَّة الوضوء (لأنها ليست مواد عازلة).
     
     
     
    9 - اعلم أنَّه لا يُشرَع في الوضوء مَسْحُ الرَّقبة، بل مَسحُها يُعَدُّ بدعة.
     
     
     
    10 - يَجوز الوضوء في الحمَّام، وله أنْ يُسمِّي سرًّا.
     
     
     
    11 - إذا كان مقطوع اليدَيْن، فإنْ وجد مَن يُوضِّئه ولو بالأجرة فبِها، وإنْ لم يجد سقط عنه الوضوء وصلَّى على حالِهِ ولا إعادة عليه.
     
     
     
    12 - إذا نسي عُضوًا أثناء الوضوء: فإنْ تذكَّر قبل أنْ يَطول الفصل - (يعني قبل أنْ يجف العضو الذي يَلِي هذا العُضو المَنسِي) - عاد إليه فغَسَله، ثُم أتَمَّ بقيَّة أعضائه على الترتيب، وإنُ طال الفَصْل أعاد الوضوء من أوَّلِه؛ لأنه بذلك يكون فقدَ المُوَالاة.
     
     
     
    13 - إذا صلَّى مُحْدِثًا بغير وضوء لا تصحُّ صلاتُه، سواء كان عالمًا بِحَدَثِه أو جاهلاً أو ناسيًا، إلاَّ أن الناسي والجاهل لا يأْثَمان، وعليهما الإعادة، وأما المتعمد فقد ارتكَب معصية عظيمة، فعليه التوبة والنَّدم، وعليه الإعادة.
     
     
     
    14 - لا يَلزَم خلع الأسنان المُركَّبَة عند المضمضة؛ لِما في ذلك من المَشقَّة، وأما تَحْريك الخاتم في الأصبع فمحَلُّ خلاف بين العلماء، والحديث الوارد بأن النبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يُحرِّك خاتَمَه رواه ابن أبي شيبة، وهو حديث ضعيف.
     
     
     
    15 - يَجُوز التنشيف بعد الوضوء كما يَجُوز ترْكُه؛ إذِ الأصل في ذلك إباحة الفِعل وترْكِه، وستأتي هذه المسألة أيضًا في أبواب الغسل.
     
     
     
    16 - إذا خرج من الدّبُر شيءٌ غير مُعتاد، كالحَصَى والدُود ونحو ذلك، فإنَّه يَنقضُ الوضوء عند أكثر أهل العلم.
     
     
     
    17 - إذا أُدخل في فتحة الذَّكَر أو الدّبُر شيء - (مِثل المنظار الطبي أو غيره) - ثم أُُخْرِج وَجَبَ الوضوء؛ لأنَّه لا يَخلُو من بَلَّةٍ نجسة.
     
     
     
    18 - إذا خرج البَول أو الغائط مِن غير السَّبيلَيْن (القبُل والدّبُر) (مثل ما يعرف بالقسطرة التي توضع للمريض)، وَجَبَ فيهما الوضوء على الرَّاجح؛ لِعموم حديث صَفوان: "... لكنْ مِن غائطٍ وبَول ونوم"، سواءٌ كان من المَخْرج المُعتاد، أو مِن غيره.
     
    "التلخيص على مسؤولية الكاتب"
     
     
    · مُختَصَرَة من كتاب (تمام المِنّة في فِقه الكتاب وصحيح السُنّة) لفضيلة الشيخ عادل العزّازي أثابه الله لمن أراد الرجوع للأدلة والترجيح، أما الكلام الذي تحته خط أثناء الشرح من توضيحٍ أو تعليقٍ أو إضافةٍ أوغير ذلك فهو من كلامي (أبو أحمد المصري)، وقد تمَّ مراجعة المُلَخَّص من أحد تلاميذ الشيخ عادل.
     
    [1] مسلم (832)، وابن ماجه (28. )
     
    [2] مسلم (249)، والنَّسائي (1/ 93)، وابن ماجه (4306)   ، وأحمد (2/ 300)
     
    [3] "إغاثة اللَّهفان" (1/ 137)
     
    [4] حسن: رواه ابن أبي شَيْبة (1/ 22)، ورجاله ثقات عدا "أم الحسن"، واسمها "خيرة"، قال الحافظ: لا بأس بها، فهذا يعني أن حديثها حسَنٌ عند الحافظ.
     
    [5] البخاري (60)، ومسلم (241)، وأبو داود (97)، والنَّسائي (1/ 77)، وابن ماجه (450).
     
    [6] قال الشيخ عادل العزّازي: كنت أرجِّح في الطبعات السابقة أن التسمية واجبة؛ لذا ذكرْتُها ضمن الفرائض، والصَّحيح أنَّ موضعها ضمن سُنَن الوضوء، فتنَبَّه.
     
    [7] صححه الألباني في صحيح الجامع برقم 3695 .
     
    [8] البخاري (162)، ومسلم (278)، وأبو داود (105)، والترمذي (24)، والنَّسائي (1/ 706)، وابن ماجه (393)
     
    [9] انظر "الْمُغْنِي" (1/ 161).
     
    ·· صحيح: رواه أبو داوود (142)،(143) ، والترمذي (788)، وأحمد (4/211)
     
    [10] انظر تعليق الترمذي على الحديث (244)، و"المغني" (1/ 161)، و"نَيْل الأوطار" (1/ 215) (**) صحيح: رواه أبو داوود (142)،(143) ، والترمذي (788)، وأحمد (4/211)
     
    [11] البخاري (157)، وأبو داود (138)، والترمذي (42)، والنَّسائي (1/ 62)، وابن ماجه (411)
     
    [12] البخاري (158)، وأحمد (4/141)، وابن خزيمة (170)
     
    [13] شرح صحيح مسلم (3/ 106)
     
    [14] البخاري (168)، ومسلم (268)، والترمذي (608)، وأحمد (6/202)
     
    [15] نقلاً من فتح الباري (1/ 270) تعليقًا على الحديث رقم (167 – 168).
     
    [16] صحَّحه الألبانِيُّ: رواه أبو داود (145)، والبيهقي (1/ 54)، قال الشيخ عادل العزّازي: لكن فيه الوليد بن زوران، قال فيه ابن حجر: لَيِّنُ الحديث
     
    [17] شرح مسلم (3/ 107)
     
    [18] إسناده صحيح: رواه أبو داود (96)، وأَحْمد (4/ 86)، وابن حبَّان (6763)
     
    [19] مسلم (234)، وأبو داود (460)، والنَّسائي (1/ 92)، والترمذي (55)، وابن ماجه (470).
     
    [20] الترمذي (55)، والطبراني في "الأوسط" (5/ 140)، وحسَّنَه الألباني في "الإرواء" (96)
     
    [21] رواه النَّسائي في الكبرى (9909)، وصوَّبَ وقْفَه، وقال الألباني: وهو في حكم المرفوع؛ لأنه لا يُقال بِمُجرَّد الرَّأي
     
    [22] البخاري (1149)، ومسلم (2458)
     
    [23] البخاري (164)، ومسلم (226)
     
    [24] شرح صحيح مسلم (3/ 108)
     
    [25] الإجماع (ص3)، ووقع في النسخة عندي: "المني"، بدلاً من "المذي"، وصوابه: المَذي
     
    [26] صحيح: رواه ابن أبي شَيْبة (1/ 89)، والبيهقي (1/ 169)
     
    [27] شرح صحيح مسلم (4/ 74)
     
    [28] البخاري (117)، (138)، (183)، ومسلم (763)، وأبو داود (58)
     
    [29] شرح صحيح مسلم (4/ 74).
     
    [30] مسلم (360)، وثبت عن البَراء نحوُه: رواه أبو داود (184)، والترمذي (81)، وأحمد (4/ 303)
     
    [31] البخاري (6243)، ومسلم (2657)، وأبو داود (2153)، واللفظ له
     
    [32] حسن: رواه الطبراني في الكبير (20/ 211)، وحسنه الألبانِيُّ في "السلسلة الصحيحة" (226).
     
    [33] انظر في ذلك "المُحلَّى" (1/ 348)، المسألة رقم (169)
     
    [34] البخاري (137)، ومسلم (361)، وأبو داود (176)، والنَّسائي (1/ 98)، وابن ماجه (513)
     
    [35] شرح مسلم للنووي (4/ 49)
     
    [36] المُغْنِي"، (1/ 226)
     
    [37] انظر فتاوى كبار العلماء - فتوى ابن عُثَيْمِين - ص178 ط/ الإسلامية.
     
    [38] "مجموع الفتاوى" (26/ 198)، و"الشرح الممتع" (7/ 300)
     
    [39] مسلم (373)، وأبو داود (18)، والترمذي (3384)، وابن ماجه (302)
     
    [40] صحيح: الترمذي (3914)، ورواه أحمد (1/ 115)، وابن خزيمة (209 – 210)
     
    [41] البخاري (247)، ومسلم (2710)، وأبو داود (5046)، والترمذي (3394)، والنَّسائي في "اليوم والليلة" (780 – 785)
     
    [42] صحيح: رواه ابن ماجه (277)، وأحمد (5/ 276)، والحاكم (1/ 130) وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه المنذريُّ في "الترغيب والترهيب"، وللحديث ألفاظ أخرى بمعناه؛ انظر "إرواء الغليل"، (1/ 135)
     
    [43] صحيح: رواه الترمذي (3689) وصححه، والحاكم (1/ 313) وصححه، ووافقه الذهبي، ورواه أحمد (5/ 354، 360)
     
    [44] إسناده حسن: رواه الترمذي (993)، وابن ماجه (1463)، وأبو داود (3161)، واللفظ له).
     
    [45] حَسَن: رواه الحاكم (1/ 386)، والدار قطني (2/ 76)، والبيهقي (3/ 398)، وصححه الحاكم ووافقه الذَّهبِي، وحسَّنه الحافظ في "التلخيص" (1/ 137 -  138)، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح الجامع" (5408).
     
     
     
    رامي حنفي محمود
    شبكة الالوكة
     

  20. القاعدة الخامسة : { وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى }


     

    الحمد لله، وبعد:
    فهذا مَرسى آخر على جُودِيّ موضوعنا الأغر: (قواعد قرآنية)، نقف فيه مع قاعدة من قواعد التعامل مع غيرنا، ومن القواعد التي تعالج شيئاً من الأخلاق الرذيلة عند بعض الناس، تلكم القاعدة هي قوله تعالى: { ... وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61)} [طه].

    وهذه الآية الكريمة، وضاءة المعنى، بديعة السبك والحبك، جاءت في سياق قصة موسى مع فرعون ـ الذي قضى حياته افتراء على الله ـ وسحرته الذين هداهم الله، يقول سبحانه وتعالى عن فرعون:
    { قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60) قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62)} [طه].

    والافتراء يطلق على معانٍ منها: الكذب، والشرك، والظلم، وقد جاء القرآن بهذه المعاني الثلاث، وكلها تدور على الفساد والإفساد [مفردات الراغب:634].

    قال ابن القيم: مؤكداً اطّراد هذه القاعدة: "وقد ضمن سبحانه أنه لا بد أن يخيب أهل الافتراء ولا يهديهم وأنه يستحتهم بعذابه أي يستأصلهم" [الصواعق المرسلة4/1212].
    وإنك ـ أخي المتدبر ـ إذا تأملت هذه القاعدة وجدت في الواقع ـ وللأسف ـ من له منها نصيب وافر، وحظ حاضر سافر، ومن ذلك:

    1ـ الكذب والافتراء على الله، إما بالقول عليه بغير علم بأي صورة من الصور، استمع لقول ربنا تعالى:
    { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ...(93)} [الأنعام].

    وقد دلّ القرآن على أن القول على الله بغير علم هو أعظم المحرمات على الإطلاق، قال تعالى:
    { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33} [الأعراف]، وأنت إذا تأملت في هذا الأمر: وجدت أن المشرك إنما أشرك لأنه قال على الله بغير علم، ومثله الذي يحلل الحرام أو يحرم الحلال، كما حكاه الله تعالى عن بعض أحبار بني إسرائيل.

    وكذا الذين يفتون بغير علم، هم من جملة المفترين على الله سبحانه وتعالى، قال تعالى:
    { وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116)} [النحل].
    وكلُّ من تكلم في الشرع بغير علم فهو من المفترين على الله، سواء في باب الأسماء والصفات، أو في أبواب الحلال والحرام، أو في غيرها من أبواب الدين.

    ولأجل هذا كان كثير من السلف يتورع أن يجزم بأن ما يفتي به هو حكم الله إذا كانت المسألة لا نص فيها، ولا إجماع، قال بعض السلف: "ليتق أحدكم أن يقول: أحل الله كذا وحرم كذا فيقول الله له كذبت لم أحل كذا ولم أحرم كذا" [إعلام الموقعين عن رب العالمين1/39]".

    ولهذا لما كتب الكاتب بين يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حكماً حكم به، فقال: هذا ما أرى الله أمير المؤمنين عمر، فقال: "لا تقل هكذا، ولكن قل: هذا ما رأى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب".

    وقال ابن وهب: سمعت مالكاً يقول: "لم يكن من أمر الناس، ولا من مضى من سلفنا، ولا أدركت أحداً اقتدى به يقول في شيء هذا حلال وهذا حرام، وما كانوا يجترئون على ذلك، وإنما كانوا يقولون نكره كذا، ونرى هذا حسنا فينبغي هذا ولا نرى هذا" [إعلام الموقعين عن رب العالمين1/39].
    فعلى من لم يكن عنده علم فيما يتكلم به أن يمسك لسانه، ويقبض مِقوَله، وعلى من تصدر لإفتاء الناس أن يتمثل هدي السلف في هذا الباب، فإنه خير مقالاً وأحسن تأويلاً.

    2ـ ومن صور تطبيقات هذه القاعدة القرآنية:
    ما يفعله بعض الوضاعين للحديث ـ في قديم الزمان وحديثه ـ الذين يكذبون على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويفترون عليه إما لغرض ـ هو بزعمهم ـ حسنٌ كالترغيب والترهيب، أو لأغراض سياسية، أو مذهبية، أو تجارية، كما وقع ذلك وللأسف منذ أزمنة متطاولة وأيام غابرة.
    وليعلم كل من يضع الحديث على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه من جملة المفترين، فلن يفلح سعيه، بل هو خاسر وخائب كما قال ربنا: { وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى }، ولا ينفعه ما يظنه قصداً حسناً ـ كما زعم بعض الوضاعين ـ فإن مقام الشريعة عظيم الشَّأن، وجنابها مصون ومحترم، وقد أكمل الله الدين، وأتم النعمة، فلا يحتاج إلى حديث موضوع ومختلق مفترى، يُضلُّ ولا يكاد يبين، وليست شريعةٌ تلك التي تبنى على الكذب، وعلى منْ؟ على رسولها صلى الله عليه وسلم.
    ومن المؤسف المقلق أن يُرى لسوق الأحاديث الضعيفة والمكذوبة رواجاً في هذا العصر بواسطة الإنِّترنت، أو رسائل الجوال، فليتق العبدُ ربَّه، ولا ينشرن شيئاً ينسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يتثبت من صحته عنه.

    3ـ ومن صور تطبيقات هذه القاعدة القرآنية الكريمة المشاهدة في الواقع:
    ما يقع ـ وللأسف الشديد ـ من ظلم وبغي بين بعض الناس، وهذا له أسبابه الكثيرة، لعل من أبرزها الحسد ـ عياذاً بالله منه ـ والطمع في شيء من لعاعة الدنيا، أو لغير ذلك من الأسباب، ويَعْظُمُ الخطب حينما يُلبِّسُ بعضُ الناس صنيعه لبوسَ الدين، ليبرر بذلك فعلته في الوشاية بفلان، والتحذير من فلان بغياً وعدواناً.

    ولقد وقفتُ على كثير من القصص في هذا الباب، منها القديم ومنها المعاصر، اعترف أصحابها بها، وهي قصص تقطع الكبد ألماً، وتفت الفؤاد فتًا، بسبب ما ذاقوه من عاقبة افترائهم وظلمهم لغيرهم، وكانت عاقبة كذبهم خسرا.

    وكما قال الكيلاني:

    الصدق من كرم الطباع وطالما * جاء الكذوب بخجلة ووجوم


    وأكتفي من ذلك بهذين الموقفين، إذ في ذكرهما عظةٌ وعبرة:
    1 ـ تحدثتْ إحداهن ـ وهي أستاذة جامعية ومطلقة مرتين ـ فقالت: حدثت قصتي مع الظلم قبل سبع سنوات، فبعد طلاقي الثاني قررتُ الزواج بأحد أقاربي الذي كان ينعم بحياة هادئة مع زوجته وأولاده الخمسة، حيث اتفقت مع ابن خالتي ـ الذي كان يحب زوجة هذا الرجل ـ اتفقنا على اتهامها بخيانة زوجها، وبدأنا في إطلاق الشائعات بين الأقارب، ومع مرور الوقت نجحنا، حيث تدهورت حياة الزوجين وانتهت بالطلاق.
    وبعد مضي سنة تزوجت المرأةُ ـ التي طلقت بسبب الشائعات ـ برجل آخر ذي منصب، أما الرجل فتزوج امرأة غيري، وبالتالي لم أحصل مع ابن خالتي على هدفنا المنشود، ولكنا حصلنا على نتيجة ظلمنا حيث أصبت بسرطان الدم، أما ابن خالتي فقد مات حرقاً مع الشاهد الثاني، بسبب التماس كهربائي في الشقة التي كان يقيم فيها، وذلك بعد ثلاث سنوات من القضية.

    2 ـ أما القصة الأخرى فيرويها شخص اسمه حمد: عندما كنت طالباً في المرحلة الثانوية حدثت مشاجرة بيني وبين أحد الطلاب المتفوقين، فقررت ـ بعد تلك المشاجرة ـ أن أدمر مستقبله، فحضرت ذات يوم مبكراً إلى المدرسة، ومعي مجموعة من سجائر الحشيش ـ التي كنا نتعاطاها ـ ووضعتها في حقيبة ذلك الطالب، ثم طلبت من احد أصدقائي إبلاغ الشرطة بأن في المدرسة مروجَ مخدرات، وبالفعل تمت الخطة بنجاح، وكنا نحن الشهود الذين نستخدم المخدرات.
    يقول حمد هذا: ومنذ ذلك اليوم وأنا أعاني نتيجة الظلم الذي صنعته بيدي، فقبل سنتين تعرضت لحادث سيارة فقدت بسببه يدي اليمُنى، وقد ذهبت للطالب في منزله أطلب منه السماح، ولكنه رفض لأنني تسببت في تشويه سمعته بين أقاربه حتى صار شخصاً منبوذاً من الجميع، وأخبرني بأنه يدعو عليّ كل ليلة، لأنه خسر كل شيء بسبب تلك الفضيحة، ولأن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب فقد استجاب الله دعوته، فها أنا بالإضافة إلى يدي المفقودة أصبحت مقعداً على كرسي متحرك نتيجة حادث آخر، ومع أني أعيش حياة تعيسة، فإني أخاف من الموت لأني أخشى عقوبة رب العباد .
    [نشرت هذه القصص في مقال للكاتب محمد بن عبدالله المنصور، بعنوان: (رسالة بلا عنوان!) في جريدة اليوم الإلكترونية، عدد:11854، الاثنين 26/10/1426هـ، الموافق:28/11/2005 م].

    ومن صور تطبيقات هذه القاعدة في عصرنا:
    ما يقع من بعض الكُتاب والصحفيين، الذين يعمي بعضَهم الحرصُ على السبق الصحفي عن تحري الحقيقة، والتثبت من الخبر الذي يورده، وقد يكون متعلقاً بأمور حساسة تطال العرض والشرف، وليتدبروا جيداً، هذه القاعدة القرآنية المحكمة:
    { وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى }، والقاعدة المحكمة في باب الأخبار:
    { فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ ...(6)} [الحجرات].

    و مع الختام أهمس بقول القائل:

    الصدق في أقوالنا أقوى لنا * والكذب في أفعالنا أفعى لنا

  21. لَقَدْ طُرِدَ الجَمِيعُ مِنْ بُيُوتِ اللهِ تعالى طَرْدًا،
    نَعَمْ لَقَدْ حَكَمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا بِأَنَّنَا لَا نَسْتَحِقُّ هَذِهِ النِّعْمَةَ العَظِيمَةَ
    هَلْ رَاجَعْنَا جَمِيعًا أَنْفُسَنَا؟
     
     هَلْ رَاجَعْنَا أَنْفُسَنَا لِمَاذَا هَذَا الطَّرْدُ، طُرِدَ الجَمِيعُ مِنْ بُيُوتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا جُمُعَةَ وَلَا جَمَاعَةَ؟
    هَلْ نَحْنُ طُرِدْنَا مِنْ بُيُوتِ اللهِ تعالى مِنْ أَجْلِ فَيْرُوسِ كُورُونَا؟
    لَقَدْ طُرِدْنَا مِنْ بُيُوتِ اللهِ تعالى بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِينا.
     
    أولًا: لَقَدْ هَجَرَتِ الأُمَّةُ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. حَكَّمْنَا الـتَّشْرِيعَاتِ الوَضْعِيَّةَ، وَالعَادَاتِ، وَالتَّقَالِيدَ، وَانْطَلَقْنَا مِنْ مُنْطَلَقِ: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾.
     
    ثانيًا: لَقَدْ تَلَاعَبْنَا بِكَثِيرٍ مِنَ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، فَأَحَلَّ الكَثِيرُ مَا حَرَّمَ اللهُ تعالى، وَضَرَبُوا بِكَثِيرٍ مِنَ الآيَاتِ وَالأَحَادِيثِ عَرْضَ الحَائِطِ إِرْضَاءً لِأَهْوَائِهِمْ وَطَمَعًا في دُنْيَاهُمْ.
     
    قَالَ لَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾. فَقَتَلْنَا أَنْفُسَنَا.
     
    وَقَالَ لَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «وَيْحَكُمْ ـ أَوْ قَالَ: وَيْلَكُمْ ـ لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
     
    فَكَفَرَ الكَثِيرُ مِنَ الأُمَّةُ، وَضَرَبُوا أَعْنَاقَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا.
     
    وَقَالَ لَنَا مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾. فَسَعَى الكَثِيرُ لِنَيْلِ رِضَاهُمْ.
     
    وَقَالَ لَنَا في خِتَامِ آيَاتِ المَوَارِيثِ: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾. فَتَلَاعَبَ الكَثِيرُ في أَحْكَامِ المَوَارِيثِ عَطَاءً وَمَنْعًا.
     
    وَقَالَ لَنَا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾. فَأَكَلَ الكَثِيرُ أَمْوَالَ الكَثِيرِ بِالبَاطِلِ، وَاسْتَحَلُّوهَا.
     
    وَقَالَ لَنَا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾. فَأَكَلَ الكَثِيرُ مَالَ الرِّبَا، وَالأَسْوَأُ حَالًا صَدَرَتْ فَتَاوَى بِحِلِّ الرِّبَا.
     
    وَقَالَ لَنَا: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾. قَطَّعْنَا الأَرْحَامَ وَبِدُونِ مُبَالَاةٍ، وَالكُلُّ يُبَرِّرُ هَذِهِ الكَبِيرَةَ.
     
    وَقَالَ لَنَا: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾. حَدَّدَ مَصَارِفَ الزَّكَاةِ، فَتَلَاعَبَ الكَثِيرُ فِيهَا فَوَضَعُوهَا في غَيْرِ مَوَاضِعِهَا، وَأَعْطَوْهَا لِغَيْرِ مُسْتَحِقِّيهَا.
     
    وَقَالَ لَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ» رواه الشيخان عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. فَاجْتَرَأَ الكَثِيرُ عَلَى الاخْتِلَاطِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَضَرَبُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ عَرْضَ الحَائِطِ.
     
    وَقَالَ اللهُ تعالى مُبَيِّنًا لَنَا خُطُورَةَ تَرْكِ الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾. بَلْ صَارَ بَعْضُ النَّاسِ آمِرًا بِالمُنْكَرِ، نَاهِيًا عَنِ المَعْرُوفِ.
     
    وَقَالَ لَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
     
    وَلَقَدِ انْطَبَقَ هَذَا عَلَى الكَثِيرِ مِنَ النَّاسِ: «إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ».
     
    وَقَالَ لَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
     
    التَّلَوُّنُ عِنْدَ الكَثِيرِ وَاضِحٌ وَصَرِيحٌ، وَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾.
     
    يَا عِبَادَ اللهِ: مَاذَا أَقُولُ عَنْ أَكْلِ دُنْيَانَا بِدِينِنَا، وَعَنِ التَّلَاعُبِ بِأَحْكَامِ الزَّوَاجِ وَالطَّلَاقِ، وَعَنِ الخِيَانَاتِ الزَّوْجِيَّةِ، وَعَنِ المَوَاقِعِ الإِبَاحِيَّةِ، وَعَنْ إِفْسَادِ المَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا، وَإِفْسَادِ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ؟ حَدِّثْ عَنْ هَذِه بِلَا حَرَجٍ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.
     
    أَلَا صَلُّوا في رِحَالِكُمْ:
     
    يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ طُرِدْنَا مِنْ بُيُوتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَكِنَّ المُؤَذِّنَ يُنَادِينَا حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ، ثُمَّ يَقُولُ أَخِيرًا: أَلَا صَلُّوا في رِحَالِكُمْ.
     
    هَلْ يُحَرِّكُ هَذَا النِّدَاءُ مَشَاعِرَنَا نَحْوَ الصَّلَاةِ التي يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُصَلِّيَهَا في بُيُوتِنَا؟
     
    أَلَا صَلُّوا في رِحَالِكُمْ، يَعْنِي صَلَاةً تَنْهَانَا عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ، حَتَّى تَنْكَشِفَ عَنْكُمْ هَذِهِ الغُمَّةُ، لِتَرْجِعُوا إلى بُيُوتِ اللهِ تعالى، وَقَدْ طَهَّرْتُمْ أَنْفُسَكُمْ.
     
    أَلَا صَلُّوا في رِحَالِكُمْ، يَعْنِي: تَحَقَّقُوا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «إِنَّ بُيُوتِي فِي أَرْضِيَ الْمَسَاجِدُ وَإِنَّ زُوَّارِي فِيهَا عُمَّارُهَا، فَطُوبَى لِعَبْدٍ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ زَارَنِي فِي بَيْتِي، فَحَقٌّ عَلَى المَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ» أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ.
     
    لِنَسْعَى جَاهِدِينَ لِتَطْهِيرِ أَنْفُسِنَا، ثُمَّ لنَرْجِعْ قَرِيبًا جِدًّا إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى إلى بُيُوتِنَا بِقُلُوبٍ سَلِيمَةٍ تَائِبَةٍ، مُتَحَقِّقِينَ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
     
    لِنُرِ اللهَ تعالى مِنْ قُلُوبِنَا صَفَاءً وَصِدْقًا وَعُبُودِيَّةً، لَعَلَّ اللهَ تعالى أَن يَتُوبَ عَلَيْنَا قَبْلَ مَوْتِنَا.
     
    خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:
     
    يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ طُرِدْنَا جَمِيعًا مِنْ بُيُوتِ اللهِ تعالى، فَلَا جُمُعَةَ وَلَا جَمَاعَاتٍ، خَشْيَةً مِنْ فَيْرُوسِ كُورُونَا، وَنَسِيَ الكَثِيرُ عَظَمَةَ هَذَا الإِلَهِ العَظِيمِ، بِفَيْرُوسٍ وَاحِدٍ شُلَّتْ حَرَكَةُ البَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ، فَهَلْ نَصْطَلِحُ مَعَ اللهِ تعالى، أَمْ سَنَبْقَى لِآيَاتِ اللهِ مِنَ المُعَانِدِينَ؟
     
    اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.

     موقع 
    الشيخ احمد شريف النعسان
     

  22.  

    {إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ} [العلق : 8]
    لم نخلق لنبقى على الأرض ، كلنا راحلون مع أعمالنا .. عائدون بها إلى الله لامحالة ،
    وهذه هي الحقيقة ..

    تبدأ الحياة بظلمة البطن وبياض المهد ، وتنتهي بظلمة القبر وبياض الكفن ...
    نحن في الدنيا سائرون ومع كل ثانية نقترب من الموت والعودة للوقوف بين يدي الله سبحانه ، ومن استحضر الآية الكريمة عمل لهذه الساعة .. كل يوم نقرأ نعوة وفاة ونقول (اللهم اغفر وارحم) ثم ننسى الموضوع وكأنه لايعنينا أبدا !!..
    اهرب يحيث شئت (إن إلى ربك الرجعى) واعمل ماشئت فهناك كتاب (لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها)
    هل تخيل كل منا محتوى كتابه ؟!
    وهل ياترى جاهزون للحساب ؟!

    روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَاشِرَ عَشَرَةٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، مَنْ أَكْيَسُ النَّاسِ، وَأَحْزَمُ النَّاسِ؟
    قَالَ: «أَكْثَرُهُمْ ذِكْرَاً لِلْمَوْتِ، وَأَشَدُّهُمُ اسْتِعْدَادَاً لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِ المَوْتِ، أُولَئِكَ هُمُ الْأَكْيَاسُ، ذَهَبُوا بِشَرَفِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ».
    الكُلُّ رَاجِعٌ إلى اللهِ تعالى، سَيُعْرَضُ على مَحْكَمَةٍ قَاضِيهَا هُوَ اللهُ تعالى، ا
    لكُلُّ سَيَقْرَأُ كِتَابَهُ الذي سُطِّرَ عَلَيْهِ
    ﴿في كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾.

    عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَحْضِرَ عِنْدَ جَمِيعِ أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا وَنَوَايَانَا قَوْلَهُ تعالى:
    ﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾.
    حَقيقَةٌ لَا مَجَالَ لِإِنْكَارِهَا، في كُلِّ يَوْمٍ نُوَدِّعُ مِنْ أُصُولِنَا وَفُرُوعِنَا وَأَحْبَابِنَا وَأَزْوَاجِنَا إلى دَارٍ لَا عَوْدَةَ مِنْهَا إلى هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَدَّعْنَا الكَثِيرَ إلى عَالَمِ البَرْزَخِ، وَسَوْفَ نُوَدَّعُ في لَحْظَةٍ مِنَ اللَّحَظَاتِ إلى ذَلِكَ العَالَمِ، مَهْمَا طَالَ العُمُرُ فَلَا بُدَّ مِنَ الرَّجْعَةِ إلى اللهِ تعالى.

    لنجتهد في ترتيب أوراقنا ومراجعتها وتدقيقها
    وتصحيح الأخطاء فيها قبل قرع الجرس معلنا انتهاء الوقت وسحبها من بين أيدينا ...
    ولنهتم في زادنا الاساسي وهو ( الصلاة) نقيمها بما يرضي الله ..
    لكي تجد أثر صلاتك استشعر {إن إلى ربك الرجعى}
    انت عائد إليه { ألم يعلم بأن الله يرى} الله مطلع عليك.
    ولنتذكر الآية الكريمة ( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون)
    اللهم نسألك حسن الخاتمة ..
     
     

    45820440_303803966889098_1984993125248008192_o.jpg?_nc_cat=110&_nc_sid=8bfeb9&_nc_ohc=afeDbVLwiDcAX_fsRH3&_nc_ht=scontent.fcai2-2.fna&oh=e24e884b88ac29a3dc6b482119ae8157&oe=5EFACE22

     


  23. مُلَخَّص  مواقيت الصلاة
    من المختصر البسيط لكتاب تمام المنة
    في فقه الكتاب وصحيح السنة
    لفضيلة الشيخ عادل العزازي أثابه الله*


    أولاً: ما معنى المواقيت؟


    المواقيت: جمع ميقات، وهو القَدْر المحدد من الزمان لإحداث فِعْلٍ معين فيه؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103]. أي بوقت محدد.

     

    ثانياً: وقت صلاة الظهر


    يبدأ وقتِ الظُّهْر إذا زالتِ الشمس، ومعنى (زوال الشمس): أي مَيْلها عن كَبِد السماء (يعني وسط السماء)، وذلك أنَّ الشمس إذا طلعَتْ صار للشخص ظلٌّ جِهةَ المغرب، ثم لا يزال هذا الظلُّ ينقص كلَّما ارتفعتِ الشمس حتى يتوقَّف عن النقصان - وعندئذٍ تكون الشمسُ في كبد السماء - ثم يبدأ الظلُّ في الزيادة مِن الجهة الأُخرى، فإذا بدأ الظل في هذه الزِّيادة كان هذا هو وقتَ الزوال، وأما آخِر وقْت صلاة الظهر فيكون إذا صار ظلُّ كلِّ شيء مثلَه[1].

    الإبراد (أي التأخير) بصلاةِ الظهر في شدة الحر إلى وقتِ الإبراد؛ (وهو الوقتُ الذي يتبيَّن فيه انكسارُ شدَّة الحر):

    الأصل أنه يُستحَبُّ التعجيلُ بإتيان الصلاةِ في أوَّل وقْتها؛ لأنَّ ذلك من المسارعة إلى أمْر الله، وفي حديثِ ابن مسعودٍ رضي الله عنه أنَّه سأل النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله؟ قال: ((الصَّلاةُ على وقْتِها))[2]، وفي روايةٍ عندَ ابن حبَّان: ))الصَّلاةُ في أوَّل وقتِها))[3]، لكن في شِدَّة الحرِّ يُشْرَع الإبراد بصلاةِ الظهر (يعني تأخيرها إلى وقتِ الإبراد؛ وهو الوقتُ الذي يتبيَّن فيه انكسارُ شدَّة الحر وأن يَصير للتلُول ظِل يَمشُون فيه)، فقد قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا اشتدَّ الحرُّ، فأَبْرِدوا بالصلاة؛ فإنَّ شِدَّة الحرِّ مِن فيْح جهنَّم))[4].

    وجمهورُ العلماء على أنّ هذا الأمر للاستحباب، ويرى بعضُهم الوجوبَ[5]،  ويُستفاد مِن الحديث: أنَّه لا يُشرَع الإبرادُ في البَرْد، وكذلك إذا لم يشتدَّ الحرُّ، ويُستفاد أيضا أن الإبرادَ يكون إلى قُرْبِ وقت العصر.

    قال الشيخُ ابن عثيمين رحمه الله: "وهذا يحصُلُ لمَن يُصلِّي جماعة، ولمن يُصلِّي وحدَه، ويدخُل في ذلك النِّساء، فإنَّه يُسَنُّ لهنَّ الإبرادُ في صلاةِ الظهر في شدَّة الحر"[6].

    • ولكن اعلم - رحمك الله - أن من مقاصد الشريعة: (رفع الحرج عن الناس)، فإذا زال الحرج عن الناس في شدة الحر بوجود المكيفات والمراوح كما في عصرنا، فإنه يُستحَبُّ الإتيان بالصلاةِ في أوَّل وقْتها، والله اعلم.

     

    ثالثاً: وقت صلاة العصر


    يبدأ وقتُ صلاةِ العصر عندما يكون ظِلُّ الشيءِ مثلَه (يعني بعد انتهاء وقت الظهر مباشرة)، وأمَّا بالنسبة لوقتُ انتهائِه فقد ذَهَب العلماءُ إلى تقسيم وقتِ العصر إلى خمسة أوقات: (فضيلة، واختيار، وجواز بلا كَراهة، وجواز مَع الكراهة، ووقت عُذْر).

    قال النوويُّ رحمه الله نقلاً عن أصحابِ الشافعي:

    "فأمَّا وقتُ الفضيلة فأوَّل وقتِها، ووقتُ الاختيار يمتدُّ إلى أن يصيرَ ظلُّ كلِّ شيءٍ مِثلَيْه - (يعني مثله مرتين) -، ووقتُ الجواز إلى الاصْفِرار، ووقتُ الجواز مع الكراهة حال الاصفرار إلى الغروب، ووقتُ العُذر وهو وقتُ الظهر في حقِّ مَن يَجْمع بين الظهر والعصر لسَفَر أو مطَر، ويكون العصر في هذه الأوقاتِ الخمسة أداءً، فإنْ فاتتْ بغروب الشمسِ فهي قَضاء"[7].

    ويستحب  تعجيل صلاة العصر ولو مع الغَيْم (يعني ولو كان السحاب يغطي على الشمس):

    ومما يدلُّ على استحبابِ المبادرة في اليوم الغَيْم ما ثبَت عن أبي المَلِيح رضي الله عنه قال: كنَّا مع بُرَيدةَ في غزوة في يوم ذي غَيْم فقال: بَكِّروا بصلاةِ العصر، فإنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن ترَك صلاةَ العصر فقدْ حَبِط عملُه))[8].

    وقد اختلفتْ أقوالُ العلماءِ في تحديدِ الصلاة الوُسْطَى، وأرْجَحها أنَّها صلاةُ العصر، فقد صرَّحتْ بذلك الأحاديثُ.

    رابعاً: وقت صلاة المغرب


    يبدأ وقتِ صلاةِ المغرِب إذا غابتِ الشمس، وآخِرُ وقتِها إلى مغيب الشَّفَق الأحمر على أرجحِ الأقوال.

    قال الشيخ عادل العزازي: وقد وردَتِ الأحاديثُ مُصرِّحةً باستحباب تعجيلها، فمِن ذلك:

    (1) عن رافِع بن خَدِيج رضي الله عنه قال: "كُنَّا نُصلِّي مع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - المغرِبَ فينصرف أحدُنا، وإنَّه لَيُبصرُ مواقِعَ نَبْلِه"[9]، (يعني يبصر المكان الذي يضرب فيه بالنبلة، وذلك بسبب الضوء الموجود في السماء، دليلٌ على تعجيل المغرب).

    (2) قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تَزال أُمَّتي بخير - أو على الفِطرة - ما لم يُؤخِّروا المغربَ حتى تَشتبِكَ النُّجوم))[10].

     

    خامساً: وقت صلاة العشاء


    يبدأ وقتُ صلاةِ العشاء مِن غروب الشَّفَق الأحمر (يعني بعد انتهاء وقت المغرب مباشرة)، وأمَّا آخِر وقتِها فاختلَف أهلُ العلم في ذلك: فذهب بعضُهم إلى أنه يمتدُّ إلى نِصف الليل، وذهَب فريقٌ آخرُ إلى أنَّه ممتدٌّ إلى صلاةِ الفجر، والصواب - والله أعلم - ما ذَهبَ إليه الفريقُ الأول مِن أهل العلم أنَّ وقتَ العشاء ينتهي بنِصْف الليل.

    ويستحب تأخيرها إلى ثلث الليل الأول، لكن بشَرْط مراعاة الجماعة، فلا ينفرد عنِ الجماعة إذا صلَّوْها في أوَّل الوقت؛ لعدمِ فوات الجماعة، ولعدمِ إضاعة الجماعات.

    ويكره النوم قبلَ العِشاء ويكره السَّمَر والحديث بعدها:

    فقد كان رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - "يَستحِبُّ أن يُؤخِّر العِشاءَ التي يدْعونها العَتَمة، وكان يَكْره النومَ قبْلَها والحديثَ بعدَها"[11]، ففي هذا الحديثِ ما يدلُّ على كراهيةِ النوم قبلَ العِشاء.

    قال الترمذيُّ رحمه الله: "وقدْ كَرِه أكثرُ أهلِ العِلم النومَ قبل صلاةِ العشاء، ورخَّص في ذلك بعضُهم"[12].

    وقال ابنُ العربي رحمه الله: "إنَّ ذلك جائزٌ لمَن عَلِم من نفسه اليقظةَ قبل خروج الوقْت بعادة، أو يكون معه مَن يُوقِظه، والعِلَّة في الكراهة قبلها لئلاَّ يذهبَ النومُ بصاحبه ويستغرقه فتفوته، أو يفوته فضلُ وقتِها المستحب، أو يترخَّص في ذلك الناسُ فيناموا عن إقامةِ جماعتها"[13].

    قال الشيخ عادل العزازي: وأمَّا إذا غلبتْه عيناه وهو في المسجِد ينتظر الصلاةَ، فليس مِن هذا الباب المنهيِّ عنه؛ لحديث عائشةَ رضي الله عنها: "أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أعْتَمَ بالعِشاء - (يعني أخرها) -، حتى ناداه عمرُ: نام النِّساءُ والصِّبيان"[14].

    قال ابنُ سيِّد الناس رحمه الله: "ولا أرى هذا مِن هذا الباب، ولا نُعاسَهم في المسجدِ وهم في انتظارِ الصلاة مِن النوم المنهي عنه، وإنَّما هو مِن السِّنَة التي هي مَبادِئ النَّوم"[15].

    وأمَّا السَّمَر بعدَ العشاء، فإنَّه مكروه إلا لضرورة أو إذَا كانتِ الفائدة دِينيَّة، أو للمسافِر، أو الحديث مع أهلِه.

    قال النوويُّ رحمه الله: "واتَّفق العلماءُ على كراهةِ الحديث بعدَها إلا ما كان في خيْر"[16].

    وقال الشوكانيُّ رحمه الله: "وعِلَّة الكراهةِ ما يُؤدِّي إليه السَّهَر من مخافةِ غَلَبة النومِ آخِر اللَّيْل عنِ القيامِ لصلاة الصبح في جماعة، أو الإتيان بها في وقتِ الفضيلة والاختيار، أو القيام للوردِ مِن صلاةٍ أو قراءةٍ في حقِّ مَن عادته ذلك، ولا أقلَّ لِمَن أمِن ذلك مِن الكسل بالنهار عمَّا يجب مِن الحقوق فيه والطاعات"[17].

     

    سادساً: وقت صلاة الصبح


    يبدأ وقْتَ الصبح مِن طلوع الفجر الصادق، ويمتدُّ حتى طلوعِ الشمس.

    ما جاء في التغليس بصلاةِ الصبح (يعني الإتيان بها مبكرا والظلام ما زال موجودا)، وما جاء في الإسفار بها (يعني تأخيرها إلى ظهور ضوء النهار):

    معنى الغلس: (بقايا الظلام)، والإسفار: (ضَوْء النَّهار)، وقد وردتِ الأحاديثُ بالتغليس بصلاةِ الصُّبْح، وأخرى بالإسفارِ بها.

    ولذلك يمكن أن يُقال: يجوز التغليس، ويجوز الإسفار، وإنْ كان التغليس أفضلَ؛ لمَا ثبَت في الحديثِ أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - صلَّى صلاةَ الصبح مرَّة بغَلَس، ثم صلَّى مرَّةً أخرى فأسْفَر بها، ثم كانتْ صلاتُه بعدَ ذلك التغليس حتى مات، لم يَعُدْ إلى أن يُسفِر[18].

    قال الشوكاني رحمه الله: "والحديثُ يدلُّ على استحبابِ التغليس، وأنَّه أفضلُ مِن الإسفار، ولولا ذلك لمَا لازَمه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتى مات"[19].

     

    تنبيهات وملاحظات:

     

    (1) يُكرَه تغليبُ اسم (العَتَمة) على صلاةِ العِشاء، وإنْ كان يجوز ذلك أحيانًا بشَرْط ألا يُغلَّب.

    فقد قال رسولَ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تَغلبنَّكم الأعرابُ على اسمِ صلاتِكم، ألاَ وإنَّها العِشاء، وهُم يُعْتِمون بالإبِل))[20].

    ومعنى (يُعتِمون بالإبل): يَحْلِبون الناقة في هذه الساعة المتأخِّرة؛ ولذلك قال بعضُ العلماء: إنَّ العِلَّة في النهي تنزيهُ العِبادة الشرعيَّة المحبوبة عن أيِّ أمرٍ دُنيوي.

    وأمَّا الدليلُ على جوازِ تسميتها (العَتَمة) أحيانًا أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((... ولو يَعلمون ما في العَتَمة والصُّبح، لأَتَوْهما ولو حبوًا))[21].

    (2) مَن أدرك ركعةً قبل خروج الوقْت، فقدْ أدرك الصلاةَ لوقْتِها، وعلى مَن أدرك ذلك أن يُتِمَّ الصلاة أداءً؛ وذلك لمَا ثبَت في الحديثِ أنَّ رَسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن أدرك ركعةً مِن الصلاة، فقدْ أدرَك الصلاة))[22].

    ويُفهَم مِن الحديث أنَّه إذا أدرك أقلَّ مِن ركعة كامِلة لا يكون مدركًا للصلاة، وفي كِلا الحالين يكون آثمًا للتأخير.

    (3) اعلم أنَّه لا يجوز أن تُؤخَّر الصلاة إلى آخِرِ وقتها، فقد قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:((تِلك صلاةُ المنافِق؛ يجْلس يرقُب الشمسَ حتى إذا كانتْ بيْن قرْني شيطان، قام فنَقَرها أربعًا لا يَذْكُر الله فيها إلا قليلاً))[23].

    وقد أمَر النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعدمِ تأخيرها مع الأمراءِ إذا أخَّروها عن وقتِها، فعن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: قال لي رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كيف أنتَ إذا كانتْ عليك أمراءُ يُؤخِّرون الصلاةَ عن وقتها؟ أو يُميتون الصلاةَ عن وقتها؟))، قال: قلتُ: فما تأمُرُني؟ قال: ((صلِّ الصلاةَ لوقتها، فإن أدركتَها معهم فصَلِّ، فإنَّها لك نافِلَة))[24].

    ولكن أيُّهما تُحْسَبُ الفريضة: هل التي صلاَّها وحْدَه، أم التي صلاَّها مع الأئمَّة؟!

    الصحيح مِن أقوال أهل العِلم أنَّ الصلاة التي صلاَّها أولاً هي الفريضة، والثانية هي النافِلة؛ لقوله في الحديثِ السابق: ((فإنَّها لك نافِلَةٌ))، ولغيره مِنَ الأحاديث.

    (4) إذا زال العذر المانع من أداء الصلاة - كأن: (تطَهُر الحائض، أو يعقَل المجنون، أو يفيق المُغمَى عليه، أو يحتَلَم الصبي، أو يسلَم الكافر) - قبلَ أن يخرج وقتِ الصلاة بفترةٍ تَسَع لأداء ركعة منها، فإنَّه يجب عليه صلاةُ هذا الوقت، (يعني عليه قضاء هذه الصلاة التي خرج وقتها)، وأمَّا إذا زال العذر قبلَ أن يخرج وقتِ الصلاة بمقدار يسع لأقل من الرَّكْعة، فالصحيحُ أنه لا تجب عليه أداء هذه الصلاة.

    (5) مَن زال عقلُه بإغماء حتى خرَج الوقتُ - أي: أُغمي عليه قبلَ دخول وقتِ  الصلاة واستمرَّ به حتى خرَج وقتُها - فلا يجب عليه قضاءُ تلك الصلاة، وهو مذهبُ الأئمَّة الثلاثة، ومذهَب الإمام أحمد وجوبُ القضاء، والراجح الرأيُ الأول[25].

    (6) إنَّ أخَّر الصلاة عن أوَّل وقتِها بنِيّة فِعْلها - أي: قبل خُروج الوقت - فمات قبل فِعْلها، لم يكن عاصيًا؛ لأنَّه فعَل ما يجوز له فِعْلُه، والوقت ليس مِن فِعْله فلا يأثَم به؛ قاله ابن قدامة في "المغني"[26].

    (7) إذا طَرَأ عذر بعدَ دخولِ وقتِ الصلاة من حيْض أو جنون أو إغماء، ونحو ذلك، ففيه أقوالٌ لأهل العِلم:

    الأول:  إذا أدْرك وقتًا يَسَع لأداء ركعةً من الصلاة  ثم طرأ العذر وجَبَ عليه القضاء.

    الثاني: أنَّه لا يجب عليه القضاءُ إلا إذا أدْرك وقتًا يَسَع لأداء الصلاة كلها، ثم لم يُؤدِّها حتى طرَأ العذر، وهو مذهَبُ الشافعية.

    الثالث:  لا يَلْزمه القضاء إلا إذا بقِي من وقتِ الصلاة بمقدار فِعْل الصلاة؛ لأنَّ تأخيرَه لم يكن عن تفريطٍ ولا تعدٍّ، ولم ينقل إلينا أنَّ المرأة إذا حاضتْ في أثناء الوقت أُلْزِمت بقضاءِ الصلاة، والأصل براءةُ الذِّمَّة، وهذا اختيار ابن تيمية[27]، وهو قولُ مالك وزُفَر.

    قال ابن عثيمين رحمه الله: "وهذا تعليلٌ قوي جدًّا... فإنْ قضاها احتياطًا، فهو على خيرٍ، وإنْ لم يقضها فليس بآثم"[28].

    (8) قال ابن قدامة رحمه الله: "ومَن صلَّى قبل الوقْتِ لم تَجُزْ صلاته في قولِ أكثر أهلِ العِلم، سواء فعَلَه عمدًا أو خطأ، كلَّ الصلاة أو بعضَها"[29].

    (9) لا يجوز للإنسانِ أن يُصلِّي الفَرْض إلا إذا تيقَّن أو غلَب على ظنِّه دخولُ الوقت، وأمَّا لو شكَّ في دخوله فلا يُصلِّي، وإنما يَعرِف دخولَ الوقت باجتهاده - إنْ كان له معرفة بذلك - أو بَخبَرِ مَن يَثِق بقوله، سواء كان رجلاً أو امرأة.

    (10) إذا عَلِم باجتهاد منه أنَّ وقت الصلاة قد حان فصلَّى، ثم تبيَّن له أنه خطأ، فعليه إعادةُ الصلاة، وتكون صلاتُه التي صلاَّها نفلاً.

    (11) لا يَكْفي الاعتماد بدُخول وقتِ الصلاة مجرَّدُ سماع صوْت الأذان مِن مِذياع، حتى يتيقَّن أنه أذان البلد المُقيم فيه؛ لأنَّه ربما كان الأذان منقولاً من بلدٍ آخر، أو كان الأذانُ صادرًا مِن تسجيل، أو نحو ذلك.

     

    "التلخيص على مسؤولية الكاتب"

     

    * مُختَصَرَة من كتاب (تمام المِنّة في فِقه الكتاب وصحيح السُنّة) لفضيلة الشيخ عادل العزّازي أثابه الله لمن أراد الرجوع للأدلة والترجيح، وأما الكلام الذي تحته خط أثناء الشرح من توضيحٍ أو تعليقٍ أو إضافةٍ أو غير ذلك فهو من كلامي (أبو أحمد المصري)، وقد تمَّ مراجعة المُلَخَّص من أحد تلاميذ الشيخ عادل.

    [1] أي مضافًا إليه الظل الذي يكون عندَ الزوال، وهذا الظلُّ يختلف بحسبِ اختلاف البلاد ففي بلاد المناطِق الاستوائية تكون الشمسُ عموديةً تمامًا فوقَ الشخص، فلا يكون هناك زيادةٌ عندَ الاستواء، بل يكون الظِّلُّ أسفلَ الشخص، وفي بلادٍ أخرى حيث تكون هناك زاوية ميْل للشمس، يكون هناك ظِلٌّ للشخْص - نحو شِبر أو أكثر أو أقلّ - عندَ الاستواء، فهذه الزيادة تُحسَب عند آخر الوقت، فيكون آخِر وقت الظهر: أن يكون الظلُّ مِثلَ الشخص مضافًا إليه هذه الزِّيادة.

    [2] البخاري (527)، ومسلم (85)، والترمذي (173)، والنسائي (1/ 292).

    [3] صحيح: رواه ابن خزيمة (327)، وابن حبان (1475).

    [4] البخاري (533)، ومسلم (615)، وأبو داود (402)، والترمذي (157)، والنسائي (1/ 248)، وابن ماجه (678).

    [5] انظر فتح الباري (2/ 16).

    [6] "الشرح الممتع" (2/ 99)، وهو المشهورُ عن الإمامِ أحمد - كما قال الحافظ في "الفتح" بعدَ أن نقَل الخِلافَ (2/ 16 ).

    [7] نقلاً من "نيل الأوطار" (1/ 288)، وانظر "مجموع النووي" (3/ 27).

    [8] البخاري (553)، والنسائي (1/ 236)، وابن ماجه (694)، وأحمد (5/ 345، 357).

    [9] البخاري (559)، ومسلم (637)، وأبو داود (416)، وابن ماجه (687)

    [10] صحيح: رواه أبو داود (418)، وأحمد (4/ 174)، والبيهقي (1/ 370)

    [11] البخاري (599)، ومسلم (647)

    [12] سنن الترمذي (1/ 314).

    [13] نقلاً من نيل الأوطار (1/ 416).

    [14] البخاري (566)، (569)، ومسلم (638)، والنسائي (1/ 239).

    [15] نقلاً من "نيل الأوطار" (1/ 416).

    [16] "شرح صحيح مسلم" للنووي (5/ 146).

    [17] "نيل الأوطار" (1/ 417).

    [18] حسن: رواه أبو داود (394)، وابن خزيمة (352)، وابن حبان (1449).

    [19] "نيل الأوطار" (1/ 421).

    [20] مسلم (644)، وأبو داود (4984)، وابن ماجه (704)، والنسائي (1/ 270).

    [21] البخاري (615)، ومسلم (437)، والترمذي (225)، والنسائي (1/ 269).

    [22] البخاري (580)، ومسلم (607)، وأبو داود (1121)، والترمذي (524)، النسائي (1/ 274)، وابن ماجه (1122).

    [23] صحيح: وقد تقدَّم تخريجه (ص163).

    [24] مسلم (648)، وأبو داود (431)، والترمذي (176)، والنسائي (2/ 75).

    [25] انظر "الشرح الممتع" (2/ 16).

    [26] انظر في ذلك "الاختيارات الفقهية" (ص: 67).

    [27] "الاختيارات الفقهية" (ص: 66).

    [28] "الشرح الممتع" (2/ 127- 128).

    [29] "المغني" (1/ 395).

    رامي حنفي محمود
    شبكة الالوكة

     


  24. بسم الله الرحمن الرحيم


    الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلّا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.اللهم! صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، أما بعد، " فإن شرف العلوم يتفاوتُ بشرفِ مدلولها، وقدُرها يعْظمُ بعِظم محصولها. ولا خلاف عند ذوي البصائر أن أجلَّها ما كانت الفائدةُ فيه أعمّ، والنفعُ به أتمّ، والسعادةُ باقتنائه أدوم، والإنسانُ بتحصيلهِ ألزمْ، كعِلمِ الشريعةِ الذي هو طريق السعداءِ إلى دار البقاء، ما سلكه أحدٌ إلا اهتدى، ولا استمسك به من خاب، ولا تجنّبه من رَشَد، فما أمنعَ جنابَ من احتمى بحِماه، وأرغدَ مآبَ من ازدانَ بحُلاه"[1]، .ومن أهم ذلك وأعلاه علم العقيدة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:

    والعلم بالرحمن أول صاحبٍ........................ وأهم فرض الله في مشروعهِ
    وأخو الديانة طالبٌ لمزيدهِ ...................... أبداً ولما ينههِ بقطوعهِ
    والمرء فاقتهُ إليه أشدُّ منْ............................ فقرِ الغذاء لعلمِ حُكْمِ صنيعه
    في كل وقت والطعامُ فإنما.......................... يحتاجه في وقتِ شدَّةِ جوعهِ
    وهو السبيل إلى المحاسنِ كلِّها...................... والصالحاتِ فسوأةٌ لمُضيعِهِ

    إن علْم العقيدة من أهم العلوم الشرعية وأخطرها، كيف لا وهو العلم الذي يعقد عليه القلب، ويتميَّز فيه الخلق بين مؤمن وكافر !

    تعريف علم العقيدة لغة واصطلاحاً
    ويقصد بالعقيدة لغة الربط والعقد والإحكام والتوثق، ولذلك فكل ما عقد الإِنسانُ عليه قلبه جازمًا به - سواءٌ أكان حقًّا أَم باطلاً - فهو عقيدة.
    والعقيدة هي الحكم الذي لا يُقبَل الشكُّ فيه لدى معتقدِه، فهي أمور وقضايا لا تقبَل الجدال ولا المناقشة، لكونها من الثوابت والمسلَّمات.
    وأما العقيدة اصطلاحاً: هي الإِيمان الجازم بربوبية الله - تعالى - وأُلوهيته وأَسمائه وصفاته، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخِر، والقدر خيره وشرِّه، وسائر ما ثَبَتَ من أُمور الغيب، وقطعيات الدِّين من الأمور العملية ( كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحب في الله والبغض في الله والجهاد وحب الصحابة ) وما أَجمع عليه السلف الصالح، والتسليم التام لله - تعالى - في الأَمر، والحكم، والطاعة، والاتباع لرسوله - صلى الله عليه وسلم
    ويمكن أن نقول: أنها عبارة عن مجموعة الأحكام الشرعية التي يجب على المسلم أن يؤمن بها إيمانًا جازمًا، وتكون عنده يقينًا لا يَشوبه شكٌّ، ولا يُخالِطه ريب، فإن كان فيها ريب أو شكٌّ، كانت ظنًّا لا عقيدة.

    مصادر العقيدة وأسماؤها
    تؤخذ العقيدة من القرآن والسنة و إجماع الصحابة رضي الله عنهم، ولها أسماء متنوعة، فمن العلماء من يطلق عليها: الإيمان، ومنهم من يطلق عليها السنة، ومنهم من سماها الفقه الأكبر، ومنهم من أطلق عليها الشريعة، ومنهم من سماها بالعقيدة السلفية، ومنهم من سماها عقيدة أهل السنة والجماعة، والعقيدة الإسلامية، وكل الأسماء تدل على عقيدة واحدة، ومضمون واحد.

    أهيمة علم العقيدة
    لابد من تقديم علم العقيدة على غيره من العلوم في الدراسة، لما له من أهمية بالغة وامتزاجٍ قوي بالحياة لدى المسلم:
    1- فهو علمٌ يحوط صاحبه بحصانة من الشهوات والشبهات.
    فأما الشهوات فهي متعددة كثيرة، قال تعالى( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (آل عمران14) والشهوة إما أن تكون مما يحلُّ وإما أن تكون حراماً، والله سبحانه لما خلق الإنسان وأودع فيه الشهوة؛ جعل له سبيلاً إلى نيلها، فمن خرج عن السبيل الذي أجازه الله وسمح به فقد وقع في الحرام، فكيف تعصمنا عقيدة من الوقوع في الشهوات ؟
    إن المسلم عندما يعتقد بأن الله يسمع ويرى، وأنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأنه قد أوكل به ملائكة حافظين، كراماً كاتبين، وأنه أعدَّ للمؤمنين جنة ونعيماً، وللكافرين ناراً وجحيماً؛ فإنه سيراقب نفسه ويمنعها من الوقوع في الحرام، ولن تكون شهوته قائداً له.
    فإن وقع في الحرام، فإنه يسارع في التوبة خوفاً من العذاب، وطمعاً في رحمة الله ولطفه ورغبة في الثواب، فالعقيدة حصن حصين لصاحبها، تحوطه وتحميه من الشهوات، ومن الغرق فيها.
    وأما الشبهات فيقصد بها الباطل الذي يحتج عليه أصحابه بأدلة يرتضونها، وقد تكون الأدلة نقلية أو عقلية، وأصحاب الشبهات متنوعون، فمنهم أصحاب العقائد الباطنية، ومنهم أصحاب البدع القولية والعملية، ومنهم اليهود والنصارى وأصحاب العقائد الأرضية المخترعة، ومنهم الكفار الملحدون على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم، ومنهم أصحاب الأفكار المسمومة، فكيف تعصمنا العقيدة من الشبهات؟
    إن المرء عندما يعتقد بوجود الله سبحانه وبما يستحقه من ألوهية وربوبية وبما له من أسماء وصفات، يطمئن قلبه، ويعصم نفسه من العبودية لغيره سبحانه.
    وعندما يؤمن بما جاء به الوحي من غيب وشرائع، فإنه يعصم نفسه من الوقوع في الخرافات والسقوط في الظلمات.
    وعندما يعتقد بوجوب الطاعة لله فإنه يعصم نفسه من الذل والانقياد لقوانين الظلم البشرية، ولا يرضى بغير حكم الله سبحانه.
    وعندما يعتقد برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، ووجوب حبه واتباعه وتقديم شرعه على شرع من سواه، فإنه يعصم نفسه من الوقوع في حبائل الدجالين من مدَّعي النبوة، ومن الوقوع في البدع والمحدثات.
    وعندما يعتقد المسلم بعقيدة القضاء والقدر، فإنه يعصم نفسه من الوقوع في الحيرة والزندقة، ويحصن نفسه من الوقوع في حبائل أصحاب المقالات المنحرفة، وتطمئن نفسه وتُكسى بالرضى، وتُدفع للعمل.

    2- وهو علمٌ يرسم لصاحبه منهجاً واضحاً ثابتاً غير متقلِّب، وغير قابل للمداهنة والمفاوضة.
    فالمؤمن عندما يوالي في الله ويعادي في الله ويحب في الله ويبغض في الله، فإنه يوالي أولياء الله، ويعادي أعداءه، ولا يركن إليهم بالقول أو الفعل، ويرسم له ذلك طريقة واضحة في التعامل مع الناس، والناس مختلفون، فمنهم المؤمن، ومنهم العاصي، ومنهم الوالغُ في المعصية، ومنهم المبتدع، ومنهم الكافر المسالم، والكافر الحربي، ومنهم الكتابي وغير الكتابي، والمؤمن يتعامل مع كلِّ فردٍ بما يناسبه وفق منهج دقيق رسمته له عقيدته الثابتة، المأخوذة من القرآن والسنة المطهرة.

    3- تجعل عقيدة الإيمان للحياة في هذه الدنيا هدفاً، وهو الوصول إلى أعلى المنازل في الجنة، والهرب من العذاب والعقاب.
    فالمرء عندما يعتقد بما أعدَّ الله للمؤمنين في الجنة، فإنه سيصبُّ جامَ اهتمامه وكلَّ جهده للوصول إلى ما وعد الله به عباده، وعندما يعتقد برؤية وجه الله سبحانه في الجنة فإنه سيتحرَّق شوقاً إلى لقائه، وسيعمل جاهداً لدخول جنته.
    وكذلك من اعتقد بما أعدَّ الله للكافرين في النار عمل جاهداً للبعد عنها، وعن كل ما يقرب منها.

    4- وهو علمٌ يُجدِّد التفاعل مع هذه الحياة، ويملؤها بالإيجابية.
    فمن اعتقد بربوبية الله تعالى، قاده اعتقاده إلى التوحيد والعبادة، وانقلب خوفه على رزقه وعلى عياله وعلى حياته طمأنينة، فالله هو الخالق المالك المدبر (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الأعراف54)، و(هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذاريات 58).
    ومن اعتقد بأسماء الله تعالى وصفاته أثَّر ذلك في نفسه وعمله، فمن اعتقد بأن الله هو السميع البصير، خاف معصيته وأقبل على طاعته، ومن اعتقد بأنه التواب الغفور اللطيف الودود، عصمه ذلك من اليأس والقنوط، ودفعه إلى التوبة والأوبة، ومن اعتقد بأن الله هو الضار النافع المحي المميت، عصمه ذلك من الجُبن، وامتلأ قلبه شجاعة وقوة.

    5- البناء العقدي للأمة الإسلامية سبب في قوتها وثباتها، وسبب في النصر على الأعداء.
    فالمؤمن أخو المؤمن لا يخذله ولا يظلمه، ويحفظه في غيبته، وهو له كالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، والمؤمن للمؤمن كالبنيان، يشدُّ بعضه بعضاً.
    والمؤمن الذي يقاتل من منطلق عقدي؛ يؤمن بالجنة ويتمنى الشهادة، ليس كالذي يقاتل من أجل الدنيا، والذي يقاتل دفاعاً عن المقدسات والأعراض، ونشراً لدين الله، ليس كالذي يقاتل لأجل الأموال واللذات.
    هذه جملة من النقاط التي تبرز أهمية العقيدة ومدى امتزاجها بالحياة لدى المسلم، والوقت لا يتسع لبسط الحديث حول هذا الموضوع مع أهميته، ولكن يكفينا من القلادة ما أحاط بالعنق.

    منهجية طالب العلم في دراسة العقيدة

    لما كانت العقيدة علماً بالغ الأهمية والدقة، كان لزاماً أن نبين طريقة طلبه لمبتغيه والراغب في دراسته.
    ونجمل طريقة الطلب بالنقاط الآتية
    أولاً: لابد من تجريد النية لله تعالى، والإخلاص له في الطلب، يقول الإمام الهروي: "الإخلاص تصفية العمل من كل شوب"، ويقول العز بن عبد السلام "الإخلاص أن يفعل المكلف الطاعة خالصة لله وحده، لا يريد بها تعظيماً من الناس ولا توقيراً، ولا جلب نفع ديني، ولا دفع ضرر دنيوي"[2]، وقال أيوب السختياني"ما صدق عبد قط فأحب الشهرة"[3]، وقال الشافعي " "وددت أن الناس تعلموا هذا العلم يعني كتبه على أن لا ينسب إليّ منه شيء"[4].

    ثانياً: ينبغي على طالب العلم أن يبحث عن شيخ معروف بسلامة الاعتقاد، يزكيه أهل العلم ويثنون على علمه، إذ من كان شَيخُه كتابه غلب خطؤه صوابه غالباً، ومن دخل في العلم وحده خرج منه وحده، هكذا قال العلماء رحمهم الله.
    وقد يتيسر هذا الأمر لطائفة وقد لا يتيسر لآخرين، وقد يستطيع بعض الطلبة التزام مجالس الشيخ العلمية دون غيرهم، لذلك فإن ما لا يدرك كله لا يترك جلُّه، وعلى من أراد دراسة العقيدة أن يبحث في الشبكة العنكبوتية عن دروس العقيدة التي يلقيها أهل العلم المشهود لهم بسلامة المنهج والاعتقاد، ونحن في الآن في زمان تقدَّمت فيه وسائل الاتصال حتى أصبح بمقدور العاجز عن حضور الدرس أن يستمعه مباشرة من موقع عمله أو منزله إن كان بعيداً، أو استعمال برامج التواصل الحديثة، ومن لم يتأهل لمثل هذا فعليه بشراء الأشرطة والأقراص المدمجة لهذه الدروس.

    ثالثاً: عليه في المقابل أن يتباعد عن أصحاب البدع وأن يصون أذنه عن سماع كلامهم، فلربما تكلموا بكلمة وقعت في القلب، فجرَّت الوساوس وأفسدت وأضلت سامعها، يقول أبو عثمان الصابوني عن أهل السنة أصحاب الحديث " ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم، ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين، ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب ضرّت وجـرّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرّت، وفيه أنزل الله عز وجل قوله: ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ )(الأنعام 68)[5].

    رابعاً: لا تشتت نفسك في كثرة البحث عن أفضل المتون العلمية، لتبدأ بها، فأضل متن هو المتن الذي يختاره لك شيخك ليشرحه، ولاشك في أن معرفة أفضل المتون وأفضل الكتب المؤلفة في العقيدة من الأمور التي تهم الطالب، لكن المبالغة التي تمنع الطالب من البدء في القراءة والدراسة، والتي قد تقطع عليه كتاباً بدأ قراءته أمر مذموم لابد من تجاوزه.

    خامساً: لابد من التدرج في الطلب، فلا تبدأ بالمطولات، ولا بكتب الردود على أصحاب المقالات، وعليك بصغار العلم، ضبطاً وحفظاً، ثم انتقل من مرحلة إلى التي تليها بتأنٍ وصبر وثبات، حتى يكون صرحك العلمي مبنياً على أساس متين، فعن يونس بن يزيد أنه قال: قال لي ابن شهاب: يا يونس لا تكابر العلم فإن العلم أودية ، فأيها أخذت فيه قطع بك قبل أن تبلغه ، ولكن خذه مع الأيام والليالي ، ولا تأخذ العلم جملة ؛ فإن من رام أخذه جملة ذهب عنه جملة ، ولكن الشيء بعد الشيء مع الأيام والليالي"[6].

    سادساً: لا تخض في كتب أهل الكلام والفلسفة ولا تنظر فيها، فإنها مفسدة للعقل، وأنت لا تزال في أول الطريق، وليس لديك من العلم ما تدفع به الشبهات، فلربما تحملت علماً ضلَّ بك سواء السبيل، ثم إن هذه الكتب كانت من أعظم أسباب فساد الرأي لدى كثير من المسلمين، ولقد حذّر العلماء من الخوض في علم الكلام وسماعه وقراءته.
    فعن محمد بن إدريس الشافعي أنه قال " لقد اطلعت من أهل الكلام على شئ والله ما توهمته قط، ولأن يبتلى المرء بجميع ما نهى الله عنه ما خلا الشرك بالله خير من أن يبتليه الله بالكلام"[7].
    و قال الشافعي للمزني بعد أن رد عليه في مسائل في الكلام " هذا علم إن أنت أصبت فيه لم تؤجر وإن أخطأت فيه كفرت، فهل لك في علم إن أصبت فيه أجرت، وإن أخطأت لم تأثم؟ قلت: وما هو؟ قال: الفقه. فلزَمْه، فتعلمت منه الفقه، ودرست عليه"[8].
    و وروي عنه وعن أبي يوسف أنهم قالوا : من طلب الدين بالكلام تزندق[9] .
    وقال الشافعي : حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بهم في الأسواق ويقال : هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام[10].

    سابعاً: عليك بتحصيل الكتب النافعة في هذا العلم، وكتب العقيدة يمكن تقسيمها إلى ستة أصناف:
    الأول: كتب شرحت العقيدة بعبارة سهلة مفهومة لدى العامة من الناس، والخاصة من طلاب العلم، ومن أفضل ما كتب بهذه الطريقة: كتاب الإيمان للشيخ الدكتور محمد نعيم ياسين ( السلفيتي) ومجموعة الشيخ عمر سليمان الأشقر ( البرقاوي النابلسي ) رحمه الله في العقيدة، وهي سلسلة حوت ثمانية كتب متوسطة الحجم، شرح فيها عقيدة أهل السنة بطريقة سهلة مفهومة، وكتاب معارج القبول وأعلام السنة المنشورة كلاهما للشيخ حافظ الحكمي رحمه الله.
    الثاني: متون مختصرة دقيقة العبارة، تحتاج إلى شيخ لشرحها واستخراج ما فيها من علوم، ومن أشهرها وأيسرها ( لمعة الاعتقاد ) للموفق عبدالله بن أحمد بن قدامة الجماعيلي من جماعيل نابلس، وكتاب ( الاقتصاد في الاعتقاد ) لعبد الغني النابلسي، و(العقيدة السفارينية) لمحمد بن أحمد السفاريني النابلسي.
    الثالث: كتب متخصصة في مسألة أو أكثر من مسائل العقيدة، ككتاب قاعدة جليلة في التوسل، وكتاب شرح حديث النزول كلاهما لشيخ الإسلام، وكتاب العقيدة السلفية في كلام رب البرية لفضيلة الشيخ عبد الله الجديع حفظه الله.
    الرابع: كتب الردود على أصحاب المقالات، ككتاب (الرد على الجهمية والزنادقة) للإمام أحمد بن حنبل، وكتاب (منهاج السنة النبوية في الرد على الشيعة القدرية)، وكتاب (درء تعارض العقل والنقل)، وكتاب (الرد على البكري)، وكتاب (الصارم المسلول على شاتم الرسول)، و(بيان تلبيس الجهمية)كلها لشيخ الإسلام ابن تيمية. وهذا الصنف من الكتب يحتاج قبل قراءته إلى تأصيل علمي متين حتى يستطيع قارئه فهم ما فيه.
    الخامس: كتب جمعت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأقوال السلف من الصحابة ومن بعدهم في العقيدة، كـ (صحيح البخاري) و(صحيح مسلم)، وكتب السنن، و(مصنف عبد الرزاق) و(مصنف ابن أبي شيبة)، وكتاب (الشريعة) للإمام الآجري، و(الإبانة الكبرى) لابن بطة العكبري، و(شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة) لللالكائي وكتاب (السنة) لان أبي عاصم، و(السنة) لعبد الله بن أحمد، و(السنة) للخلال، و(الرد على الجهمية) لابن مندة، و(الرد على الجهمية) للدارمي، والقائمة تطول، وهذه الكتب تحتاج قبل قراءتها إلى فهم جيد لمسائل العقيدة، حتى يستطيع فهم أقوالهم والاستشهاد بها في مواضعها.
    السادس: كتب تحدثت عن المذاهب الفكرية المعاصرة، كالعلمانية والشيوعية والليبرالية والعقلانية، والمذهب الإلحادية الجديدة وغير ذلك، وممن اهتم بالتأليف في هذا المضمار، الأستاذ الدكتور محمد قطب رحمه الله، وله في ذلك كتب عديدة كـ : كتاب (مذاهب فكرية معاصرة)، وكتاب (العلمانيون والإسلام)، وكتاب (قضية التنوير في العالم الإسلامي)، وغيرها.
    والشيخ الدكتور سفر الحوالي، ومن كتبه (العلمانية نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة)، وكتاب (منهج الأشاعرة في العقيدة)، وكتاب (مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة) وغيرها.
    والأستاذ الدكتور ناصر العقل، ومن كتبه: (المدرسة العقليّة الحديثة)، و(الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة)، وكتاب (الغزو الفكريّ للعالم الإسلاميّ) وغيرها.
    والشيخ إحسان إلهي ظهير، ومن كتبه (الشيعة والسنة)، وكتاب (دراسات في التصوف)، و كتاب (القاديانية)، وغيرها.


     

    برنامج مقترح لدراسة العقيدة
     

    يبدأ طالب العلم بــــكتاب (الإيمان لمحمد نعيم ياسين ) و ( مجموعة الشيخ عمر سليمان الأشقر في العقيدة ) (العقيدة في الله، عالم الملائكة الأبرار، عالم الجن والشياطين، الرسل والرسالات،اليوم الآخر (ظ،) القيامة الصغرى وعلامات القيامة الكبرى، اليوم الآخر (ظ¢) القيامة الكبرى، الجنة والنار، القضاء والقدر) ويضبطها جيداً، ثم ينتقل منها إلى كتاب التوحيد، ويقرأ له شرحين: الأول ( فتح المجيد ) والثاني ( القول المفيد على كتاب التوحيد ).
    ثم بعد ذلك ينتقل إلى متن (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة المقدسي، ويقرأ عليه شرحين: (التعليقات على متن لمعة الاعتقاد) لعبد الله بن جبرين، و(تعليق مختصر على كتاب لمعة الاعتقاد للعثيمين).
    ويقرأ مع هذه الكتب: كتاب ( القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى ) للعثيمين، وكتاب (أسماء الله وصفاته في معتقد أهل السنة والجماعة) وكتاب )أسماء الله الحسنى الهادية إلى الله والمعرفة به) كلاهما لعمر سليمان الأشقر، وكتاب (شرح حديث النزول)، وكتاب (قاعدة جليلة في التوسل) كلاهما لشيخ الإسلام ابن تيمية.
    ثم ينتقل بعد ذلك إلى متن الواسطية لشيخ الإسلام، ويقرأ عليه شرح الشيخ محمد خليل هراس، وشرح الشيخ محمد العثيمين.
    ويقرأ معه الفتوى الحموية الكبرى لشيخ الإسلام ( وأفضل شروحها شرح الشيخ حمد التويجري ).
    ثم ينتقل إلى التدمرية ويقرأ عليها شرح الشيخ عبدالرحمن البراك، وشرح الشيخ محمد الخميس.
    ثم يقرأ العقيدة الطحاوية بعد ذلك ويهتم بها جيداً، ومن أهم شروحها شرح ابن أبي العز الحنفي، مع تعليقات ابن باز، أو الألباني، وممن شرح الشرح فضيلة الشيخ سفر الحوالي حفظه الله، وهو من أنفس الشروح وأطولها.
    ويقرأ معها متن السفارينية ومن شروحها شرح الشيخ العثيمين، وكتاب (الاقتصاد في الاعتقاد) لعبد الغني المقدسي، وكتاب ظاهرة الإرجاء للشيخ سفر الحوالي.
    ثم يقرأ بعد ذلك مجموعة من الكتب: ككتاب (الشريعة) للآجري، و(الإبانة الكبرى) لابن بطة العكبري، و(شرح أصول اعتقاد أهل السنة) لللالكائي، و(السنة) لأحمد و(السنة) لابن أبي عاصم و(السنة) لعبد الله بن أحمد بن حنبل، و(السنة) للخلال.
    فإن قرأ هذه الكتب، فإنه سيتأهل بإذن الله للقراءة في الكتب المطولة كـ :كتاب (منهاج السنة)، و(درء تعارض العقل والنقل) و(بيان تلبيس الجهمية) وغيرها.

    جهود أهل فلسطين في نشر اعتقاد السلف
    ولقد كان لعلماء فلسطين جهد عظيم في نشر معتقد السلف رضوان الله عليهم، فمن هؤلاء الأعلام :
    1- الإمام ناصح الدين أبو الفرج عبد الواحد بن محمد الأنصاري الخزرجي الشيرازي المقدسي، شيخ الإسلام في وقته، نشر الفقه الحنبلي، وأصول اعتقاد أهل السنة، والمذهب السني في القدس بلاد الشام، توفي عام 486هـ.
    2- الإمام عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي من جماعيل نابلس، صاحب الكتب الكثيرة النافعة، منها كتاب (الاعتقاد) وكتاب (الاقتصاد في الاعتقاد) وكتاب (الصفات) وغيرها الكثير، توفي عام 600هـ.
    3- الإمام الموفق أبو عمر محمد بن قدامة المقدسي، أصله من جماعيل من أعمال نابلس، صاحب الكتب النافعة الكثيرة، منها كتاب ( لمعة الاعتقاد ) وكتاب ( إثبات صفة العلو) وكتاب ( ذمُّ التأويل ) وكتاب (البرهان في مسائل القرآن ) وغيرها الكثير، توفي عام 607هـ.
    4- الحافظ ضياء الدين، محمد بن عبد الواحد المقدسي، صاحب الكتب النافعة، منها كتاب ( النهي عن سب الأصحاب ) وكتاب ( طرق حديث الحوض النبوي) و ( كتاب الإيمان ومعاني الإسلام)، وغيرها، توفي عام 643هـ.
    5- الحافظ محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي من جماعيل نابلس، صاحب كتاب (المحرر )، وكتاب ( الكلام على مسألة الاستواء على العرش) وكتاب ( أحاديث حياة الأنبياء في قبورهم ) وغيرها، توفي عام 744هـ.
    6- الشيخ أحمد بن عبد الرحمن المرداوي، صاحب كتاب (اللآلئ البهية في شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية)، توفي سنة 787هـ.
    7- الشيخ محمد بن عبد الله بن أحمد ابن المحب المقدسي، صاحب كتاب (إثبات صفة العلو)، توفي عام 789هـ.
    8- الشيخ يوسف بن أحمد ابن عمر المقدسي، صاحب كتاب ( تعليق في الصفات ) وكتاب ( الرد على بعض المتكلمين )، توفي عام 798هـ.
    9- العالم العلامة مرعي الكرمي (من طولكرم) ثم المقدسي، صاحب الكتب النافعة الكثيرة، منها: (إرشاد ذوي الأفهام لنزول عيسى عليه السلام)، وكتاب (توضيح البرهان في الفرق بين الإسلام والإيمان)، وكتاب (توقيف الفريقين على خلود أهل الدارين)، وغيرها. توفي عام 1033هـ.
    10- الشيخ أحمد بن محمد بن عوض المرداوي، صاحب كتاب (طَرفُ الطرْف في مسألة الصوت والحرف)، توفي عام 1105هـ.
    11- الشيخ الإمام محمد بن أحمد بن سالم السفاريني، من سفارين نابلس، صاحب الكتب النافعة، منها كتاب ( البحور الزاخرة في علوم الآخرة ) وكتاب ( لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية)، وغيرها. توفي عام 1188هـ[11].
    ولقد اجتهد علماؤنا في نشر العلوم النافعة والاعتقاد السليم على نهج السلف الصالح، في فلسطين، وما جاورها من بلاد المسلمين، فنفع الله بهم البلاد والعباد، ولعل ذلك أن يكون حافزاً لطلاب العلم كي يبذلوا الجهد ويسيروا على ما سار عليه أجدادهم من الجدِّ والاجتهاد في نشر هذه العلوم.
    والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
    كتبه: أ. سامح عبدالإله عبد الهادي


    ------------------------------------------------------
    [1] من مقدمة ابن الأثير لكتابه جامع الأصول
    [2] مقاصد المكلفين ص 358.
    [3] سير أعلام النبلاء، ج6، ص20.
    [4] تذكرة السامع والمتكلم، ص19.
    [5] عقيدة السلف أصحاب الحديث، ص 114-115.
    [6] جامع بيان العلم وفضله، ج1، ص359.
    [7] طبقات الشافعية للسبكي، ج1، ص453-454.
    [8] المصدر السابق، ج2، ص98.
    [9] مجموع الفتاوى، ج16، ص473.
    [10] المصدر السابق، ج16، ص473.
    [11] انظر: كتاب تاريخ المذهب الحنبلي في فلسطين، ص134 - 138.



    أ. سامح عبدالإله عبد الهادي

    صيد الفوائد
    .........................

    إن المبتدئ في طلب العلم تناسبه المختصرات السهلة كالأصول الثلاثة، وكشف الشبهات، وأعلام السنة المنشورة ( 200سؤال وجواب في العقيدة ) ونحو ذلك.
    أما المتوسط فيمكنه دراسة العقيدة الواسطية وكتاب التوحيد، وكتاب الإرشاد لصحيح الاعتقاد للشيخ الفوزان، ومختصر معارج القبول، على أن يتم ذلك بشرح مبسط مختصر.
    ثم ينتقل الطالب إلى دراسة: معارج القبول، وشرح الطحاوية، وشرح لوامع الأنوار البهية للسفاريني. وشرح الواسطية، والتدمرية، والفتاوي الحموية، وشرح كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية، وغير ذلك من الكتب.
    وقد يختلف الأمر حسب مستوى الطالب، فقد يصلح للمتوسط أحياناً دراسة بعض ما ذكرناه في المرحلة الثالثة أو دراسة مختصر له، واختيار الكتاب المناسب يخضع لعوامل أخرى، كوجود الشيخ المتمكن في تدريسه، وتوفر نسخه ونحو ذلك.
    والله أعلم.

    اسلام ويب

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×