اذهبي الى المحتوى

امانى يسرى محمد

العضوات
  • عدد المشاركات

    7662
  • تاريخ الانضمام

  • تاريخ آخر زيارة

  • الأيام التي فازت فيها

    60

مشاركات المكتوبهة بواسطة امانى يسرى محمد



  1. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:
    كلُّنا - ولله الحمد والمنة – يقرأ القرآن، ولكن ما أقلَّ تدبُّرَنا لكتاب ربِّنا تبارك وتعالى، وأين أثر التدبُّر؟ وربُّنا القائل: ﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24]، فهل هناك أقفالٌ على قلوبنا تمنعنا من تدبُّر كتاب الله تعالى؟! عباد الله.. وإنَّ أعظم المواعظ هو التذكير بكلام الله تعالى القائل: ﴿ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ق: 45].
     
    قال الله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا ﴾ [النبأ: 10]. امتنَّ الله تعالى على الناس؛ بأنْ جعل لهم الليل كاللباس؛ أي: ساتِراً يَستُر عن العيون؛ لأنه يغشاهم بسواده وظلامه؛ كما يُغَطِّي الثوبُ لابِسَه.
     
    ووجه الامتنان - في جعلِ الليلِ لِباساً: أنَّ مَنْ أرادَ عبادةَ ربِّه حيث لا يراه أحدٌ من الناس فليَقُمْ من الليل يُصلِّي، فالليل يستُره عن عيون الناس. ومَنْ أراد هرباً من عدوٍ أو تَبييتاً لعدوٍ؛ فالليل يَصلُح فيه ذلك؛ كما قال سبحانه: ﴿ إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ ﴾ [القمر: 34]. ومَنْ أراد الراحةَ والسِّترَ على نفسه فيه؛ ففيه الراحةُ والسُّكون والسِّتر. ويندفع بالليل أذى التَّعب الجسماني، وأذى البشر.
     
    في يوم القيامة يأتي الناسُ فُرادى: ﴿ وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾ [مريم: 95]. ويأتون أيضاً جماعات: ﴿ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ﴾ [النبأ: 18].
     
    والظاهِرُ أنَّ إتيانهم أفواجاً إنما هو عند النَّفخ في الصور، وعند خروجهم من القبور؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنْ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ ﴾ [يس: 51]؛ وكما في قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنْ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ﴾ [المعارج: 43]؛ وقوله: ﴿ خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنتَشِرٌ ﴾ [القمر: 7].
    وأمَّا مجيئهم فُرادى؛ فذلك عند لقاء الله تعالى للسؤال والحساب.
     
    أخبر الله تعالى بأنَّ الجِبالَ العظيمةَ لها أحوال يوم القيامة: ﴿ وَسُيِّرَتْ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ﴾ [النبأ: 20]. والسَّراب: هو الشيء الذي يَنظُرُ إليه الرَّائي من بَعيدٍ فَيَحسَبُه ماءً، وليس هو بشيء، وكذلك تكون الجبال، فتُصبِحُ الجبالُ كالعِهن، وهو الصُّوف: ﴿ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ ﴾ [القارعة: 5].
     
    وتُزاح عن أماكنها: ﴿ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً ﴾ [الكهف: 47]. وتُنْسَفُ نَسْفاً: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لاَ تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلاَ أَمْتًا ﴾ [طه: 105-107].
     
    وتَصِير كالهَباء: ﴿ وَبُسَّتْ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ﴾ [الواقعة: 5-6]؛ بل يُخَيَّلُ إلى الرَّائي أنَّ هذا جبلٌ، ولكن ليس ثَمَّ جِبال: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ﴾ [النمل: 88].
     
    هل يُكلِّمُ الله تعالى الكفارَ يوم القيامة؟ قال الله تعالى - في شأن الكفار: ﴿ أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 77]، فذَكَرَ اللهُ تعالى أنه لا يُكلِّمهم، وفي مَوطِنٍ آخَرَ كلَّمَهم اللهُ تعالى فقال لهم: ﴿ فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَابًا ﴾ [النبأ: 30].
     
    ويُجْمَع بين الأمرين؛ بأن يُقال: إنَّ قوله: ﴿ وَلاَ يُكَلِّمُهُمْ ﴾ محمولٌ على الكلام الذي ينفعهم، بمعنى لا يُكلِّمُهم كلاماً ينفعهم. وأنَّ مَواقِفَ القيامة تتعدَّد؛ فأحياناً يَحْدُثُ التكليم، وأحياناً يكون التكليم للتوبيخ والتأنيب، والتَّبشير بالعذاب.
     
    نهى اللهُ عبادَه عن التنابُزِ بالألقاب فقال سبحانه: ﴿ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ ﴾ [الحجرات:11]. فكيف يُوصَفُ ابنُ أُمِّ مكتومٍ - رضي الله عنه بـ"الأعمى" في قوله تعالى: ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى ﴾ [عبس: 1-2].
     
    فيُقال: وُصِفَ بالأعمى للإشعار بِعُذرِه في الإقدام على قَطْعِ كلامِ الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لو كان يرى ما هو مُشْتَغِلٌ به مع صَناديدِ الكفَّار؛ لَمَا قَطَعَ كلامَه. والإنسانُ إذا اشْتُهِرَ بشيءٍ ولم يُعلَمْ من حاله أنه يَتَضايقُ من هذا الوصفِ الذي وُصِفَ به فلا حرج أنْ يُنادى بهذا الوصف، ولا يُعدُّ ذلك تَنَابُزاً بالألقاب، ودلَّ على ذلك أيضاً قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَكَمَا يَقُولُ "ذُو الْيَدَيْنِ"؟» رواه البخاري، لِرَجُلٍ كان في يديه طُولٌ.
     
    وبَوَّبَ البخاري - رحمه الله - لِبَعْضِ طُرُقِ هذا الحديثِ في "كتاب الأدب" بقوله: باب مَا يَجُوزُ مِنْ ذِكْرِ النَّاسِ نَحْوَ قَوْلِهِمُ: "الطَّوِيلُ" وَ"الْقَصِيرُ". وقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا يَقُولُ "ذُو الْيَدَيْنِ"». وَمَا لاَ يُرَادُ بِهِ شَيْنُ الرَّجُلِ.
     
    قال ابن حجر - رحمه الله -: (هذه الترجمة مَعقودة؛ لبيان حُكْمِ الألقاب، وما لا يُعْجِبُ الرَّجلُ أنْ يُوصَفَ به مِمَّا هو فيه، وحاصِلُه: أنَّ اللَّقبَ إنْ كان مِمَّا يُعْجِبُ المُلَقَّب، ولا إِطراءَ فيه مِمَّا يَدخُلُ في نهي الشَّرْع فهو جائِزٌ أو مُسْتَحب، وإنْ كان مِمَّا لا يُعجِبُه فهو حرامٌ أو مكروه، إلاَّ إنْ تَعَيَّنَ طريقاً إلى التَّعريفِ به، حيثُ يَشْتَهِرُ به ولا يَتَميَّزُ عن غيرِه إلاَّ بِذِكره، ومن ثَمَّ أكثَرَ الرُّواةُ من ذِكْرِ "الأعمش" و"الأعرج" ونحوِهما...، وإلى ما ذهَبَ إليه البخاريُّ من التَّفصيل في ذلك ذهَبَ الجمهور).
     
    قال الله تعالى - في خَلْقِ الإنسان: ﴿ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ﴾ [عبس: 19-20]؛ وقال في خَلْقِ النَّبات: ﴿ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا ﴾ [عبس: 25-27].
     
    فمِنْ أوجه التَّطابقِ بين خَلْقِ الإنسان وخَلْقِ النبات: أنَّ قَذْفَ المَنيِّ في الرَّحِم في قوله: ﴿ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ ﴾؛ يُطابِقُ صَبَّ الماءِ من السماء إلى الأرض في قوله: ﴿ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ﴾. وتَيسيرُ سبيلِ الخروجِ له من بطنِ أُمَّه في قوله: ﴿ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ﴾؛ يُطابِقُ خُروجَ النَّباتِ من الأرض في قوله: ﴿ ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا ﴾. وتقديرُ خَلْقِ الإنسان وكتابةُ أجلِه ورِزقِه وعملِه وشَقِيٍّ أو سعيدٍ وكذلك تقديرُه ذكراً أو أُنثى، وتقديرُ النُّطفةِ هل هي مُخلَّقَةٌ أو غيرُ مُخلَّقة؛ يُطابِقُ أصنافَ الطعامِ التي نَبَتَتْ من الأرض في قوله: ﴿ فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً ﴾ إلى آخِرِ الآيات.
     
    الخطبة الثانية
    الحمد لله... عباد الله..
    قال اللهُ تعالى في - مَشْهَدٍ من مَشاهدِ يوم القيامة: ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ﴾ [التكوير: 1-3]؛ وقال أيضاً: ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ﴾ [الانفطار: 1-4].
     
    روى الطبري - بإسنادٍ حسن - عن أُبَيِّ بن كعبٍ - رضي الله عنه - قال: (سِتُّ آيَاتٍ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ: بَيْنَا النَّاسُ فِي أَسْوَاقِهِمْ، إِذْ ذَهَبَ ضَوْءُ الشَّمْسِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ تَنَاثَرَتِ النُّجُومُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ وَقَعَتِ الْجِبَالُ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، فَتَحَرَّكَتْ وَاضْطَرَبَتْ وَاحْتَرَقَتْ، وَفَزِعَتِ الْجِنُّ إِلَى الإِنْسِ، وَالإِنْسُ إِلَى الْجِنِّ، وَاخْتَلَطَتِ الدَّوَابُّ وَالطَّيْرُ وَالْوَحْشُ، وَمَاجُوا بَعْضُهُمْ فِي بَعْضِ ﴿ وَإِذَا الْوحُوشُ حُشِرَتْ ﴾. قَالَ: اخْتَلَطَتْ ﴿ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ﴾. قَالَ: أَهْمَلَهَا أَهْلُهَا ﴿ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ﴾. قَالَ: قَالَتِ الْجِنُّ لِلإِنْسُ: نَحْنُ نَأْتِيكُمْ بِالْخَبَرِ؛ قَالَ: فَانْطَلَقُوا إِلَى الْبِحَارِ، فَإِذَا هِيَ نَارٌ تَأَجَّجُ؛ قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ تَصَدَّعَتِ الأَرْضُ صَدْعَةً وَاحِدَةً، إِلَى الأَرْضِ السَّابِعَةِ السُّفْلَى، وَإِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ الْعُلْيَا؛ قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَتْهُمُ الرِّيحُ فَأَمَاتَتْهُمْ).
     
    وقال ابنُ القيم - رحمه الله - في حِكْمَةِ اللهِ في هَدْمِ هذه "الحياة الدنيا": (قرأَ قارِئٌ: ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ﴾ وفي الحاضِرِينَ "أبو الوفاء ابنُ عقيل"، فقال له قائلٌ: يا سيِّدي، هَبْ أنه أنْشَرَ الموتى للبعث والحساب، وزَوَّجَ النفوسَ بِقُرَنائِها بالثَّوابِ والعقاب؛ فَلِمَ هَدَمَ الأبنيةَ وسَيَّرَ الجِبالَ، ودَكَّ الأرض، وفَطَرَ السَّماءَ، ونَثَرَ النُّجومَ، وكَوَّرَ الشَّمس؟
     
    فقال: إنما بَنَى لهم الدارَ لِلسُّكنى والتَّمتُّع، وجَعَلَها وجَعَلَ ما فيها للاعتبار والتَّفكرِ والاستدلالِ عليه بِحُسْنِ التأمُّلِ والتَّذكُّر؛ فلمَّا انقضت مُدَّةُ السُّكنى وأجْلاَهم من الدار خَرَّبَها لانتقالِ السَّاكن منها. فأراد أنْ يُعلِمَهم بأنَّ الكَونَ كان مَعْموراً بهم. وفيه: إحالةُ الأحوالِ، وإظهارُ تلك الأهوالِ، وبيانُ المَقْدِرَةِ بعد بَيانِ العِزَّةِ، وتَكذِيبٌ لأهلِ الإلحادِ، وزنادِقَةِ المُنَجِّمين، وعُبَّادِ الكواكبِ والشمسِ والقمرِ والأوثان، فيَعْلَمُ الذين كفروا أنهم كانوا كاذِبين، فإذا رأَوا آلِهتَهم قد انْهَدَمَتْ، وأنَّ مَعْبوداتِهم قد انتَثَرتْ وانْفَطَرتْ، ومَحالَّها قد تَشَقَّقَتْ؛ ظهرتَ فضائِحُهم، وتَبَيَّنَ كَذِبُهم، وظَهَرَ أنَّ العالَمَ مَربوبٌ مُحْدَثٌ مُدَبَّر، له ربٌّ يُصَرِّفُه كيف يشاء، تكذيباً لِمَلاحِدَةِ الفلاسفةِ القائلين بالقِدَم. فَكَمْ لله تعالى من حِمكةٍ في هَدْمِ هذه الدار، ودلالةٍ على عِظَمِ عِزَّتِه وقُدرتِه وسُلطانِه، وانفرادِه بالرُّبوبية، وانقيادِ المخلوقاتِ بأسْرِها لِقَهْرِه، وإذعانِها لِمَشِيئتِه، فتبارك اللهُّ ربُّ العالَمين).


    د. محمود بن أحمد الدوسري

    شبكة الالوكة


  2. إفرحوا برمضان مهما كانت الظروف و إستبشروا ..
    لا تجعلوا حائط وسائل التواصل الإجتماعي مبكى عند قدومه و لا تملؤوه نحيبًا و حسرة وإحباطًا و منشورات طردنا الله من رحمته..
    أمر المؤمن كله خير ..من كان يرتاد المساجد للمكان..فهي مقفلة وقتيا!
    ومن كان يرتادها لله..فأينما تولوا فثم وجه الله.
     
     
    تذكر وأنت تعيش ساعات الحجر الصحي وحظر التجول، بسبب كورونا أن شعوبا عديدة في العالم بما تعيشه من حروب وفتن،وتشريد وتهجير،وجوع ومسغبة، يتمنون حياتك ومعيشتك،وينشدون شيئاً من الأمن الذي تعيشه،ورغد العيش الذي تتقلب فيه فاحمد ﷲ على آلائه واشكره على لطفه ورحمته واستكثر من كل عمل صالح
    Image may contain: ‎text that says '‎سمر الأرناؤوط #رسالة المحنة إذا كنا نريد أن نعرف هل فهمنا رسالة المحنة أم لا علينا أن نجيب علي سؤال مهم وبصراحة: تخيل الله تعالى كشف عنا الغمّة اليوم فهل ستتغير حياتنا عما كانت عليه من قبل المحنة؟ هل سنعود إلى تعلق قلوبنا بالدنيا تعلقا هل سنقطع علاقتنا وبالسنن من جديد؟! App Web Twitter‎'‎
     
    سألني: كم بقي على رمضان
    قلت له: بقي على رمضـان توبـة تُخلِّصك ممّا يحرمك العطاء.. ونيّة على السّبق عنوانها: (لئن بلّغتني رمضان لتَريَنّ يا ربّ ما أصنع)، وعـقدٌ ليس للشيطان فيه نصيب، فتهيّأ، فقـد اقتـرب زمـنُ القـرب:"
     
     
    اربع أدعية لا تنساها ..
    اللهُم إني أسألك حُسن الخَاتمة .
    اللهُم ارزقنيِ توبة نصوحة قبل الموت .
    اللهُم يامُقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.
    اللهُم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

    Image may contain: ‎1 person, ‎text that says '‎ElLeby Karem اتعلمنا ايه في الفترة دي اننا ممكن نفضل نخطط لسنة قدام ونظبط كل التفاصيل وننسا ان ممكن في لحظة حاجة تحصل تغير كل الخطط وكل مجريات حياتنا لمجرد ان ربنا مش رايد بعقلنا البشرى المحدود بنتخيل اننا محاطين بكم تكنولوجي وتطور علمي هايل يخلينا متوقعين اننا مستحيل حاجة توقفنا ويجى ربك يبعت في لحظة حاجة مش مرئية توقفلنا الخطط بتاعتنا ما اضعفنا وما اعظمك اعترفنا ونعترف وسنعترف ان لا حول ولا قوة الا بك‎'‎‎
     
     
    لا يرفع الله البلاء إلا بابتلاء،، وهو قادرٌ على رفعه بدونه ولكن ليميز الصفوف ويُطهّر النفوس.. ( وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ )
    عبد العزيز الطريفي
     
     
    استعاذ رسول الله ﷺ من جَهْدِ البلاء، ولم يستعذ من البلاء؛ لأن المؤمن لن يسلم من البلاء في الدنيا، فإذا دخل الجنة سَلِم من كلّ بلاء وعُوفيَ من كلّ عناء، ولذلك عندما يحمد المؤمنون الله على إدخالهم الجنة يقولون: ﴿لا يَمَسُّنا فيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فيها لُغوبٌ﴾
     
     
    قاعدة في مخالطة الناس
    عَن وُهيب بن الورد قال : قلتُ لوهب بن مُنبِّه : إني أريد أن أعتَزل النّاس، فقالَ لي : لا بدَّ لكَ من الناس وللناسِ منكَ، لكَ إليهم حَوائِج، ولهم إليكَ حَوائِج، ولكن كُن فيهم أصَمًّ سَميعًا، أَعمىً بَصيرًا، سَكوتًا نَطوقًا. {العزلة للخطابي 98}

    Image may contain: ‎‎‎فاطمة الديسي‎‎, text‎
     
     
    ما اغفلنا عن كتاب الله، وطلب العلم والعبادة..!
    كنا نعتذر قبل الحجر المنزلي بالدوام والإلتزامات الأخرى، وكنا إذا سمعنا بأن السلف كانوا يختمون في كل ثلاثة أيام أو في كل أسبوع قلنا بأنه مستحيل، أو أنهم لم يكن لديهم من الأعمال ما لدينا.. اما الآن فما هو عذرنا؟!

    Image may contain: text
     
     
    قال ابن تيمية رحمه الله : الناس في الذكر أربع طبقات: إحداها:الذكر بالقلب واللسان، وهو المأمور به الثاني :الذكر بالقلب فقط، فإن كان مع عجز اللسان فحسن، وإن كان مع قدرته فترك للأفضل الثالث :الذكر باللسان فقط، وهو كون لسانه رطبا بذكر الله الرابع :عدم الأمرين، وهو حال الخاسرين.
     
     
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يبتلي عبده المؤمن بالسقم حتى يكفر عنه كل ذنب». {صحيح الجامع 1870} قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ٰإن صبرت جرى عليك القدر وأنت مأجور، وإن جزعت جرى عليك وأنت مأثوم". رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق(9/139)
     
    Image may contain: ‎text that says '‎د.ميسره الجاروشة @maisaraonly قال لي اليوم في حديث ماتع: (قد طال البلاء رغم الاستغفار وتوجه الناس إلى ربها بالدعاء بقي أن ترد المظالم إلى أهلها لعل بها تكشف الغمة) صدق!! فلم اسمع من تناصح بها منذ بدأ الأزمة!! Android for Twitter‎'‎
     
    قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: الذي لا يقبل الحق إلا إذا وافق هواه، ويرده إذا خالف هواه، هذا مطفف، وهو أعظم من تطفيف الكيل والوزن والذرع. (شرح الكافية الشافية / ج2 / ص257).
     
     
    إذا استعجلت في صلاتك فتذكّر أن كل ماتريد لحاقه وجميع ماتخشى فواته بيد من وقفت أمامه. (علي الطنطاوي - رحمه الله-)

    Image may contain: ‎text that says '‎gamal khaled ما يحدث في العالم يثبت ان المال اقل درجات الرزق وان الصحه والستر وراحه البال درجات الرزق..‎'‎
     
    بدعاءٍ واحدٍ أغرقَ اللهُ الأرضَ انتصاراً لعبده نوح بدعاءٍ واحدٍ أصلحَ اللهُ الزوجةَ العاقر لعبدِه زكريا بدعاءٍ واحدٍ جعل اللهُ بطن الحوتِ أمناً على عبده يونس بدعاءٍ واحدٍ من إبراهيم "واجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم" صارت مكة مهوى القلوب
    ثِقْ أن الدعاء يعيد ترتيب ما تبعثر !
     
     
    إذا كانت نصوص الكتاب والسنة قد دلت دلالة صريحة ان الله يبتلي عباده بالضراء ليعودوا ويرجعوا إليه، فلماذا نعاند ونكابر؟! كل الذين كذبوا الرسل، كانوا مكابرين؛ لأنهم عاندوا الحق، وجانبوا الصدق، وجحدوه مع الإقرار في نفوسهم به. فاحذر أن تكابر وتستعلي على الحق، وأن تكتم الحق مع علمك به.

    Image may contain: ‎text that says '‎الناجي من هذا البلاء ليس هو مَن ينقضي الوباء دون أن يمرض الناجي هو من فهم الرسالة وسارع بالتوبة، وأعاد حياته.. الناجي هو من نظر حوله فأيقن أن الأمان ليس في مال يكنزه، ولا منصب مرموق يصل ولا في دولة متقدمة يعيش فيها، ولا في أسرة ينتمي إليها...ولكن الأمان الحقيقي أنه إذا رفع يديه إلى السماء قائلاً يارب اجابه الله لبيك اللهم ردنا إليك وأخرجنا من الغمة فائزین واجعل فى لطفك بنا AL‎'‎

     
     
    الخوف من عدم الثبات من أهم أسباب الثبات!
    لأنه يدفع صاحبه للحذر من أسباب السقوط.
    ويحثُّ على كثرة الدعاء لاستمداد العون من السماء
     
    تشاؤمك إعلان موت مبكر.
    واليأس صفة من صفات الكفر.
    وهما من علامات سوء الظن بالله

    Image may contain: ‎text that says '‎Gamal Khaled @khaledgamal500 يا جماعه الناس اللى هتعمل شنط رمضان توزعها بلاش تكتبوا عليها رمضان عشان متحرجوش الأب أو الأم وهوا داخل على ويعرفوا أنه مش اعملوا #شير للبوست ده علشان يوصل لاى حد يعمل كده.. م Android for Twitter‎'‎



  3.  
     

    بسم الله الرحمن الرحيم


    الحمدلله رب العالمين القائل في كتابه المبين ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه...) والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين القائل (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ماتقدم من ذنبه) وبعد:

    فيمر رمضان هذا العام ١٤٤١للهجرة والعالم يرزح تحت جائحة (كورونا) نسأل الله أن يرفع هذا الوباء ويدفع هذا الداء، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.

    وأصبح المسلمون في حظر داخل بيوتهم أخذاً بأسباب الوقاية التي قررها ولاة أمرنا وفقهم الله وسددهم.
    وأغلقت المساجد والمدارس ومصالح الناس إضطراراً ، مما أوجد الحاجة إلى ممارسة العبادات
    في هذه البيوت من صلاة للفرائض والنوافل وصيام وتلاوة وذكر وتسبيح ، وعاد الناس للمحضن الأول للتربية والتعليم 
    ألا وهو البيت .

    ولعله يكون رمضاناً إستثنائيا مميزاً في كثرة ممارسة الطاعات والعبادات وخاصة مع وجود متسع من الوقت، نسأل الله أن يبارك فيه.

    وهنا أُذكّر ببعض المقترحات لإستغلال ساعات هذا الشهر المبارك والتي لا تزيد عن ٧٢٠ ساعة!!
    فاغتنموا دقائقه وثوانيه !! ولا تفرطوا فيه .
    وقد كتب أهل العلم الفضلاء بعض التوجيهات والنصائح المناسبة لهذا الموسم المبارك انقلها لكم من كتاب رمضانيات هدية للصائمين والصائمات


    بما يتفق مع حالنا هذا الزمان والله المستعان .

    ولنعلم أن ركنا العبادة (الإخلاص لله تعالى ثم المتابعة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم)

    فالأعمال بالنيات

    جدول صائم
    المقصود من الجدول: الكيفية المثالية لاغتنام المسلم يوماً من رمضان حقاً كما ينبغي مستغلاً كل ساعة فيه بأداء طاعة وعبادة أو نفع متعدي للآخرين يتقرب به إلى الله تعالى راجياً بذلك الأجر والثواب .
    قال ابن مسعود رضي الله عنه (ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي)

    الوقت في حياة المسلم .
    قال الإمام النخعي رحمه الله يصف يوماً من رمضان : (صوم يوم من رمضان أفضل من ألف يوم، وتسبيحة فيه أفضل من ألف تسبيحة، وركعة فيه أفضل من ألف ركعة) لطائف المعارف .
    فاليوم الواحد من رمضان يعد فرصة سانحة ومجالاً واسعاً للتقرب إلى الله بأنواع من الطاعات وتنوع العبادات فيكون الأجر الأعظم والثواب أكبر .
    فيا أخي المسلم : "إن استطعت ألا يسبقك أحد إلى الله في هذا الشهر فافعل" فاللهم إني أسألك خير ما في هذا اليوم من رمضان فتحه ونصره ونوره وبركته وهداه، وصلى الله على نبينا محمد وسلم تسليماً كثيراً .

    البرنامج المقترح قبل الفجر :
    ـ صلاة التهجد ولو ركعتين، قال الله تعالى :{أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه} .
    صلاة الوتر .
    وقال صلى الله عليه وسلم: (من استيقظ من الليل وأيقظ أهله فصليا ركعتين جميعاً كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه .
    السحور مع استشعار نية التعبد لله تعالى وتأدية السنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تسحروا فإن في السحور بركة) متفق عليه .
    الدعاء والاستغفار حتى أذان الفجر، قال الله تعالى : (وبالأسحار هم يستغفرون) .
    وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح .

    البرنامج المقترح بعد طلوع الفجر :
    ـ أداء سنة الفجر بعد إجابة المؤذن، قال صلى الله عليه وسلم: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) رواه مسلم .
    ـ صلاة الصبح، في وقتها مع الأهل والأبناء ، والتوجيه التربوي المناسب في مصلى المنزل.
    ـ الانشغال بالدعاء أو الذكر أو قراءة القرآن حتى إقامة الصلاة، قال صلى الله عليه وسلم (الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة) رواه أحمد والترمذي وأبو داود .
    ـ الجلوس في المصلى للذكر ومنه أذكار بداية اليوم إلى طلوع الشمس فقد كان صلى الله عليه وسلم (إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء) رواه مسلم .
    ونص الفقهاء على استحباب إحياء هذا الوقت بالذكر. قال الإمام النووي رحمه الله (اعلم أن أشرف أوقات الذكر في النهار الذكر بعد صلاة الصبح) .
    الأذكار للنووي
    وهي عادة السلف رضي الله عنهم أجمعين .
    ـ صلاة ركعتين مستشعراً ثواب وأجر عمرة وحجة تامة، قال صلى الله عليه وسلم: (من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة) رواه الترمذي.
    ـ ثم الدعاء بأن يبارك الله في يومك، قال صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أسألك خير ما في هذا اليوم فتحه ونصره ونوره وبركته وهـــداه، وأعــــوذ بك من شـــــر ما فيه وشـــــر ما بعده) رواه أبو داود
    ـ استصحاب نية الخير طوال اليوم الرمضاني .

    البرنامج المقترح بعد ذلك :
    1ـ النوم مع الاحتساب فيه، قال معاذ رضي الله عنه(إني احتسب في نومتي كما احتسب في قومتي).

    الانشغال بذكر الله تعالى طوال اليوم، قال صلى الله عليه وسلم: (ليس يتحسر أهل في الجنة إلا على ساعة مرت بهم ولم يذكروا الله تعالى فيها) رواه الطبراني .
    صدقة اليوم، مستثمراً دعاء الملك (اللهم أعط منفقاً خلفاً) ويمكن ذلك عن طريق الوسائل والتطبيقات الحديثة.

    البرنامج المقترح بعد الظهر :
    ـ إجابة المؤذن وصلاة الظهر في وقتها جماعة مع التبكير للحضور للمصلى وصلاة النوافل القبلية والبعدية.
    ـ أخذ قسط من الراحة مع نية صالحة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (وإن لبدنك عليك حقاً) .

    البرنامج المقترح بعد العصر :
    ـ صلاة العصر مع الحرص على صلاة أربع ركعات قبلها، قال النبي r (رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً) رواه أبو داود والترمذي .
    ـ وعظ الأهل والأبناء أو القراءة من كتاب في الأحكام أو التوجيه أو ماشابهه .

    برنامج منوع :
    الجلوس في المصلى لذكر الله أو قراءة الجزء اليومي للختمة .
    المطالعة الإيمانية والتربوية في كتب الرقائق وفضائل الأعمال الصالحة .
    الاهتمام بشؤون المنـزل والعائلة.
    خدمة عامة ومساعدة مع الأهل .

    برنامج قبيل المغرب :
    ـ الانشغال بالدعاء قبيل الغروب ـ فردي ـ أو مع العائلة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (ثلاثة لا ترد دعوتهم وذكر منهم الصائم حتى يفطر) أخرجه الترمذي .

    برنامج بعد غروب الشمس :
    ـ أداء صلاة المغرب جماعة في المصلى مع التبكير والدعاء بين الأذان والإقامة حتى تقام الصلاة .
    ـ الجلوس في المصلى وقول أذكار المساء مع تأدية السنة بعد المغرب .
    ـ الاجتماع مع الأهل على مائدة الإفطار وإدخال السرور على الأولاد (مع شكر الله تعالى على إتمام صيام ذلك اليوم على خير وتقوى) .
    ـ الاستعداد لصلاة العشاء والتراويح بالوضوء والتطيب .

    البرنامج المقترح بعد العشاء :
    ـ صلاة العشاء جماعة في المصلى.
    ـ صلاة التراويح مع الإبناء والأهل.
    ـ الجلسة العائلية: جلسة شاي ـ درس تربوي ـ مشاهدة المفيد من البرامج المناسبة.

    البرنامج المنوع في ليالي رمضان :
    التواصل بالهاتف مع (أقارب ـ صديق ـ جار) ممارسة النشاط الدعوي الرمضاني بالتقنيات الحديثة والمحاضرات عن بعد.
    مطالعة شخصية ـ مذاكرة ثنائية (أحكام ـ آداب ـ رقائق) .
    درس عائلي ـ تربية ذاتية ـ رياضة بدنية ـ السمر الرمضاني الهادف ـ الاشتراك في الدورات التدريبية والمهارات الإدارية كالحاسب الآلي عن طريق وسائل التواصل التي أثبتت جدواها في هذه الأزمة ـ نشاط دعوي للأقرباء والأرحام وغيرها من الأنشطة الذاتية والجماعية الهادفة .
    مع الحرص على الأجواء الإيمانية واقتناص فرص الخير في هذا الشهر الكريم .

    أذكار تهم الصائمين

    المسلم يذكر ربه على كل حال وفي كل وقت وزمان، والأدعية والأذكار عبادة لله وحده نحتسب أجرها، ونسير على هدي المصطفى في ذكرها، وهناك أدعية وأذكار مطلقة، وغيرها مقيد بزمان أو مكان أو عدد .
    والأعمال والأذكار في رمضان خاصة تحتاج منا إلى مزيد عناية وكثير اهتمام مع النية الصادقة والاتباع الصحيح والاحتساب في كل ما نعمله أو نقوله .

    وهذه الكلمات تذكير بما ينبغي لنا الإكثار منه في هذا الشهر الفضيل والمبارك، فنقول وبالله التوفيق :

    عليك أخي الصائم ، أختي الصائمة، بالمحافظة على :

    ـ الأذكار عند الاستيقاظ من النوم ـ أذكار الصباح ـ أذكار دخول الخلاء ثم الخروج منه ـ الذكر عند سماع المؤذن وبعد الأذان ـ الذكر قبل الوضوء وبعده ـ أذكار الخروج من المنـزل والدخول إليه ـ أذكار دخول المسجد ، الخروج منه ـ الدعاء بين الأذان والإقامة، قال صلى الله عليه وسلم: (الدعاء لا يُرد بين الأذان والإقامة) صحيح الترمذي 3/581 .

    أذكار الصلاة :
    (دعاء الاستفتاح في الركعة الأولى فقط) وهو سنة وله عدة صيغ منها : "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك" أو يقول "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب. اللهم نقني من خطاياي كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني بالماء والثلج والبرد" .
    (الاستعاذة قبل قراءة الفاتحة) ومن صيغها : "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" أو "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه" (في الركعة الأولى) ثم يقول : "بسم الله الرحمن الرحيم" .
    (ثم يقرأ الفاتحة في كل ركعة) وهي ركن لا تصح الصلاة بدونها ـ وإذا كان لا يجيد قراءتها فيقرأ ما تيسر من القرآن فإن لم يستطع فإنه يقول "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله" ويجب عليه تَعَلّم الفاتحة .
    (يقول في الركوع) "سبحان ربي العظيم" ويسن تكرارها ثلاثاً أو يقول : "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي" أو يقول "سُبُوح قدوس رب الملائكة والروح" .
    (يرفع من الركوع قائلاً) "سمع الله لمن حمده" ويقول بعد أن يستوي قائماً "ربنا لك الحمد" أو "ربنا ولك الحمد" أو "اللهم ربنا لك الحمد" أو "اللهم ربنا ولك الحمد" ويسن أن يقول بعدها "ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد" .
    (يقول في السجود) "سبحان ربي الأعلى" يكررها ثلاثاً ويسن أن يقول : "سبوح قدوس رب الملائكة والروح" أو يقول "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي" ثم يدعو بما شاء" . مثل "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك" .
    (ويقول بين السجدتين) "رب اغفر لي" ويسن أن يقول "رب اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني واهدني واجبرني" .
    (يقول في التشهد الأول) "التحيات لله والصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد ألاّ إله إلاّ الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله" .
    (ويقول في التشهد الأخير) "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد" .

    ولنحافظ على الأذكار بعد الصلاة .

    ـ وقراءة القرآن الكريم، كلام الله سبحانه وتعالى، قال صلى الله عليه وسلم : (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول "آلم" حرف ، بل ألفٌ حرف ولامٌ حرف وميمٌ حرف) رواه الترمذي 2192 وقال حديث حسن صحيح .

    ـ دعاء سجود التلاوة (سجد وجهي للذي خلقه، وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، فتبارك الله أحسن الخالقين) صحيح الترمذي 1/180 .
    (اللهم اكتب لي بها عندك أجراً، وضع عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود) حسن صحيح الترمذي 1/180 .

    ـ الدعاء أثناء الصيام حيث أنه مستجاب قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث لا ترد دعوتهم، الصائم حين يفطر، الإمام العادل، ودعوة المظلوم) ـ حسن الصحيح المسند من أذكار اليوم والليلة .
    قول النبي صلى الله عليه وسلم : (إني صائم، إني صائم) إذا سابك أحد أو خاصمك. متفق عليه.

    ـ ولا ننسى أذكار المساء .

    ـ أما دعاء الصــــائم عنـــد فطــره : (ذهب الظمـــأ وابتلت العـــروق وثبــت الأجر إن شاء الله) . حسن صحيح سنن أبي داود2/449 .

    ـ دعاء الصائم إذا أفطر عند قوم : (أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار، وتنزلت عليكم الملائكة) . رواه أحمد وصححه الألباني صحيح الجامع 4/449 .

    ـ دعاء استفتاح صلاة الليل : (كان صلى الله عليه وسلم يقول إذا قام إلى الصلاة في جوف الليل: (اللهم لك الحمدُ أنت نور السماوات والأرض، ولك الحمد أنت قيَّام السماوات والأرض ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، ولقاءك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمتُ وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمـــت، فاغفــــر لي مـا قـــدمـــتُ وأخـــــرت وأســــررت وأعلنـــت، أنــــت إلهـي، لا إله إلا أنت) متفق عليه .

    (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل : (اللهم ربّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختُلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) رواه مسلم 1/534 .

    دعاء القنوت : (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعزُّ من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت ، لا منجا منك إلاّ إليك) صحيح الترمذي 1/144 .

    (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك) صحيح ابن ماجه 1/194 .

    (اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، إن عذابك بالكافرين مُلحق، اللهم إنا نستعينك، ونستغفرك، ونثني عليك الخير، ولا نكفرك، ونؤمن بك ونخضع لك، ونخلع من يكفرك) وهذا موقوف على عمر رضي الله عنه الإرواء 2/171ـ824 .

    ـ دعاء ليلة القدر : (اللهم إنك عفوّ تحب العفو، فاعف عني) صحيح ابن ماجه 2/328.

    ـ الذكر بعد السلام من الوتر (سبحان الملك القدوس) ـ ثلاث مرات متتالية يجهر بها ويمد بها صوته ـ ويقول في الثالثة : (رب الملائكة والروح) . قيام الليل للألباني .

    شهر القرءان
    والوقت مناسب لختم القرءان مرات ومرات فاغتنموا هذه الساعات.

    وأختم بهذه
    التوجيهات للصائمين والصائمات()

    أخي المسلم :

    صم رمضان إيماناً واحتساباً لله تعالى ليغفر لك ما مضى من ذنوبك.
    احذر أن تفطر يوماً من رمضان لغير عذر؛ فإنه من كبائر الذنوب.
    قم ليالي رمضان لصلاة التراويح والتهجد ـ ولاسيما ليلة القدر منه ـ إيماناً واحتساباً ليغفر لك ما تقدم من ذنبك .
    ليكن طعامك وشرابك ولباسك حلالاً؛ لتقبل أعمالك، ويستجاب دعاؤك. واحذر أن تصوم عن الحلال ثم تفطر على الحرام .
    فطِّر عندك بعض الصائمين لتنال مثل أجرهم .
    حافظ على الصلوات الخمــس في أوقاتــها لتنــل ثوابـها ويحفظك الله بها.
    أكثر من الصدقة فإن أفضل الصدقة صدقة في رمضان .
    احذر أن تضيع أوقاتك بدون عمل صالح فإنك مسؤول عنها ومحاسب عليها ومجزي على ما عملت فيها .
    استعـــن علـى صيـام النهـــار بالسحــور في آخـر جـزء من الليــل مــا لم تخــش طلوع الفجــر .
    عجل الفطر بعد تحقق غروب الشمس لتنال محبة الله لك .
    اغتسل من الجنابة قبل الفجر لتؤدي العبادة بطهارة ونظافة .
    انتهز فرصة وجودك في رمضان واشغله بخير ما أنزل فيه؛ وهو تلاوة القرآن الكريم بتدبر وتفكر ليكون حُجة لك عند ربك وشفيعاً لك يوم القيامة .
    احفظ لسانــــك عن الكذب واللعـــــن والغيبــــــــة والنميمـــــــة فإنها تنقــــص أجر الصيام .
    لا يخرجك الصيام عن حدك فتغضب لأتفه الأسباب بحجة أنك صائم بل ينبغي أن يكون الصيام سبباً في سكينة نفسك وطمأنينتها .
    أخرج من صيامك بتقوى الله تعالى ومراقبته في السر والعلانية وشكر نعمه، والاستقامة على طاعته بفعل جميع الأوامر وترك جميع النواهي .
    أكثر من الذكر والاستغفار وسؤال الجنة والنجاة من النار في رمضان وغيره، ولاسيما إذا كنت صائماً وعند الفطر وعند السحور، فإنها من أهم أسباب المغفرة.
    أكثر من الدعاء لنفسك ولوالديك وأولادك وللمسلمين فقد أمر الله بالدعاء وتكفل بالإجابة .
    تب إلى الله تعالى توبةً نصوحاً في جميع الأوقات بترك المعاصي والندم على ما سلف منها والعزم على عدم العودة إليها في المستقبل فإن الله يتوب على من تاب.
    صم ستّاً من شوال، فمن صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر كله.
    صم يـــــــوم عرفة التاســـع من ذي الحجــة لتفوز بتكفير ذنوب السنة الماضية والسنة الآتية.
    صم يوم عاشوراء العاشر من شهر محرم مع التاسع لتفوز بتكفير ذنوب سنة.
    استمر على الإيمان والتقوى والعمل الصالح بعد رمضان حتى تموت {واعبُد ربك حتّى يأتيك اليقين} .
    لتظهر عليك آثار العبادات من صلاة وصوم وزكاة وحج؛ بالتوبة النصوح وترك العادات المخالفة للشرع .
    أكثر من الصلاة والسلام على رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين .

    اللهم اجعلنا وجميع المسلمين ممن صام رمضان وقامه إيماناً واحتساباً فغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
    اللهم اجعلنا ممن صام الشهر واستكمل الأجر وأدرك ليلة القدر وفاز بجائزة الرب تبارك وتعالى .
    اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا .
    ربنا تقبَّل منَّا إنك أنت السميع العليم، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
     


    عبدالله بن أحمد آل علاّف الغامدي
    مكة المكرمة
    العزيزية
    ٢٢ / ٨ / ١٤٤١ هـ

    صيد الفوائد

     

     

  4. الخطبة الأولى:

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدِ، ومن يُضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وتركنا على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالكٌ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبعه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}آل عمران: 102.

    {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}النساء: 1.

    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}الأحزاب: 70-71.

    عباد الله: إن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، أجارني الله وإياكم من البدع والضلالات.

    أيها الناس: اتقوا الله واعلموا أن الله وحده له الخلق والأمر فلا خالق إلا الله، ولا مدبر للخلق إلا الله، ولا شريعة للخلق سوى شريعة الله، فهو الذي يوجب الشيء ويحرمه، وهو الذي يندب إليه ويحلله، ولقد أنكر الله على من يحللون ويحرمون بأهوائهم، فقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ * وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}يونس: 59- 60،

    ويقول تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}النحل: 116-117.

    أيها الناس: إن من أكبر الجنايات أن يقول الشخص عن شيء إنه حلال وهو لا يدري عن حكم الله فيه، أو يقول عن الشيء إنه حرام وهو لا يدري عن حكم الله فيه، أو يقول عن الشيء إنه واجب وهو لا يدري أن الله أوجبه، أو يقول عن الشيء إنه غير واجب وهو لا يدري أن الله لم يوجبه.

    إن هذا جناية وسوء أدب مع الله -عز وجل- كيف تعلم أن الحكم لله ثم تتقدم بين يديه فتقول في دينه وشريعته ما لا تعلم. لقد قرن الله -تعالى- القول عليه بلا علم بالشرك به فقال سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}الأعراف: 33.

    قال ابن القيم -رحمه الله-: (وقد حرم الله –سبحانه- القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء، وجعله من أعظم المحرمات بل جعله في المرتبة العليا منها، فقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} فرتب المحرمات أربع مراتب وبدأ بأسهلها وهو الفواحش، ثم ثنى بما هو أشد تحريماً منه وهو الإثم والظلم، ثم ثلث بما هو أعظم تحريماً منهما وهو الشرك به –سبحانه-، ثم ربع بما هو أشد تحريماً من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم، وهذا يعم القول عليه -سبحانه- بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه، وقال تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} فتقدم إليهم سبحانه بالوعيد على الكذب عليه في أحكامه، وقولهم لما لم يحرمه هذا حرام، ولما لم يحله هذا حلال، وهذا بيان منه -سبحانه- أنه لا يجوز للعبد أن يقول: هذا حلال وهذا حرام إلا بما علم أن الله سبحانه أحله وحرمه.

    وقال بعض السلف: ليتق أحدكم أن يقول: أحل الله كذا وحرم كذا، فيقول الله له: كذبت لم أحل كذا ولم أحرم كذا، فلا ينبغي أن يقول لما لا يعلم ورود الوحي المبين بتحليله وتحريمه أحله الله وحرمه الله لمجرد التقليد أو بالتأويل)(1).

    أيها الناس: إن كثيراً من العامة يفتي بعضهم بعضاً بما لا يعلمون فتجدهم يقولون: هذا حلال أو حرام أو واجب أو غير واجب وهو لا يدري عن ذلك، أفلا يعلم هذا الرجل أن الله سائله عما قال يوم القيامة. أفلا يعلم أنه إذا أضل شخصاً فأحل له ما حرم الله أو حَرَمه مما أحلّ الله له فقد باء بإثمه وكان عليه مثل وزر ما عمله من إثم بسبب فتواه؟

    إن بعض العامة إذا رأى شخصاً يريد أن يستفتي عالماً يقول له: ليس هناك حاجة أن تستفتي؟ هذا واضح. هذا حرام، مع أنه في الواقع حلال فَيحْرِمُه ما أحل الله له.

    أو يقول: هذا واجب فيُلْزمه بما لم يلزمه الله به، أو يقول: هذا غير واجب فيسقط عنه ما أوجب الله عليه، أو يقول: هذا حلال وهو في الواقع حرام فيوقعه فيما حرم الله عليه، وهذا جناية منه على شريعة الله وخيانة لأخيه المسلم حيث غره بدون علم.

    لو أن شخصاً سأل عن طريق بلد من البلدان فقلت: الطريق من هنا وأنت لا تعلم لعد الناس ذلك خيانة منك وتغريراً، فكيف تتكلم عن طريق الجنة وهو الشريعة التي أنزل الله وأنت لا تعلم عنها شيئاً.

    وإن بعض المتعلمين يقعون فيما يقع فيه العامة من الجرأة على الشريعة في التحليل والتحريم والإيجاب فيتكلمون فيما لا يعلمون ويُجْمِلون في الشريعة ويفصلون وهم من أجهل الناس في أحكام الله، إذا سمعتَ الواحد منهم يتكلم فكأنما ينزل عليه الوحي من جزمه فيما يقول وعدم تورعه، لا يمكن أن ينطق بلا أدري أو لا أعلم، مع أن عدم العلم هو وصفه الحق الثابت، وهذا أضر على الناس من العامة لأن الناس ربما يثقون بقوله ويغترون به، وليت هؤلاء يقتصرون على نسبة الأمر إليهم لا بل تراهم ينسبون ذلك للإسلام فيقول: الإسلام يقول كذا، الإسلام يرى كذا، وهذا لا يجوز إلا فيما علم القائل أنه من دين الإسلام، ولا طريق إلى ذلك إلا بمعرفة كتاب الله وسنة رسوله أو إجماع المسلمين عليه.

    إن بعض الناس لجرأته وعدم ورعه يقول عن الشيء المحرم الواضح تحريمه: ما أظن هذا حراماً، أو عن الشيء الواجب الواضح وجوبه: ما أظن هذا واجباً، إما جهلاً منه أو عناداً أو مكابرة أو تشكيكاً للناس في ذلك.

    أيها الناس: إن من العقل وإن من الإيمان وإن من تقوى الله وتعظيمه أن يقول الرجل عما لا يعلم لا أعلم لا أدري اسأل غيري، فإن ذلك من تمام العقل، لأن الناس إذا رأوا تثبته وثقوا به، ولأنه يعرف قدر نفسه حينئذ وينزلها منزلها، وإن ذلك من تمام الإيمان بالله حيث لا يتقدم بين يدي ربه ولا يقول عليه ما لا يعلم.

    نسأل الله أن يفقهنا في ديننا ويعلمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا، قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، والحمد لله رب العالمين.


    الخطبة الثانية:

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين، وخير من بعث ربه رحمة للعالمين، نبينا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

    فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأل عما لم ينزل عليه فيه الوحي فينتظر حتى ينزل عليه الوحي فيجيب الله -سبحانه- عما سئل عنه نبيه: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ}المائدة: 4، {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا}الكهف:83، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} الأعراف:187.

    ولقد كان الأجلاء من الصحابة تعرض لهم المسألة لا يدرون حكم الله فيها فيهابونها ويتوقفون فيها، فها هو أبو بكر يقول: "أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا أنا قلت في كتاب الله بغير علم"(2).

    وها هو عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- تنزل به الحادثة فيجمع لها الصحابة ويستشيرهم فيها، وقال ابن سيرين: لم يكن أحد أهيب بما لا يعلم من أبي بكر، ولم يكن أحد بعد أبي بكر أهيب بما لا يعلم من عمر(3).

    وقال ابن مسعود: (أيها الناس من سئل عن علم يعلمه فليقل به، ومن لم يكن عنده علم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم)(4).

    وسئل الشعبي عن مسألة فقال: (لا أدري، فقيل: له ألا تستحي من قولك لا أدري، وأنت فقيه أهل العراق، فقال: لكن الملائكة لم تستحي حين قالوا: لا علم لنا إلا ما علمتنا)(5).

    وجاء رجل إلى مالك بن أنس أحد الأئمة الأربعة فقال: يا أبا عبد الله جئتك من مسافة بعيدة في مسألة حمّلني إياها أهل بلدي لأسألك. فقال: فسل. فسأله فقال: لا أحسنها. فبهت الرجل فقال: ماذا أقول لأهل بلدي إذا رجعت إليهم قال: تقول لهم: قال مالك: لا أحسن.

    وكان الإمام أحمد يسأل عن المسألة فيتوقف أو يقول: لا أدري، أو يقول: سل غيري أو سل العلماء أو نحو ذلك(6).

    فاتقوا الله أيها المسلمون: ولا تقولوا في دين الله ما لا تعلمون: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}الأنعام: 144.

    اللهم اعصمنا من الزلل ووفقنا لصواب القول والعمل، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين إنك أنت الغفور الرحيم.

    اللهم اجعلنا من عبادك المخلصين، وأوليائك المقربين، اللهم تقبل منا أعمالنا، وغفر لنا زلاتنا، وتجاوز عن سيئاتنا، يا غفور يا رحيم.

    ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، والحمد لله رب العالمين.


    1 – إعلام الموقعين (1/38-39).

    2 – إعلام الموقعين (1/54).

    3 – إعلام الموقعين (1/54).

    4 – تفسير ابن كثير (4/57).

    5 – إعلام الموقعين (4/218).

    6 – راجع: إعلام الموقعين (1/33).


    موقع امام المسجد

  5.  
     
    في أحلك الظروف يجب أن تنظر من زاوية أخرى شديدة الاتساع متفائلة جدًّا، تخيل معي لحظة والنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ومعه المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم، وهم محاصرون من قِبَلِ ألد أعدائهم، يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بحفر الخندق ليكون سببًا في حفظ الله لهم من أعدائهم؛ يقول البراء رضي الله عنه: ((لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحفر الخندق، عرض لنا فيه حجر لا يأخذ فيه المعول، فاشتكينا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى ثوبه، وأخذ المعول وقال: بسم الله، فضرب ضربةً فكسر ثلث الصخرة، قال: الله أكبر، أُعطيتُ مفاتح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الآن من مكاني هذا، قال: ثم ضرب أخرى وقال: بسم الله، وكسر ثلثًا آخر، وقال: الله أكبر، أُعطيتُ مفاتح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن، ثم ضرب الثالثة، وقال: بسم الله، فقطع الحجر، قال: الله أكبر، أُعطيتُ مفاتح اليمن، والله إني لأبصر باب صنعاء))[1]، وما هي إلا سنوات وفُتحت الشام والعراق وفارس واليمن.

    الله أكبر، لم يكن هذا الحدث عاديًّا؛ إنه لتعليم الأمة أن تتربى على التفاؤل، وأن الأحداث المؤلمة ستنتهي، ويأتي بعدها الخير الكثير ما دمت متفائلًا، تظن بخالق الكون وما يجري فيه ظنًّا حسنًا.

    وفي صلح الحديبية لما فرغ من قضية الكتاب الذي كانت وقعته شديدة على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إنه لما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قوموا فانحروا ثم احلقوا، قال الراوي: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد -لشعورهم والله أعلم بأنه غبنوا - قال الراوي: فقام صلى الله عليه وسلم فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحب ذلك؟ اخرج، ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمةً، حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك؛ نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأَوا ذلك قاموا، فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًّا... ثم رجع إلى المدينة، وفي مرجعه أنزل الله عليه: ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا ﴾ [الفتح: 1 - 3]، فقال عمر: أوَفتحٌ هو يا رسول الله؟ (فكأن الأمور والأحداث حوله لا تشير بذلك)، قال صلى الله عليه وسلم: نعم، فقال الصحابة: هنيئًا لك يا رسول الله، فما لنا؟ فأنزل الله عز وجل: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الفتح: 4][2]))، الله أكبر... تبين بعد ذلك أن الفتح المذكور هو صلح الحديبية؛ إذ اتسعت بعده دائرة الدعوة لدين الله عز وجل، ودخل الناس في دين الله أفواجًا؛ فلذا سماه الله فتحًا مبينًا؛ أي: ظاهرًا جليًّا؛ ولهذا عندما يقدر الله أمرًا من الأمور الكونية أو الشرعية يجب على المؤمن أن يجزم بأن تقدير الله هو الخير بعينه[3]، وليس خيرًا فقط بل هو خير كثير.

    بل أعظم من ذلك دلت السورة والقصة على أنه في حالة الصعوبات والابتلاءات لا يترك الله المؤمنين وحدهم، بل يثبتهم وينزل عليهم السكينة والطمأنينة والنصر والفتح والخير، حتى لو كان ظاهر الحال غير ذلك.


    لكن يا تُرى ماذا يريد الله من الأمة حين يبتليها؟

    إنه يريد الانكسار وشدة التضرع إليه ودعاءه والالتجاء إليه، قف معي على هذا المشهد في غزوة بدر وعدد المشركين وقوتهم المادية الظاهرة أضعاف ما عليه المسلمون، وحينما يحمى الوطيس يقف بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم كما يروي ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((حدثني عمر بن الخطاب، قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلًا، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه، فجعل يهتف بربه: اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتِ ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تُعبَد في الأرض، فما زال يهتف بربه مادًّا يديه مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه، فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك؛ فإنه سينجز لك ما وعدك؛ فأنزل الله عز وجل: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ [الأنفال: 9]، فأمده الله بالملائكة))[4].


    فتأمل: قوله: ((مادًّا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه))؛ أي: والله أنجز الله وعده لنبيه صلى الله عليه وسلم، ونصر عبده، وهزم جموع المشركين وحده.


    يريد الله أن نعود إليه ونكثر من استغفاره؛ ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33]، يريد الله أن يتوب علينا؛ ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 27].


    فيا أيها المبارك، لتكن دائم الارتباط بالله تعالى، خصص جزءًا من وقتك لمناجاة خالقك واستغفاره، والتزم طاعته، وتوج ذلك بصدقات مخفية، حفظنا الله وإياك من كل سوء ومكروه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى وآله وصحبه وسلم.



    [1] أخرجه النسائي (8807)، وأحمد (18694)، وغيرهما، وضعَّف إسناده محققو طبعة الرسالة (30/ 626).

    [2] أخرجه البخاري في صحيحه (2731)، وانظر حديث أنس بن مالك: أخرجه البخاري في صحيحه (4172)، ومسلم في صحيحه (1786).

    [3] تفسير السعدي (ص: 791).

    [4] أخرجه مسلم في صحيحه (1763).


    د. صغير بن محمد الصغير
    شبكة الالوكة


     



  6.  الفرق بين الإبل – الجمل - الجمالة - الناقة - البعير - العير

    بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد
    قال تعالى (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) يقول الله جل شأنه (حتى يلج الجمل في سم الخياط) وقال عز وجل (كأنه جمالة صفر) وقال تعالى (فعقروا الناقة ..) وقال تعالى (ونزداد كيل بعير) وقال تقدس اسمه (ولما فصلت العير) فجاءت هذه الآيات بألفاظ (الإبل – الجمل - الجمالة - الناقة - البعير - العير) فما الفرق بين هذه الألفاظ في سياق القرآن الكريم وهل تتساوى في التعبير القرآني و تتكافأ ، بالتأمل لكتاب الله تعالى نجد أن التعبير القرآني يزاوج بين هذه الألفاظ ، ويضع كل لفظة في مكانها المناسب ، فدعونا نتحاكم لبلاغة كتاب الله عز وجل بداية التعبير القرآني جاء موافقا لقواعد اللغة العربية وسننها ونظامها ، فالقرآن الكريم يحدث العرب ويكلمهم بما يعرفون ويشاهدون في بيئتهم ، وهذه سنة القرآن الكريم في خطابه للعرب ، وثمة أمر آخر وهو لا بد من معرفة سياق الآية المعنية بالتدبر والتأمل والرجوع لأقوال أهل التفسير فيها ، ومن هنا يتجلى شيء من لطائف الآية المعنية بالتدبر


    الإبل : اسم جامع لكل أصناف هذا المخلوق فالجمل والناقة والبعير والعير وغيرها كل هذه من الإبل ، والإبل من حيث اللغة اسم جنس يشمل الجميع لا واحدة له من لفظة ، حيث دعا الله عز وجل للتفكر والنظر في خلق الإبل وعظم هيئتها وطريقة عيشها وتكاثرها وما أعطاها الله من مميزات في تأقلمها مع الصحاري والقفار وغير ذلك فقال (أفلا ينظرون إلى الإبل)

    والجمل : بفتح الجيم والميم هو الفحل والذكر من الإبل ولا يطلق عليه جملا إلا إذا كان عظيم الهيئة والخلقة مهيبًا في خلقة وحجمه معدًا للتلقيح ، والله عز وجل علق دخول الكفار الجنة بولوج هذا الجمل المهيب الخلقة في سم الخياط وهذا تيئيس للكفار بدخول الجنة فقال (ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) وجاء تفسير الجمل في الآية بالحيوان المعروف وهو قول أكثر اهل التفسير واختاره ابن جرير رحمه الله ، وهذا التفسير موافقا لحال العرب وفهمهم ومنسجم مع لغتهم ، ذلك أن القرآن يخاطبهم بما يرون في بيئتهم ويشاهدون ، وجاءت قراءة عن ابن عباس (الجُمَّل) وهو الحبل الغليظ الذي تشد به السفن

    والجمالة : هي جمع جمل كحجر حجارة كما عند أهل اللغة ، وقرئت (جمالات) جمع جمال ، فقول الله تعالى(كأنه جمالة صفر) جمع جمل قاله مجاهد والحسن وقتادة والضحاك واختاره ابن جرير ، وهذا الوصف والتشبيه يبين الله فيه عظمة وهول نار جهنم ا

    الناقة : هي أنثى الإبل ، والله عز وجل جعلها آية لثمود (وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها) (هذه ناقة الله لكم آية) وكانت عظمية الخلق والهيئة (لها شرب ولكم شرب يوم معلوم) وهلكت ثمود بالصيحة لما عقروها وذبحوها

    البعير : مفرد جمعه أباعر وبعران ، والبعير هو ما يحمل عليه المتاع والحاجة ويكون مذللا للركوب فيسمى عندها بعيرا وذلك إذا استكمل أربع سنين ويكون من الجمل والناقة ، يقول تعالى (ونزداد كيل بعير)( ولمن جاء به حمل بعير) فالمعدّ للحمل والركوب تطلق عليه العرب لفظ بعير

    العير : هي القافلة من الأباعر المحملة بالبضائع والأثقال والميرة (ولما فصلت العير) أي خرجت من مصر باتجاه فلسطين وهي عير أخوة يوسف (واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها) وعند القرطبي رحمه الله : العير ما أُمتير عليه من الحمير والإبل والبغال وصفوة الكلام أحبتي هو أن كتاب الله تعالى لا يخلط بين هذه الألفاظ ولا غيرها ولا يمكن أن تقوم كلمة مكان أخرى ، فظاهر هذه الألفاظ الترادف وباطنها الاختلاف كما نرى ، وقد شاع عند بعض الناس الخلط بين معاني هذه الألفاظ وصرفت على غير مرادها وغير معناها أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يجعلنا هداة مهتدين وصلى الله على نبينا محمد

    كتبه : د. صالح بن عبدالله التركي
    من روائع القرآن الكريم
    - الفرق بين الإبل – الجمل - الجمالة - الناقة - البعير - العير -

    إسلاميات

  7. لمسات بيانية في سورة الأحزاب - (يقنت، يأت، تعمل) - د. فاضل السامرائي

    لمسات بيانية في سورة الأحزاب - (يقنت، يأت، تعمل) - د. فاضل السامرائي
    من برنامج لمسات بيانية - د. فاضل السامرائي/ د. حسام النعيمي
    تفريغ سمر الأرناؤوط حصريًا لموقع إسلاميات


    ما دلالة استخدام المذكر أولاً ثم المؤنث في قوله تعالى (يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) الأحزاب) ثم لماذا الخطاب مرة لجماعة الإناث ثم جماعة الذكور ؟

    إجابة د.فاضل السامرائي :
    ذكرنا أن (ما) و (من) لفظهما مذكر ومعناهما يختلف قد يدل على واحد أو أكثر، مذكر أو مؤنث، (من وما) تسمى من الأسماء المشترِكة تشترك في العدد والجنس سواء كانتا اسم استفهام أو اسم موصول، إذاً من حيث اللغة يجوز. العرب فى الغالب عندما تأتي (من) يبدأون بذكر ما يدل على لفظها ثم يبينون المعنى، لفظها مفرد مذكر يأتي أول مرة بالمفرد المذكر ثم يوضح المعنى.


    أمثلة :
    (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة) (من يقول) جاءت للمفرد المذكر و(ماهم بمؤمنين) (هم) جمع ليبين المعنى، بدأ بالمفرد المذكر على اللفظ ثم بين معناه. (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ (49) التوبة).

    (وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ (99) التوبة).(وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) التوبة). هذا أمر جارٍ وهو الأفصح في اللغة والأكثر والأشيع أن تبدأ بالمفرد المذكر ثم تبين المعنى.

    إذا طبقنا هذا على آية سورة الأحزاب (من يأت)و(من يقنت)مفرد مذكر ثم بين المعنى بـ(وتعمل). القاعدة النحوية هو أن الفعل يؤنّث ويذّكر فإذا كان الفعل مؤنثاً ووقع بين الفعل والفاعل فاصلاً ثم إن الخطاب الموجه لنساء النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء) هذا خطاب خاص بهن فجاء بصيغة خطاب الإناث أما في الآية (يريد الله ليذهب عنكم الرجز أهل البيت ويطهركم تطهيرا) هذا الخطاب يشمل كل أهل بيت النبوة وفيهم الإناث والذكور لذا اقتضى أن يكون الخطاب بصيغة المذكر.


    سؤال: هل هذا مثل قوله تعالى (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ (30) يوسف)؟
    لا هذا أمر مختلف، هذا غير (من) و(ما). يذكرون أيضاً قوله تعالى (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا (14) الحجرات) يقولون ومنهم الفرّاء وغيره أن الفعل لما يأتي ويسند إلى جمع جمع القلة يأتي بالتذكير ولما يأتي لجمع الكثرة يأتي بالتأنيث. فالنسوة جمع قلّة، كم واحدة قالت؟
    قليل والأعراب كثير. فالقلة (قال نسوة) لأنهن قليلات هم جماعة الملكة وحاشيتها أما مع الأعراب قال (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا) فجاء بالتأنيث للدلالة على جمع الكثرة .فالعرب عندهم التأنيث يدل على عدد أكثر من التذكير (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ (11) إبراهيم.


    سؤال:أليس التأنيث هنا لأن الجمع ليس له مفرد من جنسه؟
    لا، هذا ليس له دخل.
    مثال آخر: (الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (183)آل عمران) جاءكم رسل، وفى آية أخرى (لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (43) الأعراف).

    الأولى هي في بني اسرائيل الذين قالوا (الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ (183) آل عمران) كم واحد جاءهم بقربان تأكله النار؟ قليل.
    أما الثانية ففى الآخرة يوم القيامة عند الحساب عندما يخاطب الله تعالى الناس، الآخرة يوم القيامة كل الرسل للدلالة على كثرة الرسل الذين بعثوا إليهم. .


    مداخلة
    حول آية (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ (37) الأحزاب) وكأن الله عز وجل يبيّن فيها زيادة تبرئة للنبي من الشبهات أن الله يريد إنهاء التبني وتبعيات وأن هذا الأمر شاق جداً حتى عليك أنت يا رسول الله فإذا أنت تخشى الناس أن تواجه بهذا الأمر فكيف بالآخرين؟!.
    الله تعالى يبين للناس جميعاً أن هذا الأمر ثقيل حتى على رسول الله فلو لم يفعله ما كان لأحد أن يفعله وهذا فيه زيادة تبرئة وزيادة تأكيد على أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما فعله لأنه ملزم أن يفعله.

    ******************************************

    إجابة د.حسام النعيمي:
    الكلام هو لنساء النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهنّ. (ومن يقنت منكم) العلماء يقولون (من) لفظها لفظ مذكر ومعناها وفقٌ للسياق بما يوافق السياق. يعني ممكن أن تأتي (من) للمفرد المؤنث وتأتي للمفرد المذكر وتأتي للمثنى وتأتي لجمع الذكور وتأتي لجمع الإناث لكن لفظها لفظ مذكر فأنت تقول: من درس أو من يدرس. بعد ذلك يمكن أن تعيد عليها بالإفراد أو التثنية أو الجمع أو التذكير أو التأنيث فيمكن أن تقول: من يدرس ينجحون، من درس نجحوا، من درس نجحت، من درس نجحا، من درس ينجحون، فيقول مرة أعدت على اللفظ ومرة أعدت على المعنى. أنت ماذا تريد من المعنى؟ فإذا قلت : من درس نجحوا، تريد الذين درسوا نجحوا ويمكن إبتداءً أن تقول من درسوا نجحوا ومن درسن نجحن ومن درست نجحت لكن غالباً لو نظرنا في آيات القرآن الكريم نجد أنه مع (من) إبتداءً يُراعي لفظها لفظ المفرد المذكر فيقول مثلاً (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا (75) طه) فأحياناً ينظر لمّا يكون الكلام على المفرد دائماً عن المفرد لكن لما يكون عن الجمع يبدأ بالإفراد مراعاة للفظ (من). (ومن يقنت) نظر إلى لفظ (من) أنه مذكر مفرد يقال (ومن يقنت) ثم بيّن (منكن) يعني من يقع منه القنوت منكن. فإذن (من) هنا روعي لفظها لأن قلنا لفظ (من) مفرد مذكر. المعنى هنا للمؤنث الجمع، ما الدليل على أن المعن للجمع المؤنث؟ الدليل أنه قال (منكن). فإذن في كلمة (يقنت) وهذا هو الماضي أولاً يبدأ بمراعاة لفظها ثم يُراعي معناها كأنما يعطي (من) حقها مرتين يعطي (من) حق اللفظ ثم يعطيها حق المعنى فقال (ومن يقنت منكن) راعى في كلمة (يقنت) حق اللفظ وهذه سُنّة العرب في كلامهم مع (من) تراعي حق اللفظ أولاً ثم تراعي حق المعنى.حتى يكون الكلام عاماً في البداية مع (من) (وتعمل صالحاً) راعى المعنى مع أنه لغة يجوز أن يقول (ومن يقنت منكن لله ورسوله ويعمل صالحاً نؤتها أجرها) هنا يكون قد راعى اللفظ فقط. وقُريء (ويعمل صالحاً) في السبعة و قرأ حمزة والكسائي (ويعمل صالحاً) معناها أن بعض قبائل العرب وفّقت بين الفعلين (يقنت – يعمل) ولا توجد قراءة (تقنت) لأنه خلاف لغة العرب.

    لغة العرب تراعي لفظ (من) أولاً ثم تعكف عليه بمراعاة المعنى لأن اللفظ هو الظاهر والمعنى يأتي بعد ذلك فهي أولاً تراعي اللفظ ثم تعلّق عليه بمراعاة المعنى. ولو عكس لاعترضت العرب وقالوا هذا ليس من كلامنا. وشيء آخر يمكن أن نلحظه: طبعاً خمسة من القرّاء السبعة معناه أكثر القبائل العربية بل لغة قريش (من يقنت – وتعمل) لكن حمزة والكسائي أنهما كانا في الكوفة بعض قبائل العرب المحيطة بالكوفة وقرأوا بما أقرّه الرسول صلى الله عليه وسلم لهم وليس من عند أنفسهم وهذا نكرره دائماً وأن القراءة ليست من هوى النفس وإنما برواية. وقبائل العرب روت عن آبائهم الأمة أخذته عن الأمة لكن عموم القراء قرأوا (وتعمل).

    لما ننظر (وتعمل صالحاً) هذا التأنيث تذكيره قد يُلبس لأن قبله (ورسوله) (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِوَتَعْمَلْ صَالِحًا) كأن العمل يعود على الرسول r فتفادياً لمثل هذا اللبس الذي قد يحدث قرأ الجمهور (وتعمل) ليس هذا هو السبب لكن كما قلت روعي اللفظ ثم المعنى ولكن لما روعي إبتعد هذا اللبس. الواو في (وتعمل) عاطفة على (ومن يقنت) ولذلك جزم.

    في سورة يوسف قال (وقال نسوة) ولم يقل (قالت نسوة): قلنا هذا الجمع الذي هو جمع تكسير، النسوة جمع إمرأة لأن ليس لها مفرد من لفظه وهو جمع تكسير إذا قُدّر بالجمع وقال جمع النسوة يقول (قال) ولجماعة النسوة يقول (قالت جماعة النسوة).

    لمسات بيانية في سورة الأحزاب - (يقنت، يأت، تعمل) - د. فاضل السامرائي

  8. من روائع القرآن الكريم
    - الدلالة البيانية للحرفين نعم وبلى في القرآن الكريم -
    د. صالح بن عبد الله التركي


      هذه وقفات سريعات عن الدلالة البيانية للحرفين ( نعم ) و ( بلى ) في القرآن الكريم (نعم) حرف جواب يفيد الإثبات والتوكيد والإقرار للسؤال المثبت نحو : هل وصل محمد فلما تقول نعم إذن أقررت وصوله ، ويفيد النفي والتوكيد للسؤال المنفي نحو : أما قرأت الرسالة ، فإن قلت نعم فالجواب نعم ما قرأتها ، وهو حرف لا محل له من الإعراب من حيث الإعراب النحوي وقد وردت (نعم) في القرآن الكريم أربع مرات نحو قوله تعالى (فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم) فأكدوا وأقروا جوابهم والتقدير: نعم وجدنا وقوله تعالى في الأعراف (إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم لمن المقربين) فأكّد فرعون كلامهم بقوله (نعم) موافقة لطلبهم وقوله تعالى في الشعراء (إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم إذًا لمن المقربين) فأجاب فرعون بقوله (بنعم) توكيدًا لكلامهم وطلبهم وقوله تعالى في الصفات (قل نعم وأنت داخرون) وهو جواب يؤكد للكفار البعث في الآخرة الذي أنكروه بقولهم (وقالوا أءِذا متنا وكنا ترابًا وعظامًا ...) أما (بلى) فهي حرف مؤنث لا محل له من الإعراب ، وردت في القرآن الكريم في اثنين وعشرين موضعًا ، وأصلها (بل) وقيل الألف زائدة للتأنيث و(بلى) لها موضعان

    أحدهما : تكون ردًا على نفي سبقها نحو قوله تعالى (وقالوا لن تمسنا النار ..) فكان جواب هذا النفي (بلى من كسب ..)
    ومثله قوله تعالى (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا أو نصرى) فكان جواب هذا النفي بقوله تعالى (بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن) ونظير ذلك قوله تعالى (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي ..) كذلك قوله تعالى (ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله ...) وقوله تعالى (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا ...) فجاء جواب النفي بقوله (بلى ورسلنا لديهم ..)

    الثاني : أن تكون جوابًا لسؤال دخل على نفي فتبطل هذا النفي وتقلبه للإيجاب ، لأن نفي النفي إثبات
    ، ومن أمثلة هذا الضرب قوله تعالى (ألست بربكم قالوا بلى وربنا) فجاءت (بلى) جوابا لسؤال منفي فقلبت هذا النفي لإثبات والتقدير : بلى أنت ربنا ، فهنا (بلى) أبطلت النفي قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لو قالوا نعم لكفروا ، لأنهم بذلك يقرون النفي بقولهم : نعم لست بربنا ونظير ذلك قوله تعالى (ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا ) فكان الجواب للسؤال المنفي بقولهم (بلى) والتقدير: بلى هذا هو الحق كذلك قوله تعالى(ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى) فجاء الجواب بقولهم (بلى) التي قبلت النفي (ألم نكن) للإثبات ، والتقدير : بلى كنتم معنا ولو جاء الجواب في آية الحديد بقولهم (نعم) لكان المعنى : نعم لم تكونوا معنا وقوله تعالى (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثنّ) فكان الجواب بقوله (بلى) التي قبلت النفي (أن لن يبعثوا) إلى إثبات وقوله في يس (أوليس الذي خلق الذي خلق السموات والأرض بقادرعلى أن يخلق مثلهم بلى ..) فكان الجواب للنفي المسبوق باستفهام بقوله (بلى) وقوله تعالى (ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى) إذ لو كان جوابهم بنعم لكان التقدير : نعم لم تأتنا ، وهذا خلاف ما وقع !

    ومن هذا النوع قول جحدر بن مالك وهو أحد الصعاليك يخاطب زوجته بعد أن وقع في قبضة الحجاج أليس الليل يجمع أم عمرو وإيانا فذاك بنا تداني بلى وترى الهلال كما أراه ويعلوها النهار إذا علاني فقال في جواب النفي المستفهم بلى ختاما : رأيتم إخوتي الفرق بين الحرفين (نعم ، بلى) حيث لا يمكن إحلال أحدهما مكان الآخر في نظم القرآن الكريم ، وبالتالي فإن لكل حرف سياقه ودلالته البيانية

    إسلاميات

  9.  

    لكل فرد منا في مسيرة حياته رحلةٌ يبحث فيها عن نفسه، فيبدأ باكتشافها بالتدرج، فيغور في سبرها إلى أن يصل إلى فهم سجيتها وحقيقتها، ويكون عند ذلك في سنٍّ تؤهله لأن يحفز الجانب الإيجابي، ويقوِّم الجانب المتردد منها، ويتخلص من تأثيرات الجانب السلبي منها ما استطاع.

     

    ومن الناس من لا يكتشف نفسه، ولا يعرف حقيقتها، فيبقى في متاهاتها ويضيع في أهوائها، ويبقى على هذا الحال إلى أن يدهمه الموت، والله سبحانه وتعالى خلق النفس البشرية وجعل فيها توجهين: أحدهما هو الفجور، والآخر هو التقوى؛ يقول تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ [الشمس: 7، 8].

     

    فمن زكى نفسه فطهرها من كل رذيلة وألزمها تقواها، وجعل سيرها في طريق الحق والفضيلة - فهو المفلح في الدنيا والآخرة؛ وهو الذي يقول الله تعالى فيه: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ [الشمس: 9].

     

    وأما الذي قبِلَ أن يسير وراء فجور نفسه واتبع طريق الضلال، وانصاع لكل ما تهواه وتريده منه فنفذه لها - فهو الخائب والخاسر؛ وهو الذي يقول الله تعالى فيه: ﴿ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 10].

     

    وفي داخل كل إنسان نفسه التي بين جنبيه، وهي تتقلب حسب الحال؛ فهي على ثلاث حالات:

    • النفس الأمارة بالسوء: وهي التي تأمره بالمنكر وتنهاه عن المعروف، فحين يريد أن يتصدق على فقير ببعض المال، قالت له: وفيمَ تساعده؟ ألست تراه قويًّا، فلمَ لا يعمل ويكسب المال؟

     

    وإذا أراد أن يقوم من الليل ليصلي ركيعات لربه وسيده وخالقه والمتفضل عليه تبارك وتعالى، قالت له: ألا ترى برودة الجو، كيف ستتوضأ؟ ثم إنك قبل قليل صليت الفرض، وفي هذا الزمان من يصلي الفريضة فهو على خير كثير.

     

    وإذا أراد أن يساعد أحد أصدقائه أو معارفه، أوغلت قلبه بتذكيره بمواقفهم السيئة يوم قالوا له كذا وكذا، ويوم لم يقفوا إلى جانبه يوم كان بحاجة إليهم.

     

    والنفس الأمارة قرينها الشيطان، كالنفس تتحرك ضد من يدعو للفضيلة والخير، وهذه النفس عندها أجوبة جاهزة لإحباط أي عمل خير؛ لأنها في الحقيقة ليست وحدها، فهناك من يعينها ويمدها بأساليب مبتكرة ومتجددة، ومن يعينها على ذلك ليس سهلًا، هو مخلوق يتمتع بإمكانات هائلة في المكر والخديعة والدهاء والتضليل، وكلنا يعرفه؛ هو الشيطان.

     

    • النفس اللوامة: وهي النفس المترددة، فحين يقترف العبد سيئةً لا تقف حائلًا بينه وبين ما يفعل من شر، وكأنها تتغافل، ثم من بعد أن يقع الفرد في الخطأ، تعاتبه وتلومه وتوبخه، كأنها تقول له: لمَ فعلت ذلك؟

    والنفس اللوامة كثيرة التقلب، لا تستقر على حال، فهي تتحول من الحب إلى البغض أو ربما يحدث العكس، ومن الفرح إلى الحزن والعكس صحيح، وهذا هو حالها.

     

    يقول ابن تيمية رحمه الله: "والنفس اللوامة، وهي التي تذنب وتتوب، فعلها خير وشر، لكن إذا فعلت الشر تابت وأنابت، فتسمى لوامةً؛ لأنها تلوم صاحبها على الذنوب، ولأنها تتلوم؛ أي: تتردد بين الخير والشر"[1].

     

    والنفس اللوامة هي التي تشعرك بألم الذنب، وذل المعصية، ووجع التقصير مع الله تعالى أو مع الآخرين، وتحسسك بحسرة الإهمال، ولكنك تحتاج إلى الانتقال إلى مرحلة أخرى لتندفع إلى الشروع بالعمل الصالح، وهذا الانتقال يكون إلى:

    • النفس المطمئنة: وهي الجانب المشرق للإنسان المؤمن الإيجابي، فمنها تنطلق الدمعة حين نتدبر آية من آيات الله تعالى، ومنها تنطلق الرحمة من سويداء القلب حين ترى معدمًا يستجدي القميص ليواري سوأته، أو اللقمة ليسد بها رمقه.

     

    يقول ابن القيم رحمه الله عن النفس المطمئنة: "وهي غاية كمالها وصلاحها، وأيـد الله المطمئنة بجنود عديدة، فجعل الملك قرينها وصاحبها الذي يليها ويسددها، ويقذف فيها الحق ويرغبها فيه، ويريها حسن صورته، ويزجرها عن الباطل ويزهدها فيه، ويريها قبح صورته، وأمدها بما علمها من القرآن والأذكار وأعمال البر، وجعل وفود الخيرات ومداد التوفيق تنتابها وتصل إليها من كل ناحية، وكلما تلقتها بالقبول والشكر والحمد لله ازداد مددها، فتقوى على محاربة الأمارة، فمن جندها وهو سلطان عساكرها وملكها: الإيمان واليقين، والجيوش الإسلامية كلها تحت لوائه ناظرة إليه، إن ثبت ثبتت، وإن انهزم ولَّت على أدبارها، ثم أمراء هذا الجيش ومقدمو عساكره شعبُ الإيمان المتعلقة بالجوارح على اختلاف أنواعها؛ كالصلاة والزكاة، والصيام والحج، والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصيحة الخلق والإحسان إليهم بأنواع الإحسان، وشعبه الباطنة المتعلقة بالقلب؛ كالإخلاص والتوكل، والإنابة والتوبة والمراقبة، والصبر والحلم، والتواضع والمسكنة، وامتلاء القلب من محبة الله ورسوله، وتعظيم أوامر الله وحقوقه، والغيرة لله وفي الله، والشجاعة والعفة، والصدق والشفقة والرحمة، وملاك ذلك كله الإخلاص والصدق، فلا يتعب الصادق المخلص فقد أقيم على الصراط المستقيم، فيُسار به وهو راقد ولا يتعب، ومن حرم الصدق والإخلاص فقد قُطعت عليه الطريق، واستهوته الشياطين في الأرض حيران، فإن شاء فليعمل وإن شاء فليترك، فلا يزيده عمله من الله إلا بعدًا، وبالجملة فما كان لله وبالله، فهو من جند النفس المطمئنة"[2].

     

    فوجود نفس الفرد في مقام النفس الأمارة أو اللوامة قد يؤدي بها إلى فوات الفرصة في أن يكون في المقام الذي خلقه الله تعالى من أجله، اختيار واحد ذلك الذي يكون فيه الفرد في أمل متجدد، وفضاء إيجابي واسع، وفرصة مواتية لا تنقطع، وهو أن يعرف أن مقام نفسه الحقيقي يكون في مقام (النفس المطمئنة) وليس شيئًا آخر، وهي التي خاطبها خالقها بقوله: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر: 27 - 30]، فهي التي تدفع الفرد للعمل الصالح والاستمرار عليه.

     

    فمن منا لا يتمنى أن يقال له هذا القول في نهاية المطاف؟

    كلنا بالطبع نتمنى ذلك، إلا إن تحقيق الأمنيات والأهداف لا يأتي بالتمني، ولكنه يستحصل بالمثابرة والعمل الجاد، وبتوفيق الله وحده تتحقق الأمنيات؛ يقول الشاعر:

    وما نيل المطالب بالتمني *** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا


    والتوصل إلى معرفة النفس ووضعها في طريق النفس المطمئنة يحصل بتوفيق من الله تعالى قبل كل شيء، ويكون الفرد قد وصل فيها إلى أعلى المراتب البشرية، وحين يصل هذا الفرد إلى هذه المرحلة المتقدمة والراقية، يصبح من المؤسف ومن المعيب أن يشغلها بأمور دنيوية صغيرة وتافهة.

     

    فالإنسان خُلق ليعبد الله، ومن مهامه أن يكون خليفة في الأرض بإذن الله تعالى، فليس من المنطق أن يترك من كُلِّف بالخلافة أمورَها الجوهرية، وكلياتِها البالغة الأهمية، ويلهو ويلعب وينشغل بالترف وإشباع الغرائز، ومن المؤلم بالفعل أن يأتيَ الرجل العظيم في الدنيا يوم القيامة ولا قيمة له؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن عند الله جناح بعوضة، وقال: اقرؤوا: ﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾ [الكهف: 105]))[3].

     

    وأول مطلوب من هذا المستخلف هو أن يكون عبدًا لله سبحانه وتعالى، والذي يعرف حقيقة نفسه يصر على ألَّا يكون عبدًا اعتياديًّا، بل عبدًا متميزًا وواثقًا من نفسه، وبمواصفات خاصة، ولعل أهم هذه المواصفات التي يسعى ليصل إليها هو أن يكون عبدًا شكورًا.

     

    وما الشكر إلا عمل يعبِّر به هذا الإنسان عن اعترافه بحجم النعم التي منحها الله تعالى له، وهي لا تعد ولا تحصى، والحقيقة إن القليل من هؤلاء العباد منذ خلق الله آدم عليه السلام وحتى تقوم الساعة يستطيعون أن يصلوا إلى هذه المرتبة المتقدمة؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، فمن كان شكورًا بالفعل، فسيجزيه ربه جزاءً يرضيه، ويعوضه عن كل ما فاته في الدنيا من أجل رضا الله تعالى.

     

    هل سألت نفسك يومًا: أأنت من الشاكرين أم لا؟ إذا كان جوابك بـ(نعم)، فالسؤال: فما هو دليلك؟ هل تستطيع أن تسمي أشياءً بعينها جعلتك في مصاف الشاكرين؟ وإذا كان الجواب بـ(لا)، فلماذا لا تسعى لأن تكون من الشاكرين؟

     

    قال الفضيل بن عياض رحمه الله: "عليكم بملازمة الشكر على النعم، فقلَّ نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم".

    وكل منا يتصور أنه يعرف نفسه جيدًا، فنجده معتدًّا بها، مدافعًا عن قناعاتها؛ لذلك فهو يعتقد أنه على صواب بشكل دائم، وأن غيره أيًّا كان على خطأ، فالولد ما إن تظهر عليه علامات الشباب حتى تبدأ رحلة الصراع مع أبيه، فالشاب يرى أنه خُلق في زمان غير زمان أبيه، وأن آراء أبيه آراء قديمة لا تصلح له ولعصره.

     

    والأب يرى أن الزمان الذي يعيش فيه ولده زمانًا خطرًا لا أمان فيه، فالناس قد تبدلوا وتغيرت أخلاقهم، بل إن منظومة القيم والأخلاق بشكل عام قد اختلت، وعلى ولده أن ينتبه لكل صغيرة وكبيرة؛ لأن مَن حول ولده ذئاب وليسوا بشرًا، فهو يرى أن التجربة التي مرَّ بها ولده غير كافية ليعتمد على نفسه، فهو يحتاج إلى من يقدم له الاستشارة ويساعده ليشق طريقه في الحياة، وهكذا يستمر الصراع، وقد ينتهي بنهاية محزنة للطرفين، وقد حدث هذا الأمر للكثير من الناس، فتفرق الأحباب، وتشتت الشمل، وتنافرت القلوب، وتضادت النفوس.

     

    ومع مرور الوقت يكبر الولد، ويكبر معه عقله، ويتسع صدره، وتكثر تجاربه، وتزداد خبرته في الحياة، وتصبح رؤياه للأمور أكثر نضوجًا وأعمق وأكثر واقعية، فيكتشف أنه كان مخطئًا، فمن مُنح من العمر أيامًا أخرى، فربما يستطيع أن يعوض ما فاته، ويكفر عما اقترف مع أقرب الناس إليه وأكثرهم فضلًا وحقًّا عليه: أبيه، ومن انتبه بعد فوات الأوان وقد مات أبوه، فستبقى الحسرة والندم يأكلان قلبه، وسيكون أمره إلى الله تعالى.

     

    ومن أضر الأمراض على النفس هي الذنوب، فمن لازمها فستؤذيه وتضره، وتضر قلبه بالتحديد، ويبقى تأثيرها فيه حتى تقتله؛ قال عبدالله بن المبارك رحمه الله:

    رأيت الذنوب تميت القلوب 
    وقد يورث الذل إدمانها 
    وترك الذنوب حياة القلوب 
    وخيرٌ لنفسك عصيانها 

     

    إن أعظم درجات معرفة النفس هي معرفة الإنسان لدوره في الحياة، ودور الإنسان كما ذكرنا في شطرين، هما: حق الله تعالى، وحق العباد؛ فأما حق الله تعالى فلعل من أفضل ما يذكر في هذا الباب هو ما كان يفعله العالم المجاهد عبدالله بن المبارك رحمه الله، فيحدث عنه رجل كان صاحبه في أسفاره: "كان ذات ليلة ونحن في غزاة الروم، ذهب ليضع رأسه ليريني أنه ينام، فقمت أنا برمحي في يدي قبضت عليه، ووضعت رأسي على الرمح كأني أنام كذلك، قال: فظن أني قد نمت، فقام فأخذ في صلاته، فلم يزل كذلك حتى طلع الفجر وأنا أرمقه، فلما طلع الفجر أيقظني وظن أني نائم، فقال: يا محمد، فقلت: إني لم أنم، قال: فلما سمعها مني ما رأيته بعد ذلك يكلمني، ولا ينبسط إليَّ في شيء من غزاته كلها، كأنه لم يعجبه ذلك مني؛ لِما فطنت له من العمل، فلم أزل أعرفها فيه حتى مات، ولم أرَ رجلًا أسر بالخير منه"[4].

     

    وأما ما يتعلق بحق الآخرين، فوجدت أن شيخ التابعين أويس القرني رحمه الله كان من أفضل من عرف دوره تجاه الآخرين؛ فعن سفيان الثوري رحمه الله قال: "كان أويس يقول: اللهم إني أعتذر إليك من كل كبد جائعة، وجسد عارٍ، وليس لي إلا ما على ظهري وفي بطني"[5]، فهو يعتذر إلى الله تعالى؛ لأنه لا يمتلك الأدوات اللازمة لتحقيق ذلك، أو ربما ظن أنه قصر في عبادته وسعيه إلى الله، فكان من الأسباب فيمن يجوع أو يعرى، وأيًّا كان قصده، فهذا الكلام يدل على شعور عالٍ بالمسؤولية تجاه الآخرين من قِبَلِهِ رحمه الله.


    [1] مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ج: 9، ص: 294.

    [2] الروح، ابن قيم الجوزية، ص: 225.

    [3] صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، سورة البقرة، باب: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾ [الكهف: 105].

    [4] الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم الرازي، ج: 1، ص: 266.

    [5] المستدرك على الصحيحين، الحاكم، 5722.


    عبدالستار المرسومي
    شبكة الالوكة

    • معجبة 1

  10.  
     
    عَنْ أبى ذَرٍّ جُنْدبِ بنِ جُنادةَ - رضي الله عنه - قال: قُلتُ يا رسولَ اللهِ، أيُّ الأعمالِ أفضلُ؟ قال: «الإيمانُ باللهِ، والجهادُ في سَبيلِهِ». قلتُ: أيُّ الرِّقابِ أفضلُ؟ قال: «أنْفسُها عند أهلِها، وأكثرُها ثمنًا». قلتُ: فإنْ لم أفعلْ؟ قال: تُعين صانعًا، أو تصْنعُ لأَخْرقَ». قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ إنْ ضَعُفتُ عن بعضِ العَمَلِ؟ قال: تَكُفُّ شرَّكَ عن الناسِ؛ فإنَّها صدَقةٌ مِنْكَ عَلَى نَفسِكَ» متفقٌ عليه.


    «الصَّانعُ»: بالصاد المهملة، هذا هو المشهور، ورُويَ: «ضائعًا» بالمعجمة؛ أي ذا ضَياعٍ من فَقْرٍ أو عِيالٍ، ونحوَ ذلك، و(الأخْرَقُ): الذي لا يُتْقِنُ ما يحاولُ فِعلَهُ.


    قال العلَّامةُ ابنُ عثيمين - رحمه الله -:

    ذكر المؤلف - رحمه الله تعالى - في بابِ كثرةِ الخير، فيما نقلهُ عن أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - أنَّه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: «الإيمانُ بالله والجهادُ في سبيلِه»، والصحابة - رضي الله عنهم - يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال من أجل أن يقوموا بها، وليسوا كمن بعدهم، فإن من بعدهم ربما يسألون عن أفضل الأعمال، ولكن لا يعملون. أما الصحابة فإنهم يعملون، فهذا ابن مسعود - رضي اله عنه - سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: «الصَّلاةُ على وَقْتِها». قلت: ثمَّ أي؟ قال: «برُّ الوالدينِ». قلتُ: ثم أي؟ قال: «الجهادُ في سبيلِ اللهِ».



    وهذا أيضًا أبو ذَرٍّ يسألُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن أفضلِ الأعمال؛ فبيَّن له النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ أفضل الأعمالِ إيمانٌ باللهِ، وجهادٌ في سبيله، ثم سأله عن الرقاب: أي الرقاب أفضل؟ والمراد بالرقاب: المماليك، يعني: ما هو الأفضل في إعتاق الرقاب؟ فقال: «أنفسُها عند أهلِها وأكثرُها ثمنًا»، وأنفسها عند أهلها يعني: أحبُّها عند أهلها، وأكثرها ثمنًا: أي أغلاها ثمنًا، فيجتمع في هذه الرقبة النفاسة، وكثرة الثمن، ومثلُ هذا لا يبذُلُه إلا إنسانٌ عنده قوَّةُ وإيمانٍ.



    ومثالُ ذلك: إذا كان عند رجلٍ عبيدٌ ومنهم واحد يحبُّه؛ لأنه قائم بأعماله، ولأنه خفيف النفس، ونافعٌ لسيِّدِه، وهو كذلك أيضًا أغلى العبيد عنده ثمنًا، فإذا سألا أيما أفضل؟ أُعتق هذا، أو ما بعده، أو ما دونه؟ قلنا أن تعتقَ هذا، لأن هذا أنفس الرقاب عندك، وأغلاها ثمنًا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الرقاب: أغلاها ثمنًا، أنفسها عند أهلها. وهذا كقوله تعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92].


    وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - إذا أعجبه شيءٌ من ماله تصدَّق به، اتباعًا لهذا الآية.



    وجاء أبو طلحة - رضي الله عنه - حين نزلت هذه الآية: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ الله أنزل قوله: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ وإنَّ أحبَّ مالي إلىّ بَيْرحاء، وبَيْرَحاء بستانٌ نظيف قريب من مسجدِ النبي صلى الله عليه وسلم، كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي إليه، ويشرب من ماءٍ فيه طيِّبٍ عذبٍ، وهذا يكون غالبًا عند صاحبه، فقال أبو طلحةَ: وإنَّ أحبَّ مالي إليَّ بَيْرحاء، وإني أجعلُها صدقةً لله ورسوله، فضعها يا رسولَ الله حيث شئت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بَخٍ. بَخٍ». يعني يتعجَّب ويقول: «مالٌ رابحٌ، مالٌ رابحٌ» ثم قال: «أرى أنْ تجعلَها في الأَقْرَبِينَ»، فقَسمَها أبو طلحةَ في قرابتِه، والشاهدُ أنَّ الصحابة يتبادرون الخيراتِ.



    ثم سأله أبو ذر: إن لم يجد، يعني رقبة بهذا المعني، أنفسها عند أهلها وأغلاها ثمنًا؟ قال: «تُعينُ صانعًا أو تَصنعُ لأخْرقَ»، يعني: تصنع لإنسان معروفًا، أو تعين أخرق، ما يعرف، فتساعدُه وتعينه، فهذا أيضًا صدقةٌ ومن الأعمالِ الصالحةِ.



    قال: فإن لم أفعلْ؟ قال: «تكُفُّ شرَّكَ عن الناس؛ فإنها صدقةٌ منك على نفسِكَ» وهذا أدنى ما يكون؛ أن يكفَّ الإنسانُ شرَّه عن غيره، فيسلم الناس منه، والله الموفق.


    الشيخ محمد العثيمين
    «شرح رياض الصالحين» (2 /152 - 154)

     


  11. إنَّ الأعمال الصالحة تتفاوت في مراتبِها، ومقاصدِها، وأجناسِها، وما يُناسب كُلَّ حالٍ، ووقتٍ وشَخْصٍ، وذلك مُوجِبٌ لتحصيل الأجور العظيمة، وكم حَصَلَ من الجهل أو التفريط بهذا الأصل من ضياع الفُرص، وحِرمان الأجور الكبيرة، وحِرمان الأمة من خيرٍ عظيم، وطاقاتٍ كثيرة، فالمُوفَّق مَنْ وفَّقه الله تعالى لأحسن الأقوال والأعمال والأخلاق.


    قال ابنُ القيِّم - رحمه الله -: (اعلم أنَّ العبد إنما يقطعُ مَنازِلَ السَّير إلى الله بقلبه وهِمَّتِه، لا بِبَدَنِه، والتَّقوى - في الحقيقة - تقوى القُلوب، لا تقوى الجوارح؛ قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32])[9].


    وأفضلُ الأعمالِ الصالحة وأحبُّها إلى الله تعالى هي الفرائض؛ ويدل على ذلك الحديث القدسي: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ» رواه البخاري. فدلَّ على أنَّ الفريضةَ مِنْ كلِّ عِبادةٍ؛ هي أفضلُ من نافلتِها، فصلاةُ الفريضةِ أفضلُ من نافلتها، وصيامُ الفريضةِ أفضلُ من نافلته، وحجُّ الفريضةِ أفضلُ من نافلته، وزكاةُ الفريضةِ أفضلُ من نافلتها، وهكذا.


    والشاهد:

    أنَّ المُتقَرِّبين إلى الله بالعبادة صِنفان: صِنْفٌ تقرَّب إليه بأداء الفرائض، ويشمل ذلك فِعل الواجبات، وتَرْك المُحرَّمات؛ لأنها من فرائض الله التي افترضها على عباده. وهذه درجة المُقْتَصِدين أصحاب اليمين.


    وصِنْفٌ تقرَّبوا إلى الله تعالى - بعد الفرائض - بالاجتهاد في نوافل الطاعات، والانكفاف عن دقائق المكروهات بالوَرَع، وهؤلاء هم السابقون المُقَرَّبون[1].


    والسُّنن الرَّاتِبةُ أفضلُ من السُّنن المُطلقة؛ لمكانتها من الدِّين، وتأكيد العلماء على أهمية الالتزام بها، قال ابنُ عبدِ البر – رحمه الله - في سياق حديثه عن ركعتي الفجر: (وآكَدُ ما يكون من السُّنن ما كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُواظِبُ عليه، ويَنْدُبُ إليه، ويأمُر به،... وأعمالُ البرِّ كلُّها مرغوبٌ فيها، وأفضَلُها ما واظَبَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم منها، وسَنَّها)[2]. وقال السعدي - رحمه الله: (ويُقَدِّمُ الرَّواتِبَ على السُّنَنِ المُطلَقة)[3].


    وهذا يقتضي تقديمَ السُّنن الرَّواتب على غيرها من المُستحبات التي قد تكون أفضلَ باعتبارِ جِنْسِها؛ كطلب عِلمٍ وتعليمه، أو تكون أفضلَ باعتبار تَعَدِّيها؛ كعموم الإحسان إلى الخَلْقِ، وذلك لِكَون السُّنن الرواتب تَفُوتُ بِفَوات وَقْتِها، والمداومةُ عليها مَقصودةٌ للشارع، بخلاف غيرِها فيُمْكِنُ تحقيقُها في غيرِ هذا الوقت[4].


    ويكاد يُجْمِعُ العلماءُ: بأنَّ ذِكْرَ اللهِ تعالى هو أفضلُ الأعمال بعد الفرائض؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ». قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ» رواه مسلم.


    وقولِه صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ»؛ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى» صحيح - رواه الترمذي وابن ماجه. فدلَّ على أنَّ مُلازَمةَ ذِكْرِ الله دائماً هو أفضل ما شَغَلَ العبدُ به نفسَه في الجملة.


    ومِنْ أفْضَلِ الذِّكر؛ ما قاله ابنُ تيمية - رحمه الله: (إنَّ كلَّ ما تَكلَّم به اللِّسانُ، وتصوَّره القلبُ مِمَّا يُقرِّب إلى الله من تعلُّم عِلمٍ وتعليمه، وأمرٍ بمعروف، ونهي عن منكر؛ فهو من ذِكْرِ الله. ولهذا مَن اشتغَلَ بطلب العلم النافع بعد أداءِ الفرائض، أو جَلَسَ مَجلِساً يتفقَّه فيه الفقهَ الذي سمَّاه اللهُ ورسولُه فِقْهاً؛ فهذا أيضاً من أفضلِ ذِكْرِ الله)[5].


    وأقلُّ الذِّكر: أنْ يُلازم العبدُ الأذكارَ المأثورة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ كالأذكار المُؤقَّتة في الصباح والمساء، وعند النوم والاستيقاظ، وأدبار الصلوات. والأذكارَ المُقيَّدة؛ مثل ما يُقال عند الأكل والشُّرب، اللِّباس، والجِماع، ودخول المسجد والخروج منه، ودخول المنزل والخروج منه، ودخول الخلاء والخروج منه، وعند المطر والرَّعد وغير ذلك[6].



    إنَّ أفضلَ العبادةِ العملُ على مَرضاةِ الله في كلِّ وقتٍ بما هو مُقتضى ذلك الوقت: فأفضلُ العبادات في وقتِ الجهاد؛ الجهاد، وإنْ أدَّى ذلك إلى ترك الأوراد من صلاة الليل، وصيام النهار، وقراءة القرآن. والأفضلُ في وقت حُضور الضَّيف؛ القيام بحقه، والاشتغال به عن الوِرْدِ المُستحب. والأفضلُ في أوقات السَّحَر؛ الاشتغال بالصلاة والقرآن والدعاء والذِّكر والاستغفار. والأفضلُ في وقت استرشاد الطالب وتعليم الجاهل؛ الإقبال على تعليمه والاشتغال به.


    والأفضلُ في أوقات الأذان؛ الاشتغال بإجابة المُؤذِّن، وترك ما سواه. والأفضلُ في أوقات الصَّلَوات الخَمْس؛ المبادرةُ إليها في أول الوقت، وأداؤها على أكمل الوجوه. والأفضلُ في أوقات ضرورة المُحتاج؛ إغاثة لَهْفَتِه، والاشتغال بمساعدته بالجَاه أو البدن أو المال.


    والأفضلُ في وقت قراءة القرآن؛ جَمْعُ القلبِ على تَدبُّره وتَفهُّمه، والعزم على تنفيذ أوامره واجتناب نواهيه، التأدَّب بآدابه. والأفضلُ في وقت الوقوف بعرفة؛ الاجتهاد في التَّضرع والدعاء والذِّكر، وترك الصوم المُضْعِف عن ذلك.


    والأفضلُ في أيام عشر ذي الحجة؛ الإكثار من التَّعبُّد، لا سيما التكبير والتهليل والتحميد، فهو أفضل من الجهاد غير المُتَعَيِّن.


    والأفضلُ في العَشْر الأواخر من رمضان لزوم المسجد والاعتكاف وترك مخالطة الناس، حتى إنه أفضل من الإقبال على تعليمهم العلمَ، وإقرائهم القرآنَ.


    والأفضلُ في وقت مَرَضِ أخيك المُسلمِ أو موته؛ عيادته، وحضور جنازته وتشييعه، وتقديم ذلك على أمورك الخاصة.

    فالأفضلُ في كلِّ وقتٍ وحالٍ إيثارُ مرضاةِ الله في ذلك الوقتِ والحالِ، والاشتغالُ بواجبِ ذلك الوقتِ ووَظِيفَتِه ومُقتضاه[7].


    والعبدُ المُوَفَّقُ هو الذي يتَتَبَّع مَرضاةَ اللهِ تعالى أينما كانت؛ (فإنْ رأيتَ العلماءَ رأيتَه معهم، وإنْ رأيتَ العُبَّادَ رأيتَه معهم، وإنْ رأيتَ المُجاهدين رأيتَه معهم، وإنْ رأيتَ الذَّاكرين رأيتَه معهم، وإنْ رأيتَ المُتصدِّقين المُحسِنين رأيتَه معهم، وإنْ رأيتَ أربابَ الجَمْعِيَّة وعُكوفِ القلب على الله رأيتَه معهم، فهذا هو العبدُ المُطلَقُ الذي لم تَمْلِكْه الرُّسوم، ولم تُقيَّدْه القُيود، ولم يكن عَمَلُه على مُراد نفسه، وما فيه لذَّتُها، وراحتُها من العبادات، بل هو على مُراد ربِّه، ولو كانت راحةُ نفسِه ولَذَّتُها في سواه؛ فهذا هو المُتَحقَّق بـ: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ حقًّا، القائم بهما صِدْقاً، مَلْبَسُه ما تهَيَّأ، ومَأْكَلُه ما تَيَسَّر، واشتغالُه بما أَمَرَ اللهُ به في كُلِّ وقتٍ بوقتِه)[8].



    وتتفاضل الأعمالُ عند الله تعالى بِتَفاضُلِ ما في القلوب؛ من الإيمان، والإخلاص، والمُتابعةِ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فليس المقصودُ كثرةَ العمل؛ وإنما المقصود حِفْظُ العملِ الصالح مما يُفسده ويُحبِطه؛ كالرِّياء، والمَنِّ على الله بالعمل، والعُجب به؛ ولذا قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ لَمْ تَكُونُوا تُذْنِبُونَ؛ لَخِفْتُ عَلَيْكُمْ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ: الْعُجْبَ الْعُجْبَ» حسن - رواه البيهقي.


    ويَظَنُّ بعضُ الناس أنَّ العمل الفاضِل هو ما كان فيه مَشَقَّة أكثر! وهذا ظَنٌّ خاطئ، قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: (يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم، كيف يَغْبِنُونَ سَهَرَ الحَمْقَى وصومَهم؟ وَلَمِثْقالُ ذَرَّةٍ من بِرٍّ مع تقوى ويقين، أعظم وأفضل وأرجح من أمثال الجِبالِ من عِبادةِ المُغْتَرِّين)[10].



    وقال ابنُ تيمية - رحمه الله -: (وممَّا ينبغي أنْ يُعرَف أنَّ اللهَ ليس رِضاه أو محبَّتُه في مُجَرَّدِ عَذابِ النَّفسِ، وحَمْلِها على المَشاقِّ؛ حتى يكونَ العملُ كلَّما كان أشقَّ كان أفضلَ، كما يَحْسَبُ كثيرٌ من الجُهَّال: "أنَّ الأجْرَ على قَدْرِ المَشَقَّة في كلِّ شيء" لا؛ ولكنَّ الأجرَ على قَدْرِ مَنْفَعَةِ العملِ، ومَصْلحَتِه، وفائدتِه، وعلى قَدْرِ طاعةِ أمْرِ اللهِ ورسولِه. فأيُّ العَمَلَينِ كان أحْسَنَ، وصَاحِبُه أطْوَع، وأتْبَع - كان أفْضَل؛ فإنَّ الأعمال لا تَتَفاضَلُ بالكَثْرَة، وإنما تَتَفاضَلُ بما يَحْصُلُ في القلوبِ حَالَ العَمَلِ)[11].



    [1] انظر: جامع العلوم والحكم، لابن رجب (ص 361).

    [2] التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لابن عبد البر (22/ 71).

    [3] القواعد والأصول الجامعة، (ص 67).

    [4] انظر: مقال في "شبكة الألوكة" بعنوان: قواعد تفاضل الأعمال، د. أشرف عبد الرحمن.

    [5] مجموع الفتاوى، (10/ 660).

    [6] انظر: المصدر نفسه، (10/ 661).

    [7] انظر: مدارج السالكين، لابن القيم (1/ 88، 89).

    [8] مدارج السالكين، (1/ 90).

    [9] الفوائد، (ص 141).

    [10] حلية الأولياء، (1/ 211)؛ صفة الصفوة (1/ 630).

    [11] مجموع الفتاوى، (25/ 281، 282).


    د,محمود الدوسري
    شبكة الالوكة

  12.  
     
    الحمد لله الأحد الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، والصلاة والسلام على رسول الله محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فإننا كثيراً ما نشكو قسوة قلوبنا، وجمود أعيننا، وضيق صدورنا، ولا شك أن هناك أسباباً اقترفناها فأوصلتنا إلى هذه الحال السيئة؛ فأصبحنا نقرأ القرآن فلا تدمع عيوننا، ولا تلين جوارحنا، ولا توجل قلوبنا، نقرأ آيات الوعد والوعيد، وآيات الجنة والنار فلا نخشع، والله يقول: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} سورة الحشر(21). قال ابن كثير رحمه الله-: "فإذا كان الجبل في غلظته وقساوته لو فهم هذا القرآن فتدبر ما فيه لخشع وتصدع من خوف الله -عز وجل- فكيف يليق بكم يا أيها البشر أن لا تلين قلوبكم وتخشع وتتصدع من خشية الله، وقد فهمتم عن الله أمره وتدبرتم كتابه؟!"1.

    أصبحنا -إخواني في الله- نمرّ على القبور وأهلها ولا نقف ولا نتأمل في مصيرنا، ولا نفكر بحالنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، بل نحن عن مصيرنا غافلون، وعن طاعة ربنا محجمون، وفي الذنب والمعصية واقعون.

    أضحينا نغسل الموتى، ونحملهم على أكتافنا، ونواريهم الثرى، ولا نتعظ، ولا نخاف، ولا نوجل؛ وكأننا مخلدون في هذه الدار، يقول الفضيل بن عياض: كفى بالموت واعظ2.

    يا نفس توبي فإن الموت قد حانا *** واعصي الهوى فالهوى ما زال فتانا

    أما ترين المنايا كيف تلقطنـا *** لقطـا وتلحق أخرانا بأولانـــا؟

    في كل يوم لنـا ميت نشيعه *** نرى بمصرعه آثــار موتانـــا

    يا نفس ما لي وللأموال أتركها *** خلفي وأخرج من دنياي عريانا

    أبعد خمسين قد قضَّيتها لعبا؟ *** قد آن أن تقصـري قد آن قد آنا

    ما بالنا نتعـامى عن مصائرنا *** ننسى بغفلتنا من ليس ينسانا

    نزداد حرصاً وهذا الدهر يزجرنا *** كأن زاجرنا بالحرص أغرانا

    أين الملوك وأبناء الملوك ومن *** كانت تخر له الأذقـان إذعانا؟

    صاحت بهم حادثات الدهر فانقلبوا *** مستبدلين من الأوطان أوطانا

    خلوا مدائن كان العز مفرشها *** واستفرشوا حفراً غبراً وقيعانـا

    يا راكضاً في ميادين الهوى مرحاً *** ورافلاً في ثياب الغي نشوانا

    مضى الزمان وولى العمر في لعب*** يكفيك ما قد مضى قد كان ما كان3.

    وليس هذا فحسب، بل هناك ما هو أعظم من النسيان والغفلة، فإنك تجد كثيراً من شبابنا وفتياتنا من إذا رأيته رحمت حاله، وما هو فيه من الهموم والغموم، وكأنه فقد أمه أو أباه أو ما يملكه، فأصبح شريداً طريداً، لا سكن له ولا مأوى، فإذا ما سألته أو سألت عنه قيل لك أن أهله في صحة وعافية، وأنه يتمتع بأموال طائلة وممتلكات فاخرة.. ولكنه يعيش حياة الجحيم في صدره، الذي ضاق ذرعاً بسبب بعده عن الله، بل لقد أدى مثل هذا الحال إلى محاولة التخلص من الحياة بأي وسيلة ولو كان بالانتحار والعياذ بالله، فما السبب ترى في ذلك؟


    إن السبب في ضيق الصدر ونكد العيش وشقاء الحال هو الإعراض عن الله وعن شرعه، وترك أوامره، وارتكاب محارمه، وصدق الله القائل: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} سورة طـه (124). والقائل: {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} سورة الأنعام(125).

    قال ابن القيم رحمه الله: "ومن أعظم أسباب ضيق الصدر الإعراض عن الله -تعالى-، وتعلق القلب بغيره، والغفلة عن ذكره، ومحبة سواه؛ فإن من أحب شيئاً غير الله عذّب به، وسجن قلبه في محبة ذلك الغير، فما في الأرض أشقى منه، ولا أكسف بالاً، ولا أنكد عيشاً، ولا أتعب قلباً"4.


    ونحن في هذا الموضوع لن نتعرض لذكر الأسباب التي أوصلت الكثير إلى هذه الحال، فهي كثيرة،، ولكننا سنذكر الأسباب التي ينشرح بها الصدر، ويطمئن بها القلب، وترتاح بها النفس، ليُفهم الشيء من ضده، فكما أن هناك أسباباً لانشراح الصدر، فإن ضدها هو ما يجعل الصدر ضيقاً حرجاً،،

    فمن أسباب انشراح الصدر وطمأنينة البال ما يلي:

    السبب الأول والأهم من أسباب إنشراح الصدر: التوحيد، وعلى حسب كماله وقوته وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه، قال الله تعالى: {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء} سورة الأنعام(125). قال ابن عباس -رضي الله عنهما- في هذه الآية: "يوسع قلبه للتوحيد والإيمان به"5. فالهدى والتوحيد من أعظم أسباب شرح الصدر، والشرك والضلال من أعظم أسباب ضيق الصدر وانحراجه.

    السبب الثاني: النور الذي يقذفه الله في قلب العبد، وهو نور الإيمان، فإنه يشرح الصدر ويوسعه، ويفرح القلب، فإذا فقد هذا النور من قلب العبد ضاق وحرج، وصار في أضيق سجن وأصعبه؛ وقد روى الترمذي في جامعه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح). قالوا: وما علامة ذلك يا رسول الله؟ قال: (الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله)6. فيصيب العبد من انشراح صدره بحسب نصيبه من هذا النور.

    السبب الثالث: العلم؛ فإنه يشرح الصدر ويوسعه؛ حتى يكون أوسع من الدنيا، والجهل يورثه الضيق والحصر والحبس، فكلما اتسع علم العبد انشرح صدره واتسع، وليس هذا لكل علم، بل للعلم الموروث عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو العلم النافع، فأهله أشرح الناس صدراً، وأوسعهم قلوباً، وأحسنهم أخلاقاً، وأطيبهم عيشاً.

    السبب الرابع: الإنابة إلى الله -سبحانه وتعالى-، ومحبته بكل القلب، والإقبال عليه، والتنعم بعبادته، فلا شيء أشرح لصدر العبد من ذلك حتى إنه ليقول أحياناً: "إن كنت في الجنة في مثل هذه الحالة فإني إذا في عيش طيب".

    السبب الخامس: دوام ذكره على كل حال، وفي كل موطن، فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر ونعيم القلب وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه وحبسه وعذابه7. لأن الله قد قال: {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}. وقد شكا رجل إلى الحسن قساوة قلبه فقال: أدنه من الذكر. وقال: مجلس الذكر محياة العلم ويحدث في القلب الخشوع، القلوب الميتة تحيا بالذكر كما تحيا الأرض الميتة بالقطر.

    بذكر الله ترتاح القلوب *** و دنيانا بذكراه تطيب8

    السبب السادس: الإحسان إلى الخلق، ونفعهم بما يمكنه من المال والجاه، والنفع بالبدن، وأنواع الإحسان، فإنَّ الكريم المحسن أشرح الناس صدراً، وأطيبهم نفساً، وأنعمهم قلباً، والبخيل الذي ليس فيه إحسان أضيق الناس صدراً، وأنكدهم عيشاً، وأعظمهم هماً وغماً.

    السبب السابع: الشجاعة، فإن الشجاع منشرح الصدر، واسع البال، متسع القلب، والجبان: أضيق الناس صدراً، وأحصرهم قلباً، لا فرحة له ولا سرور، ولا لذة له ولا نعيم إلا من جنس ما للحيوان البهيمي.

    السبب الثامن: إخراج دغل القلب من الصفات المذمومة التي توجب ضيقه وعذابه، وتحول بينه وبين حصول البرء، فإنَّ الإنسان إذا أتى الأسباب التي تشرح صدره، ولم يخرج تلك الأوصاف المذمومة من قلبه لم يحظ من انشراح صدره بطائل، وغايته أن يكون له مادتان تعتوران على قلبه، وهو للمادة الغالبة عليه منهما.

    السبب التاسع: ترك فضول النظر والكلام والاستماع والمخالطة والأكل والنوم؛ فإن هذه الفضول تستحيل آلاماً وغموماً وهموماً في القلب تحصره، وتحبسه وتضيقه، ويتعذب بها، بل غالب عذاب الدنيا والآخرة منها، فلا إله إلا الله ما أضيق صدر من ضرب في كل آفة من هذه الآفات بسهم! وما أنكد عيشه! وما أسوأ حاله! وما أشد حصر قلبه! ولا إله إلا الله ما أنعم عيش من ضرب في كل خصلة من تلك الخصال المحمودة بسهم، وكانت همته دائرة عليها، حائمة حولها! فلهذا نصيب وافر من قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} سورة الانفطار (13). ولذلك نصيب وافر من قوله تعالى: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} سورة الانفطار(14). وبينهما مراتب متفاوتة لا يحصيها إلا الله -تبارك وتعالى-9.

    فهذه من الأسباب العظيمة التي تكون سبباً لراحة القلب وسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.

    نسأل الله أن يشرح صدورنا، وأن ينفس كروبنا، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شرور أنفسنا.

    اللهم إنا عبيدك بنو عبيدك بنو أمائك نواصينا بيدك، ماض فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، نسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا.

    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.






    1 تفسير القرآن العظيم (4/439).

    2 روي الحديث مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث ضعيف، ضعفه جمع من أهل العلم، منهم العراقي في تخريج الإحياء، والعجلوني في كشف الخفا، والهيثمي في مجمع الزوائد وقد قال: (رواه الطبراني وفيه الربيع بن بدر وهو متروك). وضعفه الألباني في مواضع عدة من كتبه، وقد أخرجه البيهقي في شعب الإيمان مرفوعاً لكنه ضعيف.. وهو من الأحاديث المشهورة على ألسنة الناس، فيرفعونه إلى النبي صلى الله عليه وسلم خطأ.

    3 المدهش(375). لأبي الفرج بن الجوزي. الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت. الطبعة الثانية (1985).

    4 زاد المعاد(2/22).

    5 تفسير ابن كثير (2/234).

    6 رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وغيره، وضعفه الألباني في مشكاة المصابيح برقم (5228).

    7 زاد المعاد في هدي خير العباد (2/22).

    8 لطائف المعارف(16).

    9 راجع: زاد المعاد في هدي خير العباد (2/22). الناشر: مؤسسة الرسالة – مكتبة المنار الإسلامية – بيروت – الكويت. الطبعة الرابعة عشر (1407هـ). تحقيق: شعيب الأرناؤوط – عبد القادر الأرناؤوط.


    موقع إمام المسجد


  13. الحمد لله الملك العلام الملك القدوس السلام، والصلاة والسلام على مسك الختام، وسيد الأنام، محمد بن عبد الله خير من صلَّى وصام، وعلى آله وأصحابه مصابيح الظلام، وعلى التابعين لهم بإحسان على الدوام.

    أما بعد:

    فإن من الأنشطة الناجحة والمفيدة التي ينبغي على القائمين على المساجد وأنشطتها أن يقوموا بها، وأن يحثوا عليها رواد المساجد، وطلاب التحفيظ: الزيارات الهادفة.

    ذلك أن الإسلام قد حث على التزاور والتواصل، وحذر من الهجران والقطيعة؛ فعن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- عن النبيّ -صلى اللّه عليه وسلم-: (أن رجلاً زارَ أخاً له في قرية أخرى فأرصدَ اللّه تعالى على مَدْرَجته -طريقه- مَلَكاً فلما أتى عليه قال : أين تُريد؟ قال: أُريدُ أخاً لي في هذه القرية قال: هل لكَ عليه من نعمة ترُبُّها؟-أي تقصدها وتريدها- قال: لا، غيرَ أني أحببتُه في اللّه تعالى قال: فإني رسولُ اللّه إليك بأن اللّه تعالى قد أحبَّكَ كما أحببتَه فيه)1. وعن أبي هريرة -رضي الله عنها- قال: قال رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلم-: (مَنْ عادَ مَرِيضاً أوْ زَارَ أخاً لَهُ في اللَّهِ -تَعالى- نادَاهُ مُنادٍ: بأنْ طِبْتَ وَطابَ مَمْشاكَ وَتَبَوَّأتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنزِلاً)2. وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يزور أصحابه وجيرانه، فيسأل عمن غاب منهم، ويعود من مرض منهم، ويساعد المحتاج منهم، وقد فعل ذلك أصحابه من بعده؛ فهذان أبو بكر وعمر يقومان بزيارة أم أيمن؛ فعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال أبو بكر لعمر -رضي الله عنه- بعد وفاة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزورها. فلما انتهيا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقالت: إني لا أبكي أني لا أعلم أن ما عند الله تعالى خير لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء. فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معه3.


    ولكن ينبغي على القائمين على مثل هذه الأنشطة -أعني الزيارات- أن تكون النية في هذه الزيارة خالصة لوجه الله، وأن تكون الزيارة هادفة، يرجو الزائر من ورائها تحقيق أهداف بعينها، فإلى القائمين على هذه الأنشطة أسوق نماذج للزيارات الهادفة التي يمكن القيام بها، وهي كالتالي:


    أولا: زيارة من تجب عليك زيارته؛ كالوالدين إذا كانا يسكنان لوحدهما أو في بلد غير البلد التي تعيش فيه, وكذلك زيارة وصلة الأرحام اللاتي لا يوصلن إلا من قبلك.

    ثانياً: زيارة أهل الفضل والعلم والتقى؛ فعن ابن عباس -رضي اللّه عنهما- قال: قال النبيّ -صلى اللّه عليه وسلم- لجبريل -صلى اللّه عليه وسلم-: (ما يَمْنَعُكَ أنْ تَزُورَنا أكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنا؟) فنزلتْ: {وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أيْدِينا وَما خَلْفَنا}4. سورة مريم (64). فزيارة أهل الفضل والعلم من أجل سؤالهم عما أشكل، والاستفادة من علمهم وخبرتهم، ومن تجاربهم.

    ثالثاً: زيارة أصحاب الوجاهة والرأي؛ من أجل دعوتهم، وإهدائهم بعض الكتب والأشرطة، وإطلاعهم على جهود الدعوة وأهلها، وتوضيح بعض الشبه التي تثار حول الدعاة، وذلك من أجل كسبهم لحماية أهل الدعوة، والحفاظ عليها.

    رابعاً: زيارة الجيران والأصدقاء والخلان، وغير ذلك من عموم المسلمين؛ وذلك لأن الزيارة وسيلة من وسائل توثيق المودة، وتآلف القلوب، وتقوية الروابط.

    خامساً: زيارات المرضى إلى بيوتهم أو إلى المستشفيات، وذلك لإيناسهم والدعاء لهم؛ وقد أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- بزيارة المريض؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (حق المسلم على المسلم خمس) -وذكر منها-: (وعيادة المريض)5. فقد زار صلى الله عليه وسلم غلاماً يهودياً كان يخدمه؛ فعن أنس -رضي الله عنه- قال: كان غلام يهودي يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- فمرض، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- يعوده فقعد عند رأسه فقال له: (أسلم). فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- فأسلم، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: (الحمد لله الذي أنقذه من النار)6.

    سادساً: زيارة القبور لترقيق القلوب، وللدعاء للموتى، وللعظة والذكرى؛ فإن تلك زيارة سنية، وسنة نبوية؛ فعن بريدة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)7. وفي سنن ابن ماجه عن ابن مسعود أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة). وزيارة القبور خاصة بالرجال دون النساء؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى النساء عن زيارة القبور، ولعن زوارات القبور.

    ومن زيارة القبور زيارة الشهداء من أهل البقيع؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كلما كان ليلتها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخرج من آخر الليل إلى البقيع، فيقول: (السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين، وأتاكم ما توعدون، غداً مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد)8.

    سابعاً: زيارة الأماكن الفاضلة المباركة؛ كالمسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى؛ وذلك من أجل الصلاة في تلك المساجد الثلاثة؛ لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ومسجد الأقصى)9. وكذلك زيارة مسجد قباء، وصلاة ركعتين فيه؛ لمن ذهب لأداء مناسك الحج والعمرة؛ فعن ابن عمر قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأتي مسجد قباء راكباً وماشياً فيصلي فيه ركعتين"10.

    عاشراً: زيارة مكاتب دعوة الجاليات، وذلك لمساندة القائمين عليها، وتشجيع الداخلين في الإسلام حديثاً..

    فعلى القائمين بشؤون المساجد والأنشطة فيها أن يحيوا هذا النشاط بين طلاب التحفيظ، وبين رواد المساجد، ولتكن هذه الزيارات مجدولة، فمثلا شهرية، مع الأخذ في الحسبان أنه لابد من التنسيق مع الجهة التي تزار، وأن يكون الوقت مناسباً.

    والله نسأل أن يوفق القائمين على المساجد لتـأدية الرسالة الموكلة إليهم، وأن يقوموا بذلك خير قيام. وأن يبارك في جهود الجميع، وأن يتقبل منا صالح الأعمال والأقوال إنه سميع قريب مجيب. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.




    1 رواه مسلم.

    2 رواه الترمذي وابن ماجه، وهو حديث حسن، وانظر الجامع الصغير (5/ 322 ).

    3 رواه مسلم.

    4 رواه البخاري.

    5 متفقٌ عليه.

    6 رواه البخاري .

    7 رواه مسلم.

    8 رواه مسلم.

    9 رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ البخاري.

    10 رواه البخاري ومسلم واللفظ له.

    موقع امام المسجد

  14.  

    الدلالة اللفظية لكلمة ( الأمي) في التنزيل وأقوال المفسرين فيها
    د. صالح بن عبد الله التركي

    الحمد لله رب العالمين وبعد :

    يقول المولى عز وجل في وصف نبيه عليه السلام في الأعراف
    (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي)
    قال الإمام ابن كثير رحمه الله : وهكذا كان، صلوات الله وسلامه عليه دائما أبدا إلى يوم القيامة، لا يُحْسِن الكتابة ولا يخط سطرا ولا حرفا بيده

    قال القرطبي رحمه الله في تفسيره : الأمي هو المنسوب للأمة الأمية التي هي على أصل ولادتها لا تقرأ ولا تكتب وحينما جاء جبريل عليه السلام للنبي عليه السلام في الغار وقال له ( اقرأ, فقال: ما أنا بقارئ ) والحديث في البخاري ويقول تعالى مبينا وصف هذه الأمة (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم)

    وجاء في البخاري قال عليه الصلاة والسلام (نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب...)

    ويقول الحق جل شأنه في مقررا حال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لرتاب المبطلون)

    قال ابن كثير رحمه الله : قد لبثت في قومك -يا محمد -ومن قبل أن تأتي بهذا القرآن عُمرا لا تقرأ كتابا ولا تحسن الكتابة، بل كل أحد من قومك وغيرهم يعرف أنك رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب

    قال ابن عباس رضي الله عنه : كان نبيكم صلى الله عليه وسلم أميا لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب

    وصفة (الأمي) للرسول صلى الله عليه وسلم هي صفة كمال فيه ، كما هي صفة نقص في غيره من الأمة ولو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكتب ويقرأ لأصبح هنالك شك وريب عند المبطلين في قضية القران الكريم في صدق الرسول عليه الصلاة والسلام من عدمه ، ولكن لا حجة لهم بذلك ، لأن هذه الصفة (الأمي) قطعت الطريق والحجة على كل من لديه شك أو ريب في نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الوحي وقد وصف الله تعالى هذه الأمة بقوله (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم) إذا الرسول صلى الله عليه وسلم من الأميين ،

    قال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية : الأميون الذين لا يكتبون . وكذلك كانت قريش وكانت اليهود تتعالى على العرب بقولها (ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل )

    جاء عند ابن جرير عن ابن عباس قال : وذلك أن أهل الكتاب كانوا يقولون : ليس علينا جناح فيما أصبنا من هؤلاء ، لأنهم أميون

    وصفوة الكلام أن تفسير (الأمي) هو الذي لا يقرأ ولا يكتب كما قرره علماء التفسير وعلماء اللغة ، وليس لهذا التفسير صارف عن هذا المعنى وهذا التحقيق لا كما يدعيه المبطلون من العقلانيين وغيرهم من أن تفسير (الأمي) نسبة إلى أم القرى فلم يقل بهذا التفسير أحد من أهل التفسير المعتبرين من السلف والخلف

    أسأل الله تعالى أن ينفع بما علمنا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.من روائع القرآن الكريم - الدلالة اللفظية لكلمة ( الأمي) في التنزيل وأقوال المفسرين فيها

    - د. صالح بن عبد الله التركي


    اسلاميات


  15. شهر رمضان 1441 هـ - 2020 م

    شهر الصيام

     


    الحمد لله الذي جعل رمضان شهر صيام وقيام، وبر وإحسان، وتوبة وغفران، تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وتصفَّد مَرَدَة الشياطين والجان. أوله الرحمة، وأوسطه المغفرة، وآخره العتق من النار. فهلمَّ بنا نستقبل رمضان بما يستحقه، واسمع لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفِّدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يُفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، يا باغي الشر أقصِر. ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة)) فيا باغي الخير، هذا رمضان قد أقبل، فتزوَّد له، وتزوَّد منه؛ فهو مدرسة المتقين: ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ) [البقرة: 197].



    فلا تضيِّع الفرصة، واحرص على الدقيقة؛ بل الثانية؛ بل النفَس أن يكون في طاعة الله تعالى ومرضاته لعلك تكون في أول دقيقة من أول ليلة من المعتقين، وإياك أن تكون من المُبعدين؛ فقد قال الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم: ((إن جبرائيل عليه السلام أتاني فقال: مَن أدركه شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعَده اللهُ، قل: آمين. فقلت: آمين)).



    فاستقبِل الشهر بتوبة صادقة، وإنابة خالصة، وأظهِر الذل والانكسار، وأكثِر الاستغفار، وسارِع الخُطى؛ فإن وصلتَ عَتبة بابه صحِّح النيات، واجعلها خالصة لرب الأرض والسماوات، ولا تَرْجُ إلا الله والدار الآخرة، وادخل بعزم وثبات تجد أبوابًا للخير قد فُتحتْ، ويا فوز الداخلين القائلين: ( وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا ) [الإسراء: 80]، ودونك تذكير ببعضها:

    أولًا: باب الصيام:

    أخا الإيمان، باغيَ الخير، قد ناداك ربك: ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183].

    فصُم صيامًا يُحبُّه الله ويرضاه، واحرص على قطف جناهُ ( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) [البقرة: 183]، ولا تجعل نصيبَك منه الجوعَ والعطش، فتحصد الندامة والآلام يوم ينادَى أهلُ الصيام، ليدخلوا الجِنان، من باب الريان، واسمع لقول إمام المتقين محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
    ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدَّم من ذنبه)).

    ((الصيام جُنَّة، وإذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث ولا يَجهل، وإن امرؤ قاتَله أو شاتَمه فليقل: إني صائم، إني صائم. والذي نفسي بيده، لخلوف في الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه من أجلي، الصيام لي، وأنا أجزي به، والحسنة بعَشر أمثالها)).

    ((مَن لم يَدَعْ قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يَدَعَ طعامه وشرابه)).

    وعلى الله البيان، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التطبيق، وهنيئًا لمن صام حق الصيام.


    ثانيًا: باب القيام:

    يا باغيَ الخير، إذا جَنَّ ليل رمضان فنافِس القائمين، وتدبَّر قول رب العالمين: ( أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ) [الزمر: 9].


    وحقِّق قوله صلى الله عليه وسلم:
    ((مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)).

    واحرص على أن يكون النومُ قليلًا، والقيامُ طويلًا؛ فما هي إلا ليالٍ معدودات، بادر من الليلة الأولى بأداء صلاة التراويح، واحمل أهلك على أدائها، ولا تَقنع بصلاة قصيرة. اخشع في صلاتك، وتدبَّر الآيات، عظِّم الرب وسبِّحه في ركوعك، وتقرَّب إليه، وألحَّ بالدعاء في سجودك، وادعُه بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى، ولا تنسَنا وسائر المسلمين. وإياك ثم إياك أن تضيع الليل بالنوم أو السهر على الملهيات، وكثرة القيل والقال مع الأهل والأصحاب، أو الذهاب إلى الأسواق؛ فذلك واللهِ عينُ الخسران.


    ثالثًا: باب القرآن:

    يا باغي الخير، أقبِل على كتاب ربك تلاوة وتدبُّرًا وعملًا، واجعله شغلك الشاغل؛ فرمضان شهر القرآن. هذا جبريل عليه السلام يلقَى رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ليلة من رمضان يدارسه القرآن، وعلى هذا أئمة الإسلام؛ فمالك رحمه الله يترك مجالس الحديث في رمضان ويقبل على القرآن. والزهري يقول عن رمضان: إنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام.

    وقتادة يختم القرآن في غير رمضان كل سبع ليال، فإذا أقبل ختم كل ثلاث ليال. وتذكر قوله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألم حرف، ولكن (ألف) حرف، و(لام) حرف، و(ميم) حرف.)).


    رابعًا: باب الإنفاق:

    يا باغي الخير، أنفق من الخير الذي رزقك الله، ورُبَّ درهم يسبق ألف درهم، ولا تحقرنَّ من المعروف شيئًا ولو تمرة تفطِّر بها صائمًا. تفقَّد الفقراء والمساكين، وليذكِّرك صيامك بالجائعين، فلا تجعلنَّ موائدك وقفًا على الأغنياء من أهلك وأصحابك وتنسى المحتاجين. ابذل في سبيل الله من أطيب مالك؛ فالله طيب لا يقبل إلا طيِّبًا، وأجرك عند ربك محفوظ؛ قال تعالى: ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) [البقرة: 274].

    وقال أيضًا: (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ) [البقرة: 272].

    وكلما أكثرت فأنت الرابح: ( وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )[البقرة: 261].

    وخير نفقة في رمضان تصرف في إطعام الطعام؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من فطَّر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئًا)).


    خامسًا: باب العشر الأواخر من رمضان:

    يا باغي الخير، إنْ بلَّغك اللهُ هذه العشر فاحمده سبحانه وتعالى لما فيها من الخير العظيم، والأجر الكبير، واسأله الإعانة والتوفيق لحسن الاستغلال؛ فقد كان نبيك صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيى ليله، وأيقظ أهله.


    واحرص أخي على التماس ليلة القدر؛ فهي خير من ألف شهر، قال صلى الله عليه وسلم:
    ((من قام ليلة القدْر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)).


    والله عز وجل يقول:
    (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) [آل عمران: 133].
    (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) [الحديد: 21].


    فَكُنْ من المجتهدين لتنال مغفرة رب العالمين:
    (وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) [البقرة: 268].


    سادسًا: باب الخير:
    يا باغي الخير، هذا باب أعرض عنه كثير من المسلمين، فاحرص على دخوله تجد ما تبغي؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    ((لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر، وأخَّروا السحور)).


    وجاء في الحديث القدسي:
    ((أَحَبُّ عبادي إلى أعجلُهم فطرًا)).


    وتمسَّك بهذا الخير، واعلم أنه من أخلاق النبوَّة، قال عليه الصلاة والسلام:
    ((ثلاث مِن أخلاق النبوَّة: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة)).

    وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي المغرب حتى يفطر ولو على شربة ماء، وكان يؤخر السحور ويقول:
    ((تسحَّروا؛ فإن في السحور بركة)).

    ويقول أيضًا:
    ((السحور أكلة بركة؛ فلا تَدَعُوه ولو أن يجرع أحدُكم جرعة من ماء؛ فإن الله وملائكته يُصلُّون على المتسحِّرين)).


    واعلم أخي أن ما يفعله بعض المسلمين اليوم بحجة الاحتياط؛ من الإمساك عن الطعام والشراب عند الأذان الأول، وتأخير الفطور مدة بعد الغروب مِن التنطع الذي قال عنه محمد صلى الله عليه وسلم:
    ((هلك المتنطِّعون)).


    والله عز وجل يقول:
    (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) [البقرة: 268].

    ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
    ((إذا أقبَل الليلُ مِن ها هنا، وأدْبر النهارُ مِن ها هنا، وغربت الشمسُ فقد أفطر الصائم)).

    وصلى الله وسلم على محمد القائل:
    ((خيرُ الكلامِ كلامُ اللهِ، وخيرُ الهَدْيِ هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم)).

    وختـامًا:
    أرجو الله تعالى أن يجعلنا مِن المقبولين، وأن يكرمنا بعتق رقابنا مِن النار، ويجعلنا مع الأبرار؛ إنه وليُّ ذلك، والقادر عليه، ولْتعلم أخي أن ما ذكرناه غيضٌ مِن فيض، وأبواب الخير لا يمكن حصرها في طلبها، وإنْ عَلِمَ الله في صدرك خيرًا آتاك خيرًا، وتذكَّر دائمًا أن الجنة غالية، وثمنها نفسُك ومالُك.

    (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ) [التوبة:111].

    فهل مِن باذل؟


    شبكة الالوكة

     



  16. الشيخ: محمد صالح المنجد



    عناصر الخطبة:
    1. أهمية اليقين بوعد الله في علاج القلق.
    2. تأمين المستقبل يكون بالتوكل على الله.
    3. قدرة الله في تصريف الأمور وتقسيم الأرزاق.
    4. الناس فقراء إلى الله.
    5. أحوال الناس في تقلب دائم.
    6. الفرق بين من تعلق بالمال ومن تعلق بالله عند الأزمات.
    7. ضعف الإيمان سبب لعدم تحمل الأزمات.
    8. كيف نواجه الأزمات؟

    الخطبة الأولى:
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد:

    أهمية اليقين بوعد الله في علاج القلق

    فإن الناظر في حال العالم اليوم -عباد الله- يرى أن مما يسيطر عليه القلقُ والفزعُ، والهلعُ والذعرُ؛ وذلك بسبب ما حصل فيه من اضطراب أوضاع العالم المالية، وقد ذكر ربنا سبحانه وتعالى في كتابه أوصافاً للإنسان أنه خُلق هلوعاً: {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} (المعارج:20-21)، الجزع والهلع. الهلع والذعر لما يصيبه، ومقاومة هذا -عباد الله- بأن يعلم العبد أن الله سبحانه وتعالى هو خالق الخلق، ومدبر الأكوان. أن يوقن بأنه عز وجل كما قال في كتابه: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (الأنعام:59). أن يوقن بأن الله سبحانه وتعالى بيده خزائن السموات والأرض. أن يوقن بأن ما عندكم ينفد، وما عند الله لا ينفد.

    تأمين المستقبل يكون بالتوكل على الله

    أن يوقن بأن الذي يتوكل على ربه فإنما يأوي إلى ركن شديد، وأن يوقن بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي ينجِّي من الكربات، من كربات البحر، ومن الكربات المالية، ومن جميع أنواع الكُرب، كما قال سبحانه وتعالى في كتابه: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} (الأنعام:63-64)، وهكذا يؤمن العبد أيضاً بأن المستقبل بيد الله، وأنه لا يمكن لأحد أن يؤمن مستقبله، ومن قال: أنا أمَّنت مستقبلي، أو أمَّنت مستقبل أولادي فهو واهم؛ لأن هنالك مفاجآت، وأحداث عظام لا يعلمها إلا الله، وكم من الناس قد اعتمدوا على أرصدة فتبخرت، وكم من الناس قد اعتمدوا على أشياء فتلفت واحترقت، ولذلك فإن علم الغيب عند الله، وتأمين المستقبل بيد الله؛ فهو الذي يعلم الأمور والحقائق، والبواطن والمآلات. والعباد مهما حاولوا استشراف المستقبل فإنهم يضلون، ويخطئون، ويزلون: {لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} (الأنعام:67)، فمن الذي يعلم مستقر الأنباء؟ من الذي يعلم مستقر الأحوال؟ إنه الله الواحد العزيز القهار سبحانه وتعالى، ولذلك أخبرنا أنه لا يعلم الغيب إلا هو.

    قدرة الله في تصريف الأمور وتقسيم الأرزاق

    قهر عباده بأمور ومنها هذا، أنهم مهما حاولوا استكشاف المستقبل لا يستطيعون أن يعلموا ماذا سيحدث غداً؟! وهكذا ترى اليوم في التذبذبات المالية، واضطرابات الأسواق، يوم تصعد، ويوم تهبط، ولا يدرون ماذا يفعلون، ولذلك يُعبر بعضهم، فيقول: المستقبل ضبابي، المستقبل المالي غامض، فاعترفوا بعجزهم. كبار الخبراء يقولون: المستقبل المالي غامض، والأمور ضبابية، فمن الذي يعلم المستقبل؟ ويعلم ما فيه؟ سبحانه وتعالى، لا إله غيره، ولا رب سواه، ولا يعلم الغيب إلا هو عز وجل. ومن الأمور التي تهدِّأ النفوس أن يعلم العبد أن الله هو الرزاق: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ…} (الأنعام:95-98)، وهكذا الدواب يعلم الله رزقها، ومستقرها، ومستودعها.

    تفكر -يا عبد الله- في قضية المستقر والمستودع: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ * وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ} (الأنعام:98-99)، جعل الرزق في نباتات، هذا رزقه، والناس يتوكلون على أرصدة وهمية، وأرصدة تتبخر: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ…} (الأنعام:95-99) لماذا؟ رزقاً للعباد: {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ} (البقرة: من الآية22) لماذا؟ رزقاً للعباد، فهو الذي يرزقهم، ويجعلون له شركاء! ويكفرون به! ويتوكلون على غيره!.


    الناس فقراء إلى الله

    وهو سبحانه وتعالى الواحد القهار، المستغني عن خلقه؛ يحتاجونه، ولا يحتاج إليهم، سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ…} (فاطر: من الآية15){يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} (فاطر: من الآية15)، أنتم الفقراء ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (فاطر:15)؛ فالفقير يحتاج إليه كي يغنيه، والمريض يحتاج إليه كي يشفيه، وهذا المضطر، وصاحب الكربة يحتاج إليه كي يُنجيه، وإذا شح المطر عجَّوا إليه بالاستسقاء، وإذا قل الرزق ألحُّوا عليه بالدعاء، فهو الذي يرزق، وهو الذي يُفقر، وهو الذي يُغني، وهو الذي يُحيي، وهو الذي يميت: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ} (آل عمران:26)، فإذا أدرت أن تعتمد على أحد اليوم فاعتمد على الله، وإذا أدرت أن تسأل فسأل الله، وإذا أردت أن ترجع إلى أحد في وقت الفزع فارجع إليه..

     

    فإنه الركن إن خانتك أركان


    عباد الله، ربكم سبحانه وتعالى يبتلي عباده بالشدة والرخاء، والسراء والضراء، ينظر ماذا يفعلون؟ وكيف يعملون؟ سبحانه وتعالى يقلِّب الأحوال على عباده: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (الرحمن: من الآية29) عز وجل؛ ولذلك فإنه ينبغي على العبد إذا صار في حال الاضطراب، والأمر المريج أن يفزع إلى ربه: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} (الإسراء:67)، وهكذا فإنه عز وجل مع الإنسان، والإنسان يطغى: {كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} (العلق:6-7)؛ فإذا اغتنى لم يلجأ إلى الله: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْأِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} (فصلت:51)).


    أحوال الناس في تقلب دائم
    تقلُّب الأحوال بالناس، وأنت تسمع على مر الأخبار في العالم اليوم أناس كانوا في قمة الثراء، فصاروا مفلسين، وكذلك فقدان للوظائف؛ يسمع الواحد ويضطرب، فمن الذي يُفزَع إليه؟ عيادات نفسية؟ إلى المحللين؟ إلى الخبراء؟ إلى الشاشات؟ إلى من؟ إلى الله سبحانه وتعالى. وإن من العجب العُجاب ما يحدث لبعض الناس إذا أصابتهم مصائب، وسنرى فعل هؤلاء، وكيف يكون موقف المؤمن وهو يقارن أفعالهم راجعاً إلى الكتاب والسنة؟. اللهم إنا نسألك الأمن والإيمان، والرزق والاستغناء عن الخلق يا رحمن، اكفنا بحلالك عن حرامك، واغننا بفضلك عن من سواك. اللهم وسع لنا في أرزاقنا، وبارك لنا فيما آتيتنا، واجعل ما آتيتنا عوناً لنا على طاعتك.. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    الخطبة الثانية:

    الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا هو الحي القيوم، وسبحان الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، الفرد فلا ند له، والإله فلا شريك له، خلق فسوى، وهدانا النجدين، وعرَّفنا طريق الخير والشر سبحانه وتعالى. أنزل علينا الكتاب، وبعث إلينا في الأميين رسولاً منا يتلو علينا آياته، ويعلمنا الكتاب والحكمة. وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، اختاره الله واصطفاه، وبعثه رحمة للعالمين، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وذريته الطيبين، وأزواجه وخلفائه الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

    الفرق بين من تعلق بالمال ومن تعلق بالله عند الأزمات

    عباد الله.. ماذا يقع في نفس المسلم وهو يقرأ أخبار الناس؟ "تبخرت مدخرات مستثمرين تأثراً بالأزمة الاقتصادية العالمية وسط حالات من الهلع والذهول والاكتئاب" هذه القضية: هلع ذهول اكتئاب. "ويقضي المستثمرون نهارهم أمام الشاشات، وليلهم في متابعة الفضائيات، لا حديث سوى التحسر على أموالهم التي تبخرت" مفردة "التحسر" من المفردات الأخرى، "التحسر" لماذا؟ لما صارت الأموال في نفوسنا لها وزن كبير، والتعلق بها في النفوس عظيم، والأمر كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} (العاديات:8) يعني المال، وقال: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً} (الفجر:20) تعلقت النفوس بالأموال، في بعض الأحيان أكثر من التعلق بالله الواحد المتعال. لما تتعلق النفوس بالأموال أكثر من الواحد المتعال معناها أنه يوجد خلل؛ ولذلك إذا حدث مثل هذا الحدث، فإن الهلع، والاكتئاب، والتحسر هذا شيء متوقع جداً، لماذا؟ لأن المال عندهم هو كل شيء؛ فمستعد الواحد منهم إذا خسر ماله أن ينتحر؛ لأنه -عند نفسه- ماذا بقي له من الدنيا؟ المؤمن بقيَ له إيمانه، بقيت له صلته بالله، بقيَ له رفع اليدين بالدعاء لربه، بقيت له صلاته، بقيَ له صيامه، بقيَ له ذكره وتلاوته لكتاب الله، بقيت له الأخوة في الله، بقيت له الدعوة إلى الله، بقيَ له بر الوالدين، بقي له صلة الرحم، بقي له حسن الخُلُق، والمعاملة بالحسنى، بقيت للمؤمن أشياء كثيرة ولو خسر ماله، لكن أهل الهلع، والذين تعلقت نفوسهم بالمال إلى الحد الأقصى، إذا خسر ماله ماذا بقيَ له؟ لا شيء، ولذلك يقدم على الانتحار، فَهْم طبيعة الدنيا، ولماذا نحن نعيش فيها؟ في ظل الأزمة في غاية الأهمية: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات:56). هناك عجائب ستحدث في العالم، هنالك أمور كثيرة، ونحن لا ندري ماذا بعد هذه التحولات، ولذلك لا حل إلا باللجوء إلى الله، سلم أمرك لربك، وفوض إليه سبحانه، التوكل تفويض، والإنسان إذا حوصر، وإذا أصابه الكرب، وإذا أصابته الشدة: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} (غافر: من الآية44) هذا شعار المسلم، توكلت عليه ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه أنيب.

    ضعف الإيمان سبب لعدم تحمل الأزمات

    "وإن اجتمعوا لا حديث سوى التحسر على أموالهم التي تبخرت بعد أن فقدوا أكثر من ستين بالمائة من مدخراتهم في بعض البلدان، ولاحظ أحد أطباء مستشفى كذا أن حالات أمراض الضغط والسكر ارتفعت بمعدل ثلاثين في المائة منذ بدء الانهيار" ثلاثين! ((الثلث، والثلث كثير)) [رواه البخاري برقم (5354)، ومسلم برقم (1628) بلفظه]، لماذا لا نتحمل الصدمات؟ ضعف الإيمان بالله؟ ضعف الإيمان بالقضاء والقدر؟ ضعف الإيمان بقوله: ((ما أصابك لم يكن ليخطأك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك)) [رواه أبو داود برقم (4699)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5244)]؟ ضعف الإيمان بقوله: ((لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك))؟ ضعف الإيمان بقوله: ((رفعت الأقلام وجفت الصحف)) [رواه الترمذي برقم (2516)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7957)]؟ ضعف الإيمان بقوله سبحانه وتعالى في كتابه: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} (الحديد: من الآية22)؟ سبحان الله! {إِلَّا فِي كِتَابٍ} يعني مكتوبة عنده عز وجل من قبل أن نبرأها، ونخلقها، ونوجدها في الواقع؟ ضعف الإيمان بقوله: {مَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} (النساء: من الآية79)؟ لأن الإنسان يتلفت، ويقول: من أُتينا؟ ما الذي حدث؟ من أين هذا؟ {قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} (آل عمران: من الآية165). أيها الإخوة، المصيبة المالية التي حصلت في العالم لم تكن بآفة سماوية، ولا بزلزال، ولا بتسونامي، ولا بحدث أجراه الله من جنس الفيضانات، والبراكين، لا، كان شيئاً مما عملته أيدي البشر، هم عملوه، وهم جَنَوه، هم زَرعُوه، وهم حصدوه، هم السبب فيه، وهذه آية كبيرة وعظيمة. "ويتداول المستثمرون حكاية شخص توفي بسكتة قلبية أصابته بعد أن فقد خمسين مليون كذا في أسواق الأسهم المحلية والعالمية، وآخرين أصيبوا بجلطات دماغية، ويتلقون العلاج" واضح جداً أن الأزمة كشفت الخلل في الإيمان بالقضاء والقدر؛ لذلك صار الوارد قوي، والجسد ضعيف لم يتحمل.. الوارد قوي، والقلب ضعيف فانهار، فالنتيجة صارت جلطة، سكتة، اكتئاب، انهيار نفسي، ونُكمِل، قرَّاء الطالع والمشعوِذون زادت شعبيتهم خلال الأسابيع الأخيرة، كذلك المواقع الالكترونية التي تنشر الأبراج، والتي بات بعض المستثمرين يزرونها يومياً على أمل أن تدلهم على حظهم في اليوم التالي في أسواق الأسهم، يعني لما فقدوا الثقة في المحللين. المحللون لا يغنون عنهم شيئاً، قالوا وأخطؤوا، وقالوا وكذبوا، بدل من اللجوء إلى الله يتم اللجوء إلى الأبراج! إلى قرَّاء الكف! إلى العرافين! سبحان الله!. من الذي يعلم الغيب؟ العرَّاف يعلم الغيب؟! هذا قارئ الطالع يعرف الغيب؟! هذا الموقع الذي فيه أبراجك، كلام فارغ، هو أصلاً القائم على الموقع هذا هو الذي أنشأه، وألفه، وكتبه من عنده، هو الذي صفَّه أمامهم، ثم لم يخجل فلان الموظف من الإفصاح بأنه لا يراقب الأسواق العالمية، ولا أخبار الشاشات، وإنما يعتمد على قراءة برجه في اليوم التالي ليتخذ قراره بالبيع أو الشراء!

    يعني عدنا إلى الجاهلية الأولى، صارت القضية بالرغم من التقدم التقني هذا كله خبط عشواء، وهي مشكلة البشرية الشرك والإخلال بالتوحيد.
    وآخرون -فيما يتقاذف البشر حول العالم التهم، والأسئلة، والتحليلات عن الأسباب الحقيقة وراء النكسات، والكوارث الأخيرة- يقوم أحدهم ليقول: "إن السبب فيما حصل الهيجان الشمسي" سبحان الله! رجعنا إلى قضية تأثير الكواكب في الأرض، واعتقاد أن النجوم، والشمس، والقمر تؤثر، وتفقر، وتغني، ما هذا؟ إلى هذه الدرجة! إذا صارت مثل هذه الأزمة يفقد الناس التوحيد، والتعلق بالله، وعلوم القرآن والسنة، والقواعد الأساسية، والثوابت الشرعية! وهذا لا يستطيع الصمود، فينهار ويموت، أو يكتئب وينتحر! وهذا يفزع إلى العرافين والكهان.

    كيف نواجه الأزمات؟

    أين الدين؟ أين الإيمان؟ أين التوحيد؟ ((بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء)) [رواه الترمذي برقم (3388)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5745)] من الذي يضر وينفع؟ من الذي يقدر الأمر؟ من الذي يُجري الأقدار؟ من الذي يكور الليل على النهار؟ إنه الواحد القهار سبحانه وتعالى، فإليه فافزعوا، وإليه فالجؤوا، وإليه المآب؛ فبه تحصَّنوا، وبه تعوذوا، وعليه توكلوا، وإليه أنيبوا، وإليه توبوا، وإليه الأكف فارفعوا. المؤمن يلجأ إلى الله.. هذه العبر -أيها الإخوة- من المهم جداً أن نتلمسها، ونتعلمها، ونعلمها في خضم الأحداث، ولا تدري ماذا يأتي غداً؟ فإذا لم تكن قد أعددت عدة من العلم بالله، وكتابه، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، إذا لم يكن معك زاد من التوحيد، والعلم بالكتاب والسنة تصرع وتهلك. اللهم إنا نسألك التوحيد، والاستمساك بالعروة الوثقى يا رب العالمين.

    اللهم ارزقنا التقوى، والفقه في الدين. اللهم إنا نسألك أن تجعلنا في أمن وآمان، وخير وعافية يا رحمن. اللهم إنا نسألك الأمن في البلاد، والإيمان في القلوب يا رب العباد. أحينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين. آمنا في أوطاننا، وأصلح ذات بيننا، وأرشد أئمتنا وولاة أمرنا، واجعلنا على الحق ثابتين يا أرحم الرحمين. اللهم إنا نعوذ بك من الزلل، والقسوة والغفلة، والعيلة والمسكنة يا غني يا كريم. اغننا من فضلك، اغننا بحلالك عن حرامك. اللهم إنا نسألك أن تبارك لنا فيما آتيتنا. اللهم إنا نسألك أن تجنبنا فقراً منسياً، وغنىً مطغياً يا رب العالمين. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. اللهم أصلحنا وأصلح أولادنا وذرياتنا وأهلينا يا رب العالمين، نسألك الهدى والرشاد. اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

    مواقع امام المسجد

     

     


  17. (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً )

    اليتيم طريق للجنة (أنا وكافل اليتيم في الجنة) ، وطريق للنار (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا). / ماجد الغامدي


    (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا.. )

    أكل مال اليتيم من الموبقات:

    جاء في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنِبوا السبع الموبقات))، قيل: يا رسول الله، وما هنَّ؟ قال: ((الشِّرك بالله، والسِّحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولِّي يوم الزحْف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)).



    عقوبة أكل مال اليتيم:

    قال السديُّ: يُبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة ولهب النار يخرج مِن فِيهِ، ومن مسامعه وأنفه وعينيه، فيعرفه كل مَن رآه بأكل مال اليتيم.


    وروى ابن مردوَيه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يُبعث يوم القيامة القوم من قبورهم تأجَّج أفواههم نارًا))، قيل: يا رسول الله، مَن هم؟ قال: ((ألم تر أن الله قال: ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا )الآيةَ [النساء: 10]؟)).


    يأكلون في بطونهم نارًا:

    إن كل طعام أو شراب مَورِده من هذه الكبيرة هو في حقيقة الأمر نارٌ تَدخُل بدن المُعتدي، فتحرِق كيانه وهو لا يدري؛ لغفلته وجهلِه.



    نار الدنيا:

    هي تِلكم الأمراض الخبيثة التي تُهشِّم بدن الأثيم المعتدي على مال اليتيم.

    هي تلكم الحرارة التي تأتي على البدن فتُشوِّهه وتَحرقه.

    هي ذلك التغيُّر المفاجئ للمَزاج، من حال إلى حال.

    هي تلكم المصائب والشدائد التي يَشيب لهولها الولدان.

    كيف لا وهذه الكبيرة توبق صاحبها في المهالك العاجلة والآجلة؟!



    أما نار الآخرة، فهي السعير:

    معنى السعير: سعير جمعها "سُعُر": نار شديدة ملتهبة.

    ناقة مسعورة؛ نحو: موقدة، ومهيجة.

    إن صاحب هذه الجريمة الشَّنعاء يَنتهي من نار صغرى في الدنيا إلى نار كبرى في الآخرة، وهي السعير التي تشتعِل في بدنه فتَحرقه حرقًا شديدًا، فيصير يتلوَّى فيها كالمَسعور المدحور.



    الفوائد:

    1- قيمة اليتامى وعظيم شأنهم عند الرب - جل وعلا.

    2- هوان آكل مال اليتامى أمام الرب - تقدَّس وعلا - حتى ولو كان صوَّامًا قوَّامًا.

    3- من الكبائر ما لا ينفع معها صرف ولا عدل.

    4- من الذنوب ما يُعجل عقوبتها في الدنيا قبل الآخرة.

    5- نار الدنيا هي تِلكم الأمراض التي تأتي على البدن فتُشوِّهه وتحوله - عياذًا بالله.

    6- آكل مال اليتيم سيكون عما قريب عِبرةً لغيره؛ لما يحلُّ عليه من عقاب.

    7- آكل مال اليتيم يَصير في بطن جهنم مسعورًا من شدة العذاب.



    الوصية:

    ضرورة الهرب والفرار من غضب القهار، ومن حرِّ النار؛ بعدم القرب من هذا الحصن المنيع الذي بناه الباري - سبحانه وتعالى - ليَحمي به أموال اليتامى، فالذي يَحوم حوله فليحذر؛ فالخصم هو الله - جل في علاه - ومن كان خصمه الله، قصَمه الله، وعجَّل عقوبته، وأخزاه في دنياه وفي أخراه.

    البشرى:

    كافل اليتيم، والقائم على خدمته، والذي يأكل من ماله بالمعروف إن كان فقيرًا: يبشِّره النبي صلى الله عليه وسلم بمرافقته في الجنة؛ فعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة - وأشار بالسبابة والوسطى، وفرَّق بينهما قليلاً))؛ أخرجه أحمد 5 / 333 (23208) و(البخاري) 7 / 68 (5304)

    شبكة الالوكة



    38630384_261536567782505_823429850518362
     

  18. (ويكون الدين لله) (ويكون الدين كله لله)
    د. صالح بن عبدالله التركي

    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي جعل لنا القُرْآن ضياءًا ونورًا، وصلى الله وسلم على الهادي البشير نبينا محمد.
    يقول الله -جَلَّ شأنه- في القُرْآن العظيم في سورة البقرة:
    (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ)[البقرة: 193].
    وقال الله عزَّ وجل في سورة الأنفال:
    (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ)[الأنفال: 39].

    هذا حكمٌ من الله عزَّ وجل بقتال الكفار في كل زمانٍ ومكان، وهذا الحكم باقٍ إلى قيام الساعة، فقال الله عزَّ وجل في البقرة: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ)[البقرة: 193]، هذا حكمٌ خاصٌ بكفار مكة في زمن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما هو السياق القُرْآني. يقول الله عزَّ وجل: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ)[البقرة: 191 - 193].

    إِذًا هذا القتال وهذا الحكم خاصٌ بكفار مكة وبقتالهم عند الحرم، وهذا جاء عند الكرماني في "أسرار التكرار" وجاء أَيْضًا عند الغرناطي في "مِلاك التأويل". أما ما جاء في سورة الأنفال فَإِنَّ الحكم عامٌ لقتال الكفار في كل زمانٍ ومكان، حيث يقول الله عزَّ وجل: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ)[الأنفال: 39]، فجاء بلفظ كل في الآية لأن القتال عامٌ لكل زمانٍ ومكان كما جاء أَيْضًا عند الكرماني في "أسرار التكرار" وعند غيره. فكل آيةٍ عبَّرت لحالة قتالٍ في كل زمانٍ ومكان، فآية البقرة خاصةٌ بقتال الكفار عند الحرم، وآية الأنفال عامةٌ لقتال الكفار في كل زمانٍ ومكان. أسأل -الله تَعَالَى- أن يجعل هذا حجةً لنا لا علينا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد

    من روائع القرآن الكريم - د. صالح التركي - (ويكون الدين لله) (ويكون الدين كله لله

    اسلاميات

  19. (1)

    أمسك عليك لسانك وقلمك فلا تقل و لا تكتب ولا تسخر و لا تستهزأ و لا تتفاعل مع أى حد يثير في داخلك فكرة أن الله غاضب وأن القيامة ستقوم وأن وأن وأن .........

    لا تسىء الظن بالله ..

    و لا تُعيّش الناس معك في جو الشؤم و الهلع و ووقف الحال فالناس ليست بحاجة إلى وقف حال أكثر مما هى فيه من وقف حال و تعطيل عن العمل و الوظائف و قلة الرزق و تكالب المرض و إعاقات الإحتياجات الخاصة وسيطرة الهموم...

    فكل فيه ما يكفيه بل و زيادة من هنا وحتى قيام الساعه.

    لا يجرى شيئا بالكون بدون علم و إرادة خالقه , لن يموت أحد قبل أن يحصل على نصيبه كاملا غير منقوص من الدنيا كما أراد الله وليس كما أراد العباد .

    لا يدفع ثمن سوء الظن بالله سوى صاحبه .

    أمر المؤمن كله خير فأهلا وسهلا بكل أمور الله و أقدار الله لكن أهلا بها برضا
    و أهلا بها بحب و تفاؤل وتسليم واستبشار .

    بحول الله ستتجلى الغمة وستنتهى لكن وقبل أن تنتهى فكّر كثيرا فى دروك فيها
    أأنت محبط للناس زائدا عليهم أم أنك ملهم مبشَر مُطمِئن لهم .

    ستنجلي هذه الغمة...
    فرب الخير لاياتي إلا بالخير.
    وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا .
    بشّروا و لاتنفروا .


    (2)
    كورونا فرصة لمن يريد حقا أن يعتبر و يتعظ .
    كورونا فرصة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
    فرصة لمن مات ضميره منا أن يحييه مرة أخرى .
    فرصة لمن أهان أن يندم و يسترضى من أهانه وخذله و يرفع عنه ما أصابه وما به أحرجه .
    فرصة لمن أخذ حقا من حقوق أحد ولم يرده إليه أن يرده اليوم ومنه يتحلل.
    فرصة لمن سَمْته وطبعه الجفاء و القسوة أن يتغير إلى اللين و الرقة.
    فرصة لمن طبعه الكبْرو التعالى على الناس أن يتواضع ويخفض الجناح .
    فرصة لكل عاق لوالديه أن يتوب و ينزل على أقدامهما للتقبيل و التمسح بها لنيل الرضا.
    فرصة لمن كان يغفل عن محاسبة نفسه أن يبدأ في محاسبتها ومعالجة تقصيرها.
    فرصة إرتقاء الجانب الإيمانى التعبدى وهو ما يتعلق بعلاقاتنا مع الخالق .
    فرصة إرتقاء الجانب الأخلاقى السلوكى مع الناس وهو ما يتعلق بالتعاملات و العلاقات.
    فرصة إرتقاء وازع الضمير أن يحيا في الناس وليدركوا أن وازع الضمير اليوم وفى هذه المحنة قد تكون حاجتنا اليه أكبر من حاجتنا الى الطعام والشراب؛ فالجوع والظمأ لن يؤثرَ فينا كما يؤثر موت ضمائر الكثير منا إلا من رحم الله .
    كورونا فرصة لتعديل سلوكياتنا ولإفراز منظومة عظيمة من القيم الأخلاقية والفضائل الجميلة، التي تدفع الجميع نحو الاستقرار والأمان والخير، والأخذ بأيدي بعضنا البعض نحو تحقيق أمان الأرواح و طمأنينة القلوب و إرتقاء النفوس.

    مع كوورنا و أجوائه , تفقد أحوال ضميرك ، أَعِدْ هيكلته، واعرضه على الكتاب والسنة، وليحرص كل منا على أن يكون واقعيا لا يكذب على نفسه , يجب ألَّا يغشَّ روحه، ولا يغتر بها ، وأن يكون من الصادقين؛ قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ )[التوبة: 119].

     


    (3)العاقل في هذه المحنة ...
    يجب أن يسأل نفسه ويكرر السؤال عليها آلاف المرات...

    السؤال الأول:.
    ماذا لو توفانى الله اليوم بكورونا أو غيره ؟
    كيف سأقدم كشف حسابى إلى الله مع الله و كشف حسابى مع الناس و كشف حسابى مع النفس ؟

    السؤال الثانى :.
    لو نجانى الله اليوم من الموت بكورونا أوغيره وتم تأجيل مشيئة السماء لتنفيذ هذا الموت إلى ما
    بعد رحيل كورونا .
    كيف سيكون حالى مع الله ومع الناس ومع النفس؟
    هل سيبقى كل شىء على ما هو عليه ( من سوء الأدب – الغطرسة – الكبر – قلة الذوق – أكل

    الحقوق – قسوة القلوب – التعالى - السفاهة ........ و.و.و. )

    أم سيكون الأمر على أحسن حال ؟
    الأسئلة فقط للعقلاء أصحاب القلوب السليمة ...

    ( إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألفى السمع وهوشهيد )
    أما غيرهم التائهين المنغمسين في دروب فكاكة عقولهم وشطارة مفاهيمهم الخاصة فهؤلاء من غير
    المعنيين بالأسئلة !!!

    لأنهم مشغولون بأمور دنياهم حتى الغرق !!!
    لم يغير فيهم كورونا شيئا كما نراهم حتى اليوم ...

    و ربما لن يغيّرهم ...
    ( ويل للقاسية قلوبهم .. )
    ويل لمن يمر بالبلاء ولم يتعظ ولم ينزجر ولم يعتبر .
    والله المستعان !!!


    (4)

    القشَّة أبدًا لن تغوص في الأعماق؛ لأنها هشَّة وزنها خفيف، وقد لا يكون لها وزنٌ يُذكَر، أما الحجر الكريم فأبدًا لن يطفو على السطح؛ لأنه ثقيل بتركيبته الطبيعية، مما يمكنه بسهولة وباقتدار الغوص في الأعماق والاستقرار فيها.

    كورونا و مدرسة السلوك

    بسلوكك وتصرُّفك، بيدك أن تكون حجرًا كريمًا غالي الثمن تمتلك القلوب، وتغوص فيها، فلا تخرج منها أبد الدهر: (كبار/ صغار/ أزواج/ زوجات/ زملاء/ أبناء/ أمهات/آباء/ معلمين/ موظفين/ تلامذة/محبين/ قريبين/ بعيدين... غيره)،

    بسلوكك وتصرُّفك، بيدك أيضًا أن تكون قشة هشة رخيصة الثمن فلا يكون مكانك إلا أسطح القلوب وخارجها: (كبار/ صغار/ أزواج/ زوجات/ زملاء/ أبناء/ أمهات/ آباء/ معلمين/ موظفين/ تلامذة/ محبين/ قريبين/ بعيدين... غيره).

    كورونا و البوصلة :
    مع أجواء كورونا من الأفضل لك أن تُحدِّد بوصلتك بعناية وبنفسك، حدِّد بوصلتك دون أن تطلب في تحديدها معونة من أحد، فأنت أفضل من يعرف عن نفسك كل شيء، أنت من بيدك أن تكون قشَّةً وأنت أيضًا من بيدك أن تكون حجرًا كريمًا.

    كورونا يدعونا ألا نستمرىء الغفلة:

    1- جاءك كورونا لتنتبه من غفلتك، ولتقف مع نفسك؛ لعل في ذلك نجاتك قبل موتك ورحيلك من الدنيا بسبب كورونا أو غيره.

    2- جاءك
    كورونا , فرصة لتحاسب نفسك , حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن تُوزَن عليكم.

    3- اعلم أن المحاسبة الذاتية (شرط الشفافية والمصداقية) أكبر وأهم خطوة إيجابية نحو اتجاه إصلاح الذات، كما هي خطوة إيجابية نحو إصلاح أخلاقك وقلبك وما يثمره ذلك من سلوكيات، سواء ارتبط ذلك بأمور الدنيا، أو الدين,
    كورونا فرصة سانحة للمحاسبة وتطبيق مفهوم إصلاح الذات .

    4- اعلم أن كل الناجحين في الحياة والمنصفين والعقلاء والحكماء وذوي العقول الكبيرة هم من الذين يمارسون هذه المحاسبة لأنفسهم ,
    كورونا يدعوك أن تكون أحدهم قبل أن يفوتك القطار .

    5- مع أجواء
    كورونا ومحنته , فرصة ممتازة مناسبة للقضاء على غرورك وحِدَّة طباعك، راجع تصرُّفاتك جيدًا وبحياد تامٍّ، وأنصف من نفسك لنفسك ومن نفسك للناس.

    6- كورونا , مدرسة تبوية عظيمة لابد أن تعيشها جيدا , فإذا وجدت من سلوكيَّاتك وتصرُّفاتك ما قد يجعلك قشَّة، فأسرع بالتحسين والتطوير، ولا تخجل من ذلك مهما فاتك من الزمن، ومهما مررت بظروف قاسية ومهما بلغ قلبك من قسوة .

    7-
    كورونا , يدعوك أن تحافظ على من تجده بجانبك، يُساندك بحبٍّ، يسأل عنك بشغف، يمنحك الكثير، يُعطيك دون أن تطلب وقبل أن تفكِّر، يدعو لك دون أن تعلم.

    8-
    كورونا , مدرسة ربانية جائتك لتدفعك إلى الاعتذار , اعتذر لمن أخطأت في حقه، ولا تستكبر في اعتذارك له؛ فالجنة لا يدخلها من كان في قلبه ولو مثقال ذرة من كِبْر.

    9-
    كورونا , فرصتك لجبر خاطر من كسرتهم , أجبر خاطر من أهنته يومًا أو أحزنته وكسرته، أو تبرَّأت أمام الناس من معرفتك به، ومن قربك منه، وعلاقتك به، وقربه منك.

    10-
    كورونا , جاءك ليقول لك كافىء ِ بالخير من فرحت يومًا بمعرفته وبتعرُّفك عليه، ومن كنت تعتبر ارتباطك به ما هو إلا سعادة لا تريد من الدنيا بعدها سعادة، وتذكَّر منظومة القيم المترجمة في (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ  [الرحمن: 60]، ((وكما تُدين تُدان)).

    11-
    كورونا , جاءك ليحذرك من الجحود الذى أنت غارق فيه , يدعوك ألا تكون تكون جاحدًا، فتنسى إحسان الناس إليك، ولا تتذكر لهم، إلا ما ترى من وجهة نظرك أنه إساءة في حقك في وقت أنك تكون مَنْ أسأت إلى نفسك، وليس هم المسيئين لك.

    12-
    كورونا , جاءك لتمسح دموع أعين نزلت من أحدهم بسبب تصرُّف سيئ منك نحوهم كان سببًا في أن أتعس حالهم، أو زاد من همومهم.

    كورونا و نتيجة مؤكدة:

    مع محنة الكورونا الفيروس الصغير القاتل , إنْ تغيَّرت وحاسبت وقضيت على غرورك، وحافظت واعتذرت وجبرت وجازيت ومسحت، فلن تكون يومًا قشَّةً؛ بل ستكون أغلى من الأحجار الكريمة [1].



    كتبه : نبيل جلهوم

    صيد الفوائد

  20. • تحارُ العقولُ البشرية هذه الأيام، من جراء الأسقام الفتاكة، والأوبئة المنتشرة، والتي حصَدت بلا حسبان، وأهلكت بلا مقدمات، ومن ذلك "مرض كورونا" المرعب هذه اللحظات ، حتى تعطلت مصالح، وعُلقت شؤون، وارتعدت دول ، وخاف الناس، واختلطت الأمور ....

    • هزَّ النفوسَ وهزَّ هذا الكوكبا ... "كورونا" أوغلَ في البقاع وأرهبا / وتعاضدُ الآنامُ في تقليلهِ...لكنه يسري وصار مُشعّبا / كالحتفِ كالطاعون والسقَم الذي... قد هام في تلك السدود وأعطبا/ يا أيها الإنسانُ هل من عبرةٍ... ومواعظٌ سيقت فكن متأهبًا ...!

    • واهتزت عقائدُ بعض المسلمين، ولاذَ كثيرونَ بالجانب المادي ، وتغافلوا عن الجانب الروحي، وفقه الشريعة الغراء، وسنن الله في الخليقة، وسخرت بعض الأعادي من الخطاب الديني، وعولوا على المادة وأخواتها ...! فناسب التذكير بتحصينات قرآنية، ومعاليم نورانية، تقوم مقام التوعية والتنبيه - لا سيما وصفته كالطواعين التاريخية- مع الأخذ بالأسباب المادية، واتباع إرشادات التوقي والسلامة ، فنذكّر أنفسنا وإخواننا بموعظة القرآن ، تجاه تلك الأمراض والبلايا العامة ، وإننا لفي أمس الحاجة إلى إحياء هذه المعاني لترسخ رسوخًا بلا زحزحة، وتتعمق في الوجدان بلا تذبذب، وكتاب الله أجل موعظة، وأحكم ذكرى، وأصدق عقيدة ونصيحة ، ( قد جاءتكم موعظةٌ من ربكم وشفاءٌ لما في الصدور )سورة يونس . وحريٌّ بأهل الإيمان تحفظه والإقبال عليه، وتعليمُ الصغار، وبث ذلك لعوام المسلمين، حتى يثبتوا في الشدائد، ويتصدوا للمخاطر، وهم في أتم إيمان، وأصفى عقيدة، مع العناية بالأسباب الأخرى ... ومن ذلك ما يلي :


    ١- كلُّ شيء مقدَّرٌ مكتوب: ( قل لن يُصيبنا إلا ما كتبَ اللهُ لنا هو مولانا ) سورة التوبة:٥١ .
    وهذه عقيدة راسخة في وجدان كل مؤمن ، أن هذه الأحداث وكل الأمور مقدرة مكتوبة، قد كتبها الله وأحاط بها ، فلِم الخوفُ والتضعضع، ولم الهلع والانهزام...؟! أي : نحن تحت مشيئة الله وقدره ، ( هو مولانا ) أي : سيدنا وملجؤنا ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) أي : ونحن متوكلون عليه ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .

    ٢- تنوع البلاء الكوني: ( وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) سورة البقرة : ١٥٥ .
    فيها بيان تنوع بلاءات أهل الدنيا، ما بين الخوف والجوع والتناقص والوفيات .
    قال البغوي رحمه الله: " أي ولنختبرنكم يا أمة محمد، واللام لجواب القسم تقديره : والله ليبلونكم والابتلاء من الله لإظهار المطيع من العاصي لا ليعلم شيئاً لم يكن عالماً به.{بشيء من الخوف} قال ابن عباس: "يعني خوف العدو". {والجوع} يعني القحط. {ونقص من الأموال } بالخسران والهلاك. {والأنفس} يعني بالقتل والموت وقيل بالمرض والشيب. {والثمرات} يعني الجوائح في الثمار.." .

    ٣- الشافي هو الله تعالى : ( وإذا مرضتُ فهو يشفين ) سورة الشعراء .
    كما ابتلى فقد عافى، وقد أمرض وشافى، سبحانه وتعالى ، فهو الشافي كما في الحديث الصحيح ( إشفِ أنت الشافي ) . وأسند إبراهيم عليه السلام المرض إلى نفسه من باب الأدب ، وإذا اعتقد العبد ذلك، هانت عليه أدوية البشر، وكان استعمالها من باب السبب، ( عباد الله تداووا ) وليس التوكل واليقين ..!

    ٤- المصائب من كسب بني آدم: ( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) سورة الشورى :٣٠ .
    أي تلك البلايا النازلة بكم، والمصائب الواقعة، إنما هي من جراء خطاياكم، ومع ذلك يعفو عنكم ويتجاوز كثيرا . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين :  ( ما يُصيب المسلم من نَصَب ولا وصب ولا همٍّ ولا حزن ولا أذى ولا غمٍّ، حتى الشوكة يشاكها إلا كَفَّر الله بها مــن خطايـاه ). فإذا شهد العبد أن جميع ما يناله من المكروه فسببه ذنوبه، اشتعل بالتوبة والاستغفار من الذنوب التي سلطهم عليه بسببها عن ذنبهم ولومهم، والوقيعة فيه، وإذا رأيت العبد يقع في الناس إذا آذوه ولا يرجع إلى نفسه باللوم والاستغفار، فاعلم أن مصيبته مصيبة حققية، وإذا تاب واستغفر، وقال: هذا بذنوبي، صارت في حقه نعمة، قال علي رضي الله عنه كلمة من جواهر الكلام: "لا يرجونّ عبدٌ إلا ربه ولا يخافن عبد إلا ذنبه"، وروي عنه وعن غيره: "ما نزل بلاءٌ إلا بذنب ولا رُفع إلا بتوبة" .
    وهذا معنى ظاهر في حياة الصالحين ، يقول العلامة محمد بن سيرينَ رحمه الله-: " إني لأعرفُ الذنبَ الذي حُمِّلَ عليَّ به الدَّينُ * مَا هوَ؟! ، قلتُ لرجلٍ من أربعينَ سنةٍ: يا مُفْلس! ".

    ٥- التأسي بالصابرين قبلنا : ( إنا وجدناه صابرا، نعم العبد إنه أواب ). سورة ص .
    نحو أنبياء صدقوا، وعباد أخبتوا، وصالحين خشعوا، مرت بهم بلاءات، وخاضوا محنا، وتجرعوا مرارات، ومن أشهرهم المذكورين في القرآن على وجه الثناء والقدوة أيوب عليه السلام، الذي التهمه البلاء نحو ثماني(١٨) عشرة سنة، فصبر وجاهد، واحتسب وصابر( نِعم العبد إنه أواب ) .

    ٦- التشافي بالقرآن العظيم : ( ونُنزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ) سورة يونس .
    ففي كتاب الله من القوة الشفائية ما لا يخطر ببال، يُصلح قلبا، ويبرئ جسدًا ، وهذا في حق أهله المؤمنين العاملين .
    قال في جامع البيان رحمه الله : وننـزل عليك يا محمد من القرآن ما هو شفاء ، يستشفى به من الجهل من الضلالة، ويبُصر به من العمى للمؤمنين ورحمة لهم دون الكافرين به، لأن المؤمنين يعملون بما فيه من فرائض الله، ويحلون حلاله، ويحرّمون حرامه فيدخلهم بذلك الجنة، ويُنجيهم من عذابه، فهو لهم رحمة ونعمة من الله، أنعم بها عليهم " . وهذا شفاء معنوي، ويشمله الشفاء الحسي الذي ينصب على الجسد والبلاء فيذهب ضره، ويعيد عليه صحته، ودل لذلك النص والحس والتجاريب الواقعية ، ففي قصة اللديغ، قال :" فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عليه، وَيَقْرَأُ: الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ فَكَأنَّما نُشِطَ مِن عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَما به قَلَبَةٌ -علة-... فَقَدِمُوا علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَذَكَرُوا له، فَقالَ: وَما يُدْرِيكَ أنَّهَا رُقْيَةٌ، ثُمَّ قالَ: قدْ أَصَبْتُمْ، اقْسِمُوا، وَاضْرِبُوا لي معكُمْ سَهْمًا فَضَحِكَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ " .أخرجاه .

    ٧- التداوي بالعسل: ( يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس ).سورة النحل .
    وهو من أعظم ما خلق الله من الطعام والشراب والدواء ، وأفلح وأنجح في أدواء مستعصية ، وأسقام قاسية، بفضل الله ومنته، قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله :" في خلق هذه النحلة الصغيرة، التي هداها الله هذه الهداية العجيبة، ويسر لها المراعي، ثم الرجوع إلى بيوتها التي أصلحتها بتعليم الله لها، وهدايته لها ثم يخرج من بطونها هذا العسل اللذيذ مختلف الألوان بحسب اختلاف أرضها ومراعيها، فيه شفاء للناس من أمراض عديدة. فهذا دليل على كمال عناية الله تعالى، وتمام لطفه بعباده، وأنه الذي لا ينبغي أن يحب غيره ويدعي سواه ".
    ونظائر العسل في السنة الصحيحة : زمزم والزيت والحبة السوداء وغيرها ، وقد أثبت الطب الحديث جدواها وقوة تأثيرها .

    ٨- الضراعة عند البلاء :  ( فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا )سورة الأنعام .
    أي : فهلا إذ ابتليناهم بذلك تضرعوا إلينا وتمسكنوا إلينا ، ولا يصح ركونهم الدنيوي، ولا سلوكهم العصياني، وقد جاءتهم النذر، وعمَّتهم البأساء والضراء . ومثل أزمنة المخاطر والأوبئة فرصة سانحة للتوبة، وتجديد الميثاق مع الله، وإشاعة التسامح، ورد المظالم لأصحابها، والخروج من كل مأثمة وملهاة ( ففروا إلى الله ) سورة الذاريات .ومن ثمارها فرارا صادقًا، وتوبة نصوحا، وعملا طيبا، وروحًا فاتنة .
    قال العلامة ابن القيم رحمه الله : " فاللهُ يبتلي عبدَه ليسمعَ تضرعه ودعاءه والشكوى إليه ، ولا يحب التجلد عليه ، وأحب ما إليه انكسار قلب عبده بين يديه ، وتذلله له وإظهار ضعفه وفاقته وعجزه وقلة صبره ، فاحذر كل الحذر من إظهار التجلد عليه ، وعليك بالتضرع والتمسكن وإبداء العجز والفاقة والذل والضعف ، فرحمته أقربُ إلى هذا القلب من اليد للفم ".
    وفي هذه الظروف العصيبة، وإبان تسطير المقال، يتداعى بعض زعماء الغرب إلى "صلاة دينية وطنية"، ليُخفَّف عنهم البلاء، خلافا لسخرية بعض بني قومنا من إحياء الجانب الروحي في الأمة، وندبهم للدعوات ..!

    واعجبًا لهم وكلُ جهولِ... قائمٌ عندنا بكل خُبولِ
    ضاق ذرعا بسنة وحديثٍ...وانبرى فيهما بسيفٍ صقيلِ...!

    أو صيرورة بعضهم في مساره الإلهائي بدون عظة وانتهاء، وقد قال تعالى: ( أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقَّ عليها القول..) سورة الإسراء . أي أمرا قدريًا .
    يقول الإمامُ ابن كَثير رحمه الله في سنة ( 478) هـ: " كثرت الأمراضُ بالحمى والطاعون بالعراق والحجاز والشام، وماتت الوحوش في البراري، ثم تلاها موت البهائم ، وهاجت ريح سوداء، وتساقطت الأشجار، ووقعت الصواعق! ثم أمر الخليفة: المقتدي بأمر الله بتجديد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكسر آلات الملاهي، ثم انجلى ذلك " .
    وفقيهنا هذه الأيام من يعي الخطر، ويصدح بالتوبة والذكر، ويكفر عما سلف وبدر، ( ربنا ظلمنا أنفسَنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين ) سورة الأعراف .

    ٩- إجابةُ دعاء المضطرين : {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} سورة النمل:٦٢ .
    وفي ذلك تسليةٌ لهم وبشارة، بأن الله لا يعجزه شيء، ولا يحول دون مشيئته واقع، والمضطر هو الذي قطع العلائق، وذبلت أسبابه ، وهانَ جهده، وانقطع أمله، إلا من الواحد الأحد، فيفيض دعوات صادقات، وكلمات مشعات، قد فاحَ خضابُها، وطاب إخلاصُها ، فيأتيه الجواب وهو لا يشعر ..! ويشبه حالته المكروب الذي ضاقت عليه الحياة، وقد صحّت له أدعية كدعوة يونس عليه السلام  ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) وحديث ابن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين ( لاَ إِلهَ إِلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لاَ إِلهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّماوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ، وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ ). قال الإمامُ ابن القيم رحمه الله:" فما دُفعت شدائدُ الدنيا بمثل التوحيد؛ ولذلك كان دعاء الكرب بالتوحيد ودعوة ذي النون التي ما دعا بها مكروب إلا فرج الله كربه بالتوحيد. فلا يُلقي في الكُرَب العظام إلا الشرك، ولا ينجّي منها إلا التوحيد، فهو مفزَع الخليقة وملجؤها ، وحصنها وغياثها. وبالله التوفيق."

    عو اللهَ والأمرُ ضيقٌ... عليّ فما ينفكّ أن يتفرجا
    وربَّ فتىً سُدت عليه وجوهُه.... أصاب له في دعوة الله مخرجا


    ١٠- كاشف الضر سبحانه وتعالى : { وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } سورة الأنعام :١٧ .
    حينما تعيشُ هذا المعتقد في قلبك، وتتوكل على ربك ، ستحيا بعده في أنسٌ وارتياح ، وسيعظمُ التعلق، ويشتد التوسل، فهو الخالق المدبر المتصرف سبحانه وتعالى ، فلن يحولَ دون ذلك إنسانٌ ، أو تمنعه قوة . وفي الوصية الذهبية لابن عباس رضي الله عنهما : ( واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعـوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفت الصحف ) .

    والمهم المعتمد هنا قوة الإيمان والتوكل، وقوة الذكر والاستعصام، ومن أحسنِ الأذكار هنا حديث أبان أنه قال : سَمِعْتُ عُثْمَانَ - يَعْنِي ابْنَ عَفَّانَ - يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَنْ قَالَ : بِاسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ ". قَالَ : فَأَصَابَ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ الْفَالِجُ ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ الَّذِي سَمِعَ مِنْهُ الْحَدِيثَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ : مَا لَكَ تَنْظُرُ إِلَيَّ ؟ فَوَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ عَلَى عُثْمَانَ، وَلَا كَذَبَ عُثْمَانُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّ الْيَوْمَ الَّذِي أَصَابَنِي فِيهِ مَا أَصَابَنِي غَضِبْتُ فَنَسِيتُ أَنْ أَقُولَهَا. رواه أبو داود بإسناد حسن .

    ونعتقد أن وعي هذه التحصينات والعمل بها، كافٍ في ضبط سلوك المرء واتزانه، وجعله في ارتياح وهدوء، مع الأخذ في عين الاعتبار بالتدابير الأخرى المادية، والله يتولانا ويحفظنا وبلادنا وسائر بلاد المسلمين، إنه نعم المولى ونعم النصير .

    د.حمزة بن فايع الفتحي
    صيد الفوائد

  21. السؤال

    ماهو حكم ليلة نصف شعبان وما هو الدعاء والصلاة التي تشرع في هذا اليوم ؟



    الإجابــة

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:


    فإن ليلة النصف من شعبان قد ورد في فضلها عدة أحاديث، منها ما هو صالح للاحتجاج، ومنها ما هو ضعيف لا يحتج به . فمما هو صالح للاحتجاج ما رواه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا كان ليلة النصف من شعبان اطلع الله إلى خلقه، فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه" ورواه الطبراني، وحسنه الألباني- رحمه الله- في صحيح الجامع برقم 771. وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن" رواه ابن ماجه، وابن حبان عن معاذ بن جبل رضي الله عنه.

    هذا، وقد قال عطاء بن يسار: ما من ليلة بعد ليلة القدر أفضل من ليلة النصف من شعبان، يتنزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فيغفر لعباده كلهم، إلا لمشرك أو مشاجر أو قاطع رحم.
    فينبغي على العبد أن يتحلى بالطاعات التي تؤهله لمغفرة الرحمن، وأن يبتعد عن المعاصي والذنوب التي تحجبه عن هذه المغفرة. ومن هذه الذنوب: الشرك بالله، فإنه مانع من كل خير. ومنها الشحناء والحقد على المسلمين، وهو يمنع المغفرة في أكثر أوقات المغفرة والرحمة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس فيغفر الله لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: أنظروا هذين حتى يصطلحا". رواه مسلم. فأفضل الأعمال بعد الإيمان بالله سلامة الصدر من أنواع الشحناء كلها.

    ولم يثبت في تخصيص هذه الليلة بصلاة معينة، أو دعاء معين، شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه، وأول ظهور لذلك كان من بعض التابعين. قال ابن رجب في لطائف المعارف: ( وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان، ومكحول، ولقمان بن عامر وغيرهم، يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها. وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك فمنهم من قَبِلَه منهم ووافقهم على تعظيمها، منهم طائفة من عباد أهل البصرة وغيرهم، وأنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز).

    وقال ابن تيمية رحمه الله: ( وأما ليلة النصف من شعبان ففيها فضل، وكان في السلف من يصلي فيها، لكن الاجتماع فيها لإحيائها في المساجد بدعة).
    وقال الشافعي رحمه الله: بلغنا أن الدعاء يستجاب في خمس ليال: ليلة الجمعة، والعيدين، وأول رجب ونصف شعبان.
    وأما صيام يوم النصف من شعبان فيسن على أنه من الأيام البيض الثلاثة، وهي: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، لا على أنه يوم النصف من شعبان، فإن حديث الصيام فيه لا يصلح للاحتجاج، بل هو حديث موضوع، وهو قوله (إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلتها وصوموا يومها.
    والله أعلم.

    اسلام ويب


  22. وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ


    {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ }
    هذه الآية عامة في جميع الحقوق التي بين العباد ،
    المطففون على أصناف فمنهم:
    ـ زوج يريد من الزوجة أن تعطيه حقه كاملاً وهو يبخسها حقها.
    ـ صاحب يريد من صاحبه أن يكون له مثل العسل، لكنه يعامل صاحبه بما هو مر كالحنظل.
    ـ موظف يطلب الراتب كاملاً، لكنه لا يعطي الوظيفة حقها دواما وعملا.
    ـ مدرس أو معلم يريد من التلاميذ أن يحترموه ، وهو لا يلين لهم، ولا يعطي الدرس حقَّه.
    ـ رجل استأجر أجيراً، فاستوفى الحق منه تاماً لكنه لم يعطه الأجرة كاملة .
    كل هؤلاء مطففون ؛ لأنهم يستوفون حقوقهم كاملة ، ولا يعطون الحق الذي عليهم كاملاً.


    وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ

    فماذا ينتظرهم يوم القيامة؟
    انه الوعيد الشديد

    (أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ *
    يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ).

    بعد استعراض بعض الأمثلة من واقعنا العملي تبين الآيات جزاء من يفعل ذلك، فيحذرهم الله تعالى ويقول لهم: (أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ) الاستفهام هنا للتوبيخ، يوبخ هؤلاء، ويقول لهم: هل أنتم تؤمنون بأنكم ستبعثون يوم القيامة؟ نعم هم يقولون: سنبعث لهذا اليوم، لكنهم ينسونه عند حلول الشهوات، فهم في الحقوق ينسون أنهم يبعثون، وإلا لو أن الإنسان إذا حدثته نفسه أن يخل بواجب أو ينتهك محرماً تذَّكر يوم المعاد، فما أظن عاقلاً يؤمن بذلك إلا وكف نفسه عن المحرم، وألزمها بفعل الواجب ً، لكنها الغفلة والنسيان التي تستولي علينا حتى ننسى هذا اليوم العظيم.. (لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ) ما هذا اليوم؟ انه يوم القيامة، الذي يفسره قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) وذلك من شدة الهول وعظمه.
    (لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ )
    يقومون من قبورهم لرب العالمين، يقومون سراعاً( يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً ) وقال عز وجل: (إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ) .


    إن الإنسان الذي يطلب حقه كاملاً، ويعطي الحق الذي عليه ناقصاً إنسان جائر ؛
    لأن هذا خلاف العدل، والله تعالى لا يحب الجائرين، انه يحب المقسطين العادلين.

    صيد الفوائد

    ...................


    وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1)

    1- ويل للمطففين" نحن نعرف حقوقنا جيدا ماذا عن حقوق الآخرين! /عبد الله بلقاسم

    2- (ويل للمطففين) إذا كان التهديد العظيم لمن يطفف في حبات القمح والذرة ، فكيف بمن يطفف في حقوق أهله ، ومن أخذن منهم ميثاقا غليظا ! #تدبر" / ناصر العمر

    3- سورتان بدأت بـ "الويل" : ١- ويل للمطففين ٢- ويل لكل همزة لمزة الأولى: في أموال الناس والثانية: في أعراض الناس فلا تقترب منهما ! / روائع القرآن

    4- مخاطبة الفُجّار تستدعي تذكيرهم بعذاب الله،ويوم البعث. في الآية: (ويل للمطففين) ثم ذكر أوصافهم،مُنكراً و مُوبّخاً: (ألا يظن أولئك أنّهم مبعوثون) / خباب مروان الحمد

    5- ﴿ ويلٌ للمُطفّفين ﴾ من يبخس الناس أموالهم ويغشّهم. ﴿ ويلٌ لكل هُمزةٍ لُـمَزة ﴾ من يتطاول على أعراض الناس وسمعتهم. ويل: اسم واد في جهنم. ./ فرائد قرآنية

    6- " الصلاة مكيال ، فمن أوفى أوفى الله ، وقد علمتم ما قال الله في الكيل : { ويل للمطففين } "سلمان الفارسي/ مصنف ابن أبي شيبة ./ أبو حمزة الكناني

    7- ويلٌ ثم ويلٌ ثم ويلٌ لمن ظلم الناس وتعدّى على حقوقهم وأعراضهم وتستّر بغطاء الدين لذلك ؛ ﴿ ويلٌ للمطففين ، ويلٌ لكل هُمزةٍ لُمَزة ﴾./ فرائد قرآنية

    8- ﴿ ويلٌ للمُطفّفين ﴾ من يبخس الناس أموالهم ويغشّهم. ﴿ ويلٌ لكل هُمزةٍ لُـمَزة ﴾ من يتطاول على أعراض الناس وسمعتهم. ويل: وادٍ في جهنم. / ‏فرائد قرآنية


    الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2)

    1- قال (الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون) اكتالوا يعدى ب "اللام" للناس لكنه عدي ب "على" لفائدة الاستعلاء والغلبة والغش. / عبدالرحمن الستين التضمين_في_القرآن . / عبدالرحمن اليتيم


    وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5)

    1-*ما السر في رواج السرقة؟! , سرقة عقول , سرقة رواتب , سرقة أراضي , سرقة مقالات, سرقة أموال , سرقة مشاريع , سرقة حسابات (ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم). / أبرار فهد القاسم



    38751320_261536154449213_5853468493717962752_n.jpg?_nc_cat=108&_nc_sid=8bfeb9&_nc_ohc=sHryeTSe6VoAX8_pajV&_nc_ht=scontent.fcai2-1.fna&oh=185706e9d4d2b109d075713ef6c2319a&oe=5EAFA1DC


     

  23. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:


    فإن الصبر من الدِّين بمنزلة الرأس من الجسد، فلا إيمانَ لِمَنْ لا صبرَ له، ومَنْ يتصبَّر يُصبِّرْه الله، وما أُعطِيَ أحدٌ عطاءً خيراً وأوسع من الصبر، وبه يظهر الفَرْقُ بين ذوي العزائم والهِمم، وبين ذوي الجُبْنِ والضَّعف والخَوَر. وجزاءُ الصابرين أنهم: ﴿ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَمًا ﴾ [الفرقان: 75]. أي: يُجْزَون المنازلَ الرفيعة، والمَساكنَ الأنيقة، الجامعة لكلِّ ما يُشتَهَى وتلذُّه الأعين؛ وذلك بسبب صبرهم نالوا ما نالوا.


    أيها المؤمنون.. الصبر خُلُقٌ فاضِلٌ. وحقيقتُه: ترك الشَّكوى من أَلَمِ البلوى لغير الله تعالى؛ لأنَّ الله تعالى أثنى على أيوب - عليه السلام - بالصبر، بقوله: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ ﴾ [ص: 44]؛ مع دعائه في دفع الضُّر عنه بقوله: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 83].


    والصَّبرُ ثلاثةُ أنواع: منها الصبرُ على الأوامر والطاعات حتى يؤدِّيها، قال الله تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]؛ ومنها الصبرُ عن المناهي والمُخالفات حتى لا يقع فيها، قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 22]. وأكثر الناس يفعل الطاعات ويصبر عليها، ولكنه لا يصبر عن المعاصي، فَلِقِلَّة صبرِه عن المُحرَّمات لا يوصف بأنه من الصابرين، فلا يَعصم من الشهوات إلاَّ الصبر القوي. والمسلمُ إذا لم يكن مُتَّصفاً بالصبر قد تضعف إرادتُه، ويلين صبره، ويغشى المُحرَّم، ويقع في الموبقات، ويشقى شقاءً عظيماً، ويلقى عذاباً أليماً.


    ومنها: الصبر على الأقدار والمصائب حتى لا يسخطها، ويعلم بأن المصيبة مُقدَّرة من الله تعالى، وأنَّ مَنْ صَبَر أُجِرَ، وأمْرُ اللهِ نافذ، ومَنْ جَزِعَ وتسخَّط أثِمَ، وأمْرُ اللهِ نافذ، ومِصداقُه قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ» حسن - رواه الترمذي وابن ماجه. فنحن بحاجةٍ إلى الصبر؛ لأنَّ مشيئة الله نافذة، فما شاء اللهُ كان، وما لم يشأْ لم يكن، ومَن الإنسانُ حتى يعترض على قضاء الله وأمْرِه؟!



    ومن فضائل الصبر: أنه من أخلاق الأنبياء، وتأمَّلْ صَبْرَ إبراهيمَ وابنِه إسماعيلَ - عليها السلام - حينما ابتلاهما اللهُ تعالى بالذَّبح: ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الصافات: 102-105]، وما زال يوسف - عليه السلام - يتبدَّل به الحال من ابتلاءٍ إلى ابتلاء، وهو صابرٌ، حتى نال ثوابَ الصابرين: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90].


    وقد أثنى الله تعالى على أهل الصبر، فقال سبحانه: ﴿ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177]؛ كما أوجبَ - سبحانه - مَحبَّتَه للصابرين: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146]، والصبر خير ما يُعطاه العبد؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ» رواه البخاري ومسلم.


    والمسلمون يتفاضلون فيما بينهم بمقدار صَبْرِهم؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، خَيْرٌ مِنَ الَّذِي لاَ يُخَالِطُ النَّاسَ، وَلاَ يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ» صحيح - رواه الترمذي.


    وللصبر أجرٌ عظيم: قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]؛ وقال سبحانه: ﴿ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 96]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلاَءِ الثَّوَابَ؛ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ» حسن - رواه الترمذي. وقال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللَّهَ تعالى قَالَ: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ؛ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ» رواه البخاري.


    ومن المَواطن التي يتأكَّد فيها الصبر: الصبر على الفاجرين، قال تعالى: ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ﴾ [آل عمران: 186]. ومنها الصبر في الدعوة إلى الله تعالى، وما يترتَّب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأذى والأَلَم، وقد جاء تأكيد ذلك في وصية لقمانَ لابنه: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17].


    ولا بد من الصبر في العشرة الزوجية؛ لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» رواه مسلم.


    وكذا الصبرُ على الغَرِيم والمَدِين، قال سبحانه: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 280]؛ وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ؛ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ» رواه مسلم.



    ومن أهمِّ آدابِ الصبر: أن يكون عند الصَّدمةِ الأُولى؛ فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى عَلَى امْرَأَةٍ تَبْكِي عَلَى صَبِيٍّ لَهَا، فَقَالَ لَهَا: «اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي». فَقَالَتْ: وَمَا تُبَالِي بِمُصِيبَتِي. فَلَمَّا ذَهَبَ قِيلَ لَهَا: إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَخَذَهَا مِثْلُ الْمَوْتِ، فَأَتَتْ بَابَهُ فَلَمْ تَجِدْ عَلَى بَابِهِ بَوَّابِينَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَمْ أَعْرِفْكَ. فَقَالَ: «إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ» وفي رواية: «عِنْدَ أَوَّلِ الصَّدْمَةِ» رواه مسلم.


    ومن الآداب: الصبر على المَفْقود؛ فعن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: أَرْسَلَتِ ابْنَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِ: إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ فَائْتِنَا. فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلاَمَ، وَيَقُولُ: «إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ» رواه البخاري.

    ومن أهمِّ الأسبابِ المُعينة على الصبر:

    1- التفكُّر في فضائل الصبر: وما يلقاه الصابِرُ من جزاء، فعن عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما: أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي. قَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ». فَقَالَتْ: أَصْبِرُ. فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا. رواه البخاري ومسلم.


    2- معرفة أنَّ الابتلاء من علامات حُبِّ اللهِ للعبد: لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ» رواه البخاري. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ [أي: اللَّيِّنَة] مِنَ الزَّرْعِ تُفِيئُهَا الرِّيَاحُ، تَصْرَعُهَا مَرَّةً، وَتَعْدِلُهَا، حَتَّى يَأْتِيَهُ أَجَلُهُ. وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ مَثَلُ الأَرْزَةِ الْمُجْذِيَةِ الَّتِي لاَ يُصِيبُهَا شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا [أي: انْقِلاعُها] مَرَّةً وَاحِدَةً» رواه مسلم.


    3- تَوطِينُ النَّفس على الابتلاء: فلا تأمن أنْ تُوافِيك المَضَرَّةُ من جانب المَسَرَّة، ولا تيأس أنْ تأتيك المَسَرَّةُ من جانب المَضَرَّة، قال الله تعالى: ﴿ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].


    4- التأمُّل والتدبُّر في الكتاب والسُّنة: فيا مَنْ أُصيب بمصيبة؛ تأمَّلْ معي هذه الآيات العظيمة، فكفى بها واعظةً ومُسلِّيةً عند وقوع المصائب: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155-157].


    وعن أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا؛ إِلاَّ أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ، وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا». قَالَتْ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ؛ قُلْتُ كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي خَيْرًا مِنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.


    5- تَذَكُّرُ المصيبةِ العظيمةِ بموت الرسول: فكلُّ مصيبةٍ دون مصيبتِنا بموتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم تهون، فَبِموتِه انقطع الوحي من السماء إلى يوم القيامة، وانقطعت النبوّات، يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ مُصِيبَةٌ فَلْيَذْكُرْ مُصِيبَتَهُ بِي؛ فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ» صحيح - رواه البيهقي والطبراني. وقال أيضاً: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ! أَيُّمَا أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أَوْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ فَلْيَتَعَزَّ بِمُصِيبَتِهِ بِي عَنِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي تُصِيبُهُ بِغَيْرِي؛ فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِي لَنْ يُصَابَ بِمُصِيبَةٍ بَعْدِي أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ مُصِيبَتِي» صحيح - رواه ابن ماجه.

     

    فَاصْبِرْ لِكُلِّ مُصِيبَةٍ وَتَجَلَّدِ space.gif
    وَاعْلَمْ بِأَنَّ المَرءَ غَيرُ مُخَلَّدِ space.gif


    وَاصْبِرْ كما صَبَرَ الكِرامُ فَإِنَّهَا space.gif
    نَوَبُ اليومِ تُكْشَفُ فِي غَدِ space.gif

    وَإِذا ذَكَرْتَ مُصِيبَةً وَمُصَابَهَا space.gif
    فَاذْكُرْ مُصَابَكَ بِالنَبِيِّ مُحَمَّدِ space.gif




    6- أنْ يَعْلَمَ بأنَّ كُلَّ مُصيبَةٍ بِقَدَر: قال الله تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: 22، 23]. فلن تقع مصيبةٌ إلاَّ بإذن الله تعالى، وقضائِه وقَدَرِه، فإنه سبحانه كَتَبَ مَقادِيرَ الخلائقِ قبلَ أنْ يَخْلُقَ السماواتِ والأرضَ بخمسين ألف سنة.

     




    د. محمود بن أحمد الدوسري
    شبكة الالوكة



  24. الربا والزنا من الذنوب التي ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام أنها من أسباب العذاب الذي يحل الناس, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إذا ظهر الزِّنا والرِّبا في قريةٍ, فقد أحلُّوا بأنفسهم عذابَ اللهِ) [أخرجه الطبراني والحاكم وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع] والمقصود بالظهور الانتشار والكثرة, فإذا ظهرا وانتشرا فقد أنزل العباد بأنفسهم العذاب من الله.

    لقد تجرأ كثير من الناس على التعامل بالربا إقراضاً واقتراضاً, واستثماراً لأموالهم في البنوك والشركات التي تتعامل بالربا, غير مبالين بأكل الحرام, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال, أمِنَ الحلال أم الحرام) [أخرجه البخاري]

    والناس في تعاملهم بالربا منهم: المجاهر الصريح, الذي يتعامل به, ويدعو غيره له, ويقنع الناس به, ومنهم: من يتعامل به, بعد إدخال بعض التغيرات على بعض صوره, وتغير مسماها, قال العلامة العثيمين رحمه الله: المُحرم لا ينقلب مباحاً بالتحايل عليه, بل أن التحايل عليه يزيده خبثاً, ويزيده إثماً, ولهذا ذُكر عن أيوب السخستياني رحمه الله أنه قال في هؤلاء المتحايلين: إنهم يخادعون الله كما يخادعون الصبيان فلو أنهم أتوا الأمر على وجهه لكان أهون وصدق رحمه الله"

    ونتيجة لتساهل الناس وتحايلهم عمَّ الربا وانتشر, نسأل الله السلامة والعافية منه لجميع المسلمين.

    الربا  كبيرة من كبائر, ومال صاحبه ممحوق, ويكفي من يتعامل بالربا أنه محارب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم, قال الله عز وجل: 
    ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ [[البقرة_278-279.]

    قال العلامة العثيمين رحمه الله:الربا ليس بالأمر الهين والمؤمن ترتعد فرائضه إذا سمع مثل هذه الآية

    إن المتعاملين بالربا يحاربون القوي الجبار العزيز الذي لا يعجزه شيء, فليحذر هؤلاء, فالربا من أسباب الكوارث التي تدمر الاقتصاد, ففي عام (1408هـ) انهارت أسواق الأسهم حول العالم ففقدت الكثير من قيمتها في فترة زمنية قصيرة, وتبخرت أموال الربا, ومحقها الله, كما قال سبحانه وتعالى:
     ] يَمْحَقُ اللَّـهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ[ [البقرة:276] وفي عام ( 1429 هـ) حدثت الأزمة العالمية الاقتصادية التي كادت أن تدمر الاقتصاد العالمي لولا لطف الله.

    جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة في شهر رجب عام(1406 هـ) " قد أثبتت البحوث الاقتصادية الحديثة أن الربا خطر على اقتصاد العالم وسياسته وأخلاقياته وسلامته وأنه وراء كثير من الأزمات التي يعانيها العالم, وأنه لا نجاة من ذلك إلا باستئصال هذا الداء الخبيث الذي نهى الإسلام عنه منذ أربعة عشر قرناً.

    الذنب الثاني: الزنا, وهو من أسباب غضب الله عز وجل ونزل العقوبات بالعباد, ففي الصحيحين في خطبته صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف أنه قال: ( يا أمة محمد والله إنه لا أحد أغيرُ من الله أن يزني عبده أو تزني أمته, يا أمة محمد لو تعلمون, والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً) ثم رفع يديه وقال: ( اللهم هل بلغت )

     قال العلامة ابن القيم رحمه الله: وفي ذكر هذه الكبيرة بخصوصها عقيب صلاة الكسوف سرّ بديع لمن تأمله, وظهور الزنا من أمارات خراب العالم وهو من أشراط الساعة, وقد جرت سنة الله في خلقه أنه عند ظهور الزنا يغضب الله سبحانه, ويشتد غضبه, فلا بد أن يؤثر غضبه في الأرض عقوبة.   

    وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: حديث بريدة عند الحاكم بسند جيد بلفظ:  (ولا ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط الله عليهم الموت)

    وذكر الدكتور فضل إلهي في كتابه " التدابير الواقية من الزنا في الفقه الإسلامي" أنه جاء في التوراة بأن غضب الله ينزل على الزناة, وينتقم الرب منهم.كما ذكر أنه في الديانة النصرانية أن الزنا موجب لغضب الله تعالى.

    وقد ذكر أهل العلم أن الزنا لما انتشر في بني إسرائيل, وقع في بني إسرائيل الطاعون, فمات منهم سبعون ألفاً في يوم واحد.

    وفي عام (1425هـ) حدث زلزال " تسونامي"  والذي مات منه ما يقرب من ثلث مليون من البشر وكان على شاطئ في جزيرة سياحية.

    ومما سبق يتبين أن الربا والزنا من أسباب نزول العقوبات, التي تحل بالعباد والبلاد, وتسبب الخسائر في الأنفس والأموال, فينبغي مجاهدة النفس والتوبة من جميع الذنوب والآثام, لعل الله الرحيم الكريم أن يرفع ما حل بالمسلمين من بلاء ووباء. 

    والتوبة من الربا تكون بترك التعامل به, استثماراً, وإقراضاً, واقتراضاً, فالمرابي ليس له إلا رأس ماله لا زيادة عليه, قال الله عز وجل: 
    ) وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ[  [البقرة:279] ومن تاب من الربا فليحمد الله ويشكره, ومن لم يتب فقد أحل بنفسه العذاب, فلينتبه لذلك, قال الله جل وعلا: ]  فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّـهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [  [البقرة:275]

    أما الزنا فيكون بالتوبة من فعله سراً وجهاراً, والتوبة من مقدماته التي قد يتهاون بها العبد فتجره يوماً إلى الزنا, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كُتِبَ على ابن آدم نصيبه من الزنى, مدرك ذلك لا محالة, فالعينان زناهما, والأذنان زناهما الاستماع, واللسان زناه الكلام, واليد زناها البطش, والرجل زناها الخُطأ, والقلب يهوى ويتمنى, ويُصدقُ ذلك الكذب ويكذبه) [متفق عليه, واللفظ لمسلم] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله (فزنا العين النظر) أي: إلى ما لا يحل للناظر, قال ابن بطال: سمى النظر والنطق زنا لأنه يدعو إلى الزنا الحقيقي, ولذلك قال: (والفرج يصدق ذلك ويكذبه)

    وقال الكرماني: وسمى النظر والمنطق زنا لأنهما من مقدماته وحقيقته إنما يقع بالفرج

    وقال الإمام النووي رحمه الله: معنى الحديث أن ابن آدم قدّر عليه نصيب من الزنا, فمنهم من يكون زناه حقيقياً, بإدخال الفرج في الفرج الحرام, ومنهم من يكون زناه مجازاً بالنظر الحرام أو الاستماع إلى الزنا وما يتعلق بتحصيله, أو بالمس باليد, بأن يمسّ أجنبيه أو يقبلها,..أو الحديث الحرام مع أجنبيه, ونحو ذلك"     

    فينبغي مجاهدة النفس والتوبة من: النظر والسماع والكلام واللمس المحرم, ومن وفقه الله إلى التوبة منها فليحمد الله, ومن غلبه هواه فلا يستبعد العقوبة من الله.

    اللهم ارحمنا, وارفع عن المسلمين ما أصابهم  من وباء كورونا, ووفقنا جميعاً للتوبة من جميع الذنوب, وأعنا على ذلك.
     

    كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

    صيد الفوائد



  25. 1 - التسمية في أوله:

    ففي الصحيحين عن عُمر بن أبي سلمة رضي الله عنه، قال: كُنت غلامًا في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيشُ في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا غلام، سمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يَليك))، فما زالت تلك طِعْمَتي بعدُ»[1].


    روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا دخل الرجل بيته، فذكر الله عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيتَ لكم، ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المَبِيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه، قال: أدركتم المبيت والعشاء))[2].



    2 - الشرب جالسًا إلا لحاجة:

    روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائمًا[3].


    ولكن ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم شرِب وهو قائم؛ ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم شرِب من زمزم، من دلوٍ منها وهو قائمٌ[4].



    3 - الشرب باليمين:

    فقد روى أبو داود - بسند حسن - عن حارثة بن وهب الخزاعي، قال: حدثتني حفصة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه وثيابه، ويجعل شِمالَه لِما سوى ذلك[5].


    4 - عدم التنفُّس في الإناء:

    روى الترمذي - وقال: حسن صحيح - عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُتنفَّس في الإناء أو يُنفَخ فيه[6]. وفي الصحيحين عن أبي قتادة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا شرِب أحدُكم، فلا يتنفَّس في الإناء[7])).. الحديث[8].


    5 - الشرب على مرتين أو ثلاث:

    ففي الصحيحين عن ثمامة بن عبدالله بن أنس، قال: قال: كان أنس رضي الله عنه يتنفَّس في الإناء[9] مرتين أو ثلاثًا، وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنفس ثلاثًا[10].


    روى الطبراني في الأوسط - وحسنه الحافظ في «الفتح» - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان «يشرب في ثلاثة أنفاس، إذا أدنى الإناء إلى فيه سمَّى الله، فإذا أخَّره حمد الله، يفعل به ثلاث مرات»[11].

    روى مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنفس في الشراب ثلاثًا، ويقول: ((إنه أروى وأبرأ وأمرأ))، قال أنس: فأنا أتنفس في الشراب ثلاثًا[12].


    6 - عدم الشُّرب من فم السقاء:

    روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من فمِ القِربة أو السِّقاء، وأن يمنع جارَه أن يغرزَ خشبه في داره[13].


    7 - إذا شرب أعطى الإناءَ مَن على يمينه:

    ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنها حُلبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاةٌ داجن، وهي في دار أنس بن مالك، وشِيبَ لبنُها بماء من البئر التي في دار أنس، فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم القَدَح فشرِب منه حتى إذا نزع القَدَح مِن فيه، وعلى يساره أبو بكر وعن يمينه أعرابيٌّ، فقال عمر - وخاف أن يُعطيَه الأعرابي -: أعطِ أبا بكر يا رسول الله عندك، فأعطاه الأعرابي الذي على يمينه، ثم قال: ((الأيمنَ فالأيمنَ))[14].


    8 - عدم الشرب في آنية الذَّهَب والفِضَّة:

    ففي الصحيحين عن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تلبَسوا الحرير ولا الدِّيباج، ولا تشرَبوا في آنية الذهب والفِضة، ولا تأكلوا في صِحافها؛ فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة))[15].


    9 - ساقي القوم آخرهم شربًا:

    روى مسلم في صحيحه عن أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ساقي القوم آخرُهم شربًا))[16].


    10 - تغطية الآنية عند النوم:

    ففي الصحيحين عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خمِّروا الآنية، وأَوْكُوا الأسقية، وأَجِيفُوا الأبواب، واكفِتُوا صِبيانكم عند العِشاء؛ فإن للجن انتشارًا وخطفةً، وأطفِئوا المصابيح عند الرُّقاد؛ فإن الفُوَيْسِقة[17] ربما اجترَّتِ الفتيلة فأحرقَت أهل البيت))[18]. وروى البخاري في صحيحه عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا استجنح الليل[19] - أو قال: جُنح الليل - فكفوا صبيانكم؛ فإن الشياطين تنتشر حينئذٍ، فإذا ذهب ساعة من العِشاء فخلُّوهم، وأغلِقْ بابك، واذكُرِ اسم الله، وأطفِئ مصباحك، واذكرِ اسمَ الله، وأوكِ سقاءك[20]، واذكر اسم الله، وخمِّر إناءك[21]، واذكر اسم الله، ولو تعرُض عليه شيئًا))[22].

    11 - الحمد في آخره:

    روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله ليرضى عن العبدِ أن يأكل الأكلة فيحمَده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها))[23].

    .............................


    [1] متفق عليه: رواه البخاري (5376)، ومسلم (2022).

    [2] رواه مسلم (2018)، وذكر الطعام في هذين الحديثين يعمُّ الشراب بقياس الأولى.

    [3] رواه مسلم (2025).

    [4] متفق عليه: رواه البخاري (5617)، ومسلم (2027)؛ فجمع العلماء بين الحديثين بأنه شرب من زمزم قائمًا لحاجة الزحامِ، فقالوا: يكره الشرب قائمًا لغير حاجة، ويجوز لحاجة، وأن النهي للتنزيه.

    [5] حسن: رواه أبو داود (32) بسند حسن، فإن أبا أيوب الإفريقي وعاصم بن أبي النجود، لا ينزل حديثهما عن الحسن.

    [6] حسن: رواه الترمذي (1888)، وقال: حسن صحيح.

    [7] فلا يتنفس في الإناء: لا يتنفس داخل الإناء.

    [8] متفق عليه: رواه البخاري (153)، ومسلم (267).

    [9] يتنفس في الإناء: خارج الإناء.

    [10] متفق عليه: رواه البخاري (5316)، ومسلم (2028).

    [11] حسن: رواه الطبراني في الأوسط (847) وحسنه الحافظ في الفتح (5316).

    [12] رواه مسلم (2028).

    [13] رواه البخاري (5627).

    [14] متفق عليه: رواه البخاري (2352)، ومسلم (2029).

    [15] متفق عليه: رواه البخاري (5632)، ومسلم (2067).

    [16] رواه مسلم (861).

    [17] الفويسقة: الفأرة.

    [18] متفق عليه: رواه البخاري (3316)، ومسلم (2012).

    [19] استجنح الليل: أقبل بظلمته.

    [20] أوكِ سقاءك: اربِطْ فتحة القِربة وسُدَّها.

    [21] خمر إناءك: غطِّه.

    [22] رواه البخاري (3280).

    [23] رواه مسلم (5022).


    الشيخ وحيد عبدالسلام بالي
    شبكة الالوكة

     

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×