اذهبي الى المحتوى
~ أم العبادلة ~

زواج مع وقف التنفيذ

المشاركات التي تم ترشيحها

زواج مع وقف التنفيذ

بقلم: فاطمة عبدالرؤوف

 

عندما خلق الله - عزَّ وجلَّ - آدمَ - عليه السَّلام - من أجلِ عبادتِه - سبحانه وتعالى - ومن أجلِ عمارةِ الأرض لم يتركْه فردًا، بل خلقَ له زوجَه جزءًا من نفسِه، ولكنَّها جنسٌ مختلف يشعُّ بالحنانِ واللُّطفِ، حتَّى يتحقَّقَ السَّكنُ، ومن ثَمَّ تتحقَّقُ عمارةُ الأرض: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم : 21]، وعلى قدرِ ما يتحقَّقُ السَّكنُ والاستقرار على قدرِ ما يبدعُ الإنسانُ في هذا الكوكبِ إبداعًا أصيلاً حقيقيًّا، وعندما ينهارُ هذا السَّكنُ يبدعُ إبداعًا شيطانيًّا مُشوَّهًا، كما يحدثُ كثيرًا في بلادِ الغربِ الذي اهتزتْ فيها الرَّابطةُ الزَّوجية بعنفٍ، حتَّى اقتربتْ من أن تكونَ بعضَ الذِّكرياتِ التاريخية.

 

ولكنَّ ما يحدثُ الآن في بعضِ بلاد المسلمين من السيرِ على خطى البلادِ الغربية أمرٌ مؤسف، ويدعو للقلقِ، فلقد تغيرتْ أبجدياتُ الأسرةِ المسلمة كثيرًا بعد دخولِ المرأةِ سوق العمل، فإذا كان الإسلامُ لم يمنعِ المرأةَ من ممارسةِ عملٍ يدرُّ عليها دخلاً خاصًّا بها؛ إلا أنَّه وضع ضوابطَ تُفهَمُ من التفكُّرِ والتأمُّلِ في الأحكامِ المتعلِّقةِ بالأسرة في الإسلامِ، وعلى رأسِ هذه الضوابط: ألاَّ يخلُّ هذا العملُ بواجباتِ المرأةِ داخلَ نطاقِ الأسرة، فجميعُ العلماءِ ممن يبيحون عملَ المرأةِ يقولون بشرطِ ألاَّ يؤثِّرَ هذا العملُ على بيتِها وأطفالِها، ولكنَّنا نرى عجبًا؛ نرى نساءً يأخذنَ الجزء الأول وهو إباحة العملِ، ثُمَّ ينسين تمامًا الشَّرطَ المرتبط به، حتى أصبح البيتُ بالنسبةِ لهنَّ مكانًا للمبيتِ يشبه الفندق.

 

أعرفُ سيدةً تعملُ معلِّمة أطفالٍ في إحدى المدارس الخاصَّة - طبيعةُ العمل لا غبارَ عليها - وهي تسكنُ في منطقةٍ بعيدة عن هذه المدرسةِ، ولديها طفلةٌ صغيرة، هذه السيدةُ تركبُ ثلاثَ مواصلاتٍ في الصباحِ الباكر حتى تذهبَ لبيتِ أمِّها وتدعَ طفلتَها الصغيرة هناك - يحدثُ ذلك في أجواء شتويةٍ باردة - ثم تركبُ وسيلةَ مواصلاتٍ حتى تذهبَ للمدرسةِ التي تقضي فيها نحوًا من سبعِ ساعات، ثم تشتري شيئًا من الشَّارعِ لتأكلَه قبل أن تلحقَ بعددٍ من الدُّروسِ الخصوصية - التي تدرُّ عليها الدَّخلَ الأكبر - وتنتقلُ هذه السيدةُ من بيتٍ لبيتٍ، حتى تعودَ بعد نحوٍ من ستِّ ساعاتٍ أخرى لبيت أمِّها - التي تعتمدُ عليها اعتمادًا كليًّا في تغذيةِ الصَّغيرةِ ونظافتِها وكلِّ شيء - ثم تأخذُ الصغيرةَ في وقتٍ متأخر جدًّا، وتركبُ ثلاثَ مواصلاتٍ أخرى حتَّى تصلَ لبيتِها (الفندق) فتنام من الإعياءِ حتى يوقظَها زوجُها في منتصفِ الليل وقتَ عودتِه، فتستيقظ لمدةِ ساعتين - وهذا دليلُها الأكبر على حفاظِها على حقِّ الزَّوجِ - ثم تنامُ نحوًا من ثلاثِ ساعاتٍ أخرَ قبلَ أن تغادرَ الفندقَ مع الصغيرةِ، وتترك زوجَها نائمًا دون أن تقلقَه - جميع ما يحتاجُه الزَّوجُ موجودٌ في الثَّلاجة - لستُ بحاجةٍ للتعليقِ على هذه القصةِ التي أعرفُها عن قربٍ، سوى بكلمةٍ صغيرة قالتْها الطِّفلةُ عندما أحضرتْ لها الأمُّ ثوبًا جديدًا؛ كي تسعدَها وتعوضَها غيابَها، وبعد أن ارتدتْه الطِّفلةُ وجدت أمَّها تستعدُّ للخروجِ، فتمسَّكتْ بها فانحنتِ الأمُّ وقبَّلتْها، وقالت لها: سأخرجُ للعملِ كي أشتري لكِ ثوبًا جميلاً جديدًا كهذا الثَّوب، ثم تركتها دون أن تنتظرَ منها كلمةً، فما كان من الطِّفلةِ إلاَّ محاولة شد الثَّوبِ وخلعه أو تمزيقِه، وهي تقولُ لجدتِها بغضبٍ وحزن: أريدُ أمِّي، لا أريدُ هذا الثوب!

 

هذا الزواجُ الفندقي آخذٌ في الاتساعِ والتمدُّدِ، فهناك من تعملُ لمدة عشر ساعاتٍ وأكثر، وهناك من تستغرقُ نحو السَّاعتين في المواصلات كي تصلَ لمكانِ عملِها، وهناك الكثيراتُ اللائي يتركنَ أطفالهنَّ في سنِّ (ثلاثة شهور) في دارِ الحضانة؛ لأنَّها لا تريدُ أن تأخذَ إجازةً بدونِ مرتب، وتخشى على الترقيةِ ومستقبلها الوظيفي!

 

حالةٌ من اللهاثِ المادي العنيف، حالةٌ من الصِّراعِ مع الحياة، والهدف مجهول، حالةٌ من المنافسةِ الشرسة، مَنْ يملكُ بيتًا أكثر جمالاً؟ مَنْ يُذهِبُ أبناءَه لمدرسةٍ أرقى وأغلى؟ من يملك رصيدًا أكبر من المال؟ من لديه عقاراتٌ وأراضٍ؟ ولا أحد يتوقَّفُ ويسأل: لماذا؟ ماذا تغني المدرسةُ الراقية والثِّيابُ الجميلة والألعابُ الجديدة عندما يفتقدُ الطِّفلُ البيتَ والحضنَ والأمان؟! بل ماذا يفيدُ اكتنازُ المالِ إن لم يُوظَّفْ من أجل متعتِنا وسعادتِنا؟ وماذا يفيدُ المنزلُ الأنيقُ ونحن لا نراه إلا ساعات النَّوم؟

 

والسُّؤالُ الأكبر: ما قيمةُ الزَّواجِ في حدِّ ذاتِه إذا فرغ من مضمونِ السَّكنِ الذي يؤدِّي للمودةِ والرَّحمة، وأصبح زواجًا مع وقفِ التنفيذ؟

لا شكَّ أنَّ الرَّجلَ والمرأةَ كليهما معنيان بسلامة البيت واستقرارِه وسكنه، ولكنَّ المرأةَ هي روحُ البيتِ وريحانتُه، ولو أنَّ الظروفَ المادية القاسية دفعتْ بالرجلِ بعيدًا عن بيتِه الدافئ - مع ما في ذلك من خطر - فإنَّ المصيبةَ الكبرى في غيابِ الأمِّ أيضًا عن مملكتِها الجميلة - تطبيقًا لفلسفةِ المساواة البائسة - وسنجدُ أنفسَنا في النهايةِ نعيشُ أجواءَ الغربِ الاجتماعية بصورةٍ واقعية، حتَّى لو كنَّا لم نخترها كمنهجيةِ حياة، لا بدَّ لنا من وقفةٍ جادة لمراجعةِ نمطِ حياتنا، وليكنْ هادينا كتاب ربِّنا وسنة نبينا، إذا كنَّا نريدُ السعادةَ في الدُّنيا والآخرة.

  • معجبة 3

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم و رحمة الله و بركاتـه

 

مآ شآء الله.. و الله موضوع اكثر من رائع

جزا الله خيـرا كاتبته.. وناقلته.

 

 

 

واقع مرّ، و الشيء الأغرب عندما يزعـم الزوج انـه ملتزم و لكنه يريـد من زوجته أن تعمـل

و هو شرط من شروطه..

 

فعندما يشترط الزوج العمل لزوجته.. تجدهـــا حآآآظرة و مستعدة أتـم الاستعداد

و عندما يضع من بيـن شروطه عدم العمل.. تتهمه بالتشدد و التخلف و التأخر.

 

فنادرا جدا مانجد الزوجـة هـي الاولى التـي تخبره برغبتها فـي العمل فـي البيت ذلك العمل الاعظم

و الاكبر منزلة فتطيـب خاطره.. و تسعده و تعمل على بناء بيت مسلم و تربيـة اولادها تربيـة اسلاميــة.

 

الله المستعــان!!

 

ورغم كثرة النسآء العاملات اللواتـي يهملن شؤون البيت و رعايـة الزوج و الاولاد !

نجد و لله الحمد نسآء عاملات مىلتزمات ينظمن اوقاتهن فلا يطغى جانب على الآخر

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

مقال رائع بارك الله فيكِ

وكما ذكرت الكاتبة نوع من اللهاث على الماديات والله المستعان

عملي كامرأة هو بيتي وزوجي واولادي تلك دولتي الصغيرة .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاك الله خيرا حبيبتى

 

موضوع فى غاية الاهميه يحكى حقيقة الواقع المر الذى تعيشه الكثير من بيوتنا

 

والحمد لله ان من عليا بنعمة القرار فى البيت

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

موضوع رائع يا ام عبد الرحمن

 

شكلي كدة هعمل حلقة ذكية الجاية ان شاء الله عن المرأة العاملة المهملة

 

تسلمي من كل وحش يا نضري

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاكى الله خيرا

موضوع قيم ونقل طيب

جعله الله فى ميزان حسناتك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

 

موضوع مهم جدًا فللأسف أصبحت هذه الظاهرة منتشرة بشكل كبير في مجتمعاتنا حتى أصبحت شيء طبيعي و لا يدعو للاستنكار عند الأغلبية

و لو علمت المرأة بأنها بذلك تهدم بيتها و لا تبنيه لرضيت بالقليل مقابل سلامة حياتها و استقرارها

 

جزاكِ الله خيرًا أختي الحبيبة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

موضوع جميل

جزاكى الله خيرا

 

بس أنا عندى سؤال

 

...

 

كان والدى قبل زواجى يقول لى أن المرأه لابد وأن تعمل

لكى تشترى حاجياتها التى لا يقوى الزوج عليها لأنها بلا شك كثيره

وكمان عشان تحوش ويبقى عندها رصيد

...

الآن أنا لا أعمل ولكن أفكر كثيرا فى كلام أبى

فأنا أخجل كثيرا من أن أطلب من زوجى شراء شيئا من أجلى

لأن أبى كان يعطينى مصروفا كبيرا أشترى ما يكفينى من اللبس والزينه

حتى أحسست أنى أهملت نفسى

 

أنا أعلم أن الحجه واهيه للعمل

ولكن كيف اطلب من زوجى فستانا أو أى شئ بالمنزل

مع العلم أنه يستطيع ذلك

 

 

^____________^

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بارك الله في مروركن

اترك الرد على المشاركة الأخيرة لمشرفات الساحة

 

أممممم ولماذا يا مدام أموم ؟؟؟

على العموم سأكتب ردي ..ولكن هذا موضوعك ولابد أن أرى ردك ^_^

 

غاليتي ... أنت بنفسك قلت أن هذه حجة واهية وليست عذرا لك لتتركي بيتك وتنزلي للعمل

فلا حاجة ملحة للعمل وكذلك صعب جدا في زماننا هذا أن تجدي عملا بدون مخالفات شرعية ...

هذا بالإضافة إلى أن اعتمادك على نفسك في شراء أمورك الشخصية يجعل الزوج بعد ذلك يتثاقل عن شراء أي شيء لك ...

ويرفع مسئوليتك عن كاهله بإعتبار أنك إمرأة عاملة ولك مال خاص بك ...

 

.

أما قولك أنك تريدين مال لك لتشترين بعض الأشياء الخاصة بك ... فهنا أمر من أمرين

إما أن تطلبي من زوجك مصروفا شخصيا بقدر معتدل ..فلا تكلفيه أكثر من طاقته ...

فتشتري منه ما تريدين ..

فإذا رفض ذلك ( وكثير من الرجال يرفضون ذلك ) فما عليك إلا أن تطلبي من زوجك نفسه ما تريدين بدون خجل أو تردد ..بكل لطف وأدب

.

فأنت مسئولة من زوجك وحقه عليك أن يشتري لك ما تريدين في حدود المعقول وبدون اسراف أو بهرجه

طبيعي أن الطلب في أول مرة سيكون صعب عليك ... ولكن بعد ذلك سيكون سهلا بالنسبة لك وله

وقد قرأت يوما أن الرجل الذي تطلب منه زوجته أشياءها وإن أظهر التذمر في البداية إلا أنه يحب ذلك لأنه يشبع حاجة في نفسه ..

فيشعر بالزهو والرجولة أن زوجته تحتاج إليه و لأنه يستطيع أن يشتري لزوجته ما تريد ...

فلا تخافي إذا قوبلت بالصد والرفض في البداية ..لأن الأمر سيكون صدمة له خاصة أنه لم يتعود منك الطلب ^__^

ولكن بعد ذلك سيتعود ويشعر بالسرور كلما طلبت منه شيئا ...

فقط تشجعي :))

...

هذا رأيي ..وقد يكون للأخوات أراء أخرى أتابعها معك ^ ^

يسر الله أمرك كله يا غالية

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

موضوع واقعي يا امومة

كثيرات من هن في غنى عن العمل و لكن يعملن

و قد تتجاوز الاسباب الماديات فقط لتصل الى مجرد الخروج من البيت و التهرب من بعض المسؤوليات

و انا لا ارى خيرا في عمل يجعل الاولاد و الزوج و البيت اخر اهتمامات الزوجة

اما ان يكون العمل في شروط معينة او لا يكون

بارك الله فيك على الموضوع القيم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×