اذهبي الى المحتوى
المحبـــة لله

||حلقة "على حــ♥ـــب الله التقينا " للمدارسة وحفظ القرآن الكريم||

المشاركات التي تم ترشيحها

تمت قراءة القاعدة العشرون

بارك الله فيكِ أختي الحبيبة

 

وجميــــــــل جداا الملف الصوتي :)

جاري الإستماع إليه ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

ما شاء الله ..

بورك فيكما اختاي المحبة لله و عروس القران

كل ما في هذا المتصفح ..جمييل جدااا و مفيد

سأعود هنا كثيراا .. للمتابعة باذن الله

جزاكما الله خيرا ..

 

وبارك فيكِ الرحمن أختي الحبيبة

الحمد لله رب العالمين ، أسأل الله تعالى أن ينفعنا جميعاً به

وتسعدنا كثيراً متابعتكِ الكريمة .. :)

وجزاكِ الله خيراً مثلُه

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85.png

" القاعدة الحادية والعشرون "

 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين}

 

نتحدث اليوم قاعدة من القواعد المحكمة في أبواب التعامل مع الخالق سبحانه وتعالى والتعامل مع خلقه، هي قاعدة تمثل سفينةً من سفن النجاة، وركناً من أركان الحياة الاجتماعية، وهي ـ لمن اهتدى بهديها ـ علامة خير، وبرهان على سمو الهمة، ودليل على كمال العقل، تلكم هي القاعدة القرآنية التي دل عليها قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين}[التوبة: 119].

 

* هذه القاعدة المحكمة جاءت تعقيباً على قصة جهاد طويل، وبلاء كبير في خدمة الدين، قام به النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه رضي الله عنهم،وذلك في خاتمة سورة التوبة ـ التي هي من آخر ما نزل عليه – صلى الله عليه وسلم - قال تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 117، 119].

 

* والرسالة التي تحملها القاعدة هنا هو أن هؤلاء الذين تاب الله عليهم ـ النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، والثلاثة الذين خلفوا ـ هم أئمة الصادقين، فاقتدوا بهم.

 

* وأنت إذا تأملتَ مجيء هذه القاعدة القرآنية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين} بعد هذه الآيات، أدركتَ أن الصدق أعمّ من أن يختصر في الصدق في الأقوال! بل هو الصدق في الأقوال والأفعال والأحوال، التي كان يتمثلها نبينا صلى الله عليه وسلم في حياته كلها، قبل البعثة وبعدها.

 

* ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم صادق اللهجة، عف اللسان، أميناً وفيّاً حافظاً للعهود قبل بعثته، عرف بالصادق الأمين، وكان ذلك سبباً في إسلام بعض عقلاء المشركين، الذين كان قائلهم يقول: لم يكن هذا الرجل ليترك الكذب على الناس ثم يكذب على الله؟!

 

* كثيرٌ من الناس حينما يسمع هذه القاعدة القرآنية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين} لا ينصرف ذهنه إلا للصدق في الأقوال، وهذا في الحقيقة تقصير في فهم هذه القاعدة، وإلا لو تأمل الإنسان سياقها لعلم أنها تشمل جميع الأقوال والأفعال والأحوال! كما تقدم.

 

* إن للصدق آثاراً حميدة، وعوائد جليلة; وهو دليل على رجحان العقل، وحسن السيرة، ونقاء السريرة.

ولو لم يكن للصدق من آثار إلا سلامته من رجس الكذب، ومخالفة المروءة، والتشبه بالمنافقين! فضلاً عما يكسبه الصدق من عزة، وشجاعة، تورثه كرامة، وعزة نفس، وهيبةَ جناب، ومن تأمل في قصة الثلاثة الذين خلفوا أدرك حلاوة الصدق ومرارة الكذب ولو بعد حين.

ومن تأمل في الآيات الواردة في مدح الصدق والثناء على أهله وجدَ عجبا عجاباً!

 

* حسبنا أن نشير إلى جملة من الآثار التي دلّ عليها القرآن للصدق وأهله في الدنيا والآخرة:

* فالصادق سائر على درب الأنبياء والرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ الذين أثنى الله عليهم في غير ما آية بالصدق في الوعد والحديث.

 

* والصادق معانٌ ومنصورٌ، ويسخر الله له من يدافع عنه من حيث لا يتوقع، بل قد يكون المدافع خصماً من خصومه، تأمل في قول امرأة العزيز: {قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}[يوسف: 51].

 

* والصادق يسير في طريق لاحب إلى الجنة، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا" أخرجه الشيخان(1)، وقد قال الله عز وجل ـ مبيناً صفات أهل الجنة : {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}[آل عمران: 17].

 

* وأهل الصدق هم الناجون يوم العرض الأكبر على ربهم، كما قال تعالى: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم}[المائدة: 119].

 

* والصادقون هم أهلٌ لمغفرة الله وما أعده لهم من الأجر والثواب العظيم، قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ... أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) [الأحزاب: 35].

 

وبعد هذا.. فإن من المحزن والمؤلم أن يرى المسلم الخرق الصارخ ـ في واقع المسلمين ـ لما دلّت عليه هذه القاعدة القرآنية المحكمة:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين}!

 

فكم هم الذين يكذبون في حديثهم؟ وكم هم الذين يخلفون مواعيدهم؟ وكم هم أولئك الذين ينقضون عهودهم؟

أليس في المسلمين من يتعاطى الرشوة ويخون بذلك ما اؤتمن عليه من أداء وظيفته؟ أليس في المسلمين من لا يبالي بتزوير العقود، والأوراق الرسمية؟ وغير ذلك من صور التزوير؟

لقد شوّه ـ هؤلاء ـ وللأسف بأفعالهم وجهَ الإسلام المشرق، الذي ما قام إلا على الصدق!

 

وإنك لتعجب من مسلم يقرأ هذه القاعدة القرآنية المحكمة:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين}! ومع ذلك يمارس كثير من المسلمين الكذب مع وفرة النصوص الشرعية التي تأمر بالصدق وتنهى عن الكذب!

 

ليت هؤلاء يتأملون هذا الموقف، الذي حدّث به أبو سفيان س قبل أن يسلم، حينما كان في أرض الشام، إذ جيء بكتاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، فقال هرقل: هل ها هنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قالوا: نعم، قال: فدعيت في نفر من قريش، فدخلنا على هرقل، فأجلسنا بين يديه، فقال: أيكم أقرب نسباً من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقلت: أنا، فأجلسوني بين يديه، وأجلسوا أصحابي خلفي، ثم دعا بترجمانه، فقال له: قل لهم: إني سائل هذا عن الرجل الذي يزعم أنه نبي، فإن كذبني فكذبوه، فقال أبو سفيان: وايم الله لولا مخافة أن يؤثر علي الكذب لكذبت(2).

 

فتأمل ـ أيها المؤمن ـ كيف حاذر هذا الرجل الذي كان مشركاً يومئذ من الكذب؛ لأنه يراه عاراً وسُبةً لا تليق بالرجل الذي يعرف جلالة الصدق، وقبح الكذب؟! إنها مروءة العربي، الذي كان يعد الكذب من أقبح الأخلاق!

ولهذا لما سئل ابن معين: عن الإمام الشافعي قال: دعنا، والله لو كان الكذب حلالاً لمنعته مروءته أن يكذب(3)!

 

ولله درُّ الإمامِ الأوزاعي: أنه قال: والله لو نادى منادٍ من السماء أن الكذب حلال ما كذبت!

 

فأين من هذا أولئك الذين استمرأوا الكذب، بل وامتهنوه، ولم يكتفوا بهذا بل روّجوا شيئاً من عادات الكفار في الكذب، كما هو الحال فيما يسمى بكذبة إبريل! ويزعم بعضهم أن تلك كذبة بيضاء! وما علموا أن الكذب كله أسود! إلا ما استثناه الشرع المطهر.

 

ويقال: لو لم يكن من خسارة يجنيها هؤلاء الذين يكذبون إلا أنهم يتخلفون بكذبهم هذا عن ركب المؤمنين الصادقين، الذين عناهم الله بهذه القاعدة القرآنية المحكمة{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين}

 

ما أحرانا معشر الآباء والمربين، أن نربي أجيالنا على هذا الخلق العظيم، وبغض الكذب، وأن نكون لهم قدوات حية يرونها بأعينهم.

 

وللإستماع إلى القاعدة من هنا

 

 

وإلى لقاء آخر مع قاعدة جديدة بإذن الله تعالى ..

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

تم قراءة القاعدة بارك الله فيك يا غالية

وجعلها في ميزان حسناتك

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

ما شاء الله ..

بورك فيكما اختاي المحبة لله و عروس القران

كل ما في هذا المتصفح ..جمييل جدااا و مفيد

سأعود هنا كثيراا .. للمتابعة باذن الله

جزاكما الله خيرا ..

 

نورتي صفحتنا يا غالية

ومروك الاجمل فيها ..

ومرحبا بك هنا في اي وقت تحبين ^_^

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85.png

" القاعدة الثانية والعشرون "

 

(إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين)

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فهذه حلقة جديدة من حلقات هذه السلسة المباركة ـ إن شاء الله ـ (قواعد قرآنية)، نعيش فيها مع قاعدة من القواعد المحكمة في أبواب التعامل مع الخالق سبحانه وتعالى والتعامل مع خلقه، هي قاعدة وملاذٌ لمن تواجه أعمالهم بعدم التقدير، تلكم هي القاعدة القرآنية التي دل عليها قول الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِين}[يوسف: 90].

 

وهذه القاعدة جاءت في قصة يوسف عليه الصلاة والسلام، وذلك حين دخل عليه إخوته فقالوا: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 88 - 90].

 

أيها الإخوة:

ما أكثر ما نحفظ تعريف التقوى، بل قد يحفظ بعضنا عدة تعاريف لها وللصبر، ويحفظ تقسيمات الصبر، ثم يفشل أحدنا، أو يقع منه تقصير ظاهر في تطبيق هذه المعاني الشرعية كما ينبغي عند وجود المتقضي لها.

ولستُ أعني بذلك العصمة من الذنب، فذلك غير مراد قطعاً، وإنما أقصد أننا نخفق أحياناً ـ إلا من رحم الله ـ في تحقيق التقوى أو الصبر إذا جد الجد، وجاء موجبهما.

 

كلنا ـ أيها الإخوة ـ يحفظ أن التقوى هي فعل أوامر الله، واجتناب نواهيه.

وكلنا يدرك أن ذلك يحتاج إلى صبر ومصابرة، وحبس للنفس على مراد الله ورسوله، ولكن الشأن في النجاح في تطبيق هذين المعنيين العظيمين في أوانهما.

 

ولنا أن نتساءل ـ أيها الإخوة ـ هنا عن سر الجمع بين التقوى والصبر في هذه القاعدة القرآنية المحكمة: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}؟

والجواب: أن ذلك ـ والله أعلم ـ لأن أثر التقوى في فعل المأمور، وأما الصبر فأثره في الأغلب في ترك المنهي(1).

 

أيها القراء الأكارم:

إن لهذه القاعدة القرآنية الجليلة تطبيقاتٍ كثيرة في حياة المؤمن، بل وفيما يقرأه المسلم في كتاب ربه، ومن ذلك:

1 ـ ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية: تعليقاً على هذه القاعدة {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} في سورة يوسف صلى الله عليه وسلم:

"ثم إن يوسف ابتلي بعد أن ظُلِمَ بمن يدعوه إلى الفاحشة، ويراوده عليها، ويستعين عليه بمن يعينه على ذلك، فاستعصم واختار السجن على الفاحشة، وآثر عذاب الدنيا على سخط الله، فكان مظلوماً من جهة من أحبه لهواه، وغرضِه الفاسد... ثم تكلم على محنته مع إخوته، وكيف أنه تعرض لنوعين من الأذى فقابلهما بالتقوى والصبر:

 

أما الأذى الأول: فهو ظلم إخوته له، الذين أخرجوه من انطلاق الحرية إلى رق العبودية الباطلة بغير اختياره.

 

وأما الأذى الثاني: فهو ما تعرض له من ظلم امرأة العزيز، التي ألجأته إلى أن اختار أن يكون محبوساً مسجوناً باختياره.

 

ثم فرق الشيخ: بين صبره على أذى إخوته، وصبره على أذى امرأة العزيز، وقرر أن صبره على الأذى الذي لحقه من امرأة العزيز أعظم من صبره على أذى إخوته؛ لأن صبره على أذى إخوته كان من باب الصبر على المصائب التي لا يكاد يسلم منها أحد، وأما صبره على أذى امرأة العزيز فكان اختيارياً؛ واقترن به التقوى، ولهذا قال يوسف: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}.

 

ثم قال شيخ الإسلام ـ مبيناً اطراد هذه القاعدة القرآنية ـ: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} فقال:

"وهكذا إذا أوذي المؤمن على إيمانه، وطلب منه الكفر أو الفسوق أو العصيان ـ وإن لم يفعل أوذي وعوقب ـ اختار الأذى والعقوبة على فراق دينه: إما الحبس وإما الخروج من بلده، كما جرى للمهاجرين حين اختاروا فراق الأوطان على فراق الدين، وكانوا يعذبون ويؤذون.

 

وقد أوذي النبي صلى الله عليه وسلم بأنواع من الأذى فكان يصبر عليها صبراً اختيارياً، فإنه إنما يُؤذى لئلا يفعل ما يفعله باختياره، وكان هذا أعظم من صبر يوسف؛ لأن يوسف إنما طلب منه الفاحشة، وإنما عوقب ـ إذا لم يفعل ـ بالحبس، والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه طلب منهم الكفر، وإذا لم يفعلوا طلبت عقوبتهم بالقتل فما دونه، وأهون ما عوقب به الحبس... إلى أن قال:

فكان ما حصل للمؤمنين من الأذى والمصائب هو باختيارهم طاعة لله ورسوله لم يكن من المصائب السماوية التي تجري بدون اختيار العبد من جنس حبس يوسف لا من جنس التفريق بينه وبين أبيه وهذا أشرف النوعين وأهلها اعظم بدرجة وإن كان صاحب المصائب يثاب على صبره ورضاه وتكفر عنه الذنوب بمصائبه"(2).

 

2 ـ ومن تطبيقات هذه القاعدة القرآنية: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}:

تربيةُ النفس على التقوى والصبر على ما يسمى بعشق الصور، الذي أفسد قلوب فئام من الناس، بسبب تعلق قلوبهم بتلك الصور، سواء كانت صوراً حية، أم ثابتة.

ولقد عظمت الفتنة بهذه الصور في عصرنا هذا، الذي لم تعرف الدنيا عصراً أعظم منه في انتشار الصورة، والاحتراف في تصويرها، والتفنن في تغيير ملامحها، وتَيّسر الوصول إلى الصور المحرمة منها وغير المحرمة، عن طريق الإنترنت، والجوال، وغيرها من الوسائل.

 

فعلى المؤمن الناصح لنفسه أن يتقي ربه، وأن يجاهد نفسه في البعد عن هذا المرتع الوخيم ـ أعني تقليب النظر في الصور المحرمة ـ وأن يوقن أن ما يقذفه الله في قلبه من الإيمان والنور والراحة والطمأنينة سيكون أضعاف ما يجده من لذة عابرة بتلك الصور، ومن أراد أن يعرف مفاسد هذا الباب ـ أعني عشق الصور ـ فليقرأ أواخر كتاب العلامة ابن القيم: "الجواب الكافي" فقد أجاد وأفاد.

 

وليتذكر المبتلى بالعشق "أنه إذا عف عن المحرمات نظراً وقولاً وعملاً، وكتم ذلك، فلم يتكلم به حتى لا يكون في ذلك كلامٌ محرم: إما شكوى إلى المخلوق، وإما إظهار فاحشة، وإما نوعُ طلبٍ للمعشوق، وصَبَرَ على طاعة الله، وعن معصيته، وعلى ما في قلبه من ألم العشق، كما يصبر المصاب عن ألم المصيبة، فإن هذا يكون ممن اتقى الله وصبر، و{مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}" (3).

 

3 ـ ومن تطبيقات هذه القاعدة القرآنية العظيمة: {إِنّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} أن الإنسان قد يبتلى بحُساد يحسدونه على ما آتاه الله من فضله، وقد يجد من آثار هذا الحسد ألواناً من الأذى القولي أو الفعلي، كما وقع لأحد ابني آدم حين حسد أخاه؛ لأن الله تقبل قربانه ولم يتقبل قربان أخيه، وكما وقع ليوسف مع إخوته، وقد يقع هذا من المرأة مع ضرتها، أو من الزميل مع زميله في العمل.

 

وهذا النوع من الحسد، يقع غالباً بين المتشاركين في رئاسة أو مال أو عمل إذا أخذ بعضهم قسطاً من ذلك وفات الآخر؛ ويكون بين النظراء؛ لكراهة أحدهما أن يفضل الآخر عليه (4).

 

فعلى من ابتلي بذلك أن يتذكر هذه القاعدة القرآنية: {إِنّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}، وليتذكر ـ أيضاً ـ قوله تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا}.

 

4 ـ ومن تطبيقات هذه القاعدة القرآنية العظيمة:

ما تكرر الحديث عنه في سورة آل عمران في ثلاثة مواضع، كلها جاءت بلفظ: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا}.

الأول والثاني منهما: في ثنايا الحديث عن غزوة أحد، يقول سبحانه وتعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}[آل عمران: 120]، والثاني: في قوله سبحانه وتعالى: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِين} [آل عمران: 124، 125].

 

والموضع الثالث: في أواخر آل عمران ـ في سياق الحديث عن شيء من المنهج القرآني في التعامل مع أذى الأعداء من المشركين وأهل الكتاب ـ فقال سبحانه وتعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}[آل عمران: 186].

 

وهذه مواضع جديرة بالتأمل والتدبر، وأحرف هذه الحلقات لا تساعد على التوسع فيها، فأوصي بالرجوع إليها وتدبرها، وتأملها، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

وللأستماع للقاعدة صوتيا

 

 

وإلى لقاء آخر مع قاعدة جديدة بإذن الله تعالى ..

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

قاعدة جميلة جداا

بارك الله فيكِ أختي الحبيبة

 

أسأل الله تعالى أن يرزقنا دائمـــــــــاً التقوى والصبر في جميع أمورنا

وأن يجعلنا من المحسنين

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85.png

" القاعدة الثالثة والعشرون "

 

{وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}

 

نتحدث اليوم قاعدة من القواعد القرآنية التي جاءت ضمن سياق الحديث عن عادة من عادات أهل الجاهلية، الذين إذا أحرموا، لم يدخلوا البيوت من أبوابها، تعبدا بذلك، وظنا أنه بر، فأخبر الله أنه ليس ببر؛ لأن الله تعالى، لم يشرعه لهم، كما ثبت سبب هذا النزول في الصحيحين من حديث البراء رضي الله عنه.

 

قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [البقرة: 189].

 

* ومن تطبيقات هذه القاعدة:

 

ولئن كان سبب النزول الذي عالج ذلك الخطأ من أجلى وأظهر الصور التي عالجتها هذه القاعدة، فإن ثمة تطبيقات أخرى واسعة لهذه القاعدة القرآنية الجليلة {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}، تظهر لمن تتبع كلام العلماء عنها، أو في تطبيقاتهم العملية لها، ومن ذلك:

 

1 ـ عبادة الله تعالى، فإنها الطريق الموصل إلى الله عز وجل، ومن أراد أن يصل إلى الله، فعليه أن يسلك الطريق الموصل إليه سبحانه وتعالى، ولا يكون ذلك إلا بواسطة الطريق الذي سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

يقول العلامة ابن القيم رحمه الله:

 

"فالوصول إلى الله وإلى رضوانه بدونه محال، وطلب الهدى من غيره هو عين الضلال، وكيف يوصل إلى الله من غير الطريق التي جعلها هو سبحانه موصلة إليه؟ ودالة لمن سلك فيها عليه؟ بعث رسوله بها مناديا، وأقامه على أعلامها داعيا، وإليها هاديا، فالباب عن السالك في غيرها مسدود، وهو عن طريق هداه وسعادته مصدود، بل كلما ازداد كدحاً واجتهاداً: ازداد من الله طرداً وإبعاداً"

 

ويؤكد ذلك العلامة السعدي رحمه الله، في تعليقه على هذه القاعدة التي نحن بصدد الحديث عنها: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} فيقول: "وكل من تعبد بعبادة لم يشرعها الله ولا رسوله، فهو متعبد ببدعة، وأمرهم أن يأتوا البيوت من أبوابها لما فيه من السهولة عليهم، التي هي قاعدة من قواعد الشرع"

 

2 ـ ومن تطبيقات هذه القاعدة {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} أنه:

"يؤخذ من عمومها اللفظي والمعنوي أن كل مطلوب من المطالب المهمة ينبغي أن يؤتى من بابه، وهو أقرب طريق ووسيلة يتوصل بها إليه، وذلك يقتضي معرفة الأسباب والوسائل معرفة تامة؛ ليسلك الأحسن منها والأقرب والأسهل، والأقرب نجاحاً، لا فرق بين الأمور العلمية والعملية، ولا بين الأمور الدينية والدنيوية، ولا بين الأمور المتعدية والقاصرة، وهذا من الحكمة".

 

3 ـ ومن تطبيقات هذه القاعدة {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} إغلاقها لباب الحيل على الأحكام الشرعية، إلا فيما أذن فيه الشرع؛ ذلك أن المتحايل على الشريعة لم يأت الأمر من بابه، فخالف بذلك ما دلت عليه هذه القاعدة المحكمة.

 

يقول ابن القيم رحمه الله مبيناً شناعة فعل هؤلاء المتحايلين، الذين تفننوا في هذا الباب:

"فاستبيحت بحيلهم الفروج، وأخذت بها الأموال من أربابها فأعطيت لغير أهلها، وعطلت بها الواجبات، وضيعت بها الحقوق، وعجّت الفروج والأموال والحقوق إلى ربها عجيجاً، وضجت مما حل بها إليه ضجيجاً، ولا يختلف المسلمون أن تعليم هذه الحيل حرام، والإفتاء بها حرام، والشهادة على مضمونها حرام، والحكم بها مع العلم بحالها حرام".

 

فإذا تبين ذلك، فقارن كم هم الذين وقعوا في هذا المرتع الوخيم؟! ممن نصبوا أنفسهم للإفتاء في بعض المنابر الإعلامية، أو في بعض المواقع، وساعدهم على ذلك تراكض كثير من الناس في هذا الباب، وأدنى نظرة في الواقع، تبين أن الأمر جلل، والله المستعان.

 

4 ـومن تطبيقات هذه القاعدة {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}:

في باب طلب العلم شرعياً كان أم غير شرعي، وكذلك في طلب الرزق، فإن "كل من سلك طريقاً وعمل عملاً، وأتاه من أبوابه وطرقه الموصلة إليه، فلا بد أن يفلح وينجح ويصل به إلى غايته، كما قال تعالى: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}[البقرة: 189]، وكلما عظم المطلوب تأكد هذا الأمر، وتعين البحث التام عن أمثل وأقوم الطرق الموصلة إليه"

 

وما أجمل ما قاله قيس بن الخطيم:

إذا ما أتيت العزّ من غير بابه *** ضللتَ، وإن تقصد من الباب تهتد

 

5 ـومن تطبيقات هذه القاعدة {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}:

هو الحديث مع الناس، فإن الآية ترشد إلى أن المؤمن عليه أن يسلك الطريقة المناسبة في الحديث، فيعرف الموضوع المناسب الذي يحسن طرقُه، والوقت الملائم، ويعرف طبيعة الشخص أو الناس الذين يتحدث إليهم، فإن لكل مقام مقالاً، ولكل مجال جدالاً، ولكل حادثة مقاماً.

وعلى هذا فإذا أراد الإنسان أن يخاطب شخصاً كبير المنزلة في العلم أو الشرف، فلا يليق أن يخاطبه بما يخاطب سائر الناس؛ والحكمة في هذا هي المدار، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً.

 

6 ـومن تطبيقات هذه القاعدة {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}:

ما أشار إليه ابن الجوزي في كتابه الماتع "صيد الخاطر" حيث يقول رحمه الله:

"شكا لي رجل من بغضه لزوجته ثم قال: ما أقدر على فراقها لأمور: منها كثرة دينها علي، وصبري قليل، ولا أكاد أسلم من فلتات لساني في الشكوى، وفي كلمات تعلم بغضي لها.

فقلت له: هذا لا ينفع وإنما تؤتى البيوت من أبوابها، فينبغي أن تخلو بنفسك، فتعلم أنها إنما سلطت عليك بذنوبك، فتبالغ في الاعتذار والتوبة، فأما الضجر والأذى لها فما ينفع، كما قال الحسن البصري عن الحجاج بن يوسف: عقوبة من الله لكم، فلا تقابلوا عقوبته بالسيف، وقابلوها بالاستغفار.

 

وأعلم أنك في مقام مبتلى، ولك أجر بالصبر وعسى أن تكرهوا شيئاً، وهو خير لكم، فعامل الله سبحانه بالصبر على ما قضى، واسأله الفرج، فإذا جمعت بين الاستغفار وبين التوبة من الذنوب، والصبر على القضاء، وسؤال الفرج، حصلت ثلاثة فنون من العبادة تثاب على كل منها، ولا تُضَيّع الزمان بشيء لا ينفع، ولا تحتل ظاناً منك أنك تدفع ما قدر... وأما أذاك للمرأة فلا وجه له، لأنها مسلطة فليكن شغلك بغير هذا.

وقد روي عن بعض السلف أن رجلاً شتمه فوضع خده على الأرض وقال: اللهم اغفر لي الذنب الذي سَلّطَتَ هذا به علي" انتهى كلام ابن الجوزي رحمه الله.

 

والغرض الذي أردتُ منه ذكر هذه القصة: أن هذا الإمام الواعظ استخدم هذه القاعدة القرآنية {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}في علاج مشكلة هذا الرجل الاجتماعية، وما أكثر هذا النوع من المشاكل، لكن ما أقل من يستعمل قواعد القرآن، وهداياته في علاج مشاكل الناس الاجتماعية، إما تقصيراً في فهم هداياته، أو قصوراً في ذلك، والواجب علينا أن ننطلق في إصلاح مشاكلنا كلها مهما تنوعت من كتاب ربنا، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وأن نعتقد ذلك يقيناً؛ لأن الله تعالى يقول: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} في كل شيء: في أمر العقائد، وأحكام الحلال والحرام، والقضايا الاجتماعية، والاقتصادية والسياسية، ولكن الشأن فينا نحن، وفي تقصيرنا في تطلب حل مشاكلنا من كتاب ربنا تعالى، نسأل الله تعالى أن يعيننا على فهم كتابه، والاهتداء بهديه، والاستنارة بنوره.

 

وللإستماع إلى القاعدة من هنا

 

وإلى لقاء آخر مع قاعدة جديدة بإذن الله تعالى ..

تم تعديل بواسطة عروس القرآن

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بارك الله فيك حبيبتي عروس

 

وجاري الاستماع للقاعدة :)

 

وصصحي رقم القاعدة حبيبتي

(( القاعدة الثالثة والعشرون ))

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

وبارك فيكِ الرحمن أختي الحبيبة

أتمنى لكِ إستماع طيب :)

 

 

وصصحي رقم القاعدة حبيبتي

(( القاعدة الثالثة والعشرون ))

أعتذر أختي الحبيبة عن هذا الخطأ :unsure:

تم ذلك بفضل الله ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85.png

 

" القاعدة الرابعة والعشرون "

 

 

(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)

 

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فهذا ظل من ظلال حلقات هذا السلسلة المباركة؛ لنتوقف قليلاً عند قاعدة من القواعد القرآنية التي حفل بها كتاب ربنا عز وجل، تلكم هي القاعدة القرآنية التي دل عليها قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69].

 

وهذه الآية الكريمة جاءت في ختام سورة العنكبوت، والتي افتتحت بقوله تعالى: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 1 - 3].

 

وكأن ختام سورة العنكبوت بهذه القاعدة القرآنية: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} هو جواب عن التساؤل الذي قد يطرحه المؤمن ـ وهو يقرأ صدر سورة العنكبوت التي ذكرنا مطلعها آنفاً ـ تلك الكلمات العظيمة ـ التي تقرر حقيقة شرعية وسنة إلهية ـ في طريق الدعوة إلى الله تعالى، وذلك السؤال هو: ما المخرج من تلك الفتن التي حدثتنا عنها أول سورة العنكبوت؟! فيأتي الجواب في آخر السورة، في هذه القاعدة القرآنية المحكمة: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} فلا بد من الجهاد ـ بمعناه العام ـ ولا بد من الإخلاص، عندها تأتي الهداية، ويتحقق التوفيق بإذن الله.

 

ولا بد لكل من أراد أن يسلك طريقاً أن يتصور صعوباته؛ ليكون على بينة من أمره، وهكذا هو طريق الدعوة إلى الله، فلم ولن يكون مفروشاً بالورود والرياحين، بل هو طريق "تعب فيه آدم, وناح لأجله نوح, ورمى في النار الخليل, وأضجع للذبح إسماعيل, وبيع يوسف بثمن بخس, ولبث في السجن بضع سنين"(1).

أتدري لماذا أيها القارئ الكريم؟

لأن "الإيمان ليس كلمة تقال إنما هو حقيقة ذات تكاليف؛ وأمانة ذات أعباء؛ وجهاد يحتاج إلى صبر، وجهد يحتاج إلى احتمال. فلا يكفي أن يقول الناس: آمنا. وهم لا يتركون لهذه الدعوى، حتى يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم، كما تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به وهذا هو أصل الكلمة اللغوي وله دلالته وظله وإيحاؤه وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب"(2).

 

"فيا من نصبت نفسك للدعوة، وأقمت نفسك مقام الرسل الدعاة الهداة تحمَّل كلَّ ما يلاقيك من المحن بقلب ثابت، وجأش رابط، ولا تزعزعنَّك الكروب؛ فإنها مربِّية الرجال، ومهذِّبة الأخلاق، ومكوِّنة النفوس.

 

وإن رجلاً لم تعركه الحوادث، ولم تجرِّبه البلايا لا يكون رجل إصلاح ولا داعي خَلْقٍ إلى حقٍّ؛ فوطِّن النفس على تحمُّل المكروه، وابذل كل ما تستطيع من قوة ومال يهدك الله طريقاً رشداً، ويصلح بك جماعات بل أمماً [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ]"(3).

 

أيها القراء الكرام:

وإذا تبينت صلة هذه القاعدة القرآنية المذكورة في آخر سورة العنكبوت: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} ـ بأول السورة، فإن دلالات هذه القاعدة في ميدان الدعوة كبيرة ومتسعة جداً، وهي تدل بوضوح على أن من رام الهداية والتوفيق ـ وهو يسير في طريق الدعوة ـ فليحقق ذينك الأصلين الكبيرين اللذين دلّت عليهما هذه القاعدة:

1 ـ أما الأصل الأول: فهو بذل الجهد والمجاهدة في الوصول إلى الغرض الذي ينشده الإنسان في طريقه إلى الله تعالى.

 

2 ـ والأصل الثاني هو: الإخلاص لله، لقوله ـ: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} فليس جهادهم من أجل نصرة ذات، ولا جماعة على حساب أخرى، وليس من أجل لعاعة من الدنيا، أو ركض وراء كرسي أو منصب، بل هو جهادٌ في ذات الله تعالى.

 

وإنما نُبّه على هذا الأصل ـ وهو الإخلاص ـ مع كونه شرطاً في كل عمل، فإن السر ـ والله أعلم ـ لأن من الدعاة من قد يدفعه القيام بالدعوة، أو بأي عمل نافع، الرغبة في الشهرة التي نالها الداعية الفلاني، أو يدفعه نيل ثراء ناله المتحدث الفلاني.. فجاء التنبيه على هذا الأصل الأصيل في كل عمل صالح.

 

وثمة سرٌّ آخر ـ والله أعلم ـ في التنبيه على هذا الأصل، وهو: أن الإنسان قد يبدأ مخلصاً، ثم لا يلبث أن تنطفئ حرارة الإخلاص في نفسه كلما لاح أمام ناظريه شيء من حظوظ النفس، والأثرة، أو التطلع إلى جاه، والرغبة في العلو والافتخار، أو الانتصار.

 

"والعلل الناشئة عن فقدان الإخلاص كثيرة، وهي إذا استفحلت استأصلت الإيمان، وإذا قلّت تركت به ثُلماً شتى، ينفذ منها الشيطان")، لذا ليس غريباً أن يأتي التوكيد على هذا الأصل الأصيل في هذا المقام العظيم: مقام الجهاد والمجاهدة.

 

وإذا تقرر أن السورة مكية ـ على القول الصحيح من أقوال المفسرين ـ وهو الذي لم تجب فيه بعدُ شعيرة الجهاد بمعناه الخاص ـ وهو قتال المشركين لإعلاء كلمة الله ـ فإن ثمة معنى كبيراً تشير إليه هذه القاعدة: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}، وهو أن من أبلغ صور الجهاد: الصبر على الفتن بنوعيها: فتن السراء وفتن الضراء، والتي أشارت أوائل سورة العنكبوت إلى شيءٍ منها.

 

أيها المتأمل الكريم:

وهذه القاعدة القرآنية المحكمة: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} دلت على شيءٍ آخر، كما يقول ابن القيم:: "وهو أن أكمل الناس هدايةً أعظمهم جهاداً، وأفرض الجهاد جهاد النفس، وجهاد الهوى، وجهاد الشيطان، وجهاد الدنيا، فمن جاهد هذه الأربعة في الله، هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنته، ومن ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد... إلى أن قال:: ولا يتمكن من جهاد عدوه في الظاهر إلا من جاهد هذه الأعداء باطناً، فمن نُصِرَ عليها نُصِرَ على عدوه، ومن نصرتْ عليه نُصِرَ عليه عدوُه"

 

وفي كلمات الأعلام من سلف هذه الأمة، والتابعين لهم بإحسان ما يوسع دلالة هذه القاعدة:

فهذا الجنيد: يقول ـ في تعليقه على هذه القاعدة القرآنية: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} ـ:

والذين جاهدوا أهواءهم فينا بالتوبة؛ لنهدينهم سبل الإخلاص.

ولأهل العلم نصيب من هذه القاعدة، يقول أحمد بن أبي الحواري: حدثني عباس بن أحمد ـ في قوله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} قال: الذين يعملون بما يعلمون، نهديهم إلى ما لا يعلمون.

 

وهذا الذي ذكره هذا العالم الجليل هو معنى ما روي في الأثر: من علم بما عمل، ورّثه الله علم ما لم يعمل، وشاهد هذا في كتاب الله: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}[محمد: 17].

وكان عمر بن عبدالعزيز: يقول: "جهلنا بما علمنا تركنا العمل بما علمنا ولو عملنا بما علمنا لفتح الله على قلوبنا غلق ما لا تهتدي إليه آمالنا .

 

وفي واقع المسلمين أحوال تحتاج إلى استشعار معنى هذه القاعدة القرآنية: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}:

فمن له والدان كبيران مريضان، بحاجة أن يستشعر هذه القاعدة..

ومن سلك طريق طلب العلم، فطال عليه بعض الشيء بحاجة أن يتأمل معاني هذه القاعدة..

ومن فرّغ جزءً من وقته لتربية النشء، والشباب، أو لتعليم أبناء وبنات المسلمين كتابَ الله عز وجل ـ وقد دبّ عليه الفتور ـ هو بحاجة ماسّة ليتدبر هذه القاعدة..

 

وبالجملة، فكلُّ من نصب نفسه لعمل صالح، سواء كان قاصراً أم متعدياً، فعليه أن يتدبر هذه القاعدة كثيراً، فإنها بلسمٍ شافٍ في طريق السائرين إلى ربهم، ويوشك المؤمن أن ينسى كلَّ ما واجهه من تعب ونصب، إذا وضع قدمه على أول عتبة من عتابات الجنة، جعلني الله وإياكم ـ ووالدينا وذرياتنا ـ من أهلها، ومن الدعاة إلى دخولها.

 

 

وللأستماع للقاعدة

 

 

وإلى لقاء آخر مع قاعدة جديدة بإذن الله تعالى ..

 

 

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

ما شاء الله قاعدة جميلة جداا، ومهمة في حياتنا

بارك الله فيكِ محبة الحبيبة

نفعني الله تعالى إياكِ بها

 

كانت هناك ملاحظة صغيرة جداا

 

وكان عمر بن عبدالعزيز: يقول: "جهلنا بما علمنا تركنا العمل بما علمنا ولو علمنا بما علمنا لفتح الله على قلوبنا غلق ما لا تهتدي إليه آمالنا .

 

وكان عمر بن عبدالعزيز: يقول: "جهلنا بما علمنا تركنا العمل بما علمنا ولو عملنا بما علمنا لفتح الله على قلوبنا غلق ما لا تهتدي إليه آمالنا .

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أختي محبة الحبيبة

 

كان عندي إقتراح! ^_^

ما رأيك بتدارس كتاب في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، بجانب القواعد القرآنية :) ؟

أقترح كتاب "روضة الأنوار في سيرة النبى المُختار"

وقد حملة لكِ على هذا الرابط

 

وبالنسبة لحفظ القرآن ..

وإلى أين وصلتي؟

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

أختي محبة الحبيبة

 

كان عندي إقتراح! ^_^

ما رأيك بتدارس كتاب في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، بجانب القواعد القرآنية :) ؟

أقترح كتاب "روضة الأنوار في سيرة النبى المُختار"

وقد حملة لكِ على هذا الرابط

 

وبالنسبة لحفظ القرآن ..

وإلى أين وصلتي؟

 

تم التعديل حبيبتي .. بارك الله فيك

بالنسبة للكتاب الجديد اقتراح جميل وحفظته عندي .. وكم صفحة سندرس بالأسبوع ؟؟

 

واما بالنسبة لحفظ القرآن فقد توقفت لحد نصف سورة آل عمران ...

وأحتاج لمراجعة السور التي حفظتها قبل فترة ..

وبعدها سأكمل حفظ سورة آل عمران ان شاء الله

 

وأنتي أين وصلتي بالحفظ ؟؟

 

وبارك الله فيك رفيقتي الحبيبة :)

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

تم التعديل حبيبتي .. بارك الله فيك

بالنسبة للكتاب الجديد اقتراح جميل وحفظته عندي .. وكم صفحة سندرس بالأسبوع ؟؟

 

واما بالنسبة لحفظ القرآن فقد توقفت لحد نصف سورة آل عمران ...

وأحتاج لمراجعة السور التي حفظتها قبل فترة ..

وبعدها سأكمل حفظ سورة آل عمران ان شاء الله

 

وأنتي أين وصلتي بالحفظ ؟؟

 

وبارك الله فيك رفيقتي الحبيبة :)

 

وبارك فيكِ الرحمن أختي الحبيبة

 

بالنسبة للكتاب المقترح ، ما رأيك أن نقسمه على حسب عدد الصفحات؟

يعني كل واحده منا تقوم بقراءة عشر صفحات ثم تكتبه في صورة موجزه

وإذا كان عدد الصفحات كثير يمكن تقليله "على حسب مقدرو كل واحده منا"

ويكون ذلك بعد كل قاعدة قرآنيه تكتبيها ، بحيث يشمل الدرس " القاعدة، وجزء من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم"

هذا كان رأيي في كيفية العرض

فما رأيك؟ هل يناسبك ذلك

 

بالنسبة لحفظ القرآن وصلت في صفحتي إلى سورة الإسراء بفضل الله تعالى

وإن شاء الله تعالى نكمل الحفظ سوياً بعد إنتهائك من المراجعه

وفقكِ الله تعالى أختي الحبيبة ويسر لنا ولكِ الأمور :)

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85.png

" القاعدة الخامسة والعشرون "

 

{وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}

 

نتحدث اليوم قاعدة من القواعد القرآنية التي تتصل بفقه السنن الإلهية في الأمم والمجتمعات

* وقد تنوعت عبارات المفسرين في بيان المراد بهذه الآيات التي يرسلها ربنا تعالى، فمن قائل: هو الموت المتفشي الذي يكون بسب وباء أو مرض، ومن قائل: هي معجزات الرسل جعلها الله تعالى تخويفا للمكذبين، وثالث يقول: آيات الانتقام تخويفاً من المعاصي.

 

* وهذا الإمام ابن خزيمة: يبوب على أحاديث الكسوف بقوله: باب ذكر الخبر الدال على أن كسوفهما تخويف من الله لعباده، قال الله عز وجل:{وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}

 

 

* وكل هذه العبارات ـ في تنوعها ـ تشير إلى أن الآيات لا يمكن حصرها في شيء واحد، وما ذكره السلف ـ رحمهم الله ـ إنما هو عبارة عن أمثلة لهذه الآيات، وليس مرادهم بذلك حصر الآيات في نوع واحد منها، وهذه هي عادة السلف في أمثال هذه المواضع عندما يفسرونها.

 

* والمهم هنا أن يتأمل المؤمن والمؤمنة كثيراً في الحكمة من إرسال هذه الآيات ألا وهي التخويف، أي: حتى يكون الإنسان خائفاً وجلاً من عقوبة قد تنزل به.

 

* يقول قتادة: في بيان معنى هذه القاعدة القرآنية:{وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}: "إن الله يخوف الناس بما شاء من آية لعلهم يعتبرون، أو يذكرون، أو يرجعون، ذكر لنا أن الكوفة رجفت على عهد ابن مسعود، فقال: يأيها الناس إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه"

 

* وروى ابن أبي شيبة: في مصنفه من طريق صفية بنت أبي عبيد قالت: زلزلت الأرض على عهد عمر حتى اصطفقت السرر، فوافق ذلك عبد الله بن عمر وهو يصلي، فلم يدر، قال: فخطب عمر الناس وقال: لئن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم.

 

* وهذا التوارد في كلمات السلف في بيان معنى هذه الآية يؤكد أن السبب الأكبر في إرسال الآيات: هو تخويف العباد، وترهيبهم مما يقع منهم من ذنوب ومعاصٍ، لعلهم يرجعون إلى ربهم الذي أرسل لهم هذه الآيات والنذر، وإن لم يرجعو فإن هذه علامة قسوة في القلب ـ عياذاً بالله تعالى ـ كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)} [الأنعام: 42 - 44].

 

* وكما قال ربنا عز وجل: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: 76].

 

ـ فإن قلتَ: ما الجواب عما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال ـ لما سمع بخسف ـ: كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نعد الآيات بركة، وأنتم تعدونها تخويفا!

 

فالجواب أن مراد ابن مسعود -رضي الله عنه ـ كما بينه الإمام الطحاوي: ـ: أنا كنا نعدها بركة؛ لأنا نخاف بها فنزداد إيماناً وعملاً، فيكون ذلك لنا بركة، وأنتم تعدونها تخويفاً ولا تعملون معها عملاً، يكون لكم به بركة، ولم يكن ما قال عبد الله -رضي الله عنه ـ عندنا مخالفاً لما جاء به كتاب الله عز وجل من قول الله عز وجل: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} أي: تخويفاً لكم بها لكي تزدادوا عملا،وإيمانا فيعود ذلك لكم بركة"

 

* ومع وضوح هذا المعنى الذي دلت عليه هذه القاعدة القرآنية: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}،ومع ظهوره، إلا أن من المؤسف جداً أن يقرأ الإنسان أو يسمع بعض كتاب الصحف، أو المتحدثين على بعض المنابر الإعلامية من يسخرون أو يهوّنون من هذه المعاني الشرعية الظاهرة، ويريدون أن يختصروا الأسباب في وقوع الزلازل أو الفيضانات، أو الأعاصير ونحوها من الآيات العظام في أسباب مادة محضة، وهذا غلط عظيم!

 

* ونحن لا ننكر أن لزلزلة الأرض أسباباً جيولوجية معروفة، وللفضيانات أسبابها، وللأعاصير أسبابها المادية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: من الذي أمر الأرض أن تتحرك وتضطرب؟ ومن الذي أذن للماء أن يزيد عن قدره المعتاد في بعض المناطق؟ ومن الذي أمر الرياح أن تتحرك بتلك السرعة العظيمة؟ أليس الله؟ أليس الذي أرسلها يريد من عباده أن يتضرعوا له، ويستكينوا له لعله يصرف عنهم هذه الآيات؟!

 

ولا أدري! ألم يتأمل هؤلاء دلالة هذه القاعدة من الناحية اللغوية؟ فإنها جاءت بأسلوب الحصر: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}، فهي في قوة الحصر الذي دلّ عليه قوله تعالى ـ: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 62] ، وهي فقوة الحصر الذي دلّ عليه قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود: 6] ونحوها من الآيات.

 

* ثم ماذا يصنع هؤلاء الذين يهوّنون من شأن هذه الآيات ـ شعروا أم لم يشعروا، قصدوا أم لم يقصدوا ـ بمثل تلك التفسيرات المادية الباردة، ماذا يصنعون بما رواه البخاري ومسلم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح، قال: "اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشرما فيها وشر ما أرسلت به" قالت: وإذا تخيلت السماء ـ وهي سحابه فيها رعد وبرق يخيل إليه أنها ماطرة ـ تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سري عنه، فعرفت ذلك في وجهه، قالت عائشة: فسألته؟ فقال: لعله يا عائشة كما قال قوم عاد: {فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا}(5).

 

* ولا أدري كيف يجيب هؤلاء عن قوله تعالى في حق قوم نوح: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا} [نوح: 25]؟

 

* يقول ابن كثير: في بيان معنى قوله عز وجل:{مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ}: أي: من كثرة ذنوبهم وعتوهم وإصرارهم على كفرهم ومخالفتهم رسولهم: {أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} أي: نقلوا من تيار البحار إلى حرارة النار.

 

* وأما ما يورده بعض الناس من قولهم:

هناك بلاد أشد معصية من تلك البلاد التي أصابها ذلك الزلزال، ويوجد دول أشد فجوراً من تلك التي ضربها ذاك الإعصار، فهذه الإيرادات لا ينبغي أن تورد أصلاً؛ لأنها كالاعتراض على حكمة الله تعالى في أفعاله وقضائه وقدره، فإن ربنا يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد، والله يقضي بالحق، وربنا لا يُسأل عما يفعل، وله سبحانه وتعالى الحكمة البالغة، والعلم التام، ومن وراء الابتلاءات حكم وأسرار تعجز عقولنا عن الإحاطة بها، فضلاً عن إدراكها.

 

نسأل الله تعالى أن يرزقنا الاعتبار والادكار، والإتعاظ بما نوعظ به، ونعوذ بالله من قسوة القلب التي تحول دون الفهم عن الله وعن رسوله.

 

 

وللإستماع إلى القاعدة من هنا

بسم الله

وإلى لقاء آخر مع قاعدة جديدة بإذن الله تعالى ..

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

تم التعديل حبيبتي .. بارك الله فيك

بالنسبة للكتاب الجديد اقتراح جميل وحفظته عندي .. وكم صفحة سندرس بالأسبوع ؟؟

 

واما بالنسبة لحفظ القرآن فقد توقفت لحد نصف سورة آل عمران ...

وأحتاج لمراجعة السور التي حفظتها قبل فترة ..

وبعدها سأكمل حفظ سورة آل عمران ان شاء الله

 

وأنتي أين وصلتي بالحفظ ؟؟

 

وبارك الله فيك رفيقتي الحبيبة :)

 

وبارك فيكِ الرحمن أختي الحبيبة

 

بالنسبة للكتاب المقترح ، ما رأيك أن نقسمه على حسب عدد الصفحات؟

يعني كل واحده منا تقوم بقراءة عشر صفحات ثم تكتبه في صورة موجزه

وإذا كان عدد الصفحات كثير يمكن تقليله "على حسب مقدرو كل واحده منا"

ويكون ذلك بعد كل قاعدة قرآنيه تكتبيها ، بحيث يشمل الدرس " القاعدة، وجزء من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم"

هذا كان رأيي في كيفية العرض

فما رأيك؟ هل يناسبك ذلك

 

بالنسبة لحفظ القرآن وصلت في صفحتي إلى سورة الإسراء بفضل الله تعالى

وإن شاء الله تعالى نكمل الحفظ سوياً بعد إنتهائك من المراجعه

وفقكِ الله تعالى أختي الحبيبة ويسر لنا ولكِ الأمور :)

 

بارك الله فيك يا غالية

وأقتراحك جيد حبيبتي .. بس لنقلل الصفحات الى 5

فوقتي ضيق :(

 

وان شاء الله سأكمل الحفظ قريبا

وبارك الله فيك يا اختي الحبيبة

ولا حرمني منك ابدا

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85.png

القاعدة السادسة والعشرون:

(إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فهذا لقاء يتجدد مع قاعدة قرآنية عظيمة الصلة بواقع الناس، وازدادت الحاجة إلى التنويه بها في هذا العصر الذي اتسعت فيه وسائل نقل الأخبار، تلكم هي القاعدة القرآنية التي دل عليها قول الله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6].

 

وهذه القاعدة القرآنية الكريمة جاءت ضمن سياق الآداب العظيمة التي أدب الله بها عباده في سورة الحجرات، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات: 6]}.

 

ولهذه الآية الكريمة سبب نزول توارد المفسرون على ذكره، وخلاصته أن الحارث بن ضرار الخزاعي رضي الله عنه ـ سيد بني المصطلق ـ لما أسلم اتفق مع النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعث له ـ في وقت اتفقا عليه ـ جابياً يأخذ منه زكاة بني المصطلق، فخرج رسولُ رسولِ صلى الله عليه وسلم لكنه خاف فرجع في منتصف الطريق، فاستغرب الحارث بن ضرار تأخر رسولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وفي الوقت ذاته لما رجع الرسول إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله! إن الحارث منعني الزكاة، وأراد قتلي، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث إلى الحارث، فالتقى البعث الذين بعثهم الرسول صلى الله عليه وسلم مع الحارث بن ضرار في الطريق، فقال لهم: إلى من بعثتم؟ قالوا: إليك! قال: ولم؟ قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث إليك الوليد بن عقبة، فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله! قال: لا والذي بعث محمداً بالحق، ما رأيته بتة ولا أتاني، فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال: منعت الزكاة وأردت قتل رسولي؟! قال: لا والذي بعثك بالحق، ما رأيته ولا أتاني، وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، خشيت أن تكون كانت سخطة من الله عز وجل ورسوله، قال فنزلت الحجرات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} انتهى الحديث مختصراً، وقد رواه الإمام أحمد بسند لا بأس به، ويعضده الإجماع الذي حكاه ابن عبدالبر على أنها نزلت في هذه القصة.

 

وجاء في قراءة سبعيّة: {فتثبتوا} وهذه القراءة تزيد الأمر وضوحاً، فهي تأمر عموم المؤمنين حين يسمعون خبراً أن يتحققوا بأمرين:

الأول: التثبت من صحة الخبر.

الثاني: التبيّن من حقيقته.

فإن قلتَ: فهل بينهما فرقٌ؟

فالجواب: نعم، لأنه قد يثبت الخبر، ولكن لا يُدْرى ما وجهه!

 

ولعلنا نوضح ذلك بقصة وقعت فصولها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مسجده ليوصل زوجته صفية رضي الله عنها إلى بيتها، فرآه رجلان، فأسرعا المسير فقال: على رسلكما إنها صفية.

 

فلو نقل ناقل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يمشي مع امرأة في سواد الليل لكان صادقاً، لكنه لم يتبين حقيقة الأمر، وهذا هو التبين.

وهذا مثال قد يواجهنا يومياً: فقد يرى أحدنا شخصاً دخل بيته والناس متجهون إلى المساجد لأداء صلاتهم.

فلو قيل: إن فلاناً دخل بيته والصلاة قد أقيمت، لكان ذلك القول صواباً، لكن هل تبين سبب ذلك؟ وما يدريه؟! فقد يكون الرجل لتوه قدم من سفر، وقد جمَعَ جمْع تقديم فلم تجب عليه الصلاة أصلاً، أو لغير ذلك من الأعذار.

 

وهذا مثال آخر قد يواجهنا في شهر رمضان مثلاً:

قد يرى أحدنا شخصاً يشرب في نهار رمضان ماءً أو عصيراً، أو يأكل طعاماً في النهار، فلو نقل ناقل أنه رأى فلاناً من الناس يأكل أو يشرب لكان صادقاً، ولكن هل تبين حقيقة الأمر؟ قد يكون الرجل مسافراً وأفطر أول النهار فاستمر في فطره على قول طائفة من أهل العلم في إباحة ذلك، وقد يكون مريضاً، وقد يكون ناسياً،... الخ تلك الأعذار.

 

أيها القراء الكرام:

وفي هذه القاعدة القرآنية دلالات أخرى، منها:

1 ـ أن خبر العدل مقبول غير مردود، اللهم إلا إن لاحت قرائن تدل على وهمه وعدم ضبطه فإنه يرد.

2 ـ "أنه سبحانه لم يأمر بردِّ خبر الفاسق وتكذيبه ورد شهادته جملةً، وإنما أمر بالتبين، فإن قامت قرائن وأدلة من خارج تدل على صدقه عمل بدليل الصدق، ولو أخبر به من أخبر"(1).

3 ـ ومنها: أنها تضمنت ذم التسرع في إذاعة الأخبار التي يخشى من إذاعتها، ولقد عاب ربنا تبارك وتعالى هذا الصنف من الناس، كما في قوله عز وجل: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]، وقال تعالى:{بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} [يونس: 39] .

4 ـ أن في تعليل هذا الأدب بقوله: {أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} ما يوحي بخطورة التعجل في تلقي الأخبار عن كل أحدٍ، خصوصاً إذا ترتب على تصديق الخبر طعنٌ في أحد، أو بهتٌ له.

 

إذا تبين هذا المعنى، فإن من المؤسف أن يجد المسلم خرقاً واضحاً من قبل كثير من المسلمين لهذه القاعدة القرآنية المحكمة: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}، وازداد الأمر واتسع مع وسائل الاتصال المعاصرة كأجهزة الجوال والإنترنت وغيرها من الوسائل!

 

وأعظم من يكذب عليه من الناس في هذه الوسائل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فكم نسبت إليه أحاديث، وقصص لا تصح عنه، بل بعضها كذب عليه، لا يصح أن ينسب لآحاد الناس فضلاً عن شخصه الشريف صلى الله عليه وسلم.

 

ويلي هذا الأمر في الخطورة التسرع في النقل عن العلماء، خصوصاً العلماء الذين ينتظر الناس كلمتهم، ويتتبعون أقوالهم، وكلُّ هذا محرم لا يجوز، وإذا كنا أمرنا في هذه القاعدة القرآنية: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} أن نتحرى ونتثبت من الأخبار عموماً، فإنها في حق النبي صلى الله عليه وسلم وحق ورثته أشد وأشد.

 

ومثل ذلك يقال: في النقل عما يصدر عن ولاة أمور المسلمين، وعن خواص المسلمين ممن يكون لنقل الكلام عنهم له أثره، فالواجب التثبت والتبين، قبل أن يندم الإنسان ولات ساعة مندم.

 

ولا يقتصر تطبيق هذه القاعدة القرآنية: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} على ما سبق ذكره، بل هي قاعدة يحتاجها الزوجان، والآباء مع أبنائهم، والأبناء مع آبائهم.

ولله كم من بيت تقوضت أركانه بسبب الإخلال بهذه القاعدة القرآنية!

 

هذه رسالة قد تصل إلى جوال أحد الزوجين، فإن كانت من نصيب جوال الزوجة، واطلع الزوج عليها، سارع إلى الطلاق قبل أن يتثبت من حقيقة هذه الرسالة التي قد تكون رسالة طائشة جادة أو هازلة جاءت من مغرض أو على سبيل الخطأ!

وقل مثل ذلك: في حق رسالة طائشة جادة أو هازلة تصل إلى جوال الزوج، فتكتشفها الزوجة، فتتهم زوجها بخيانة أو غيرها، فتبادر إلى طلب الطلاق قبل أن تتثبت من حقيقة الحال!

ولو أن الزوجين أعملا هذه القاعدة القرآنية: {فَتَبَيَّنُوا} لما حصل هذا كلّه.

 

وإذا انتقلتَ إلى ميدان الصحافة أو غيرها من المنابر الإعلامية، وجدت عجباً من خرق سياج هذا الأدب.. فكم من تحقيقات صحفية بنيت على خبر إما أصله كذب، أو ضُخّم وفُخّم حتى صُور للقراء على أن الأمر بتلك الضخامة والهول، وليس الأمر كما قيل!

 

والواجب على كل مؤمن معظم لكلام ربه أن يتقي ربه، وأن يتمثل هذا الأدب القرآني الذي أرشدت إليه هذه القاعدة القرآنية الكريمة: {فَتَبَيَّنُوا}.

جعلنا الله وإياكم من المتأدبين بأدب القرآن العاملين به، وإلى لقاء جديد بإذن الله، والحمد لله رب العالمين.

 

وللأستماع الى القاعدة

 

 

وإلى لقاء آخر مع قاعدة جديدة بإذن الله تعالى ..

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85.png

بسم الله الرحمن الرحيم

 

روضة الأنوار في سيرة النبي المختار

 

DU1003.jpg

 

محمد ـ صلى الله عليه وسلم - أصله ، ونشأته ، وأحواله قبل النبوة

النسب الشريف :

هو أكرم خلق الله ، وأفضل رسله ، وخاتم أنبيائه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .

وعدنان من ذرية إسماعيل بن إبراهيم – عليهما السلام – بالاتفاق ، ولكن لم يعرف بالضبط عدد ولا أسماء من بينه وبين إسماعيل عليه السلام .

أما أمه - صلى الله عليه وسلم - فهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب . وكلاب هو الجد الخامس للنبي - صلى الله عليه وسلم - من جهة أبيه ، فأبوه وأمه من أصل واحد ، يجتمعان في كلاب ، واسمه حكيم . وقيل : عروة لكنه كان كثير الصيد بالكلاب فعرف بها .

 

قبيلته - صلى الله عليه وسلم - :

وقبيلته - صلى الله عليه وسلم - هي قبيلة قريش المشهود لها بالشرف ، ورفعة الشأن ، والمجد الأصيل ، وقداسة المكان بين سائر العرب ، وهو لقب فهر بن مالك أو النضر بن كنانة .

وكل من رجالات هذه القبيلة كانوا سادات وأشرافاً في زمانهم ، وقد امتاز منهم قصي – واسمه زيد – بعدة ميزات ، فهو أول من تولى الكعبة من قريش ، فكانت إليه حجابتها وسدانتها ، أي كان بيده مفتاح الكعبة يفتحها لمن شاء ومتى شاء ، وهو الذي أنزل قريشاً ببطن مكة ، وأسكنهم في داخلها ، وكانوا قبل ذلك في ضواحيها وأطرافها ، متفرقين بين قبائل أخرى ، وهو الذي أنشأ السقاية والرفادة . والسقاية . ماء عذب من نبيذ التمر أو العسل أو الزبيب ونحوه ، كان يعده في حياض من الأديم يشربه الحجاج . والرفادة : طعام كان يصنع لهم في الموسم . وقد بنى قصي بيتاً بشمالي الكعبة ، عرف بدار الندوة . وهي دار شورى قريش ، ومركز تحركاتهم الاجتماعية ، فكان لا يعقد نكاح ، ولا يتم أمر إلا في هذه الدار ، وكان بيده اللواء والقيادة ، فلا تعقد راية حرب إلا بيده ، وكان كريماً وافر العقل ، صاحب كلمة نافذة في قومه .

 

أسرته - صلى الله عليه وسلم - :

أما أسرته - صلى الله عليه وسلم - فتعرف بالأسرة الهاشمية ، نسبة إلى جدة الثاني هاشم ، وقد ورث هاشم من مناصب قصي : السقاية والرفادة ، ثم ورثهما أخوه المطلب ، ثم أولاد هاشم إلى أن جاء الإسلام وهم على ذلك ، وكان هاشم أعظم أهل زمانه ، كان يهشم الخبز ، أي يفتته في اللحم ، فيجعله ثريداً ، ثم يتركه يأكل الناس ، فلقب بهاشم ، واسمه عمرو . وهو الذي سن الرحلتين : رحلة الشتاء إلى اليمن ، ورحلة الصيف إلى الشام ، وكان يعرف بسيد البطحاء .

ومن حديثه : أنه مر بيثرب ، وهو في طريق تجارته إلى الشام ، فتزوج سلمى بنت عمرو من بني عدي بن النجار ، وأقام عندها فترة ، ثم مضى إلى الشام وهي حامل ، فمات بغزة من أرض فلسطين ، وولدت سلمى ابناً بالمدينة سمته : شيبة ، لشيب في رأسه ، ونشأ هذا الطفل بين أخواله في المدينة ، ولم يعلم به أعمامه بمكة حتى يبلغ نحو سبع سنين أو ثماني سنين ، ثم علم به عمه المطلب ، فذهب به إلى مكة ، فلما رآه الناس ظنوه عبده فقالوا : عبد المطلب ، فاشتهر بذلك .

وكان عبد المطلب أوسم الناس ، وأجملهم ، وأعظمهم قدراً . وقد شرف في زمانه شرفاً لم يبلغه أحد ، كان سيد قريش وصاحب عير مكة ، شريفاً مطاعاً جواداً يسمى بالفياض لسخائه ، كان يرفع من مائدته للمساكين والوحوش والطيور ، فكان يلقب بمطعم الناس في السهل ، والوحوش والطيور في رؤوس الجبال . قد تشرف بحفر بئر زمزم بعد أن كان قد درسها جرهم عند جلائهم عن مكة ، وكان قد أمر بحفرها في المنام ، ووصف له موضعها فيه .

وفي عهده وقعت حادثة الفيل ، جاء أبرهة الأشرم من اليمن بستين ألف جندي من الأحباش ، ومعه بعض الفيلة ، ليهدم الكعبة ، فلما وصل إلى وادي محسر بين المزدلفة ومنى ، وتهيأ للهجوم على مكة أرسل الله عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل ، فجعلهم كعصف مأكول ، وكان ذلك قبل مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - بأقل من شهرين فقط .

أما والده - صلى الله عليه وسلم - عبدالله فكان أحسن أولاد عبد المطلب ، وأعفهم ، وأحبهم إليه ، وهو الذبيح ، وذلك أن عبد المطلب لما حفر بئر زمزم ، وبدت آثارها نازعته قريش ، فنذر لئن آتاه الله عشرة أبناء ، وبلغوا أن يمنعوه ، ليذبحن أحدهم . فلما تم له ذلك أقرع بين أولاده ، فوقعت القرعة على عبدالله ، فذهب إلى الكعبة ليذبحه ، فمنعته قريش ، ولا سيما إخوانه وأخواله ، ففداه بمائة من الإبل ، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - ابن الذبيحين : إسماعيل – عليه السلام –وعبد الله ، وابن المفديين ، فدي إسماعيل – عليه السلام – بكبش ، وفدي عبد الله بمائة من الإبل .

واختار عبد المطلب لابنه عبد الله آمنه بنت وهب ، وكانت أفضل نساء قريش شرفاً وموضعاً ، وكان أبوها وهب سيد بني زهرة نسباً وشرفاً ، فتمت الخطبة والزواج ، وبنى بها عبد الله بمكة فحملت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وبعد فترة أرسله عبد لمطلب إلى المدينة – أو الشام في تجارة – فتوفي بالمدينة – راجعاً من الشام – ودفن في الدار النابغة الذبياني ، وذلك قبل ولادته - صلى الله عليه وسلم - على الأصح .

المولد :

ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشعب بني هاشم في مكة ، صبيحة يوم الاثنين ، التاسع – ويقال : الثاني عشر – من شهر ربيع الأول عام الفيل – والتاريخ الأول أصح والثاني أشهر – وهو يوافق اليوم الثاني والعشرون من شهر أبريل سنة 571م .

وكانت قابلته أي دايته : الشفاء بنت عمرو أم عبد الرحمن بن عوف - t - ولما ولدته أمه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام . وأرسلت إلى جده عبد المطلب تبشره بولادته - صلى الله عليه وسلم - فجاء عبد المطلب مستبشراً مسروراً ، وحمله ، فأدخله الكعبة ، وشكر الله ، ودعاه ، وسماه محمداً ، رجاء أن يحمد ، وعق عنه ، وختنه يوم سابعه ، وأطعم الناس كما كان العرب يفعلون .

وكانت حاضنته أم أيمن : بركة الحبشية ، مولاة والده عبد الله ، وقد بقيت حتى أسلمت ، وهاجرت ، وتوفيت بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بخمسة أشهر ، أو بستة أشهر .

 

الرضــاع :

وأول من أرضعته - صلى الله عليه وسلم - بعد أمه ثويبة : مولاة أبي لهب بلبن ابن لها ، يقال له مسروح ، وكانت قد أرضعت قبله - صلى الله عليه وسلم - حمزة بن عبد المطلب وبعده - صلى الله عليه وسلم - أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي ، فهم إخوته - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة .

وقد أعتق أبو لهب أمته هذه فرحاً بولادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكنه صار من ألد أعدائه حينما قام بالدعوة إلى الإسلام .

 

في بني سعد :

كان من عادة العرب أن يلتمسوا المراضع لمواليدهم في البوادي ، إبعاداً لهم عن أمراض الحواضر حتى تشتد أعصابهم ، وليتقنوا اللسان العربي في مهدهم .

وقدر الله أن جاءت نسوة من بني سعد بن بكر بن هوزان يطلبن الرضعاء فعرض النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهن كلهن ، فأبين أن يرضعنه لأجل يتمه . ولم تجد إحدى النسوة – وهي حليمة بنت أبي ذويب – رضيعاً فأخذته - صلى الله عليه وسلم - وحظيت به حظوة اغتبط لها الآخرون .

واسم أبي ذويب والد حليمة : عبد الله بن الحارث ، واسم زوجها : الحارث ابن عبد العزى ، وكلاهما ن سعد بن بكر بن هوازن . وأولاد الحارث بن عبد العزى ، إخوته - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة هم : عبد الله وأنيسة وجدامة ، وهي الشيماء ، لقب غلب على اسمها ، وكانت تحضن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

 

بركات في بيت الرضاعة :

وقد درت البركات على أهل هذا البيت مدة وجوده - صلى الله عليه وسلم - بينهم .

ومما روي من هذه البركات : أن حليمة لما جاءت إلى مكة كانت الأيام أيام جدب وقحط ، وكانت معها أتان كانت أبطأ دابة في الركب مشياً لأجل الضعف والهزال ، وكانت معها ناقة لا تدر بقطرة من لبن ، وكان لها ولد صغير يبكي ويصرخ طول الليل لأجل الجوع ، ولا ينام ، ولا يترك أبويه ينامان .

فلما جاءت حليمة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى رحلها ، ووضعته في حجرها أقبل عليه ثدياها بما شاء من لبن ، فشرب حتى روي ، وشرب معه ابنها الصغير حتى روى ، ثم ناما .

وقام زوجها إلى الناقة فوجدها حافلاً باللبن ، فحلب منها ما انتهيا بشربه رياً وشبعاً ، ثم باتا بخير ليلة .

ولما خرجا راجعين إلى بادية بني سعد ركبت حليمة تلك الأتان ، وحملت معها النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسرعت الأتان حتى قطعت بالركب ، ولم يستطع لحوقها شئ من الحمر .

ولما قدما في ديارهما : ديار بني سعد – وكان أجدب أرض الله – كانت غنمهما تروح عليهما شباعاً ممتلئة الخواصر بالعلف ، ممتلئة الضروع باللبن . فكانا يحلبان ويشربان ، وما يحلب إنسان قطرة لبن .

فلم يزالا يعرفان من الله الزيادة والخير حتى اكتملت مدة الرضاعة ومضت سنتان ففطمته حليمة ، وقد اشتد وقوي في هذه الفترة .

 

يتبع بأذن الله ~

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بارك الله فيك يا غالية

وأقتراحك جيد حبيبتي .. بس لنقلل الصفحات الى 5

فوقتي ضيق :(

 

وان شاء الله سأكمل الحفظ قريبا

وبارك الله فيك يا اختي الحبيبة

ولا حرمني منك ابدا

 

لامانع عندي أختي الحبيبة أن نقلل عدد الصفحات إلى خمسة ، عندك حق في ذلك

وبارك فيكِ الرحمن أختي الحبيبة ، وسهل أموركِ بإذنه تعالى

ووفقني الله تعالى وإياكِ لما يحبه ويرضى :)

 

وجاري الإستماع إلى القاعدة "السادسة والعشرون"

وقراءة الحلقة الأولى من كتاب "روضة النوار في سيرة النبي المختار" صلى الله عليه وسلم

بارك الله فيكِ أختي الحبيبة وزادكِ من فضله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بسم الله ما شاء الله على حبيباتى

 

أعتذر لكما عن ابتعادى بعض الوقت :blush:

 

سأتابع مذاكرة معكما حبيبتاى فصفحتكما جد رااااااائعة

 

السادسة : اللهم اجعلنا ممن يصلح بين النا س إلا فى حد من حدود الله عز وجل حتى لايلتبس الأمر عندنا

 

السابعة : رااائعة فكم من الناس يــُكافأ باللوم والعتاب فعلا بعد خير ٍ قام به أو شرع فيه

 

الثامنة : فى زماننا هذا غالبا يزرون وزر أخرى إلا من رحم ربى

 

بارك الله فيكما ونفع بكما وتبوأتما من الجنة منزلا

 

وخدونى معكم حبيباتى فأنا أحبكم فى الله :)

  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

 

بارك الله فيكما ونفع بكما وتبوأتما من الجنة منزلا

 

وخدونى معكم حبيباتى فأنا أحبكم فى الله :)

 

وبارك فيكِ الرحمن خالتي الحبيبة

واللهـــــــــم آميــــــــــــن على دعواتكِ الغالية، ولكِ بمثلها

وأهلاً بكِ بيننا، يسعدنا ذلك

أحبكِ الله الذي أحببتنا فيه :)

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85.png

" القاعدة السابعة والعشرون "

 

{وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ}

 

نتحدث اليوم قاعدة من القواعد القرآنية عظيمة القدر؛ لعظيم أثرها في حياة العبد، وقوة صلتها بتلك المضغة التي بين النبي صلى الله عليه وسلم أن صلاحها صلاح لبقية الجسد، وفسادها فساد له

 

* التزكية في اللغة مصدر زكى الشيء يزكيه، وهي تطلق ويراد بها معنيان:

 

المعنى الأول: التطهير، ومنه قوله تعالى عن يحيى عليه السلام: (وزكاة وكان تقياً)، فإن الله زكاه وطهر قلبه وفؤاده، وهذا تطهير معنوي، ويطلق على التطهير الحسي، يقال: زكيت الثوب إذا طهرته.

 

والمعنى الثاني: هو الزيادة، يقال زكى المال يزكوا إذا نمى.

 

وكلا المعنيين اللغويين مقصودان في الشرع، لأن تزكية النفس شاملة للأمرين: تطهيرها وتخليتها من الأدران والأوساخ الحسية والمعنوية، وتنميتها وتحليتها بالأوصاف الحميدة والفاضلة، فالزكاة ـ باختصار ـ تدور على أمرين: التخلية، والتحلية.

 

* والمقصود بالتخلية: أي تطهير القلب من أدران الذنوب والمعاصي، والمقصود بالتحلية: أي تحلية النفس بمكارم الأخلاق، وطيب الشمائل، وهما عمليتان تسيران جنباً إلى جنب، فالمؤمن مطالب بالتنقِّي من العيوب، كالرياء والكبر، والكذب والغش، والمكر والخداع والنفاق، ونحو ذلك من الأخلاق الرذيلة، ومطالب بالتحلَّى بالأخلاق الجميلة، من الصدق، والإخلاص، والتواضع، ولين الجانب، والنصح للعباد، وسلامة الصدر من الحقد والحسد وغيرهما من مساوئ الأخلاق، فإن تزكيته يعود نفعها إليه، ويصل مقصودها إليه، ليس يضيع من عمله شيء"

 

وعلى هذا المعنى جاءت الآيات القرآنية بالأمر بتزكية النفس وتهذيبها، كقوله تعالى: "قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى" وقال سبحانه "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها" ـ وكما في هذه القاعدة القرآنية التي نحن بصددها:{وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ}

 

* وهذه الآية جاءت في سورة فاطر ضمن السياق التالي، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)} فاطر

 

* قال العلامة ابن عاشور رحمه الله: "وجملة{وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} تذييلٌ جار مجرى المثل، وذكر التذييل عقب المذيل يؤذن بأن ما تضمنه المذيَّل داخل في التذييل بادىء ذي بدء مثل دخول سبب العام في عمومه من أول وهلة دون أن يُخص العام به، فالمعنى: أن الذين خَشُوا ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة هم ممّن تزكى فانتفعوا بتزكيتهم، فالمعنى: إنما ينتفع بالنذارة الذين يخشون ربهم بالغيب فأولئك تزكوا بها ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه.

 

* والمقصود من القصر في قوله: { فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} أن قبولهم النذارة كان لفائدة أنفسهم، ففيه تعريض بأن الذين لم يعبأوا بنذارته تركوا تزكية أنفسهم بها فكان تركهم ضراً على أنفسهم"

 

إن من تأمل نصوص القرآن وجد عناية عظيمة بمسألة تزكية النفوس:

فهذا خليل الرحمن حينما دعا بأن يبعث من ذريته رسولاً، ذكر من جملة التعليلات: تزكية الناس الذين سيدعوهم، فقال تعالى: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[البقرة: 129]

 

وربنا تعالى يذكر عباده بمنته عليهم، حين استجاب دعوة خليله إبراهيم، وأن من أعظم وظائفه هي تزكية نفوسهم، فقال تعالى (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [آل عمران: 164]، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِين} [الجمعة: 2].

 

ولما دعا نبي الله موسى فرعون اختصر له دعوته في جملتين: {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النازعات: 18، 19].

 

ومن تأمل سورة الشمس، أدرك عظيم هذه الغاية، وخطورة هذه العبادة الجليلة، فإن الله تعالى أقسم أحد عشر قسماً متتابعاً على أن فلاح النفس لا يكون إلا بتزكيتها! ولا يوجد في القرآن نظير لهذا ـ أعني تتابع أحد عشر قسماً على مُقْسَمٍ واحد ـ وهو ـ بلا ريب ـ دليل واضح، وبرهان ساطع على خطورة هذا الموضوع.

 

 

إن منطوق هذه القاعدة القرآنية: {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} يدل بوضوح أن أعظم أثر لهذه التزكية هو أثرها على نفسي المتزكي، ومفهومها يتضمن تهديداً: أنك إن لم تتزكَ يا عبدالله، فإن أعظم متضرر بإهمال التزكية هو أنت.

 

ولئن كانت هذه القاعدة تعني كل مسلم يسمعها، فإن حظ الداعيةِ وطالبِ العلم منها أعظم وأوفر، لأن الأنظار إليه أسرع، والخطأ منه أوقع، والنقد عليه أشد، ودعوته يجب أن تكون بحاله قبل مقاله.

 

* ولعظيم منزلة تزكية النفس في الدين، كان الأئمة والعلماء المصنفون في العقائد يؤكدون على هذا الأمر بعبارات مختلفة، منها ما ذكره شيخ الإسلام ابنُ تيميه رحمه الله جملةً من الصفات السلوكية والأخلاقية لأهل السنّةِ ومن ذلك قولُه: "يأمرون بالصبر عند البلاء والشكرِ عند الرخاء،ويدعون إلى مكارمِ الأخلاق ومحاسن الأعمالِ، ويعتقدون معنى قولِه صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنُهُم خلقاُ" ويأمرون بمعالي الأخلاق وينهون عن سفاسفها"

 

* وإنما نص أئمة الدين على ذلك؛ لأن هناك تلازماً وثيقاً بين السلوك والاعتقاد: فالسلوك الظاهرُ مرتبطٌ بالاعتقادِ الباطن، فأيُّ انحرافٍِ في الأخلاقِ إنما هو من نقص الإيمان الباطن، قال ابنُ تيميه رحمه الله (إذا نقصت الأعمالُ الظاهرةُ الواجبةُ، كانَ ذلك لنقص ما في القلب من الإيمان، فلاُ يتصور مع كمال الإيمان الواجب الذي في القلب، أن تُعدم الأعمالُ الظاهرةُ الواجبةُ"

 

ويقول الشاطبيُّ رحمه الله: "الأعمالُ الظاهرةُ في الشرع دليلٌ على ما في الباطن فإذا كان الظاهرُ منخرماً أو مستقيماً حكم على الباطن بذلك"

فالسلوكُ والاعتقادُ متلازمان، كذلك فإن من الأخلاقِ والسلوك ما هو من شُعَبِ الإيمان.

 

ولهذا ـ لما ظن بعض الناس ومنهم بعض طلاب العلم ـ أن أمر التزكية سهلٌ أو يسير أو من شأن الوعاظ فحسب ـ يقال ذلك إما بلسان الحال أو بلسان المقال ـ وُجِدَت صورٌ كثيرة من التناقضات والفصام النكد بين العلم والعمل!

 

إن سؤالاً يتبادر إلى الذهن ونحن نتحدث عن هذه القاعدة القرآنية:{وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ}كيف نزكي نفوسنا؟ والجواب عن هذا يطول جداً، لكنني أشير باختصار إلى أهم وسائل تزكية النفس، فمن ذلك:

1. توحيد الله تعالى، وقوة التعلق به.

2. ملازمة قراءة القرآن، وتدبره.

3. كثرة الذكر عموماً.

4. المحافظة على الصلاة المفروضة، وقيام الليل ولو قليلاً.

5. لزوم محاسبة النفس بين الفينة والأخرى.

6. حضور الآخرة في قلب العبد.

7. تذكر الموت، وزيارة القبور.

8. قراءة سير الصالحين.

 

وفي مقابل هذا فإن العاقل من يتنبه لسد المنافذ التي قد تفسد عليه أثر تلك الوسائل؛ لأن القلب الذي يتلقى الوسائل والعوائق موضع واحد لا يمكن انفصاله.

 

إذن لا يكفي أن يأتي الإنسان بالوسائل بل لا بد من الانتباه إلى العوائق، مثل: النظر إلى المحرمات، أو سماع المحرمات، اطلاق اللسان فيما لا يعني فضلاً عما حرم الله تعالى.

 

اللهم إنا نسألك وندعوك بما دعاك به نبيك محمد صلى الله عليه وسلم:للهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها".

 

 

وللإستماع إلى القاعدة من هنا

 

 

 

وإلى لقاء آخر مع قاعدة جديدة بإذن الله تعالى ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85.png

(الحلقــة الثانيــة)

 

"من كتاب روضة الأنوارفي سيرة النبيّ المختار"

 

نتحدث بإذن الله في هذه الحلقة عن الآتي:

 

* بقاء النبي صلى الله عليه وسلم في بني سعد بعد الرضاعة :

وكانت حليمة تأتي بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى آمه وأسرته كل ستة أشهر ، ثم ترجع به إلى باديتها في بني سعد ، فلما اكتملت مدة الرضاعة وفطمته ، وجاءت به إلى أمه حرصت على بقائه صلى الله عليه وسلم عندها ، لما رأت من البركة والخير . فطلبت من أم النبي صلى الله عليه وسلم أن تتركه عندها حتى يغلظ ، فإنها تخاف عليه وباء مكة ، فرضيت أمه صلى الله عليه وسلم بذلك ، ورجعت به حليمة إلى بيتا مستبشرة مسرورة ، وبقي النبي صلى الله عليه وسلم عندها بعد ذلك نحو سنتين ، ثم وقعت حادثة غريبة أحدثت خوفاً في حليمة وزوجها حتى ردا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمه . وتلك الحادثة هي شق صدره صلى الله عليه وسلم وإليكم بيان ذلك .

 

* شق الصدر :

قال أنس بن مالك رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع لغلمان فأخذه فصرعه ، فشق عن قلبه . فاستخرج القلب ، فاستخرج منه علقة ، فقال : هذا حظ الشيطان منك . ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ، ثم لأمه – أي ضمه وجمعه – ثم أعاده في مكانه .

 

وجاء الغلمان يسعون إلى أمه – ( وهي المرضعة ) – فقالوا إن محمداً قد قتل . فاستقبلوه وهو منتقع اللون . أي متغير اللون . قال أنس : وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره .

 

* إلى أمه الحنون :

ورجع النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا الحادث إلى مكة ، فبقي عند أمه وفي أسرته نحو سنتين ، ثم سافرت معه أمه إلى المدينة ، حيث قبر والده وأخوال جده بنو عدي بن النجار ، وكان معها قيمها عبد المطلب ، وخادمتها أم أيمن ، فمكثت شهراً ثم رجعت ، وبينما هي في الطريق لحقها المرض ، واشتد حتى توفيت بالأبواء بين مكة والمدينة ، ودفنت هناك .

 

* إلى جده العطوف :

وعاد به صلى الله عليه وسلم جده عبد المطلب إلى مكة ، وهو يشعر بأعماق قلبه شدة ألم المصاب الجديد . فرق عليه رقة لم يرقها لى أحد من أولاده ، فكان يعظم قدره ، ويقدمه على أولاده ، ويكرمه غاية الإكرام ، ويجلسه على فراشه الخاص الذي لم يكن يجلس عليه غيره . ويمسح ظهره ، ويسر بما يراه يصنع . ويعتقد أن له شأناً عظيماً في المستقبل ، ولكنه توفي بعد سنتين حين كان عمره -صلى الله عليه وسلم- ثماني سنوات وشهرين وعشرة أيام .

 

* إلى عمه الشفيق :

وقام بكفالته صلى الله عليه وسلم عمه أبو طالب شقيق أبيه ، واختصه بفضل الرحمة والمودة ، وكان مُقلا من المال . فبارك الله في قليله ، حتى كان طعام الواحد يشبع جميع أسرته ، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم- مثال القناعة والصبر ، يكتفي بما قدر الله له .

 

* سفره إلى الشام وبحيرا الراهب :

وأراد أبو طالب أن يخرج بتجارة إلى الشام في عير قريش ، وكان عمره - صلى الله عليه وسلم- اثنتي عشرة سنة – وقيل : وشهرين وعشرة أيام – فاستعظم رسل الله - r - فراقه ، فرق عليه وأخذه معه ، فلما نزل الركب قريباً من مدينة بُصرى على مشارف الشام خرج إليهم أحد كبار رهبان النصارى – وهو بحيرا الراهب – فتخلل في الركب حتى وصل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فأخذ بيده ، وقال " هذا سيد العالمين ، هذا رسول رب العالمين ، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين " . قالوا : وما علمك بذلك ؟ قال : "إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا خر ساجداً ، ولا يسجدان إلا لنبي ، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة ، وإنا نجده في كتبنا " . ثم أكرمهم بالضيافة ، وسأل أبا طالب ، أن يرده ولا يقدم به إلى الشام خوفاً من اليهود والرومان ، فرده أبو طالب إلى مكة .

 

* حرب الفجار :

وحين كان عمره - صلى الله عليه وسلم- عشرين سنة – وقعت في السوق عكاظ حرب بين قبائل قريش وكنانة من جهة ، وبين قبائل قيس عيلان من جهة أخرى . اشتد فيها البأس ، وقتل عدد من الفريقين ، ثم اصطلحوا على أن يحصوا قتلى الفريقين ، فمن وجد قتلاه أكثر أخذ دية الزائد ، ووضعوا الحرب ، وهدموا ما وقع بينهم من العداوة والشر . وقد حضر هذه الحرب رسول لله - صلى الله عليه وسلم- وكان ينبل على أعمامه ، أي يجهز لهم النبل للرمي .وسميت هذه الحرب بحرب الفجار لأنهم انتهكوا فيها حرمة حرم مكة والشهر الحرام ، والفجار أربعة : كل في سنة ، وهذه آخرها ، وانتهت الثلاثة الأولى بعد خصام وأشتجار طفيف ، ولم يقع القتال إلا في الرابع فقط .

 

* حلف الفضول :

وفي شهر ذي القعدة على إثر هذه الحرب تم حلف الفضول بين خمسة بطون من قبيلة قريش وهم : بنو هاشم ، وبنو المطلب ، وبنو أسد ، وبنو زهرة ، وبنو تيم . وسببه أن رجلاً من زبيد جاء بسلعة إلى مكة ، فاشتراها منه العاص بن وائل السهمي ، وحبس عنه حقه ، فاستعدي عليه ببني عبد الدار ، وبني مخزوم ، وبني جمح ، وبني سهم ، وبني عدي ، فلم يكترثوا له ، فعلا جبل أبي قبيس ، وذكر ظلامته في أبيات ، ونادى من يعينه على حقه ، فمشى في ذلك الزبير بن عبد المطلب حتى اجتمع الذين مضى ذكرهم في دار عبد الله بن جدعان رئيس بني تيم ، وتحالفوا وتعاقدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها أو من غيرهم إلا قاموا معه حتى ترد عليه مظلمته ، ثم قاموا إلى العاص بن وائل السهمي ، فانتزعوا منه حق الزبيدي ، ودفعوه إليه . وقد حضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- هذا الحلف مع أعمامه ، وقال بعد أن شرفه الله بالرسالة: " لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم ، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت " .

* حياة العمل :

معلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم- ولد يتيماً ونشأ في كفالة جده ثم عمه ، ولم يرث عن أبيه شيئاً يغنيه ، فلما بلغ سنا يمكن العمل فيه عادة رعى الغنم مع إخوته من الرضاعة في بني سعد ، ولما رجع إلى مكة رعاها لأهلها على قراريط ، والقيراط جزء يسير من الدينار : نصف العشر أو ثلث الثمن منه . قيمته في هذا الزمان عشرة ريالات تقريباً .

ورعى الغنم من سنن الأنبياء في أوائل حياتهم . فقد قال - صلى الله عليه وسلم- مرة بعد أن أكرمه الله بالنبوة : " ما من نبي إلا ورعاها " .

ولما شب النبي - - وبلغ الفتوة فكأنه كان يتجر ، فقد ورد أنه كان يتجر مع السائب بن أبي السائب ، فكان خير شريك له ، لا يجاري ولا يماري .

وعرف - صلى الله عليه وسلم- في معاملاته بغاية الأمانة والصدق والعفاف . وكان هذا هديه - صلى الله عليه وسلم- في جميع مجالات الحياة حتى لقب بالأمين .

 

* سفره إلى الشام وتجارته في مال خديجة :

وكانت خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها- من أفضل نساء قريش شرفاً ومالاً ، وكانت تعطي مالها للتجار يتجرون فيه على أجرة ، فلما سمعت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- عرضت عليها مالها ليخرج فيه إلى الشام تاجراً ، وتعطيه أفضل ما أعطته غيره . وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مع غلامها ميسرة إلى الشام ، فباع وابتاع وربح ربحاً عظيماً ، وحصل في مالها من البركة ما لم يحصل من قبل ، ثم رجع إلى مكة ، وأدى الأمانة

 

* زواجه بخديجة :

ورأت خديجة من الأمانة والبركة ما يبهر القلوب ، وقص عليها ميسرة ما رأى في النبي - صلى الله عليه وسلم- من كرم الشمائل وعذوبة الخلال – يقال : وبعض الخوارق ، مثل تظليل الملكين له في الحر – فشعرت خديجة بنيل بغيتها فيه . فأرسلت إليه إحدى صديقاتها تبدى رغبتها في الزواج به ، ورضي النبي - صلى الله عليه وسلم- بذلك ، وكلم أعمامه ، فخطبوها له إلى عمها عمرو بن أسد ، فزوجها عمها بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في محضر من بني هاشم ورؤساء قريش على صداق قدره عشرون بكرة ، وقيل ست بكرات ، وكان الذي ألقى خطبة النكاح هو عمه أبو طالب : فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم ذكر شرف النسب وفضل النبي - صلى الله عليه وسلم- ، ثم ذكر كلمة العقد وبين الصداق .

تم هذا الزواج بعد رجوعه - صلى الله عليه وسلم- من الشام بشهرين وأيام ، وكان عمره إذ ذاك خمساً وعشرين سنة ، أما خديجة فالأشهر أن سنها كانت أربعين سنة . وقيل : ثمان وعشرين سنة ، وقيل غير ذلك ، وكانت أولاً متزوجة بعتيق بن عائذ المخزومي ، فمات عنها ، فتزوجها أبو هالة التيمي ، فمات عنها أيضاً بعد أن ترك له منها ولداً ، ثم حرص على زواجها كبار رؤساء قريش فأبت حتى رغبت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجت به . فسعدت به سعادة يغبط عليها الأولون والآخرون .

وهي أول أزواجه - صلى الله عليه وسلم- لم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت ، وكل أولاده -صلى الله عليه وسلم- منها إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية .

 

* أولاده - صلى الله عليه وسلم- من خديجة :

هم : القاسم ، ثم زينب ، ثم رقية ، ثم أم كلثوم ، ثم فاطمة ، ثم عبدالله ، وقيل غير ذلك في عددهم وترتيبهم ، وقد مات البنون كلهم صغاراً . أما البنات فقد أدركن كلهن زمن النبوة ، فأسلمن وهاجرن ، ثم توفاهن الموت قبل النبي - صلى الله عليه وسلم- إلا فاطمة رضي الله عنها ، فإنها عاشت بعده - صلى الله عليه وسلم- ستة أشهر .

 

وألقاكم بإذن الله تعالى في الحلقة القادمة وأحداث جديدة من سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ..

تم تعديل بواسطة عروس القرآن
  • معجبة 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

بسم الله ما شاء الله على حبيباتى

 

أعتذر لكما عن ابتعادى بعض الوقت :blush:

 

سأتابع مذاكرة معكما حبيبتاى فصفحتكما جد رااااااائعة

 

السادسة : اللهم اجعلنا ممن يصلح بين النا س إلا فى حد من حدود الله عز وجل حتى لايلتبس الأمر عندنا

 

السابعة : رااائعة فكم من الناس يــُكافأ باللوم والعتاب فعلا بعد خير ٍ قام به أو شرع فيه

 

الثامنة : فى زماننا هذا غالبا يزرون وزر أخرى إلا من رحم ربى

 

بارك الله فيكما ونفع بكما وتبوأتما من الجنة منزلا

 

وخدونى معكم حبيباتى فأنا أحبكم فى الله :)

 

يسعدنا جدا انا وعروس الحبيبة زيارتك لصفحتنا

ونورينا دائما كلما تسنى لك الوقت

واحبك الله الذي احببتنا فيه

وأسأل الله ان يجمعنا في الجنة سوية برحمته التي وسعت كل شيء

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شارك

إنشاء حساب جديد أو تسجيل دخول لتتمكني من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب جديد

سجلي حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجلي حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلكين حسابًا بالفعل ؟ سجلي دخولك من هنا.

سجلي دخولك الان

  • من يتصفحن الموضوع الآن   0 عضوات متواجدات الآن

    لا توجد عضوات مسجلات يتصفحن هذه الصفحة

منتدى❤ أخوات طريق الإسلام❤

‏ أخبروهم بالسلاح الخفي القوي الذي لا يُهزم صاحبه ولا يضام خاطره، عدته ومكانه القلب، وجنوده اليقين وحسن الظن بالله، وشهوده وعده حق وقوله حق وهذا أكبر النصر، من صاحب الدعاء ولزم باب العظيم رب العالمين، جبر خاطره في الحين، وأراه الله التمكين، ربنا اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وارحم المستضعفات في فلسطين وفي كل مكان ..

×