اذهبي الى المحتوى
سُندس واستبرق

زهورُ اليتامى | روايتي الجديدة .

المشاركات التي تم ترشيحها

§ الفصل الثاني

 

 

 

في المشفى رقدت ياسمين على سرير أبيض ، مغلقة عينيها الواسعتين ، أتى الطبيب المعالج للحالات الطارئة لفحصها وأخويها بجانبها يرمقانها بنظراتهما المشفقة ، أخذ الطبيب بطاقة ياسمين المرضيّة من محمد فأدخلتها السكرتيرة في الحاسب لتخرج ملفها الموجود في المستشفى وأخذته وأعطه للطبيب فأخذ يتفحصه وهو يضع نظارته السميكة وهو واضع سبابته في فمه ويومئ برأسه ثم قال : **

 

 

 

 

 

 

 

§ ممم ، يبدو أن أختكما قد عاودها مرضها القديم مذ أن كانت في الثامنة من العمر .

استغرب الأخوان كلام الطبيب وأخذا ينظران إلى بعضهما البعض تعجبًا واستفسارا ثم قالا بصوت يكاد يكون واحدًا :

§ أي مرض يا دكتور نحن لا نعلم أي شيء عن ذلك ..

نظر الطبيب نحو محمد وأحمد من أعلى إلى أسفل وقال :

§ أين ذويكما؟

§ أطرق أحمد برأسه وأجاب بصوت منخفض : توفي أبي عندما كنت في الثانية عشر وتوفت أمي قبل أيام ِ ثلاث..

§ هكذا إذن . أجاب الطبيب معقبًا يبدو أن أختكم قد تأثرت كثيرًا بوفاة أمها مما أدى الى ذلك الإغماء والانهيار العصبي ، سترقد بالمستشفى إلى أن تستيقظ لنتأكد إن لم يكن لديها أي شيء آخر ..

في الساعة الحادية عشر ليلا استيقظت ياسمين ورفعت رأسها لتسند رأسها على الوسادة لتجلس رآها أحمد فهرع إليها ليطمئن عليها وقال بصوت متلهف :

§ هل تودين شيئًا يا أختاه كي أجلبه ؟

هزت ياسمين برأسها المحجب بحجاب أبيض ثم قالت :

§ لم أنا في المشفى؟

§ قال أحمد سقطت على الأرض مغشية عليك فخفنا عليك ِ وأخذناك ِللمشفى أنا ومحمد .

§ لا أتذكر شيئًا كيف سقطت على الأرض وأين هو محمد ؟

§ أجابها أحمد : محمد في مكتب السكرتارية ليجهز لك أوراق المبيت والعلاج برهة وسوف يأتي بإذن الله .

دخل محمد من الباب ورأى ياسمين مستيقظة فابتسم لها وقال :

§ حمدًا لله على سلامتك ِ ياسمينتنا ، متنا خوفًا وقلقًا عليك واقترب منها ومسّد على حجابها الأبيض وجلس بجانبها وبدأ يقرأ القرآن عليها ..

وفي أثناء ذلك كان الطبيب هشام ذو السابعة والعشرين من عمره ذو بشرة بيضاء وعيون سوداء واسعة يضع نظارات ذو اطار فضي جميل ، يمشي في بهو المشفى مع الممرضة أحلام تطلعه على ما جد في الساعتين الأخيرتين من قبل أن تبدأ مناوبته الحالية ، وقف هشام وأخذ من يد الممرضة جميع الأوراق وأخذ يتصفحها على عجل وهو يتصفح الأوراق تعجب من وجود اسم اسمين عباس واستوقفه الإسم كثيرًا إلا أنه أكمل طريقه ودخل الى مكتبه الخاص ليراجع حالات المرضى الطارئة والمستعجلة .

 

**

 

 

 

 

أخذ هشام ينادي على الممرضة أحلام لتتحدث إليه عن حالات المرضى والمعالجة الخاصة بهم .

دخلت أحلام بزيها الأبيض الطويل وبين ثناياه قميصًا طويلا باللون الزهري الفاتح مع تنورة طويلة فضفاضة باللون الكحلي الغامق مما أضفى عليها جمال الإحتشام وحيائه .

بادرت أحلام السلام ولا تخلوها ابتسامتها الصافية والحانية على وجهها الناعم الجميل وقالت :

§ السلام عليك يا أخي هل لك بي من حاجة ؟

§ لا تناديني هنا بأخي فنحن في المشفى يا أحلام وأنت تعلمين أن الألقاب ممنوعة وخصوصًا بين الأقارب .

§ ابتسمت أحلام ووضعت يدها على فمها بدلال وقالت : إذن بماذا تريدني أن أناديك د. هشام أم هشام حاف .

§ تنهد هشام من تصرفات أخته التي تكاد أن تكون طفولية وضربها على رأسها ضربة خفيفة وقال لها : أيا يكن المهم أن لا تناديني بأخي .

§ حاضر . قالت أحلام مستسلمة لرغبات أخيها الكبير .

§ أخبريني عن المريضة ياسمين عباس التي أتت قبل ساعتين من الآن ,بادر هشام كلامه .

§ آه ، نعم . هذه المريضة أتت وهي غائبة عن الوعي ويبدو أنها أصيبت بصدمة نفسية إثر وفاة أمها والطبيب المعالج اكتشف شيئا لم يكن ظاهرًا خلال المعالجة إلا أننا عندما فتحنا ملفها الذي في المستشفى وجدنا كلامه حقًا قالت أحلام مسترسلة بكلامها إلى أن قاطعها أخيها هشام قائلا :

§ وماذا اكتشف الطبيب المعالج ؟

§ قالت أحلام مجيبة على استفساره : لقد قال أنه نوعُ من أنواع الصرع ، وبالفعل لقد كانت تعاني ياسمين في صغرها هذه الحالة وكانت تأخذ دواء يوميًا حينها إلا أنه انقطع لأكثر من عشر سنين ليعاودها مرة أخرى .

§ هذا ليس بالغريب فالأطباء دومًا يتوقعون معاودة الصرع للشخص المصاب به ولكن الغريب أن الطبيب اكتشف ذلك وهي في غيبوبة لا بد أن لديه خيرة كبيرة في هذا المجال . قال هشام واضعا يده على فمه .

§ قاطعت أحلام تفكير أخيها هشام وقالت له : حسنًا أنا أستأذنك يا أخي فعليّ الذهاب لأرى الطلبات والمهمات الموكلة إلي فبعد نصف ساعة تنتهي مناوبتي وأرجع الى المنزل .

§ ودعها هشام وقال إذنك ِ معك .

وأكمل عمله في قراءة الأوراق والتقارير يعاين الدواء المناسب لكل مريض ومتابعته .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

§ الفصل الثالث –

الساعة الثانية عشرة ظهرًا ، وقفت ياسمين تنتظر أخاها حتى يأتي ويوصلها إلى المنزل وأثناء ذلك دخلت الممرضة أحلام وأعطتها ورقة التحرير من المشفى وقالت لها مواسية :

§ عظم الله أجركم يا صغيرتي فهذه هي الحياة وما علينا سوى الصبر والتحمل والرضا بما قضاه الله ، وهنا كتب لك ِ الطبيب دواءًا حتى تشربيه ولا تنسي أن تراجعي طبيب العائلة.

§ قالت ياسمين والدمعة تكاد تفر من عينيها إلا أنها كتمتها وقالت : بارك الله فيك أختي ، والحمدالله على كل حال ، حسنًا سأطلب من أخي شراءه وأقول له عن زيارة طبيب العائلة .

ونظرت إلى الخارج فوجدت أخاها يلوح لها فاستأذنت من الممرضة فأومأت أحلام برأسها وقالت :

§ وعليك السلام ، اعتني بنفسك .

ذهبت ياسمين وركبت مع أخيها السيارة ، ونظرت من النافذة شاردة الذهن مفكرة ثم قالت في نفسها :

§ ما الذي سوف أفعله من اليوم فصاعدًا .... فتنهدت وقالت سأتوكل على الله فهو لن يضيعني ..

أدركت ياسمين بعقلها الصغير بأنها ستواجه الكثير من المتاعب في حياتها اليومية ، وأدركت في نفسها بأنها ستنضج لا محالة مع الأيام التي ستواجه فيها المصاعب والمتاعب ، لذا قالت في نفسها أن لا شيء سيفيدها ويُطمئن قلبها الصغير سوى التوكل على الله .

دخلت ياسمين إلى البيت فنظرت حولها وأثارت دهشتها تلك الفوضى العارمة التي في المنزل ، فالصحون متراكمة في المجلى ، والغسيل متناثرٌ هنا وهناك ، وبقايا التراب على الأرض فأطرقت ياسمين برأسها وقالت :

§ رحمك الله يا أماه .. صدقًا كنت تتعبين معنا كثيرًا دون أن تتذمري ..

قالت ياسمين في نفسها سأحاول توضيب البيت شيئا فشيئا لعلي أرتبه قليلا فتوجهت إلى المطبخ لتبدأ بغسل الصحون فلم تعرف من أين تبدأ أو كيف ترتب الصحون في أماكنها وأين تضع الأشياء النظيفة المتراكمة حولها تأففت ياسمين وقالت :

§ ليتك يا أمي علمتني أشغال المنزل .. لا أعرف كيف أبدأ وكيف أغسل الصحون وأنظمها ..

أمسكت ياسمين الصحون المتجمعة وفتحت المياه لتبدأ بغسل الصحون وما إن أمسكت الصحن الثالث حتى انزلق من يدها وكسرته وجرحت إصبعيها بالزجاج المتناثر حوله تألمت ياسمين وصرخت بصوت يكاد يكون عاليًا :

§ أه ، يا إلهي جرحت كلتا اصبعيّ ..

وضعت ياسمين الضمادة على إصبعيها وما كادت تنتهي حتى دحل أخوها الأوسط أحمد ونظر إلى المناديل الورقية المتكومة حول ياسمين وعليها بقع الدم فلم يحتمل هرع إليها وسألها صارخًا :

§ ياسمين ما بك أأصبت بأذى أو متألمة أنت ِ ؟

§ ردت عليه ياسمين ببرود من جراء رد فعله المبالغ فيه نحوها : لا شيء يا أحمد جرحت إصبعي وأنا أغسل الصحون لم َ كل هذا الهلع ..؟

§ قال أحمد محرجًا من كلام أخته وقال : وهل لي غيرك ِ يا أختي إذا لم أقلق عليك ِ فعلى من سوف أقلق ..

§ قالت ياسمين متحدية : إذا كنت قلقًا عليّ لهذه الدرجة تعال وساعدني في غسل الصحون المتراكمة هناك وأشارت بعينيها إلى المطبخ ..

§ نظر أحمد إلى ياسمين بطرف عينيه وقال وهو يتمتم : أه كم أنت شريرة .

علمت ياسمين بتمته وكادت أن تضحك إلا أنها كتمتها واكتفت بابتسامة رقيقة على وجهها فهي تعرف أخاها حق المعرفة فهو كسول ولا يحب أشغال المنزل مذ أن كان صغيرًا .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

§ الفصل الرابع –

الساعة الخامسة صباحًا ، وأصوات العصافير تزقزق مسبحة خالقها ، خرج محمد من غرفته وقد أيقظ معه أخاه أحمد ليصليا الفجر في المسجد المجاور للبيت .

سمعت ياسمين صوت أخويها وقامت من فراشها الوثير لتتوضأ وتصلي هي الأخرى ..

في المسجد وعند الصف الأول اجتمعت حلقة من الشباب الجالسين حول الإمام وهو يقول بضع كلمات في قراءة القرآن وفهمه وتدبره والعمل على أوامره والنهي عن زواجره فجلس محمد وأخوه ليسمعا تلك الكلمة الطيبة لتؤثر في قلوبهم اليانعة وما أن انتهى من كلمته الصغيرة حتى انفض المجلس وكلٌ يُسلم على الآخر ليذهبوا إلى بيوتهم .

فُتح الباب فرأى محمد ظلاُ يجلس على الأريكة ممسكا بالقرآن يقرأ فيه على الآريكة التي كانت والدتهم تجلس عليها دومًا لتقرأ القرآن فكان الظلام يعتم البيت وأركانه ومن غير وعيّ منه قال مبتسمًا :

§ ماذا تقرئين يا أمي ، في أي جزء أصبحت أوتدرين بت أحب قراءة القرآن لأنافسك فيه .. وقطع كلامه إثر سقوط دمعات دافئة على يديه فأدرك أن الجالس على الأريكة هي أخته ياسمين .

لم يعرف محمد ما يقول لها ، إلا أنها أغلقت مصحفها ووضعته عى رف المكتبة لتعود إلى غرفتها تداركت ياسمين دمعاتها وحاولت أن تقول له وهي على باب غرفتها :

§ هل ستذهب اليوم الى العمل يا محمد حتى أوقظك ؟

§ قال محمد وهو يتنهد : سأذهب اليوم متأخرًا لا داعي لإيقاظي لأنك ستذهبين إلى المدرسة الساعة السابعة والربع فجهزي نفسك .

§ ردت عليه ياسمين قائلة : حسنُ ، يا أخي .

بدأت بوادر الشمس تشع وتضيء من نافذة ياسمين ، ففتحت الستارة ليدخل الضوء دافئا عارما بالحنان وكأنه يحتضن قلبها الصغير ..

رنّ منبه الساعة وكانت ياسمين تتجهز للذهاب إلى المدرسة ، فلبست جلبابها ذي اللون الكحلي الغامق وارتدت خمارها الأبيض الناصع كقلبها الطيب ، وهيأت زوّادتها ووضعتها بالحقيبة وخرجت من المنزل على الدرجات التقت بابنة صفها مروة وسلما على بعضهما وقالت مروة مواسية لياسمين :

§ رحم الله والدتك يا ياسمين كيف تشعرين الآن هل أنت بخير يا حبيبة ؟

§ طأطأت ياسمين برأسها الصغير وأجابتها بلهجة لا تخلو من الحزن والوحدة : الحمدالله على كل حال يا مروة هذا قضاء الله وقدره وعليّ أن أصبر وأتحمل ولكنني لم أعرف بأن أمي كانت محور عالمي يومًا وأنه دونها أشعر بالوحدة وهذا ما يحزنني كثيرًا إذ أنني لم أفِ بحقها ولو قليلا ...

§ ربتت مروة على كتف ياسمين وعانقتها فجأة والدموع في عينيها وتقول وهي باكية : هذا هو الإنسان لا يقدر قيمة الشيء حتى يفقده ، فلا تنسي يا حبيبة أن إدراكنا نحن الفتيات بهذا العمر ضئيل وتونا خرجنا من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ فلا تحملي نفسك همًا هو أكبر من طاقتك المهم هو أن أمك توفيت وهي راضية عنك ِ .

§ أومأت ياسمين برأسها ولم تجب فكانت دمعاتها الحارة هي أبلغ جواب ..

مشت الفتاتان على جانب الطريق المعبد بالطوب الأحمر، وعلى أطرافه سورًا كبيرا بداخله أشجار الصفصاف اليانعة العالية، اليافعة المزهرة بزهرات بيضاء اللون كالصفاء والتقاء بعض الزهرات على السور ولكانها تعانقه وتحتويه ليخرج عن ذلك المنظر الرائع والبهيج ابتسمت ياسمين لهذا المنظر الذي انعكس داخل قلبها وابتسمت ولم تستطع إلا ان تمد يدها نحو تلك الزهرات فقالت في نفسها أريد واحدة فأرادت أن تقطف لتستنشق عبيرها ورحيقها إلا أنها تذكرت والدتها وتذكرت أن هذه الزهرة تشبهها وقالت بحزن شديد :

- كيف أقطفها وهي في أحضان أمها وقالت راضية مطمئنة :

- سبحان الله وكأني أراها للمرة الأولى .

دخلت الفتاتان بوابة كبيرة خضراء اللون، والفتيات يتجهنّ إليها من كل حدب صوب وما ان رأوا ياسمين حتى التف الجميع حولها مخففا ومواسيا لمصيبتها في فقدان والدتها لم تتسع الفرحة قلبها الصغير فأخذ يقفز داخل صدرها قفزات سريعة وتوردت وجنتاها حياءًا من هذا الجمع الغفير من الفتيات وتسائل عقلها الصغير :

- أكلهن كنّ قلقات عليّ ، يا الله ما أوسع رحمتك شملتني وشملت قلبي الصغير .

فابتسمت وطمأنتهن أنها بخير ، وأنها تحاول أن تتأقلم مع واقعها الحاضر مع أخويها محمد وأحمد ، وشكرت لهن اهتمامهن الشديد وقلقهن عليها ..

رنّ جرس المدرسة معلنا عن بداية الحصة الأولى فدخلت الفتيات صفوفهن وتفرقن بعد أن تجمعن حولها ، كانت ياسمين تمشي في ردهة المدرسة لتدخل صفها وتجلس في مقعدها المعتاد ، وقبل أن تدخل قابلتها المستشارة وقالت لها بكل حنان :

- أنت ياسمين عباس في الصف التاسع الشعبة أ ؟

- قالت ياسمين بحياء شديد إذ لم تقابل المستشارة يوما ولم تعرفها : نعم ، أنا هي .

- رفعت المستشارة نظارتها ذي الايطار الذهبي وابتسمت بلطف : تعالي الى مكتبي بعد أن تطلبي إذنا من معلمة صفك .

- وضعت ياسمين يدها على صدرها بحركة لا ارادية وأخذ قلبها بالخفقان بشكل سريع وعقلها يتسائل : هل فعلتُ شيئا .. !

وقفت ياسمين على جانب الباب لتنتظر معلمتها سهى وما إن رأتها حتى بادرتها بالسلام وقالت على استعجال :

- معلمتي أستئذنك في الذهاب الى المستشارة فقد طلبتني مذ دقائق .

- أجابتها المعلمة باسمة حانية وقالت : اذهبي ، وإن أردت المساعدة فسأكون الى بجانبك بإذن الله .

هزت ياسمين رأسها المدور المحجب وأسرعت تركض في الردهة كبراءة الأطفال وهي تتسائل بعمق شديد : ما الذي تريده المستشارة يا تُرى ؟

طرقت ياسمين بيدها الصغيرة الباب ذو اللون البني ، فسمعت المستشارة طرقات الباب الخفيفة فأسرعت بالقيام من مكانها لترى ياسمين وتدخلها بأسلوبها المحبب واللطيف جلست المستشارة على أريكة وفيرة ذات قماش مخمليّ باللون الكريمي مما يضفي جمالا وأناقة مع ملابسها مما أعجب ذلك صغيرتنا وما كادت أن تلتفت حتى رأت يد المستشارة تمتد إلبها حانية نحو خدها قائلة :

- صبرك الله صغيرتي ، عرفنا أن والدتك قد توفيت منذ أسبوعين وأنك دخلت المستشفى مما جعلنا نقلق عليك ِ ، فهل أنت بخير ؟

- أمالت ياسمين رأسها نحو كف المعلمة مستدفئة لذلك الحنان الذي مُد إليها في وقت ِ كانت هي بحاجة إليه ولم تدرك حركتها اللا ارادية تلك حتى قالت وهي تجلس بشكل صحيح :

- نعم ، الحمدالله أنا بخير أخوتي يساعدونني كثيرا ويجعلونني لا أحتاج شيئا .. وسرحت بأعينها وقالت شبه حالمة فقط ..

- لم تكمل ياسمين جملتها واستدركت المستشارة مقولتها وقالت مكملة جملتها :

- فقط لو أنك تدركين كيف تستطعين أن تسدي تواجد أمك في البيت أليس كذلك ؟

اتسعت حدقنا ياسمين وقالت في نفسها كيف علمت بذلك ... ؟

فهزت ياسمين برأسها وبدأت تلمع دموعها في عينيها الكحيلتين وقال شبه آسفة :

 

- نعم ، هو كذلك فأنا إن دخلت المطبخ لا أرتبه بل أزيده فوضوية ، ولا أعرف كيف أطهو ولا حتى الأشياء البسيطة كالسندويتش وغيره مما يضطر أخي لشراء كل وجبات الطعام وأنا لا أريده أن يُصرف كلّ ماله على هذه الأشياء لأنه يدخره للزواج، وإن دخلت غرفة الغسيل لا أعرف كيفيّة التحكم بالغسالة ولا كيفيّة وضع درجات الحرارة وقد أفسدت الكثير من الملابس ، وإذا دخلتِ للبيت كأنك ترين حربًا لا شيء فيه منظم مما جعل نفسيتي تسوء كثيرًا كيف لي أن أعرف بكل أمور البيت وأنا لم أفعل أي شيء في صغري وفي حياة أمي ومما زاد الطين بلة نفسيتي أتخيل أمي تمشي ذهابا وإيابا وأحيانا أسمعها تناديني فألبي النداء وما إن أذهب حتى أدرك أنه سراب وفقط سراب ..

لا أدري كيف ألملم شتات نفسي بين الواقع والخيال، والحلم والتعلم ، لا بل بالحديث الى الناس كلهم يواسونني كلهم يعزونني إلا أن أحدا ما قال أبدا أن يساعدني ..

وبدأت الدمعات الحارة الملتاعة تسيل على خديّها المصفرتن الشاحبين وأخذت تكفكهم لتتصنع القوة ، والصبر ومن ثم قامت المستشارة من مكانها لتذهب الى مقعدها خلف مكتبها الرصاصي لتجمع بعض الأوراق والمنشورات لتمد يدها نحو ياسمين وتقول لها وهي تتفهم وضعها جيدا :

- هاك يا ياسمين جمعّت لك هذه الأوراق خصيصا حتى تستفيدي منها وهنا مركز خاص للذي وضعهم مشابه لوضعك فيه ارشاد كيفية تدبير المنزل وتنظيمه وفي هذا المركز يوجد به عدة أنشطة منها : تعلم الطبخ ، غسل الملابس ، تنظيم البيت وترتيبه ، وأيضا المساعدة في الدروس والامتحانات بإمكانك التسجيل فيه حسب وقتك لتنمي المهارات التي تريدينها بحيث تكونين راضية عن نفسك .

أخذت ياسمين هذه الأوراق وبدأت تستعد للخروج من الغرفة وما إن وصلت الباب حتى نادتها المستشارة مريم :

- ياسمين موعدك ِ معي المرة القادمة في مثل هذا اليوم من الشهر القادم حسنا ؟

هزت ياسمين رأسها بالإيجاب وخرجت من الغرفة ..

بصيص أمل أنار في قلب صغيرتنا مما جعل وجنتاها تتوردُ حماسُا ..

طرقت ياسمين باب غرفة الصفّ لتستأذن المعلمة سهى بالدخول فأومأت المعلمة برأسها أن ادخلي ..

دخلت ياسمين تتهادى في مشيتها حياءًا ، حتى وصلت مقعدها وجلست وما إن استقرت في جلستها

حتى رأت مذكرات أبيض اللون عليه زهرة اللوز الجميلة مع بتلات متناثرة هنا وهناك وفتحت الصفحة الأولى منه وكُتب فيها : " صديقتي عليك بالاستغفار والتوكل على الله ، فـ\ الله لن يضيعك بإذن الله "، وفتحت الصفحة الثانية لتجد فيه كتابات بنات صفها لمواستها وفي الأخير رأت ملحقا لكل المواد الدراسية التي فاتتها بأدق تفاصيليها وفي نهاية الورقة كتبت صديقتها جملة تأثرت بها كثيرًا مما جعلها تنهار في البكاء مما علا نشيجها ولأول مرة " لا تيأسي من روح الله ، فوالدتك توفيت وهي راضية عنك " .

التفت الجميع نحو ياسمين وبكوا مع بكائها فانقلبت الحصة الى نحيب ونشيج وأتت المعلمة لتربت على كتفها وأعطها منديل مرطبا ذو رائحة جميلة وقالت لها :

- اذهبي واغسلي وجهك وخذي نفسًا عميقا عندما تشعرين أنك ارتحت تعالي ..

ذهبت ياسمين وما زالت تشهق وهي تمسح دموع عينيها بشدة مما جعل عيناها حمراواتان وأنفها يسيل بشدة ..

لم تتوقع صغيرتنا كل هذا الحزن المكبوت داخل قلبها الصغير ، لم تستطع التحكم بدموها المنهارة ، حتى توقفت من نفسها وقالت بصوت يكاد يكون مسموعا ثم ماذا بعد هذا البكاء ...

رفعت رأسها للسماء ونظرت لها لم ترها يومًا بذاك الصفاء مما جعلها مرتاحة وأغلقت عيناها وأخذت نفسًا عميقًا شديدًا حتى تغلغل الهواء الى أعمق أعماق صدرها وتفتح بعد أن كان منغلقًا على نفسه لأسبوعين ..

وابتسمت .. وابتسمت ابتسامة صغيرة وقالت وهي تقف بحزم مع نفسها :

 

- هذا هو قضاء الله وقدره .

اقتربت الحصة الرابعة على الدخول ، غسلت ياسمين وجهها بمياة باردة وذهبت لغرفة الطبيبة تستأذنها بكرات ثلجية تضعها على عينيها حتى يخف احمرارهما ، وما ان مضت عشر دقائق حتى رنّ الجرس وكانت ياسمين متأهبة لدخول الحصة ، وجلست على مقعدها وأخرجت كتبها ودفاترها استعدادا منها لحصة الرياضيات دخلت المعلمة فاطمة الصف وما ان وضعت كتبها على طاولتها الكبيرة التي عليها أزهارًا وردية لتضفي عليها جوًّا لطيفا ولمحت المعلمة أن المقعد الذي كان فارغًا لمدة اسبوعين اصبح شاغرًا الآن وما إن رأت وجهه ياسمين محمرًا أغمضت عينيها لترى شريط حياتها قد مر من أمامها حين وفاة والدتها وقررت أت تنحى بالحصة الى منحى آخر يواسي صغيرتنا ياسمين لتتعلم الصبر ولتتحكم في نفسها و قالت :

- اليوم يا أحبتي سأحدثكم عن نفسي حين كنت في الثانية عشر من عمري .

وما ان سمعت الطالبات تلك الجملة حتى أكثرن من اللغط والكلام الغير مفهوم قائلات :

- وماذا مع وعدك ِ لنا في مراجعتك لنا للامتحان القادم .

أجابت المعمة وهي تجلس على الكرسيّ وتغلق كتب الرياضيات وتضعهم فوق بعضهم البعض ليستقروا في جانب الطاولة .

- برأيكن من أهم صديقتكم أم المراجعة ?

فأطرقنّ برؤسهن خجلا ، ثم قالوا جميعهن بصوت واحد ومنخفض :

- صديقتنا أهم .

رفعت المعلمة فاطمة رأسها ثم قالت بشجن وكأنها تستعيد ذكرياتها السابقة ومشت حتى وقفت الى جانب النافذة واضعة يدها على خدها المتورد ثم قالت :

كنت في الثانية عشر من عمري حين توفيت أمي كنت أصغر بناتها ، كانت الدنيا وكأنها أظلمت في وجهي ولم أعد أر منها سوى خيال أمي ، وكنت أقول في نفسي هُنا أمي كانت تقرأ ، وهنا كانت تنظف ، وهنا كانت تكنس وهنا كانت تطوي الغسيل إلا أن أتى اليوم الذي فقدت فيه وزني وشحب لوني وأصبت بفقر الدم جراء حزني وأغمي علي ليأخذوني للمستشفى لمداواتي لم أستطع تناول شيء من الطعام كنت أشعر بغصة في صدري تمنعني عن الطعام وكأنها تحول ما بيني وبين نفسي وبعد أيام خرجت من المشفى وكانت أختاي الذين يكبرنني سنًا قد تزوجتا وكانتا تأتيان اليّ كل يومين أو ثلاثة لم يكنّ يكلمنني إلا أنهن كنّ يعلمنني كيف أنظم وقتي بين تنظيف البيت وتعلم الطبخ وحلّ الواجبات المدرسية ، يومًا غضبت عليهن وصحتُ بهن قائلة :

- لماذا لا تفهمنني ، لماذا .. ؟

أهذا كل ما يهمكن كيف أرتب البيت وأطبخ وأحلّ الواجبات المدرسية ثم ماذا تذهبن الى بيوتكن وكأن شيئا لم يحدث لا أريدكن أن تأتين أصلا ...

وبكيت يومها بكاءًا مريرًا ..

ولكن برأيكن كيف تصرفتا مع وقاحتي هذه احتضوني وقبلّوا جبيني ثم ذهبتا لتغلقا الباب وراءهما ..

فراجعت نفسي وبعد مضي ساعتان اتصلت بهما لأعتذر لهما .. فتقبلن اعتذاري ..

وقالت لي أختي الأكبر سنًا كلمات أثرن بي ايما تأثير حتى خفق لها قلبي الصغير ولم أنسى يومًا تلك الكلمات كأنها كانت الثلج البارد الذي يوضع على الجرح المتأجج والساخن: فاطمة ، القلب الذي يحتويه جسدك سيحتوي حُزنك فأشغلي نفسك بما سيفيدك وأكثري من دعائك لوالدتك فهي تحتاجه منك أكثر من بكائك

ومضت ثلاثة أشهر على وفاة أمي ومع مضي هذه الفترة أصبحت ماهرة في شؤون المنزل وتبعاته ولقد علمني التنظيم والترتيب قوة الصبر ورباطة الجأش لأنها تتكرر يوميًا ويكبر بداخلي عظم معنى المسؤولية وتحمل أعباء الزمان ..

لقد عرفت لم أختاي لم تتكلما معي بخصوص وفاة أمي لقد كانتا حزينتان مثلي وربما أكثر إلا أنهما لم يظهرا حزنهما لي بل علّماني وعلّماني ، لأنهن يعلمن أنهن إذا تكلمتا معي سأنفجر بكاءًا وأجعل من اليأس النصيب الأكبر من حياتي وتندثر معها شخصيتي بالحزن والكأبة وسيؤثر ذلك على تحصيلي وسلوكي وانطوائي عن العالم ..

نعم لقد فهمت معنى تعليمهما بعد مضي سنوات .. وسنوات ..

وشاكرة لهما لأنهما تركوني وحيدة في ذلك اليوم الذي صرخت عليهما فيه ، لآنني أفرغت كل حزني وعرفت يومها أن الحزن ومهما بكيت سيبقى في قلبي ، وعاهدت نفسي أن لا أجعل هذا الحزن يحبطني بل أجعله محفزني ويشجعني على المضي قدمًا قد تتسائلن كيف :

أقول لكن :

 

- بالدعاء لأمي .

- بقراءة القرآن .

- بالمحافظة على الصلوات ,

- بمراقبة الله عز وجل في نفسي .

- بأعمال صالحات تُسعد قلبي .

 

هذا الحزن علمني كيف أربط وقتي لله عز وجل فكان النجاح حليفي دومًا لأنني على يقين بأن ما حدث هو قضاء الله وقدره وسيصيبني يوما ما ..

وما ان انتهت المعلمة من جملتها الأخيرة حتى رن الجرس معلنا عن انتهاء الحصة فأخذت المعلمة كتبها وخرجت وهي مبتسمة رغم حديثها عن وفاة والدتها وهي بعمر صغيرة ..

أيقنت ياسمين يوما أنها ستجعل من حزنها ما يشجعها على الاستمرار والمواصلة رغم صعوبته ومعوقاته ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الفصل الخامس

في غرفة صغيرة مدهونة بدهان أبيض ، وعلى جانبها سرير أخضر يعلوه وسادة قطنية يتكأ عليها محمد واضعًا عضديه وراء رأسه ، محدقًا في السقف مُفكرا في أحداث قد باتت اليوم ذكريات ..

- أمي .. أمي ، نادى محمد أمه .

- ما بك يا بني ، أجابت الأم .

- ها قد تخرجت اليوم من الثانوية ، وقررت أن أعمل حتى أساعدك في تحمل بعض الأعباء المنزلية ، وأوفر نقودًا للزواج .

- نظرت الأم حانية لعينيّ محمد البراقتين المليئتين بالأمل والطموح ، والأحلام الزاهرة الواعدة ، ووضعت يدها على رأسه تمسده ثم ابتسمت وقالت :

- أصبحت رجلا يا محمد ، ويعتمد عليك ، أسأل الله أن يحفظك ويوفقك لما يحبه ويرضاه . ..

وقف محمد ، وتوجه نحو خزانته الخشبية الكالحة وكأن هذه الخزانة كانت منذ عقود مضت ، وفتح بابها وأخرج منها عُلبة خشبية صغيرة مزينة بزخارف ذهبية اللون كأنها أزهار تلتف حول نفسها ثم فتحها وقال لنفسه :

- أي نقود ، وأي زواج والله المستعان ..

ولمعت في عيناه دمعة انحدرت على وجنتيه الشاحبتين. أخرج محمد من العلبة مبلغا من المال ليدسّه في جيبه ليدفع أجور الكفن وتكاليف العزاء ، خرج محمد من غرفته مرتديا قميصا ذي لون أزرق سماوي مع بنطال كريمي اللون يُضفي عليه جمال الرجال وهيبتهم .

خرج محمد من بيته ليلتقي بمن ساعده في أمور التغسيل والتكفين فالأحداث حرت بسرعة كبيرة لم يعي فيها تلك التفاصيل الصغيرة وما إن هدأ قليلا حتى تذكر واجباته نحو الذين ساعدوه في مثل هذه الأمور لم يستطع محمد أن يتقبل أن يُدفع عنه ، فأخذ ذلك المبلغ ليسد دينه للذين ساعدوه بالأمر بالبداية اعترض ذلك الرجل على مثل هذا التصرف إلا أن محمد حلف يمينًا أن يأخذ المبلغ منه فكلنا يعلم أن حالة ذلك الرجل ليست ميسورة ، فبعد كل تلك المحاولات أخذ الرجل الذي يبلغ في الخمسين من العمر إلا أن التجاعيد الكثيرة التي حُفرت في وجهه يجعله يبدو أكبر من سنه فمشقة الحياة والتعب في السعي فيها أخذت منه ومن صحته الشيء الكثير ، فبعد تلك المجادلات والمحاولات استسلم أبو خالد وأخذ المبلغ من محمد ودسّه في جيبه قائلا :

- سامحك الله

- أجاب محمد مطرقا رأسه : سامحنا الله جميعا يا أبا خالد ، وبارك الله فيك لمعاونتنا في ذلك الموقف .

فسادت لحظات من الصمت رهيبة خانقة قطعها وداع محمد لأبو خالد قائلا :

- السلام عليك يا أبا خالد أراك لاحقًا بإذن الله

توارى محمد عن عيني أبا خالد حتى اختفى أما أبو خالد فلمعت في عيناه دمعة الشقاء والتعب قائلا لنفسه :

- نعم ، فسنرى بعضنا حين الموت أما أنا وأما أنت أوليست هذه حال الدنيا .

ومضى أبو خالد نحو بيته ليعلن بذلك الحداء قائلا :

- إن الطبيب بطبه و دوائه... لا يستطيع دفاع نحب قد أتى

ما للطبيب يموت بالداء الذي... قد كان أبرأ مثله فيما مضى

مات المداوي ، و المداوى ... و الذي جلب الدواء أو باعه و من اشترى [ هارون الرشيد ].

 

****

نظرت ياسمين الى الأوراق التي أعطتها إيّاها المستشارة لتطوير من مهارتها وكيفية الاعتماد على نفسها للذين هم في مثل حالاتها ، وكانت الأوراق ذات اللون الوردي الغامق كُتب عليها باللون الأسود الثخين عدة دورات منها تخصص الحاسب والالكترونيكا ومنها دورة التدبير المنزلي وتعلم الطبخ ، أخذت ياسمين قلمها الأحمر المائي وأحاطت دائرتين حمراوتين حول تلك الدورتين ، وقررت أن تخبر أخويها حتى تستشيرهما وـأخذ برأيهما وأثناء ذلك رن جرس الهاتف ، فوقفت ياسمين من مكانها وتوجهت للصالة ورفعت سماعة الهاتف قائلة :

- ألو ، نعم من المتكلم ..

- ....

- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، من المتصل ؟

- ..

انتظرت ياسمينن دقيقتين وعندما رأت أن لا أحد يجيب غضبت ووضعت سماعة الهاتف مكانها متأففة ثم قالت :

- أعجب من هؤلاء المتصلين ، هل لديهم هذا الكم من الوقت للعبث واللهو .. !

توجهت ياسمين نحو المطبخ عندما ترونه للوهلة الآولى أول ما تفكر به هو الهرب من منظره ، وعدم ترتيبه أو بالأحرى فوضويته ..

أخذت ياسمين على غير العادة منها بفتح خزائن المطبخ واحدة تلو الأخرى قائلة لنفسها :

- هنا الصحون . وهنا الطناجر الكبيرة .. وهنا المعالق والسكاكين والشوك .. وهنا الكاسات وفناجين القهوة .. وهنا الصواني للتقديم ..

بعد أن فتحت ياسمين الخزائن قالت لنفسها :

-واااو ، انها مُرتبة بشكل جيد وكل شيء منفصل عن الآخر مما يجعل أخذه سهلا

ووضعه مكانه أيضا سهلا ، كييف لم أفكر بذلك من قبل ..!

لم يكن على ياسمين سهلا البدء بالتنظيف والترتيب وعدم معرفتها عن أي شيء حول الأمر جعل منها مشتتة ، ومترددة وغير قادرة على اتخاذ أي قرار

قررت ياسمين أن تأخذ شيئا من تلك الصحون والطناجر الموجود على شايش المطبخ لتنشيفها ووضعها في مكانه وأمسكت بفوطة صغيرة ذي لون أصفر ذو رائحة جميلة وبدأت بالتنشيف ووضع كل شيء مكانه بالترتيب حسب ما وجدت في تلك الخزائن ..

 

دخل محمد عليها وهي تنشف وترتب ، فمد يده للعون فياسمين تنشف ومحمد يرتب ويضعه في مكانه الى أن انتهوا من عملهم ..

وقف محمد مسندًا ظهره الى الثلاجة وقال مترددا :

- ياسمين ما .. ثم صمت

- -نعم ، ما بك يا محمد أكمل ما أردت أن تقول ، قالت ياسمين

- لا ، لا شيء أجرب صوتي فقط : ) قال محمد عابثا

- يوووه ، ما بك يا محمد أثرت فضولي هكذا قالت ياسمين .

أثار تعبير ياسمين ضحك محمد وقال بأريحية أكثر :

- ما رأيك أن نجلب خادمة للبيت تساعدك لمدة ساعتين تعلمك ِ أمور المنزل وتدبير شؤونة ؟

لمعت عينا ياسمين وقفزت قفزة الطفل الذي اراد أن يأخذ الحلوى من أمه

، وصفقت بيديها وقالت :

- سبحان الله ، كنت أود محادثتك بشأن هذا الموضوع يبدو أن قلوبنا عند بعضها ..

ابتسم محمد وابتسامة واسعة تعلو وجهه لأنه ولأول مرة يرى أخته الصغيرة مُتحمسة ومبتهجة لفعل شيء ما بعد وفاة والدته وقال :

- خيرًا ان شاء الله ..

قالت ياسمين وهي ذاهبة لتجلب تلك الأوراق المبعثرة على الطاولة في الديوان ومدت يدها نحو أخيها وأعطته الأوراق ليقرأها :

- هذه الأوراق أعطتني اياها المستشارة اليوم عند ذهابي الى المدرسة، وأشارت عليّ بهذا المركز للتعليم والتحضير وقد أثار انتباهي الى دورتين أنا بحاجة إليهما في الوقت الحاضر وهما دورتيّ التدبير المنزلي وتعلم الطبخ ، مع مساعدة منهما في حل الوضائف البيتية والواجبات المنزلية فما رأيك يا أخي ..؟

نظر محمد بتعمن في الأوراق التي أعطته اياها ياسمين ورأى تلك الدائرتين الحمراوتين التي تحيط بالدورات التي ذكرتها له للتو ، تنبه محمد للأسماء المعلمين والمعلمات وأيضا رقم الهاتف المتواجد أسفل كل ورقة وكتب عليها ملاحظة بالخط الصغير :

> رفع محمد رأسه وقال بجدية :

- لم لا ، إن كنت تودين الالتحاق بهذا المركز فلك ِ ذلك سأتصل غدًا بإذن الله لأحجز موعدًا لنذهب بمشيئة الرحمن .

ابتسمت ياسمين فرحة لتجاوب أخيها وموافقته على الالتحاق بهذه الدورات ومن فرحتها عانقته بشدة وقالت شبه باكية :

- سأتعبك معي يا أخي ، فتحملني أنا آسفة لعدم مقدرتي على مساعدتك حتى ولو بالقليل .

دفع محمد ياسمين بلطف للأمام ونقر بأصبعه الأوسط وسط جبينها فصرخت قائلة :

- آآآي .. أوجعتني ونفخت خديها بالهواء وتأففت .. ونظرت في وجه أخيها ثم قال لها محمد :

- أيتها الحمقاء ، وهل لي غيرك أنت وأحمد لأتعب نفسي بكما ..

ثم ابتسما وخرجا من المطبخ . ليرن الهاتف من جديد ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الفصل السادس .

قضى هشام ثماني سنوات في تعلم الطب في برلين لمعالجة والده الذي مرض فجأة بمرض عضال وبدأ يقضي عليه شيئا فشيئا ، وعندما انتهى من تعلمه رجع الى بلاده فلسطين على إثر مكالمة من والده ليعمل في إحدى المستشفيات .

كان هشام شابًا ملتزما بالمواعيد ومثقفًا ، والأهم من ذلك كله أنه ملتزم بصلاته في المسجد أو في مصلى المستشفى وكانوا كثيرًا ما يمدحون به لأخلاقه العالية واتسامه بالنبل والشهامة لم تؤثر تلك البلاد الغربية على تصرفاته كالشباب الذين يعودون وقد أشبعوا بتلك العادات السخيفة والسلوكيات التافهة .

في يوم اتصل به والده في المشفى ليأتي إليه ليتحدث معه في أمر مهم ومستعجل ، فخرج هشام من المستشفى متعجلا ليرى والده وذاك الحديث الهام الذي طرأ عليه الآن ..

دخل هشام البوابة السوداء الكبيرة المزينة بورود معلقة مُزهرة باللون الأبيض الناصح حول زخرفتها ليُضفي عليها رونقًا وحيوية سار هشام بمركبته في ذلك الممر الطويل المعبد بالحجارة المتكسرة ، محدبة الشكل ، تنعكس عليها أشعة الشمس مما جعلها متلألئة وبراقة ، الذي يعطيها جمالا باذخًا، وعن يمينه ويساره حدائق خضراء وأزهار الجوري الحمراء اليانعة وكان البستاني يلتف ويدور حول هذه الحدائق ليعتني بها أشد الاعتناء عندما ترينه تعجبين من شدة عمله واتقانه على الرغم من كبر سنه وانحناء ظهره .

دخل هشام الفيلا الكبيرة ذات مدخل وبهو كبيرين ، ويزين وسط سقفها ثًريا كريستالية الصنع ،كبيرة ودائرية متلألئة ناصعة ، صعد هشام الدرجات الرخامية ذات اللون الرصاصي الفاتح مُسرعا ليدخل غرفة واسعة مُظلمة وفي وسطها سرير كبير يتمدد عليه رجلا في الخمسينيات من عمره يرتدي طاقية بيضاء على رأسه والقرآن الى جانبه .

أخذ هشام يسرع الخطى نحو والده ليجلس على ذلك الكرسي الخشبي الذي الى جانبه وقال قلقًا :

- ما بك يا والدي ، هل تريد أخذ تلك الحقنة التي أعطيتك إياها بالأمس أم الدواء .

قاطعه الأب قائلا :

- على رسلك يا هشام ، لم أتصل بك بشأن هذا ..

- قال هشام متعجلا : إذا بشان ماذا اتصلت فيّ في دوام عملي على غير العادة منك ؟

نظر الأب محدقًا نحو ولده مقطب الجبين :

- كيف سأخبرك وأنت على النحو من التصرف اهدأ قليلا ودعني أكمل حديثي ..

هدأ هشام قليلا واعتذر لوالده قائلا :

- نعم ، تفضل أنا أسمعك يا أبتي ..

- قال الأب : الحديث ليس لك وحدك ، استدعي أختك أحلام لتستمع الى هذا الحديث أيضًا فأنا لن أكرره مرة أخرى ..

قام هشام من مجلسه وذهب لغرفة أخته فطرق الباب قائلا :

- أحلام ، تعالي لغرفة والدي يريد أن يتحدث معنا ..

أجابت أحلام من داخل الغرفة :

- حاضر ها أنا آتية ..

دخلت أحلام غرفة أبيها بالتحية والسلام ورأت هشام يجلس على كرسي بجانب أبيه والوالد يضع يده على فمه اثر كحة قوية أصابته قبل برهة ثم هدأ وقال :

- تفضلي يا أحلام اجلسي أرجوك ِ ..

لم تعهد أحلام من أبيها هذه اللهجة من قبل فرفعت حاجبيها استغرابا وجلست على أريكة بجانب السرير بُنّية اللون مصنوعة من الجلد ..

فتنحنح الوالد وقال :

- هشام ، أحلام لقد قررت أن أخبركم سرًا لطالما أخفيته عنكم لمدة سنين ورأيت أنه قد حان الوقت لأخبركم إيّاه قبل صعود الروح من حلقي ..

فقامت أحلام من مكانها متأثرة بكلامه إلا أن الأب أسكتها وأشاح بيده أن تجلس مكانها وأكمل قائلا :

- إن لكما عما يقطن فلسطينًا ، ولقد قاطعته سنين طوال بسبب مشكلة حدثت بيننا..، كان عمري آنذاك ثمانية وعشرين عاما كنت قد تزوجت فتاة شابة ملتزمة ومحافظة اسمها هيفاء وكانت تتسم بالجمال وزينة العقل وقد كنت حينئذ شابًا طائشا لا يعرف للدين التزاما أو للصلاة معنى وكنت أشرب المسكر والمنكر ، وكانت زوجتي دومًا تُنكر عليّ أفعال وتحذرني من هذه المنكرات إلا أنني لم أستمع إليها مرة واحدة وكنت أقول في نفسي أنها متخلفة ورجعية ويومًا ضقت ذرعا بها وبكلماتها فطلقتها طلاقا لا رجعة فيه، ولم أدرك يوما أنني أحببتها من كل قلبي وقد أنجبت لي طفلين جميلين وهما أنتما، كنتم حينها صغارًا لا تفقهون شيئا مما يجري فظلمتها واخذتكما منها لتربيكما المربية بدل من أمكما التي كانت دموعها تجري لأجلكما ،وذهبت بكم الى برلين مدة 3 سنوات فازددت طيشا على طيش حتى حدثت لي حادثة جعلتني أصحو من غفلتي التي كنت بها، كدت يومها أن أفقدكما في حادث سيارة إلا أن ربي قد قدر ولطف فلم تصيبا إلا بجروح ورضوض طفيفة فقررت أن أرجع الى بلادي فلسطين لآرى زوجتي وقد تزوجت بأخي من سنتين مضت وأنا في برلين فغضبت غضبًا وقاطعت أخي وزوجته وحرمتها منكم فبدأت أبني لنفسي شركة هنا لأعمل بها وقد نجحت تجارتي وها قد أصبحت ُ من رجال الأعمال المشهورين في البلاد وقد تزوجت دون علمكما بآنسة تدعى مريم صالح وهي تعمل كمستشارة في المدرسة، وأريدها أن تاتي الى الفيلا كي أرتاح في بقية أيامي المعدودة، رجاءًا يا أبنائي أن تعاملونها بلطف فهي انسانة رقيقة وحساسة وقلبها ينبض بالحب والتفاؤل وطيب المعشر ، وأنا بحاجة إليها فقد وقفت الى جانبي سنين عدة ..

لم يكد الأب يُكمل حتى رأى أحلام تذرف الدموع ووجهها مُخضّب بالاحمرار وهشام مطرق الرأس لسماعهما لمثل هذه الكلمات ثم قال بصوت منخفض :

- أنا آسف ، أنا أسف لم أستطع أن أمنحكما السعادة التي كنتم دومًا تحلمون بها وهي حضن الأم الرؤوم الودود ..

أكمل أحمد كلامه وهو بذرف دموعًا حارّة لندمه الشديد إثر أفعاله الطائشة التي فعلها لأخيه الكبير وزوجته السابقة ..

-بعدما قاطعت أخي سنينا طويلة رجعت فيها الى رشدي وبدأت أبحث عنه وأتصل فيه بالرقم الذي عرفته دومًا وذهبت الى بيته الذي كان يسكن فيه إلا أنه خرج لي رجلا لا أعرفه و تفاجأت بتغييره لرقم هاتفه وبيته وحاولت أن أبحث عنه دون جدوى لأعتذر لهم عمّا بدر مني من أخطاء بحق زوجتي وأخي التي ليس لها تفسير سوى المعاندة والمكابرة والطيش إلا أنني لم أجده حتى الآن وللآسف الشديد ..

توقف أحمد عن الكلام إثر كحة شديدة غلبت على كلامه وقف أحمد ليميل وسادة أبيه ليرتاح وأخذ من على المنضدة التي في الغرفة دواءأ فبخ هشام الدواء في فم أبيه حتى سكنت تلك الكحة قليلا ثم قال له :

- ارتح يا أبي الآن ، ومن ثم تعاود الحديث مرة أخرى .

تنحنح الوالد وتمتم ببضع كلمات ثم قال بصوت مسموع فيه بحة قويّة خذ هذا الرقم واتصل به على امرأة أبيك لتأتي الى الفيلا ، وقد حددت موعدًا مع المحامي ليأتي اليوم في الساعة السادسة مساءا ليعطيك بعض الأوراق المهمة ستعرف محتواها حين يأتي المحامي اليوم .

أغلق أحمد عينيه فذاك الدواء ليس للكحة فقط بل هو مريح للأعصاب وجالب للنعاس .

خرج هشام وأحلام من الغرفة مشدوهين ومصدومين إثر كلام والدهم

كانت الصدمة شديدة على هشام وأحلام ، لم يستطيعا أن ينبسا بكلمة واحدة أثناء حديث الوالد وكأن أطرافهما تيبست ووجوهما شُحبت من هول ذلك السر المخفي عنهما ...

بعد سويعات قليلة خرج هشام من غرفته لينزل للطابق الأول مُنتظرًا ذلك الضيف الذي أخبر عنه ..

وانتظر ربع ساعة في الصالون الكبير المُزين بزخارف عربية اسلامية نادرة أعطت للمكان روحًا جميلا وهادئًا حتى دخل عليه رجلا في الثلاثين من عمره ، شعره أسود فاحم وبشرته بيضاء صافية ، طوبل القامة ، عريض المنكبين ، متأنق في لباسه ومنمق في كلامه فمد يده مصافحًا هشام قائلا بأدب جم :

- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أنا المحامي صلاح الريان الذي حدثك عنه والدك .

أشار هشام بيده أن يجلس الى الأريكة وهو رادًا التحية بأطيب منها وقال مُرحبًا :

- نعم ، حدثني عنك الوالد قبل برهة قليلة وسألني أن أجلس معك .

تنحنح صلاح مسويًا جلسته وأمسك بحقيبه وفك القفل مُصدرًا عنها صوتًا آليا ثم أخرج منها أوراقًا كثيرة إلا أنها مُرتبة بأكياس نايلون شفافة ووضعها على الطاولة الزجاجية التي قبالتهما وقال :

لقد تكلم معي الوالد في الهاتف صباح اليوم ليخبرني أن أتكلم معك حول مواضيع عدة أهمها أوراق الطلاق ، شرعية الآرض الموروثة ، وأوراق للشركة بحاجة الى متابعة والتوقيع عليها .

قاطع هشام كلام المحامي صلاح قائلا :

- ولكنني أعمل في المشفى الحكومي ولا أدري أي شيء عن أعمال أبي أو تجارته .

قال المحامي : نعم أدرك ذلك ، فقد أخبرني الوالد بكونك طبيبًا وأنك محبُ لعملك ولا تريد تركه لذا قد أخبرني أن يتولى تلك المهمة زوج أختكم الفاضلة أحلام .

تعجب هشام من كلامه ورفع حاجبيه مُنكرُا وقال بتعجب شديد :

- ولكن أختي غير متزوجة فكيف بزوجها أن يتابع أحوال الشركة .

اسمح لي يا أخي أن أتقدم لزواج أختكم الفاضلة ، وقد أثرت هذا الموضوع مع الوالد ووافق عليه وها أنا قد أتيت لأعلن عن رغبتي رسميًا في زواج ألانسة أحلام طالبًا يدها ..

هدأ هشام قليلا وصمت وفكر في نفسه أن الشاب يبدو عليه ملامح الصلاح والالتزام ولا مانعًا بأن يتزوج أخته لكنه قال :

- أود استشارة أختي قبل الاقدام على أي خطوة وأريد أيضًا الاستفسار عن أحوالك وسمعتك وأهلك .

أجاب المحامي صلاح بثقة كبيرة لك ذلك وخذ الوقت الذي تريده في السؤال عني وعن أحوالي فهذا من حقكم .

ثم تابع صلاح كلامه حول تلك الأوراق وشرعية الأرض فتبين لهشام أن لعمه حقا موروثا من جده ويجب أن يوصل لهم وهم ثلاثة دونمات من الأرض التي حول الفيلا ..

دُهش هشام من ذلك كثيرًا إذ كيف يخبأ والده هذا الحق لهذه المدة من السنين وصمت صمتًا طويلا قاطعه حينذاك كلام المحامي قائلا :

- لا تقلق نحن بصدد البحث عن عمك لنعطيه حقه من الميراث وإصلاح الحال بين والدك وعمك ، والحمد الله أن الرغبة موجودة للإصلاح

وهمّ صلاح قائما معتذرًا أن الوقت قد تأخر ومد يده مصافحًا هشام يستودعه قائلا :

- لنا لقاءات كثيرة معك بإذن الله ، أما ألآن فاسمح لي بالذهاب .

خرج صلاح من ذلك الباب البني المزخرف الكبير ونظرات هشام تتبعه حتى توارى عن أنظاره ، فتهاوى على الأريكة مزيلا نظارته ذات الايطار الفضي ليمسح عينيه قائلا :

- يا له من يوم متعب ومليء بالمفاجآت ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الفصل السابع :

 

أخذ محمد سماعة الهاتف ليرد عليه ثم قال :

- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، من المتحدث ؟

- نعم ، هنا بيت ياسمين عباس قد وصلت ِ.

- نعم ، لقد أخبرتني للتو ونحن موافقون على ذهابها للمركز .

- خيرًا ان شاء الله

- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

اقتربت ياسمين من أخيها وقالت :

- من المتصل ؟

- قال محمد : هي المستشارة التي حدثتني عنها قبلا أرادت أن تنصحني بإدخالك الى ذلك المركز لتأخذين تلك الدورات للتطوير من مهارتك وشخصيتك ِ وقالت أنها هي المتصلة في وقت سابق إلا أن عدم وجود اشارات ارسالية لجوالها مما أدى الى قطع قطع الاتصال ..

قبضت ياسمين يدها اليمنى ثم ضربتها بيدها اليسرى وقالت :

-هكذا إذن .. لا يجب أن أتسرع في الحكم على الناس هكذا والله المستعان ..!

توجه محمد صوب الباب وأمسك بقبضته الذهبية ثم أدار ظهره وقال :

- أنا خارج لأجلب العشاء من المطعم الفلاني هل تودين شيئا خاصا أجلبه لك معي ..؟

تتبعت عينا ياسمين ظهر أخيها محمد ومنكبيه العريضتين ثم ابتسمت وقالت :

- لا ، لا شيء كل ما تجلبه سيكون كافيًا بالنسبة لي .

خرج محمد من الباب وأغلقه بإحكام بينما جلست ياسمين متهاوية على الآريكة تفكر بكل ما حدث معها اليوم وتستبشر خيرًا قائلة لنفسها :

- غدًا أفضل بإذن الله .

 

**

 

 

لم يكن أحمد أفضل حالا منهما فهو من فترة فكر في ترك الدراسة والذهاب للعمل لمساعدة أخيه الكبير في تحمل بعض من أعباءه التي هبطت عليه فجأة ..

لم يكن هذا التفكير حملا خفيفا على صاحبنا أحمد بل كان ثقيلا بدرجة أنه لم يستطع النوم أيامًا حتى برز تحت عينيه هالات سوداء لقلة نومه وراحته وعندما خرج من غرفته رأى ياسمين جالسة على الأريكة تنظر إليه ثم قامت من مجلسها وقالت :

- ما بال تلك الهالات التي تحت عينيك يا أحمد ؟

- أجابها أحمد بنبرة غاضبة ومتأففة : لم أستطع النوم وحسب .

تعجبت ياسمين من لهجة أخيها المغاضبة التي لم تعتدها منه ، فقد تعودت على أخيها المشاكس والمرح ذو أفعال طائشة مُضحكة جالبة للسعادة ففكرت في نفسها لم لا أفرحه قليلا ثم قالت :

- لقد صنعت بعضًا من الجلي قبل قليل هل تود واحدًا .

قفز أحمد من مكانه متعجبًا وركض باتجاه أخته وهو مشير بأصبعه السبابة نحوها ثم قال :

- من .. صنع .. أنت .. أتمزحين ..!

ضحكت ياسمين في سرها وقالت لنفسها لو أنه علم كيف يُصنع الجلي لما أحدث كل هذه الجلبة عليه خخخخخ

وتوجهت ياسمين نحو الثلاجة ومدت يدها فيها لتخرج كأسًا أبيض موردًا لتعطيه لأحمد وقالت له مداعبة:

خذ ، سلّك نفسك به ريثما يأتي محمد جالبًا العشاء .

صمت أحمد قليلا وتصنع الابتسام وأخذ من يد ياسمين تلك الكأس البيضاء ليأكلها على مهل وبطء شديدين مما أثار حفيظة ياسمين لتسأله مباشرة :

- ما بك يا أحمد أنت على غير عادتك هذا اليوم !

قاطع سؤال ياسمين فتح الباب وخشخشة الأكياس بدخول محمد ومعه العشاء وتوجه نحو طاولة السفرة ليضع كل صحن مصنوع من الألمنيوم منفردًا وعلى حدة فدفع محمد الكرسي للخلف وجلس عليه وهو يضم يديه ويحركها باتجاه الأعلى والأسفل قائلا :

- رائحة الأكل لذيذة جدًا ، ياسمين أحمد تعالوا وكلو معي .

لم يستطع كلا من أحمد وياسمين مقاومة تلك الرائحة اللذيذة فجلسا هما أيضا وسميا الله تعالى ثم أكلا ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

§ الفصل الثامن :

 

على مشارف الحيّ في زاويته اليمنى يتواجد بيتُ جميل صغير يغلب عليه طابع الهدوء والسكينة وكانت شُرفته مميزة جدًا إذ كانت مغلقة بزجاج كريستالي لامع ينعكس عليه الضوء ليعطي جمالا باهرًا مضيئًا في عتمة الليل ..

في داخل شرفته أرجوحة خضراء اللون مُفرشة بفراش ملون يغلب عليه اللون البرتقالي الغامق كانت جالسة على الأرجوحة امرأة في الخامسة والأربعين من عمرها لها ملامح صافية ، ورقبة بيضاء طويلة ، ترتدي نظارات ذات ايطار ذهبي اللون يُضفي على وجهها ملامح النضج والهدوء والتفكير .

كانت مريم شاردة الذهن في ماضيها العذب الجميل تتذكر ارتدائها فستانها الأبيض تتجلى به قبل عشر سنوات من الآن ،نعم لقد تزوجت وهي في عمر الخامسة والثلاثين كانت وقتها قد يئست من الزواج إلا أن الله أكرمها بزوج عرفته ملتزمًا ومؤديا للصلاة ورحيمًا ، كانت تعرف أنه متزوج ولديه أولاد إلا أنها لم تستطع أن تمنع نفسها من الرفض لحاجتها الكبيرة الى الزواج كيف لا ، وقد بلغت من العمر عتيا ، وكانت تتمنى دومًا أن تهدهد طفلها أو تلاعبه أو حتى تلثمه صدرها ليرضع منها الحليب ..

تحسست مريم بطنها ولم تيأس من رحمة الله من أن تحمل في أحشائها جنينًا يؤنس وحدتها فرفعت يدها وقالت بخشوع كبير :

- يا الله أنت أرحم الراحمين ، وأكرم الأكرمين ، لا تذرني فردًا وأنت خير الوارثين .

رن جرس الهاتف فالتفتت مريم نحوه وقامت من مكانها لتتوجه نحو الهاتف لترد عليه فرفعت السماعة وفوجئت بصوت رجل لا تعرفه لكنها ردت السلام منقبضة حتى لا يتسع المجال للكلام والتحدث مع الرجال الآخرين ثم قالت بلهجة قلقة ومتأثرة :

- أحمد ، ما به أحمد ..

- نعم في الغد بإذن الله أكون هناك لأن الآن الوقت متأخرولا أستطيع فيه الخروج .

- لا ، لا بأس بذلك أتفهم الوضع جيدًا .

- شكرًا لك ، وبارك الله فيك لاتصالك .

وضعت مريم سماعة الهاتف متفائلة بذلك الصوت المهذب الذي يطلبها للمجيء والسكن قُرب والده المريض .

**

بعد آذان العصر ركبت مريم سيارتها لتذهب الى ذلك المكان الموعود ، مكان لطالما انتظرت مجيئه والولوج فيه ، والتبختر في ممراته ، والطبخ فيه ما لذ وطاب ..

دخلت مريم تلك البوابة الكبيرة ذات الأزهار البيضاء المعلقة على زخارفها فدهشت للمنظر ولم تستطع أن تكبح كلماتها بقول :

- سبحان الله ، جميلة جدًا .

مشت مريم في ذلك الممر المعبد بالحجارة المتكسرة ووصلت الى باب الفيلا فرنت الجرس وانتظرت مدة دقيقتين حتى أجابها صوت من جانب الباب آليًا فتنبهت مريم للآلة الموضوعة ثم اقتربت منها وقالت :

- أأنا مريم صالح ، لدي موعد هنا .

سمعت أحلام اسم مريم فنزلت من غرفتها وفتحت الباب لترحب بـ زوجة أبيها بأدب جم ولطف شديدين فقالت لها وهي تصافحها مرحبة :

- أهلا وسهلا خالتي تفضلي رجاءًا ، فأبي قد طلبك ِ ويريد رؤيتك في الوقت الحالي

تبسمت مريم في وجه أحلام وتراقص قلبها طربًا لقلبها الأبيض فعانقتها وقبلتها قائلة :

- بارك الله فيك يا أحلام توسمت فيك ِ خيرًا ، فآمل أن نبقى كذلك .

تعجبت أحلام من معرفتها لاسمها ، ولامست تلك الكلمات شغاف قلبها وقالت ووجنتاها يتوردان حمرة :

- كيف عرفت اسمي ولم أخبرك به حتى ..؟

انفرجت أسارير مريم عن لتلك المحادثة الودية التي سارت معها ومع ابنة زوجها وقالت :

- لطالما حدثني عنكم والدكم ، وعن سعادته بكما، وقلبه يترنم فرحًا عند ذكركما ولطالما كان خائفًا أن يقول لكما أنه متزوج من وراءكما حتى لا تحزنوا أو تتضايقوا منه .

أطرقت أحلام رأسها خجلة من كلمات المستشارة الودية والمحببة ثم قالت :

- هذا من لطفك ِ يا خالة ، ولو أنه أخبرنا من قبل لتصرفنا كما نتصرف الآن نستقبلك بكل ود وترحاب وهل لدىنا أغلى من أبينا الآن لنعتي به ليبقى بيننا سعيدًا ..

ربتت مريم على رأس أحلام بحنان بالغ كانت هي قد فقدته لتعطيه لأبنائها ومشت برزانة كبيرة متوجهة نحو تلك الدرجات الرخامية الرمادية ، فهي تعرف تفاصيل البيت من زوجها الذي أخبرها كل شيء عنه ، حتى حلمت يومًا أن تعيش فيه وسطه ووسط أبنائه ..

لم تكن مريم تأتيها تلك الهواجس في رفضها أو عدم قبول شخصها حين رأت سلوك أحلام تجاهها فاطمأن قلبها وسكن وفتحت باب الغرفة المظلمة الذي يتوسطه سرير زوجها النائم ويبدو على وجهه آثار المرض والتعب والإرهاق ...

ذهبت مريم الى سرير زوجها وجلست عليه ورفعت رجلها اليسرى بينما بقيت اليمنى تُلامس الأرض ومسدت وجه زوجها وشعره الأسود الناعم لشدة حنينها واشتياقها اليه وكيف لا وهي لم تره لمدة أسبوعين حين تعب من مرضه حتى لم يعد قادرًا على الذهاب والإياب ..

فتح أحمد عينيه وتظر للشخص الذي يُمسد على رأسه عرفها من دفئها وحنانها ثم ابتسم ابتسامة شاحبة وقال :

- أهلا بك ِ في بيتكِ ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الفصل التاسع :

استعدت ياسمين بالذهاب مع أخيها أحمد الى ذلك المركز التأهيلي مُرتدية جلبابها الأسود وخمارها الأبيض الطويل ، خرجت من غرفتها لتجد أخيها ينتظرها في الصالون فسلمت عليه ثم قالت :

- أأنت جاهز يا أخي

- قال أحمد بنبرته الشقية تلك : أنا جاهز منذ أن استيقظت وأنت ِ ..؟

- أغمضت ياسمين عينيها وتأففت ثم قالت نعم هيا بنا نذهب ...

مشى أحمد من الأمام وياسمين خلفه وخرجا من الباب ليمضيا إلى ذلك المعهد الذي لا يبعد عن البيت أكثر من ربع ساعة ، إلا أن أحمد ومحمد تشاورا في الأمر وقررا أن يذهب أحد معها حتى لا تسير وحدها في الشارع في مثل ذلك الوقت من المساء ..

كانت عينا ياسمين تتبع المحال المتواجدة على جانبي الرصيف وكانت أكثرها اكسسوارات

 

لامعة ولطيفة وأيضا رخيصة السعر إلا أنها ملفتة للنظر وأشعة الشمس تنعكس عليها فتجعلها براقة تشد الأنظار اليها ..

نظرت ياسمين أمامها فوجدت أن احمد قد تخطاها وهي ما زالت تتسمر لترى تلك الاكسسوارات ثم قالت مغاضبة : ان أحمد يُشعرني بالغضب من جراء تصرفاته الحمقاء تلك ..

أسرعت ياسمين الخطى لتلحق بأخيها ليصلا الى ذلك المركز فدخلا بابًا زجاجيًا فدفعاه معا ومشيا في ممر عريض وعلى جانبيه نباتات خضراء مزروعة في آنيات ضخمة من الفخار مما يعطيه جمالا مميزًا ، وهدوءًا مريحا ..

صعدت ياسمين الدور الأول وفتحت بابا كتب عليه من الخارج دورة التدبير المنزلي بإشراف المعلمة \ حسنات متولي .. ودخلت بهوا كبيرا وطويلا وفي أخره مكتبًا للاستعلامات والاستفسارات توجهت ياسمين نحو المكتب لترى سكرتيرة جميلة المظهر إلا أنها متبرجة تبرجًا صارخًا من وضعها لمساحيق التجميل والارتداء ثياب قصيرة جدًا مما يلفت الأنظار والانتباه وقفت ياسمين تتحدث الى السكرتيرة من وراء المكتب لتقول :

- حجزت هنا دورًا في الساعة الخامسة بإسم ياسمين عباس فهلا من فضلك تُعرفينني على المعلمة حسنات متولي .

أشارت السكرتيرة بإصبع السبابة للأمام وقالت بصوت منخفض وهادئ :

- نعم ، توجهي من فضلك نحو اليمين الى الغرفة الرابعة ستجدينها هناك ..

ابتسمت ياسمين ابتسامة المجاملة وقالت :

- بارك الله فيك ِ ..

ثم توجهت الى حيث أشارت السكرتيرة ودفعت الباب ودخلت فوجدت أماما امرأة في الخمسين من العمر محجبة بحجاب ساتر وفضفاض وعلى عينيها الصغيرتين السوداويتين نظارات ذي ايطارات ذهبية اللون مما يُضفي عليها رزانة ونضجًا كبيرين ..

وقفت المعلمة حسنات أمام ياسمين مباشرة وقالت بصوت مبتسم ومليء بالحيوية :

- أنت بالتأكيد ياسمين عياس .. ؟

أجابت ياسمين وشبة ضحكة على فيها : نعم ، هي أنا ، أنا تحت رعايتك ِاعتني بي من فضلك ,,

نظرت المعلمة حسنات صوب عيني ياسمين الكحيلتين وقالت :

- أنت أصغر مما توقعت .

ثم وضعت يدها على كتف ياسمين وتوجهتا الى غُرفة مستديرة بها أربع فتيات تحلقن حول طاولة معدنية فضية اللون جلست ياسمين ومعها المعلمة معهن وحولهن لتتعرف ياسمين الى الفتيات ويتعرفن إليها فقالت ياسمين مسلمة بروح البراءة والطفولة :

- أنا ياسمين سُررت بالتعرف إليكن عمري خمسة عشر عامًا .

فقالت التي بجانبها وهي ذات شعر أشقر وعينين خضراوات :

- أنا كريستينا عمري سبعة عشر عاما سُررت بالتعرف إليك ..

ثم قالت التي بعدها ووهي تتميز بلون شعرها الأسود المتسلسل :

- أنا خديجة عمري عشرون عامًا ..

ثم توجهت الأنظار نحو الفتاة الفارعة الطول ذو العينان الناعستان بصوت هادئ :

- أنا مايا عمري ستة عشر عاما ..

وهناك في الكرسي الأخير حيث تجلس فتاة محجبة بحجاب ملون وترتدي بنطالا من الجينز فمدت يدها نحو دفتر ملاحظاتها وقلم أسود اللون لتكتب عليه بصمت طوبل :

- أنا شيماء عمري خمسة عشر عاما سُررت بالتعرف إليك ..

بالنسبة لدفتر الملاحظات فلا تستغربن فأنا صماء ثم ابتسمت ببراءة وقالت لا تقلقن فقد تعلمت قراءة الشفاه أستطيع متابعتكن وفهمكن ..

وضعت ياسمين يدها على فاها بحركة سريعة لا ارادية ثم شهقت بصوت عالٍ :

- آآآه ، ثم أتبعتها بأسف شديد ومبالغ

لم يسبق لصغيرتنا أن ترى أشخاصا ذوي احتياجات خاصة ، لذا فالمفاجأة كانت كبيرة عليها إذ كيف تتعامل مع شخص أصم في الحقيقة .. !

هونت شيماء عليها بإشارات من يديها وقالت :

- لا عليك ، فأنا متعودة على هذا النوع من التصرفات اللاإرادية من الأشخاص حيال شخص مثلي ..

ثم أطرقت رأسها بخجل شديد ..

فأخذت ياسمين دفتر ملاحظاتها ثم رسمت عليه قلبًا صغيرًا مائلا لطيفًا وكتبت عليه :

- الكمال لله وحده ، سررت بالتعرف اليك يا شيماء .

وكانت خط ياسمين جميلا ناعما ولطيفا ، تغيرت ملامح شيماء بعد كتابة ياسمين لتلك الكلمات فأصبحت مبتهجة ومبتسمة وشكرتها بالإشارات من يديها لم تعرفها ياسمين بوضوح إلا أنها علمت أنها اشارات شكر منها .

هنا وزعت المعلمة حسنات أوراق استبيانات لكل واحدة منهن ثم قالت بصوت آلي ورتيب وكأنها قد أعادت هذه الجمل لمئات المرات مما جعلها تحفظهن عن ظهر قلب:

- حسنا يا فتيات بعد أن عرفتن على أنفسكن أحب أن أعرفكن على نفسي أنا حسنات متولي المشرفة عليكن خلال هذه الدورة وهي عبارة عن دروس متلاحقة تتضمن هذه الدروس الأشياء العامة ومن ثم تفاصيلها :

- أولى هذه الدروس كيفية استخدام الغسالة والاعتناء بها .

- ثانيها : تنظيف وترتيب الغرف بأقل من عشر دقائق .

- ثالثها : التعرف على المطبخ وأدواته

- رابعها : : الديكور وتناسق الألوان

- خامسها : الاعتناء بالمنزل ونظافته بشكل عام .

بعد الانتهاء من هذه الدورة سُنقدم امتحانا عمليًا لمنزل تطبق عليه ما درستن وحسب نجاحكن نعطيكم شهادة ستكون صالحة للاستخدام فقط سجلي اسمك اذا كنت معنية بالعمل المنزلي في بيوت آخرين لدى اللجنة المتابعة ..

ثم وقفت المعلمة لتتوجه نحو الباب لتغلقه وهي تتكلم وتقول :

سأعطيكن بعض النصائح التي يجب أن تكون مهمة لكل واحدة منكن ولكل بيت:

- عند العمل في البيت كوني هادئة مسترخية حتى تتمي عملك بهدوء .

- استعدي نفسيًا عند العمل بوضع خطة معينة بكيفية البدء ومن المفضل كتابتها قبلها بيوم .

- عند العمل في البيت، من المفضل البدء بالمطبخ أولا ومن ثم بقية المنزل .

- لرائحة بيت جميلة ضعي على الغاز بعض من النباتات العطرية كثل : الميرمية أو الروزا أو العطرة لتُضفي عليه رائحة قوية ومنعشة .

- الترتيب يكون أول شيء بازالة الأشياء عن الأرضية ليكون المشي سهلا ومريحًا دون التخبط بأي شيء .

- لمنزل صحي اجعلي التهوية فيه بشكل يومي ومن المستحسن دخول أشعة الشمس فيه لتغيير الهواء .

- بعد التهوية وإزالة الأشياء عن الأرضية ضعي كمية من الخل في طشت ماء للبدء في تنظيف الغبار والتراب عن الخشب .

هذه أشياء أساسية يجب عليك فعلها كل يوم لتنظيف أسهل وأسرع وبنفسية مسترخية وهادئة .

الدرس الأول الاعتناء بالغسالة وتنظيفها :

من المعلوم أن الغسالات بأنواعها وأحجامها وقدمها أو جديدها هناك شيئان لا يتغيران فيها على مر السنين أو الاستعمال هذان الشيئان هما :

- درجات الحرارة .

- تصنيف الملابس .

تعتبر درجات الحرارة في الغسالة من الساخن الى الدافئ الى البارد .

درجات الحرارة الساخنة وهي مناسبة للملابس القطنية هي من 70%- 90% .

درجات الحرارة الدافئة وهي مناسبة للملابس فاتحة اللون من 50% الى 60%

أما درجات الحرارة الباردة وهي المناسبة للملابس الملونة هي من 30% - 40% .

 

إذا كانت الغسالة جديدة من المُفضل استخدام ملح الليمون كأول غسلة فيها وإذا كانت مُستعملة فمن المفضل استعمال مزيل الكلس من الغسالة حتى لا يُبطئ عملها شيئا فشيئا فهناك مواد في السوبر ماركت خاصّة بالغسالة وتنظيفها تقيد بالأمر.

 

تصنيف الملابس :

قبل تصنيف الملابس من المهم الذكر أولا تجميع الملابس المتسخة احملي في يدك سلة للغسيل وجوبي كل الغرف المتواجدة في البيت وضعي الملابس فيها ومن ثم توجهي لغرفة الغسيل وابدأي في تصنيف الملابس :

الملابس البيضاء أولا

الملابس الملونة

الملابس الفاتحة اللون .

 

من المهم جدًا عدم خلط هذه الملابس مع بعضها حتى لا يكتسبوا ألوانا غير مرغوبة لعدم ملائمة درجة الحرارة لتلك الملابس .

 

كانت ياسمين قد جلبت معها مسجلا صغيرًا لتسجل فيه كلام المعلمة حتى لا تفقد تركيزها أثناء المحاضرة وإلقائها فياسمين تعلم أن تتبع المعلمة وطريقة كلامها وأسلوبها في الحديث من أهم الأشياء التي تجعلها تحفظ بسرعة .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

@@~ أم العبادلة ~@@إبنة علي

 

تُسعدني متابعتكما يا حبيبات

وأ،ت بخير يا بنت علي أعاده الله علينا وعليكم باليُمن والبركات .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الفصل العاشر :

 

جلست مريم على سرير زوجها محنية ساقها اليمنى واليُسرى تلامس أرضية الغُرفة ووضعت يدها على جبين زوجها وأخذت تتمتم بأذكار هي حافظة لها وبعض القرآن لتُرقي زوجها ليسكن نفسه وتطمئن روحة ويشفى بإذنه تعالى ، عندما رأت مريم أن زوجها نائم بعمق من شدة التعب والمرض خرجت من الغرفة وأقفلتها، وأدارت وجهها يمينا وتوجهت للباب المحاذي لغرفة زوجها وطرقت طرقات خفيفة كان لونه مميزًا عن باقي كل لغُرف فقد كان لونه زهريًا معشقًا بالبياض وبالورود المزخرفة ، خرجت أحلام من غُرفتها لترى الطارق فقد ظنته لوهلة أخيها ولكنها رأت امرأة أبيها فحيتها وأدخلتها غرفتها بوديّة ، ابتسمت مريم وشكرتها لسماحها لها بدخولها غرفتها الخاصة وجلست على كرسي زهري فاتح مُبطن بقماش أبيض عليه دوائر زهرية محببة نظرت مريم أنحاء غرفة أحلام فوجدتها بهذين اللونين فقط زهري فاتح وأبيض فقالت مريم بودية وتحبب :

- أعشق هذين اللونين في غرفتك فهي تشعرك بالطفولة والنعومة والجمال.

ابتسمت أحلام لحديث امرأة أبيها وقالت:

- نعم ، وأنا كذلك فقد طلبت من والدي أن يؤثثها على هذين اللونين لأنني أحبهما وبشدة ويكفي أنها تُشعرك ِ بالأنوثة .

- صحيح، هذين اللونين محببين لكل الفتيات ومنهن أنا فضحكت ضحكة صغيرة - وقالت عن نفسها وكأنني أشعر أنني بعمرك ِ –

أثناء ضحك مريم باغتتها أحلام بسؤال مفاجئ قائلة :

- كيف تعرفت ِ على والدي ؟

توردت وجنتا مريم بالحديث عن زوجها لكنها تمالكت نفسها وأغمضت عينيها وقالت بحنين :

- قبل عشر سنوات كنت في مؤسسة تعني بتأهيل الاستشاريين للمدارس وكنت اخذ دورات في التعامل مع الطالبات في سن الخامسة عشر فما فوق لحساسية هذا العمر وتقبل ردات الفعل الناجمة عنهن وفي احدى المحاضرات رأيت والدك يسأل استشاريين عن أولاد باسم عائلته وكان يتردد مرارا وتكرارا على هذه المؤسسة ففي احدى هذه المرات لمحني فيها إلا أنه لم يحدثني أو يكلمني لأنني لا أختلط بالرجال ولا بالحديث اليهم إلا أنني سمعت من مستشارة أقدم مني حول طلبه الغريب ذاك وحتى أنّه لم يُخبرني ما سبب طلبه من الاستشاريين عن أولاد باسم عائلته حتى الآن ، ثم رفعت رأسها قائلة :

- أوليس غريبًا يا أحلام أن يستفسر رجل أعمال عن أولاد باسم عائلته ؟

أومأت أحلام برأسها مستجيبة بسؤال امرأة أبيها ولكنها كتمت ما بداخلها ولم تخبرها بالمر لأنها لا تعرف كل التفاصيل فأثناء حديث الوالد الذي لم يكمله ساءت حالته وأعطاه أخيها منوما لكي يرتاح لعل وعسى أن يكمل حديثة عندما يهدأ ويرتاح .

شردت احلام بذهنها في تفكيرها ذاك فجلبتها مريم للواقع بسؤالها :

- كم عمرك يا أحلام ، وهل تعملين ؟

ابتسمت أحلام ابتسامة المجاملة وقالت وهي تضم يديها:

- أنا في الخامسة والعشرين وأعمل ممرضة ثلاثة أيام في الأسبوع في مستشفى حكومي يعمل فيه أخي هشام .

- إذن أنت تعملين مع أخاك في المشفى كم هذا رائع ومطمئن في الوقت نفسه قالت مريم بروح مرحة .

- نعم ، وهذا ما يريحني أنا أيضًا كون أخيك الى جانبك في العمل والبيت أمر جالب للراحة والطمأنينة وأيضا المشاركة في كل شيء .

وأثناء حديثهما رن جرس الفيلا فنزلت أحلام لتفتح لأخيها الباب وخرجت مريم من غرفة أحلام لتنزل تلك الدرجات الكبيرة والكثيرة لتستقبل ابن زوجها ..

ألقى هشام التحية والسلام وقال :

- اهلا بك يا خالة في بيتك ، ولو أننا نعلم أن أبينا متزوج لما تركناك تعيشين كل هذه المدة وحيدة في بيتك ، أبي قد طلبك للمجيء هنا حتى لا تقلقي عليه ..

أومأت مريم برأسها وأجابت باحترام لابن زوجها وقالت :

- بارك الله فيكم ، لم أتوقع صراحة هذا الاستقبال الودي منكم .

- هذا واجبنا نحوك ِ ، هل جلبت أغراضك من بيتك ِ أم لا وهل تودين المساعدة في نقلهم ؟

تفاجأت مريم من سؤال ابن زوجها هذا فهي لم تُحضر أي شيء ولم تفكلار بإحضار أي شيء قبل أن تتعرف اليهم وترى كيفية استقبالهم لها وتقبل مجيئها فرفعت حاجبيها وقالت :

- صراحة لم أجلب معي شيء ولم أحضر شيء بالحقيقة .

قال هشام بلهجة هادئة :

- لا بأس نجلبهم في يوم آخر بإذن الله .

توجه هشام نحو أحلام وقال بلهجة طفولية :

- أنا جائع جدًا هلا حضرت لي الطعام يا أختاه ؟

- قالت أحلام بسرعة : نعم نعم ثم توجهت للمطبخ لتقول للخادمة في البدأ بوضع الطعام على مائدة السفرة وتحضيرها للأكل .

صعد هشام مسرع الخطى نحو غرفة أبيه ليطمئن عليه ففتح باب الغرفة ليجده ما زال نائما ثم تحرك مستيقظا وقال من فتح باب الغرفة :

- قال هشام : هذا انا أردت الاطمئنان عليك وعندما وجدتك نائما خرجت.

أسند أحمد ظهره الى الوسادة وقال :

- كأنني أحسست أن مريم قد أتت الى هنا فهل أنا مخطئ ؟

- رد عليه هشام وهو يساعده في النهوض : كلا يا أبتي لم تخطئ بالفعل أتت خالتنا الى هنا وهي الآن في الطابق الأول مع أحلام ، فالبارحة اتصلت فيها لأخبرها بالمجيء لكنها لم تفضل الخروج ليلا لذا أتت اليوم .

- قال الوالد : أريد أن أنزل لأتعشى معكم وأجلس على المائدة معكم فأنا اشتقت لهذه اللّمة في بيتنا .

- ابتسم أحمد ابتسامة خبث وقال ضاحكا : هل اشتقت للجلوس معنا أم مع زوجتك وغمزه ضاحكا .

- قال الأب وهو يضحك : عيب عليك با ولد ثم قهقها معا ومشيا والأب مُستد يده على كتف حتى نزل للطابق الأول وجلس بجانب مريم على الطاولة لتناول أكلته المفضلة ورق العنب مع الكوسا المحشية ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

§ الفصل الحادي عشر :

 

كان محمد جالسًا على كرسيه في مكتبه وأمامه حاسوبًا وبجانبه هاتفًا لا يتوقف عن الرنين فكانت وظيفته هي الرد على المكالمات التي تأتي لاستفسارات الجمهور عن الكهرباء وخللها أو انقطاعها ليساعد في حلها ، نعم فمحمد يعمل في شركة للكهرباء في ساعات النهار وتنتهي مناوبته في الساعة الخامسة ما بعد الظهر .

وقف محمد يهيئ نفسه بالرحيل بعد انهاء مناوبته إلا أن جرس الهاتف أخذ بالرنين فرفع محمد السماعة ثم قال :

- سآتي حالا

خرج محمد من مكتبه مُسرعًا وكأن كارثة حلت عليه فوجهه اسوّد وغارت عينيه ركب محمد السيارة متوجها نحو الجامعة الفلسطينية في الشارع المقابل من شركة الكهرباء فداس على البنزين مسرعا حتى وصل المدرسة وخرج من مدرسته ودخل بوابة كبيرة فضيّة اللون ووصل الى المكتب الجامعة حتى يستفسر عن سبب اتصال الجامعة في مكتب عمله توجه الى مكتب الاستعلامات فوجد رجلا في الثلاثينيات من عمره في يده دوسيه مليء بالأوراق يقلبه بتركيز شديد حتى إنه لم ينتبه لمجيء محمد الى مكتبه فقال محمد ليلفت الانظار اليه :

- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، اتصلتم بي قبل قليل فيما يخص أخي أحمد فهل من مشكلة ؟

- أخذ السكرتير بورقة عليها خط أحمر عريض يُنذر بالفصل، مد السكرتير يده وقال هذه الإنذار يخص الطالب أحمد عباس وقد كلّفت بإيصاله إليك .

أمسك محمد الورقة و قرأها ثمّ صكّ على أسنانه بشدة وذهب .

خرج محمد من الجامعة مغاضبا إذ كيف لأخيه أن يتصرف بمثل هذا التصرف الأحمق فتوجه الى البيت ثم ذكّر نفسه بالاستغفار حتى يهدأ ليعرف كيف يحادث أخيه فأخذ نفسًا عميقًا وتوقف بجانب بيته خمس دقائق ثم خرج من سيارته وصعد السلالم ودخل البيت ثم قال بصوته الجهوري:

- ياسمين هل رأيت أحمد اليوم ؟

- لا ، لم أره يا أخي فقد خرج معي صباحا الى المدرسة وتوجه هو الى جامعته كالمعتاد والى الآن لم يعد هل من خطب ما .. ؟

أمسك محمد الورقة بشدة على أن جعدها وقال بصوت غاضب مكتوم أخاك لم يذهب الى الجامعة منذ ثلاثة أسابيع مضت .

- رفعت ياسمين صوتها بشهقة وقالت : إذا هذا ما يفسر تصرفاته الغريبة تلك وعدم قدرته على النوم .

- قال محمد : أو لاحظت شيئا غريبا يا ياسمين ؟

- اجابت ياسمين : ليس الكثير إلا أنه في الفترة الأخيرة لم يعد أحمد على طبيعته وأصبح الغضب يتملكه سريعا وعندما سألته أجابني بأنه لم يستطع النوم وحسب .

وفي أثناء جديثهما دخل أحمد وفي يديه حقيبة مليئة بأوراق وكتب جامعية ثم وقف وقال :

- ما خطبكما تتحدثان بصوت يكاد يكون عاليًا .

- قال محمد مهدءًا نفسه : أين كنت يا أحمد ؟

- قال أحمد وهو يهز كتفيه : في الجامعة يا أخي كما هو المعتاد .

- قال محمد وهو يهز رأسه بعصبية بالغة : بالجامعة يا أحمد منذ متى تكذب علينا يا سيد ؟

اضطرب أحمد في كلامه واحمر وجهه وقال : ولم َ أكذب عليكم ؟

قال محمد وهو ممسك بالورقة ومد يده ليعطيها لأخيه ليراها ثم قال :

- وصلني اليوم في المكتب اتصالا يفيد بأنك لم تأتي للجامعة لمدة ثلاثة أسابيع وأعطوني ورقة انذارر بالفصل إن لم تحضر الجامعة وتلتزم بمواعيدها .

قبض أحمد على الورقة بشدة بيده اليمنى حتى جعدها وكوّرها وعض على شفتيه ثم رماها من يده وقال صارخًا :

- برأيك الى متى سأنظر اليك تعاني وأنت تجلب لنا الفطور والغذاء والعشاء ، وتكاليف المدرسة والمعهد ومصاريف البيت وأظل واقفا ساكنا لا أفعل أي شيء ها .. ؟

- صرخ محمد بصوت عال وقال : اتضيع مستقبلك وتعليمك والموضوع الذي لطالما أحببت أن تدرسه من أجل شيء كهذا ولو كنت موقنا لأدركت أن الله رازقنا وإنما نحن نتخذ بالأسباب وحسب كنّ حسن الظن بالله ، كن متوكلا عليه , كن على يقين دومًا أن الله لن يضيعنا أوليس هذا ما علمته اياه والدتنا أم نسيت ؟

بكى أحمد بكاءا هستيريًا وتهاوى على الأرض جالسًا القرفصاء واضعا يديه على وجهه يخبئه ثم قال :

- ولكن .. ولكن .. ماذا عنك يا أخي هل تستطيع أن تتحمل كل هذا وحدك ...؟

هدأ محمد ووضع يده على جبينه ضاغطا عليه وتنفس الصعداء ثم قال :

- لم َ أنت ضيّق الأفق هكذا ، ولم عليك ترك الجامعة من أجل شيء كهذا تستطيع أن توفق بين هذا وذاك بتنظيم وقتك ففي النهار تتعلم وفي المساء تعمل ان شئت، ولكن لا تجبر نفسك على العمل فالدراسة هي الأهم الآن فهي ستجلب لك مستقبلا زاهرًا لا يحلم به الكثيرون.

وقف أحمد وضرب رأسه وكأن فكرة ما دخلت لتقنعه وقال :

- يا لي من أحمق كيف لم أفكر بهذا من قبل ..؟

- قال محمد ساخرًا وضاحكًا : أنت قلتها لتوك لأنك أحمق .

جلس ثلاثتهم على الآرائك الزرقاء اللون المعشقة باللون الذهبي اللامع حتى هدءوا وبدؤوا يتكلمون مع بعضهم بصراحة بعد ثلاثة أسابيع من كتمانهم لمشاعرهم وتفكيرهم السلبي الذي أدى الى هذا النوع من التصرفات ولأول مرة أحس الجميع بالراحة والفضفضة وأن هذه الجلسة أفرغت ما في قلوبهم وتصافت واتحدت حتى أحسوا بأن قلبهم أصبح قلبًا واحدًا وهذا ما جعل عينا ياسمين الكحيلتين تبرقان من شدة السعادة والفرح .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بارك الله فيكـ

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بارك الله فيكـ

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بارك الله فيك سندوسة بقيت على جلسة واحدة وقرأت روايتك الرائعة

فهي بقمة الروعة التي أثلجتي بها قلوبنا وبإنتظار إتمامها على خير

 

جزاك الله خيرا

ولك كل حبي وتقديري على أناملك الذهبية وروحك البراقة بالأمل

*_^

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

@ام الفـرات

 

وفيك بارك الرحمن .

 

@@قدوتي محمد -صلى الله عليه وسلم

وفيك بارك الله ، أسعدني أنها أعجبتك ِ

وأسعدني أكثر أنك تعرفت على روحي ^_*

 

@@إبنة علي

 

وهذا فصبين لحماستك ِ : )

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الفصل الثاني عشر :

في الفيلا كانت مريم في غرفتها تنظر الى زوجها حتى أفاق ساعدته في رفعه حتى يتوكأ بشكل مريح على وسادته أغمض أحمد عينيه وقال :

- أنا آسف يا مريم ، أتعبتك ِ معي كثيرًا ..

- ابتسمت مريم ابتسامة هادئة وقالت : لا عليك يا أحمد فكل شيء بيد الله عز وجل فكن متيقن بذلك ..

- مريم أخبرت هشام أن يخبر أحلام بأن عريسا تقدم لها وأنا على معرفة به معرفة جيدة فقد عاشرته سنينًا ولم أر منه ما يعيب فأخلاقه حسنة ومواظبُ على صلاته ومن أسرة كريمة وأتمنى من أحلام أن توافق عليه ففي النهاية هذه حياتها الخاصة ولا أستطيع أن أقرر عنها ..

- لا تقلق يا عزيزي ، سأحادثها بالموضوع ولا أعتقد أنها ستتضايق من الأمر .

 

أغلقت أحلام باب غرفتها الورديّة وهي تتأهب للخروج مع أخيها للمستشفى لتقضي مناوبتها المعتادة وما أن نزلت حتى زجدت أخاها ينتظرها واقفا على تلك الدرجات الرخامية ظرهشام في عينيها بجديّة ثم قال :

- أحلام ، هناك موضوع أود محادثتك ِ فيه ممكن ..؟

- ولكن ,, ماذا مع موعدنا في المشفى أليس في هذه الساعة .؟ قالت أحلام

- لا ، ليس الآن بالتحديد جعلتك تهيئين نفسك باكرًا لأتحدث إليك .

نزلت أحلام مع أخيها الدرجات وذهبا الى الصالة ليجلسوا حتى تسمع أحلام من أخيها ما يريد منها ثم قالت :

- ها نحن قد جلسنا ما الموضوع الذي تريدني فيه يا أخي ..؟

- تنحنح هشام وسوى جلسته وأقام ظهره وقال : هناك عريسًا طلبك للزواج قبل أيام ..

توردت وجنتا أحلام واصطبغت باللون الأحمر حياءًا وخجلا ثم قاطعته ببراءة :

- مااااذاا

- تصنع هشام الجدية وأخفض رأسه إلا أنه لم يستطع أن يُخفي ابتسامته من ردة فعل أخت وقال : الشاب في الثلاثينيات من عمره ، وهو وسيم ، وأنيق ، متعلم ، ومحامي وأخلاقه حسنة وقد أشاد به والدنا فما رأيك ِ ..؟

صمتت أحلام لبرهة وقالت :

- هل سألت عنه قبل أن تخيرني ..؟

رفع هشام يديه ووضعها تحت رأسه وتوكأ على ألأريكة ثم قال :

- بصراحة حتى الآن لم أسأل أو أستفسر عنه إلا أنني أحببت أن أخبرك بذلك بما أن والدنا يعرفه معرفة جيدة وهو يعمل محاسبًا للشركة أيضًا وقد أراني أوراق طبعها والدي من أن الذي سيتزوج ابنته سيكون مسئولا عن شركته .

رفعت أحلام حاجبيها وقالت بغضب إذا كان كل شيء مقرر فلم تستشيرني ..؟

نظر هشام محدقَا في عينيّ أحلام وقال:

- أيتها الحمقاء .. القرار الأول والأخير لك ِ ، لكن بما أن والدنا أشاد به كثيرًا هذا يعني أنه عاشره وقتًا طويلا وعرفة معرفة جيدة ويصلح بأن يكون زوجًا لك .

خفضت أحلام رأسها وشبكت يديها مترددة وحائرة :

- حسن يا أخي ، سأصلي الاستخارة و.... مم....متى ستدعوه للرؤية الشرعية ..؟

وقف هشام ومدد يديه للأعلى مُصدرًا صوتًا وكأنه ارتاح من هم كان على قلبه ثم قال :

- بعد أسبوع من الآن بإذن الله ، وحتى نخبر زوجة أبينا بالأمر .

وقفت أحلام ومشت مع أخيها موافقة لكلام أخيها وصعدا للسيارة للذهاب الى المشفى.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الفصل الثالث عشر :

 

شيماء تلك الفتاة التي عاشت حياتها فاقدة لعالم الأصوات أصوات التغاريد ، والكلمات ، والضحكات ، والهمسات ، بل وحتى أصوات النشيج والبكاء والصراخ ، عالم صامت لا يُحركه صوت أو نغمة أو حتى همسة ..

عالم خالِ من الآلوان المُبهجة ، عالم ُ كليل بهيم لا يضيئه أي نور سوى موجات خافتة ..

عالم لا تستطيع فيه السماع سوى حديث القلب والعقل ، وأيّا كان هذا الحديث فالأفكار السوداوية هي الغالبة عليه ..

اعتادت شيماء أن تكتب في دفتر مذكراتها لتشارك عيناها ويديها الحديث بدل تلك الأفكار التي تجتاح ذهنها أفكار صمّاء كسمعها، أرادت أن تُلوّن حياتها حتى ترى مباهجها وإن كان ذاك الشيء بسيط لا يتعدى سوى ألوان وأوراق مبعثرة ..

جلست شيماء كعادتها على مكتبتها الخشبية ذي اللون البني الفاتح وعلى جانبيها مصابيح ملونة تضيء وتطفئ كلما أرادت والدتها مناداتها ..

أمسكت بقلمها الرصاصي لتكتب ما حدث معها اليوم بسعادة جليّة، وابتسامة واسعة وهي تمسك بخصلات شعرها الأسود الطويل وتضعه خلف أذنها لئلا يتناثر على صفحات مذكرتها ..

"اليوم تعرفت على فتاة لطيفة ذي ملامح هادئة وطفولية لكنها كانت ناضجة ذو هيبة جميلة، وحضورها بهيّ وطلتها رائعة ترتدي جلبابًا واسعًا فضفاضا أثار حفيظتي وجعلني أتسائل :

- لم َ لا أرتدي واحدًا ..!

نعم لقد أعجبني وسعه ، ولونه الغامق الذي يدل على هيبة صاحبته ورزانتها .

اسمها ياسمين عينيها سوداويتين كحيلتين واسعتين تأسران من نظر إليهما وحدق بهما لكأنها تدخل القلب بلا استئذان طيبة المعشر ، ذو ابتسامة دافئة

أحببتها نعم أحببتها ...

نظرت شيماء لدفترها وظلال الضوء عليه يضيء ويطفئ فتنبهت للمصابيح وقامت من مجلسها وتوجهت نحو أمها التي تتواجد في المطبخ عرفت ذلك من المصباح ذي اللون اللون الأصفر المعد خصيصا للمطبخ ، فالمصابيح الملونة هي لغُرف مخصصة في البيت لتتوجه شيماء مباشرة نحو مناديها ..

رأت شيماء والدتها تجلس على مائدة السفرة فأشارت لها أمها نحو الكرسي الذي بجانبها لتجلس عليه ..

توجهت شيماء للمقعد وجلست بأريحية تامة ، وابتسمت لأمها ابتسامة واسعة وأشارت بكلتا يديها تُخبر أمها عن اليوم وما حدث معها لقد كانت سعيدة جدًا ومن فرحتها بدأت ُتسرع بحركاتها حتى أشارت والدتها أن تُبطئ قليلا حتى تفهم عليها ..

ودخلت عليهما أختها الصغيرة ووقفت على الكرسي وقبلت خد شيماء وأشارت بيديها أنها سعيدة لسعادتها ..

نظرت الأم الى الأفق فحمدت الله عز وجل أن تخلصت من محنتها وتتفاعل مع ابنتها وشردت بعينها نحو الماضي البعيد ..وبالتحديد قبل خمسة عشر عاما ..

 

***

ذلك البيت الذي فوجئ بولادة فتاة صماء .. لم يعرف ذلك سوى أمها وهي حديثة الولادة لم تكن تلتفت نحو الأصوات الموجهة إليها أو أصوات التي من خلفها .. أو حتى عندما كانت أمها تحاول تهدئتها عند بكائها كانت فقط تضع رأسها الصغير نحو صدرها وفي يوم ذهبت فيه الى مركز الصحة الأم والطفل وفُحص حينها سمعها فأجابوها بأن ابنتها صماء لا تستمع ذُهلت الأم إذ كيف تتصرف في هذه الحالة وأخبرت زوجها بالأمر ومع مرور الأيام أصيبت بالاكتئاب وعدم مقدرتها لتقبلها إذ كيف تلد فتاة صماء ..

وضعت ابنتها في مركز الرعاية الصحية للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وازداد اكتئاب الأم وعدم زيارتها لابنتها شهور عدة ...

أُخذت الأم للمشفى للرعاية النفسية حتى لا تتفاقم حالتها وتزداد سوءا وتبدأ بتعنيفها بدون سبب ...

أخذ الوالد يبحث عن حل لهذه المشكلة بعد أن تعب من ذهابه الة هنا وهناك حيث ابنته وزوجته ومشاكلها في كيفية تعاملها مع ابنتهما الصماء، وفي يوم وهو على مكتبه سمع استشاريًا يتحدث بالمذياع عن الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وذكر رقم هاتفه في آخر اللقاء ..

استبشر الوالد خيرًا واتصل بالرقم المذكور وحدد موعدًا له حتى يستشيره في ذلك وكيف يتعامل مع الأمر...

أصبح البيت فوضويًا بعد وضع ابنته في المركز وزوجته في المشفى ، وتوجه نحو المكتب وطرق الباب لم يرً بعينيه تلك التفاصيل الصغيرة التي يراها معظم الناس حين وصولهم لمكان ما .. فرأسه مليء بالأفكار والتساؤلات، وقلبه الفوضوي مثل بيته لا يعرف ما يفعل أو ما هو الحل الأنسب وجل تفكيره هو :

- كيف ألم شمل عائلتنا ..!

جلس طارق على الكرسي غير آبه لأناهُ ..

وبدا يُرتب أفكاره ليسمعها ذلك الاستشاري مرت ساعتان وهو يتحدث لم يُقاطع ذاك الاستشاري حديثه إلا أنه بقي يستمع إليه واضعا يدي على فمه ومحدقًا بعينيّ الجالس أمامه وفي يديه قلمًا يكتب رؤوس اقلام للمشكلة الموجه إليه فهو يعلم يقينًا من الكلمات التى سيلفظها طارق ستكون غير مرتبة ، فوضوية ، وغير متسلسلة ، وتعبر عن حالته النفسية بقي ذلك الاستشاري يحدق قي عينيّ طارق حتى انتهى من حديثه وعندما توقف عن الحديث تنفس يعمق وحوّل عينيه لأسفل وكأنه ينظر لحذائه لأول مرة بعد عدة شهور من الفوضى ...

ابتسم الاستشاري وسوى جلسته وأقام ظهره ثم قال بصوت منخفض وهادئ :

حسنا بعد حديثك عن مشكلتك خرجت ببعض النقاط المهمة والأساسية التي يجب علينا العمل عليها بسرعة قبل أن يتفاقم الوضع للأسوء وهذه النقاط :

- زرع اليقن والتوكل على الله

- تقبل ابنتك كما هي .

- التعلم أنت وأفراد أسرتك كيفية التواصل مع شخص ذوي احتياجات خاصة .

- توفير التكنلوجيا في البيت ليسهل التعامل مع ابنتك بالمستقبل .

§ استمع طارق لتلك النقاط باهتام بالغ قائلا لنفسه :

- صحيح ببساطة تامة نحن لم نتقبل ابنتنا كما هي ألي هذا من السخط ، أستغفرك يا الله ...

- استاذ طارق .. استاذ طارق

أدار طارق وجهه نحو الاستشاري الشاب معتذرًا له عن شرودة المفاجئ قائلا :

- نعم ، سأحاول التكلم مع زوجتي حول هذا الأمر

وضع سليم قلمه على المكتب وقام واقفًا وقال :

- إذا أردت أي مساعدة بهذا الشأن فيمكننا إرسال استشارية خاصة من مكتبنا تتولى هذه المهمة فنحن بالخدمة وكن دومًا على اتصال فينا لنعلمك بكل شيء جديد في التعامل مع ابنتك قلت لي ما اسمها ..

- أجاب طارق بسرعة شديدة شيماء .. شيماء

- اسم جميل .. أجاب سليم

قام طارق من مقعده وتوجه نحو الباب شاكرًا لسليم حسن انصاته واستماعه إليه واستودعه ورحل، ركب طارق سيارته وأخذ يقودها غير متوجه الى أي مكان كان فقط ينظر للأضواء الليلية واضعًا يده اليسرى في فيه ويده اليمنى على المقود ..

- سبحانك ربي .. كيف لم أجد اليقين في هذه المحنة .. كيف لم التمس الرضا .. يا الله عفوك ...

وتوقف على صخرة رمادية محدبة الشكل واضعا رجله عليها متأملا البحر وبأمواجه العالية وكأن عاصفة ألمت به كما هي افكاره توقف طارق توقف قرر فيه أن يرتب أفكاره وقلبه بعد شتات طويل ووضع في عقله أولويات ليباشر العمل فيها وركض مسرعا نحو سيارته وتوجه الى بيته يُرتبه بعد غياب زوجته حتى لم يعد فيه أي شيء فوضوي وأعد لنفسه طبقًا من البيض المقلي مع زيتون أخضر وأوراق من الزعتر البري المجفف يأكله صم اغتسل وهيأ نفسه وذهب لزوجته ليحادثها بدفئ وحنين ...

خرجت حنان من المشفى وبين ذراعيها ابنتها البكر شيماء وفتح طارق باب بيته الخشبي المُزخرف لزوجته وأدخلهما ..

جلست حنان على الكرسي تتأمل بيتها بهدوء وصفاء وكأنها غريبة عنه ولأول مرة تزروه فاعتلت بعينيها نظرات الاشتياق ..

- الحمد الله .. قالت حنان في عينيها دمعة لامست شغاف قلب زوجها

- فأخذ طارق تلك الدمعات بكفه الحنون ومسحها وقال : حنان هذا قضاء الله وقدره ويجب أن نتقبله لا أن نهرب منه بل نحمد الله عز وجل عليه ، فد يكون هذا الابتلاء منحة أعطانا إياها ليُنعم علينا بها في الآخرة أرجوك ِ لا تقنطي من رحمة الله ..

ولا تقلقي بكيفية التعامل معها فأنا على اتصال مع استشاري يوجهنا نحو الأفضل وفي كل مراحل سنين حياتها فأنا لا أود وضعها في ذلك المركز أريدها ـن تحيا معنا في عائلتنا وهنا في بيتها أرجوك ِ تحملي فهي لا ذنب لها سوى أن خُلقت بتلك الإعاقة عامليها كما هو اسمك ِ وسوف ترين نتاجها ...

أومأت حنان برأسها وحمدت الله عز وجل وعادت بها تلك الذكريات مع رؤيتها لابنتها تتواصل مع الآخرين بفرح وبهجة قلب صغير ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

@@إبنة علي

 

كيف يا بنتي !

وضعت فصلين الثاني عشر والثالث عشر :)

ركزي شويّ

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

هههه من كثر ما أنا مستعجلة ما شفت بس خلصوا بسرعه ^_____^ طماعة أنا ^___________^ الله يجزيك خير يا جميل

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم

متابعة بشوق

فكرت اني رح الاقي الرواية خلصت طلع لسة بدي اتابع

يلا حطيلي جزء هدية... :)

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×