اذهبي الى المحتوى
سأكون بأمة

المغني

المشاركات التي تم ترشيحها

المغني

قال وهو يدافع عبراته:

كانت قد وقفت على النافذة تراقبني بعينين دامعتين..تلوح بيديها اللتين أهزلهما مر السنين..

كانت تدافع عبراتها حتى غلبها البكاء..فبكت..

وقفت أنظر إليها..نشيجها يصل إلى مسمعي..لكن المعاصي الجاثمة على صدري حالت بينه وبين الوصول إلى قلبي القاسي..

لم أرحم توسلاتها بالبقاء معها..والإلتحاق بالجامعة في نفس المدينة..

أنانية..حب للذات..بحث عن حرية مزعومة..وشخصية مستقلة بذاتها..بل شهوات وملذات..وشياطين من الإنس والجن يؤازر بعضهم بعضاً..

هروب من نصائحها ومواعظها..من عطفها وشفقتها..وخوفها أن أنحرف..

تركتها وهي واقفة تودعني..غبت عنها وهي لم تفارق مكانها..وداعاً أمي..

مرت علي الأيام وأنا غائب عنها لم أعد أسمع عند خروجي: في حفظ الله ياولدي..إلى أين تذهب ياولدي؟

وهناك..لم أعد أسمع: لماذا تأخرت ياولدي؟

إنطلقت في حياة اللهو والترف..حياة الغفلة والخوض في المعاصي والآثام..

صوتي الجميل أغرى رفقاء السوء الذين زينوا لي الغناء..

بدأت أغني وشياطين الإنس يغدقون علي عبارات الثناء التي لامست قلبي..

إلى أن جاء ذلك اليوم الذي دعيت فيه لكي أغني على المسرح..عشت صراعاً رهيباً فما زال الحياء يحتل من قلبي مساحة صغيرة..فعشت بين الرفض والموافقة للحظات..فقلبي يعاتبني: لالست من يقف ليغني كما يفعل الفسقة..لكن نفسي توبخني وتلومني: هذه فرصتك لاتضيعها سوف تصبح مشهوراً..

وبعد عناء وتردد وافقت..

صعدت على المسرح ومازال للحياء بقية..لكنه رحل مع أول كلمة تغنيت بها..

إهتزت القاعة طرباً..وتمايلت الأجساد نشوة..عبارات الثناء والمديح تستحثني على المواصلة كلما سكت..

لتمضي تلك الليلة ولتقضي على ما تبقى من إيمان..

رفقاء السوء من حولي قد إزدادوا..الدعوات كثرت..تنقلت من قاعة إلى قاعة..تنقلت بين أصناف المعاصي والآثام..سهرات خاصة وعامة..

قدمت لي دعوة للمشاركة في حفل غنائي في أحد القصور..قدمت لبعض الأغاني التي تفاعل معها الجمهور وكنت بحق النجم القادم إلى الساحة الفنية..

تلقيت بعد هذه الحفلة دعوة من أحد أهل الفن يعرض علي رغبته في أن يتبناني فنياً ويهتم بي..

أخذت موعداً مع فنان مشهور عن طريق وكيل أعماله..ليتم التنسيق بهذا الشأن..

وكان الموعد يوم الخميس..

الأيام تمضي سريعاً..قبل الموعد بيومين رجعت إلى أهلي..لمشاركتهم بعض المناسبات..

حركة دائبة في المنزل فزواج أخي يوم الخميس..ويوم الأربعاء سيتم عقد قران إثنتين من أخواتي..

كانت أني كالنحلة..تنتقل من مكان إلى مكان..لاتكاد الدنيا تسعها من الفرح..تردد الدعوات والتبريكات..

على شفتيها فرح لو قسم على العالم لابتسم..تواصل الليل بالنهار..تعد العدة للفرح الكبير..تطمئن على كل شيء..لاتدع صغيرة ولاكبيرة إلا وتسأل عنها..

وجاء يوم الأربعاء سريعاً..

فإذا به يحمل الفاجعة التي غيرت مجرى حياتي..الفاجعة التي أيقظتني من الغفلة..أحيت قلبي الذي قد مات..

جاءت الفاجعة لتنتشلني من المستنقع القذر..مستنقع الرذيلة..مستنقع الغناء والطرب..

ماتت أمي..كيف!! لاأدري..المهم أنها ماتت..

بعد أن شاركتنا لحظات بسيطة من الفرح..تنحت قليلاً..وألقت بجسدها على سريرها..وكأنها تقول: وداعاً صغاري..لقد كبرتم..

تحول الفرح إلى حزن..وجوه صامتة قد تملكتها الدهشة وألجمتها الفاجعة..

لاترى إلا دموعاً تنهمر..وقلوباً ترتجف..ولاتسمع إلا نشيجاً ينطلق من كل زاوية..كل شيء كان يبكي وينوح..إلا أمي فقد كانت على فراشها ساكنة..لاتدري عما حولها..

جهزوا جنازتها..بدؤوا يغسلونها..

دخلت عليها بعدما غسلت..ألقيت عليها النظرة الأخيرة..كان وجهها هادئاً..كما كان في الحياة..

نظرت إلى فمها..عينيها..يديها..كانت بالأمس تنهاني عن مفارقتها خوفاً علي من الفساد..

قبلتها..بكيت..بكت أخواتي حولي..أخرجوني من غرفة التغسيل..

مضت الساعات سريعة..لم أشعر إلا وأنا واقف في الصف أصلي عليها..جثتها هامدة..والإمام يردد: الله أكبر..الله أكبر..

دعوت لها بكل جوارحي..دعوت الله أن يغفر لي تقصيري في حقها..

حملت جنازتها مع من حملوا..سرنا بها إلى القبر..

جعلت أهيل عليها التراب..اللهم ثبتها..اللهم ثبتها..

مضى النهار مع المعزين..لكن كان لليل قول آخر..

أويت إلى غرفتي مبكراً..أطفأت الأنوار..ألقيت بجسدي على الفراش..

صور من الماضي بدأت تظهر لي..صوتها يملأ المكان..ياولدي قم..لاتفتك الصلاة..زملاؤك في المسجد ينتظرونك..

ياولدي ابق معي..واصل دراستك هنا..لاتسافر..ياولدي إنتبه لنفسك..

حسرات وندم..هموم وغموم أطبقت على صدري..لم أستطع أن أتنفس..

صور من العقوق..شريط الذكريات يمر أمامي..

كانت تسعدني وأشقيتها..تفرحني وأبكيها..تذكرت توسلاتها..رجاءها..لاتذهب..لاتفعل..زفرات وحسرات..

آآآآآآه كم كنت عاقاً..ترى ماذا ينتظرني في الآخرة؟

(لايدخل الجنة قاطع)..أي قاطع رحم..وأي رحم أعظم من رحم أمي..أخشى أن يعجل لي العذاب في الدنيا بعقوق أولادي..صرخت..سامحني يارب..ياليت أمي ترجع إلى الدنيا لأقبل رأسها..بل لأغسل رجليها بدمعي..ماذا فعلت المسكينة لأعاملها ببرود وكبر..أليست هي التي حملت وأرضعت وسهرت..

آآآه ما أقسى قلبي..أما حالي مع أبي فقد كان أكثر سوءاً..

بكيت بكاء مراً..قمت أصلي لكنني لم أستطع أن أقرأ فقد إستعجم لساني..

كانت دموعي ساخنة فأذابت قسوة قلبي..

سجدت لله.. بللت موضع سجودي بالدموع..

النحيب مشفوع بدعوات صادقة تنطلق من الأعماق..تؤمن عليها كل ذرة من ذرات جسدي..

عاهدت ربي على البر بها بعد موتها..بالدعاء..والصدقة..والإستغفار..

سألته أن يثبتني على ذلك..رددت الدعاء: اللهم يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك..

إنتهيت من الصلاة..

توجهت نحو الماضي الكئيب..أقلب بين الدفاتر والأوراق..فهنا دفتر يحمل بعض الأغاني..وهنا رسائل..وهناك صور..هذا شريط أغان خاصة..وهذه أشرطة لبعض الفساق..

عمدت إلى جيبي أخرجت ما فيه من بطاقات..وجدت بطاقة الفنان الكبير..تذكرت موعده..يوم الخميس عصراً..

صرخت: أعوذ بالله..مزقته بيدي..

جمعت كل شيء يذكرني بالمعاصي والآثام..وضعتها في كيس وفي اليوم الثاني كان الفراق بيني وبينها..

-من كتيب(في بطن الحوت)للشيخ العريفي.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×