اذهبي الى المحتوى
خير أمة

حذارِ أن تُخدع فتُسلب منك غنيمةُ رمضان!

المشاركات التي تم ترشيحها

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

 

حذارِ أن تُخدع فتُسلب منك غنيمةُ رمضان!

 

 

د. عبدالرزاق مرزوكَ

 

 

حذارِ أن تُخدَع فتسلب منك غنيمةُ رمضان الثمينة؛ فإن عدوك المسلسَل قد أُرسِل من قيده، وخرج من سجنه ناقمًا يتوعد؛ يبغيك الفتنة ويتلصص، ويسعى في إغوائك مستميتًا يتربص.. عساه يظفر بك، فحذار أن تصير أنت إلى سجنه؛ في رقيقه وسبيه!..

 

الحمدُ لله الغني الشاكر، والصلاةُ والسلام على أقربِ عباده إليه، وأولاهم بفضله الوافر، وعلى آله وصحبه، وكل عابدٍ على الطاعة صابر.

 

وبعدُ، فإنَّ شهرَ رمضان لا ينتهي إلا وموعظتُه جلية بارزة، وذكراه داخل قلب المؤمن مستقرة نافذة؛ إنه هدية الرحمن -جل وعلا- لعبيده كي يزيد الأوابين شرفًا وعزًّا، ويفسح للطامعين في غفرانه سبيل الإنابة تذكيرًا لهم ونصحًا، ويقطع الطريق على عدوهم كي لا ينسيهم كرامتهم على بارئهم؛ فيظفر من دونه بعهدهم وولايتهم.

 

وقد قال تعالى مبرزًا فضل ما هداهم إليه: {.. وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185]؛ فهذه غاية تشريع الصيام المثلى؛ إذا ضمت إلى الغاية الأولى (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ظهر وجهُ التأكيد للزوم حذر العبد أن يغبن فيما أتى، ويحرم مما كسب؛ فيبطل عمله، ويمضي صيامه وقيامه سدى.

 

ولا يخفى أن من لوازم شكر الله تعالى على نعمه أن لا تستعمل في موجبات مقته وسخطه، ولذلك قالوا في تعريف الشكر: "رؤية المنعم لا رؤية النعمة"، فإذا رأيت المنعم من خلال نعمته استحضرتَ مدى جلاله وعظمته، وأن ما أصابك من فضله مجرد حلمه وإحسانه، فشق عليك مقابلةُ برِّه بعصيانه.

 

وأقل نعم الله على الصائم إعانته على الصيام والقيام، وشرح صدره للذكر والتقوى والتوبة والإنابة، وتوفيقه للعمل الصالح، وإتمام فرحته بالعيد، فأقل ما يشكر به لربه هذه النعمة السابغة اغتنامه لأثرها وهي في قلبه وسلوكه غضة ماثلة قبل أن تزحزحها الغفلة فتندرس، وتصير ذكريات فارغة، وصورًا عابرة، فإن انتباه العبد حال السماع وحضور الواعظ ليس كانتباهه بعد ذهابه وانقطاع وعظه، وقد صور الإمامُ ابن الجوزي -رحمه الله- هذا المعنى أحسنَ تصوير وفسره أبلغَ تفسير؛ فقال:

"قد يعرض عند سماع المواعظ للسامع يقظة، فإذا انفصل عن مجلس الذكر عادت القساوة والغفلة، فتدبرت السبب في ذلك فعرفتُه، ثم رأيت الناس يتفاوتون في ذلك، فالحالة العامة أن القلب لا يكون على صفته من اليقظة عند سماع الموعظة وبعدها؛ لسببين:

أحدهما: أن المواعظ كالسياط، والسياط لا تؤلم بعد انقضائِها إيلامَها وقت وقوعها.

والثاني: أن حالة سماع المواعظ يكون الإنسان فيها مزاح العلة؛ قد تخلى بجسمه وفكره عن أسباب الدنيا، وأنصت بحضور قلبه، فإذا عاد إلى الشواغل اجتذبته بآفاتها، وكيف يصح أن يكون كما كان؟". [صيد الخاطر : ص 9–10].

 

وكذلك حال الصائم؛ فإن صيامَه يحملُه على تعظيم شعائر التعبد، وصيانتها أن تخدش أو يفسدها بركوب محرم، فيكون أشرحَ صدرًا، وأرقَّ قلبًا، وأكثر خشوعًا ووقارًا، وأسرعَ إلى الخيرات، وأحرَصَ على الاستقامة والتقوى، فإذا أفطر قلَّ -ميولا مع الطبع- خشوعُه، وخف اتعاظُه وإقباله.

 

لكن الصائمين ليسوا من هذا الوجه على حال واحدة؛

 

فمنهم من ينمحي أثرُ اتعاظه بصيامه بانقطاعه.

 

ومنهم من تجتذبه أسباب الغفلة حينًا، فيميلُ مع طبعه ورعونة نفسه، وتقيمه أسباب اليقظة حينًا فيتعظ ويستقيم.

 

ومنهم اللابث على حال اليقظة الأولى؛ قد لازم أثرُ الصيام قلبَه؛ فألِفَت جوارحُه دوامَ الامتثال، وخبَرَ حلاوةَ التقوى، وعرَف أن بها حياةَ قلبه، وفيها ربيعَه ونعيمَه؛ فلم يقدر على فراقها، وعلق همه بالحظوظ الآجلة الباقية؛ فشق عليه إيثارُ الحظوظ العاجلة الزائلة...

 

فهو على سبيل الرضى والثبات واليقين ماضٍ لا يلتفت إلى الوراء؛ قد أدرك أن ربه المعبود في رمضان لا يزال ربًّا واحدًا حيًّا حسيبًا رقيبًا بعد رمضان، وأن صيامَه كان أشبه بمنزل نزله في أثناء سيره الموصل إلى بارئه ومولاه، ثم استأنف المسير بعد التزود وتجديد الاستعداد.

 

وأدرك أيضا أن ربه الذي فرض عليه الصيامَ هو نفسُه الذي فرضَ عليه الصلاةَ والحج والزكاة، وسائر الشعائر والطاعات؛ فهو رب واحد، شرع ملة حنيفية واحدة؛ لا يسعُ المنتسبَ إليها إلا التحلي بخصال شرعتها المتماسكة كلبِن البنيان، والتجلل بلبوسها الشامل السابغ، فلا ينفعه طلب الاستقامة بإتيان شعيرة دون أخرى، وإلا كان كمن أجهد نفسه في تحصيل ثمن ثوب جميل نفيس؛ فلما قطعه وخاطه ليلبسه جعله ضيقًا قصيرًا؛ فلا هو ستر نفسه بما يلبس، ولا هو استمتع بجماله وبهائه.

 

وأدرك أيضا أن غضب الله الذي كان يخشاه في رمضان لا يمنعه انقضاؤه؛ لأن تعلقه بالمعصية متى كانت.

 

وأدرك أيضًا أن ما حصله من ثواب الصيام والقيام غنيمةٌ نفيسة؛ من الغبن الأعظم إهدارُها، فيلزمه رعايتُها وصيانتها كي لا تصير غنيمةً باردة للشيطان يستعيض بها عما فاته أيام الحبس والتصفيد؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: (رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ، ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَن يُغْفَرَ لَهُ) [هداية الرواة -887].

 

وأدرك أيضا أن موسم الطاعة ليس ثلاثين يومًا، وإنما العمر كله، وأن يوم العيد أشبه ما يكون بيوم العرض على الرب عز وجل، فالناس فيه بين فائز فرح بلقاء ربه، وخاسر محروم من رحمته ورضوانه....

 

فمثل لانقضاء عمرك أيها الفطن اللبيب بانقضاء شهر رمضان، فلن يلبث حتى يفوت؛ فتفاجأ بسرعة انقضائه كما فوجئت بسرعة انقضاء رمضان..!، أو لعلك لا تعيش حتى تدرك رمضان السنة القابلة..!.

 

وراجع حالك، واعرض على ربك حظك المذخور وقدر مآلك، ثم انظر هل بلَّغك زادُك الذي جمَعتَ ما تفرح به الفرحَ الحقيقي المقيم، وتنال به جوار ربك العلي الرحيم؛ كما قال عز وجل : {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58]؟..

 

أم هي فرحة أخلصتها للأكل والشراب، وزائل الشهوات، وقريب الأغراض، وداني الشؤون والرغبات؟!...

 

وإلا فاعلم أن للمسيء الخامل الكسول فرحةً، وللقاعد عن جلب الغنيمة الشريفة الباقية نشاطًا وسَرحة؛ يراها بعين المغرور دوحةً مِحْلالا، وهي وعد إبليس المكذوب وأمنيته المسمومة؛ كما قال تعالى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللَّهِ..} [التوبة: 81].

 

فهل يفرح بمقعده خلافَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا المستنكفُ الجهول؛ المؤثر للحرمان والخذلان؟!..، ثم قال تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا..} إشارةً إلى أن وراءَ فرحِهِ الموقوت بكاءً مستمرًا، وحسرة شديدة، وندمًا طويلا.

 

وللغافل الناسي المستهين بالعظات والبينات فرحة؛ كما قال تعالى –يصف مصير أهل هذه الحال-: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذا هُم مُّبْلِسُونَ} [الأنعام: 44].

 

فكم ممن يرى رمضان قاطعًا للهوه وزهوه، فإذا خرج فرِح بخروجه فرَحَ الخصم الناقم، واستبشر استبشارَ من كان واجمًا مسجونًا، ثم ينهمك فيما كان فيه، وهو لا يدري أن تمكينَه مما يشتهي استدراجٌ من الجبار جل وعلا؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه-: (إِذَا رَأَيْتَ اللهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ؛ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ)، ثم تلا: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذا هُم مُّبْلِسُونَ) [حسن الحافظ إسناده في (هداية الرواة: 5129)، وهو أيضا في (الصحيحة: 413)].

 

وقال الزمخشري -رحمه الله-: "لم يزيدوا على الفرح والبطر من غير انتداب لشكر، ولا تصد لتوبة واعتذار" [الكشاف 2/22].

 

فاختر لنفسك يا من صُمْت خلال شهر رمضان وقمت، وبكرت إلى المسجد مواظبًا على أداء الصلاة مع الجماعة، وعزمت على هجر صحبة السوء، والشروع في توبة نصوح؛ ترجو عفو الله وستره...

 

اختر لنفسك بين فرحتين: فرحةِ محسن مقيم على إرضاء مولاه؛ صام وقام وسارع إلى الخيرات؛ فازداد حبا لله، وأنسًا بكتابه، وتعلقا بمرضاته..

 

وفرحةِ مسيء مغرور لم يَرْعَوِ ببيناته وهداه، لم يزَل صارفُ التسويف ينسيه الذكرى ويُقصيه إلى أن يُحرَم ذريعة الاستدراك، فيقول: (رَبِّ ارْجِعُونِ)، ثم يقال له (كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).

 

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

 

 

 

منقول من موقع الألــــوكة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك
فمثل لانقضاء عمرك أيها الفطن اللبيب بانقضاء شهر رمضان، فلن يلبث حتى يفوت؛ فتفاجأ بسرعة انقضائه كما فوجئت بسرعة انقضاء رمضان..!، أو لعلك لا تعيش حتى تدرك رمضان السنة القابلة..!.

 

 

اسأل الله لي ولك ولجميع الأخوات

 

اليقظة من الغفلات و المغفرة من رب البريات ..

 

 

 

نقل طيب أختي الفاضلة خير أمة ..

 

لا حرمك الله الأجر وبارك المولى بك ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،،

 

جزاكِ الله خيرًا يا غالية

و جعل ما نقلتِ في ميزان حسناتك

 

نسأل الله عز و جل أن نكون ممن فاز برضاه و العتق من النار في هذا الشهر المبارك

و نسأله سبحانه أن يثبتنا على طاعته

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاكِ الله خيرا

 

فلنقبل ولنطهر أنفسنا من الآن فلقد أقبل علينا شهر كريم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×