اذهبي الى المحتوى
ميرفت ابو القاسم

{ كَأنٌهُم حُمُرُُ مٌستَنفِرَةُُ}

المشاركات التي تم ترشيحها

للأستاذ\صديق بكر عيطة

 

قال تعالى فى سورة "المدثر":

{فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ( 48 ) فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ( 49 )

كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ ( 50 ) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ( 51 ) }

(الآيات 48-51)

وردت هذه الآيات المباركات فى سورة

"المدثر" لتصور فى سخرية الاذعه حال اولئك

الذين سلكو انفســـهم "فى سقر" بما أتوا من

اعمال ذميمة حتى إنه لم تعد "تنفعهم

شفاعة الشافعين" فكان مصيرهم ما كان,

ولذلك سبقت هذه الآيات بقوله تعالى على

لسانهم حينما سئلوا

{ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44)

وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) }

ولذلك عقب عليهم الوحى بقوله:

{فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)}

(المدثر:48)

الآيات "ثم وصف من حالهم ما هو اشد

غرابة مما تتقدم ,حيث قال:ـــــــــــــــــــــــــــ

{بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَىٰ صُحُفًا مُنَشَّرَةً}

(المدثر:52)

دلالة على انهم بلغوا الغاية القصوى فى

التبجح والوقاحة فى مواجهة الدعوة

الكريمة , التى ما جاءت الا من اجلهم,

ولتنقذهم من هذا المصير المرعب الذى

ينتظرهم.ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـوالمتأمل فى هذه الصورة ,يرى مشهدا

عجيبا ,فيه الكثير من مغريات الضحك

الساخر, او السخرية المضحكة ..., حيث

يبدو من خلاله هذا الصنف من الناس , وقد

انكشف فيه العطاء عن نفس هباء , هى او

هى من خيط العنكبوت فى مكونتها التى

...............................................

تميز بها الخير والشر, فلم تعد تملك من

موازين العقل والحكمه ما تفرق به بين من

يأخذ بحجو زاتها ليمنعها من خطر السقوط

فى النار , ومن يدعوها الى اقتحامها ـــــــــــــ

والقرآن الكريم - كعادته فى معالجه مثل

هذه القضايا - ينحو منحا تصويريا يسلط فيه

الضوء على جوانب الدرس المستفاد من هذه

الصورة لتكون العبرة اوضح , وابلغ فى

النفوس, التى شاء الله ان يستبقى فيها بقية

من الخير , فتغير من سلوكها الشائن , وترشد

من خطواتها الطائشه ,والحكمه كل الحكمه فى هذا

التعقيب الباهر على الموقف باسره:

{كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ (55)}

(المدثر:54-55)

{ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ * هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى*وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56) }

(المدثر:56)

ولا يزال باب التوبه على مصراعيه

ولنعد الى الصورة الحيه التى تحركها

الآيات امام القارئ -اعنى المشاهد-لأولئك

النافرين الجاحدين فها هو ذا مشهد حمر

الوحش وهى مستنفرة تفر فى كل اتجاه.."وهو بالطبع "

مشهد يعرفه العرب ,وهو مشهد عنيف

الحركه ,مضحك اشد الضحك حين يشبه به

الآدميون! حين يخافون! فكيف إذا كانوا انما

ينفرون هذا النفار , والذى يتحولون به من

آدميين الى حمر , لا لأنهم خائفون مهددون,

بل لان مذكرا يذكرهم بربهم وبمصيرهم,

ويمهد لهم الفرصة ليتقو ذلك الموقف الزرى

المهين وذلك المصير العصيب الاليم ؟!(1)ـــــــ

وهذا يذكرنا -ايضاًً - بمشهد غريب..

عجيب..مضحك.. لا يملك المرء نفسه -إن

هو حاول منعها من الضحك 0وهل هناك

اعجب واغرب من حمار , يدعوه صاحبه فى

رفق,ومودة ليقدم له "العلف" المفيد ,الذى

يقوى به على تحمل مشقه العمل , ومجابهة

احماله الكثيرة الثقيله ,فإذا به ينفر و

"ينهق "و"يرفس" ويجرى فى سرعة لا

يلوى معها على شئ وكانه امام اسد هائج

ثائر , يوشك ان ينقض عليه ليمزق اوصاله

ويلتهمه؟! مشهد نراه قليلآ او كثيرآ-ويراه

الفلاح فى حلقه , ويعيش احداثه المثيرة,مما

يرى معه الرجل وقد امتلأ حتى فاض

بالمشاعر القوية المختلطة ما بين غيط مكبوت,

وسخرية لاذعة , وتعجب شديد.. وشعور

بالحرج للمصالح المعطله ,ولا يملك ازاء الحمار..

هكذا يبدو وهؤلاء الذين نزل القرأن الكريم

لهدا يتهم ولإنقاهم من النار , التى يتأجج

لهيبها, وتعلو السنتها , ويتطاير شررها

وتستعد لا ستقبالهم.ـــــــــــــــــــــــــــــــ

"انها الريشة المبدعة, ترسم هذا المشهد

وتسجله فى صلب الكون ,تتملاه النفوس

فتخجل وتستنكف ان تكون فيه , ويروح

النافرون المعرضون انفسهم يتوا رون من

الخجل ,ويطامنون من الاعراض والنفار

مخافة هذا التصوير الحى العنيف"(2)ـــــــــــ

لكن ما العوامل التى ادت الى ان يكون

هذا المشهد -على قصر حجمه -قوى التاثير ,

حافلا بالحركه القوية المثيرة ,عميق الدلالة

فى النفوس , حينما تتملاه ؟ــــــــــــــــــــــــــ

ألآ لفظه"كأن",التى هى اقوى ادوات

التشبيه واعمقها اثرا فى مصداقيه الشبه وقوتة

بين صفات المشبة به وصفات المشبه , وليس

ببعيد عنا ما اجابت به ملكه سبأ حينما سألها

سليمان عليه السلام :"اهكذا عرشك؟قالت :

كأنه هو",والواقع انه لم يكن مجرد شبيه به.

وإنما كان هو هو عينه . وفى هذا دلاله قويه على

قوة الشبه إذا كانت الأداة "كأن".ـــــــــــــــــــــــــ

وحتـــى لو لم يكن القارئ يعرف وجه

الاستدلال البلاغ على قوة "كأن " فى اداة

التشبيه فى قصه عرش بلقيس , فإن قوة الاداة

فى منطوقها, توحى بقوة هذا المشهد ,وما

يعبر عنه من وحدة الصور بين المتشابهين.

فالقارئ حينما يتلو الآية المباركة:ــــــــــــــــــ

{كَأَنٌهُمُُ حُمُرُُمٌسًتَنِفرَةُُ} ــــــــــــ

بما فيها من تشديد حرف النون فى أداة

التشبيه , تطفو امام ناظرية حركة عنيفة لأولئك

الذين يفرون امام النصيحه فرار الحمار , بحركاته

السريعه الطائشة, التى لا يستطيع التكهن بها,

او الحد من عنفها وسرعتها احد..!!ـــــــــــــــــــ

إذا ليس وجه الشبه مجرد تقارب بين

طرفى الصورة فقط .. وإنما كل ما تتصف به

الحمر المستنفر ,التى تفر امام الاسد الهائج

الثائر يوصف به هؤلأء : فهم حمقى..

اغبياء.. قلوبهم لا تستقر على حال .. دائمو

الفزع .. طائرو اللب.. غافلون عما فيه

صالحهم ,نافرون منه .. مقبلون - بما فيهم من

طيش وخفة - على ما فيه هلاكهم ..!!ـــــــــــ

ثانيآ:ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الايقاع السريع النستفاد من كل من

هذه الكلمات "حمر -مستنفرة- فرت-

قسورة"

ويزيد المشهد سرعه تتابعه فى نسق واحد

يجعل القارى امام مشهد حقيقى لا يكاد النظر يقوى على ملاحقته

والحق ان الايقاع السريع انما يلمح في الاطار العام للموقف باسره منذ ان سئلوا

ما سلككم في سقر

المدثر:(42)

حيث كان جوابهم وهم يجرون

{ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44)

وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46)

حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47)}

(المدثر:(43-47)

حتى التعليق عليهم , وبيان مصيرهم كان

بنفس الايقاع , حتى لا يغيب عن اعينهم او

تغيب عنه اعينهم:

{ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ( 48 ) }

(المدثر:48)

وحتى الجمله التى تخلص جرميتهم كانت

بنفس السرعه:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ( 49 )}

(المدثر:49)

ثم يأتى المشهد الذى تنعكس فيه حقيقتهم

المضحكه الداعيه الى السخريه المرة من هذه الحمر

المستنفرة , التى تفر من قسورة.. مشهد كله

سريع: فى قصر آياته , وفى ظلال كلماته,مما

يجعل القارئ يلهث ..ويلهث ..ويجرى ..ولا

يملك ان يتوقف عن الجرى - اقصد عن القراءة-الا

بعد ان يلم باطراف الصورة كلها ويخرج بالدرس

كاملا غير منقوص.

ثالثآ:الاستفهام التعجبى المبطن بالاستنكار

{فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ( 49 )}

(المدثر:49)

مما يمهد النفس لتتأمل الصورة بكل

ابعادها المرئيه والنفسيه .

وتلك من عظمة القرآن , فى معالجه قضايا

العقيدة , وحواشيها ,حينما تستنبط عبارته من

الواقع المعيش , الذى يأخذ بتلابيب النفس,

ومجامع القلب , اما لشدة غرابتة .. واما لما يثير 5من

السخريه والتهكم .. واما لما يحمل فى طياتة مما

تشتهيه الانفس وتلذ الاعين .. واما لما فيه من

مرعبات وزاجرات .. وغير ذلك مما يخرج بنا عن

سواء القصد استعراضه والتمثيل له.. غير اننا نود

انا نقول ان المرء - فى قضيتنا هذه - حينما يتامل

هذه الصورة للحمر الوحشيه , التى تفر امام قسورة

مذعورة , بما تنطوى عليه من سخرية شديدة وتهكم

لاذع.. ويرى انها مثل يضرب لمن يفر امام من

يذكره بالله رب العالمين , بما يترتب عليه, او

يترسب فى النفس منها . وهو -بعد-لا يزال مالكا

لزمام امره .. ان المرءحينما يتامل كل ذلك , وهو ذو

نفس يقظى وضميرحى .. لحرى به ان نفر هو

بنفسه حتى لا تصدق عليه ..بعد ان يقوم هو بما

نسمة فى عصرنا الحديث النقد الذاتى .. الذى

فتح الباب امام النفس لتتامل هذه الصورة وتبلغ بها

ما ارادت من الهدايه , انما هو الاستفهام التعجبى

المبطن بالاستنكار فى قوله تعالى :

{فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ( 49 )}

وهو يفف بالقارئ على اعتاب هذه الصورة الفنية الرائعه

{كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ ( 50 ) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ( 51 ) }

والنذارة والتذكرة انما هما اهم اهداف

السورة كلها بموضوعتهاالمتعددة ومنها هذه

اللوحا الفنيه . اقرأ قبلها بقليل:

{إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ }

وبعدها بقليل :ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ(54)فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55)

وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ }

(سورة المدثر 54-56)

وهكذا تكون الصورة . قد بلغت الغايه

القصوى فى القوة والايحاء والتأثير.

 

الحمد لله رب العلمين والسلام على من اتبع الهدى

والعلم يحلو كلما قررتهُ

تم تعديل بواسطة مـ راجية الأمان ــرام
تصحيح الآيات

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بارك الله فيكِ أختي الحبيبة

تم التعديل على الموضوع لتصحيح الآيات

 

جزاكِ الله خيرًا

 

ينقل للساحة المناسبة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاتة جزاك الله خير الجزاء يا اختى الحبيبه مرام

 

 

وارجو منك ان تعلمينى كيفية الدخول فى الساحة المناسبه

 

والكى جزيل الشكر على تعونك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×