اذهبي الى المحتوى
~ أم العبادلة ~

شرح حديث: بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي ...

المشاركات التي تم ترشيحها

قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا . رواه مسلم

 

( بادروا بالأعمال ) وبادروا : يعني أسرعوا إليها ؛ والمراد الأعمال الصالحة ؛ والعمل الصالح ما بني على أمرين : الإخلاص لله ، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله ،وأن محمد رسول الله ، فالعمل الذي ليس بخالص ليس بصالح ، لو قام الإنسان يصلي ؛ ولكنه يرائي الناس بصلاته ، فإن عمله لا يقبل ؛ حتى لو أتى بشروط الصلاة ، وأركانها ، وواجباتها ، وسننها ، وطمأنينتها ، وأصلحها إصلاحاً تاماً في الظاهر ، لكنها لا تقبل منه ، لأنها خالطها الشرك ، والذي يشرك بالله معه غيره لا يقبل الله عمله ، كما في الحديث الصحيح ؛ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( قال الله تعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك ) يعني إذا أحد شاركني ؛ فأنا غني عن شركه ، ( من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه )(1) . كذلك أيضاً : لو أن الإنسان أخلص في عمله ، لكنه أتى ببدعة ما شرعها الرسول عليه الصلاة والسلام ؛ فإن عمله لا يقبل حتى لو كان مخلصاً ، حتى لو كان يبكي من الخشوع ، فإنه لا ينفعه ذلك ؛ لأن البدعة وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها ضلالة ، فقال: فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة )(2) .

 

ثم قال : ( فتناً كقطع الليل المظلم ) أخبر أنه ستوجد فتن كقطع الليل المظلم ـ نعوذ بالله ـ يعني أنها مدلهمة مظلمة ؛ لا يرى فيها النور والعياذ بالله ، ولا يدري الإنسان أين يذهب ؛ يكون حائراً ، ما يدري أين المخرج ، أسأل الله أن يعيذنا من الفتن .

 

والفتن منها ما يكون من الشبهات ، ومنها ما يكون من الشهوات ، ففتن الشبهات : كل فتنة مبنية على الجهل ، ومن ذلك ما حصل من أهل البدع الذين ابتدعوا في عقائدهم ما ليس من شريعة الله ، أو أهل البدع الذين ابتدعوا في أقوالهم وأفعالهم ما ليس من شريعة الله ، فإن الإنسان قد يفتن ـ والعياذ بالله ـ فيضل عن الحق بسبب الشبهة .

 

ومن ذلك أيضاً : ما يحصل في المعاملات من الأمور المشتبهة التي هي واضحة في قلب الموقن ، مشتبهة في قلب الضال والعياذ بالله ، تجده يتعامل معاملة تبين أنها محرمة ، لكن لما على قلبه من رين الذنوب ـ نسأل الله العافية ـ يشتبه عليه الأمر ، فيزين له سوء عمله ، ويظنه حسناً ، وقد قال الله في هؤلاء : ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) ( الكهف: 103،104 )، فهؤلاء هم الأخسرون والعياذ بالله .

 

وتكون الفتن ـ أيضاً ـ من الشهوات ، بمعنى أن الإنسان يعرف أن هذا حرام ، ولكن لأن نفسه تدعوه إليه فلا يبالي النبي صلي الله عليه وسلم بل يفعل الحرام ، ويعلم أن هذا واجب ، لكن نفسه تدعوه للكسل فيترك هذا الواجب ، هذه فتنة شهوة ، يعني فتنة إرادة ، ومن ذلك أيضاً ـ بل من أعظم ما يكون ـ فتنة شهوة الزنا أو اللواط والعياذ بالله ، وهذه من أضر ما يكون على هذه الأمة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء )(3) وقال : ( اتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء )(4) ، ولدينا الآن ـ وفي مجتمعنا ـ من يدعو إلى هذه الرذيلة ـ والعياذ بالله ـ بأساليب ملتوية ، يلتوون فيها بأسماء لا تمت إلى ما يقولون بصلة ، لكنها وسيلة إلى ما يريدون ؛ من تهتك لستر المرأة ، وخروجها من بيتها لتشارك الرجل في أعماله ، ويحصل بذلك الشر والبلاء ، ولكن نسأل الله أن يجعل كيدهم في نحورهم ، وأن يسلط حكامنا عليهم ؛ بإبعادهم عن كل ما يكون سبباً للشر والفساد في هذه البلاد ، ونسأل الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يوفق لحكامنا بطانة صالحة ؛ تدلهم على الخير ، وتحثهم عليه .

 

إن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ، وهي أعظم فتنة ، وهناك أناس الآن يحيكون كل حياكة من أجل أن يهدروا كرامة المرأة ، من أجل أن يجعلوها كالصورة ، كالدمى ، مجرد شهوة وزهرة يتمتع بها الفساق والسفلاء من الناس ، ينظرون إلى وجهها كل حين وكل ساعة والعياذ بالله ، ولكن ـ بحول الله ـ أن دعاء المسلمين سوف يحيط بهم ، وسوف يكبتهم ويردهم على أعقابهم خائبين ، وسوف تكون المرأة السعودية ـ بل المرأة في كل مكان من بلاد الإسلام ـ محترمة مصونة ، حيث وضعها الله عز وجل .

 

المهم أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ حذرنا من هذه الفتن التي هي كقطع الليل المظلم ، يصبح الإنسان مؤمناً ويمسي كافراً ، والعياذ بالله . يوم واحد يرتد عن الإسلام ، يخرج من الدين ، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً . نسأل الله العافية . لماذا ؟ ( يبيع دينه بعرض من الدنيا ) ولا تظن أن العرض من الدنيا هو المال ، كل متاع الدنيا عرض، سواء مال ، أو جاه أو رئاسة ، أو نساء ، أو غير ذلك، كل ما في الدنيا من متاع فإنه عرض ، كما قال تعالى : ( تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ) ( النساء: 94 ) فما في الدنيا كله عرض .

 

فهؤلاء الذين يصبحون مؤمنين ويمسون كفاراً ، أو يمسون مؤمنين ويصبحون كفاراً ، كلهم يبيعون دينهم بعرض من الدنيا ، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من الفتن . واستعيذوا دائماً يا أخواني من الفتن ، وما أعظم ما أمرنا به نبينا عليه الصلاة والسلام ، حيث قال : ( إذا تشهد أحدكم ـ يعني التشهد الأخير ـ فليستعذ بالله من أربع ، يقول : اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر فتنة المسيح الدجال )(5) نسأل الله أن يثيبنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة .

 

الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى

شرح رياض الصالحين » المجلد الثاني »باب المبادرة إلى الخيرات

 

__________________

(1) أخرجه مسلم ، كتاب الزهد ، باب من أشرك في عمله غير الله ، رقم (2985) .

(2) أخرجه أبو داود ، كتاب السنة ، باب في لزوم السنة ،رقم (4607) والترمذي ، كتاب العلم ، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع ، رقم ( 2676) ، وابن ماجه في المقدمة ، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين ، رقم (42) ، وأحمد في المسند (4/126 ، 127) . وقال الترمذي :حسن صحيح .

(3) أخرجه البخاري ، كتاب النكاح ، باب ما يتقي من شؤم المرأة ، رقم (5096) ، ومسلم ، كتاب الرقاق ، باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء ، رقم ( 2740) .

(4) أخرجه مسلم ، كتاب الرقاق ، باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء رقم (2742) .

(5) أخرجه مسلم بهذا اللفظ ، كتاب المساجد ، باب ما يستعاذ منه في الصلاة ، رقم (588) .

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بارك الله فيك وجزاك خيرا

نسأل الله أن يقينا شر الفتن الظاهرة والباطنة .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

جزاكِ الله خيرًا

نسألُ الله الثبات

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بارك الله فيك أم العبادلة الحبيبة وجزاك خيرا

نسأل الله أن يقينا شر الفتن الظاهرة والباطنة .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

 

جزاك الله خيرا يا غالية

ونعوذ بالله من الضلال بعد الهداية

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

جزاكِ الله خيرًا أختي الحبيبة أم العبادلة وباركَ فيكِ

نسأل الله ان يقينا شر الفتن الظاهرة منها والباطنة و

أن يثبتنا على ديننا

تم تعديل بواسطة نورُ الفجرْ

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بارك الله فيك

 

نسال الله عز وجل ان يجنبنا الفتن ماظهر منها ومابطن

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

 

جزاكِ الله خيرًا أختي الحبيبة

نسأل الله عز و جل أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها و ما بطن أن يثبت قلوبنا على دينه

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

الله المستعان

صرنا نرى ذلك بام اعيننا اليوم

صدق الذي لا ينطق عن الهوى

اللهم يا مقلب القلوب و الابصار ثبت قلوبنا على دينك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بارك الله فيك وجزاك خيرا

نسأل الله أن يقينا شر الفتن الظاهرة والباطنة .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

اللهم بصرنا بالحق وارزقنا اتباعه

 

واكفنا شر الفتن ..ما ظهر منها وما بطن

 

ولاتوفنا ياربنا إلا وأنت راضٍ عنا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

اللهم بصرنا بالحق وارزقنا اتباعه

 

واكفنا شر الفتن ..ما ظهر منها وما بطن

 

ولاتوفنا ياربنا إلا وأنت راضٍ عنا

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام و رحمة الله وبركاته

 

نسأل الله أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وبطن وأن يجعل لنا فرقاناً

بارك الله فيكِ يا حبيبة

تم تعديل بواسطة دندنتي

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

جزاكِ الله خيرا حبيبتي أم العبادلة

نسأل الله أن يثيبنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة .

اللهم آمين

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

  • محتوي مشابه

    • بواسطة وأشرقت السماء
      التوفيق بين حديث: بدأ الإسلام غريبا، وحديث: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار



      قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ) . ويقول صلى الله عليه وسلم : " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر " أريد أن أعرف كيف سيعود الإسلام غريبا وكيف أنه سيدخل كل بيت؟ وأرجو شرحا بسيطا لكل من الحديثين. وجزاكم الله خيرا


       



       

      الإجابــة



      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:



      فإن الحديث الأول صحيح، ولفظه كما في صحيح مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ غريباً، فطوبى للغرباء. ومعناه كما قال شراح الحديث: بدأ الإسلام غريباً.. أي في آحاد من الناس وقلة ثم انتشر وظهر، وسيعود كما بدأ.. أي وسيلحقه النقص والاختلال حتى لا يبقى إلا في آحاد وقلة أيضاً كما بدأ.






       

      والحديث الثاني صحيح أيضا، ولفظه كما في مسند الإمام أحمد عن تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم : ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر. قال الألباني: رواه جماعة منهم الإمام أحمد وابن حبان والحاكم وصححه ثم قال . فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهارإلى آخر الحديث .


       
       

      والحديث معناه واضح فالمراد بقوله صلى الله عليه وسلم: هذا الأمر أي الإسلام ، أي أنه سيبلغ ما بلغ الليل والنهار وهي الأرض كلها ، وقوله بعز عزيز إلى آخره أي أن من أسلم يعزه الله ويعز به الإسلام، ومن امتنع أذله الله تعالى بالصغار والجزية ويذل به الكفر، ففي مسند الإمام أحمد عن تميم الداري راوي الحديث : وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ، يَقُولُ: " قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمُ الْخَيْرُ وَالشَّرَفُ وَالْعِزُّ، وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِرًا الذُّلُّ وَالصَّغَارُ وَالْجِزْيَةُ "


       
       

      وقال الألباني في كتابه تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد : أن الظهور المذكور في الآية لم يتحقق بتمامه وإنما يتحقق في المستقبل، ومما لا شك فيه أن دائرة الظهور اتسعت بعد وفاته صلى الله عليه وسلم في زمن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم ولا يكون التمام إلا بسيطرة الإسلام على جميع الكرة الأرضية، وسيتحقق هذا قطعا لإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك . انتهى.


       

      أما وجه الجمع بين معنى الحديثين فما وعد به الله ورسوله من انتشار الإسلام وظهوره كائن لا محالة، فمنه ما حصل بالفعل وما لم يقع فسيحصل لا محالة ، وغربة الإسلام لا تتنافى مع هذا الظهور لأن المراد بها كما ذكر أهل العلم أنها تحصل في بعض الأزمنة وفي بعض الأمكنة ثم يظهرالإسلام وينتشر بعد ذلك ، ويحتمل أن المراد بالغربة في قوله صلى الله عليه وسلم . وسيعود غريبا كما بدأ، غربته في آخر الزمان قرب قيام الساعة وانتهاء الدنيا.


       

      ففي مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: وقوله صلى الله عليه وسلم {ثم يعود غريبا كما بدأ} يحتمل شيئين: أحدهما أنه في أمكنة وأزمنة يعود غريبا بينهم ثم يظهر كما كان في أول الأمر غريبا ثم ظهر. ولهذا قال {سيعود غريبا كما بدأ} . وهو لما بدأ كان غريبا لا يعرف ثم ظهر وعرف فكذلك يعود حتى لا يعرف ثم يظهر ويعرف. فيقل من يعرفه في أثناء الأمر كما كان من يعرفه أولا.


       




       
       

      ويحتمل أنه في آخر الدنيا لا يبقى مسلما إلا قليل. وهذا إنما يكون بعد الدجال ويأجوج ومأجوج عند قرب الساعة. وحينئذ يبعث الله ريحا تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة ثم تقوم القيامة. وأما قبل ذلك فقد قال صلى الله عليه وسلم {لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة} . وهذا الحديث في الصحيحين ومثله من عدة أوجه. فقد أخبر الصادق المصدوق أنه لا تزال طائفة ممتنعة من أمته على الحق أعزاء لا يضرهم المخالف ولا خلاف الخاذل. فأما بقاء الإسلام غريبا ذليلا في الأرض كلها قبل الساعة فلا يكون هذا. وقوله صلى الله عليه وسلم {ثم يعود غريبا كما بدأ} أعظم ما تكون غربته إذا ارتد الداخلون فيه عنه، وقد قال تعالى {من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم} . فهؤلاء يقيمونه إذا ارتد عنه أولئك. وكذلك بدأ غريبا ولم يزل يقوى حتى انتشر. فهكذا يتغرب في كثير من الأمكنة والأزمنة ثم يظهر حتى يقيمه الله عز وجل كما كان عمر بن عبد العزيز لما ولي قد تغرب كثير من الإسلام على كثير من الناس حتى كان منهم من لا يعرف تحريم الخمر. فأظهر الله به في الإسلام ما كان غريبا. وفي السنن: {إن الله يبعث لهذه الأمة في رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها} . والتجديد إنما يكون بعد الدروس وذاك هو غربة الإسلام. وهذا الحديث يفيد المسلم أنه لا يغتم بقلة من يعرف حقيقة الإسلام ولا يضيق صدره بذلك، ولا يكون في شك من دين الإسلام كما كان الأمر حين بدأ. قال تعالى: {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك} إلى غير ذلك من الآيات. انتهى.


       

      والله أعلم.


       

      إسلام ويب



      http://www.islamweb....twaId&Id=180077

       
       



       
       



    • بواسطة ~ كفى يا نفس ~
      بسم الله الرحمن الرحيم
       

       
      السؤال
       
      عن جندب بن عبد اللَّه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة اللَّه فلا يطلبنكم اللَّه من ذمته بشيء؛ فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم> رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
      لقد قرأت شرح الحديث في أكثر من مصدر كشرح الإمام النووي ، وتحفة الأحوذي ؛ غير أن المعاني بقيت غامضة رغم شروحهم
      أرجو بيان شرح الحديث من قوله عليه الصلاة والسلام : فلا يطلبنكم اللَّه من ذمته بشيء؛ فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم
      لقد توجهت إليكم لبيان المعنى لأني أعرف تعمقكم في العلم، ولأن موقعكم - خصوصا قسم الفتوى - من أهم المواقع على شبكة الإنترنت
      لا أريد شرحا عائما لا يوضح المعنى بل أريد شرحا متعمقا يسبر غور مراده صلى الله عليه وسلم . علما بأن شرحكم سيعرض على كبار طلبة العلم.
       
      الإجابــة
       
      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
      فمعنى الحديث واضح جلي وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم يحذر الناس من أذية المسلم المؤدي لصلاة الفجر ويبين لهم أن من أداها فقد دخل في ذمة الله أي في ضمانه وحمايته وأمانه. وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث : فهو في ذمة الله .
      وأما قوله عليه الصلاة والسلام : فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء . فهو نهي وتحذير عن أذية من هو في أمان الله وحمايته لأن أذيته تعتبر في الحقيقة اعتداء على الله ونقضاً لأمانه الذي وهبه لهذا المصلي، ومن نقض عهد الله واعتدى عليه فقد عرض نفسه لمحاربة الله، والله ينتقم لمن أوذي وهو في جواره وأمانه ، ونضرب لذلك مثلاً ولله المثل الأعلى فنقول : لو أن شخصاً جاء إلى رئيس قبيلة وطلب منه الأمان وأمنه فحينئذ من اعتدى عليه فقد اعتدى على مؤمنه وهو رئيس القبيلة وحينها سيقوم رئيس القبيلة بالإنتقام له ممن اعتدى عليه؛ إلا أنه قد يقدر على معاقبته وقد لا يقدر. أما الله جل جلاله فإنه يقدر على الانتقام ممن اعتدى على من هو في جواره وأمانه ولا يحول بينه وبينه أحد، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ومن يطلبه من ذمته بشيء يدركه . وإذا أدركه فعقابه هو كبه في النار على وجهه ما لم يتب أو يعفو عنه سبحانه .
      والله أعلم .
       

      http://www.islamweb....atwaId&Id=70445
    • بواسطة زهرة نسرين
      الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم
       
       
      عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:-


       

      ((مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم ، كمثل الغيث الكثير ، أصاب أرضا ، فكان منها نقية قبلت الماء ، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله بها الناس ، شربوا منها ، وسقوا ورعوا ، وأصاب طائفة منها أخرى ، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ، ولا تنبت كلأ ، فذلك مثل من فقه في دين الله ، ونفعه ما بعثني الله به ، فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به))



      الراوي: أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 5855
      خلاصة حكم المحدث: صحيح
       
      الراوي هو الصحابي الجليل ، الإمام الكبير ، عبد الله بن قيس بن سليم ، أبو موسى الأشعري ، الفقيه ، المقرئ ، أقرأ أهل البصرة ، وأفقههم في الدين ، دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه ، وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريماً) (رواه البخاري باب غزاة أوطاس 8/41 ومسلم باب فضائل أبي موسى برقم 2498)


       

      فقد أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى ناحية في اليمن ، يدعو الناس ويعلمهم ويفقههم في الدين ، هاجر إلى الحبشة ، وقدم منها ليالي خيبر ، وشارك فيما بعدها من الغزوات ، قال الذهبي : وقد كان أبو موسى صواماً قواماً ربانياً زاهداً عابداً ، ممن جمع العلم والعمل والجهاد وسلامة الصدر ، لم تغيره الإمارة ولا اغتر بالدنيا . توفي رضي الله عنه سنة اثنتين وأربعين ، وقيل سنة ثلاث وأربعين. (سير أعلام النبلاء 2/380 ، وتهذيب التهذيب 5/249)


       

      معاني الكلمات:



      والهدى: هو الدلالة الموصلة إلى المطلوب.
      ونقية: بفتح النون وكسر القاف وتشديد الياء ، والمراد بها سهلة طيبة.
      والكلأ: بالهمزة بلا مد ، وهو النبات الرطب واليابس ، أما العشب فهو الرطب دون اليابس .
      و أجادب: جمع جدب ، وهي الأرض الصلبة التي لا ينضب منها الماء.
      فنفع الله بها: أي بالأرض الأجادب التي أمسكت الماء.
      وزرعوا: وفي رواية ( ورعوا ) من الرعي ، قال النووي : وكلاهما صحيح.
      قيعان: بكسر القاف ، جمع قاع ، وهي : الأرض المستوية الملساء التي لا تنبت.
      ومثل من لم يرفع بذلك رأساً: كناية عمن جاءه العلم فلم يحفظه ولم يعمل به ولم ينقله إلى غيره.



      من أحكام الحديث :



      1ـ العلم الشرعي : وهو العلم المستنبط من الكتاب والسنة وما يتعلق بهما رأس العلوم وأفضلها ، حري بأن يتسابق إليه الجادون والحريصون استجابة لترغيب الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ، فجعل أهل الفقه في الدين كالغيث الذي نفع الأرض فاستفاد منه الناس ، يقول تعالى : (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)، (سورة الزمر آية 9). ويقول سبحانه مادحاً أهل العلم الذين هم أهل خشية الله : (إنما يخشى الله من عباده العلماء) (سورة فاطر آية 28) ويقول صلى الله عليه وسلم: (فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب). (رواه أبو داود في السنن ، كتاب العلم ، باب الحث على طلب العلم 2/341 ، رقم الحديث (3641) ، والترمذي ، كتاب العلم باب ما جاء في فضل الفقه 5/46 ، رقم الحديث (2681) .



      2ـ لا غنى لأي مسلم عن العلم ، إذ به يعرف دينه ، وكيف يؤدي عبادة ربه ، وكيف تقوم علاقته مع الناس ، فحاجة الناس للعلم أشد من حاجتهم إلى المطر ، وما ارتفع فرد أو أفراد إلا بالعلم ، وقد تضافرت النصوص الشرعية على ذلك.



      3ـ الرسول صلى الله عليه وسلم معلم البشرية ، وإمام المعلمين يعطي درساً في أسلوب التعليم ، ذلكم هو ضرب الأمثال لتقريب الفكرة لدى السامعين ، فالرسول صلى الله عليه وسلم هنا يشبه الناس بالأرض ، ويشبه العلم بالغيث ، والناس يعرفون عمل الغيث بالأرض ويعيشونه . فعلي المعلم والمربي أن يسلك الأساليب المقربة للعلم لدى أبنائه وطلابه.



      4ـ قدرات الناس مختلفة ، وتقبلهم متفاوت ، ولذلك كانوا أقساماً في تقبلهم للعلم ، وعلى المسلم أن يحرص أن يكون من القسم الأعلى الذي يستقبل العلم ويعمل به وينشره بين الناس.



      5ـ جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الناس في تقبلهم للعمل ثلاث درجات:
      أـ الدرجة الأولى : من تقبل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وعلمه وعمل بما فيه ، وعلم الناس ، فهؤلاء هم أفضل الناس لأنهم انتفعوا في أنفسهم ونفعوا غيرهم.
      ب ـ الدرجة الثانية: من تقبل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وحمله إلى الناس فانتفعوا به ، لكنه لم يتفقه فيه ، وقل اجتهاده في العمل به.
      ج ـ الدرجة الثالثة: من لم يستفد مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يعمل به أو ينقله إلى الناس ، وهؤلاء مذمومون على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم.


       

      م/ن


    • بواسطة وأشرقت السماء
      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
       
      شرح حديث الأترجة



      بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصَحْبه وسلَّم.


       

      الحمد لله على خصوص الْمِنَح وعموم النعماء، وله الشكر على ما أَوْلَى من عظائم الْمِنَن وكرائم الآلاء.


       

      وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله جلَّتْ نعوتُه عن الإحصاء، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله سيِّد الرُّسل وخاتَم الأنبياء.


       

      محمد المنتخب من لُباب العرب العرباء، ونبيُّه المنتجَب من أعلى سَنام الذِّروة العلياء، صلى الله عليه وعلى جميع عِترته الطاهرة، وصحابته الأنجم الزاهرة، وأهل بيته النُّجباء.


       

      الحديث:



      عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَثَلُ المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأُتْرُجَّة؛ ريحُها طيِّب وطعمُها طيِّب، ومَثَل المؤمن الذي لا يقرأ القرآنَ مثَل التمرة؛ لا ريحَ وطعمُها حُلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الرَّيحانة؛ ريحُها طيِّب وطعمُها مُرٌّ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة؛ ليس لها ريحٌ وطعمُها مُرٌّ))؛ رواه مسلم.


       

      هذا مثل يَضربه النبي - صلى الله عليه وسلم - يقسِّم فيه الناسَ وعلاقتهم بالقرآن؛ قال النووي في شَرْحه على صحيح مسلم: "هذا الحديث فيه فضيلة حافظ القرآن، واستحباب ضَرْب الأمثال لإيضاح المقاصد".


       

      ورَدَ في "مختار الصحاح": "الأُتْرُجَّة والأُتْرُج بضمِّ الهمزة والراء، وتشديد الجيم فيهما، وحكى أبو زيد تُرُنْجَة وتُرُنْجٌ.



      ،،،،،


       

      والأُتْرُجَّة: ثمرة طيِّبة المذاق، طيِّبة الريح، ويبدو أنها غالية الثمن.


       

      ولكن يبقى سؤال: لماذا شبَّه النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤمن قارئ القرآن بالأُتْرُجَّة؟!


       

      قال الحافظ ابن حجر في شَرْحه على صحيح البخاري:


       

      "قيلَ: الحكمة في تخصيص الأُتْرُجَّة بالتمثيل دون غيرها من الفاكهة التي تجمعُ طيب الطعم والريح كالتفاحة؛ لأنه يُتداوَى بقِشْرها وهو مُفْرِح بالخاصِّيَّة، ويُستخرَج من حَبِّها دُهنٌ له منافع، وقيل: إنَّ الجنَّ لا تقْرَب البيت الذي فيه الأُتْرُج؛ فناسَبَ أن يُمثِّل به القرآن الذي لا تقرَبه الشياطين، وغلاف حَبِّه أبيض، فيناسِب قلب المؤمن، وفيها أيضًا من المزايا كِبر جِرْمها، وحُسن مَنظرها، وتفريح لونها، ولِين مَلْمَسها، وفي أكلها مع الالتذاذ طيبُ نَكْهة، ودباغ مَعِدة، وجودة هَضْمٍ، ولها منافعُ أخرى مذكورة في المفردات".


       

      يقسِّم النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الناس أربعة أقسام في علاقتهم بالقرآن:


       

      القسم الأول: المؤمن الذي يقرأ القرآن ويُفهم من ذلك أنه يعملُ بما يقرأ، وينفذ أوامره، ويصير خُلقه القرآن؛ كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - خُلقه القرآن؛ كما حدَّثَتْ بذلك عائشة، قالتْ: "كان خُلقه القرآن، كان قرآنًا يمشي على الأرض"، ومعناه: أنَّ القرآن قد تمثَّل في شَخْص النبي - صلى الله عليه وسلم.


       

      أما القسم الثاني، فهو المؤمن الذي لا يقرأ القرآن؛ أي: إنه يعمل بما في القرآن لكنَّه لا يتلوه، فمثله مَثَل التمرة؛ طعمها حلو ولا رِيحَ لها، ولاختيار التمرة هنا معنًى بديع: وهو أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قد شبَّه المؤمن بالنخلة بجامع كَثَرة الفوائد بينهما؛ قال ابن عمر: "كنَّا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتى بجُمَّار، فقال: ((إنَّ من الشجر شجرة مَثَلها كمَثَل المسلم))، فأردتُ أن أقول: هي النخلة، فإذا أنا أصغر القوم، فسكتُّ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((هي النخلة))؛ رواه البخاري.


       

      قال صاحب تُحفة الأحوذي:



      "ووجْه الشَّبَه بين النخلة والمؤمن من جهة عدم سقوط الوَرَق ما رواه الحرث بن أسامة في هذا الحديث من وجهٍ آخرَ عن ابن عمر ولفظه، قال: "كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، فقال: ((إنَّ مثَلَ المؤمن كمثل شجرة لا تسقط لها أُنْمُلَة، أتدرون ما هي؟))، قالوا: لا، فقال: ((هي النخلة، لا تسقط لها أُنْمُلة، ولا تسقط لمؤمن دعوة)).


       

      ووقَعَ عند البخاري في الأطعمة من طريق الأعْمَش، قال: حدَّثني مُجاهد عن ابن عمر، قال: "بينا نحن عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ أتَى بجُمَّار، فقال: ((إنَّ من الشجر لَمَا بركته كبركة المسلم))، وهذا أعمُّ من الذي قبله.


       

      وبركة النخل كامنة في جميع أجزائها، مستمرَّة في جميع أحوالها، فمن حين تطلُع إلى أن تيبسَ تؤكل أنواعًا، ثم بعد ذلك ينتفع بجميع أجزائها، حتى النَّوَى في عَلف الدَّوَاب، والليف في الحبال، وغير ذلك مما لا يخفى، وكذلك بركة المؤمنِ عامَّة في جميع الأحوال، ونفعُه مستمرٌّ له ولغيره، حتى بعد موته"؛ تحفة الأحوذي، ج 8، ص 135.


       

      القسم الثالث: المنافق الذي يقرأ القرآن، فهو لا يعمل به ويتظاهر أمام الناس أنه مؤمنٌ، فهو في ذلك مثل الريحانة لها رائحة وطعمها مُرٌّ.


       

      القسم الرابع: المنافق الذي لا يقرأ القرآن، شبَّهه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحنظلة، وفيها ما فيها من المذاق المرِّ؛ ولذا قال: ((لا رائحة لها، وطعمها مُرٌّ))، وفي رواية للترمذي: ((رِيحُها مُرٌّ وطعمُها مُرٌّ))، واستشكلتْ هذه الرواية من جهة أنَّ المرارة من أوصاف الطعوم،


       

      فكيف يوصف بها الريحُ؟! والإجابة بأنَّ الريح لَمَّا كان كريهًا، اسْتُعيرَ له وصْفُ (المرارة).



      الألوكة



    • بواسطة ام خطاب 79
      معنى حديث: (من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه ..)
       
       
      يروي لنا الحاكم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ويقول فيه: إنه صحيح الإسناد، وعليه مسحة النبوة وطابعها، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه )، من قرأ القرآن وحفظه، واكتمل له حفظه، وأصبح في صدره محفوظاً فقد جعل النبوة بين جنبيه؛ لأن القرآن في الصدر، المكان الذي بين جنبي الإنسان هو الصدر، والقرآن في الصدر.
       
       
      ( فقد استدرج النبوة بين جنبيه، إلا أنه لا يوحى إليه ) إذ لو كان يوحى إليه لكان نبيًا، لكن النبوة أهلها معدودون، ومضى قضاء الله وقدره بتعيينهم وختموا بأكملهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، فلا مطمع للحصول على نبوة مهما كان الاجتهاد في الطاعة والعبادة، لكن الذي يحفظ القرآن عن ظهر قلب استدرج النبوة بين جنبيه، فأصبح شبيهاً بالنبي، ولكنه لا يوحى إليه؛ لأن الذي أوحاه الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل في خلال ثلاث وعشرين من السنين هو قد جمعه كله واستدرجه بين جنبيه، لكنه غير نبي.
       
      أهل القرآن -يا أبنائي- لهم منزلة ما نستطيع أبدًا أن نقدرها، تذكرون مما يفتح الله به علينا ويأتي خواطر في الدرس فنقول: تريد أن تعرف قيمة حافظ القرآن؟ قلت: نعم.
       
      نقول: ما بالك برجل استودعه الله كتابه، وقال: عبدي! احفظ لي كتابي، فهو يحفظ للرب تعالى كتابه.
       
      يقولون في الدولة البريطانية أو المملكة المتحدة: فلان كان حامل أختام الملكة التي توقع بها الرسائل وتختم، فهذا منزلته فوق الوزير والرئيس والجنرال؛ لأنه يحمل أختام الملكة، يكتب الكتاب ويختم بالخاتم، إلى الآن -والحمد لله- عندنا القضاة يستعملون الخاتم، وفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز خاتمه معروف، ويحمله خواصه.
       
       
      إذاً: إذا كان حامل أختام الملكة من القداسة بهذه الصورة فالذي يحفظ كتاب الملك جل جلاله وقد استودعه في صدره وحافظ عليه يتلوه الليل والنهار، والله ما نستطيع أن نتصور علو منزلته ولا سمو مقامه أبدًا، فلهذا يقول: ( من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه، لا ينبغي لصاحب القرآن أن يجد مع من وجد، ولا يجهل مع من جهل )، من أراد أن يعرف منزلته منكم يا أهل القرآن فليذكر هذا القول النبوي الكريم: ( لا ينبغي لصاحب القرآن أن يجد مع من وجد ) ما معنى (أن يجد مع من وجد)؟ معناه: أن يغضب مع من غضب، يكون كالجبل الراسي، لا تثيره الكلمة أبداً، ولا تزعجه، ولا يحركه الجوع ويدفعه للباطل والشر.
       
      (ولا يجهل مع من جهل) أي: ارتكبوا الباطل وفعلوا المنكر، لأن المعصية معاشر الأبناء! غشيان الذنب، وارتكاب المخالفة، اعلموا أنها نتيجة ظلمة يصاب بها القلب، فلا تتصورون أبدًا أن عبدًا يذكر الله وهو مع الله يقع على معصية الله، لن يكون هذا أبدًا، وإنما قبل أن يقع العبد على الجريمة يعلوه دخان متراكم أسود فلا يرى فيه نورًا، فلا يرى قبح الجريمة ولا آثارها حتى يقع عليها، ويشهد لهذا قصة أبي ذر مع بلال رضي الله عنهما وهي: ( أن أبا ذر الغفاري عير بلالاً بأمه فقال: يا ابن السوداء، فشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: هذا عيرني بأمي وقال لي: يا ابن السوداء، فقال صلى الله عليه وسلم لـأبي ذر : إنك امرؤ فيك جاهلية ) إنك إنسان فيك جاهلية.
       
      أريد أن يفهم الأبناء أن صاحب النور لا يقع في المعصية، وإنما يأتي العبد معصية الله ورسوله عندما يغشى على قلبه، عندما يغطى، فيصبح كالأعمى فيقع في المعصية، ويشهد لهذه الحقيقة العلمية قول الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] فهل يا ترى تسمع لها نهيًا صريحًا: عبد الله! لا تقل، عبد الله! لا تزنِ، عبد الله! لا تكذب؟ لا، وكيف تنهانا؟ قال العلماء: إذا أقام عبد الله الصلاة أكسبته نورًا، فيشرق به قلبه، وأصبح يعيش على نور، فالذي يمشي في النور ما يقع في بئر، لا يقع على حية، لا يرمي بنفسه في حوض أو بركة من القذر والأوساخ؛ لأنه على بصيرة، ولكن الذي يمشي في الظلام من يؤمنه ألا يقع على حية أو يقع في حفرة؛ فلهذا الصلاة نور، لأنها تحدث النور وتكسبه، فمن هنا معاشر الأبناء! قال له صلى الله عليه وسلم: ( إنك امرؤ فيك جاهلية ) كيف ظهر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لأنه قال لأخيه عبد الله وولي الله من صالح عباد الله يا ابن السوداء! ينتقصه في كون أمه أمة وليست بحرة، ويشهد لهذا المعنى حديث الصحيحين ونصه: ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ) لم؟ قال: ( إن الإيمان يفارقه فيصبح كالظلة فوق رأسه ) حمامة طارت فوقعت فوقه، فأصبح في ظلمة كاملة نسي الله، وحينئذ يرتكب جريمته، أما والإيمان في القلب يشع له بالنور فيذكر الله ولقاء الله فمثل هذا يستحيل أن يعصي الله.
       
       
      وحديث الإسرائيلي مع بنت عمه معروف، لما وقع بين شعبها الأربع نظرت إليه وقالت: أما تخاف الله؟ تفتض الخاتم بغير حقه؟ كيف كان وقع هذا الكلام في قلب هذا الإسرائيلي؟ قام ينتفض، يرتعد، وترك لها ما أعطاها؛ لأنها قالت: أما تخاف الله رب العالمين؟ فذكرته بالله فذكر، كان في ظلام، ودخان الشهوة ودخان الهوى حجبا عنه كل شيء، لم ير إلا فاحشته أو شهوته، لما أرسلت عليه ذاك النور وقالت: أما تخاف الله رب العالمين؛ قام ترتعد فرائصه، ذكرته فذكر.
       
      وكونه ذكر معاشر الأبناء! يدل على أن القلب سليم، وأن المعتقد صحيح، وأن الإيمان يقين، وإنما اعتراه بخار الشهوة ودخانها أو الفطرة والطبيعة البشرية غشي عليه، فلما أشعل أدنى نور انكشفت الحقيقة، فقد يخرج مغشيًا عليه، وكم وكم من عابد يذكُّر بالله في حال غفلته فيغمى عليه، فلهذا يقول صلى الله عليه وسلم: ( لا ينبغي لصاحب القرآن أن يجد مع من وجد، ولا أن يجهل مع من جهل، وفي جوفه كلام الله ) كلام الله طاقات، طاقات من أنوار لا توزن بميزان، فكيف -إذًا- تستهويه الشهوة وتستميله الفتنة أو تهزه الكلمة فيغضب مع من يغضب، أو يفسق مع من يفسق وهو يحمل النور، ومصدر الطاقة كامن في جوفه؟ إذًا: فلا يأتي هذا الأمر ممن في جوفه كلام الله.
       


      من محاضرة (القرءان حجة لك او عليك)للشيخ أبى بكر الجزائرى

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×