اذهبي الى المحتوى

المشاركات التي تم ترشيحها

nYZ29114.png

 

نكسة

 

 

 

"جمانة".. تتزلزل الأرضُ لصرختها، فيَخرَس المتكلِّم، ويتنبَّه الغافل، ويَسكُن ظلُّ الماشي، وأركان بيت تُهَدُّ وتُنشأ في طرفة عين!

 

"جمانة".. يتلعثم الفصيحُ، ويَسقَم الصحيح، وكلمتها هي الكلمة، تُلزِم الصغير والكبير، ولا تسقط أرضًا أبدًا أبدًا.

 

"جمانة".. القرار قرارها، والصواب أبدًا - زعمتْ - لا يُخطئها، ونظام الأفلاك في دفاترها، وقوانين الكون في دساتيرها.

 

"جمانة".. الأسطورة الخالدة، ها هي ذات نَكْبة في عَهْد الاستعمار - والنكبات ليست دائمًا حربًا، والمستعمر ليس دائمًا مرتزقة - ها هي تتأهَّب للنزوح، مُنْحَنية بظهرها المقوَّس ورجلها المتورِّمة ويديها المرتعشتين، كانت تَحزِم أغراضَها، وتُحاوِل لملمةَ شظايا كرامة كانت مُبعثَرة بين زوايا منزلها، واجمة شاحبة مُمتقعة، ترنو إلى حجرتها بنظرات كسيرة مهزومة، تتجرَّع نُغَب انقلاب الحال وسوء المآل أنفاسًا، تُوزِّع بصرَها الخاسئ الحسير بين ملابسها وأوانيها، وبين جدران حجرتها، تُودِّعها بدمعها وافتصاد قلبها، تَزحَف ببطء، تُقلِّب نظراتها الخامدة في حسرة ولوعة بين باقي حجرات مسكن شهِد على بطولاتها وانتصاراتها قبل زمن الانتكاسة، كل لَبِنة من لبناته - لو استنطقوها - لَحَكتْ عن جوع وعُرْي "جمانة" وأبنائها، واستغنائها عن الضروريات، بله الكماليات، وجهادها المستميت كي تُطبِّق ذاك المَثلَ الذي شاع بين ذويها: "آجورة في الحيط خير من جوهرة في الخيط"، فزهدت في الجواهر، وشيَّدت بدل الحائط حيطانًا، وبدل الدور أدوارًا، ونافست جيرانها في التطاول في البُنيان، كخيزرانة كانت دارها بين دور الجيران.

 

ها هي - يا للحسرة - تلك التي كانت تَهزِم العواصفَ، تمضي مُنكَّسة الرأس، تَجُر خُطاها المتثاقلة عساها تُكمِل ما تبقَّى من سويعات حياتها في منأى عن فصول الخيبة وروايات الخِذلان.

 

تَصطدِم عيونُ خطاها المنكسِرة بأطلال ابنها "يوسف" الواقف قُرْب الباب يَنتظِرها ليُقِلها لبيتها الجديد، كصنم كان يُتابِع حركات رجليها البطيئة، وعيناه الخانعتان الحائرتان لم يستطع وضْعَهما في عينيها، ثم هي أيضًا كانت منحنية الرأس مثله، كسيرة مهزومة مُذْعِنة مثله، فالتقت نظراتهما في الأرض، هي تَرقُب حذاءه الذُّكوري بأسف على رحِمها التي أنجبت ذكرًا هزمته أنثى تَصغُره بعَقدين؛ فلم تستطع أن تتوسَّد رجولتَه، وأن تحتمي به من براثين كنَّتِها، وهي تُودِّع ما بقي في عمرها من سويعات، وهو يُتابِع حركاتها البطيئة الخائبة، وأرجلاً تجرها فتكاد تسقط تحت وطأة حِمْل ناءت به يداها، وآخر أثقل قلبها العجوز، غير مُصدِّق أن تلك "جمانة"، وتلك خطاها، وتلك نظراتها الكسيرة، التي كانت يومًا تنْهَدُّ من شزرتها الجبالُ.

 

خرس اللسانُ وحدَّد كلُّ واحد منهما حِماه، التقى الصمتُ بالصمت في نقطة تَقاطُع ظله بظل متاعها، وبرزخ بينهما لا يَبْغِيان، تُعاتِبه نظراتها، فيَردُّ على لومها بالعتاب، فتلك التي هزمته هزمتها هي أيضًا، فصارا شريكين في الهزيمة.

 

كل حكايات الهزائم والخِذلان تتشابه.

 

هذا كان اختيارك يا أمي، وأنا كنت قد فوَّضت لكِ الاختيار.

 

الكرة في ملعبها ..

 

لودَّت - لولا العهود والمواثيق بينها وبين الصمت - أن تُصعِد عينيها كي تُحملِق فيه مليًّا ثم تَصْفَعه، أسعفها الصمتُ، فهجمت من أجل الدفاع:

لو كنت كما الرجال لكنت اخترت لنفسك، ولما كلَّفت أحدًا ينوب عنك، ولأغرى جيبُك وشخصيتُك فاتنةَ الفاتنات، ولكنت انتقيتَ من المثقفة الموظفة أجملَ البنات، ولكنك قَبِلت بالبدوية الصغيرة ذات اللسان السليط.

 

صفعة وهدف في الشباك.

 

فهو حينما عزم على الزواج، كان قد كلَّف أخواته بالبحث له عن عَروس، ولم يكن لإخوانه من بد - كما العادة - إلا الإذعانُ إلى قرار أمهم "جمانة" بتوفير مصاريف العُرس ومهر العَروس، في حين تكفَّل هو باقتناء السرير ومستلزمات بسيطة لغرفة نوم ببيت العائلة.

 

 

كم هي بسيطة الحياة في عيون البسطاء!

 

كانت مقابلاته الأوليَّة مع المرشحات من صديقات أخواته ومعارفهن مُحبِطة، ربما لهنَّ أكثر مما له، فسذاجته وبساطة تفكيره - رُغْم حصوله على شهادة ثانوية تخوِّل عادة لحامليها شيئًا من التميز على الأمِّيين، أو على أولئك السُّذج الذين لم يفهموا يومًا كُنْه الحياة الزوجية، ولم يُكلِّفوا أنفسَهم عناء سَبْر أغوارها، ولم يُفتِّشوا فيها عن شيء أعمق من ظمأ الجسد - لا تُغري العديدات ممن قابلهن بخوض التجرِبة، ولم ترْقَ لسقف تَطلُّعاتهن، خاصة وقد كانت منهن الجامعية والموظَّفة والمثقَّفة، ففضَّلن الرفضَ من أول لقاء، ولم تَنْجح محاولات أخواته في إقناعهن به ولا بشخصيته؛ فقد كان عُنوان الدار على بابها، ولا شيء كان يمكنه سَتْر المكشوف أو التورية إلى حين، وقد كاد رفْضُه المتكرِّر أن يكون سببًا في جعله يُقرِّر الإحجامَ عن الزواج والكف عن تَقبُّل سلسلة من الخيبات المتشابهة، لكنه سرعان ما وجد نفسه مضطرًّا للإذعان لقرار أمه، بل مرحِّبًا بذلك القرار المحسوم بالارتباط بـ: "حنان"، إحدى قريباتها المنحدِرة من البادية.

 

كانت فرحته عارمة؛ لأنه لن يكون مضطرًّا لأن يشعر بانكماشه وتضاؤله أمام تلك الفتاة البدوية الصغيرة، التي لم تُكمِل تعليمَها المتوسط، كما فرضتْ عليه التجاربُ السابقة الفاشلة المتتالية.

 

كان مُنتشيًا، لتأكُّده من أن بساطتها وضآلة تعليمها وبُعْدها عن الحضارة ستُريها إيَّاه بغير صورة المسخ المنكمِش الباهت الذي رأتْه عليها الأخرياتُ،فيكون بذلك في مأمن من أن تُعرِّيه أو أن تَكشِف بساطةَ تفكيره وتفاهة أحلامه، وقلة ذات يده واعتماده في الصغيرة والكبيرة على إعانات إخوانه وقرارات أمه "جمانة".

 

ترنَّح من قوة الصفعة ثم استفاق ..

 

لقد اخترتِها بنفسك يا أمي، لتكون تحت سلطتك وإمرتك، أردتِها خادمة تسهر على الكبير والصغير، ومن دمِك وبني عمومتك؛ كي تُقيم لك وللقرابة بينكما وزنًا، وجعلتِها ورقة رابحة لكي تكيدي باقي كَنَّاتك.

 

هجمة مرتدة..

كادت تَخرِق عهدَها، وتَهدِم البرزخَ الذي بينهما، وترتع في الحمى لتوجعه لطمًا.

 

أوجعها صدقًا..

فقد كانت بالفعل مناسبة لجمانة - من غير سابق إعلان - لكي تكيدَ زوجةَ ابنها الأكبر، لا لشيء إلا لأنها ذكية ومثقَّفة وموظفة، حينها ستضطرها لأن تَلعَن تلك الثقافة التي كانت تمنحها قيمة بارزة وتميُّزًا على زوجها الذي لم يكن أحسنَ حالاً من أخيه العروس، وتُمزِّق تلك الشَّهادات العلمية التي لم تنجح في جَعْلها من المقرَّبات المؤتَمِرات بأمر امرأة مُتقلِّبة مُتسلِّطة، تُقيِّم مَن حولها تَبَعًا لهواها ولقانونها الخاص.

 

حتى وهي تَستعِدُّ لاستقبال العروس الجديدة ببيتها، كانت تحاول إشعالَ غيرة كَنَّتها "القديمة"، وهي التي لم تتأخَّر يومًا في تلبية طلباتها، ولم تُسئْ يومًا لها من قريب ولا من بعيد، مُكرِّرة على مسامعها أن "الدم للدم رحمة"، وأن "الدم لا يمكن أن يصير يومًا ماء"، وأن "زواج القريبة سيجعلها دائمًا من قلبها قريبة"، وستَحظى بصُحبتها ليل نهار تحت سقف واحد، وأنها قَبِلت العيشَ معها حتى من غير طلب مشورتها، وأنها ستستمتع بتلقِّي خِدمتها، وسيكون بوُسْعها التلذُّذ بكل تلك المأكولات الأصيلة التي ستُتحِفها بها، وأنها ستكون تحت سلطتها هي، ولم تتورَّع من الصَّدح بذلك لأم كَنَّتها، حينما حضرت لتقديم التهاني والتبريكات بالمناسبة، ولم تُخفِ افتخارَها بذلك الزواج الميمون وتنبُّؤَها بنجاحه من أول يوم، وبأن الترتيب المنطقي الجديد للكَنَّات تتصدَّرُه تلك التي تجمعها بها آصرة الدم مع حيازة مرتبة الشرف، وحصول الأخريات على ما تبقى من مراتب.

 

شهِد شاهد من أهلها.. نزعت الخنجر..

اخترتُها من أقاربي أيها المَسْخ الجبان المهزوم المهزوز الشخصيَّة؛ لأصنع لك بين الجميع مجدًا وصَرْحًا تُباهي به أترابَك، وتُشعِل به غَيرة إخوانك، لكنك - يا للعار - ركعت لأُنوثتها، واستمرأتَ تنمُّرَها، وغاضت رجولتك في رمال تَسلُّطها، وأقحمتني - رغمًا عني - في عِراككما؛ كي أنصرك في كلِّ الأحوال، وأَستنقِذ ما تبقَّى لك من كرامة وماء وجه، واسأل الدواء الذي أصبحت تُدمِنه، وأطباءَ النَّفْس الذين اتفقوا على أن ضَعْف شخصيتك قد أورَدَكَ المهالك، خذلَتْني رجولتك ونَخوتُك، لم تستطع إيقافها عند حدِّها، وهي تُعرِّيني أمام إخوانك وزوجاتهم، لم تأخذ حقي كما كنتُ أنا أفعل، لم تُلزِمها حدودَها وهي تواجهني بصَلافة، لم تُعاقِبها حينما رفضتْ إسعافي وأنا مريضة.

 

حاصرتْه .. صدقًا قالت..

فما هي إلا أشهر قلائل بعد أن ذابت شموع اللقاءات الحالمة الأولى، وارتوى عطش جسد يوسف الظمآن، حتى أصبح "الدم" الذي قيل عنه: إنه لا يصير ماءً أبدًا، أصبح شلالات ماء بارد، تنقع "حنان" زوجها وأمه فيها كلما احتاجت إلى ما تحتاج إليه النساء عادة، فلا تجد في جيبه ما يُشْبِع نَهمَها، أو كلما طلبت منه طلبًا فأرجأ إجابتَها إليه إلى حين استشارة أمه، أو كلما نشِب خلافٌ بينهما فتدخَّلت "جمانة" لتَنصُر ابنها بحق وبغير حق، كانت تستأسد وهي ترى طللَ ذلك الفارس الثلجي يتهاوى أمام عينيها، وحُبيباته تتناثر تحت شتائمها وعيونها المزدرية، فتستغل من جِهة تَرنُّحه بسبب صدماته المتكرِّرة من هول ما كان يسمع منها، حينما تستغلُّ المواقف لتُشهِّر بخبايا ضَعْفه، وتُذيع أسرار بساطته وسذاجته بما لا يَسَعه معه إنكار ولا تكذيب، ومن فداحة ما يراه من ضَعْف في نفسه وقلة حيلة أمام تجبُّرها وسلاطة لسانها، ومن جِهَة أخرى، كانت تَغتنِم خوفَهم من شماتة باقي الكَنَّات، ومن الفضيحة ووصمة العار التي ستَلحَقهم من كل العائلة، إن تَسرَّبت أسرارُ خلافاتهم المستمرة، فيُبادِر يوسف المسكين إلى تنفيذ طلباتها لإرضائها، وتجد "جمانة" نفسها مضطرَّة للتنازل من أجل تطييب خاطرها، وهي التي عاشت دهرًا مُعتلية عروش التجبر والتسيد، لا تُرَد لها كلمة، ولا يُعصى لها أمرٌ أبدًا.

 

لم يَدُر بخَلَد يوسف للحظة أن "حنان" ستُخيِّب ظنَّه وظنَّ أمه، وأن تلك الصورة التي رسمها في خياله وهو يُمنِّي نفسَه بدور البطولات أمام البساطة المفترَضة في زوجه الصغيرة، سرعان ما ستضمحِلُّ لتُعرِّيه أمام نفسه، وتَكشِف مَسْخه الباهت، وتجعل صدماته العنيفة وخيباته المتوالية فيها، وذلك الصَّرْح الذي شيَّده على أساس من ثلج، سبب في طرْقه عيادات الطب النفسي، وإكمال زهرة شبابه تحت رحمة المسكِّنات وعقاقير الاكتئاب وتهدئة الأعصاب.

 

مَن كان يَظنُّ أن تلك البدوية الصغيرة ستُواجِه "جمانة" الأسطورة بما لم تَستطِع "المثقفة" مواجهتها به، مِن: تَسلُّطها على أبنائها، وتفضيلها بناتها على كَنَّاتها، وجعْل الأمور تسير حسب هواها؟ وحتى في تلك المواقف الصعبة التي تحتاج فيها امرأة مُسِنَّة لذلك الحنوِّ أو لتلك المساعدة الإنسانية التي لا يَبخل بتقديمها الجيران والغرباء، فضلاً عن الأقارب، لم تُسعِفها بها! وهي التي كانت تُمنِّي نفسها بزوجة ابن عاطلة، تَخدُمها وتُكرِمها وتفرش الأرض حريرًا تحت رِجليها.

 

ثم ها هي السنون تتوالى دون أن تجعل "حنان" تعمل بمقتضيات اسمها، فيَحِن قلبها على تلك المرأة، التي طَفِق الزمن يَنخَر في قوتها وعُنفوانها، ويُعلِّمها أن فوق كلِّ مُتسلِّط مُتجبِّر مَن هو أكثر منه تسلُّطًا وتجبُّرًا.

 

استفاق من صفعة الحقيقة المرَّة .. استجمع كلَّ مبادئ فلسفته الساذَجة ومنطِقه الأَرْعن، وطَفِق يُحلِّل ويُبرِّر:

أنا يا أمي لم أَخذُلك؛ فأنا اليوم معها كما كان أمسِ أبي معك؟ أَوَكان هجَرك أو طلَّقك أو حتى طردك حينما طردْتِ أمه؟ أوَكان شتَمكِ حينما شتمتِ أمه؟ تجرَّع الصمتَ ليبقى شمله مجموعًا، وكذلك مع زوجتي أنا فعلت.

 

تبتلع رِيقَها على مضضٍ ومعه علقم الحقيقة وبِضْع شويكات قذفها منذ قليل صدى الصمت ..

 

تَشجَّع وتَقدَّم أكثر من حلبتها، رفع سِنانه: ثم هي يا أمي لم تشتمك، فقط واجهتك بنفسك، وتركت الواقع والوقائع تشهد عليك.

 

وطعنة أخرى .. جفَّ حَلْقُها ويَبِس لسانُها ..

ثم هي يا أمي لم تَطْردك، أنتِ اخترتِ الرحيلَ، فلا تحمِّليها ذَنْبًا لم تَقترِفه.

 

خَنجَر آخر .. نظراتها ما زالت واجمة .. ليته صمت! فقط يصمت..

 

ثم لِمَ تُعيِّرينني بتسلُّطها عليَّ رغم صِغرها، فأنا يا أمي كنتُ أراك مذ وعيتُ كلما سقطت ذبابة في كأس حليبك، وأنت حينها من أنت، أهرقت كلَّ الحليب، وربما عافت نفسك الكأس فتخلَّصتِ منه، أوَليست الذبابة أيضًا صغيرة؟ فلمَ كانت تهزم قوتك ورباطة جأشك ذبابة وتُكبِّدك خسارة حليب ربما وكأس؟

 

ذبابة؟! ألم تجد غير الذبابة مثلاً يا فيلسوف زمانك؟! واحسرتاه على بطني الذي أنجبك .. وامصيبتاه في تعليمك وشهادتك.

 

لم يستطع صمتُها أن يصمت، ولا أن يُمرِّر هاته الفلسفة الساذجة الخاطئة..

كنت أعلِّمك أيها الساذَج أنَّ ما الذبابُ إلا ذبابٌ، وأنه إذا وقع على أنوفنا هششنا عليه، وإذا وقع في أكلنا رمينا كلَّ الأكل والآنية معه ولا نبالي.

 

أفحمتْه ..

لعله فَهِم قصدَها..

هل كان يجب عليَّ أن أُطلِّق "حنان"؟ وإن طلقتها، كيف سترفعين رأسك بعدها في مجامع عائلتك؟ ووصمة العار التي ستلحقك من بني عمومتك؟

 

جولة رابحة، بل الضربة القاضية..

غرق الصمت في الصمت، وأُفْرِج أخيرًا عن خطاها .. جرَّت رجليها المتورمتين تُكمِل المسيرَ، ولأجل هذا أزمعتُ الرحيل، فاحمل عني على الأقل ما تستطيع حمله.

 

انحنى "يوسف" وفَهِم أخيرًا أنه كان عليه أن يحمل عن يديها المثقَلَتين متاعَها مذ خرجت من غرفتها تُودِّع زوايا المكان.

 

استدارت "جمانة" وذرفت دمعة ترقرقت في مُقْلتيها في نظرة أخيرة، تودِّع بها أركانَ بيتها، وتَدفِن فيه أمسها التليد، وشبحَ ذكرياتها المريرة، تركت لها (الجمل بما حمل)، ها هي تُغادِر البيت الذي عاشت به سنوات بعدد شيبات شعرها، ترنو إلى حجرتها للمرة الأخيرة بنظراتها المهزومة الكسيرة، تُودِّعها بدمعها وافتصاد قلبها، تُقلِّب بصرَها في حسرة ولوعة بين باقي حجرات مسكن شهِد على بطولاتها وانتصاراتها قبل زمن الانتكاسة، تَمضي مُنكَّسة الرأس، تَجُر خطاها المتثاقِلة، عساها تُكمِل ما تبقَّى من سويعات حياتها في منأى عن فصول الخيبة وروايات الخِذلان.

 

9fw29114.png

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

الله المستعان

كما تدين تُدان

القصة محزنة ، مبكية ، ورغم انها ضايقتني جداً إلا ان فيها عبرة

 

 

هي من قبل تصرفت مع حماتها نفس التصرف وزوجها بقى صامتاً

بوركتِ يا حبيبة

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×