اذهبي الى المحتوى
** الفقيرة الى الله **

~ معنى قوله تعالى: {أَحْسَنَ القَصَصِ} ~

المشاركات التي تم ترشيحها

fwasel19.png

 

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

 

فإنّ هذه الأسطر إنّما هي جواب عن سؤال يكثر طرحه حول قوله تبارك وتعالى:{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف:3].

 

فهل المراد بأحسن القصص سورة يوسف؟ وهل يعني ذلك أنّها أفضل من قصّة نوحٍ، وإبراهيم، وموسى عليهم السّلام ؟

فاعلم - أخي القارئ - أنّ قصّة يوسف عليه السّلام من أعظمِ وأحسنِ قصص القرآن الكريم، حتّى أضحت كثير من تفاصيلها معلومة لدى المسلمين، وكيف لا وقد تناولتها سورة بكاملها، من أوّلها إلى آخرها، على خلاف غيرها من قصص الأنبياء ؟

 

وقد قال كثير من أهل العلم: "وفي هذه القصّة من العبر والفوائد والحِكم ما يزيد على ألف فائدة، لعلّنا إن وفّق الله أن نُفردها في مصنّف مستقلّ" ["الجواب الكافي" (ص 322) لابن القيّم رحمه الله].

 

فقد تضمّنت هذه السّورةُ:

 

- الدّعوةَ إلى الله عزّ وجلّ.

- والمشاقّ الّتي لا يَسْلَم منها طريقٌ، فكيف بالطّريق إلى الخلود؟

- وبيان فضل التمسّك بالله وشريعته وقت المحن.

- كما تحدّثت عن محاسن الأخلاق كالعفو والصّفح، والعفاف، وحسن العشرة، والصّدق، والجوار الحسن، وبرّ الوالدين، والشّفقة على الإخوان.

- وغير ذلك من قواعد السّلوك، وسير الملوك، ومواقف الشّرفاء ومنهج العلماء.

- وتحدّثت عن العدل والقِسط، وحسن الرّعاية والتّدبير.

 

وقد أعجز الله بها كلّ قاص، ولم يترك له أيّ مناص، حيث ذكر الله قصصَ الأنبياء في القرآن، وكرّرها بمعنى واحد، في وجوه مختلفة، بألفاظ متباينة، في أعلى درجات البلاغة، وقد ذكر قصّة يوسف عليه السّلام ولم يكرّرها، فلم يقدِر مخالفٌ على معارضة ما تكرّر، ولا على معارضة ما لم يتكرّر.

fwasel193.png

ولكن، ليس المراد من قوله تعالى: {أَحْسَنَ القَصَصِ} سورة يوسف على وجه الخصوص؛ وذلك من وجوه:

 

الوجه الأوّل: أنّ الحُسن هنا متعلّق بقصص القرآن عامّة:

بدليل قوله تعالى:{بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ}، أي: بسبب ما أوحينا به إليك من هذا القرآن، وكان ذلك مقدّمةً بين يدي سورة يوسف، حتّى تقبل النّفوس لتدبرّها، والقلوب للأخذ بمواعظها.

 

الوجه الثّاني: سبب النّزول يدلّ على أنّ المراد بالحُسن قصص القرآن جميعه:

فقد جاءت هذه القصّة يوم أراد المسلمون أن يُنصِتوا إلى قصص الأوّلين، فأنزلها الله تعالى وكأنّه يقول لا قصَصَ أفضلُ من قصصِ القرآن.

 

روى ابن حبّان في "صحيحه"، وابن جرير الطّبريّ، والحاكم عن سَعْدِ بنِ أبي وقّاص رضي الله عنه قال: "أنزل الله القرآنَ على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فتلاه عليهم زمانا، فقالوا: يا رسول الله، لو قصصت علينا؟ فأنزل الله تعالى قوله:{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}.

قال: ثمّ تلاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زمانا، فقالوا: يا رسول الله، لو حدّثتنا؟ فأنزل الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا...} [الآية من الزّمر: 23].

 

قال الحاكم:"صحيح الإسناد "، وأقرّه الذّهبيّ، وصحّحه الشّيخ مقبل بن هادي في "الصّحيح المسند من أسباب النّزول" (ص 136).

 

والشّاهد من هذا الحديث:

أ) أنّه أجابهم بأنّ أحسن القصص هو قصص القرآن عموما.

ب) حين سألوه عن أحسن الحديث، أنزل آية الزّمر، ولا يمكن أن يقول قائل: إنّ سورة الزّمر هي أحسن الحديث!

 

الوجه الثّالث: المناسبة تدلّ على العموم.

فإنّ سورة يوسف العظيمة جاءت بعد سورة هود عليه السّلام، وفي آخرها قوله تعالى: {وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود:120]، فذكر هذه القصّة لأنّها من جملة أنباء الرّسل، الّتي هي كلّها من أحسن القصص.

 

الوجه الرّابع: التّفضيل نسبيّ.

فأحسن القصص في شأن نوحٍ عليه السّلام هو قصص القرآن الكريم، وأحسن القصص في شأن إبراهيم وموسى ويوسف وغيرهم هو قصص القرآن، وأحسن القصص في باب الكرم، والصّدق، والصّبر، والجهاد، والدّعوة، وغير ذلك هو قصص القرآن الكريم.

 

قال العلاّمة الطّاهر بن عاشور رحمه الله:

 

" فكلّ قصص في القرآن هو أحسنُ القصصِ في بابه، وكلّ قصّة في القرآن هي أحسنُ من كلّ ما يقصّه القاصّ في غير القرآن. وليس المراد أحسن قصص القرآن حتّى تكون قصّة يوسف عليه السّلام أحسن من بقيّة قصص القرآن؛ كما دلّ عليه قوله:{بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا القُرْآنَ}، والباء في:{بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} للسببيّة "اهـ.

 

الحاصل: أنّ أحسن القصص هو قصص القرآن كلّه، لا سورة يوسف بعينها، ومن بين قصص القرآن هي من أحسنه وأعظمه، والله أعلم.

fwasel193.png

( فائدة )

 

ليس في وصف النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأنّه {مِنَ الغَافِلِينَ} ذمٌّ له، بل هو بيان للواقع الّذي كان عليه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبل نزول الوحي، والغفلة نوعان:

 

أ‌) غفلة إعراض: وهذه لا شكّ في ذمّها، لأنّها ترك الشّيء بعد العلم به، كما قال تعالى:{أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: من الآية 179]، وقال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:{وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: من الآية 205].

 

ب‌) غفلة بمعنى الجهل والذّهول عن الشّيء: وهذا لا يسلَمُ منه أعلمُ أهل الأرض، ولكنّ الله لم يشأ أن يصفَ نبيّه صلّى الله عليه وسلّم بالجهل تشريفا لمقامه.

 

قال العلاّمة القاسميّ رحمه الله في " محاسن التّأويل " (6/197):" والتّعبير عن عدم العلم بالغفلة؛ لإجلال قدر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم "اهـ.

 

وانظر كيف سمّى الله تعالى الغفلةَ عن الشّيء جهلاً في حقّ غيره، فقال عزّ وجلّ: {يَحْسَبُهُمْ الجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ}.

 

ومثل هذه الآية قوله تعالى:{وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى}، ضالاّ أي: تبحث عن الحقيقة؛ ولذلك امتنّ الله على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم فقال: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52]، وقال له: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [النساء: من الآية113].

 

والله تعالى أعلم، وأعزّ وأكرم، وهو الهادي للّتي هي أقوم.

 

-عبد الحليم توميات-

fwasel192.png

  • معجبة 3

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

 

جزاكِ الله خيراً يا حبيبه

جعله الله في ميزان حسناتك و نفع الله بكِ و بما تقدمين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

بارك الله فيك وجزاك خيرا

 

وجعله فى ميزان حسناتك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،،

 

إضافة قيمة جدًا..

لم أكن صراحة لأقف عندها ولا حتى خطر على بالي مثل هذا السؤال.

 

كما تعجبني جدًا لفتات العلامة الطاهر بن عاشور -رحمه الله-.

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

حياكنّ الله يا حبيبات ~

وفيكنّ بارك الرحمن وجزانا وإياكنّ خيرا

 

سرّني مروركنّ الكريم.. أسعد الله قلوبكنّ بكل خير

بوركتن ()

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بارك الله فيك و جزاك الله خيرا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

جزاكِ الله خيرا على هذه المعلومات القيّمة

 

نفع الله بكِ وجعلها الله في ميزان حسناتك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

 

جزاكِ الله خيرًا يا غالية على الفائدة القيمة

جعلها الله في ميزان حسناتك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكِ

جزاكِ الله خيرًا يا حبيبة ونفع بكِ

()

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

جزاكِ الله خيراً ونفع بكِ...

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×