اذهبي الى المحتوى
دموع القدس

كن ربانيا

المشاركات التي تم ترشيحها

كن ربانيا ولا تكن رمضانيا

 

 

إن الحمد لله نحمـده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله

 

] يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [ [ آل عمران : 102 ] .

 

] يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [ [ النساء : 1 ] .

 

] يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِـرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِـعِ اللَّهَ وَرَسُـولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [ [ الأحزاب : 70-71 ] .

 

أما بعـد :?:

 

فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخـير الهدى هدى محمد r ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة فى النار.

 

 

 

أحبتى فى الله ..

 

إننا اليوم على موعـد مع لقاء من الأهمية البالغة بمكان وهو بعنوان كن ربانياً ولا تكن رمضانياً ، وكما تعودنا دائماً حتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا فسوف نركز هذا الموضوع فى العناصر التالية :

 

أولاً : الثوابت الإيمانية .

 

ثانياً : عرفت فالزم .

 

ثالثاً : استعن بالله ولا تعجز .

 

فأعيرونى القلوب والأسماع والوجدان أيها الأحبة ، والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هـداهم الله ،وأولئك هم أولو الألباب .

 

أولاً : الثوابت الإيمانية .

 

أحبتى فى الله :

 

ها هو رمضـان قد انتهى فمن كان يعبد رمضان فإن رمضان قد فات ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يمـوت ، لقد انتهى شهر الصيام ، انتهى شهر القيام والقرآن ، انتهى شهر البر والجود والإحسان ، ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر . فليت شعرى من المقبول منا فى رمضان فنهنيه ، ومن من المطرود المحروم منا فنعزيه .

 

 

 

فيا عين جودى بالدمـع من أسف على فراق ليالـى ذات أنـوارِ

 

على ليالى لشهر الصـوم ما جعلت إلا لتمحيـص آثــام وأوزارِ

 

ما كـان أحسننا والشمل مجتمـع منا المصلى و منا القانط القارى

 

فابكوا على ما مضى فى الشهر و اغتنموا ما قد بقى إخوانى من فضل أعمارى

 

أيها الفضلاء الأعزاء :

 

مما لا ريب فيه أن الله جل وعـلا قد فضل شهر رمضـان على سائر الشهور والأزمان ، واختصه بكثير من رحماته وبركاته ، ويسر الله فيه الطاعة لعباده مما لا يحتـاج إلى دليل أو برهـان ، فأنت ترى المسلمين فى رمضان ينطلقون بأريحية ويسر إلى طاعة الرحيم الرحمن جل وعـلا، ولم لا ؟! وقد غُلِّقت أبـواب الجحيم ، وفتحت أبـواب النعيم ، وغـل فيه مـردة الجن والشياطين ، فأنت ترى الناس تقبل على طاعة الله وعبادته بأريحية عجيبة ، ولكن ما يحـزن القلب ويؤلم النفس أنك ترى كثـيراً ممن عطروا بأنفاسهم الذكية المساجـد فى رمضان يعرضون عن طاعة الله رب البرية بعد رمضان، وكأنهم فى رمضان يعبدون ربا أخر ، فالإيمان له ثواب لا يستغنى عنها المؤمن حتى يلقى الكبير المتعال ، فمثلاً الصلاة : من من المؤمنـين الصادقين يستغنى عن الصلاة بعد رمضان ؟! انظر إلى المساجد فى رمضان ، وانظر إلى ذات المساجد بعد رمضان .

 

أيها الموحدون : هل يستغنى مؤمن صادق مع الله عن هذا الأصـل الأصيل وعن هذه الثوابت الإيمانية حتى يلقى رب البرية وهو الركن الثانى من أركان هذا الدين قال تعالى:] حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [ . [ البقرة : 238 ]

 

وقال جل وعلا : ] يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [ [ الحج : 77 ]

 

وحذر الله أشد التحذير من تضييع الصلاة ومن تركها فى رمضان أو غير رمضان فقال جل وعلا : ] فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [ [ مريم : 59 ]

 

وقال جل وعلا : ] كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ(38)إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ(39)فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ(40)عَنِ الْمُجْرِمِينَ(41)مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ(42)قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [ [ المدثر : 38-43 ]

 

فيا من هيأ الله له صيام شهر رمضان لا تضيع الصـلاة ، فالصلاة صلة لك بالله ، ومعين لك يطهرك من المعاصى والذنـوب ، وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة أن النبى r قال : (( من غدا إلى المسجد أو راح أَعَدَّ الله له نُزلاً فى الجنة كلما غدا أو راح ))([1][1]).

 

وفى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة أن النبى r قال : (( ألا أدلكم على مايمحوا الله به الخطايا ويرفع به الدرجات )) قالوا : بلى يا رسول الله قال : (( اسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخُطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط ، فذالكم الرباط ، فذالكم الرباط ))([2][2]).

 

افترض الله على المؤمنين الصـلاة وتعدهم بها فى كل زمان ومكان حتى يلقى العبد ربه ليُسأل أول ما يُسأل عن الصلاة .

 

فعن أبى هريرة t قال : (( إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته ، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح ، وإن فسدت فقد خاب وخسر ))([3][3]).

 

أيها الموحدون : ومن الثوابت الإيمانية ( القرآن )

 

إن القـرآن حياة القلوب والأرواح ، القرآن حياة النفوس والصدور ، القرآن حياة الأبدان ، القرآن شراب النفس وطعامها ، فهل يستغن مؤمن عن روحه ؟! هل يستغن مؤمن عن أصل حياته ، إن القرآن يهدى للتى هى أقوم فلا تضيعوا هذا الطريق ولا تنصرفوا عنها .

 

إن طرف القـرآن بيد الله ، وإن طرفه أيديكم فإذا تمسكتم بهذا الحبل المتين لن تضلوا ، ولن تهلكوا أبداً ، وهـل يستغنى أحد عن أن يكلمه الله فى اليوم مرات ، فمن أراد أن يكلم الله فليدخل فى الصلاة ومن أراد أن يكلمه الله فليقرأ القرآن ، وهل تستغنى عن ربك أيها الموحد ؟! ، لا تضيع القرآن بعد رمضان ،واعلم أن الله قد مَنَّ عليك بالقرآن فى رمضان فجعلت لنفسك ورداً يومياً ، فلماذا بعد رمضان تركت هـذا الورد ووضعت المصحف فى علبته كأنك لن تحتاج إليه إلا فى رمضان المقبل ؟!

 

فيا أيها الحبيب الكريم :

 

اقرأ القرآن واعمل بما فيه ، فإنه يأتى يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ، ففى صحيح مسلم عن أبى أمامة الباهلى t قال : سمعت رسول الله r يقول : (( اقرؤوا القرآن ، فإنه يأتى يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ، اقرؤا الزاهراوين : البقرة ، وآل عمران ، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما ، اقرؤوا سورة البقرة ، فإن أخذها بركة ، وتركها حسرة ، ولا تستطيها البطلة ))([4][4]).

 

ويقول r كما فى الصحيحين من حديث ابن عمر رضى الله عنهما :

 

(( لا صدد إلا فى اثنين رجل أتاه القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار ، ورجل أعطاه الله مالاً ، فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار ))([5][5]).

 

(( رجل أتاه القرآن فهو يقرأه آناء الليل وآناء النهار )) أى فى سائر العام فلا تهجروا القرآن يا أمة القرآن بعد رمضان ، ومن الثوابت التى لا غنى عنها للمؤمن بعد رمضان : ذكر الرحيم الرحمن .

 

أخى الكريم :

 

إذا كنت تحافظ على الأذكار والاستغفار فى رمضان ، فهل تستغن عن هذا الزاد بقية العام ، إن الذكر شفاء من الأسـقام ومرضاة للرحمن ومطردة للشيطان ، فرطب لسانك دوماً بذكـر الرحيم الرحمـن جل وعلا ، واسمع لحبيبك المصطفى r كما فى الحديث الذى رواه أحمد والترمـذى وصححه الألبانـى من حديث معاذ بن جبل يقول r (( ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها لدرجاتكم ، وخير لكم من إعطاء الذهب والفضة ، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم )) قالوا : بلى يا رسول الله قال : (( ذكر الله عز وجل ))([6][6]).

 

انظر إلى فضل الذكر ، فالذاكر فى معية الله ، كما فى الصحيحين أنه r قال : (( قال الله جل وعلا : أنا عند ظن عبدى بى ،وأنا معه حين يذكرنى فإذا ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى ، وإن ذكرنى فى ملأ ، ذكرته فى ملأ خير منه ، وإن تقرب إلىَّ شبراً تقربت إليه ذراعاً ، وإن تقرب إلىَّ ذراعاً تقربت إليه باعاً ، وإذا أتانى يمشى ، أتيته هرولةً ))([7][7]).

 

فاذكر الله جلا وعـلا لتكون دوماً فى معيتـة سبحانه وتعالى ، والمعية نوعان : معية عامة ، ومعية خاصة ، أما المعية العامة فهى معية العلم والمراقبة والإحاطة والمعية الخاصة فهى معية الحفظ والنصر والعـون والمدد والتأييد ، فهل تستغن أيها المؤمن عن معية الله جل وعلا ؟!!

 

فإذا أردت ذلك فداوم على الذكر ولا تضيع هذا النور أبداً ، ويكفى أن تعلم أن النبى r قال فى الحديث الصحيح الذى رواه أحمد والترمـذى من حديث الحارث الأشعرى الطويل (( … وآمركم أن تذكروا الله فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو فى أثره سراعاً حتى إذا أتى على حصن حصين أحرز نفسه منهم ، وكذلك العبد لا يُحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله ))([8][8]).

 

إذاً لابد لك هذا الزاد لأن فيه الخير العظيم ، فالذكر من الثوابت التى لا غنى عنها بحال لا فى رمضان ولا فى غير رمضان .

 

ومن الثوابت الإيمانية أيضاً : الإحسان إلى الناس .

 

إننا نرى كثيراً من الناس لا تظهر عليهم علامات الجـود والكرم إلا فى رمضان فقط ، فإذا ما انتهى رمضان لا تجد إلا العبوس فى وجه الفقراء ولا نجد إلا البخل والشح ولا حول ولا قوة إلا بالله .

 

أنت قد منَّ الله عليك بالإنفاق على الفقراء والمساكين وكثير من أوجه الخير فى رمضان فهلا عودت نفسك على الإنفاق حتى ولو بالقليل .

 

ففى الصحيحين من حديث عدى أن الحبيب النبى r قال : (( ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه ، ليس بينه وبينه تُرجمان ، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم ، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه ، فاتقوا النار ولو بشق تمرة ))([9][9]).

 

فالإحسان من الثوابت الإيمانية التى لا يستغنى عنها مؤمن فى رمضان غير رمضان حتى يلقى ربه جل وعلا .

 

ومن هذه الثوابت الإيمانية أيضاً : قيام الليل .

 

فى رمضـان وُفقت بفضل الله ورحمته ومنته إلى صـلاة التراويح والقيام فلماذا لا تستمر على هذا الدرب المنير ؟.. لماذا تضيع القيام بالليل .

 

اسمع للنبى r وهو يقول فى الحديث الذى رواه الحاكم وابن خزيمة والترمذى وحسنه الألبانى فى صحيح الترغيب والترهيب من حديث أبى أمامة يقول r : (( عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحـين قبلكم وقربة إلى الله تعالى ومنهاة عن الإثم وتكفير للسيئات ))([10][10]).

 

فاعمل أخى المسلم على أن تكتب من القائمين الليل ولو بركعة واعمل جاهداً أن تكون من أصحاب هذه الآية ] تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [ [ السجدة : 16 ]

 

ومن الثوابت الإيمانية : التوبة .

 

ما منا أحد إلا وتاب وأناب إلى الله فى رمضان ، فهل معنى ذلك أنه إذا انتهى رمضان انتهى زمن التوبة ولا نحتاج إلى توبة وأوبة إلى الله جل وعلا ؟!

 

وانظر إلى حال الكثير من المسلمين تجد أن الكثير منهم ينفلتون يوم العيد إلى المعاصى والشهوات وكأنهم كانـوا فى سجن وبمجرد أن تم الإفـراج عنهم مغرب اليوم الأخـير من رمضان انطلقوا وكأنهم خرجـوا من هذا السجن وسرعان ما انكبوا على أنواع المعاصى والشهوات كجائع انكب على الطعام من شدة الجـوع الذى أَلَمَّ به ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ذلك ليس بحال المؤمن الموحـد ، فإن المؤمن الموحـد عمره كله عنده عبادة لرب الأرض والسماوات فتجـده ينتقل من عبودية إلى عبودية ، ومن طاعـة إلى طاعة ومن فضل إلى فضل ، لذا يجب عليك أن تكون دائماً فى عبودية حـتى تلقى رب البرية ، يقول النبى r كما فى صحيح البخارى من حديث أبى هريرة : (( والله إنى لأستغفر الله وأتوب إليه فى اليوم أكثر من سبعين مرة ))([11][11]).

 

النبى صلوات الله عليه وسلامه يقسم بالله ، أنه يتـوب ويستغفر الله فى اليوم أكثر من سبعين مرة وهو الذى غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، بل وفى رواية مسلم قال (( يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإنى أتوب فى اليوم إليه مائة مرة ))([12][12]).

 

هذا حال سيد الخلق أجمعـين وإمام المرسلين فما حالنا ؟! فالتوبة من الثوابت الإيمانية التى لاغنى عنها لمؤمن بعد رمضان ، وهذه بعض الثوابت التى نحافظ عليها فى رمضـان، ويتخلى عنها أكثرنا بعد رمضـان ، فأحببت أن أذكر نفسى وأحـبابى وأخواتى بهذه الثوابت الإيمانيـة التى لا يستغنى عنها مؤمن بحال حتى يلقى رب البرية جل وعلا .

 

ثانيا : عرفت فالزم .

 

ذقت حلاوة الإيمان وعرفت طعم الإيمان ، عرفت هذا فى رمضان ، ما منا من أحد صام وقام رمضـان وقام ليلة القـدر إلا وذاق هذه الحلاوة ، حلاوة شرح الصدر وسرور القلب ، عرفت فالزم ، الزم هذا الضرب المنير ، واستقم على هذا الصراط المستقيم ، ففى الصحيحين من حديث عائشة رضى الله عنها أن النبى r قال : (( يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا . وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وإن قل ))([13][13]).

 

 

 

 

 

وفى صحيح مسلم من حديث عائشة قالت : (( كان رسول الله r إذا عمل عملاً أثبته ))([14][14]). أى داوم عليه وحافظ عليه .

 

وفى صحيح مسلم من حديث أبى عمرة سفيان بن عبد الله الثقفـى أنه قال للنبى (( قل لى فى الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك )) .

 

قال الحبيب r : (( قل آمنت بالله ثم استقم ))([15][15])

 

قل آمنت بالله ثم استقم ، أى استقم على ضرب الإيمـان ، استقم على طريق التوبة ، استقم على طريق الاستغفار ، استقم على طريق قيام الليل ، استقم على طريق الإحسان ، استقم على طريق هذه الثوابت الإيمانية التى أعانك الله عليها فى رمضان ، قال جل وعلا : ] إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30)نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآْخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ(31)نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [ [ فصلت : 30-32 ] .

 

(( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا )) قرأها يوماً على المنبر عمر بن الخطاب فقال : (( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا )) ثم استقاموا على منهج الله فلم يروغوا روغان الثعالب ، والاستقامة هى المداومة والثبات على الطاعة .

 

أيها الحبيب الكريم : عرفت فالزم .. الزم هذا الدرب ولا تنحرف عنه .

 

ثالثاً : استعن بالله ولا تعجز .

 

من أعانه الله على الطاعـة فهو المعان ، ومن خزله الله فهو المخزول لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا حول لك على طاعته ، ولا قوة لك على الثبات على دينه إلا بمدده سبحانه فاستعن بالله ولا تعجز واتقيه ما استطعت واطلب المدد والعـون منه أن يثبتك على طريق طاعته وعلى درب نبيـه r وتدبر وصيته لمعاذ بن جبل .

 

كما فى الحديث الصحيح الذى رواه أحمد والترمذى وغيرهما أن النبى قال لمعاذ بن جبل يوماً : (( يا معاذ والله إنى لأحبك ، فقال : أوصيك يا معاذ ، لا تدعن فى كل صلاة وفى رواية دبر كل صلاة أن تقول : اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ))([16][16]).

 

نعم اطلب العون والمـدد من الله على عبادته سبحانه وأنت إن سلكت هذا الدرب المنير لن يخزك الله أبداً ، أليس هو القائل : ] وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [ [ العنكبوت : 69 ] .

 

هذا وعد منْ ؟! وعد رب العالمين ، ورب الكعبة سيصرف بصرك عن الحرام ، وسيصرف الله قلبك عن الشـهوات والشبهات ، وسيحفظ الله فرجك من الحرام ، وسيصرف الله يدك عن البطش فى الحـرام ، وسيصرف الله قدمك من الخطا الحرام ، فأحسن أيها المسلم الموحـد ليكون الله معك ، فمن توكل عليه كفاه ، ومن اعتصم به نجَّاه ، ومن فوض إليه أموره كفاه ، قال جل فى علاه : ] أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ … [ [ الزمر : 36 ]

 

علق قلبك بالله سبحانه فهو الغـنى الذى لا تنفعه الطاعـة ولا تضره المعصية ، ومع ذلك لو تاب إليه عبده الفقـير الحقير مثلى لفرج بتوبته وهو الغنى عن العالمين يقول النبى r : (( لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل فى أرض دوِّيَّة مهلكةٍ ، معه راحلته عليها طعامه وشرابه ، فوضع رأسه فنام نومة ، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته ، فطلبها حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله – قال أرجع إلى مكانى الذى كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ ، فإذا راحلته عنده ، عليها زاده وشرابه فالله أشد فرحاً بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده ))([17][17]).

 

وفى صحيح البخارى عن عمر بن الخطاب t : قدم على النبى r : (( سَبْىٌ ، فإذا امرأة من السَّبْى تحلُب ثديها تسقى ، إذا وجدت صبياً فى السبى أخذته ، فألصقته ببطنها وأرضعته )) فقال لنا النبى r : (( أترون هذه طارحة ولدها فى النار ؟ )) قلنا : لا ، وهى تقدر على أن لا تطرحه ،

 

 

 

 

 

فقال (( لله أرحم بعباده من هذه بولدها ))([18][18]).

 

والله لو تدبرت هذا الحديث لوقفت على العجب العجـاب ، لذا قال أحد السلف ، اللهم إنك تعلم أن أمى هى أرحـم الناس بى وأنا أعلم أنك أرحـم بى من أمى ، وأمى لا ترضى لى الهـلاك أفترضاه لى وأنت أرحم الراحمين ؟!!

 

نعم إنها رحمة الله جل وعلا ، ينادى بها على عباده بهـذا النداء الندى العذب : ] قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [ [ الزمر : 53 ]

 

إنها رحمة الله التى وسعت كل شىء فاستعن بالله ولا تعجز ، و إن زلت قدمك عُد وإن زلت أخرى عُد ، وإن زلت للمرة الألف عُـد ، واعلم بأن الله لا يمل حتى تملوا ، نحن عبيـده هو الذى خلقنـا ويعرف ضعفنا وفقرنا وعجزنا لذا لا يريد منا مجرد الطاعة وإنما يريد منا العبودية له سبحانه وتعالى .

 

فالطاعة لك أنت ، فهو سبحانه لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية ففى صحيح مسلم من حديث أبو إدريس الخولانى عن أبى ذر أن رسول الله r قال : قال الله تعالى : ((... يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانو على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك فى ملكى شيئاً ، يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكى شيئاً … ))([19][19]).

 

أيها الموحد : استعن بالله على الطاعة ، واستعن بالله على أن تثبت على هذا الدرب المنير ، واعلم يقيناً أن من أعظم الأسباب التى تعين العبد على أن يثبت على طاعة الله جل وعـلا أن يكون وسطاً معتدلاً فى طاعته لربه ، لا غلواً فى الإسلام ولا تنطح ، فخـير الأمور الوسط ، لا غلو ، لا إفراط ، لا تفريط ، لذا يقول المصطفى r : (( إن الدين يسرٌ ولن يشاد الدينَ أحد إلا غلبه فَسَدَّدوا وقاربوا و أبشروا واستعنوا بالغَدْوَةِ والرَّوحة وشىء من الدُّلْجة ))([20][20]).

 

وعن أنس بن مالك قال : دخـل رسول الله r فإذا حبل ممـدود بين الساريتين فقال : (( ما هذا الحبل ؟ )) قالوا : هذا حبل لزينب ، فإذا فترت تعلقت ، فقال النبى r : (( لا ، حلوه ، ليصل أحدكم نشاطه ، فإذا فَتَرَ فليقعد ))([21][21]).

 

وكلكم يعلم قصـة الرهط الذين جاءوا لبيوت النـبى r والحديث فى الصحيحين من حديث أنس ، جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبى يسألون عن عبادة النبى فلما أخبروا كأنهم تقالوها ، فقالوا : وأين نحن من النبى r ؟ فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فقال أحدهم : أما أنا أصلى الليل أبداً ، وقال آخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر ، وقال آخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً ، فجاء إليهم النبى r فقال : (( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ، أما والله إنى لأخشاكم لله وأتقاكم له لكنى أصوم وأفطر ، وأصلى وأرقد وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتى فليس منى ))([22][22]).

 

نعم لقد جمع النبى هذا المنهج الوسط وحوله إلى منهج عملى على أرض الواقع فى هذا الدعاء الرقيق الرقراق الذى رواه مسلم فقد كان النبى يدعو الله ويقول (( اللهم أصـلح لى دينى الذى هو عصمت أمرى ، وأصـلح لى دُنياى التى فيها معاشى ، وأصلح لى آخرتى التى إليها معادى ، واجعل الحياة زيادة لى فى كل خير ، واجعل الموت راحة لى من كل شر ))([23][23]).

 

إنه منهج الوسط .. منهج الاعتدال ، لقد جمـع النبى بكلماته هذه بين خيرى الدنيا والآخـرة لأن من كسب الدنيا بالعمل الصالح كسب الآخرة بإذن الله ، ومن خسر الدنيا بالعمل السىء خسر الآخرة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .[/b]

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أختي / دموع القدس

بارك الله فيك على نقلك الطيب وثبتنا وإياك على طاعته في كل زمان وأي مكان[/b]

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أختي دموع القدس

 

جزاكي الله خيراً عل إفادتك بصالح الأعمال لنا جميعاً وجعله الله في ميزان حسناتك .

 

قال الله تعالى :

 

** من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم الأجر عند ربهم ولا خوف عليهم ولا يحزنون **

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

دموع القدس ..

 

جزيت خيراً

وبورك فيك على نقلك الرائع ..

 

 

 

محبتك .. اديــ الود ـــم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×