اذهبي الى المحتوى
خير أمة

دقـــــــــة بدقــــــــــــــــة

المشاركات التي تم ترشيحها

بســم الله الـرحمــن الرحيــم

 

السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،

دقـــــــــة بدقــــــــــــــــة

 

 

لم يكن مشهدًا غريبًا على أهالي الحي أن يرَوه يجرُّ أمَّهُ، طاردًا إياها خارج المنزل، لتبقى الساعات الطوال في حر الهجير قابعة أمام بابه، تنتظر أن يفتح الباب لتلج المنزل ثانية.

 

لم يعد منظر الأم المكوَّمةُ على عتبة الدار متلفعةً بعباءتها لافتًا؛ فقد ألِفتْهُ عيون المارة ولم يعد يثير فضولَهم ليسألوا عن السبب، فيمضون يحوقلون ويسترجعون، فهم يعرفون السر أكثر من غيرهم!

 

• ما هذه القسوة يا خالتي في قلب هذا الرجل، الالذي خ من أي رحمة، أو شفقة، أو مخافة من الله؟! كيف يفعل هذا بأمِّه؟!

• يا ابنتي، قولي: "الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به"، إنه الجزاء يا ابنتي، وإنه والله لمن جنس العمل.

• ماذا تقصدين؟

• أحيانًا لا تكون الأمور في حقيقتها كما تبدو لنا.

 

هذه المرأة يا ابنتي أمام مرأى أعين أهل الحي أنفسهم، الذين ينظرون إليها الآن ولا تأخذهم الشفقةُ عليها، أمامهم أخرجتْ والدةَ زوجها المقعد ودفعتْها خارجًا من نفس هذا الباب، وجلستْ تلك العجوزُ المعفرة بأتربة الطريق على ذات العتبة التي تجلس عليها تنتظر أن يفتح لها الباب!

 

هذه المرأة التي تستجدي الرحمة من ولدها، كانت تقف في نفس مكانه قبل عشرة أعوام بالتمام، ووالدتها خارج المنزل تشكو لها قلة المال وضيق الحال، فما فعلتْ إلا أن ألقتْ إليها رغيفي خبز جافين، وأوصدت الباب في وجهها، وعلى تلك العتبة تركت العجوز رغيفي الخبز وانصرفت رافعة أكفها إلى السماء تردِّد: "إليك المشتكى يا رب".

 

يا ابنتي، لا تكون الأمور في حقيقتها كما تبدو لنا.

 

هذه المرأة أنعم الله على زوجها بالمال الوفير، والخير الكثير، في زمن قلَّ فيه القوت، وعمَّ فيه لشدة الجوع الموتُ، فتزوجها وكانا "كَشَنّ وطَبَقه"، فما زادته إلا سوءًا، وما زادها إلا شرًّا وكِبرًا، وما زادهما الله بعد ذاك إلاَّ ذلاًّ وفقرًا، فانقلبت الأحوال بعدما أصيب زوجها بداءٍ أعاقه عن الحركة، فأضحى لا يغادر فراشه، ولا يسعى على قُوته، ولم يعد لديه ما يعوله بعد أن ترك تجارته، وعاشا على ما يملكان، حتى قل وبدأ بالنفاد، فاستطارت شرًّا إلى شرها، وازدادت سوءًا إلى سوئها، فأخرجتْ والدته من منزله؛ لتوفر مصروفاتها، ولم تعلم أنه لم يكن بمنزلهما من البركة سوى تلك العجوز المتقية، وبإخراجها نزعتْ بقايا البركة منه.

 

ثم ما لبثت أيام الرجل في الحياة أن انقضتْ، وقضى نحبه في ليلة ليلاء لم يدرِ به أحد، ولم يُعلم بموته إلا بعد زوال شمس اليوم التالي، حيث لم يسمع أحدهم صوته الذي كانت تضج به أرجاء المنزل مناديًا دون مجيب، فدلف ابنه الحجرة عليه، ليجده وقد هلك قبل أن يمسَّ عشاءه الذي وُضِع له أمس.

 

ومنذ ذلك اليوم عَمَّ صمتٌ مميت في المنزل، فلا يدري أحدٌ علامَ أقفلتْ أبوابه؟ إلى أن زُفَّتْ إليه في إحدى الليالي عروس حسناء المنظر، شوهاء المخبر، فكانت وبالاً عليه، وكانت عقابًا معجلاً في الدنيا لكل ما قدَّمتْه تلك المرأة من سيئات لمن حولها؛ إذ لم ترع فيهم حقًّا ولا واجبًا.

 

إن ابنها هذا هو الوحيد الذي بقي معها، وأما إخوته الثلاثة فقد غادروا إلى حيث لا تعرف، ولا تصلها منهم أي أخبار البتة، وهجروا أمَّهم وأباهم بعد أن أُقعد وضاقت به الحال، ولا يُدرى - يا ابنتي - إن كانوا من الأحياء أم الأموات.

 

لطالما باهتْ بهم وظنَّتْ أنهم مانعوها؛ ولكنهم - خشية تحمل مسؤوليتها - رحلوا بين ليلة وضحاها دون كلمة وداع، وما ذاك إلا لأنها في تلك الليلة جمعتهم وأخبرتهم برغبتها في الانتقال إلى أحد منازلهم؛ لحاجتها لمن يقوم على أمورها ويرعاها.

 

الأمور يا ابنتي لا تكون دائمًا في حقيقتها كما تبدو لنا.

 

إنها الآن تتجرع فقط الكأس التي ملأتْها، ولستُ بها من الشامتين؛ وإنما هي الحياة - يا ابنتي - سلف ودين، أو كما يقال: "دقةٌ بدقَّة"، فما تفعليه بالناس يُفعلْ بك، وما تقدميه للناس فإنما تقدمينه لنفسك غدًا.

 

ومن يفعل الخير يُجزَ به؛ {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 110].

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

اللهم استرنا واياكى اختاه فوق الارض وتحت الارض ويوم العرض

اللهم انى اعوذ بك ان اضل او اضل , او اظلم او اظلم , او اجهل او يجهل على

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم

 

يارب ارحمنى برحمتك ولا تكلنى لغيرك انك انت الحق ولااله غيرك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×